معركة … بعد منتصف الليل!
أسرعت «هدى» بتسديد لكمة قوية إلى فكِّ «زندي» فصرخت. قفزت إليها، ولكمتها لكمة جعلتها تنحني إلى الأمام. وفي لمحة رأت أنبوبة بنج على منضدة صغيرة … سحبت «زندي» التي كانت مُتهالِكة تمامًا، ثم أمسكت بالأنبوبة، وفتحتها، ثم قربتها من أنف «زندي» لم تمر لحظات، حتى كانت قد راحت في غيبوبة كاملة. كانت «هدى» لا تزال تسندها. فكَّرت بسرعة: ماذا يُمكن أن تفعل الآن. أين يُمكن أن تخفيها؟ نظرت حولها … لم يكن هناك سوى دولاب متوسِّط الحجم. قالت في نفسها بسرعة: الحجرة الأخرى … بسرعة سحبتها إلى الحجرة الخالية. كانت الحجرة تضم سريرًا، وكومودينو، ودولابًا، ثم عدة مقاعد. أسرعت إلى الدولاب، ففتحته، ودفعت «زندي» داخله في هدوء، ثم أغلقته. وقفت لحظة تنظر حولها، ثم اتجهت إلى الباب وقبل أن تصله نظرت في ساعة يدها. كانت الساعة قد جاوزت مُنتصَف الليل، قالت في نفسها: لقد اقتربت الساعة الحاسمة … غيَّرت اتجاهها، وخطت ناحية باب آخر، يمر من باب الحجرة إلى غرفة العمليات. فتحت الباب في هدوء. كانت هناك صالة متوسطة الحجم ثم باب زجاجي، يؤدي إلى الحديقة. أسرعت إلى الباب الزجاجي، وفتحته. كانت الحديقة مُمتدة، ولم يكن يظهر شيء. غير أن ضوءًا لمع أمامها في نهاية الحديقة … تردد الضوء بطريقة فهمتها عرفت أن «عثمان» هو الذي يُعطيها الإشارة.
قالت في نفسها: إذن فقد حاصر الشياطين المستشفى … كانت الصالة، متعددة الأبواب، لكنها لم تعرف سوى حجرة واحدة، تلك التي خرجت منها، والتي أخفت داخلها «زندي». وقفت قليلًا، وحاولت أن تَستنتِج اتجاهات الحجرات في المستشفى. لحظات سريعة ثم تقدمت من أحد الأبواب. فتحته في هدوء، ولم يكن به أحد. لكنها استطاعت أن تعرف أن هذه الحجرة: هي حجرة الدكتور «جوتار». وتأكَّد ذلك عندما سمعت صوته يقترب متحدثًا إلى أحد المساعدين.
كان يقول: دكتور «كابلان»، إنني في انتظار الحالة الجديدة … سوف أظل في مكتبي …
أسرعت «هدى» وخرجت من الحجرة إلى الصالة مرة أخرى. فكَّرت: يجب أن أعود إلى حجرة «مادلين»، وأظل هناك حتى يحين الموعد …
أسرعت بتنفيذ ذلك. كانت «مادلين» تجلس على كرسيٍّ مريح، وقد أغمضت عينيها. لكنها فتحتها بسرعة، عندما سمعت صوت الباب.
قالت في هدوء: «ماجي» … إنني قلقة للغاية.
ابتسمت «هدى» وقالت: سوف يَنتهي كل شيء حالًا، هل تُريدين مُهدئًا؟
قالت «مادلين» بعد لحظة: لا أظن أنني أستطيع أن أحتمل!
أخذت «هدى» تتحدَّث إلى «مادلين» أحاديث متناثرة … حدثتها عن الأولاد، وتعب الأم في تربية أولادها. وعندما تطرَّقت إلى حنان الأمومة، ظهرت مسحة من الحزن على وجه «مادلين»، لاحظتها «هدى» قالت في نفسها: إن هذه فرصة … حدثتها عن الأمهات المحرومات من الإنجاب. ازدادت مسحة الحزن على وجه «مادلين» حتى كادت تبكي.
أسرعت «هدى» تسألها: هل هذه أول مرة؟!
لم تستطع «مادلين» الحديث؛ فقد بدأت دموعها تَلمع، شعرت «هدى» بالحزن من أجل «مادلين»، وفهمَت أنَّها بلا أولاد. كان الوقت يمر، لكن «هدى» كانت تلمَح ساعتها بين لحظة وأخرى.
وعندما اقتربت من الواحدة، قالت ﻟ «مادلين»: سوف أذهب إلى هناك، لأرى الاستعدادات!
نظرت «مادلين» بابتسامة واهنة وهزَّت رأسها شاكرة. انصرفت «هدى» خارج الحجرة. لكنها لم تكد تظهر على الباب، حتى رأت «خديجة» تسير بين ممرضتَين في إجهاد. في نفس الوقت رأت «زبيدة» تقف على الباب، لم تغادر مكانها، وظلت واقفة حتى دخلت «خديجة» غرفة الولادة. لم تُضيِّع «هدى» الفرصة. أسرعت في اتجاه «زبيدة» وأخبرتْها بكل ما حدث. وطلبت منها إرسال رسالة إلى «أحمد»، لأنها سوف تكون مشغولة بمراقبة الموقف.
دخلت «زبيدة» الحجرة، وأسرعت «هدى» إلى الحجرة الأخرى، الملاصِقة لغرفة الولادة. كانت شبه خالية، إلا من بعض المقاعد وسرير صغير يتَّسع لفردٍ واحد. فكَّرت: لمن تكون هذه الحجرة. إنها تبدو وكأنها أُعدَّت لقَضاء وقتٍ قصير … سمعتْ صوت أنين، فاقتربت من الباب.
جاءها صوت دكتور «جوتار» يقول: سيدة «خديجة» ساعدينا حتى نسمع صوت المولود …
ارتفعت الأنات أكثر، ثم استمرَّت، عرفت أن «خديجة» في حالة وضع الآن … نظرت في ساعة يدها … كانت الواحدة والربع. قالت في نفسها: إن «مادلين» سوف تكون في الطريق الآن، إلى حجرة الولادة الأخرى …
ظلت تتسمع إلى صوت «خديجة». في نفس الوقت، كانت تُفكر: «هل تذهب إلى «مادلين» وتصحبها إلى حجرة الولادة؟ أم إن ذلك ربما يكشف الموقف … انتظرت قليلًا ثم بدأ جهاز الاستقبال يعطي إشارات. عرفت أنها رسالة من الشياطين …
كانت الرسالة من «أحمد» تقول: كل شيء على ما يرام هل أفكارنا صحيحة؟
ردت بسرعة: إنني في انتظار التأكيد النهائي …»
ارتفعت صرخة حادَّة، عرفتْها … فقد كان صوت «خديجة». لم تمرَّ لحظة، حتى ارتفع صوت بكاء طفل، ثم صوت دكتور «جوتار»: لا بأس، لا بأس، ها هو يصرخ. أظنُّ أنكِ الآن، أحسن حالًا … لكن، لم يكن هناك رد.
قال «جوتار»: آنسة «سافيرس» خذي المولود إلى حجرة الأطفال …
لمعت عينا «هدى»، فكَّرَت بسرعة: أين تكون حجرة الأطفال هذه؟
فجأة. كان باب الحجرة يفتح، في لحظة، كانت قد قفزت، وخرجت من الباب الآخر. أغلقت الباب، ووقفت خلفه. ظلت تتسمَّع إلى أيِّ صوت. ولم يكن هناك سوى بكاء الطفل. ظلَّت في مكانها، لكنها نظرت في ساعة يدها، كانت قد تجاوزت الواحدة والنصف قالت لنفسها: إنَّ «مادلين» الآن في الانتظار …
فجأةً مرة أخرى، فُتح الباب … ظلَّت مُلتصقة خلفه، حتى اختفت مع دورانه. ظهرت الآنسة «سافيرس» تحمل الطفل. ولم يكن يبكي. في هذه اللحظة، تجاوزت سافيرس الباب، ثم فتحت بابًا آخر في نفس الحجرة، ودخلت. ظلَّت «هدى» ثابتة في مكانها. ظهر الدكتور «جوتار» ودخل نفس الحجرة التي دخلتها «سافيرس»، تساءلت «هدى»: هل هذه حجرة أطفال أم أنها حجرة أخرى؟ …
لم يكد ينتهي تساؤلها، حتى سمعت صوت «مادلين» تقول: كم هو جميل هذا الطفل.
قال «جوتار»: إنه ابنُكِ يا سيدة «مادلين» …!
اتسعت عينا «هدى» دهشة، وقالت في نفسها: إذن، هذه هي اللعبة … إنهم يأخذون الأطفال من أمهاتهم، ويعطونهم لمَن لا يُنجبن … تذكَّرَت لحظة، لقد تأكَّدت الآن لماذا بكت «مادلين» عندما حدثتْها عن السيدات اللائي لا ينجبن!
جاء صوت «مادلين»: ومتى أخرج؟ …
قال «جوتار»: قبل طلوع الشمس …
مرت لحظة صمت، ثم ظهر «جوتار» يقطع الحجرة، إلى حجرة الولادة، ثم يَختفي داخلها، ويغلق الباب. ظلت في مكانها. جاءتها رسالة عاجلة من «زبيدة» تقول: إنَّ «خديجة» قد عادَت إلى حجرتها بدون الطفل، واستغرقت في النوم مباشرةً.
مرت لحظات ثم ظهرت «سافيرس». أغلقت الباب، واقتربت في خطوات سريعة، من الباب الذي تختفي خلفه «هدى». أمسكت أُكرة الباب ثم جذبته لتغلقَه. لكنها رأت «هدى»، فظهرت الدهشة على وجهها. غير أنَّ «هدى» كانت قد استعدَّت لهذه اللحظة. ففي حركة سريعة، كانت «سافيرس» تدور في الهواء، وكأنها قشَّة وسط عاصفة. في نفس الوقت، قابلتها «هدى» بلكمة عكسية، جعلتها تصرخ من الألم. لكن «هدى» أسرعت إليها، وأخذتها بين ذراعيها، ثم وضعت يدها على فمها. كانت «سافيرس» قد شعرت بدُوار، جعلها لا تستطيع المقاومة. ضربتها «هدى» بقبضة يدها ضربة قوية، جعلتها تفقد الرشد تمامًا. جرَّتها إلى السرير الصغير، ثم دفعتها في هدوء إلى أسفله، فتمددت تحته. كان السرير تُغطِّيه ملاءة، تكفي لأن تخفي أي إنسان، يرقد تحته.
أسرعت بإرسال رسالة إلى «أحمد» بما حدث. جاءها الرد بسرعة: إن كل شيء تحت سيطرتنا الآن. سوف نبدأ بالهجوم. استعادَت هدوءها لحظة، ثم رسمت ابتسامة على وجهها وتقدمت إلى حجرة «مادلين». دخلت فرأتها تَحمل الطفل، وهي تنظر إليه في سعادة.
قالت «هدى»: مبروك، أظن أنكِ الآن أحسن حالًا.
ابتسمت «مادلين» وقالت: نعم …
اقتربت منها «هدى» وقالت: سوف نأخذ الطفل لإجراء بعض الإجراءات العادية …
نظرت لها «مادلين» لحظة، فقالت «هدى»: هل اخترتِ له اسمًا؟ …
ابتسمت «مادلين» ابتسامة عريضة وقالت: نعم، سوف أُسمِّيه «روبرت» …
هزَّت «هدى» رأسها، وقالت: اسم رائع …
مَدَّت يديها لتأخذ الطفل الذي كان نائمًا. ترددت «مادلين» قليلًا، ثم مَدَّت يديها بالطفل. حملته «هدى» وقبَّلته، ثم انسحبت في هدوء. خرجت إلى غرفة العمليات فلم تجد فيها أحدًا. فأخذت طريقها إلى الطُّرقة. فتحت الباب، وألقت نظرة سريعة، لم يكن هناك أحد.
اتجهت إلى حجرة «خديجة» وفتحت الباب. كانت «زبيدة» تجلس بجوار السرير الذي ترقد عليه «خديجة» اتَّسعت عينا «زبيدة» دهشة، لكن «هدى» أسرعت تُحدِّثها بلغة الشياطين، وتشرح لها الأمر. ازدادت دهشة «زبيدة». في نفس الوقت، كانت «خديجة» تنظر لها في سعادة، وهي تمدُّ يدَيها لتأخذ طفلها. قدمته «هدى» لها. احتضنَت الأم ابنها في حب حقيقي …
وكانت «هدى» قد انشغلت مع «زبيدة»، فقالت لها: عليكِ الآن، بحراسة «خديجة»؛ لأن الشياطين سوف يضربون ضربتهم …
غادرت «هدى» الحجرة مرة أخرى إلى الطُّرقة. ما إن خرجت، حتى كان صوتٌ يَصرُخ: من هي «ماجي» هذه؟ …
فجأة ظهر رجل قويُّ البُنيان، يبدو أنه أحد العاملين بالمستشفى. اقترب من «هدى» بسرعة وهو يقول: أنتِ «ماجي»؟ …
ابتسمت «هدى» وقالت: لا يا سيدي …
نظر لها لحظة: مَن أنتِ إذن؟ …
قالت: إنني «توركان» …
سأل: أنتِ جديدة هنا، فلم أركِ من قبل …
قالت: نعم، لقد عُيِّنت أمس فقط …
نظر لها الرجل في حيرة، لكنَّ حيرته لم تستمرَّ فقد ظهر الدكتور «كابلان». اتجه ناحيتهما، كان يبدو غاضبًا وفزعًا في نفس الوقت.
نظر إلى «هدى» لحظة، وسألها: ماذا تعملين هنا؟
ابتسمت في هدوء وأجابت: أعمل في المستشفى يا سيدي …
قال «كابلان»: منذ متى؟
أجابت: منذ أمس …
سأل: ومَن الذي أتى بكِ …
قالت: الدكتور «جوتار» …
نظر «كابلان» إلى الرجل القوي وقال: هل تعرفها؟
قال الرجل: لا يا سيدي الدكتور. هذه أول مرة أراها فيها …
فجأة، ظهر ما لم تكن توقعه «هدى». لقد ظهرت «سافيرس». ما إن رأتها، حتى صرخت: إنها هي …
وقبل أن يتحرَّك أحد، كانت «هدى» قد طارت في الهواء، وفي ضربة مزدوجة، كانت قد أطاحت بالدكتور والرجل الآخر. وقفت «سافيرس» تنظر لها في دهشة، ثم صرَخَت، واختفت في أقرب حجرة لها. كانت «هدى» قد تبعت «كابلان». فقبل أن يُفيق من ذهوله، كانت قد وجَّهت إليه لكمة قوية. لكنه تلقاها في براعة، واستطاع أن يُفلِت منها. في نفس الوقت، سدد ضربة قوية ﻟ «هدى» التي استطاعت هي الأخرى أن تتلقَّاها بلا تأثير. غير أنه في لمح البصر، كان قد أمسك بقاعدة رخامية، وأطاح بها في اتجاه «هدى» التي أفلتَت منها. وعندما حاول الهرب وقفت «هدى» تنظر إليه … لكن «كابلان» لم يكن يرى مَن في انتظاره. لقد كان «قيس» يأتي من الطرف الآخر للطُّرقة، وما إن رآه «كابلان» حتى ارتسم الخوف على وجهه، ففتح أول باب قابله لكنه مرة أخرى وقف لا يستطيع حراكًا، وبدا أنه أخذ يفقد وعيه؛ فقد وجد في وجهه «أحمد» الذي تلقَّاه بين ذراعيه، قبل أن يسقط على الأرض.