الميتافيزيقا والسرد
روم هاريه
مقدمة
يمكننا أن نحدِّد الكائنات البشرية ونميِّزهم بالإشارة إلى معايير جسدية من قبيل الطول والوزن والملامح. إننا نستخدم هذه المعايير حتى مع المصريين المحنطين، بدراسة عظامهم بحثًا عن علامات مميزة، ربما لمرض، ونستخدمها أيضًا للتعرف على الجثث الغامضة بسجلات الأسنان. لكن ماذا عن الأشخاص؟
كيف يأتي إلى الوجود هذا الكائن؟ كيف ثبت في الوجود أو تضاءل؟ ما مبادئه الخاصة بالهوية والتفرد؟ لا يمكن أن يكون الأمر جسديًّا تمامًا حيث إن قدرتنا على أن نميز هيكلًا عظميًّا من العصر الحجري الحديث عن آخَر لا تعني أننا نستطيع أن نميز شخصًا من ذلك العصر عن شخص آخر. من الواضح، كما برهن الفلاسفة لوقت طويل، لا شيء يثير النزاع بقدر ما تثيره التفاصيل؛ لأن كونك هذا الشخص أو ذاك لا يتماثل مع كونك صاحب هذا الجسد أو ذاك.
ويقدم علم النفس الاستطرادي أطروحته المتعلقة بهذه الأسئلة الصعبة على النحو التالي:
للإحساس بالذات أصل في ممارسات سردية معينة فيها يُعامل طفل رضيع بوصفه شخصًا وليدًا. ويستمر أو يتقوض بالتخلي عن هذه الممارسات.
إن سرديات الذات معقدة. وإن القواعد التي تعالج بها مجموعة من المفاهيم حول الشخصية و«الذات» تحتاج إلى الفصل في عدة جدائل متضافرة. على سبيل المثال، نفهم في ظل مفهوم تعدد الدلالة أكثر مما نفهم من فهم المرء للهوية الشخصية.
يبدأ بحثي بفحص موجز لمجال المفاهيم التي يحملها الاستخدام الحالي لكلمة «شخص» وكلمة «ذات». لا أدعي أن هذا كتالوج شامل، لكنه كافٍ لنبدأ.
(١) النموذج المعياري
(١-١) مقدمة
(١-٢) الذوات في النموذج المعياري
-
(١)
الذات ١: تستخدم في سياق الإدراك، للدلالة على فردية رأي مجسد، يظهر في بنية مجالات الإدراك، وكل منها متمركز في موضع في فضاء المُدرِك المجسَّد. في الإدراك، يقيم P، الشخص، علاقة ما مع بيئته المادية، بما في ذلك أجزاء جسمه. ويبدو أن النقطة المركزية للإدراك والإحساس بالحركة والاتجاه توجد داخل الجسم. ماذا هناك؟ ربما ذلك الذي يدرك حقًّا، وظيفة من وظائف الأنا الديكارتية.٢ طبقًا لتفسيري، الذات ١ قطب في نظام ثنائي القطب للأشياء المادية، لكنه تجريد جغرافي، يشبه إلى حدٍّ ما القطب الشمالي بالنسبة للقارات. يدرك الأشخاص فقط. في حكي قصص المواجهة مع البيئة المادية تلعب الذات ١ الدور الرئيسي.
-
(٢)
الذات ٢: تُستخدَم في سياق التأمل في الذات بوصفها شخصًا، بما في ذلك تأملات السيرة الذاتية، للدلالة على مجموع صفات P، بما في ذلك معتقدات P بشأن هذه الصفات. وتشمل الأخيرة التصور الذاتي له، وقد يعكس أو لا يعكس، بشكل صحيح الصفات الحقيقية له في لحظة من لحظات الحياة. الذات ٢ شبكة معقدة من صفات مختلفة جدًّا، بعضها عرَضي، مثل الصور الذهنية، والمشاعر، والديالوجات الخاصة، لكن معظمها منظم، مثل المهارات والقدرات والقوَى.
-
(٣)
الذات ٣: تُستخدَم في سياق التفاعل الاجتماعي، للإشارة إلى الطريقة التي تظهر بها سمات معينة للذات ٢ الحقيقية أو المنسوبة ذاتيًّا لشخص من قِبل الآخرين في مسار حدث حياتي ما. وتبرز هذه السمة الشخصية في سرديات السيرة الذاتية.
وهناك استخدامات أخرى لكلمة «ذات»؛ على سبيل المثال، تستخدم أحيانًا مرادفًا لكلمة «شخص». لكن بهدف وضع إطار بسيط وواضح للبدء في مهمة لحل لغز الخُصلة المتشابكة لميتافيزيقيات الشخصية، وأقصر استخداماتي للكلمة على تلك التي حددتها بوصفها الذات ١ والذات ٢ والذات ٣.
(١-٣) شروط النموذج المعياري
-
(١)
التنوع والتعدد:أعني بالتنوع تناول الأشكال المختلفة في المواقف الثقافية المختلفة؛ وأعني بالتعددية ما له أكثر من إدراك واحد بالنسبة لأي شخص معين.
- (أ) تُعرَض الذات ١ عمومًا موضعًا فريدًا متحرِّرًا من السياق، وتنسب دائمًا إلى مكان الجسم في الفضاء ومعاصرة بشدة. وهكذا يوجد مكان ضئيل للتنوع. ومع ذلك، هناك مواضع اجتماعية (على سبيل المثال، نوعية تصوف كارلوس كاستانيدا)٣ قد يزعم المرء فيها أن هناك أكثر من منظور للإدراك. لكن من المهم أن الجسم في سردياتها يترك خارج خبرات الجسم. وتفرض القاعدة المكملة، «شخص واحد لكل جسم»، عمومًا، بمعالجة مزاعم بإشغال متعدد كشكل مرَضي، على سبيل المثال، في تشخيص هذه المزاعم بوصفه العلامة المميزة لاضطراب تعدد الشخصية. لا نقول إن «بل Bill» الشخص الوحيد في هذا الجسم، لكن ماري وجوان وإليزابيث كلهم في ذلك الجسم أيضًا. والموقف الأخير هو الصراخ من أجل الشفاء.
- (ب)
الذات ٢ فردية عمومًا، بوصفها كلية فريدة للصفات حقًّا، تستبعد حتى التجسيد الفردي. لا أعرف قبيلة تزعم أن لها أكثر من «ذات» واحدة بهذا المعنى، في أية لحظة. لكن هناك تعددية، حيث إن الذات ٢ تتغير باستمرار، ناهيك عن أن المعرفة، رغم أن المهارات والقوَى ربما تصبح مستقرة، تقوى دائمًا، على سبيل المثال، بتذكر أحداث الحياة. لا تتدهور المعرفة إلا في الحالات المرضية. هذه ملاحظة أساسية حيث إن أمراض الشخصية تُعرَّف جزئيًّا بفقد القوَى وفشل الذاكرة.
السيرة الذاتية جزء مهم من «سرد» الذات ٢، ويعتمد الأمر بشكل كبير على السياق. لكل شخص ذخيرة من السِّير الذاتية مناسبة لمواضع ثقافية مختلفة، ومعظم الناس مهرة في بناء سِيَر ذاتية جديدة لمناسبات جديدة. وهذا يفتح التباين بين ما يعتقده المرء عن نفسه (المفهوم الذاتي) وحقيقة نفسه، بما في ذلك تلك المعتقدات. إنها تتغير، وهكذا تكون الذات ٢ غير مستقرة بشكل متأصل.
- (جـ)
الذات ٣، الطريقة التي يقدِّم بها الناس أنفسهم للآخرين، متعددة عمومًا. وهناك دراسات كثيرة عن قابلية تغير الشخصية المطروحة للفرد من مناسبة إلى مناسبة، ومن سياق إلى سياق. إلى أي حد يبدو المرء للآخرين، وأي نوع من الأشخاص يبدو، تحت سيطرة المرء، وبقدر استنباط هذا الحد، يتحدث علماء النفس عن «معالجة الانطباع».
- (أ)
-
(٢)
نوع أم خاص؟
إذا كان كل إنسان كائنًا فريدًا، فإننا نتوقَّع تفوق الخصوصية على العمومية في محتوى الذوات ١، ٢، ٣. ومن الواضح أن الذات١ لا بدَّ أن تكون خاصة لأنها تتعلق بفردية في فضاء وزمان. وينبغي أن تتكون الذات ٢ من صفات يمكن التعرف عليها، واقعة تحت الأنواع، رغم تفردها بدرجة ما في بعض الحالات وفي الأداء الكلي في كل الحالات. لكن في حالة الذات ٣، يتضافر تفرد مظهر الجسد مع عروض تعتمد على الذخيرة الدرامية للأنواع. وثمة تعبيرات عامة يتعذر تصنيفها تتعلق بمخاطر اتهامات الذات بالشذوذ في أفضل الأحوال، وبالجنون في أسوئها.
-
(٣)
المعايير:بقدر ما عرضْتُ تحليل النموذج المعياري P {S1, S2, S3}، ربما تبدو بنية المفاهيم الثلاثة «للذات» مثل ملخص لملاحظات إمبريقية لحقيقة عالم الإنسان. لكننا احتجنا في كل حالة إلى الإشارة إلى دور المعايير المحلية، وأعراف اللياقة، وحدود سلامة العقل … إلخ، التي تلعب دورًا في محتوى الذاتية وديناميكياتها كما تتجلَّى في تقارير رحلات الصيد، والشكاوى للأطباء، وتبادل السير الذاتية في إرساء علاقة جديدة.أقترحُ العمل مع الأطروحة العامة بأن تبقى على حالها رغم كل شيء، فردية (تفرد) أشخاص (باستثناء تميز أجسامهم ماديًّا) ليست حقيقة وحشية عن حياة الإنسان، لكنها نتيجة لمعايير مفروضة محليًّا. على سبيل المثال، لماذا يعتبر محبو مس بييتشامب وإيف وايت،٤ وهم يتمتعون بشخصيات متميزة جدًّا حتى تعتقد أنَّ في كلِّ جسم أكثر من شخص، في حاجة إلى شفاء؟ تتطلَّب معايير عالمنا أن يكون هناك شخص في كلِّ جسد، لا أكثر ولا أقل. الاتساق في عروض الشخصية، التماسك عبر المواقف في حَكْي السِّيَر الذاتية … إلخ، ليست أمورًا حقيقية بشأن طريقة تصريف البشر لأمور حيواتهم، لكنَّها ظلال للمعايير المحلية. تلعب السِّيرة الذاتية دورًا حيويًّا مهمًّا في تذكيرنا باحتمال التنوع بمعنى أنَّ ما نميل إلى اعتباره فرديًّا بالضرورة، ربما تعالجه قبائل أخرى بسعادة بوصفه تعدُّدًا.
(٢) أنطولوجيا «الذوات»
الذوات خارج «الأنواع» الثلاثة كينونات، رغم أننا نستخدم الكلمة بطرق مجردة متنوعة. ربما تكون الذوات خصائص، خصائص للأشخاص؟ لكن ذلك لا يصح أيضًا، لأن الذات ١ خاصية لنظام لأشياء مادية. ويبدو أن الذات ٢ مجموعة خصائص من أنواع مختلفة، تشمل الميول والقوَى. حين ننتج تيارات من الفعل في ممارسة هذه القوَى، ولهذه التدفقات خصائص نعتبر الكثير منها ظواهر سيكولوجية، على سبيل المثال القرارات والمعتقدات والذكريات. ومن السهل أن ننزلق في نسبتها لشخص منهمك بنشاط في إنتاجها، وكأن هذا الإنتاج لا يتكون إلا من جلب ما كان من قبل خاصًّا وخفيًّا ربما حتى عن الفاعل نفسه إلى الأضواء العامة.
حين ننسب صفات سيكولوجية لشخص ربما لا نستدعي إلا طريقة التحدث، مدفوعين بالحاجة إلى أن نعزو مسئولية لأعمال بين أشخاص متورطين في حدث. ربما توضِّح نظرة أقرب أنَّ الكثير مما يبدو صفات شخصية لا يمثل خصائص الشخص على الإطلاق. الذكريات، على سبيل المثال، لا يمتلكها شخص ما لكن ينتجها ذلك الشخص، طبقًا لمتطلبات الموقف. يمكن أن تضللنا الطرق الشائعة في التحدث. نقول إن شخصًا لديه ذكرى، ونقول أيضًا إن شخصًا يتذكر. يوحي التعبير الأول بالامتلاك بينما يوحي الثاني بالفعل. ربما يبدو الاختلاف بسيطًا، لكنه يحمل حملًا ميتافيزيقيًّا ثقيلًا. في صيغة الاسم تبدو الذكريات كيانات، بينما في صيغة الفعل يبدو التذكر فعلًا. يمكن قول الشيء نفسه عن أنَّ المرء له رأي، مقابل التعبير عن رأي أو تكوين رأي، وأن تكون له قرارات أو يتخذ قرارات … إلخ.
ليست الذات ١ أو الذات ٣ كيانين. إنهما صفتان لتدفق تفاعلات شخص مع البيئة المادية في الإدراك، بما في ذلك جسم الشخص نفسه بوصفه جزءًا من البيئة، ومع البيئة الاجتماعية في التفاعلات الاجتماعية. الإدراك خيط عام في الاثنتين، حيث إنه ينبغي أن يرى ويسمع المتفاعلون اجتماعيًّا مع المرء كيف يبدو المرء وماذا ينبغي أن يقول، وربما، أحيانًا، مشاهدة ما يشعر به.
(٣) القوى الشخصية وأسسها
ركَّزت المناقشة إلى حد بعيد على الطريقة التي تبين على ما يبدو أن الكيانات والخصائص الذهنية القوية، بفحص دقيق، خصائص لتيارات نشاط استطرادي، مشترك عادة، أو قصص، تستحضرها الأشكال النحوية التي تأخذها هذه التيارات في هذه اللغة أو تلك. لكن هذا لا يشمل سيكولوجيا استطرادية مؤسسة في سرد ورموز أخرى تستخدم مهارات. ماذا إذا مضينا أكثر، وسألنا كيفية تأسيس المهارات.
في هذا القسم أفحص بعض هذه الطرق التي يترابط بها هذا النحو المزدوج للخطابات بشأن البشر وقواهم وقدراتهم. وأقدم تعليقًا موجزًا على استعارة الأداة/الغاية بوصفها طريقة لتوليف النحوين في إطار استطرادي أعلى.
كيف يمتلك شخص مهارة لا تُمارَس؟ كيف يمكن لامرئ أن يعزو ميلًا لشخص ما وهذا الميل لا يُعرَض؟ الإجابة على السؤالين عامة تمامًا بالنسبة للناس والحيوانات:
تتأسَّس القدرات والميول في حالات دائمة نسبيًّا للكائن الذي تُعزَى إليه. وقد لا نعرف دائمًا حقيقة الحالة المتعلقة بالأمر.
الشَّرطية ليست خاصية للقوة العلية، ليست إلا الشروط التي تتجلَّى في ظلها. وهكذا، حتى في «المستوى الأساسي»، إذا جاز التعبير، يمكن التعبير عن خاصية القوة على النحو التالي:
تلك طبيعتها. إنها خاصية عرَضية. يجب أن يكون الشرط الوحيد بشأن نسبة شيء إلى شيء على علاقة بزمن تلك الخاصية والظروف التي تتجلى. إن الاعتقاد بأن الخاصية مجموعة احتمالات يجعلنا نفتقد قضية نسبة قوة علية ونخطئ التفسير.
لا أرى سببًا لافتراض أي شيء غير مبدأ أن الشخص ليس له تعقيد سيكولوجي عرَضي في مستوى الحس، رغم أنه، بالطبع، قد يتمتع بمجموعة مهارات وقدرات مختلفة. لكنني لا أرى سببًا لافتراض أن أية مهارات تتأسس في حالات سيكولوجية خفية. بالطبع، يبتكر الشخص شبكة من الحالات السيكولوجية شبه الدائمة والحالات سريعة الزوال في سياق التفاعل مع الآخرين؛ لكنها نتاج لا مصدر. قوى الشخص لا تشبه قوى الكاشف الكيميائي، لنفسها بالمستويات الأكثر عمقًا للبنية المجهرية للآخر، كيانات قوية أساسية أكثر. إنها أكثر شبهًا بالقوى عديمة الأساس للجسيمات الجوهرية أو المجالات الجوهرية. ليس للشخص، مفردًا، تعقيد سيكولوجي بهذا المعنى.
كيف تتأسَّس القوى الشخصية إذَن؟ تأمل اكتساب مهارة يدوية، القدرة على رسم لوحة دقيقة، على سبيل المثال. ينبغي تَعلُّمها، ونعرف جيدًا أن في ذلك التعليم تحدث تغيرات دائمة نسبيًّا في دماغ المتعلِّم وجهازه العصبي. بشرط عدم تدميرهما نتيجة حادث أو نتيجة تقدم العمر، يحتفظ الشخص بالقدرة. وقد أدَّت هذه الخاصية المهمة لعلم النفس بوصفه علمًا، على ما أعتقد، إلى المشروع المستمر، والخطأ، لاختزال المفاهيم السيكولوجية في مفاهيم العلوم الفيزيائية، وخاصة مفاهيم علم الأعصاب. لنرى عمومًا لماذا لا يلبي هذا ما نحتاج إليه لتفسير سمتين أخريين للطريقة التي ترتبط بها الأوصاف السيكولوجية لنشاط بالحالات والعمليات الجسدية لمن يؤدونها.
(٤) أطروحة أولوية التصنيف
كيف يحدد سيكولوجي الأعصاب جزءًا من الجهاز العصبي يرتبط بدراسة فهم اللغة، على سبيل المثال؟ لا يمكن أن يحدث ذلك بفحص الجهاز العصبي وحده. عمليًّا هناك تقنيتان. يصاحب إصابات الدماغ غالبًا فقدان أو تدهور في بعض المهارات الذهنية أو الحركية. ومن ثَم يبرهن على أن ذلك الجزء من الجهاز العصبي حين يكون غير مصاب لا بدَّ أنه يلعب دورًا في مهارة الأداء. البرهان دقيق، لكن له فائدة تقريبية معينة. كيف يعمل؟ من الواضح أنه ينبغي أن تكون هناك معايير مستقلة للتعرف على مهارة الأداء ومتى تقل عما ينبغي. لتحديد أي جزء من الدماغ مسئول عن الكلام، ينبغي على المرء تحديد حالات للكلام، بشكل مستقل عن حالة الدماغ. ويتبع ذلك أن المعايير المستخدمة في تحديد جزء من الدماغ بوصفه «وحدة القراءة»، ينبغي أن تجسد المعايير التي تلتقط بها القراءة بوصفها مهارة في الأداء.
ومع ذلك، لنفترض أنَّ البحث يكشف نوعًا ثالثًا أو رابعًا من عمليات الدماغ، يرتبط في بعض الحالات بالعملية الذاتية العامة. إلى أي مدًى يمكن أن تبقى الاستجابة السابقة قابلة للتطبيق علميًّا؟ بقدر ما تستمر تقنية افتراض ما يتعذر ملاحظته مستساغة علميًّا في السياق، وبقدر ما أرى، ليس هناك حدٌّ بديهي لامتداده غير المحدد، رغم أنه قد يؤدي إلى هرمية معقدة لما يتعذَّر ملاحظته. وهذا ليس مجهولًا في الكيمياء والفيزياء.
ومع ذلك، إذا انهارت أطروحة بسيطة عن أولوية التصنيف مع نمو أنواع سيكولوجية، بمثابة معايير لأنواع فسيولوجيا الأعصاب بتلك الطريقة التي تلتقط أكثر من نوع سيكولوجي (وهكذا ترتبط تصنيفيًّا مع النوع الفسيولوجي ذاته)، هل يمكن تطبيق الاستراتيجية نفسها؟ بالتأكيد يمكن، باقتراح فرضيات بشأن اختلافات يتعذر ملاحظتها بين الظروف التي يلتقط فيها النوع الفسيولوجي ذاته بمعايير مستنبطة من أنواع سيكولوجية مختلفة. وطبقًا للنمط المعتاد في البحث في العلوم الطبيعية، يمكن وضع برنامج لمحاولات تحديد المتغيرات الخفية. (منطقيًّا لن يختلف الوضع عمَّا نجده في ميكانيكا الكم حين تأخذ جسيمات تبدو متماثلة، أو معدَّة بشكل مماثل في ظروف تبدو متماثلة، مسارات مختلفة.)
ربما يؤدي النمو المستمر للاستثناءات بالنسبة لأطروحة أولوية التصنيف، والفشل المستمر في العثور على المتغيرات الفسيولوجية الخفية التي قد تحل المشكلة، إلى حل جذري أنطولوجي، إلى إحياء ثنائية ديكارت. وأعتقد أن هذا الطريق يمكن يُقترَح بنمو الأنواع السيكولوجية المرتبطة بالنوع العصبي ذاته، إذا تمَّ التخلي عن أطروحة أولوية التصنيف. وسيكون هذا ثمنًا باهظًا حقًّا، حيث إن كل برنامج أبحاث فسيولوجيا الأعصاب يعتمد على أطروحة أولوية التقسيم. أي إن أنطولوجيا العمليات الرمزية تتم مطابقتها بالأدوات التي يؤديها الناس بها.
(٥) الملخص
من الواضح أن علم النفس علم هجين بشكل فريد، مشيَّد بطريقة فريدة. تتكون أسسه الميتافيزيقية من إطارين متميزين لكنهما ليسا مستقلين. في الإطار الرمزي يبدو البشر أشخاصًا، المفردات الأساسية في ذلك الإطار، يبتكرون بشكل مشترك أفعالًا تكتسب خصائص سيكولوجية، مثل الذاكرة، والمعتقد، وبنى السيرة الذاتية. في الإطار الجزيئي يبدو البشر كائنات. يرتبط الإطاران ارتباطًا وثيقًا، ليس فقط بأولوية الرمزي في تثبيت المخططات التصنيفية للاستخدام في الجزيئي، لكن بشكل أكثر أهمية، حيث يفسر الأولويات التصنيفية بارتباط بين المهمة والأداة.
للعودة إلى قضية طبيعة الأشخاص: من دون أطروحة أولوية التصنيف والإطار التصوري للمهمة/الأداة، يمكن أن تنهار مادية الأشخاص، أي التجسيد الذي يعتمد عليه في النهاية معنى الهوية الشخصية (الذات ١). قد يكون الأشخاص بوصفهم المحور المشترك الذي يرتبط به العالمان الرمزي والمادي، نوعًا مختلفًا تمامًا.
المراجع
-
Anderson, J. A., & Schoenig, G. T. (1996), The nature of the individual in communication research, In: D. Grodin & T. R. Lindhof (Eds), Constructing the self in a mediating world, Thousand Oaks, CA: Sage.
-
Geertz, C. (1973), The interpretation of cultures, New York: Basic Books.
-
Harré, R. (1998), The singular self: An introduction to the psychology of personhood, London & Thousand Oaks, CA: Sage.
-
Jensen, U. J. (1972), Conceptual phenomenalism. The Monist, 56, 250–275.
-
Kohut, H. (1977), The analysis of self, New York: International Universities Press.
-
Mühlhäusler, P., & Harré, R. (1990), Pronouns and people: The linguistic construction of social and personal identity, Oxford: Blackwell.