سرديات الهوية القومية بوصفها سرديات جماعة أنماط المعرفة التفسيرية١
أحلِّل فقط السرديات الأمريكية الخاصة بالهوية القومية، لكنني أتخيَّل أن السرديات القومية، على الأقل في هذا القرن، في أماكن أخرى كانت مماثلة من وجوه معينة. مبدئيًّا، أفترض أن كل السرديات القومية قصص تعرف الجماعة عادة من حيث إنها (أ) نمطية جدًّا، (ب) وتؤثر أيضًا على شكل السيرة الذاتية الشخصية، (ج) وتتوغل باعتبارها معرفة لتمثل أداة ذهنية لتفسير الأحداث.
فيما يلي أحاول أن أوضح أنَّ هذا الوصف مناسب بالنسبة للسرد القومي الأمريكي، وأثق بأنه، بقدر ما يصح، سيكون من الصواب أن نعزوه إلى آخرين كثر. لكن، بالطبع، كل سرد قومي مختلف، وسيكون هناك الكثير من الخصائص، ومنها خصائص مهمة، غير مشتركة في كثير من السرديات القومية. تأمل، على سبيل المثال، أسلوب الزخرفة. ربما يكون لقصص الهوية القومية جنس أدبي مميز، لكن لا بدَّ أن يختلف كل جنس أدبي يتم اختياره. ربما نجد تراجيديا في مكان، وقصة حب في مكان آخَر. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لهذه الاختلافات نتائج مهمة بالنسبة للمسائل الأخرى في الحالة العامة، وخاصة الجنس الأدبي الخاص ببناء الذات، والنمط المعرفي الخاص للتفسير المطبق عمومًا في الأمور الحالية.
أبدأ بالحالة العامة، منتقلًا إلى دراسة سرد تعريف الجماعة لأقدِّم مثالًا له؛ ثم إلى أنماط قصة الهُوية القومية الأمريكية، بشكل عام وخاص. وأخيرًا، أتأمل قليلًا في الاختلافات بين سرديات الهُوية القومية، بوصفها حالة عامة، من الأنواع الأخرى لقصة تعريف الجماعة.
(١) سرديات الجماعة: جماعات المسرح
يحكي «طلاب اللاهوت» هذه القصة: «نحن جماعة صغيرة محدودة من الممثلين، مجموعة، نشترك في التقنية وفي فلسفة مسرحية تعلمناها على يد مؤسس الجماعة واستمرت على يد المخرج. نؤمن بمبادئنا العامة منذ يوم تأسيس الجماعة.» لهذا السرد عن التفاني، مجسدًا في سرد غني بالأحداث في المكان والزمان، مذاق الرحلات في مهمة روحية (ناجحة)، قصة بحث. وتمثل قصة «المتدربين» مقابلة حادة. إنها قصة جماعة تمكن أعضاؤها، وكانوا في جماعة بفضل الزمالة، من تحقيق تطور شخصي بوصفهم فنانين، وكانوا جميعًا تحت جناح قائدَي الجماعة (مخرجين تنفيذيين) اللذين يقدمان لهم الفرص لتحسين أنفسهم واختبارها، رواية تعليمية.
ذُهِلْنا باختلافات الجنس الأدبي بين الجماعات. لكنَّ الجماعتين كانتا مؤثرتين. لكن سرد هُوية الجماعة ليس مجرد تقرير عما يفعله الناس، لكن أيضًا عن كيف تفعله، وعن العلاقات بينهم. كانت الجماعات الثلاث كلها تحاول أن تطور مقاربتها الخاصة للمسرح، كل جماعة بطريقتها. كانت أفكارهم مختلفة بشأن المهم في المسرح، وعن علاقته ببعضه، وكانت جماعة «المتدربين» ذات طابع عائلي جدًّا. وكانت أهمية العاملين مختلفة نسبيًّا — نظرية بالنسبة لجماعة «طلاب اللاهوت»، وعلاقات بالنسبة لجماعة «المتدربين». وكان على الجنس الأدبي الذي بنَوه أن يأخذ كل هذه المسائل في الاعتبار إذا كان له أن يؤثر بوصفه نموذجًا تفسيريًّا للنوع الخاص بهم فيما يتعلق بالخبرة المشتركة، أي النمط المشيد الخاص بهم فيما يتعلق بالمعاني.
الاعتبار الثاني هو العلاقة بين السيرة الذاتية الشخصية وقصة الجماعة. كيف يكون التماثل أو الانسجام المتوقع بينهما؟ أي من الاثنين الأول أو الأساسي أكثر، وبشكل أكثر عمومية، ما العمليات التي تنتقل بها السرديات من الداخل إلى الخارج، أو من الخارج إلى الداخل؟
لحل لهذه المقولات المتنافسة عن شرعية ميتافيزيقية فريدة يقترح كوهين بناء منظور أكثر رمزية عن حكايات الذات، في وسط يمكن أن تتقاسمه أنماط الجماعة والأنماط الشخصية، في وقت واحد. ويصبح الاختلاف الذي لا يمكن اجتيازه بين الالتزامات الأنطولوجية المتنافسة للأفراد أو الجماعات مجرد مشكلة لا تثير الاهتمام، تشبه مشكلة البيضة والدجاجة بشأن قصة تعاد كتابتها مرات كثيرة.
إننا ربما نكتب غالبًا وننقح قصصنا الجماعية والشخصية في الوقت ذاته. وكانت هذه هي الحال بوضوح بالنسبة لجماعات المسرح التي أجرينا مقابلات معها، لأنه لم تكن هناك جماعات لها وجود سابق على تشكيلها، وقد تشكلت قصص الجماعة في الوقت ذاته الذي تتشكل فيه حياة كل ممثل بوصفه ممثلًا يولد. بالطبع، هناك قدر كبير من المادة الثقافية الخام لكتابة كل منها — المعرفة المسرحية، والأدب، وحتى الأسطورة. وقد قدمت هذه المادة الثقافية معجمًا تفسيريًّا لكل من القصص الجماعية والفردية. وأنارت كل قصة الأخرى، ربما أنارت قصة الجماعة قصة الفرد بإضفاء الصفة الذاتية عليها، وربما أنارت قصة الفرد قصة الجماعة بالإسقاط. على أية حال، ضمن «طلاب اللاهوت»، الذين واصلوا جميعًا البحث نفسه معًا، كانت القصص الجماعية والفردية متماثلة بصورة مذهلة، بينما ضمن «المتدربين»، كان النوعان مختلفين تمامًا مثلما كانت قصة كل فرد مختلفة عن قصص الآخرين بروايتهم التعليمية الشخصية.
كان كل «طلاب اللاهوت» في البحث ذاته. وقد قصوا حتى خبرة الجماعة بضمير المتكلم الجمع، وبها معجم مشترك بصورة أكبر، وتسلسل حبكة أكثر اتساقًا عبر الأعضاء. وليس من المدهش أن يكون لحكايتهم عن الارتباط بين الفرد والجماعة أساس خلقي. يرى طلاب اللاهوت أن جماعتهم تتبنى مجموعة مبادئ، وهي مبادئهم الشخصية أيضًا. الحدود بين الذات والجماعة ليست مطموسة، لكن الجماعة والأفراد في انسجام تام. في المقابل، كان كل فرد في جماعة «المتدربين» يعمل على إتقان مهارات تمثيلية مختلفة، غالبًا بمفرده، وكذلك في أوقات مختلفة، وبطرق مختلفة. كل ما كانوا يشتركون فيه هو أسرة الرواد (الآباء) والأعضاء (الأبناء) التي سمحت لهم بالنمو، واحتمالية النمو. وحيث رأى معظمهم أن هذه المهمة ناقصة، فقد بقوا متباينين في نهاية السرد.
لاحظ أن الجنس الأدبي لا يصمِّم الحكي ويؤثر على شكل السيرة الذاتية الفردية فقط، لكنه أيضًا بمثابة بنية معرفية للخبرة، وهي النقطة الثالثة التي أود تناولها بشأن سرديات الجماعة عمومًا. كما يقول ريكور (١٩٨٥م): «قد يُعزى نظام [الحبكة] إلى المخيلة المثمرة التي يكوِّن بالنسبة لها النزعة التخطيطية» (ص١٩). إن سرديات الجماعة أدوات تكوِّن واقع الجماعة، وتكوِّن، في الوقت ذاته، طريقة تفكير كل عضو.
طريقة التفكير التي تدعو إليها المعرفة السردية تفسيرية. إنها شكل من التفكير ينسب المعنى لخبرات أو أحداث معينة بوضعها في نمط سردي. وبتقديم إطار تفسيري مشترك لخبرة أعضاء الجماعة، تبدِّع سرديات هُوية الجماعة البيئة التفسيرية للمشاركة في المعنى.
(٢) السرد القومي الأمريكي
السرد القومي الأمريكي، مثل الأنواع الأخرى من قصص تعريف الجماعة هو (أ) نمطي، (ب) يؤثر على السيرة الذاتية الشخصية، (ج) يمثل أساسًا معرفيًّا للتفسير.
الآن عليَّ أن أنحرف قليلًا لأتحدث عن تاريخ الغرب وتطوره التالي. نعود إلى تأثيرات هذه القصة على السيرة الذاتية الفردية كما يقدمها طلاب الجامعات الأمريكية اليوم، ثم إلى كيفية تأثيرها بوصفها نظامًا معرفيًّا.
رغم أن «الغرب» لم يصبح سردًا شعبيًّا مهمًّا حتى تسعينيات القرن التاسع عشر، إلا أن له جذورًا منتشرة في الماضي. في الكتابة التاريخية الشعبية عن التخومي، وفي الأدب الذي يتناول جذورنا التاريخية القومية — البحث عن الحرية، حرب الاستقلال ضد الاضطهاد البريطاني. الكلمات المثيرة للشخصيات التاريخية في تلك الأزمنة: «أعطني الحرية أو أعطني الموت»، قال الأمريكيون في تسعينيات القرن التاسع عشر، وحققوا ما سعوا إليه. خلقت استثنائية هذه الأصول وشعبيتها وتفوقها أرضًا خصبة «للغرب» وجنسه الأدبي النموذجي وأنماط الحبكة.
حتى وقت حديث، أي حتى الهزيمة الأمريكية المحيرة في حرب فيتنام، طبقًا لرأي إنجلردت، ثمة شيء ما، كل شيء في الحقيقة، سار بشكل خطأ فيما يتعلق بسرد الهوية الأمريكية. طبقًا لرأي إنجلردت، تغذى أيضًا ضياع سردنا المميز على مصدر آخر، ألا وهو تفكك المجتمع الأمريكي. في التعددية الثقافية الجديدة التي بدأت تقريبًا في الوقت ذاته، بدأ كثير من الجماعات الأمريكية الفرعية، في جزء من تعريف هويات جماعاتهم الفرعية، الانفصال عن السرد القانوني، أو الانتساب إليه بطرق جديدة متنوعة. تبنته أحيانًا مجموعات معينة لكنها جعلته ملائمًا لها باعتباره ينتمي لهم بشكل مميز، ولهم فقط. في حالات أخرى، أخذت علاقة التباعد شكل التماهي مع الهنود بدل التماهي مع رعاة البقر. شعرت النساء أحيانًا وشعر السود والآسيويون والمكسيك الأمريكيون والشواذ بأنهم أقرب إلى الضحايا من الأبطال.
كيف تحدث مثل هذه التغيرات الشديدة ويبقى البطل عمومًا يؤدي مهمته بطلًا؟ يكمن جزء من الإجابة في الوضع الأسطوري للغرب، بمعانيه الخالدة الذائعة، وأصداء ماضي الغربيين. ويكمن جزء منها في البنية النمطية جدًّا لأسطورة راعي البقر — الوظائف الثابتة لحبكتها عبر مختلف الأجناس الأدبية الفرعية، وثبات جنسها الأدبي. ولأن هناك قدرًا كبيرًا من التداخل بين الوظائف المطلوبة لحبكات الأجناس الأدبية الفرعية، وتشمل على الأقل النهاية الكارثة. بالطريقة نفسها سمحت هذه النمطية الكثيفة للغرب الكلاسيكي باستيعاب الهنود، لكن وأيضًا ملاحظي الأرض وملاك السكك الحديد الشرقية، وحتى الوكلاء الفاسدين فيما يتعلق بالقانون، بوصفهم رجالًا سيئين دون فقدان التماس مع المعاني الأسطورية الأصلية، تحملت الأسطورة تطورًا دالًّا للأنماط القديمة في الشخصيات الرئيسية في مختلف الأجناس الأدبية الفرعية. وربما اعتمد بقاء الأسطورة عليه، مثل السود والبيض في أمريكا في وقت سابق، وخاصة طريقتها في فهم نفسها، منحت طريقة للرماديين باقتحام وعينا القومي بعد فيتنام. لكن الغرب المعاصر، مع كل تشويش فضيلة البطل، لا يزال يحافظ على قطبية الخير والشر مركزية بدرجة كبيرة في هذه الأسطورة. لا يزال الأبطال رجالًا طيبين، حتى رغم عيوبهم. لم تعد قطبية الخير والشر واضحة، لكنها كامنة دائمًا في النص.
وهكذا بقدر ما رأينا أن السرد القومي الأمريكي بدأ تاريخيًّا مع ثورتنا التاريخية سعيًا للاستقلال. انتصرنا في ذلك الحدث وأكَّدنا تميزنا. كانت أمريكا في تلك الأيام منطقة صغيرة، لكن تم ضم مساحة أكبر بكثير، ووصلت أعداد أكبر من السكان للإقامة فيها. وهكذا بدأ تمدد أمريكا باتجاه المحيط الهادي، خلال المناطق التي كانت براري، انتقال التخومي. تم تذليل كل جزء جديد من المساحة البرية بالتتابع، وانتصر التقدم الأمريكي عليها وعلى كل أخطارها. كان البطل النمطي في هذه القصة قويًّا (حتى أكثر خطورة، لم يكن متحضرًا). يجلب الأمريكان، الذين انتصروا على الخواء، الحضارة الأمريكية، الأمان والنظام والكنائس والمدارس، إلى مساحة خاوية خطيرة.
ذكرت قصة حديثة في نيويورك تايمز انتحار مراهق في بلدة «بيير»، بولاية «داكوتا الجنوبية»، ومضت لتشرح عددًا كبيرًا من حالات انتحار المراهقين في البلدة نفسها، وفي عدة أماكن أخرى متباعدة ومختلفة. وكان من الطبيعي عقد مقابلات للنظر في الأسباب، وقد برزت عدة عوامل، لكن بقيت الحيرة. اقترح تقرير في النيويورك تايمز (١٩٩٨م) أن المشكلة ربما كانت نتيجة نقص في سرد جماعي قانوني. «وفي وسط ولاية نصف سهلية، نصف جبلية، تبدو بيير غير متأكدة مما إن كانت «مايبري» [بلدة صغيرة محبوبة في عرض تليفزيوني جماهيري] أخرى أو «غربًا قديمًا» آخر». وذكر أن التفسير للقس «تشارلي وارتون»، قسيس الشرطة، وقيل إنه أضاف: «وصلْتَ إلى هذه النقطة، تريد أن تكتشف ما يمكن أن تتهمه. صدقني، لقد بحثْتُ.» ومن الواضح أن الأنماط المعرفية التي يمكن أن تعطي معنى للحيوات والأحداث مشتركة على نطاق واسع، لكل من يعرف الغرب البري وقصص المايبري. مفهوم وارتون أن هؤلاء المراهقين يعانون لأنهم لا يستطيعون ببساطة أن يقرروا تبني بعض السرد المعروف باعتباره سردهم، ومن ثَم يبقون بلا سرد. ويوجد هذا ضمنيًّا في رأيه أنه دون قصة يستخدمونها، تكون حيواتهم بلا معنى.
تاريخيًّا، كان للسرد القانوني للهُوية القومية الأمريكية صدى قوي مع سرديات السيرة الذاتية للهوية الفردية. ولا ينبغي لهذا أن يثير دهشتنا حيث إننا نتوقع مع جنس البحث الانصهار بين الجماعة والذات كما رأينا في مسرح الجماعة الذي دعوناه «طلاب اللاهوت». مِلنا إلى التماهي مع راعي بقر يقهر الآخر الغريب — عمليًّا، في حيوات الاحتراف، حتى في الحياة الخاصة في التعامل مع الضعف والمرض والموت. بدلًا من ذلك، نحاربه. حيث يجب التغلب على مصائبنا، لا أن نعاني منها، لم يأسرنا مصيرنا أيضًا. لكن الأمور تغيرت، سواء في الطبيعة التجريبية للحياة الأمريكية أو في السرد فقط، ويزداد خاصة عدد الشباب، الذين هم بالمناسبة، أبناء الجيل الذي كان شابًّا في أواخر تسعينيات القرن العشرين، الذين يرفضون اعتبار هذه القصة القومية الخاصة قصة حيواتهم. مع نهاية جنس البحث جاءت أيضًا نهاية انصهار قصة الذات وقصة الجماعة الأقدم.
يقدم الناس المختلفون أسبابًا مختلفة لكونهم ليسوا أمريكيين بشكل نموذجي. يشير كثيرون إلى الاختلافات العرقية، أو إلى هوية الشاذ، أو إلى القيم التي تؤثر في قصصهم أكثر كما تؤثر الاختلافات العِرقية في الآخرين لتجعلهم غرباء. وكان أحد الحلول مقاومة الإيحاء بأن كونهم أمريكيين جزءٌ من هُويتهم (أو، بالمناسبة، أن الرئيس يمثلهم، أو حتى ينبغي أن يمثلهم). والحل الآخر تعريف حقيقة الأمريكي بطريقة جديدة: الأمريكيون أناس لهم أسرة.
إذا كان كون المرء أمريكيًّا يعني أن تكون له أسرة ومنزل، فمن الواضح أن سرد الهوية الأمريكية في مرحلة انتقالية. في بعض المناطق، وأجيال معينة، ربما لا يزال للغرب الكلاسيكي أبعاده الأسطورية. لكن بين بعض الناس، يمثل بطل الغرب الكلاسيكي قصة عن شخص آخر. إلى حدٍّ ما، ربما هذه هي الحالة دائمًا، لأنه ربما كان هناك دائمًا كثير من قصص الهُوية الأمريكية، تبعت بعضَها تغيراتٌ في الجنس الأدبي الغربي نفسه بعد أن تطور عن الشكل الكلاسيكي. ومن المؤكد أن العاجزين والفقراء لا يمكنهم التماهي مع البطل راعي البقر الكلاسيكي. أو حين تماهوا، ربما رأوا معنى القصة بشكل مختلف، مثلًا بتأكيد أكبر على جلب العدل إلى عالم ظالم. ويبقى هناك شيء مميز بشأن النكهة القانونية المهيمنة التي تُدرَك في هذه القصة حتى اليوم. أو ربما حتى بشكل أكبر خاصة اليوم. وتتجلى في خوف شبابنا من عدم الانسجام معها. هل الحالة الأمريكية مختلفة عن الهويات القومية الأخرى في فرديتها؟ لا أعرف.
(٣) سمات السرد القومي
إذا كان فراي (١٩٥٧م) مصيبًا في أن جنس الرومانس نموذج من القصص القومية، نموذج مهم، وليس مميزًا على الإطلاق، فقد تكون سمة القصص القومية جنسها الأدبي. إن مثل هذه السرديات القومية من قبيل القصة الصربية عن جرح قديم يصرخ طلبًا للثأر، أو القصة النازية عن شعب متفوق في صراع الحياة أو الموت لمحو المتسللين الغرباء الأدنى ربما تكون رومانسيات. نمط حبكتها المتفوقة أكثر تميزًا، لكنها موجودة أيضًا في أنواع أخرى من السرديات، على سبيل المثال، في المعارك ضد جرح أو علة. وحتى اتحاد جنس الرومانس وحبكة المتفوق لا يبدو أنها تميز قصص الهوية القومية عن القصص الأخرى.
نتحول الآن إلى تمثُّل السرديات القومية في السيرة الذاتية الفردية وصناعة الذات. إن السرديات القومية، بوضوح، أكثر شبهًا بالسرديات الجماعية الأخرى في أنها بمثابة ناقلات لتعريفات الذات. ومثل السرديات الجماعية الأخرى، تتنوع، ويؤدي بعضها إلى تماهٍ أكثر بين الذات والجماعة، وتؤدي الأخرى إلى تماهٍ أقل. لكن القوة القهرية للدول القومية لا بدَّ أن تؤثر على الطريقة التي تعتبر بها السرديات القومية قصصًا للذات. أولًا، تأمل الانصهار والبعد بين الفرد والجماعة. إن قوة شرطة الأمم، حتى الأمم الضعيفة، لا تزال قوية بالنسبة للفرد في داخلها. ويمكن أن يؤدي هذا إلى تفاعلات مبالغ فيها، سواء كانت انصهارًا — ممَّا يؤدي إلى أن يقبل الشعب القصة القومية بشكل غير نقدي باعتبارها قصتهم، أو تمردًا. بالإضافة إلى ذلك، إن بعض السرديات القومية، مثل الكثير من القصص الدينية، سواء لأن القوة السياسية تساندها أو لأسباب أخرى، لها نكهة يمكن أن توصف بأنها «إرشادية». يمكنها ألا تخبرنا فقط بحقيقتنا، وبما كنا عليه، لكنها تخبرنا أيضًا بما ينبغي أن نكون عليه. رأَيْنا ذلك في مقابلاتنا مع طلاب الجامعات الأمريكية، الذين رفضوا نزعة التفوق، واصفين سرد المتفوق بأنه يضغط عليهم للتكيف معه والاندماج فيه أو ينبذونه باعتباره آخر غريبًا. وهكذا سواء اعتبرنا سردياتنا القومية سردياتنا الخاصة أو لم نعتبرها، فإنها تكتب قصة عنا جميعًا، نحن الذين نشكل أمة. إنها جزء مما نتفاعل معه.
يبدو لي أن نزعة التفوق كبحت بشكل ضار المصادر الأخرى للقوة في الحياة السياسية الأمريكية. لقد قدمت بالتأكيد غطاء لأسلوبنا القومي غير التفاوضي في حل الاختلافات مع الأمم الأخرى. في العلاقات الدولية، كان من السهل جعل مواقف التعالي، غير القابلة للتفاوض، وحتى الابتزازية مقبولة بجعلها مناسبة للصورة التي تحظى بالكثير من الإعجاب، صورة البطل الوحيد الصامت، المسلح بشكل كبير. لكن داخليًّا أيضًا، هزم راعي البقر (وقهر) الجانب التعاوني للحياة المدنية الأمريكية. يخبرنا أسلوب تحريات «كينيث ستار»، كبير هيئة المحلفين في قضية الرئيس كلينتون سنة ١٩٩٨م، أنه لا يوجد أحد آمنٌ ممن هم على قيد الحياة من نزعة التفوق، إذا لم يكُن الرئيس نفسه آمنًا منها.
إذا كان المواطنون لا يزالون يستخدمون السرد الكلاسيكي نموذجًا معرفيًّا للتفسير، فينبغي أن يكون الرئيس قد دفعته هذه الأحداث إلى دَور الرجل السيئ. لكنه لم يكُن. ربما لم يعبر الشعب الأمريكي، بشعبيته العالية المستمرة، فقط عن نضج جديد بشأن النشاط الجنسي الخاص الذي يُشار إليه غالبًا، لكن عن رفض لرؤيته في هذا الدور في قصة يعرفها جيدًا. وللقيام بذلك، كان على الشعب أن يرفض القصة برمَّتها، نظرًا لأن هذا هو ما تؤدي إليه.
(٤) الخلاصة
ماذا نتعلم إذن من دراسات السرد التي تتناول مشاكل الهوية القومية في عالم اليوم؟ ربما نرى الاحتمالات الخمسة التالية: (١) يمكن مقاربة سرديات الهوية القومية باعتبارها حالة خاصة لقصة تعريف الجماعة. (٢) يمكن أن تكون قصص تعريف الجماعة نمطية بشكل كبير، لها جنس أدبي مميز وبنية حبكة، بحيث يستطيع كل أفراد الجماعة أن يحكوا قصة جماعتهم بالطريقة نفسها إلى حد بعيد. (٣) إن سرديات الهوية القومية حالة خاصة من قصة تعريف الجماعة بفضل خروجها المميز وتقييدها، وهي نابعة من قوة بوليس الأمم. (٤) بالضبط كما تضفي عضوية الجماعة معنًى على الحيوات الفردية، لقصص تعريف الجماعة تأثير على قصص الذات، أي على السير الذاتية الفردية لأعضاء الجماعة. وحين يتماهى الأعضاء بقوة مع جماعة، ربما يتم التعبير عن السير الذاتية للعضو بالشكل السردي نفسه لقصة الجماعة. (٥) لا توجد أنماط سرديات تعريف الجماعة، ومنها الأجناس الأدبية، في القصص وحدها، لكنها أيضًا جزء من الأداة المعرفية للأعضاء. إن الطريقة التي يؤدون بها وظائفهم المعرفية بمثابة أطر تفسيرية تحدد المعنى الذي يمكن أن يرتبط بالأحداث. عمومًا، تسهل سرديات تعريف الجماعة التفسير، أو تسمح بإضفاء معنًى على أحداث معينة، بتقديم سياق خاص مشترك فيها وبه تتخذ معنًى محددًا.
المراجع
-
Borish, S. (1991), The land of the living, Nevada City, CA: Blue Dolphin Publishing Co.
-
Bruner, J., & Feldman, C. (1996), Group narrative as a cultural context of autobiography, In: D. Rubin (ed.) Remembering our past: Studies in autobiographical memory, Cambridge: Cambridge University Press.
-
Cawelti, J. (1984), The six-gun mystique, Bowling Green, OH: Bowling Green State University Press.
-
Cohen, A. (1994), Self consciousness: An alternative anthropology of identity, London: Routledge.
-
Engelhardt, T. (1995), The end of victory culture, New York: Basic Books.
-
Feldman, C., Bruner, J., Kalmar, D., & Renderer, B. (1994), Plot, plight, and dramatism: Interpretation at three ages, In: W. Overton & D. Palermo (Eds.), The nature and ontogenesis of meaning, Hillsdale, NJ: Erlbaum, Also (1993) Human Development, 36, 327–342.
-
Frye, N. (1957), Anatomy of criticism: Four essays, Princeton, NJ: Princeton University Press.
-
Matthews, T. J. (1998), Personal communication, New York Times, April 5, 1998, National Section, p. 1 et seq.
-
Ricœur, P. (1985), Time and narrative, Vol. 2, Chicago, IL: University of Chicago Press.
-
Slotkin, R. (1993), Gunfighter nation: The myth of the frontier in twentieth-century America, New York: Harper Perennial.
-
Thorndike, E., & Lorge, I. (1944), The teacher’s word book of 30,000 words, New York: Bureau of Publications, Teachers College, Columbia University.
-
(Turner, F.), (1962; earlier editions 1926 and 1947), The frontier in American history, New York: Henry Holt and Co.
-
Wright, W. (1975), Six guns and society: A structural study of the western, Berkeley & Los Angeles, CA: University of California Press.
-
Zimmermann, W. (1996), Origins of a catastrophe: Yugoslavia and its destroyers, New York: Times Books.