«سوف يأتي الناس إليك»١
دونال كربو
يمكن أن يقدِّم العيش في وسط جديد ألغازًا تشبه تلك التي نواجهها حين نسير في مسار جديد. ونحن ننتقل عبره، قد نرى نباتات وأشجارًا مألوفة من قبيل أشجار قرانيا الأدغال والصنوبر الأبيض. مع منظر مألوف، يمكن أن ننتقل عبر المكان، مكتشفين طريقنا بالانتباه إلى ما نعرفه، مستريحين للخصائص المألوفة للمكان الجديد. وأيضًا، حين نسافر في مسار جديد، نواجه حتمًا شيئًا مختلفًا، ربما يكون حتى شيئًا ثابتًا بارزًا نحتكُّ به بشكل متكرر. حاول فهم هذه الجدة، إننا عاجزون تمامًا عن أن نتعرف أو نستوعب حقيقتها أو موضعها في المخطط المحلي للأشياء. إذا سعينا وراء الفهم، فقد نعرف في النهاية هذا الشيء الثابت القائم والمميز: «أرى، هذا «عشب حلو»! وذاك، «صفصاف الأرانب»!» وندرك في النهاية أن كلًّا منهما يلعب دورًا تشكيليًّا مهمًّا في هذا المكان الجديد، ويساعد في جعل هذا المكان بهذه الصورة. وتعزز المعرفة إحساسنا بهذا المكان المشترك. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشيء الثابت أن يحوِّل أفكارنا ويوسعها بشأن حقيقة الأماكن المشتركة، وما يمكن أن تكون عليه.
كما هو الحال مع المجتمعات والأماكن الجديدة، يكون الحال مع قصصها وناسها. بالقدر نفسه، قد نشك في أننا سمعنا بشكل صحيح. ربما تصدمنا قصة: كيف يمكن حقًّا لشخص «أن يجلس في سحابة» ويشاهد «الجبال»؟ كيف يمكن أن يكون ذلك ممكنًا؟ عبر الزمن، ربما تقل شكوكنا بشأن ما سمعناه. بالضبط ونحن نتعلم التعرف على العشب الحلو وصفصاف الأرانب ومساهمتهما في الأماكن، يمكننا أيضًا أن نفهم بشكل أفضل أسرار الحياة السماوية بالانتباه الدقيق لحكايات تخص آخرين. قد نجد أن كلًّا منها يلعب دوره في جعل الناس على ما هم عليه — في جعل الأماكن بالصورة التي عليها. معرفة كيف يمكن لهذا أن يوسع مداركنا للقصص، وللأماكن، وللهويات الشخصية والثقافية، لحقيقة كل شخص، ولحقيقتنا المحتملة، معًا.
قبل ذلك بسنوات قليلة، في صيف ١٩٨٩م، كنت أناقش أنا و«رازينج ولف» توترات الحياة اليومية وضغوطها. استخدمَ استعارة «مصيدة الذباب» لتفسير هذه العملية: «الطريقة التي أفسرها [الحياة الروحية اليومية] بها للشعوب الأمريكية الأصلية الأخرى، مثل مصيدة ذباب معلقة على الحائط والسقف، وحين تمتلئ بالذباب. تلك هي الطريقة — في العالم الروحي. تلك هي الطريقة التي ننظر بها. كل مرة نخطو فيها إلى المخزن، نخطو إلى البناية، نخطو إلى أي شيء. (…) إنه الارتباك التام سوف يلتصق بك. تلك الطاقة سوف تنخسك كل مرة في برهة، وتفعل أغرب الأشياء. تنسى، أغرب شيء، أسهل شيء، تجعله غريبًا. حين تبدأ الانهماك في ذلك، يكون ذلك الارتباك التام، ثم ربما تبدو مثل مصيدة الذباب المليئة بالذباب.» ماذا يفعل المرء بعد أن يغطيه كل هذا الذباب؟ يذهب إلى مكان خاص وينصت: «مثلما استيقظْتُ ذات مرة في وسط العشب الحلو. كان بالغ الجمال! حسنًا، جلسْتُ هناك وأدركْتُ أنه عشب حلو وبدأْتُ فورًا (توقف) أنتزعه بقبضتي وفكَّرْتُ، حسنًا، سأنتظر. لأرى ماذا هنا أيضًا. وبدأتُ أفحص المكان من حولي. وظهرت الأرواح. استلقيْتُ فقط على العشب الحلو وتشبثْتُ به وبدأْتُ الصلاة وطلبْتُ منها أن تشفق بي». أقول «في الوقت الحاضر، أنا مرتبك قليلًا، ويمكنك أن تراقب عقلي. ربما أتساءل وأفكر في شيء آخر. لكن قلبي معك. ولا أتعلق أو آمل إلا في الأحداث الطيبة؛ لأنه ينبغي أن يكون هناك توازن.» طلب «رايزنج ولف» مني أن أعرف أن هذه العملية مع «الأرواح» يمكن أن تطهر الذات الروحية للمرء، وتحفظها نقية من فساد الأمور اليومية. وقال: نتيجة لذلك، تصبح «أقوى … في فهم ما حولك.»
وبشكل أكثر تحديدًا، ماذا نحتاج لنفسر مقولة «تو بيرز» عن أن «المشاكل» يمكن أن تقود المرء إلى «مكان هادئ» أو «مرتفع»؟ بالإضافة إلى ذلك، وأنت هناك «يمكنك أن تترقب الأرواح» و«يمكنها أن ترفع عصا»، لكنها أيضًا «تعلمك أشياء» ويكون هذا التعليم «مصدر للشفاء والقوة»؟ وكيف نفهم مقولة «رايزنج ولف» بأننا نجذب «ذباب الارتباك» ونحن نقوم بأمورنا اليومية؟ كيف «استيقظ في وسط العشب الحلو»، «وبدأ يفحص المكان حوله» و«ظهرت الأرواح»؟ وماذا نفهم من ربطه لهذا الحدث «بأمله ألا تكون هناك إلا الأحداث الطيبة» وجهده للحفاظ على «التوازن» الصحيح؟ هل يمكن العامل حرفيًّا مع تعبيرات وأحداث من هذا النوع مبنية بمصطلحات مجازية، أو مجازية إلى حدٍّ ما، إذا وضعنا مسلمات وجود البلاكفيت وقيمهم في الاعتبار؟ في حالات من هذا القبيل، ما المعاني المميزة المرتبطة بهذه الأشكال الثقافية للتعبير؟ ما المنطق الثقافي الذي يتخلل هذه المقولات والمقولات المماثلة، ويجعلها مفهومة؟
أستجيب لهذه الأسئلة ولأسئلة أخرى باستكشاف كيف يتكلم بعض البلاكفيت عن تحديات الحياة، ويطرحونها، من خلال ابتكار خطاب عن ممارسات معينة مناسبة. وتركز مناقشتي على خصائص هذه النصوص الشفهية، عمل سردي خاص، وهدفي أن أكتشف في هذه النصوص وفي هذا العمل السردي شيئًا عن كيفية بناء البلاكفيت لعالمهم وعيشهم فيه. حين يناقش بعض البلاكفيت صعوبات الحياة — أو، كما يحدث بصورة أكبر، حين يحكون قصصًا عن مواجهة عوائق الحياة والتغلب عليها — يبتكرون نصوصًا خلقية وثقافية نشطة تدمج الأشياء الفيزيائية والأحداث الاجتماعية والوجود الروحي والمكان الطبيعي. مثل هذه الأقوال الروتينية إلى حد ما تناقش قضايا ومفاهيم جلية بعمق بالنسبة لهم، وهكذا تشكل مقولات معقولة عن حقيقتهم (وما ليس حقيقتهم)، ماذا يفعلون، أين يعيشون، وكيف يرتبطون بالعالم، والأرواح، والناس من حولهم. باختصار، بكلمات وعبارات معينة، تتشكل السمات المتكاملة لرؤية الناس للعالم لتواجه ظروف الحياة الحالية. وخلال هذه الكلمات والعبارات، تُفسَّر الظروف الشخصية وتُربَط بعالم ثقافي له معنى.
يقدم عالم المعاني هذا العالم الثقافي، والعوالم التي تقدم فيها النصوص مبكرًا تكتسب معناها وأهميتها الأكثر عمقًا. وهكذا، إذا أردنا فهم بعض المقولات الفعالة في هذه التصريحات، علينا استكشاف أجزاء من ذلك السياق. يمكننا إذا جعلنا هذه الأجزاء صريحة، أي إذا استطعنا ربط هذه النصوص وذلك السرد بأحداث ومشاهد أخرى في حياة البلاكفيت، أن نفهم، بسهولة أكبر، مسلمات أساسية عن المعتقد والوجود، فعالة في تلك النصوص. إن مثل هذه المسلمات الثقافية تشكل نموذجًا للبلاكفيت، غير رسمي لكنه قوي، نموذجًا للفعل والشعور والعيش في مكان، ولتحقيق هذا النموذج، يكون هو نفسه عملية تعبير ثقافي ونتاجًا له. إن التصريحات الشفهية التي نتناولها هنا تدمج في نموذج البلاكفيت عالمًا روحيًّا وطبيعيًّا لتطرح احتمالات خاصة للحياة اليومية. وقد يكون هذا اللعب الديناميكي بين السياق الثقافي والاحتمالات اليومية قريبًا من العمومية، إلا أن الوسائل الخاصة للتعبير عنه، والمعاني الثقافية المرتبطة بها تخص البلاكفيت بشكل فريد. نرى في أعمالهم، إذا حالفني النجاح، كيف أن العالم المعاصر يعاش بطريقة قوية وتقليدية من طرق البلاكفيت.
تركز المناقشة التالية على نصٍّ سردي معين. وقد اخترْتُ هذا النص لأنه يجلب في عمل شفهي واحد الخصائص والمسلمات المتنوعة للبلاكفيت التي قدمها من قبل «تو بيرز» و«رايزنج ولف»، والفعالة في أعمالي. بتعبير آخر، إن هذا السرد عمل رائع وقوي، يضرب الخصائص والأشكال المألوفة، مفعم كله بالأهمية الثقافية. بما يتلاءم مع معالجات السرديات، وبعد تقاليد قوية في الدراسات السردية، أستكشف بدوري السرد باعتباره أداءً لحدث، نصًّا أنتجه متحدث عن مناسبة خاصة. ويقدم هذا عدة اهتمامات سياقية وثقافية وبين ثقافية. ثم أفحص بعض أحداث الطقوس التي تناقش أو يتم التلميح إليها في السرد، وهي أحداث فعالة في تقاليد البلاكفيت والحيوات المعاصرة. أخيرًا، أعالج السرد باعتباره شكلًا ثقافيًّا معقدًا بعمق يستخدم هو نفسه الأساطير والخصائص الدرامية لتبجيل صلة ماضٍ مقدس بالحياة في حاضر مزعج.
(١) السرد أداء لحدث
في صيف ١٩٨٩م كنتُ أدرِّس مقررًا دراسيًّا في الاتصال والثقافة في جامعة مونتانا. انتهزْتُ الفرصة للاستمتاع في جبال روكي في الغرب مع أسرتي في البلدة التي قابلْتُ فيها زوجتي، ولأوسع فهمي لاتصال البلاكفيت وثقافتهم. اقترحت طالبة في فصلي، بناءً على معرفتها باهتمامي بأمور البلاكفيت، أن أقابل مستر «رايزنج ولف»، بلاكفيت حقيقي نشأ بطرق تقليدية. اعتقدتُ أن مقابلته فكرة رائعة وهكذا وافقتْ تلميذتي، وكانت هي نفسها هندية، على ترتيب موعد بيننا.
أثناء مناقشاتنا، أخبرني رايزنج ولف بالكثير عن حياة البلاكفيت أساسًا بالمقارنة بين «ثقافتها التقليدية» و«الطريقة الأكثر معاصرةً». يرى أن العالم الأكثر معاصرة يتعامل مع العيش، كسب المال، ويلتزم بالوقت طبقًا لجدول بالساعة؛ ويتعامل العالم التقليدي مع دورات الطبيعة، والأرض، والعيش مع «الأرواح في الطبيعة». وزعم أن التحول إلى إيقاعات الطبيعة ودوراتها وأرواحها كان جزءًا لا يتجزأ من حياة الهندي. تحدث بعمق عن هذه المسائل، بلغة أعرف الآن أنها عميقة المعاني. مع أن نقل كثافة هذه المسائل قد يكون صعبًا. وخاصة حين تكون طريقة العيش أقل ألفة للمحاوِر، أو لغير الهندي عمومًا. عند نقطة، وهو يتحدث عن غير الهنود ممن تعاون معهم في العمل، وكان يشعر وكأنه يعرف شيئًا عن عالمهم ولا يعرفون شيئًا عن عالمه، توقف وقال: «لا يفهم البيضُ الأمريكيين الأصليين». قال، وأكثر من ذلك، جزء مما لا يفهمونه الطريقة التي تمثل بها الحياة الروحية جزءًا حميمًا من الحياة اليومية والأشياء اليومية، ليست مجرد «شيء يُنحَّى جانبًا لصباح أيام الأحد باسم الدين». بتوضيح هذه النقطة، أكد رايزنج ولف على البعد الروحي للحياة كلها، وأهمية التناغم مع الأبعاد الروحية للأشياء والناس والأحداث كلها. لتوضيح هذه النقطة، وضع هذه الملاحظات:
قصة رايزنج ولف: «سيأتي الناس إليك»٨
-
(١)
الأرض التي تسير عليها كنيستك
-
(٢)
في الشعائر الروحية، يأخذونك إلى هناك،
-
(٣)
فجأة، لا تكون في الحياة الحديثة،
-
(٤)
تنظر إلى نفسك وربما (٣ ثوانٍ خالية في الشريط)،
-
(٥)
هذه شعيرة واحدة.
-
(٦)
كانت منذ حوالي ست سنوات،
-
(٧)
وكنتُ مسافرًا وأريد العودة إلى الوطن،
-
(٨)
وقد سألني هؤلاء الشيوخ:
-
(٩)
«ماذا تريد أن تفعل؟
-
(١٠)
هل تريد الصلاة، أو أي شيء؟»
-
(١١)
قلْتُ:
-
(١٢)
«أريد أن أرى وطني، أرض وطني!
-
(١٣)
لقد انقضى وقت طويل»
-
(١٤)
وكان كل ما فعلتُ أن انحنيْتُ ثم انتصبتُ،
-
(١٥)
وحين انتصبْتُ كنْتُ في السحاب،
-
(١٦)
وقد رحل كل مَن كانوا حولي،
-
(١٧)
وكان هذان الشخصان طويلين ونحيفين وجميلين،
-
(١٨)
كانا روحانيين،
-
(١٩)
كانا هنديين،
-
(٢٠)
كانا مجرد هنديين طويلين،
-
(٢١)
لكن كان ذلك في عالم روحي!
-
(٢٢)
جذباني من ذراعي،
-
(٢٣)
ولا بدَّ أننا سرنا — إنه ظَهْر الشرق٩ — لكن،
-
(٢٤)
لا بدَّ أننا سرنا خمس خطوات أو ست،
-
(٢٥)
بالضبط كما سرنا على حافة هذه السجادة
-
(٢٦)
إلى الحافة ونظرنا إلى أسفل،
-
(٢٧)
وأسفل يمكن أن أرى «بروننج»
-
(٢٨)
يمكن أن أرى الجبال،
-
(٢٩)
يمكن أن أرى نهر «إيست جليسر»،
-
(٣٠)
يمكن أن أرى «بَب»،
-
(٣١)
يمكن أن أرى كل هذه العلامات المختلفة، هناك،
-
(٣٢)
وجلسْتُ ونظرْتُ فقط!
-
(٣٣)
بالضبط كما تجلس على إحدى هذه السحب في الخارج!
-
(٣٤)
ونظرْتُ فقط وشاهدْتُ كل شيء،
-
(٣٥)
يمكنك أن ترى سيارات صغيرة تطوف الشوارع، كما تعرف
-
(٣٦)
يمكنك أن ترى منزل جدتي،
-
(٣٧)
ونظرْتُ إلى الجبال
-
(٣٨)
حتى شعرْتُ بالارتياح
-
(٣٩)
وكان ذلك جيدًا،
-
(٤٠)
واعتقدْتُ أنه ينبغي ألا أستغرق وقتًا طويلًا،
-
(٤١)
لأنني لم أكُن أعرف حقًّا كيف أتصرف هناك بالضبط،
-
(٤٢)
أو كيف أو أين كنْتُ،
-
(٤٣)
باستثناء أنني كنت أعرف
-
(٤٤)
قررتُ، كما تعرف
-
(٤٥)
كنتُ في سحابة!
-
(٤٦)
على أية حال، جاءوا، وأعادوني،
-
(٤٧)
وبعد ذلك انتصبْتُ وكنْتُ في التيبي١٠ هناك، كما تعرف
-
(٤٨)
وبالطريقة نفسها عند السفر،
-
(٤٩)
حين يأخذك الروحانيون،
-
(٥٠)
يمكنك أن تذهب إلى أماكن مختلفة،
-
(٥١)
وفي أحلامك يمكن أن تسافر كثيرًا حقًّا،
-
(٥٢)
يمكنك أن تذهب إلى أماكن مختلفة كثيرة،
-
(٥٣)
وترى الكثير من الناس المختلفين،
-
(٥٤)
وفي الوقت ذاته، تذهب إلى الشعائر، وتجرب ذلك،
-
(٥٥)
إذا لم تفهم شيئًا ما في الحلم
-
(٥٦)
تذهب إلى المسنين،
-
(٥٧)
وسوف يقيمون الشعائر،
-
(٥٨)
وسوف يجعلون أولئك الناس في ذلك الحلم يأتون إليك
-
(٥٩)
إذا كان حقيقيًّا
-
(٦٠)
إذا لم يكن، فسوف يقولون إنه كان من تخيلاتك،
-
(٦١)
لكن إذا كان حقيقيًّا
-
(٦٢)
سوف يأتي الناس إليك،
-
(٦٣)
وسوف يتحدثون إلى ذلك الشيخ بوصفه مفسرًا،
-
(٦٤)
وسوف يجيبون على أسئلتك،
عند سماع هذه القصة للمرة الأولى، أعترف بأنني كنتُ مرتبكًا. سألْتُ رايزنج ولف بسذاجة: «وهكذا كانت خبرتك في السحابة حقيقية؟» ورد: «أوه — هه». وغير متأكد مما يتضمنه هذا الرد، حاولْتُ أن أستوضح معناه الدقيق: «ليس وهمًا أو شيئًا ما في ذهنك، لكن حرفيًّا، كنْتَ هناك». «نعم». «رأيْتَ حرْفيًّا ما وصفْتَه لي؟» «نعم. نعم. ويمكنك أن تشم وتحس». واصل، بصبر، وكرم، بعمق عظيم، ليساعدني في فهم حقيقة هذا كله.
(٢) السرد نفسه
يمكن سماع هذه الحركات باعتبارها منظمة في ثلاثة أجزاء رئيسية. باستخدام لغة ولف، يمكن أن يُعَنْوَن الجزء الأول (السطور ١–٤٥) «يأخذونك إلى هناك»، في رحلة من الشرق حيث تضخَّم الحياة الحديثة اليوم «للرجل الأبيض» امتلاك الماديات، إلى الغرب حيث تضخم الحياة التقليدية للبلاكفيت الحياة الروحية. ويمكن أن يعنون الجزء الثاني (السطران ٤٦-٤٧) «يعيدونك» وفيه يعود المسافر إلى المشهد الأصلي بشكل غامض كما تركه. ويلخص الجزء الثالث (السطور ٤٨–٦٤) هدف السرد وحركاته، بكلمات رايزنج ولف: «حين يأخذك الروحانيون … سوف يجيبون على أسئلتك». إذا كانت هذه هي الأجزاء الرئيسية، كيف توضع معًا؟ وماذا تكشف بشأن سرديات البلاكفيت وهويتهم؟
الجزء الأول: «يأخذونك إلى هناك»
من الطرق التي يمكن أن يلاحظ بها رايزنج ولف الارتباط بين الروح والطبيعة طريقة تتم من خلال «الشعائر الروحية» التي يذكرها في السطر ٢. حين ينهمك رايزنج ولف في شعائر، مثل البحث البصري، وطقوس حمامات الساونا، وما شابه، فهو ينهمك في نوع معين من الاتصال فيه «يأخذونه إلى هناك»، إلى عالم روحي حقيقي حيث يمكن للمرء أن يكتسب بصائر عميقة. يقدم لنا رايزنج ولف هنا نظرة عن كيفية عمل «قوى الغموض» — كما يسميها بيرسي بولشيلد (١٩٨٥م، ص٣٣٧) — من خلال الشعائر الروحية. في هذه الأحداث، يمكن للقوى الروحية أن تؤثر على المشاركين بطرق غامضة ومناسبة. وهكذا، «فجأة» يجد رايزنج ولف أنه «ليس في الحياة اليومية الحديثة». يؤخذ إلى مكان آخر. وكما يقول بعد ذلك: «لم أعرف حقًّا كيف أخذت إلى هناك بالضبط» (السطر ٤١). نُقِل بسرعة وقوة بطريقة مجهولة إلى مكان آخر، أو إلى مستوًى آخر من الوجود. وهكذا يقدم هذا الاتصال الشعائري للبلاكفيت مشهدًا يمكن أن يتحول فيه للعامل الروحي بشكل درامي وينقل العوامل خلال قوى غموضه. بالضبط كيف يحدث هذا؟
يحكي لنا رايزنج ولف عن الطريقة التي أثرت بها «هذه الشعيرة الواحدة» (في السطور ٥–١٦). وكان قد سافر بعيدًا عن وطنه «حوالي ست سنوات». وكما يحدث أحيانًا في الرحلات الطويلة، كان يشعر بالاضطراب، واعتلال المزاج، والحنين للوطن. «كان يرغب في العودة إلى الوطن». عند هذه النقطة من القصة، يقدم رايزنج ولف شخصيتين، «العجوز» الذي يبحث رغباته (السطران ٩-١٠)، ويمارس الشعائر الحقيقية نيابة عنه. بمساعدة «هؤلاء الشيوخ»، يجد رايزنج ولف نفسه فجأة وبشكل غامض «في السحب وقد رحلوا وكل رحل كل من كانوا حوله».
كونه «في السحب» يمثل تحولًا معقدًا في المشهد. «في السحب»، نكتشف في النهاية، مكانًا روحيًّا، مكانًا تقليديًّا يمكن منه تعزيز قدرات رايزنج ولف على الحياة، حيث يمكن طرق المصادر التقليدية للحكمة لمواجهة صعوبات حياته الحالية. في العملية، تصبح شخصيات «الشيوخ» — من خلال نوع من تحول الصورة والأرض بين الموتيفة المادية والروحية — (في السطور ١٧–٢٦) «… شخصين»، «… طويلين ونحيفين وجميلين»، «هنديين … روحيين» ساعدا رايزنج ولف في «العالم الروحي». رافقاه «إلى الحافة مباشرة»، إلى مكان جيد، يقدم منظورًا أفضل لاكتساب بصيرة تتصل بمحنه الحالية (السطران ٢٥-٢٦). هكذا تحول المشهد في القصة من «الحياة الحديثة» المذكورة من قبل (في السطر ٣) إلى حياة تقليدية، من مادة موجودة في «هؤلاء الشيوخ» إلى وجود روحي «في السحب»، من مكان الرجل الأبيض «في ظهر الشرق» إلى «وطن» البلاكفيت في الغرب.
بمساعدة «الشيوخ» و«الهنديين الطوال»، انتقل رايزنج ولف «إلى الحافة مباشرة ونظر إلى أسفل»، مكان يساعده على قبول حنينه إلى الوطن. ومن المهم عند هذه النقطة من القصة، بعد تلقي المساعدة في مكان روحي، أن يكون رايزنج ولف وحده. إذا كان «الشيوخ» يمكن أن يساعدوه للحصول على مدخل إلى عالم روحي، ماذا تفعل وتتعلم حين يكون الأمر متروكًا لك. في هذه الشعيرة، ورايزنج ولف قابع على السحابة يهتف «يمكن أن أرى» وما رآه كان «علامات» مألوفة، تشمل «بروننج»، المركز الثقافي لمقاطعة البلاكفيت، وبلدتين أخريين في المقاطعة، إيست جلسير وبب. كان يستطيع رؤية «منزل جدته». جلس ينظر إلى وطنه، متصلًا من جديد بأماكنه المقدسة، والناس المهمين، قادرًا على أن يرى وطنه ويشعر به من جديد. وكان هذا كله «مريحًا وطيبًا».
رايزنج ولف وقد ارتفع الآن، بتواضع حقيقي، لا يحتاج كثيرًا إلى شيء «طيب»، ولا يريد أن «يستغرق وقتًا طويلًا جدًّا» على السحابة. يذكِّر مستمعه بالغموض القوي للعالم الروحي قائلًا: «لم أعرف حقًّا كيف وصلت إلى هناك بالضبط». لمستمع تقليدي من البلاكفيت، يذكِّر المرء هنا بالطرق المتنوعة التي يمكن أن تعمل بها الأرواح. قبل ذلك قال تو بيرز: «حين تأتي الأرواح، يمكن أن ترفع عصا»، أو «يمكن أن تعلمك أشياء.» «يمكن أن تكون الروح فظة جدًّا أو جبانة جدًّا، بالطريقة التي تريد أن تعاملك بها قبل أن تهبك قوتها»، كما يعبر بيرسي بولشيلد (١٩٨٥م، ص٣٣٧). نتيجة الغموض والشك المتضمنين، ينتقل المرء أو يُنقَل إلى العالم الروحي ومنه بحذر وتبجيل. ربما لا يكون لدى المرء إلا القليل لو كان لديه ما يقوله في المسألة، لكن حين يتصرف كما تصرف رايزنج ولف فإنه يمارس يقظة حقيقية في المسألة.
الجزء الثاني: «جاءوا، وأعادوني»
إذا كان الوصول إلى العالم الروحي فجائيًّا وغامضًا إلى حد ما، كما يوحي رايزنج ولف (السطور ١٤–١٦)، فإن الرحيل عنه يكون كذلك أيضًا. يخبرنا: «أعادوني وبعد ذلك جلسْتُ في التييبي هناك» (السطران ٤٦-٤٧). لمن يشير ضمير الغائب هنا، أو لماذا؟ من أعادوا رايزنج ولف؟ وبمَ يمكن أن يوحي ذلك بشأن الانتقال بين الفضاءات والثقافات والأزمنة، والأرواح؟
عند هذه النقطة من القصة، يكون استخدام ضمير الغائب مفعمًا بالمعنى. بمعنى أنه يشير إلى «الشيوخ»، إلى الجانب الفيزيائي من الوجود الروحي. وهم، بهذا المعنى، أناس، مسنون عادة، يستجيبون لطلبات المساعدة، ينظمون شعائر مناسبة، ويقومون بدَور المشاركين الحكماء النشطين في تلك الشعائر. وبمعنى آخر، يشير ضمير الغائب إلى «هنود روحيين طوال»، إلى الجانب الروحي للوجود الفيزيائي. يساعد هؤلاء الناس في توجيه الوجود الروحي، وتوصيل الأفعال والوعي بطرق مثمرة تساعد الباحث. يمكنهم، باعتبارهم مساعدة روحية أو قناة توصيل، أن يساعدوك في الدخول إلى عالم روحي والخروج منه. وهكذا يشير الضمير إلى شخصية معقدة تكون في الوقت ذاته روحًا مجسدة وجسدًا روحيًّا. وتعمل هذه الشخصية من خلال الجسد والروح، ويجدد الباحث الارتباطات المتكاملة بين المادي والروحي، الأرض والكنيسة، حيث يدعم كل منهما الآخر، وهكذا يوجد الاثنان معًا.
وهناك معنى آخر يرتبط بضمير الغائب لا ينشط على الفور في السطر ٤٦، على الأقل فيما يتعلَّق بالإشارة إلى شخصية معينة، لكنه شرط لمعنى هذا السطر، وقصة رايزنج ولف نفسها. بهذا المعنى، يشير الضمير — كما يستخدم على سبيل المثال في السطر ٢ — ليس فقط إلى شخصية، بل إلى «شعائر روحية» بوصفها، هي نفسها، أحداثًا ثقافية. بهذا المعنى، تقدم الشعائر شكلًا تواصليًّا مهمًّا تُطرَح من خلاله المشاكل، وتُدعَم القدرات الشخصية، ويتعزز الوجود الروحي. في مثل هذه الأحداث، يلمس المتضرعون الحقائق العظيمة والمصادر التقليدية للحكمة والقوة، المهددة في العالم المعاصر الذي يعيش فيه رايزنج ولف. يمكن للمرء، منتقلًا إلى أحداث الشعائر، إذا مورست بشكل صحيح، أن يحفظ «توازنًا» حقيقيًّا، كما عبَّر من قبل، في وجوده الروحي والفيزيائي. وحيث إن هذه الأحداث تعمل بطرق قوية غامضة، يجب توخي الحذر والتحلي بالتواضع. على المرء أن يكون ممتنًّا لأن العالم الروحي جدد فهمه للحياة من جديد، ويرحل سريعًا بمجرد الترحيب به. وأيضًا نتيجة لقوة الحدث، ووضعه بوصفه «حقيقيًّا» ينبغي أن يحميه مَن هم في أفضل وضع لمعرفته. وهكذا نعود مرة أخرى إلى «الشيوخ»، نعم، «المسنين»؛ إنهم الذين يساعدونه مرة أخرى.
الجزء الثالث: «حين يأخذك الروحانيون، سوف يجيبون على أسئلتك»
يلخص رايزنج ولف حكايته وحلها (السطور ٤٨–٥٣). من خلال «الشعائر الروحية»، شعائر مثل تلك التي وصفها للتو، يمكن أن يأخذك «الروحانيون» «إلى أماكن مختلفة كثيرة وترى الكثير من الناس المختلفين». يريد من مستمعه أن يعرف أن الحدث نفسه والعملية يمكن تطبيقهما على ظروف شخصية متنوعة، على مشاكل متنوعة، حاملة أي فرد إلى أي «أماكن» أو «أشخاص» يمكن أن يقدموا له المساعدة.
يريد أيضًا أن يعرف مستمعه أن هذه الأحداث حقيقية بشكل لافت. وإذا كنت تشك في ذلك، يمكن «للمسنين» أن «يقيموا شعيرة»، ويأتوا «بأولئك الناس [الروحانيين]» ويساعدوك على التأكد من «إن كانت حقيقية». بهذا المعنى، يمكن فصل الخبرات الوهمية والزائفة والمتخيلة عن الخبرات الحقيقة. وقد لخَّص تو بيرز القضية بشكل متكرر، خاص وعام، وهو يناقش معتقدات البلاكفيت وقيمهم، «شعبنا واقعي». وأكد رايزنج ولف على واقعية خبرته المحكية. من خلال صوره اللغوية، صور خبرة فعلية رائعة كما حدث حين «جلس … في السحب»، «وجذب … من ذراعيه» بواسطة الهنود الروحانيين، وكما حكى بالتفصيل المشهد الذي لاحظه وهو «في السحب». في قبضة تلك الخبرات، يقول رايزنج ولف «شعر بالارتياح وأنه كان في حالة طيبة». وكان على يقين من أنه إذا كانت هناك أي شكوك بشأنها، وإذا تطلَّب الأمر ذلك، يمكنه أن يسأل «الشيخ» ليصبح «مفسرًا»، «سوف يأتي الناس»، ومرة أخرى، «سوف يجيبون على أسئلتك». وهكذا يعود بنا في تصميم دائري عميق (إلى السطر ٢ وما بعده) مرة أخرى «في الشعائر الروحية، يأخذونك إلى هناك».
(٣) السرد والأحداث المسرودة: قصَّة عن اتصال طقسي
الهدف العام من الشعائر هو التطهير والتجديد، تطهير لأنها تنبذ الوباء اليومي، وتجديد لأنها تبعث الحياة الروحية الحقيقية. والتطهير والتجديد يقومان بصف الأبعاد المادية والروحية للحياة، عند طرح المشاكل في حياة شخص، وتساعدانه على التغلب على ظروف الحياة، وتجعله أقوى أثناء ذلك.
بالطبع يعرف رايزنج ولف هذه الشعائر وهذا النوع من التسلسل الطقسي. ويشير إليها مباشرة (في السطور ٢، ٥٤، ٥٧)، ويصف بالتفصيل مثالًا خاصًّا. في السياق الثقافي لهذا الطقس، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل الشكل العام للنشاط المتضمن هنا. ويمكننا أن نفهم أكثر كيف تمجِّد الشعائر المعتقدات المقدسة للأرواح والأسرار في أماكن الطبيعة، وقيم التواضع، والتقاليد، والتقوى في الحياة اليومية.
(٤) الخصائص الأسطورية: الذاكرة في السرد
أود أن أعود إلى زمن قبل الزمن. في هذا الزمن الأسطوري لدينا هذه القصة المختلفة عن الشخصية، نسميها أسطورة. والأسطورة أحيانًا نتيجة لخبرة خيالية قوية جدًّا، وبتحديد شديد نتيجة لخبرة استثنائية، وتساعدها الأسطورة على تشكيل الروح، وتساعدها على تشكيل روح الشجاعة المطلوبة لتواصل. وتساعد الأسطورة أيضًا على بناء الاحترام بين عالم الإنسان وعالم الطبيعة.
أساطير نابي أو الرجل العجوز وسكارفيس: حكايات السفر، والحلم، والحصول على مساعدة
منذ فترة طويلة كان شعب البلاكفيت يعيش بتعاليم نابي، وقد أوضح نابي للشعب أشياء كثيرة جدًّا. وأعطى نابي أيضًا للهنود الإرادة ليعيشوا بابتكار حيوانات ونباتات وكل المخلوقات الحية لاستخدامهم. وأعطى الشعب طريقة صحيحة ليعيشوا بها، وأوضح لهم أيضًا الطرق الخطأ.
وكان من الهدايا التي قدَّمها نابي للبلاكفيت القدرة على الحلم. وعلَّم الناس كيف يستخدمون أحلامهم بطريقة جيدة. وكان على الرجال أن يذهبوا إلى الجبال للعثور على أحلامهم. كان عليهم أن يناموا على وسائد من جماجم الجاموس ويحلموا. وحين كانوا يعودون إلى المعسكر، يتبعون النصيحة التي رأوها في أحلامهم.
وكان الهنود يقدرون أحلامهم ولا يخافون. كانوا يعرفون أن الأحلام يمكن أن تساعد الجميع.
علم نابي الناس كل شيء في تلك الأيام. والآن نحكي قصصه، كما سمعناها عن شيوخنا.
القصة التي يبدعها رايزنج ولف لمستمعه مرصعة بمهارة بهذه الخصائص الأسطورية المحددة وبهذا الشكل. الفعل الأساسي في القصة، «في العالم الروحي، فعال ثقافيًّا لأنه، كما يقول، «في أحلامك يمكن أن تسافر كثيرًا حقًّا» (السطر ٥١). تتحرك الحبكة الأساسية من رغبته في السفر إلى وطنه، إلى زمنه «في السحب»، عودة روحية إلى الوطن، لأنه مصدر عظيم للارتياح والروعة بالنسبة له. وبسرد خبراته الشخصية من خلال هذه الخصائص الأسطورية، حكى رايزنج ولف حكاية شخصية. فعل هذا من خلال شكل أسطوري لا ينشط الأفعال الفردية وحدها بالإرادة بل والأفعال الثقافية بالتوجيه الروحي، وليس فقط خطط شخصية بل حبكات ثقافية تقدم المشاكل وتحلها بالطرق التقليدية للبلاكفيت. ونتيجة لهذا، تُعاش حياة رايزنج ولف وتُحكى ليس فقط طبقًا لظروفه وما يملى عليه، لكن أيضًا باعتبارها تتبع الإرشاد الخلقي لهذا الأستاذ الأسطوري العظيم، نابي، وكلماته الحكيمة «للأوائل»، حين يكونون في حاجة «للحصول على قوة روحية».
امرأة بذيل من الريش أو أسطورة النجم الثابت: نقطة امتياز حقيقية للحكي
حين كانت المرأة بذيل من الريش شابة نظرتْ، ذات ليلة، إلى النجوم، وحين رأت «نجم الصباح» قالتْ: «أودُّ أن يكون زوجي!» بعد ذلك ببعض الوقت، ظهر «نجم الصباح»، بشكل مؤكد تمامًا لها واتخذها عروسًا له. وبوصفه ابنا ﻟ «خالق الشمس» و«نور الليل»، أخذها «نجم الصباح» إلى وطنه، إلى «الأرض العليا». وصارت المرأة، وقد تم الترحيب بها بحرارة، عضوًا نشطًا في أسرة «نجم الصباح» وقريته. والمرأة الشابة تحفر لاستخراج اللفت للقرية ذات يوم، لاحظت لِفتة هائلة رائعة. وكانت اللفتة التي ذكرتها لها «نور الليل»، وحرَّمت عليها استخراجها. كل يوم تذهب المرأة الشابة لتحفر وتستخرج اللفت، ترى هذه اللفتة وتتشكك في سبب تحريمها، وقد أغرتها. حدث هذا وتكرر، وكان الإغواء يزيد يوميًّا. في النهاية، ذات يوم، لم تعد المرأة الشابة تستطيع مقاومة الإغواء، فاستسلمت وأخرجت اللفتة الهائلة الرائعة. وأخذت تدحرج اللفتة جانبًا.
وقد عرف أنها ستكون غير سعيدة إذا لم تعد إلى أهلها، أقنع «خالقُ الشمس» «نجمَ الصباح» بضرورة عودة المرأة إلى وطنها، أو تبقى تعيسة إلى الأبد. شفقة عليها، عاد «نجم الصباح» وزوجته إلى وطنها، بمباركة من «خالق الشمس»، ومع تعليماته لتمجيده لتعيش هي وأهلها حياة طويلة وسعيدة.
ترتبط هذه الأسطورة بالقصة الشخصية لرايزنج ولف بعدة طرق. التيمة الأساسية حكاية سفر للانتقال بين العالم الفوقي والعالم الأرضي. الحافز الأوَّلي للانتقال حنين رومانسي، الحافز التالي الحنين للوطن. وبالإضافة إلى ذلك، يوجد توازٍ مهم بين سرد رايزنج ولف وهذه الأسطورة. مثل امرأة بذيل من الريش، كان مسافرًا يريد العودة إلى الوطن (السطر ٧)، وجد نفسه في السحب ينظر إلى أسفل (السطور ١٤–١٦، ٢٦، ٣٢-٣٣، ٤٥)، ورأى خصائص معينة لوطنه (السطور ٢٧–٣١، ٣٤–٣٧)، وشعر بالارتياح بما رأى (السطران ٣٨-٣٩). بالإضافة إلى ذلك، كان ما رآه مماثلًا لما رأته المرأة، خصائص الأرض، الجبال، ومساكن أفراد الأسرة.
ربما الأكثر إثارة على مستوى أنها بنية موازية هو المنظور المقدَّم في جزء من السرد، النظر من أعلى في السحابة إلى أسفل. إن الوصف هذا في الأسطورة، كما قدمناها، يكرر تقريبًا ما يقدمه رايزنج ولف. تُكتسَب البصيرة، والمرء يقبع في سحابة، ينظر إلى وطنه وأهله. البصائر المحتملة — للشعور بالارتياح والدراما متعددة الثقافة — عروض منظورة متماثلة أيضًا. في الاثنين، يلبي الحنين إلى الوطن فورًا، لكن المرء يواجَه أيضًا بمعرفة قاسية بكونه محبوسًا إلى الأبد بين العوالم.
(٥) السرد دراما اجتماعية: بين العوالم، والمقاومة الثقافية، والحماية١٥
إذا كانت الخصائص، والشكل الأسطوري، الفعالة في سرد رايزنج ولف تقدم روابط بالماضي من خلال أفعال وأخلاق تقليدية، فإن الخصائص الدرامية تقدم روابط تاريخية بالأحداث والعوالم المعاصرة. لا يوجد بمثل هذا الوضوح في أي مكان، حين يذكر، أن الشعائر «تأخذك إلى هناك»، وهكذا «لا تكون في الحياة الحديثة». ونكتشف، في النهاية، أن «هناك» تعني «في السحب»، و«في عالم روحي». وضمنيًّا، «هنا» تعني بمعنى معين «في التيبي هناك»، وعمومًا «ظهر الشرق».
المعاني الثقافية في المقولات الرمزية التي يستخدمها رايزنج ولف ثرية بشكل لافت. كما رأينا، بمساعدة «الشيوخ» و«الشيخ» يقوم بنقلة حرفية من بعد غير روحي إلى بعد روحي للوجود. الخيوط المنسوجة في حكاية رحلته موتيفات رمزية، تنقله مكانيًّا من «ظهر الشرق» إلى «موطنه» في الغرب. الخيالي هنا عميق وثرى أيضًا، من المؤسسة الأوروبية والمستوطنات الأرستقراطية في الساحل الشرقي إلى السكان الأصليين وأرض العجائب الطبيعية في المناطق الغربية. ثمة موتيفة زمنية توحي أيضًا بطرق عيش «الحياة الحديثة» مع الموارد «التقليدية». إن اقتران الموتيفات الروحية والمكانية والزمنية يخلق تقابلًا مبطنًا إلى حد ما، لكنه قوي بعمق بين «عالم الرجل الأبيض» و«عالم البلاكفيت»، بين فساد الحاضر وماضٍ رعوي. وهكذا ينقل التحول المقولات الرمزية من «الحياة الحديثة» إلى «عالم روحي»؛ معاني ثقافية كثيفة روحيًّا ومكانيًّا وزمنيًّا. وخلال هذه المصطلحات تبرز تنقلات بين الوجود الروحي وغير الروحي، ووجود مشترك صعب بينهما، الموطن في المقاطعة وخارج المقاطعة، الأساليب التقليدية والمعاصرة في الحياة.
حين يقابل رايزنج ولف «الحياة الحديثة» بأخرى روحية و«تقليدية»، كما يفعل في السطر ٣، يجلب هذه الصعوبة ليحكي حبكة قريبة من السطح. يستدعي سرده بشكل موجز إلى حد ما الحكاية التراجيدية التاريخية لبعض أحداث الماضي حين انتهك «الرجل الأبيض» «البلاكفيت»، مع الأزمات الناجمة عن ذلك والمستمرة حتى اليوم. كما يذكِّرنا بيرسي بولشيلد، الحكاية حكاية تاريخية، نعم، لكن آليات ذلك التاريخ تستمر في قضايا اليوم، خاصة فيما يتعلق «بالأرض» و«المياه»، مذكرة بطلبات الشركات لحقوق التعدين، وآبار النفط، وانتهاكات المعاهدات المتنوعة. إن مثل هذه المقترحات تدنس «كنيسة» رايزنج ولف وتو بيرز والبلاكفيت.
تقدم الخصائص التاريخية للسرد شيئًا آخر أيضًا. كيف يقدم الانتقال بين العوالم الثقافية حكاية خلقية للحياة المعاصرة، وحكاية درامية عن الحياة في عالمين ثقافيين مختلفين، مقاومة إغراءات عالم الرجل الأبيض والمحافظة على حكمة البلاكفيت. والدراما المتضمنة الأكثر عمقًا — لمقاومة المعاصرة والمحافظة — تتكون في طرح عدة تقلبات سيمنطيقية فعَّالة في هذا الخطاب. على سبيل المثال، ما يعتبر «حقيقيًّا» على المستوى الروحي في المعرفة التقليدية للبلاكفيت (على سبيل المثال، أن يكون المرء في السحب) يعتبر غالبًا غير حقيقي في معرفة «الرجل الأبيض». الحي روحيًّا في المعتقدات التقليدية للبلاكفيت (على سبيل المثال، الأرض، والصخور، والجبال) يراه عادة الرجل الأبيض مادة ميتة. وبينما يفترض كثيرون من البلاكفيت أن عالم الطبيعة وعالم الروحي مترابطان، يرى الرجل الأبيض أنهما منفصلان. والطرق الرئيسية للتعليم والإلهام عند للبلاكفيت التقليديين (أي رؤية الأرواح والاستماع لهم في أماكن الطبيعة) ليست معتادة في تعليم الرجل الأبيض. كل مسلمة وشكل ثقافي للاتصال في الحياة التقليدية للبلاكفيت عكستْها وأبطلتها أو حرَّفتْها «الطرق» المعتادة «للرجل الأبيض». يذكِّر رايزنج ولف، ناسجًا هذه التقلبات الدرامية في السرد، البلاكفيت بعدم الخلط بين «الحياة الحديثة» والطرق التقليدية للبلاكفيت التي يحرسها «الشيوخ». خلال سرده، والأفعال والأحداث الثقافية التي يمجدها ويحتفي بها، يمكن أن يكتسب البلاكفيت الشجاعة والحكمة، ويؤكدون الشرعية — والنزعة الخلقية العميقة — لكونهم من البلاكفيت، والعيش بهذه الطريقة في هذا العالم المعاصر.
(٦) الاستنتاج: السرديات خطابات ثقافية
حاولْتُ أن أوضح هنا كيف صِيغ نص سردي ببراعة في خطاب ثقافي للبلاكفيت. بمعنى ما عالجْتُ ذلك النص، ونصوصًا أخرى، باعتباره ممارسة للتواصل تستدعي هنا أحداثًا ثقافية من قبيل الشعائر، ومعاني خاصة من قبيل المقولات الرمزية والتقلبات السيمنطيقية، وتفترض كلها خطابًا خاصًّا للبلاكفيت وتبدعه. بهذا المعنى، الخطاب الثقافي فعَّال في ممارسات الاتصال التي تنتشر بين شعب، مجموعة نصوص في سياقات، كل منها أداء مناسب يرتبط بالأحداث والمحادثات الثقافية الجارية، ويبقى لكل منها معنى من خلال مصطلحات وموتيفات وحوافز غير منطوقة ثقافيًّا. في هذه العملية، يتم لفت الانتباه إلى حلبة استطرادية محلية، وطرق تشكيلها وحكيها للقصص، تاريخها في الفعل والعمل. هذا هو عمل الخطاب الثقافي المحلي.
في التحليلات الناتجة عن ذلك، آمل أن تكون قد أوضحتْ طريقة بناء هذا السرد، وهذه النصوص الشفهية، مفاهيم البلاكفيت عن أنفسهم وأفعالهم وظروفهم وتاريخهم. ويتضمن هذا أن اعتبارات السرد تتطلب تحليلًا على مستوى الثقافة والاتصال. ولسماع القصص، في المقام الأول، ينبغي أن نكون مع الراوي بطريقة خاصة. ولفهم القصص المحكية لنا علينا أن نعرف شيئًا عن العالم المحلي الذي تتناوله القصة وتعيد بناءه. إحدى فرضيات أبحاثنا أن نحاول، كما يعبر كيث باسو (١٩٩٠م، ص١٣٦)، «أن نضع تفسيرات مبدئية للعوالم المشكَّلة ثقافيًّا ونحاول فهم حقيقة العيش فيها». ولنعرف أكثر إن كان ينبغي على المرء، أن يحكي قصة، وإذا كان ينبغي عليه، كيف يمكن له وكيف ينبغي عليه أن يحكيها. إذا كنا نريد فهم بعض معاني ما يقوله الناس عن أنفسهم، وعالمهم، عن أشيائه وناسه، علينا أن نستفيد من معالجة النصوص السردية باعتبارها موارد للثقافة والاتصال. وبالتالي نسمع فيها تصريحات رمزية منظمة بعمق تُبدَع لتطرح طوارئ الحياة اليومية، وتلبي تحديات الناس في كشف الطرق وبالتالي توليد الشجاعة للاستمرار.
(٧) «سوف تحدث أشياء مثلها»
المراجع
-
Basso, K. (1990), Western Apache language and culture: Essays in linguistic anthropology, Tucson, AZ: University of Arizona Press.
-
Basso, K. (1996), Wisdom sits in places: Language and landscape among the Western Apache, Albuquerque, NM: University of New Mexico Press.
-
Bauman, R. (1986), Story, performance, and event: Contextual studies of oral narrative, Cambridge: Cambridge University Press.
-
Blackfeet Community College (1997), Old man told the first people how to get spirit power (pp. 1–3), World Wide Web: Montana Sites Page.
-
Bullchild, P. (1985), The sun came down: The history of the world as my Blackfeet elders told it, New York: Harper and Row.
-
Burke, K. (1945), A grammar of motives, New York: Prentice-Hall.
-
Carbaugh, D. (1983), Oral tradition as spoken culture, In: I. Crouch and G. Owen (Eds.), Proceedings of the seminar on oral traditions (pp. 17–30), Las Cruces, NM: New Mexico State University Press.
-
Carbaugh, D. (1996), Situating selves: The communication of social identity in American scenes, Albany, NY: State University of New York Press.
-
Carbaugh, D. (1999), “Just listen”: “Listening” and landscape among the Blackfeet, Western Journal of Communication, 63 [special issue on Spaces], 250–270.
-
Deloria, V. (1995), Red earth, white lies: Native Americans and the myth of scientific fact, New York: Scribner.
-
Gee, J. P. (1991), A linguistic approach to narrative, Journal of Narrative and Life History, 1, 15–39.
-
Goodall, Jr. H. L. (1996), Divine signs: Connecting spirit to community, Carbondale, II: Southern Illinois University Press.
-
Grinnell, G. B. (1962), Blackfoot lodge tales: The story of a prairie people, Lincoln, NB: University of Nebraska Press.
-
Harrod, H. I. (1992), Renewing the world: Plains Indian religion and morality, Tucson, AZ and London: University of Arizona Press.
-
Hopper, R., & Doany, N. (1989), Telephone openings and conversational universals, International and Intercultural Communication Annual, 13, 157–179.
-
Hymes, D. (1981), “In vain I tried to tell you”: Essays in Native American ethnopoetics, Philadelphia, PA: University of Pennsylvania Press.
-
Katriel, T. (1997), Performing the past: A study of Israeli settlement museums, Mahwah, NJ: Lawrence Erlbaum.
-
Kipp, D. R. (1993), The Blackfeet: A Native American perspective, Montana Magazine, 119 (June), 4–11.
-
Labov, W. (1972), The transformation of experience in narrative syntax. In W. Labov (Ed.), Language in the inner city: Studies in the Black English vernacular (pp. 354–396), Philadelphia, PA: University of Pennsylvania Press.
-
Labov, W. (1982), Speech actions and reactions in personal narrative, In: D. Tannen (Ed.), Analyzing discourse: Text and talk (pp. 219–247). Washington DC: Georgetown University Press.
-
Langellier, K. M. (1989), Personal narratives: Perspectives on theory and research, Text and Performance Quarterly, 9, 243–276.
-
Means, R. (1992), For the world to live “Europe” must die, In: R. K. Burke (Ed.), American public discourse (pp. 54–63), Lanham, ND: University Press of America.
-
Mœrman, M. (1988), Talking culture: Ethnography and conversation analysis, Philadelphia, PA: University of Pennsylvania Press.
-
Peshkin, A. (1997), Places of memory: Whiteman’s schools and Native American communities, Mahwah, NJ: Lawrence Erlbaum.
-
Philipsen, G. (1987), The prospect for cultural communication, In: D. L. Kincaid (Ed.), Communication theory from Eastern and Western perspectives (pp. 245–254), New York: Academic Press.
-
Rides at the Door, D. D. (1979), Napi stories, Browning, MT: Blackfeet Heritage Program.
-
Riessman, C. K. (1993), Narrative analysis, Newbury Park, CA: Sage.
-
Schegloff, E. (1986), The routine as achievement. Human Studies, 9, 111–151.
-
Schultz, J. W., & Donaldson, J. L. (1930), The sun god’s children, Boston, MA: Houghton Mifflin Company.
-
Sequeira, D. (1994), Speaking in tongues, Text and Performance Quarterly, 14, 187–200.
-
Turner, V. (1980), Social dramas and stories about them, Critical Inquiry, 7, 141–168.
-
Wissler, C., & Duvall, D. C. (Compiler and translator) (1995), Mythology of the Blackfoot Indians, Lincoln, NB: University of Nebraska Press.