كان يوم راشيا فهلعت قلوب وتهللت قلوب، وأخيرًا انتصر الحق وعاد الشيخ الرئيس — بشارة
خليل الخوري — ومعه حكومته «الرياضية»، فاشتعلت ذوائب لبنان ومفارقه ابتهاجًا بالبشرى،
فنظمت هذه الأبيات ساعتئذ، بعد سنوات عشر لم أقل في أثنائها بيت شعر، ولن أقول بعدها،
إن شاء الله.
وبما أنني آليت أن أعترف لك اعترافًا صادقًا أقول: إنني قلتها على هذه القافية
معارضًا الشاعر الذي هنأ فخامة الشيخ بالرئاسة، فبنى قصيدته على قافية الشريف الرضي
القائل «لابن عمه» الخليفة القادر بالله:
قد سميتها يوم قلتها «أضحية العيد» لأنها ولدت يوم «عرفة» عام ١٩٤٣، بعد عودة الشيخ
من قلعة راشيا بأيام. إن هذه القصيدة لم تنشر ولم ترفع إلى صاحبها، ولولا أنها جزء متمم
لهذا الديوان لظلت مطوية إلى يوم أطوى.
تصحيح: كنت ظننت الشاعر يعارض الشريف مستلهمًا ما بين اسمه واسم صاحب الفخامة الحالي
من اتفاق، فإذا بي، وأنا أنظر في كتابي «على المحكِّ» لأقدمه إلى الطبع، أرى له قصيدة
تهنئة في صاحب فخامة سابق، من هذا الوزن والقافية.
نُورٌ وَنَارٌ فِي سَمَاكِ يُحَلِّقُ
فَتَعَهَّدِيهِ بِنَهْضَةٍ لَا تُسْبَقُ
هَذَا «لِوَاؤُكِ» يَا بِلَادِي فَانْظُرِي
عَلَمَ الْفُتُوَّةِ كَيْفَ قَامَ يُصَفِّقُ
قَدْ أَنْقَذَ الشَّرَفَ الرَّفِيعَ مِنَ الْأَذَى
فَعَلَى «جَوَانِبِهِ» الدِّمَا تَتَدَفَّقُ
وَالْمَجْدُ مُبْتَدِرٌ، وَخَيْرُ الْقَوْلِ مَا
جَاءَ ارْتِجَالًا وَالْمُحَكِّكُ مُخْفِقُ
•••
عَهْدٌ عِصَامِيٌّ يُسَوِّدُ نَفْسَهُ
عَهْدٌ يَقُولُ الشِّعْرَ فِيهِ «الْبَطْرَقُ»
مَهْ يَا زُهَيْرُ، فَإِنْ عَرَتْكَ سَآمَةٌ
فَشُيُوخُنَا تَهْوى الْحَيَاةَ وَتَعْشَقُ
طَرِبُوا لِلِاسْتِقْلَالِ أَحْمَرَ قَانِيًا
رَيَّانَ مِنْهُ دَمُ الْكَرَامَةِ يَعْبَقُ
إِنَّ الدَّمَ الْفَوَّاحَ خَيْرُ هَدِيَّةٍ
لِلْأُمَّةِ الْعَذْرَاءِ وَهْوَ الْموثِقُ
هُوَ خَيْرُ مَهْرٍ لِلْعُهُودِ إِذَا الْتَوَتْ
وَبِهِ يُسَجَّلُ صِكُّهَا وَيُصَدَّقُ
•••
مَرْحَى بشَارَةُ، إِنَّ «يَوْمَكَ» خَالِدٌ
يَوْمٌ أَفَاقَ عَلَى صَدَاهُ الْمَشْرِقُ
فَاسْتَبْسَلَ الْبَلَدُ الطَّعِينُ يَحُفُّهُ
حَقٌّ بِهِ لُسْنُ الْعَوَاصِمِ تَنْطقُ
وَلَرُبَّمَا دَانَ الْكميُّ لِأعزَلٍ
فَالْحَقُّ سُلْطَانُ السِّلَاحِ الْأَعْرَقُ
يَا وَجْهَ لبنانَ احْمَدِ الْيَوْمَ السُّرَى
فَاللَّيْلُ زَالَ وَلَاحَ فَجْرٌ مُشْرِقُ
إِنَّ الْأُمُورَ بِوَقْتِهَا مَرْهُونَةٌ
فَإِلَيْكَ مَجْدًا كَنْزُهُ لَا يَنْفُقُ
يَا شَيْخَ لبنَانَ الْأَشَمَّ بلغْتَ مَا
تَرْجُو وَهَا أَنْتَ الرَّئِيسُ الْمُطْلَقُ
فَارْفَعْ لَنَا الْعَلَمَ الَّذِي لَا يَنْطَوِي
وَانْسجْ لَنَا الثَّوْبَ الَّذِي لَا يُخْلِقُ
سِرْ بِالسَّفِينَةِ، لَا تَدَعْ سُكَّانَهَا
وَاهْجُرْ رقَادَكَ فَالْعُبَابُ يُؤَرِّقُ
يَا أَيُّهَا الرُّبَّانُ، كُنْ حَذِرًا فَفِي
جَوِّ السِّيَاسَةِ أَلْفُ نَوْءٍ يُغْرِقُ
كُنْ لِلْكَرَامَةِ مِثْلَمَا عَوَّدْتَنَا
وَاحْذَرْ فَعَيْنُ الْمَجْدِ يَقْظَى تَرْمُقُ
•••
قَالُوا «رِيَاضُ» فَقُلْتُ: هَذَا غَابَة
فِيهَا مِنَ الْأُسْدِ الْأَشَاوِسِ فَيْلَقُ
صَلْبُ الْعَقِيدَةِ وَعْرَةٌ أَخْلَاقُهُ
كَجِبَالِ لُبْنَانٍ فَلَا يُتَسَلَّقُ
•••
لبنَانُ يَا بَيْتَ الْحَضَارَةِ، لَا تَرَى
إِلَّا فُؤَادًا عِنْدَ ذِكْرِكِ يَخْفقُ
أَمَنَارَةَ الشَّرْقِ الَّتِي لَا تَنْطَفِي
وَشُعَاعُهَا فِي الْعَالَمِينَ مُفَرَّقُ
لَا زِلْتَ سَبَّاقًا إِلَى غَاي الْعُلَى
وَبِكُلِّ مَعْرَكَةٍ يُظِلُّكَ بَيْرَقُ