الفصل الرابع
كما أنَّ لكلِّ حِرفَة شيخًا، كذلك لكلِّ حِرفَة شاويش، ونسبته للشيخ كنسبة النقيب إلى شيخ المشايخ، والفرق بينهما هو أن ليس للشيخ وحدهُ أنْ ينتخب الشاويش، بل الكار يستحسنه إذا ما قلنا ينتخبه. وليس للشاويش حقٌّ ولا سلطة قضائية على أهل حِرفَته، بل هو رسول الشيخ ومتمِّم أوامره، فهو يدعو بإذن الرئيس شيوخ الحِرفَة وسائر أهلها للاجتماع، ويكلِّفهم لحضور الشَّدِّ والولائم، ويُبلِغ الجزاء لمن حكم عليه الشيخ بشيء.
ومما فهمته عنه أنَّه يجنح على الغالب للصنَّاع أكثر مما يميل لسواهم من أهل الكار؛ فإنَّه يَعُدُّ ذاته منهم، حتى إنَّه عند الثورات التي تحدث من الفعلة على المعلِّمين بطلب تزييد الأجرة — ويعبِّرون عنها بقولهم «الكار قالع»؛ أي ثائر — هو الذي يطوف عليهم ويحثَّهم على الثبات لنوال المقصود.
وربما ظنَّ أحد أنَّ وظيفة الشاويش مستحدثة بسبب أنَّ هذه التسمية غريبة عن العربية وفارسيَّة الأصل، ولكن هذا الظن غير صحيح، فإن وظيفة الشاويش قديمة جدًّا، وأعتقد أنَّه كان له في الأصل تسمية غير هذه لم أقف عليها، وأنَّه حدث بها ما حدث على تسمية المُحْظُر — وصحيحها المُحْظِر من حظر عليه: وضعه في السجن، أو المُحْضِر من أحضره أمام الشرع — في المحاكم الشرعيَّة، فقد جرى الآن الاصطلاح بتسميته مباشرًا في المحاكم النظاميَّة، فإذا ألغيت يومًا المحاكم الشرعيَّة تبقى تسمية المباشر جارية، وتندثر تلك لا محالة من ذاكرة الناس.