«هدى» … تقع مرة أخرى!
خرجت «هدى»، والدهشة تملأ وجهها. لقد عرفت الرجل الواقف على الباب، إنه «قيس» … كان يُخفي نصف وجهه، بجوار أن الضوء الخافت يُساعده على الاختفاء. كان الشارع ممتدًّا أمامها. ألقت نظرة سريعة، لكنها لم ترَ أحدًا. توقفت قليلًا تُفكِّر: إن «زبيدة» يجب أن تظهر الآن. إن دورها سيكون داخل المستشفى …
فجأةً ظهر «أحمد» من خلف المستشفى، ومعه «زبيدة» …
أسرعا في اتجاهها، فقالت: أين عثمان؟
أجاب «أحمد»: إنه خلف المستشفى. ثم سأل بسرعة: لماذا خرجتِ الآن؟
قالت بأسف: إن هذه أوامر الدكتور «جوتار»!
شرَد «أحمد» لحظة، ثم قال: لقد أكَّد وجهة نظرنا، إن «جوتار» خشي أن تَكشفي أي شيء، لأنكِ قلت إنكِ عملتِ بالتمريض من قبل! …
اتَّسعت عينا «هدى» دهشة، وهمست: هذا صحيح. لقد أخطأت! …
قال «أحمد» بسرعة: إنه خطأ مُفيد على كل حال، إن هذا يُقرِّبنا مما فكرنا فيه. صمت لحظة ثم تساءل: والآن، نحن نحتاج لوجود أحدٍ بالداخل، لقد خدَّرنا الحارس وأخذ «قيس» مكانه. فلا بد أن نضرب ضربتنا الليلة؛ فنحن لن نترك الجرائم تستمر!
قالت «هدى»: إذن، على «زبيدة» أن تقوم بدورها؛ فقد سمحوا بمُرافِقة غيري. وأخبرتهم أنني سوف أرسل قريبة لنا اسمها «جوشن»! …
أخرجت الورقة التي أعطتها لها «زندي» وقدمتها ﻟ «أحمد». قرأ ما هو مكتوب عليها ثم قال: إنها فرصة جيدة، ويجب استغلالها. صمت قليلًا ثم قال: علينا أن نبتعد الآن، حتى يمر بعض الوقت، فتعود «زبيدة» إلى المستشفى. أسرَعُوا مبتعدين حتى أصبحوا على مسافة كافية. فكَّر «أحمد» قليلًا: يجب الاتصال بالعميل، إننا نحتاج سيارة. بجوار أنه قد يحدث خطأ ما. هيا إلى الفندق. أسرعوا خطواتهم حتى دخلوا الفندق، فتحدَّث إلى العميل، وطلب سيارة بسرعة. في نفس الوقت، شرح له الموقف.
رد عميل رقم «صفر»: سوف تكون السيارة أمام الفندق في خلال ربع ساعة …
وضع «أحمد» السماعة، ثم نظر في ساعة يده. كانت تشير إلى الحادية عشرة.
قالت «هدى»: إنَّ «خديجة» سوف تدخل غرفة الولادة في الواحدة.
هزَّ «أحمد» رأسه وقال: هذا أيضًا موعد مُناسب بالنسبة لنا …
نزلوا بسرعة، وعندما أصبحوا أمام باب الفندق، وصلَتْ سيارة «رينو» زرقاء، نزل منها السائق، ثم انصرف. قفز «أحمد» إلى عجلة القيادة، وركبت «هدى» بجواره، وفي الخلف جلست «زبيدة». اتجه إلى المستشفى. وعندما أصبح عند البوابة، داس «الكلاكس» بطريقة معيَّنة يَفهمها الشياطين، فانفتحت. دخل بسرعة، وقطع المسافة بين البوابة وباب دخول المستشفى بسرعة أيضًا. وعندما وقف، ظهر الرجل الضخم. نزلت «زبيدة» بسرعة. ألقى «أحمد» نظرة سريعة على وجه الرجل. كان يبدو متجهِّم الوجه. فتح الباب بجواره، وانتظر. ذهبت «زبيدة» إلى الرجل. دار بينهما حوار لم يسمعه «أحمد» لكنه استطاع أن يفهم معناه. كان الرجل يَرفُض دخول «زبيدة»، أسرع إليه في نشاط، ثم تحدث إليه.
قال الرجل: إنَّ الدكتور «جوتار» قد أصدر أوامره بعدم دخول أحد.
فكر «أحمد» بسرعة، ثم دخل في حوار معه، حتى يكسب بعض الوقت، وحتى يصرف نظر الرجل عن أي حركة يمكن أن يقوم بها. في نفس الوقت نظر إلى «هدى» نظرةً فهمتها … فانتقلت إلى عجلة القيادة وأدارت المحرِّك. وعندما بدأت تدور السيارة، ضرب «أحمد» الرجل ضربة قوية غير متوقَّعة، جعلت الرجل ينحني إلى الأمام. عاجَلَه بضربة أخرى فاستقام. وبكلتا يدَيه ضربه ضربة أخرى، جعلت الرجل يهتز. تلقاه «أحمد» بين ذراعيه. في نفْس الوقت الذي انفلتَت فيه «زبيدة» فأصبحت داخل الطُّرقة الطويلة الهادئة. كانت «هدى» قد حدَّدت لها مكان حجرة «خديجة» فاتجهت إليها، وعندما فتحت الباب ودخلت. كان «أحمد» قد سحب الرجل، وأوثقه ثم أخفاه بين النباتات الكثيفة في الحديقة. وفي لمح البصر وقَفَ مكانه.
كانت «هدى» قد أحدثت ضجيجًا بالسيارة، حتى لا يَسمع أحد، ما يُمكن أن يحدث. وفي لمح البصر، كانت قد اختَفَت. نظر «أحمد» إلى الطُّرقة الطويلة، كانت شاحبة الضوء. فكر قليلًا، لكن تفكيره لم يَستمرَّ؛ فقد رأى رجلَين يلبسان الملابس البيضاء، ويتَّجهان ناحيته. تحفز وانتظر. غير أن الرجلين، دخلا إحدى الحجرات. فجأةً، شعر بأن جهاز الاستقبال، يستقبل رسالة. وضع يده عليه، وبدأ يتلقَّاها. كانت الرسالة من «عثمان»، أخبره أن سيدة دخلت الآن، من الباب الخلفي، وأنه يُفكِّر في اقتحام الباب.
أرسل «أحمد» ردَّه: لا داعي لدخول معركة مع الحارس، تسلَّقِ السور!
مرت لحظات، ثم ظهرت سيدة، يبدو عليها الحمل، كانت نحيفة القوام تمامًا حتى بدا منظرها مُضحِكًا، اختفت في حجرة جانبية، أشارت إليها إحدى الممرضات، ثم دخلت خلفها. فجأةً، شعر أن الدنيا تكاد تدور به. لقد كانت هناك ممرِّضة تقطع الحديقة في الطريق إليه. حاول أن يَختفي، لكنه لم يجد مكانًا. اقتربت الممرضة أكثر فحاول أن يَعطس، حتى يستدير فلا ترى وجهه، أو يضع وجهه بين يديه. إلا أن الممرضة أنقذت الموقف، فقد تحدَّثَت بلغة الشياطين. وعرَف أنها «هدى». قال لها همسًا: إن هذه مغامرة!
ابتسمت وقالت: إنَّ كل أعمالنا مغامرات. هل تثق فيَّ؟
قال مُبتسمًا: بالتأكيد.
قالت: انتظر أخبارًا!
ثم انتقلت إلى الداخل. وما كادت «هدى» تخطو خطوات في الطُّرقة، حتى ظهرت «زندي» كانت متجهة إلى حجرة «خديجة». توقَّفَت «زندي»، وأشارت إلى «هدى» التي حاولت أن تتجاهل إشارتها بالنظر في اتجاه آخر. إلا أنَّ «زندي» صاحت: أنتِ أيتها الممرضة!
لم يكن هناك مفرٌّ. كان من الضروري أن تتجه «هدى» إليها.
ألقت نظرة سريعة في اتجاه «أحمد» الذي كان يُراقب الموقف. أشار لها إشارات فهمتْها. فأسرعت إلى «زندي» مباشرةً. لم تكن تخشى شيئًا؛ فقد غيَّرَت هيئتها عن طريق قليل من الماكياج، قبل أن تَلبَس ملابس الممرضات.
سألتها «زندي»: مَن أنتِ؟
قال «هدى»: إنني المُمرضة المرافقة للسيدة التي جاءت من «أثينا».
نظرت لها «زندي» في دهشة وتساءلت: وهل جاءت السيدة «مادلين» ومعها مُمرضة خاصة؟
قالت «هدى»: نعم …
ظلت «زندي» تنظر لها لحظة، ثم قالت: كيف لا أعرف؟
قالت «هدى» ببساطة: لقد أخبرنا المستشفى منذ يومين.
تنهدت «زندي» ثم قالت: لا بأس، ربما حدث خطأ ما. توقفت لحظة ثم قالت: هل تعرفين حجرتها؟
تركتها «زندي» واتجهت إلى حجرة «خديجة» حيث تُوجد «زبيدة» …
عندما اختفت «زندي» نظرت «هدى» إلى «أحمد» وتحدثت إليه بالإشارات. حدَّد لها «أحمد» حجرة «مادلين». أسرعت «هدى» إليها. لكنَّها لم تدخل؛ فقد توقفت لحظة. قرأت رقم الحجرة وكان ١٢ أسرعت إلى تليفون الطُّرقة، ثم أدارت رقم ١٢. بعد لحظة جاءها صوت.
قالت «هدى»: إنَّ الدكتور «جوتار» يطلبك. ثم وضعت السماعة.
اتجهت بعيدًا قليلًا على مهَل، حتى تُعطي فرصة لمن يخرج، كانت تفكر: ربما خرجت «مادلين» وليسَت المُمرضة. أو ربما خرجتا معًا … لكن بعد لحظة، حدث ما كانت تتمناه، لقد خرجت الممرضة وحدها. عندما ابتعدت، أسرعت «هدى» فدخلت الحجرة. كانت «مادلين» تجلس على أحد المقاعد، ولا يبدو عليها الإجهاد.
حيَّتها «هدى» بابتسامة ثم قالت: إنني الممرضة الخاصة التي سوف أعتني بالطفل. اسمي «ماجي». لقد جئت من أثينا خصيصًا لكِ. وإذا احتجتِ شيئًا فاطلبيني، قولي أريد ممرضتي الخاصة «ماجي»، وسوف تجدينني أمامك!
هزَّت «مادلين» رأسها في سعادة. ثم سألت: ومتى أدخل غرفة الولادة؟!
قالت «هدى»: في الواحدة والنصف تمامًا!
هزت «مادلين» رأسها: وقالت: بالضبط، هذا هو الموعد الذي حدده الدكتور «جوتار» …
سألت «هدى»: هل تحتاجين شيئًا؟ …
قالت «مادلين»: لا شيء، أشكرك.
تحركت «هدى» إلى الباب، ثم التفتَت إليها مبتسمة وقالت: هل ما زلت تَذكُرين اسمي؟ …
قالت «مادلين»: أوه «ماجي». إنكِ سوف تكونين مسئولة عن الطفل …
هزَّت «هدى» رأسها وقالت: نعم أيتها السيدة «مادلين»! … ثم خرجت.
كانت المستشفى، قد بدأت حركة العمل فيها. ولذلك، كان هناك عدد من الممرضات يتحرَّكن بسرعة، ويدخلن الحجرات، التي كانت تلمع فوقها لمبة حمراء، فعرفَت أنها حجرة الولادة. لم يكن أحد ينظر إلى أحد. كان الجميع مشغولين. ولذلك، فقد مرَّت أكثر من واحدة بجوار «هدى» دون أن تلتفت إليها، أو تتحدث إليها بكلمة. وكانت هذه حالة في صالح «هدى». وسط هذه الحركة، اتجهت «هدى» إلى حجرة «خديجة». كانت «زبيدة» تجلس بجوارها على السرير، بينما السيدة يبدو عليها الخوف.
اقتربت منها «هدى» مُبتسِمة وقالت: هل أنتِ خائفة يا سيدتي؟
نظرت إليها «خديجة» لحظة ثم قالت: نعم … بعض الشيء! …
ابتسمت «هدى» وقالت: لا تَخافي … فسوف تسعدين عندما تسمعين بكاء طفلك العزيز.
ابتسمت «خديجة». في نفس الوقت كانت «زبيدة» تنظر ﻟ «هدى» في حيرة أنها تعرف «هدى» وتعرف صوتها جيدًا، لكن هذه ليست «هدى» التي أمامها.
قالت وهي تنصرف: سوف أمرُّ عليكِ في وقت آخر، قبل أن تذهبي إلى غرفة الولادة …
ابتسمت «خديجة»، وأخذت «هدى» طريقها إلى الباب. تبعتْها «زبيدة» التي كانت تملؤها الرغبة في أن تعرف هذه المُمرضة.
عند الباب، قالت «هدى» وهي تخرج: لا تُفكِّري كثيرًا، إنني أعمل معكم.
اتَّسعَت عينا «زبيدة» دهشة، فابتسمت «هدى» وقالت: ألستِ «زبيدة»؟ … ثم أضافت بعد لحظة: هل تريدين دليلًا آخر.
فجأة، ظهر الدكتور «جوتار». كان خارجًا من غرفة الولادة، وخلفه أحد مُساعديه نظر ناحيتهما ثم استمرَّ في طريقه متحدِّثًا: الحجرة ١٢ سوف تدخل في الواحدة والنصف. الغرفة ٨ تدخل في الواحدة، فهي على وشك الولادة … كان الصوت يتباعد مع تباعدهما.
هزَّت «هدى» رأسها، وهمست: لقد حانت اللحظة الحاسمة.
برقَتْ عينا «زبيدة»: وقالت في همس: إنكِ بارعة تمامًا، ولا يكاد أحد يعرفك.
ابتسمت «هدى» وقالت: عليكِ «بخديجة»؛ فهي مسئوليتك وسوف تريني هناك. إن الأمور تسير بشكل طيب … ثم انصرفت …
دخلت «زبيدة» الحجرة، وأغلقت الباب. كانت تكتم ضحكة، بعد أن عرفت «هدى». في نفس الوقت، كانت «هدى» قد أسرعت إلى غرفة الولادة. فتحتها بسرعة، واختفت داخلها. لم يكن هناك أحد. ظلت ترقب الحجرة لتُلمَّ بتفاصيلها. كان هناك، بابان يفتحان عليها. أسرعت إلى أقربهما إليها، وأنصتت. لكنَّها لم تسمع شيئًا. أسرعت إلى الباب الآخر، فسمعت بكاء طفل قالت في نفسها: هذه حجرة الأطفال. فتحت الباب في هدوء. كانت هناك سيدة تحمل طفلًا وتنظر له في حنان.
اقتربت منها مبتسمة، وقالت: مبروك، كم هو جميل!
ابتسمت السيدة وقالت: ليس هو … ولكن هي. إنها فتاة …
ابتسمت «هدى» وقالت: إنها جميلة كأمِّها …
بكت الطفلة وكأنها قد فهمت ما قالته «هدى». سألت «هدى» السيدة: هل تحتاجين شيئًا؟ …
ردت السيدة شاكرة. فانسحبت «هدى» إلى داخل غرفة الولادة. وما إن أغلقت الباب، حتى ظهرت «زندي».
اتَّسعَت عيناها وهي تسأل: آنسة «ماجي» ما الذي أتى بكِ هنا؟ …
ابتسمت «هدى» وقالت: كنتُ أُجهِّز الغرفة …
قالت «زندي»: لكن هذه ليست مسئوليتك.
قالت «هدى»: لقد كانت المُمرضات مشغولات، ففكرت أن أساعدهن …
صرخت «زندي»: أنتِ لستِ ممرِّضة. أنتِ … أنتِ …
لقد ارتفع صوتها، بطريقة يمكن أن تجمع آخرين. ويمكن أن تَنكشِف معها «هدى».
ولم يكن هناك مفرٌّ من أن تبدأ عملية الشياطين.