الفصل الثالث
لكل حرفة شيخ ينتخبه شيوخ الكار ممن اشتهر بحسن الأخلاق والطويَّة، وامتاز بمعرفة أصول الحرفة. ولا يشترط به كونه أكبرهم سنًّا، أو كونه من الشيوخ فعلًا؛ فيجوز أنْ يكون حديث السنِّ إلى حدٍّ معلوم، فإن شيخ الحرفة القُفَيْلاتيَّة سنُّه من ٢٥ إلى ٣٠ سنة، وشيخ الجُلَيْلاتيَّة من ٢٠ إلى ٢٧، والكَمَرْجيَّة ٢٠ تقريبًا. والقاعدة بذلك هي كما ذكرت أعلاه بأن يكون حاويًا حسن الصفات، وعنده إلمام بأمور الكار، وأنْ يكون كما قيل لي «مدفوعًا» بين الناس، «وموجَّهًا» عند أرباب الحكومة؛ (أي ذا وجاهة)، ومن المحتمل أنَّه لا يكون هكذا فعلًا، ويكفيه أنَّه حاز على هذا الصيت عند أهل حرفته بنجاحه يومًا ما بحل مشكلة.
وفي بعض الحِرَف تنتقل المشيخة بالإرث من الأب للابن، وهذا لا يخالف قاعدة الانتخاب؛ لأنَّه على كلٍّ لا يكون إلَّا بسماح من شيوخ الكار مراعاة لخدامات الشيخ المستوفية. وأمَّا إذا رُئِيَ انتخاب غيره أكثر موافقة؛ فيجرون الانتخاب بدون مراجعة. أمَّا مدة الشِّيخة فغير محدودة، فيلبث الشيخ طول حياته شيخًا ما لم يجرِ منه ما يوجب إبداله بسواه.
ومن حقوق الشيخ أنْ يعقد مجالس لصالح الحِرفة يترأسها، ويسهر على حفظ ارتباط الكار، ويقاصَّ من أتى بإخلال في حقِّ الصنعة، وكثيرًا ما يكون مكلَّفًا لإيجاد شغل للفَعَلة، فيوصي بهم المعلمين. وله وحده الحقُّ أنْ يشد بالكار المبتدئين الماهرين، فيصيرون صناعًا أو معلمين. وله بعض الإيرادات — سيأتي ذكرها — ومعه تكون مخابرة الحكومة فيما يتعلَّق بحرفته.
أمَّا التصديق عليه من شيخ المشايخ فيتمُّ هكذا: يذهب أهل الحِرفة من الشيوخ والمعلمين، وبعض الصنَّاع المشدودين بشيخهم الجديد إلى شيخ المشايخ، فيدخلون عليه ويقولون: «إننا قد عَيَّنَّا فلانًا شيخًا علينا»، فيأخذ شيخ المشايخ بأن يتلو عليه بعض آيات قرآنيَّة، ثم يقدِّم له النصائح اللازمة لإدارة حِرفته بالعدل والاستقامة، والسهر على صالحها، ثم يسلِّمه العهد، وبعد ذلك يقال عن شيخ الحِرفة الجديد إنَّه قد دخل على بساط الشيخ؛ أي إنه فاز بالتصديق على مشيخته من لدن شيخ المشايخ.
وفي واقع الأمر عند التصديق يُمَدُّ أمام الشيخ بساط أخضر تذكارًا ببساط النبي ﷺ، وعليه يُسلَّم العهد إلى شيخ الحِرفَة الجديد أمام الحضور بصوت منخفض.
تعذَّرت عليَّ أولًا معرفة هذا العهد وكيفيَّة إعطائه، لكنه بلغني فيما بعد أن ما هو إلَّا نفس العهد الذي يُؤخذ على الصانع حين شدِّه، وسيأتيك بيانه.