من النهاية إلى البداية
جينز بروكميير
ربما لا يكون من الصعب تمامًا أن نعرِّف سرد السيرة الذاتية: تشير قصة، أو جزء منها، بطريقة أو أخرى إلى تاريخ حياة شخص. طوال هذه السطور المألوفة، يبدو من المعقول أن نفهم سرد سيرة ذاتية باعتباره حياة إنسان تتشكل في الزمن. مثل هذا التعريف لموضوع السيرة الذاتية يهدف إلى التأكيد على الحياة باعتبارها عملية، في مقابل الآراء التي تركز على صورة أكثر استاتيكية للحياة، يتم التعبير عنها غالبًا بمقولات من قبيل «تصور الذات»، أو «الأنا»، أو «أنا». بهذه الطريقة، وضعنا في الصدارة الطبيعة الحساسة للزمن في سرد السيرة الذاتية، ويبدو أن هذه الخاصية للسرد هي ما يجعله طريقة قوية لإعطاء حياة الإنسان نظامًا في الزمن. حتى الآن تناولنا الموضوع — لكن من أو ما ذات سرد حياة؟ من المؤلف، من راوي القصة، ومن الذات خلف هذا الخطاب أو فيه؟ هل هناك ذات، أو ذات واحدة، عمومًا؟ تناقش هذه الأسئلة باستفاضة في نظرية السيرة الذاتية والسرد، وأتناول بعض النقط المركزية في هذه المناقشة فيما يلي.
تتضمن هذه الأسئلة كلها، وأيضًا كل سرد السيرة الذاتية نفسه، مجالًا واسعًا من الفرضيات السيكولوجية والافتراضات الفلسفية بشأن الهوية والسرد والزمن والعلاقة بينها. بالفحص الدقيق، حتى فكرة الحياة نفسها باعتبارها كيانًا معينًا، مسلمًا به كما هو، يتبين أنها غير ثابتة؛ وأيضًا الرأي العام المماثل بأن جشتالت السيرة (السيرة الذاتية) للحياة مطوق بتطور طبيعي من البداية إلى النهاية. وتشكل هذه القضايا البؤرة الثانية لهذا الفصل.
التيمة الثالثة التي نتناولها في هذا البحث رؤية الزمن والزمنية، وهي رؤية تنبثق من سرد السيرة الذاتية، وبالتالي المفاهيم الثقافية للزمن، وهي مفاهيم تقدم إطارًا لعملية السيرة الذاتية. أُومِنُ بأنَّ بناء الهوية يمكن اعتباره أساسًا بنية لنمط معين من الزمن. وأقترح أن يسمَّى زمن السيرة الذاتية، زمن حياة المرء. ويلعب السرد دورًا حاسمًا في عملية البناء هذه، ومن ثم أكرس اهتمامًا خاصًّا لخصائص «زمن السرد».
أخيرًا، ينبغي أن أذكر في البداية مباشرة أنني، لأشرح براهيني، سوف أناقش مادة قد تبدو غير عادية في هذا السياق. ولا أعتمد على النصوص السردية فقط بالمعنى اللغوي الضيق، لكنني أعتمد أيضًا على النصوص الأيقونية البصرية مثل النسيج السردي للوحات. وبدقة أكثر، سأقرأ البورتريه باعتباره جنسًا خاصًّا من سرديات الحياة. وأثناء ذلك أوضح أن تاريخ الفن منذ عصر النهضة يقدم جنسًا لرسم السيرة (الذاتية) يسمح بنظرات متعمقة جديدة ليس فقط في النسيج السردي للبورتريهات الذاتية، لكن أيضًا في طبيعة السيرة الذاتية.
(١) الغائية بأثر رجعي
في المقابل، الذات في خطاب السيرة الذاتية اليومية، وكأنها غير مرتبطة تمامًا بطليعة قصة قرن الحداثة وما بعد الحداثة، المحور البنائي لتنظيم السرد عادةً. ولأنها في مركز الحبكة وتحدد محاور القصة، تبدو غالبًا، كما يقول جيروم برنر (١٩٩٠م، ص١٢١) «ذات بطل في عملية بناء: سواء كانت عاملًا نشطًا أو مجرِّبًا سلبيًّا، أو أداة لمصير ملتبس». في عملية البناء هذه تظهر أيضًا فكرة تعتبر حياة الإنسان تطوُّرًا زمنيًّا. أهتم خاصةً بهذه الفكرة وتصورها الضمني للزمن، لأنني أتوقع أن تتضمن ميتافيزيقا غريبة.
يستمر برنر، في مقاله في هذا الكتاب، في الإيحاء بأن دور البطل الذي تلعبه الذات ربما يرتبط بالمجموعة الكاملة التي ندعوها سيرة ذاتية. لا شك في أن هناك شيئًا غريبًا بشأن هذه المجموعة: إنها قصة في الوقت ذاته عن الماضي والحاضر؛ عملية يمتزج فيها الاثنان؛ وعن المستقبل أيضًا، مستقبل يبدأ في لحظة حكي القصة. وهي أيضًا عن التزامن، أي الامتزاج بين الأشكال أو الصيغ الثلاث لزمن الإنسان — يمكن أن نفترض أنه سيناريو معقد إلى حد ما. ومن الغريب جدًّا أننا حين نقرأ أو نسمع سرد حياة لا ندرك عادة هذا البناء المخادع. لكن السيرة الذاتية، حتى في معظم أشكالها الأساسية، حكايةٌ دائمًا، يقدمها راوٍ هنا والآن، عن بطل يحمل اسمه هناك وحينذاك. لا تبدأ إلا على هذه النحو. عادة، حين تنتهي القصة (في الحاضر، حاضر يتطلع إلى المستقبل)، ينصهر البطل مع الراوي: أحكي قصة عن شخص يتبين في سياق هذه القصة أنه أنا، أي أنا الذي يحكي هذه القصة طوال الوقت. لا يميز هذان الموقفان منظورين سرديين مختلفين فقط، لكنهما يميزان أيضًا نقطتين سيكولوجيتين مختلفتين تتعلقان بالمرجعية والإطار الزمني. متذبذبة بينهما، تُعرَض ذات السيرة الذاتية.
لماذا تعرض معظم قصص السيرة الذاتية هذه البنية؟ للإجابة على هذا السؤال، نحتاج إلى إلقاء نظرة فاحصة على نسيجها السردي. وللقيام بذلك يمكن أن نميز بشكل أوضح النظامين اللذين ذكرْتُهما للتو، نظام «الحدث السردي» و«الحدث المسرود». يتجلى كل سرد في هذين النظامين. ومن الجلي أن قصة الحياة تُحكى في الحاضر، حاضر الحدث السردي (وينحَّى جانبًا أن هذا الحاضر يمكن أن يقدم مرة أخرى حدثًا في الماضي أو المستقبل، على سبيل المثال، في إطار السرد). هنا والآن المتعلقان بفعل الخطاب السردي، حكي القصة لشخص ما، نقطة الإقلاع في كل قصة. ويبقى أن هذا في النظام المسلسل زمنيًّا في معظم سرديات الحياة هو، في الوقت ذاته، نهاية — وإن تكُن مؤقتة — عملية، تحديدًا، مسار حياة شخص، حياة بدأت في وقت ما في الماضي. هذه العملية هي الحدث المسرود، أو، بشكل أدق، تسلسل الأحداث المسرودة. وتمثل هذه الأحداث المحتوى الحقيقي للقصة.
مرة أخرى، لا أتناول في هذه النقطة أي مضاعفات تنتج عن حقيقة أن الحدث السردي والحدث المسرود، في واقع الخطاب، يمتزجان بطرق عديدة. أريد فقط أن أوضح أن هذه المجموعة عن منظورين زمنيين رئيسيين: منظور يبدأ من الحاضر إلى الماضي، لكن يفعل هذا بطريقة تجعل الحاضر، في النهاية، يتلاءم بشكل متماسك مع المنظور الآخر الذي يقدم، بدوره، مسار الحياة منعكسًا (إلى حدٍّ ما) على طول بعد التسلسل الزمني. في هذه اللحظة، لحظة النهاية، ينصهر الحدث المسرود مع الحدث السردي. تأملْ، على سبيل المثال، تخطيطًا لسيرة ذاتية مثل هذا: «وُلدتُ في مدينة في الوديان الكئيبة والغبية في شمال ألمانيا، وانتهى بي المطاف الآن، بعد سنوات طويلة من الترحال، إلى هذه البلدة الجميلة في هضاب «توسكاني» لأحكي لك، في عصرية مشمسة وأنا أجلس هنا في هذه الساحة، كيف حدث هذا كله». حتى هذا السرد البسيط يتضمن المنظورين ولحظة انصهارهما أيضًا، أي لحظة حكي القصة.
متبعًا الخط الذي اقترحتُه للمناقشة، ربما نمضي لنقول، على الأقل في سرد السيرة الذاتية، من المستحيل تجنب وضع غاية بسبب القيود السردية المتأصلة في هذا الجنس الأدبي. وهذا لا يعني أنني أريد أن أتجاهل أو حتى أستبعد المحاولات التي سبق ذكرها لأدب الحداثة وما بعد الحداثة لمحو حقيقة الذات. وهي محاولات تميل، مثل الأعراض الجانبية، إلى إذابة فكرة التماسك والتطور الخطي. لكنني أتساءل: إلى أي مدى كان للأعمال الطليعية في الفن تأثير على طريقة فهم الناس في ثقافتنا لحيواتهم اليومية. وذكرْتُ، معتمدًا على بارت وإيكو وبروكز، أن معظم سرديات السيرة الذاتية تتبع خطوطًا تقليدية أكثر في الحبكة. يكتب إيكو (١٩٩٤م، ص١١٨): «لأن القصة تبدو بيئة مريحة أكثر من الحياة، نحاول أن نقرأها وكأنها قطعة من قصة تقليدية جدًّا ومن ثم متوقعة.
لكن رغم أن هناك بالتأكيد فجوة بين أدب القرن العشرين والطليعة الفنية وذخيرة السرد المستخدمة عادة في عملية السيرة الذاتية (وأُومِنُ حتى في عملية السيرة الذاتية لمعظم الكتاب والفنانين في الحداثة وما بعد الحداثة)، ليس من الصعب توضيح أن كل قصة سيرة ذاتية تحدث بشكل طبيعي، بشكل أو آخر، تعتمد على النماذج الأدبية. ومن المؤكد أن الثقافة الأدبية للغرب لا تميزها قصة الحداثة وما بعد الحداثة إلا بشكل ضئيل. معظم قَصِّ السيرة الذاتية، الطبيعية والقصصية، تبدأ بطراز تقليدي مع قصة إطارية ملموسة أو سرد تمهيدي لربط قصة الحياة بالموقف الحالي، كما تفعل أية حكاية تقليدية عن الحياة تحكي طبقًا لمحاور الأجناس الأدبية مثل قصة الحج، ورواية التكوين، وقصة الحب، وقصة التحرر، وما شابه: حدث شيء استثنائي، نقطة تحول في الحياة، نجاح أو أزمة، إلهام غير متوقع، شك ذاتي أو تطهير. الآن، ربما في لحظة استعادة المرء لأنفاسه، يثار السؤال، باعثًا الحدث السردي: كيف حدث هذا كله، كيف كان كل هذا ممكنًا؟ وبقدر ما تحاول القصة أن تقدم إجابة لهذا السؤال، يظهر عادة الحدث السردي (والموقف الاستثنائي الذي يندمج فيه) على شكل نتيجة، أو حتى نتيجة منطقية للحدث السردي. وهذا ما أعنيه بالضبط بالغائية بأثر رجعي: نظام لزمن انقضى وزمن مسرود ينبثق فيه الحاضر من الماضي مثل التدفق الشهير للزمن. يبدو أن تدفق الحياة في عملية سرده يتحول إلى تدفق للضرورة.
ثمة نتيجة ضمنية لهذا التحول، وهي أن سرد السيرة الذاتية يميل إلى خسارة بُعد جوهري لحياة الإنسان: الفرصة. يظهر «الزمن المنقضي» في صورة ارتباط مباشر أو خطِّي بين لحظتين محددتين جيدًا في الزمن. بهذا الأسلوب، تبدو شكوك الحياة وعشوائيتها وقد تم استيعابها. ويتقلص حتمًا تعدد الاختيارات، مدرَكة وغير مدرَكة، وهي مميزة جدًّا لقوة الإنسان، إلى سلسلة بسيطة من الأحداث. وكثيرًا ما يمنح هذا البناء الغائي لزمن خطِّي حكاية السيرة الذاتية مغزًى حتميًّا. مصبوبة في نسيج سردي ضيق، تجعل القصةُ الحياةَ تبدو مثل كلٍّ موحد، «مثل سويتر منسوج بكثافة شديدة بحيث لا ينفذ منه الهواء»، بتعبير الكاتبة الإيطالية ناتليا جنزبرج (١٩٥٦م). بمصطلحات نظرية أكثر يمكن التحدث عن الخطية الغائية للصدفة، تأثير يبدو خاصية طبيعية لتطور الإنسان؛ تبدو سمة لطبيعة الإنسان نفسها، شيئًا يعطي وجوديًّا مثل حقيقة أن زمن الحياة محدود.
السؤال الذي أهتم به: كيف يعمل هذا النوع من التحول وكيف يشكل أفكارنا عن الذات والهوية؟ أتوقع أن تكون الغائية الخاصة المنبثقة في هذه العملية عنصرًا أساسيًّا للميتافيزيقا الغامضة لما يعتبر تطورًا في معظم السير الذاتية وسرديات الحياة. ورغم أنني سألقي نظرة في ضوء نقدي إلى حد ما، إلا أنه يبدو نمطًا من التماسك يتشكل، في النهاية، بشكل حتمي حينما نحكي التاريخ، سواء كان حكايات تاريخية أو دراسة التاريخ، أو سرد الأساطير والأشكال الأخرى من الذاكرة الثقافية، أو قصص حيواتنا الفردية.
(٢) «الحياة المنقضية» في السيرة الذاتية والبورتريه
لفحص هذا التحول الغائي الغريب أودُّ تتبُّع السؤال: مَن يحكي القصة؟ لمن نستمع، أيَّ نص نقرأ، أيَّ صور أو أفلام نشاهد حين يعرض سرد حياة؟ بالطبع، يوحي التصور المألوف للسيرة الذاتية بإجابة معينة: السيرة الذاتية عن سيرة مصممة ذاتيًّا، كما نقرأ في «قاموس أكسفورد الإنجليزي»: «قصة حياة شخص كتبها بنفسه.» ورغم أنني لا أتناول هنا كيف تكتب حياة شخص، إلا أنني أستخدم مصطلح «كتابة» بطريقة تختلف عن الاستخدام الشائع في «قاموس أكسفورد الإنجليزي». لن أشير إلى الكتابة مقابل اللغة الشفهية، لكن بمعناها السيميوطيقي أو الفلسفي الأوسع. بهذا المعنى، تعني الكتابة ممارسة لنقش (أي تجسيد) نص له معنى (أي نظام من العلامات) ونتيجة هذه الممارسة: مجموعة من العلامات لها معنى لتُقرَأ وتُفسَّر. من هذا المنظور، تقترب الكتابة مما أشار إليه فيتجنشتاين بلعبة اللغة، رغم أنها لعبة لغوية خاصة.
لكن كيف يمكن لسرد حياة أن يصبح منتجًا أيقونيًّا؟ ما الصور البصرية لتاريخ حياة المرء؟ لنتأمل مثالًا. إذا اعتقدنا أن المنظور الخاص للسيرة الذاتية، كما قدمته للتو، فقد ترد إلى الذهن صورة شخص قد يكون في شيخوخته، ينظر الآن إلى «حياته المنقضية»، ربما ليقيمها، محاولًا أن يوضح المهم، الصواب أو الخطأ، وما يعنيه هذا كله. ربما يجد المرء هنا نموذجًا أصليًّا أيقونيًّا، شيئًا نتوهم أننا رأيناه من قبل ومن الصعب تحديد موضعه لأنه صار جزءًا من ذاكرتنا البصرية الجمعية. ومن مصادر هذا البُعد التصويري لذاكرتنا الثقافية التقاليد الأيقونية الطويلة الثرية في رسم البورتريه، وهو يشكل هذه الرؤية ويوضحها. أطرح هذه التقاليد «لبورتريه السيرة الذاتية» ليس فقط لأنه يقدم مثالًا لمناقشة الرأي التقليدي عن السيرة الذاتية، لكنه يوضح أيضًا، في المقابل، المقاربة التي أود اقتراحها لسرديات الحياة.
في ضوء هذا الاقتراح، أتمنَّى أن تصبح المقولة مقبولة بحيث لا يكون هناك تعارض بين حقيقة أن الرسم، أساسًا، نظام رمزي أيقوني والطبيعة السردية (أي اللغوية)، أساسًا، لعملية السيرة الذاتية. برهاني هو أن الصور والكلمات، التخيل والسرد يتضافران في النسيج السيموطيقي ذاته للمعنى. إنهما مساران متداخلان في الفضاء الرمزي نفسه، فضاء للمعنى تحدث فيه خبرتنا وفيه نحاول أن نفهم العالم.
منذ نشأة البورتريه بوصفه جنسًا مستقلًّا في عصر النهضة، تظهر صور لا تحصى لرجال ونساء في وضع تأمل ذاتي لتؤكد الرأي النموذجي المزعوم عن السيرة الذاتية «من النهاية إلى البداية».
يمكن اعتبار بورتريه رمبرانت «عجوز في مقعد وثير»، المحفوظ في المعرض الوطني في لندن، تمثيلًا قويًّا لهذا الرأي: صورة للجشتالت الفينومينولوجي الذي سماه جوته «الانسحاب من العالم الظاهري». يعرض البورتريه رجلًا عجوزًا يبدو، رغم أن معطفه يشير إلى الثراء ومكانة اجتماعية مهمة، غير مهتم بمظهره الدنيوي. لكن رغم جلسته مجهدًا وشاردًا، نشعر بأنه رأى الحياة وتقلباتها. إلى أي مكان آخر يمكن تتجه نظرته إن لم يكن إلى الماضي، أو، عمومًا، بعيدًا عن الحاضر؟ وهكذا يمكن أن نعتبر بورتريه حياة رمبرانت نموذجًا، تمثيلًا لنموذج أصلي تقريبًا فيما يتعلق بوضع السيرة الذاتية «من النهاية إلى البداية».
في انسحابه من الحاضر إلى ماضي «حياته المنقضية»، كما يمكن القول بالاتفاق مع تعبير جوته، إن ذات السيرة الذاتية ليست وحدها بالضرورة، كما يمكن أن نرى في صورة أخرى. لا تصور تنويعة بيكاسو على هذه التيمة، «النحات وتمثاله»، رجلًا عجوزًا فقط، فنانًا في هذه الحالة، لكنها تصور شخصًا ثانيًا: شابة يتطلع إليها العجوز.
ومن الواضح أن هذه الصورة لا تمثل تيمة العجوز والشابة، الحياة المنقضية والحياة المستقبلية فقط، لكنها تمثل أيضًا تيمة الفنان وتمثاله، وهو عنوان الصورة، وهي ضمن مجموعة برجرين في المعرض الوطني الجديد في برلين. يجلس الفنان في وضع مماثل لعجوز رمبرانت في مقعده الوثير ينظر إلى تمثاله، نتاج عمله وحياته، وهو يريح ذراعه على تمثال آخر بجانبه يبدو أنه بورتريه له. تتجسد إبداعاته، متضمنة الشابة ونفسه، في حجر، مادة تبقيه على قيد الحياة. وهكذا تتفتح نظرته إلى الماضي في الوقت ذاته على نظرته إلى المستقبل، مستقبل أعماله بوصفه فنانًا تستمر حياته حتى بعد وفاته. وطبقًا لذلك، توضع المجموعة كلها أمام سماء زرقاء ساطعة وأفق البحر المفتوح. هذا هو البحر نفسه — كما قد يعتقد المرء، متتبعًا آثارًا لمشهد البحر المتوسط في العصور القديمة — الذي لا بدَّ أن أوديسيوس أبحر فيه.
إنها أيضًا قراءة حَذِرة لصورة تضم أكثر من شخص ومستويات زمنية متعددة للمعنى، تخلق معًا تكوينًا كثيفًا للزمن: تتشابك طبقات متنوعة من الزمن الطبيعي والتاريخ والخلود. وتشمل هذه الطبقات أيضًا خصائص الماضي والحاضر والمستقبل؛ زمن المؤلف وعمليته الإبداعية، وتتضافر معها كلها طبقات الحياة من الشباب إلى الشيخوخة. ومن المؤكد أن هذا السيناريو يسمح بتحليل أكثر دقة للارتباط بالزمن. ومع ذلك، حتى حينذاك لا نتخطى حتى أفق الحياة الواحدة وآفاق زمنها، بقدر كثرتها. مهد بيكاسو نفسُه خشبةَ المسرح: التركيز على الفنان (حتى لو كانت هذه صيغة المفرد العام) وعمله، كما يعلن عنوان الصورة. وبقدر تتبع المسار الذي رسمته الخطوط التفسيرية التقليدية لنقطة امتياز الأثر الرجعي، والتركيز على حياة فردية، وعلى وجود محدد «لحياة منقضية»، يمكننا بسهولة مد الضربات السردية المخططة في صورة بيكاسو إلى قصة سيرة ذاتية حقيقية. لكن هذا يعني أننا ننتقل دائمًا، عبر هذه الخطوط، داخل صيغة ذات فردية تحكي قصة حياتها. وفي هذه الحالة نكون جميعًا أكثر استعدادًا للقيام بذلك لنعرف أن كل أعمال بيكاسو تقريبًا ترتبط بطريقة أو أخرى بحياة الفنان وذاته، ومحاولاته لفهمها.
(٣) البورتريه كتابة حياة
يعرض أيضًا بورتريه دورر من سنة ١٤٩٧م، وهو معروض في المعرض الوطني في لندن، رجلًا في سن النضج. وحيث إننا نعرف أن الصورة تصوره وهو في السبعين، يمكن أن نقول إنه رجل عجوز جدًّا، نظرًا للمتوسط المنخفض المتوقع للحياة في نهاية القرن الخامس عشر وقت رسم الصورة.
لكننا نميل، عند النظر إلى هذا البورتريه للتفكير في رجل عجوز مهيب بأقل ممَّا نميل للتفكير في شخص قوي في نضجه التام. بوعي وثقة في النفس، محدِّد جسديًّا وذهنيًّا، يحدق بحدة، وربما ببعض التحدي، إلى المشاهد. لكن من المشاهِد؟ من المتفحص، من يقيِّم من؟ يجلب السؤال نظرة جديدة، أو بشكل أكثر دقة، عدة نظرات جديدة؟ هناك على الأقل ثلاث طرق محتملة لمثل هذا التقييم، ثلاثة آراء، أو لنقل ثلاثة أصوات، سردية: الرجل المرسوم، والمشاهد، والرسام. من يروى القصة؟ ولمن؟
في المقابل، في هذه اللوحة أهمل دورر بوضوح كل القواعد القانونية لهذا الجنس الفني. بينما يظهر وجه المصوَّر بدقة فائقة، مرسومًا بريشة رفيعة بتقنية تشبه الرسم بالقلم الرصاص، إلا أن ملابس الجليس ليست لا رسمًا تخطيطيًّا. يبدو أنها، مثل بقية الصورة، أبدعتْ دون طموح فني. ويعتقد عدد من مؤرخي الفن أن اللوحة غير مكتملة، أو أنها ليست من أعمال دورر على الإطلاق. ومع ذلك، في قراءتي لهذا البورتريه، هذه العلاقة غير المتوازنة كما يفترض بين الصورة والخلفية لا توضح بالضرورة أن الصورة مجزأة؛ ربما حتى تثري تكوينها، لأننا قد نتوقع — ونحن نعرف الكمال التقني الذي حققه الرسام الشاب — أن الأمر لم يكن ليستغرق منه الكثير ليكمل تفاصيل زخرفة الملابس والخلفية. والاحتمال الأقوى أن دورر في هذه الحالة لم يهتم إطلاقًا بلفت الانتباه إلى السياق وإلى «النصية» الاجتماعية للموديل. كان يريد تصويره بالتركيز التام على وجه هذا الرجل وجلسته الشخصية التي رآها فيه. وهكذا نشعر على الفور بالنبرة الشخصية الأليفة جدًّا للبورتريه.
لنفهم تمامًا هذه الألفة من الضروري أن نضع في الاعتبار السياق الثقافي لجنس البورتريه الفردي. بينما كان البورتريه، في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، شكلًا فنيًّا راسخًا تمامًا في كل أرجاء أوروبا في عصر النهضة، إلا أن ظهور البورتريه جنسًا مستقلًّا حدث في فترة حديثة نسبيًّا. مثل معظم النزعات في ثقافة عصر النهضة، تم تشجيعه بنموذج من العصور القديمة. وتوضح بورتريهات القرن الخامس عشر هذا بجلاء: كانت تقف عادة تحت الكتفين كأنها مكافئة للتماثيل النصفية الرخامية الكلاسيكية، وكانت ترسم غالبًا في بروفيل وكأنها تقليد لرءوس الأباطرة على العملات الرومانية. وفقط في ١٥٠٠م تقريبًا بدأ فنانون مثل ليوناردو ورفائيل وبليني ودورر — الذي اتصل وهو في فيينا في ١٥٠٥-١٥٠٦م ببليني — التحرر من هذا التقليد لينتجوا أعمالًا تختلف عن الأعمال الكلاسيكية السابقة.
تتحقق فكرة البورتريه الذي يعبر عن حياة شخص بتلخيص تاريخ حياته في لوحة دورر بطريقة رائعة. كأن الرسام يعرف الموديل وتاريخ حياة معرفة جيدة بحيث يستطيع أن يحفظ في صورة الرجل العجوز بعض الطاقة والتصميم التي ربما كانت تميز الرجل في شبابه. كان دورر يعرف الرجل معرفة جيدًا؛ الصورة لوالده.
(٤) البورتريه الحواري
كانت العلاقة بين السيرة الذاتية وبناء الهُوية موضوعًا دائمًا في الأدب والنقد الأدبي. وحديثًا صارت، أيضًا، قضية في علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ وعلوم إنسانية أخرى. ظهر أدب جديد في ثلاثة جوانب مهمة للقضية التي نتناولها. الأول: لا يقتصر ارتباط جنس السيرة الذاتية على نصوص كتبها (بالمعنى التقليدي للكلمة) أدباء ومذكرات وقصص الحياة التاريخية والوثائقية بشكل ما. بدلًا من ذلك، نرى أنَّ السيرة الذاتية تتضمَّن أيضًا أشكالًا كثيرة من الخطاب الشفهي، بما فيها الملاحظات المجزأة والعارضة. ثانيًا: لم تعد مثل هذه الحكايات المتعلقة بالسيرة الذاتية مونولوجًا لمتحدث أو كاتب واحد؛ لا يوجد «حاكٍ» يمكن أن توجد قصته من دون «مَحْكيٍّ له». وبالتالي، يُدرَس «الحاكي» و«المحكي»، والتفاعلات بينهما باعتبارها عناصر مترابطة للخطاب، مقيدة بأشكال حوارية وأشكال أخرى لاستخدام اللغة. من هذا المنظور، تُنظَّم قصص الحياة في السيرة الذاتية (أو متفرقات منها) مثل الأفعال الخطابية، الموجهة للمخاطَبين وتلبي وظائف اجتماعية. إنها، مثل المحادثات، أنشطة منظمة ومترابطة.
أريد أن أبرهن على أنَّ هذه النقاط لم تلقِ فقط ضوءًا جديدًا على البنية الاستطرادية الأساسية لنصوص السيرة الذاتية، لكنها صحيحة أيضًا بالنسبة للسيرة (الذاتية) عمومًا، بما في ذلك البورتريه (الذاتي). لتوضيح هذا بالتفصيل، يمكننا الآن أن نختار فحص مختلف الأنشطة التفسيرية، تفاعل وجهات النظر والأصوات والرؤى، المتأصلة في لوحة دورر. ولكن لجعل الأمور أقل تعقيدًا، أقترح طريقة أخرى، ألا وهي التركيز على طبقة من هذا السيناريو الاستطرادي، طبقة الزمن وبنية الزمني المطروحة في هذا الفضاء الرمزي للتفاعل والاتصال.
لكن حتى هنا نواجه عددًا مربكًا من الرؤى الزمنية المختلفة. وقد ذكرنا بالفعل إحدى هذه الرؤى: الرؤية الثنائية الخاصة لفترة الحياة المأخوذة في الوقت ذاته من نقاط تميُّز مختلفة لجيلين. يرى الرسام الشاب الموديل العجوز، لا يراه فقط بدقة تشبه دقة الكاميرا، يراه أيضًا بحساسية تتَّسم بالاحترام. بالإضافة إلى ذلك، تأسر رؤيته العجوز وهو ينظر إلى الشاب. أي هناك بطلان في هذه الصورة، يمثل كلٌّ منهما، كما قد نتوقع، موقفًا مميزًا بشأن زمن حياة الإنسان. كيف نَصِف هذه المواقف؟ من ناحية، يتم التركيز على الحياة بوصفها مستقبلًا، مجالًا من الاختيارات والتوقعات والأهداف المحتملة؛ ومن الناحية الأخرى، ترى الحياة ماضيًا، زمنًا قضيناه وخبرناه. يأتي هذان السيناريوهان الزمنيان مع أشكال مختلفة للموقف الخلقي؛ الإطار العام للنظم المحددة للمعنى والواجبات وقيم الأهمية الشخصية. وتحتوي أيضًا، بالإضافة إلى ذلك، على «تعليقات» متبادلة على النظام الخاص للآخر.
هكذا نرى أن هذا البورتريه يصور رجلًا عجوزًا يراه شابٌّ. لكن ألا توحي الطبيعة الفنية (والسيكولوجية) للوحة والبروفيل الفكري للرسام — اعتُبِر دورر غالبًا أحد أبرز الفلاسفة الرسامين في عصر النهضة — بأن هذه اللوحة الزيتية تعرض صورة أخرى أيضًا: دراسة عن طريقة رؤية العجوز للشاب؟ هل ليوناردو محق حتى في هذا المعنى الجدلي لما يعنيه الديالوج؟
لكن هناك بعض الخصائص المهمة لهذه المجموعة المتعلقة بالسيرة (الذاتية)، لا يشملها «ميثاق» ليوين. أولًا: لا توجد فقط وجهة نظر بأثر رجعي لكن توجد أيضًا، كما رأينا، رؤية بأثر رجعي، وهذا فعليًّا هو نظام الإسقاط الذي تنغمس فيه «الرؤية المستعادة». ثانيًا: رغم وجود تركيز على حياة فرد بشكل مؤكد، إلا أنَّ هذا التركيز نفسه يتم بشكل فردي تقريبًا. ما نتعامل معه ليس مونولوجًا، لكن كيف يرى، أو أراد أن يرى، كل من الرسام والموديل، العجوز والشاب، الأستاذ والمبتدئ، الأب والابن، الآخر. بتعبير مختلف، نشاهد «محادثة لحيوات» خاصة، محادثة، كما يلاحظ برنر (١٩٩٣م، ص٤٧) جزء بارز من خطاب الإنسان. مرة أخرى، تتم المحادثة طبقًا للقواعد والمعايير التي حددها قانون عصر النهضة. ولهذه المحادثة، مثل المحادثات كلها، سيمنطيقا تاريخية. قد نقول بمصطلح فيتجنشتاين، حتى المحادثة المرسومة للحيوات ينظمها نحوٌ ثقافي خاص.
لكن يبدو أن مثل هذا النحو أكثر تفتحًا ومرونة مما يسمح به تصور ليوين. والأكثر من ذلك أن ليوين يفشل في فهم أن الأشكال القانونية التي تحكي بها قصة حياة هي نفسها ليست محددة تمامًا بالثقافة. ليست قوانين علِّيَّة. إنها، بصورة مدهشة، مرنة وقابلة للتفاوض والتكيف مع الظروف التي تعاش بها كل حياة فردية. وخاصة في الثقافة الغربية يمكن رؤية أن هذه المرونة وهذا التفتح خاصية عامة لسرديات الحياة.
ما القصة الحقيقية لحياة والد دورر؟
تبرز، حتمًا، عند هذه النقطة قضية المصداقية. تسعى كل سرديات السيرة الذاتية إلى خلق انطباع بمصداقية أصيلة ولجعل القصة مقنعة. لكن ربما لا توجد قصة حياة تُحكى بضمير المتكلم لا تواجه عاجلًا أو آجلًا مسألة مدى مصداقيتها ومدى «واقعيتها». ما مدى «حقيقة» تمثيلها لحياة؟
بوضع الآراء والأصوات ووجهات النظر السردية المختلفة، التي حددناها في ديالوج هذا البورتريه، في الاعتبار، ليس من المدهش ألا نواجه مسألة الحقيقة فقط — هناك مسألة أخرى أيضًا: أي كينونة كانت «حياة» والد دورر؟ طبقًا للمعيار الثالث عند ليوين، يفترض ميثاق السيرة الذاتية أن الحياة التي تتناولها واقع مفترض. لكن عند هذه النقطة تصبح حتى هذه الفرضية إشكالية. لأن «الحدث السردي» — كما رأينا — لا يتحدد فقط بآليات الديالوج بين الرسام والموديل، لكن يبدو أيضًا أن «الحدث السردي» (الواقع المفترض لحياة والد دورر) متشابك مع هذه الآلية تشابكًا يستحيل فصله. يبدو البورتريه وقد غلَّف هذه التحولات والانعطافات المحيرة في الديالوج، لكن ليحررها مرة أخرى طالما نشاهده.
المهدَّد في محادثة الحيوات هذه — محادثة عمر، كما قد نفترض، تأسرها هذه اللوحة في لحظة واحدة — أنه لا وجود لشيء من قبيل حكاية حياة معطاة بمصداقية. بورتريه الأب، مهما يكُن ما يعرضه، لا يصور واقعًا مفترضًا لتاريخ حياته، بصرف النظر عما قد يكون الرسام نفسه قد اعتقده بشأن البورتريه عمومًا وهذه الصورة خاصة.
بالطبع، المشكلة التي نطرحها هنا أكثر عمومية بكثير. إن الحياة هناك ببساطة، لها جشتالت مميز لأنها انقضت في فترة محددة تمامًا من زمن متتابع معتقد مغروس بعمق في فهم قصص الحياة السائدة في ثقافتنا. إن تصورًا مثل تصور ليوين ليس إلا انعكاسًا نظريًّا لها. وهذا الفهم لحياة الإنسان جزء مما أشرْتُ إليه من قبل بميتافيزيقا سرية للسيرة الذاتية: طريقة لفهم الحياة والهوية والزمن بمصطلحات وجودية تتعلق بالأشياء المادية والكيانات الجوهرية، لا بمصطلحات بناء المعنى، أي الصناعة الفعلية لقصة حياة.
وبالمثل، يوحي بورتريه عصر النهضة برؤية ثقافية خاصة لحياة الإنسان، لحياةِ «شخصيةٍ». لكن حتى لو اعتبرنا البورتريه شكلًا سرديًّا، طريقة تجعل صورة الشخصية تحكي قصة حياتها، إطارًا نظريًّا كما اقترح ليوين، فإن ذلك لا يساعدنا. لا يساعدنا على الأقل إذا أردنا أن نقرأ البورتريه الذي رسمه دورر لأبيه بالطريقة التي اقترحْتُها: باعتباره استكشافًا حواريًّا للحياة وديالوجًا عن بورتريه حياة، وعن الجنس الفني نفسه. وإذا خطونا خطوة أبعد وتذكرنا السيمنطيقا التاريخية لبورتريه عصر النهضة، وقد وضعت خطوطه العريضة من قبل، ربما نعتبر صورة دورر «الشخصية» نفسها، شخصية البنية الاستطرادية للبورتريه وتاريخ الحياة عمومًا.
على خلفية سرد هذا البورتريه، ألخص البراهين الرئيسية ضد المنظور التقليدي للسيرة الذاتية. كانت مقولتي إن هذه البراهين تستخدم سرديات الحياة اللفظية والتصويرية. وفي محاولة قراءة بورتريه دورر على ضوء المعايير الثلاثة التي وضعها ليوين للسيرة الذاتية، واجهنا عدة صعوبات في تعريفها. ماذا عن السيرة الذاتية بوصفها استعادة لأحداث الماضي — النقطة الأولى عند ليوين — حين يُغرَس هذا الرأي المفترض في الإدراك المتأخر في الوقت ذاته في منظور مستقبلي، منظور يؤخذ من نقطة تميز الحاضر؟ ماذا عن البؤرة الفردية — القضية الثانية — ونحن نجد الرسام والمرسوم متورطين في عدة خطابات حوارية بشكل لا فكاك منه، مثل عدة أصوات في محادثة؟ وأخيرًا، ماذا عن أنطولوجيا «حياة منقضية» — القضية الثالثة — حين لا يكون هدف الرسام (ولا يمكن أن يكون أبدًا) الدقة التمثيلية، بل تصوير تفسيره لشخصية الفرد؟
مثل كل قصص الحياة، تسمح البورتريهات بقراءات متعددة. وهي بالتأكيد ليست أنسب الأمثلة بالنسبة لمقولة الذات الفردية المستقلة المستقرة. بالإضافة إلى ذلك، تشكك في الرأي العام بأن خطوط السيرة الذاتية لحياة يطوقها تطور طبيعي من البداية إلى النهاية. ويبقى هناك سبب آخر لاهتمامنا بالبورتريه. أعتقد أنَّ صورة مثل البورتريه الذي رسمه دورر لأبيه تدعونا جميعًا لتفكير نقدي في التصور التقليدي للسيرة الذاتية لأن بنيتها الحوارية والطبقات المتعددة للإشارة والمعنى تجبرنا على رؤيتها جشتالت مفتوحًا، عنصرًا زائلًا من عناصر محادثات تمثل جزءًا من خطاب ثقافي أوسع.
(٥) القصة وحبكة الحياة
لنفحص بشكل أدق جشتالت الحياة فيما يتعلق بالسيرة (الذاتية)، ننظر إلى النسقين الأساسيين لنصوص السيرة الذاتية التي تشير بشكل تبادلي إلى البداية والنهاية. أظن أنَّ هذين المنظورين ومساراتهما الزمنية الأساسية حاسمة في نظام غائي للتطور، ويبدو أنه يحدد كل سرديات الحياة.
بوضوح، في هذه العملية لبناء المعنى — يمكن للمنظِّر الأدبي أن يتحدث عن «حبكة» — لا يلعب إطار الزمن عند نيوتن دورًا مهمًّا. معظم سرديات السيرة الذاتية، طبيعية وخيالية، لا تُحكى أساسًا لتقديم قصة، قصة خطية لأحداث حياة، بل لتقديم حبكة، تكوين سردي خاص للحكاية. الحبكة فقط، تملأ القصة بالحياة. في مقابل الحكاية، لا يتم تعريف الحبكة بالزمن المتتابع بل بالزمن السردي، الزمن الخاص الذي يُبتكَر في عملية السرد. تُدرَس مقولة الزمن السردي بتفصيل هائل في النظرية الفلسفية لبول ريكور (١٩٨٤؛ ١٩٨٥؛ ١٩٩١م) عن النسيج السردي للزمني. اعتمادًا على مفهوم ريكور أرى الزمن السردي نظامًا زمنيًّا للمعنى الذي ينبثق في عملية السرد.
لبعض الوقت فكرت إن كان ينبغي أن أبدأ هذه المذكرات من البداية أم من النهاية، أي إن كان ينبغي أن أبدأ بميلادي أم بموتي. وحيث إن الاستخدام الشائع يمكن أن يحضَّني على البَدء من الميلاد، ثمة سببان يجعلانني أتبنى طريقة أخرى: الأول هو أنني لست بالضبط كاتبًا ميتًا، لكنني رجل ميت صار كاتبًا، القبر بالنسبة له مهد ثانٍ.
رغم إيحاء صورة القبر مهدًا ثانيًا بمغزى أدبي، إلَّا أن الدمج الصريح لوجهات النظر السردية بشأن البداية والنهاية ليست قاصرةً على القصِّ لكنها تنتشر أيضًا على نطاق واسع في قصص الحياة التي تحدث بشكل طبيعي. من الصعب أن توجد سيرة ذاتية لا تستخدم تقنيات سردية من قبيل الفلاش باك وارتباطات الفلاش باك بالفلاش المستقبلي، كما هو الحال في هذا التتابع البسيط الذي سمعته هذا الصباح في المترو: «حسنًا، لو عرفْتُ كم كان زواجنا سيصبح صعبًا بعد ذلك، فمن المؤكد أنني ما كنت لأتزوجه! الآن، أخشى أن يكون عليَّ أن أعيش كل مشاكل الانفصال …» ماذا يحدث هنا لغويًّا؟ الفلاش المستقبلي منغمس في الفلاش باك، تمضي النظرة إلى الخلف وإلى الأمام مرة أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تحوُّلا الزمن كلاهما بنيتان احتماليتان، أي إنهما فرضيتان بشأن أحداث افتراضية في زمن افتراضي. وأكثر من ذلك، يمثل البناء كله خلفية لفلاش مستقبلي احتمالي آخر إلى المستقبل (مستقبل يتوقع أن يجلب مشاكل). حين يوصف بمثل هذه المصطلحات التحليلية، يصبح من الواضح أن هذا السيناريو الزمني بسيط تقريبًا. في الخطاب اليومي، يفلت تعقده من انتباهنا فقط لأنه يتكشف في حبكات سردية مألوفة أكثر مما ينبغي.
لنفهم كيف يعمل النظام الزمني الأساسي لقصة الحياة، ولماذا يعمل عادة بسلاسة، علينا أن نضع في أذهاننا أنه يُبنى على محورين زمنيين. محور يرتبط بنسق من الماضي إلى الحاضر. لتمييز النقط الخاصة بالرحيل، اقترحْتُ وضعها في سياقي الحدث السردي والحدث المسرود (أو تسلسل الأحداث المسرودة)، لا يوجد، مع ذلك، تناظر مماثل بين زمن الحبكة وزمن الحدث المسرود. بينما يطرح السيناريو الزمني للحبكة في النص (لغويًّا، أو أيقونيًّا، أو يتجلى سيميوطيقيا بشكل ما)، يطوق زمنًا آخر: زمن التقديم الفعلي للنص. إنه زمن الحدث السردي وهو يتكشف في موقف استطرادي خاص.
وهكذا نواجه ثلاثة نُظم زمنية متميزة لسرد السيرة الذاتية. كيف تتَّحد؟ مرة أخرى، أفسر الانصهار الخاص الذي يحدث هنا بالرجوع إلى لوحة.
(٦) غائية الحاضر
ثمة شيء غريب في بورتريهات وجه لوجه؛ تخلق تأثيرًا بسيطًا لكنه مذهل. حين ننظر نحن، المشاهدين، إلى هذا الوجه، ننظر إليه هنا والآن، في «زمننا» — وهو ما يفعله الولد الذي ينظر إلينا. في هذه اللحظة ذاتها يكون عالمه عالمنا. إنه عالم هنا والآن للديالوج مع الشخصيتين في اللوحة الزيتية، مع الرسام وزمنه ومع أنفسنا. الآن نحن في زمن سردي، زمن الحدث السردي وهو يحدث في هذه اللحظة ذاتها.
وأنا أقول ذلك تَرِد إلى ذهني فكرة أخرى. ربما لا نرى مجرد شخصيتين، كائنين بشريين في بورتريه تينتوريتو بل مرحلتين من مراحل الحياة، حياة واحد. ربما نواجه منظرين مختلفين في تطور واحد، رؤيتين متأصلتين في الحياة في كل لحظة. ونحن نتنقل ذهابًا وإيابًا بين هذه الرؤى المختلفة للزمن كأنها لحظات حيواتنا.
علينا أن نفهم زمن (أو أزمنة) الحبكة وهو ينغمس مرة أخرى في إطار زمني آخر، في نظام الزمن السردي تحديدًا. ويطوق هذا النظامُ حاضرَ الحدث الاستطرادي نفسه. يقترح إيكو (١٩٩٤م) تسميته مستوى «الخطاب»، مضيفًا بهذه الطريقة للقصة والحبكة فئة ثالثة من التحليل. في مستوى الخطاب، تندمج كل الرؤى السردية والزمنية، في اللوحة الزيتية وأمامها، في نظام واحد، النظام نفسه، للرؤى والأزمنة. أظن أن في هذا النظام تنصهر النظم الزمنية المختلفة وتنبثق الرؤية الغائية للتطور. في هذه اللحظة، تلتحم نظم القصة والحبكة والخطاب بطريقة تجعل الماضي مرتبًا في ضوء الحاضر، ويظهر حاضر مَن ينظر إلى الماضي بوصفه تطور الحياة، غائية سميتها غائية بأثر رجعي.
مرة أخرى، يمكن اعتبار اعترافات أوجستين نموذجًا كلاسيكيًّا لهذا الإسقاط للماضي على الحاضر والحاضر على الماضي. وكما لاحظ برنر (في الفصل الذي يقدمه في هذا الكتاب)، يمثل هذا البناء السردي القضية نفسها في حكاية السيرة الذاتية عند أوجستين. في تلخيص حياته بأثر رجعي، الراوي الحاضر، القديس أوجستين المفكر، يجلب بطل الماضي — الصبي الغر سارق الكمثرى الذي كان قبل عدة عقود — إلى الحاضر. ويفعل ذلك بطريقة تجعل بطل الماضي والحاضر في القصة ينصهر في النهاية مع الراوي و«يصبحان شخصًا واحدًا بوعي مشترك». في هذا النوع من القصص، كما يكتب برنر (في هذا الكتاب): «ليس خطأً أن نقول إنَّ المثل القديم ينطبق. لو كان الطفل في البداية والد الرجل، فإن الرجل يسترد الآن (في السيرة الذاتية) دوره والدًا للطفل — لكنه هذه المرة يسترد الطفل من أجل الثقافة باستخدام النظريات الثقافية والقصص». من المنظور الذي اقترحته، من خطاب السيرة الذاتية حيث ينبثق هذا «الوعي المشترك» وتثمر نظريات الثقافة وأجناس السيرة الذاتية. وهكذا لا يشير مصطلح الخطاب، كما أستخدمه هنا، إلى وحدة لغوية فقط، يشير أيضًا إلى المجموعة الثقافية الحاضرة، «المشهد الثقافي»، بتعبير دونال كربو (١٩٩٦م)، حيث يحدث الحدث السردي للراوي والمستمع مع مختلف تفاعلات هذا الحدث.
ومن الواضح أن «زمن القصة» و«زمن الخطاب» عند شاتمان يشيران إلى ما اعتبرْتُه النظامين الزمنيين للحدث المسرود، زمن القصة وزمن الحبكة. لكن هناك مشكلة مع الصورة السردية المزدوجة عند شاتمان؛ تفشل في القبض على زمن (أو أزمنة) الحدث السردي، أي الوضع الفعلي للمشهد الذي يحكي فيه السرد. وهذا أكثر أهمية؛ لأن هنا فقط يُجلَب «زمن القصة» و«زمن الخطاب» في منظور عام (أو دائري). وكما اقترحْتُ، في خطاب السيرة الذاتية تتشكل هذه الرؤية الموحدة. ومن هذا المنظور، يمكن فقط لشاتمان أن يزعم أن نظامَي الزمن يبقيان مستقلين في السرد كله لأن مفهومه للسرد لا يضع في الاعتبار الجنس الخاص للسرد الذي أهتم به: جنس سرد الحياة والهوية.
هذه لحظة انصهار النظم الزمنية التي طرحْتُها في مناقشتي لسرد السيرة الذاتية: زمن القصة وزمن الحبكة اللذين يشكلان معًا نظام الزمن المسرود الذي يلتحم في النهاية مع نظام خطاب زمن السرد. وينتج عن هذا الانصهار زمن السيرة الذاتية، زمن قصة حياة المرء. فقط، بالنظر إلى هذا النسيج الزمني متعدد الأصوات (وتذبذبه المتأصل بين مختلف المجموعات الزمنية)، نفهم ما يعنيه أن ماضي الحياة يُنظَّم في ضوء الحاضر، وهو تنظيم سميته غائية بأثر رجعي.
(٧) الخلاصة
موضوع هذا المقال حياة الإنسان كما تتشكل بالكلمات والصور، في النصوص اللفظية والأيقونية. في مناقشتي، لم أُعْطِ اهتمامًا خاصًّا لاختلافات التقنيات السردية التي تميز سرديات الحياة اللفظية والتصويرية. ولا يعني هذا إنكار هذه الاختلافات المهمة. لكن الأكثر أهمية بالنسبة للمسألة التي كنت أتناولها هي الخصائص الأساسية التي يشترك فيها نظامَا العلامة. وأعتقد أن هذه الخصائص تبرِّر «فحصي المتوازي» لسرد الحياة في الوسائط اللغوية والبصرية.
تشترك الكلمات والصور في الخيارات التي سمَّاها ريكور (١٩٨١م) «وظيفة السرد». كلاهما نصان يمكن أن يحكيا قصة، بما في ذلك قصة معقدة مثل قصة حياة امرئ. بالإضافة إلى ذلك، من خصائص الأنسجة السردية للسيرة الذاتية، سواء كانت وسائط لغوية أو بصرية، خلق نسيج للتماسك والاستساغة يعتبر عادة انعكاسًا لحياة شخص. لكن النصين، في «تمثيل حقيقي»، لا يمثلان الواقع الذي يعبران عنه أو يعكسانه، لكنهما يستدعيان الواقع — واقعًا جديدًا يقدم، ضمن أشياء أخرى، شكلًا لفكرة معينة عن تطور السيرة الذاتية الذي فحصْتُه. إنها فكرة أن هنا والآن ليست النتيجة الوحيدة، لكن أيضًا غائية الحياة المنقضية. كما رأينا، الوسيطان كلاهما قادران على تأكيد الميتافيزيقا السرية للسيرة الذاتية التي ذكرتها في البداية وتشكيلها.
إذا كان حَكيُ حياة تقديمًا لشكل غائي، ومن ثم موحد لها، ربما نفترض أن قصص السيرة الذاتية لهذا السبب تلعب هذا الدور المركزي في بناء هُوية الإنسان؛ وبتعبير آخر، ليس رغم غائيتها الضمنية بأثر رجعي بل بسببها.
المراجع
-
Aikema, B., & Brown, B. L. (Eds.) (1999), II Rinascimento a Venezia e la pittura del Nord ai tempi di Bellini, Dürer, Tiziano [The Venetian Renaissance and Northern painting in the time of Bellini, Dürer, and Titian], Catalog of the exhibition at the Palazzo Grassi, Venice, September 1999-January 2000, Milano: Bompiani.
-
Albasi, C., & Brockmeier, J. (1997), La rottura della canonicità [The break of the canonicity], In: C. Gallo Barbisio & C. Quaranta (Eds.), Transformazioni e narrazioni [Transformations and narrations] (pp. 155–165), Turin: Tirrenia Stampatori.
-
Bakhtin, M. (1981), The dialogic imagination: Four essays. Austin, TX: University of Texas Press.
-
Bakhtin, M. (1984), Problems of Dostoevsky’s poetic, Minneapolis, MN: University of Minnesota Press.
-
Bal, M. (1991), Reading “Rembrandt”: Beyond the word-image opposition, Cambridge University Press.
-
Bal, M. (1997), Narratology, 2nd ed., Toronto: University of Toronto Press.
-
Brockmeier, J. (1992), “Reines Denken,” Zur Kritik der teleologischen Denkform [“Pure thought”: A critique of the teleological form of thinking], Amsterdam & Philadelphia: B. R. Grüner—John Benjamins.
-
Brockmeier, J. (1995a), The language of human temporality: Narrative schemes and cultural meanings of time, Mind, Culture, and Activity, 2, 102–118.
-
Brockmeier, J. (1995b), “Uno dopo l’altro”: Prime forme della coerenza temporale nel discorso narrativo [“One after the other”: Early forms of temporal coherence in children’s narrative], Scienze dell’Interazione—Rivista di Psicologia, Psicosociologia and Psicoterapia [The Science of Interaction: Journal of Psychology, Psychosociology, and Psychotherapy], 2, 41–55.
-
Brockmeier, J. (1999), Between life and story: Possibilities and limits of the psychological study of life narratives, In: W. Maiers, B. Bayer, W. B. Duarte Esgalhado, R. Jorna & E. Schraube (Eds.), Challenges to theoretical psychology (pp. 206–213), Toronto: Captus University Publications.
-
Brooks, P. (1984), Reading for the plot: Design and intention in narrative, Cambridge, MA: Harvard University Press.
-
Bruner, J. (1990), Acts of meaning. Cambridge, MA & London: Harvard University Press.
-
Bruner, J. (1993), The autobiographical process, In: R. Folkenflik (Ed.), The culture of autobiography (pp. 38–56), Stanford, CA: Stanford University Press.
-
Burke, P. (1987), The Renaissance, Basingstoke & London: MacMillan.
-
Carbaugh, D. (1996), Situating selves: The communication of social identities in American scenes, Albany, NY: State University of New York Press.
-
Chatman, S. (1978), Story and discourse: Narrative structure in fiction and film, Ithaca, NY: Cornell University.
-
Chatman, S. (1981), What novels can do that films can’t (and vice versa), In: W. J. T. Mitchell (Ed.), On narrative (pp. 117–136), Chicago, IL & London: The University of Chicago Press.
-
Eakin, P. J. (1999), How our lives become stories: Making selves, Ithaca, NY: Cornell University Press.
-
Eco, U. (1994), Six walks in the fictional woods, Cambridge, MA & London: Harvard University Press.
-
Fischer, M. M.), (1994), Autobiographical voices (1, 2, 3) and mosaic memory: Experimental sondages in the (post)modern world (pp. 79–129), K. Ashley, L., Gilmore, & G. Peters (Eds.), Autobiography & postmodernism. Amherst, MA: University of Amherst Press.
-
Fivush, R. (1994), Constructing narrative, emotion, and self in parent-child conversations about the past, In: U. Neisser & R. Fivush (Eds.), The Remembering self (pp. 136–157). Cambridge: Cambridge University Press.
-
Folkentlik, R. (Ed.), The culture of autobiography, Stanford, CA: Stanford University Press.
-
Foucault, M. (1972), The archeology of knowledge, New York: Harper and Row.
-
Freeman, M. (1993), Rewriting the self: History, memory, narrative, London: Routledge.
-
Frye, N. (1957), The anatomy of criticism, Princeton, NJ: Princeton University Press.
-
Genette, G. (1987), Paratextes, Paris: Editions du Seuil.
-
Ginzburg, N. (1956), Tutti i nostri ieri [All our yesterdays], Turin: Einaudi.
-
Greenblatt, S. (1980), Renaissance self-fashioning, Chicago & London: University of Chicago Press.
-
Harré, R. (1996), There is no time like the present, In: Copeland, B. J. (Ed.), Logic and reality (pp. 389–409), Oxford: Clarendon Press.
-
Hope, C. (1999), A wind from the west, New York Review of Books, XLVI (19), 11–14.
-
Koerner, J. L. (1993), The moment of self-portraiture in German Renaissance art, Chicago, IL & London: University of Chicago Press.
-
Kruger, S. F. (1992), Dreaming in the middle ages, Cambridge: Cambridge University Press.
-
Labov, W., & Waletzky, J. (1967), Narrative analysis: Oral versions of personal experience, In: J. Helm (Ed.), Essays on the verbal and visual arts (pp. 12–44), Seattle, WA: University of Washington Press.
-
Lejeune P. (1989), On autobiography, Minneapolis, MN: University of Minneapolis Press.
-
Lukacher, N. (1986), Primal scenes, Ithaca, NY: Cornell University Press.
-
Miller, P. J. (1994), Narrative practices: Their role in socialization and self-construction, In: U. Neisser & R. Fivush (Eds.), The remembering self: Construction and accuracy in the self-narrative (pp. 158–179), Cambridge: Cambridge University Press.
-
Nehmas, A. (1985), Nietzsche: Life as literature, Cambridge, MA: Harvard University Press.
-
Neisser, U., & Fivush, R. (Eds.) (1994), The remembering self: Construction and accuracy in the self-narrative, Cambridge: Cambridge University Press.
-
Nelson, K. (1996), Language in cognitive development: The emergence of the mediated mind, New York: Cambridge University Press.
-
Olney, J. (1998), Memory and narrative: The weave of life-writing, Chicago, IL: University of Chicago Press.
-
Preimesberger, R. (1999), Albrecht Dürer: Imago und effigies (pp. 228–238), In: R. Preimesberger, H. Baader, & N. Suthor (Eds.), Porträt (Portrait), Berlin: Reimer.
-
Ricœur, P. (1981), The narrative function, In: P. Ricœur, Hermeneutics and the human sciences, (pp. 274–296), Cambridge: Cambridge University Press.
-
Ricœur, P. (1984, 1985, 1991), Time and narrative, Vols. 1–3, Chicago, IL: University of Chicago Press.
-
Rubin, D. (Ed.) (1996), Remembering our past: Studies in autobiographical memory, Cambridge: University Press.
-
Schmitt, J. C. (1994), Les revenants: Les vivants e les morts dans la societe medievale, Paris: Gallimard.
-
Stock, B. (1996), Augustine the reader: Meditation, self-knowledge, and the ethics of interpretation, Cambridge, MA: Harvard University Press.
-
Swindells, J. (Ed.) (1995), The uses of autobiography, London & Bristol: Taylor & Francis.
-
Wang, Q., & Leichtman, M. D. (2000), Same beginnings, different stories: A comparison of American and Chinese children’s narratives, Child Development, 71, 1329–1346.