الرؤية الإبداعية لريتشارد فاجنر في لاسبزيا
جيروم ر. سيولستر
المقدمة
في الإثنين، ٥ سبتمبر ١٨٥٣م، كتب ريتشارد فاجنر رسالة من «لاسبزيا»، في إيطاليا، إلى زوجته «مينا»، وقد بقيت في البيت في زيورخ:
في مساء السبت — كما أخبرْتُك آخر مرة — انطلقْتُ إلى البحر؛ اعتقدْتُ أن هواء البحر سيجعلني في حالة طيبة. كانت الرياح معاكسة وقوية والبحار هائجة؛ أيقظت الذكريات بالتأكيد! أصيب كلُّ من حولي بدوار البحر؛ ألقيْتُ بحرية تامة من فوق جانب السفينة بكل محتويات الوجبة التي تناولْتُها على الأرض في منتصف النهار؛ واستلقيْتُ بعد ذلك في مضجعي ولم أعانِ من أية مشكلة أخرى نتيجة لدوار البحر، وقضيْتُ الليلة كلها ممددًا في سريري.
وصلنا إلى خليج لاسبزيا في وقت مبكر من صباح أمس: توقف الإسهال، بينما زاد الدوار واشتدت آلام المعدة. ونتيجة لذلك، لم يبهجني شيء أو يُلْهِني. ورغم أنني غادرت مبكرًا جدًّا لأقضي ساعة في المشي في الجبال حيث أذهلني سحر المكان، ورغم أنَّ كلَّ ما رأيْتُ كان رائعًا تمامًا وجميلًا، مع نباتات غريبة ومدهشة - لم يشدني شيء؛ صار مزاجي أسوأ، وكلما فكَّرت في أنَّ الغد عيد ميلادك وأنَّ الرحلة من هنا إليك تستغرق خمسة أيام، أشعر وكأنني أصرخ من بؤسي. خنقني اليأس تقريبًا. بعد الغداء أخذْت عربة أخرى وطلبْتُ من السائق أن يسير بي على طول الخليج لمدة ساعتين: كان يوم الأحد، الجميع في أبهى الثياب وقد حلقوا! لكنني لم أحتمل، وهكذا عدْتُ إلى غرفتي، وأقسمْتُ ألا أقوم بعد ذلك برحلة وحدي، وأخيرًا أصابني الإنهاك. ومع ذلك، اشتد قلقي بشأن النوم حتى إنني طلبت طبيبًا: لكنني قضيْتُ بعد ذلك ليلة هادئة. ولسوء الحظ، ما زال سوء دواري وآلام معدتي كما كان؛ مزاجي غير مُحتمَل، وفكرة أنني بعيد عنك اليوم جدًّا تثقل عليَّ وكأنها طن. بالإضافة إلى ذلك، أشعر بيأس شديد هنا، وتستحق وحدتي الرثاء، حتى إنني لم أعد أفكِّر في الاستمرار في رحلتي أكثر من ذلك. اليوم أو صباح الغد على أبعد تقدير، أعود إلى «جنوه»: وأرى ما أكون عليه! إذا بقيت على ما أنا عليه اليوم، فسيكون الشفاء الوحيد أن أعود إلى الوطن مباشرة …
في اليوم التالي، الثلاثاء، بعد أن عاد بالمركبة إلى جنوه، كتب إلى مينا مرة أخرى:
اسخري مني كما تشائين، أغيِّر رأيي! قرار بالعودة كان حتميًّا بعد اقتناعي التام بسير الأمور معي. في سبزيا أمس، بمجرد تصوُّر فكرة العودة إلى الوطن، فجأة تحسَّنت حالتي الصحية كلها …
قررت على الفور أن أعود إلى زيورخ وأبدأ وضع موسيقى قصيدتي الكبيرة. (ص٤٩٩)
(١) سياق تاريخي موجز: حياة فاجنر وقت زيارة لاسبزيا
لكن كان الإحباط في البلاط، ومؤامرات من أشخاص مرتبطين بالمسرح، وأيضًا إحباط من المجتمع ومن عالم الأوبرا عمومًا، وراء مساهمة فاجنر في ثورة دريسدن في مايو ١٨٤٩م، وقد هرب فاجنر من التوقيف بسهولة بالفرار في البداية إلى باريس، ثم استقر في المنفى في زيورخ، سويسرا.
تزامنت الجهود المحبطة التي بذلها فاجنر في تأليف «موت سيجفريد» مع استيائه المتنامي من العلاقة بين الموسيقى والدراما في شكلها الشائع. ودفعته إلى إعادة التفكير في علاقة الأوبرا والدراما، في مجلد بالاسم نفسه، وإلى إعادة كاملة، وإن تكن تدريجية، لبنية دراما نيبولونج ومعناها. أثناء السنوات من ١٨٥١م إلى أوائل ١٨٥٣م، كتب قصائد «سيجفريد الشاب»، ثم «الفتاة الأسطورية»، و«ذهب الراين». وأثناء رحلته إلى لاسبزيا في أواخر صيف ١٨٥٣م، لم يكن فاجنر ألَّف رسميًّا أي شيء من موسيقى مجموعة المسرحيات الأربع، وتسمى بسرعة «خاتم نيبلونج» (وتعرف باسم «الخاتم»).
استمتع فاجنر بالمشاهد الفخمة في جنوه. ثم، في مساء السبت ٣ سبتمبر سنة ١٨٥٣م، سافر في سفينة بخارية من جنوه إلى لاسبزيا. وتتفق حكايتا السيرة الذاتية (المذكورتان سابقًا) على أن الرحلة كانت مفزعة.
(٢) التحليلات
ضد الحقيقة التاريخية: تردد حكايات رؤية لاسبزيا في مراسلات فاجنر
كما تبيَّن من قبلُ، لم تذكر رسالتا فاجنر إلى زوجته مينا، مرة من لاسبزيا يوم الإثنين ٥ سبتمبر، والثانية من جنوه في اليوم التالي، الثلاثاء ٦ سبتمبر، رؤية إبداعية أو سواها. وهاتان الرسالتان إلى مينا مهمتان بالطبع لأنهما الوثيقتان الأقرب زمنيًّا إلى الخبرة.
في جنوه اعتلَّت صحتي، وأصابني الهلع لأني وحيد، لكنني عزمت على البقاء في إيطاليا، وواصلْتُ طريقي إلى لاسبزيا. ازدادت وعكتي؛ كانت المتعة مستحيلة؛ ولم يكن هناك إلا الموت أو تأليف الموسيقى، هذا أو ذاك؛ لا يتبقى لي شيء آخر.
تعرفين رحلتي الإيطالية والبؤس الذي أصابني … حتى في لاسبزيا كانت لي رؤية كاملة: وأنا أعاني من أشد حالاتي العصبية رعبًا، مع اشمئزاز من كلِّ ما تقع عليه عيني، تمددت بعض الوقت ذات يوم لأحمي بإغلاق عيني من التوتر المروع: غطست لحظة في نوم خفيف، فظهرت لي فجأة المقدمة الآلاتية ﻟ «ذهب الراين»، وكنت لا أزال أصارع من أجلها، ظهرت لي بوضوح شديد ويقين حتى إنني فهمْتُ فجأة ما يحدث لي. على الفور عزمْتُ أن أعود وأسبق العالم الخارجي. بعد ذلك بساعة كنت أجلس في عربة في الرحلة إلى الوطن …
وهكذا، تظهر الحكاية الأولى المتوفرة لرؤية إبداعية في لاسبزيا في رسالة إلى إملي ريتر مكتوبة بعد حوالي ١٥ شهرًا من تاريخ حدوثها المفترض.
وبالمثل، ينبغي فحص الرسائل إلى إملي ريتر بعد لاسبزيا وقبل بَوْحِه بالرؤية لها في ديسمبر ١٨٥٤م. من كل ما كتبه إليها فاجنر، بقيت رسالتان: واحدة في ديسمبر ١٨٥٣م والثانية في مايو ١٨٥٤م (الاثنتان مقتبستان فيما يلي). مرة أخرى، لم يُقَل شيء عن لاسبزيا حتى رسالة ديسمبر ١٨٥٤م.
ضد الحقيقة التاريخية: الأدوات المساعدة لاضطراب ذاكرة فاجنر
حكاية رؤية لاسبزيا في «حياتي»، كما قدمناها من قبل، يحتمل أنها مملاة على كوسيما في ١٨٦٩م. ربما كانت ذاكرته مهتزة. طريقة فاجنر في تذكر السيرة الذاتية جديرة بالمناقشة في هذه النقطة.
بدأ فاجنر إملاء «حياتي» على كوسيما في ١٧ يوليو ١٨٦٥م، مستخدمًا، كأداة مساعدة للذاكرة، «الحوليات»، وتسمَّى في الأصل «كتاب الجيب الأحمر»، وهي يوميات موجزة، مواد تلغرافية متصلة بدأها في أغسطس ١٨٣٥م. في ذلك الوقت، في الثانية والعشرين، أعاد فاجنر الشاب بأفضل ما يستطيع تنظيم أحداث طفولته المبكرة والمراهقة وتواريخها، ومن ١٨٣٥م واصل وضع الملاحظات والأحداث تجري. الملاحظات بشأن ذكرى لاسبزيا مقتبسة فيما يلي:
لاحظ أن تسلسل السيرة الذاتية صحيح: رحلة سيئة في البحر/ليلة سيئة — مشي في التلال — غفوة بعد الظهيرة — ثم الرؤية.
لكن، للأسف، لهذه الأداة المساعدة للذاكرة قصة خاصة بها: في فبراير ١٨٦٨م، لأسباب لا تفسير لها، «نسخ» فاجنر محتويات «كتاب الجيب الأحمر» في «الحوليات»، بادئًا بمواد من عيد فصح ١٨٤٦م. ثم مزق كل «كتاب الجيب الأحمر» باستثناء الصفحات الأربع الأصلية الأولى، ولم يترك شيئًا سليمًا سوى المواد المتعلقة بحياته كما سجَّلها في الأصل عند وصوله إلى باريس في ١٨٣٩م (وهكذا، ضاعت تمامًا كل ملاحظات السيرة الذاتية من ربيع ١٨٣٩م إلى ربيع ١٨٤٦م، فترة باريس وكثير من فترة دريسدن). يركز التأمل في الأسباب التي جعلت فاجنر يمزق محتويات «كتاب الجيب الأحمر» على حقيقة أن فاجنر تمنى أن «يعدِّل» (إن لم نقل أن «يغير») ما يتعلق بمشاركته في ثورة دريسدن وبعلاقاته الغرامية المختلفة، وخاصة تلك التي كانت مع «جيسي لوسوت». «بتحرير» مواده المنسوخة وتدمير الأصول، كان فاجنر يعطي نفسه حرية إعادة تنظيم سرد حياته. وهكذا، ربما عالج مواد يوميات الرحلة الإيطالية في ١٨٥٣م لتتلاءم مع حقيقة ابتكاره «للرؤية». ما يهمنا هنا أن «الحوليات»، أداة الذاكرة المساعدة له في «حياتي»، لا تقدم أي تأكيد بشأن الحقيقة التاريخية لرؤية لاسبزيا.
باختصار، على أساس تحليل تردد أوصاف الحدث، ينبغي أن نستنتج أن الاعتلال والإنهاك والوحدة كانت المكونات الأساسية لسرد فاجنر عن رحلته إلى لاسبزيا، وليس رؤية إبداعية مدهشة كما وُصِفتْ بعد ذلك في «حياتي». بالتأكيد ربما كانت له خبرات غير مكتملة، البدايات الأولى للموسيقى العظيمة التي كان على وشك أن يضعها على الورق بعد شهرين، لأنه كان قد أشار كثيرًا إلى أعمال أخرى. لكن، على أغلب الظن، لم تكن له رؤية إبداعية واضحة. لكن يبدو أنه بمجرد إبداع الرؤية والكشف عنها في الرسالة إلى إملي ريتر، أبقى عليها فاجنر باعتبارها جزءًا من أسطورته الشخصية، لتتضح أكثر في سيرته الذاتية.
ضد الحقيقة التاريخية: بنية زمن الخبرة في لاسبزيا
افترض الكتَّاب الأوائل للسيرة بشكل طبيعي تمامًا أن رؤية لاسبزيا حدثت بالفعل كما وصفها فاجنر في «حياتي». ومع ذلك، اكتشاف الرسالة التي أرسلها إلى مينا في ٥ سبتمبر ١٨٥٣م في «مجموعة بوريل»، التي قدَّمناها من قبل، أثارت سؤالًا خطيرًا عن الحقيقة التاريخية للرؤية.
يمكن الاحتجاج على هذا التفسير بتحليل الحكايتين الطويلتين عن لاسبزيا نقطةً نقطة، حكاية في رسالته إلى مينا والأخرى في «حياتي». أقترح هنا أن سياق الرؤية، كما وصفها في «حياتي»، لم يحدث بعد ظهيرة الخامس من سبتمبر، بعد كتابة رسالة فاجنر إلى مينا، لكن في يوم جولته في الغابة. في أي يوم كانت جولة فاجنر في الغابة؟
لنتأمل: انطلق فاجنر في رحلته البحرية من جنوه إلى لاسبزيا في مساء السبت الثالث من سبتمبر. الرحلة ٨٠ كم تقريبًا أو نحو ذلك. كانت هناك رياح معاكسة قوية وبحار متلاطمة؛ كانت الرحلة طويلة وغير مريحة، وكريهة: في هذه المسألة تتفق الحكايتان تمامًا. حين كانت العلاقة الزوجية بين فاجنر ومينا هادئة بشكل معقول، كما بدت في صيف ١٨٥٣م، استمرت المراسلات بينهما على أساس الصحة السيئة، الأوجاع والآلام، الأعراض، عدم فاعلية العلاجات المختلفة، نوعية النوم، ووحدته البائسة (حيث كتب إليها فقط حين انفصل عنها). حكايته عن الرحلة البحرية مساء السبت درامية تمامًا وبصورة تفصيلية. وكانت الليلة التالية، ليلة الأحد، «ليلة طيبة»، بمساعدة (كما نفترض) جرعة منومة من الطبيب. ينبغي أن يلاحظ القارئ أن تعبير «ليلة طيبة» دال بشكل خاص في سياق التفاصيل التصويرية والغزيرة التي يواصل فيها الحديث إلى مينا عن حالته الصحية السيئة. إذا كانت ليلة الأحد غير طيبة حقًّا، فمن المؤكد أنه لم يكن هناك سبب يجعل فاجنر يصفها بشكل مختلف لمينا. وهكذا، لا يمكن أن تكون ليلة الأحد «ليلة الأرق والحمى»، كما يشار إليها في «حياتي»، وبعدها، في اليوم التالي، جاءت الرؤية. لا يمكن إلا أن تكون «ليلة الأرق والحمى» ليلة دوار البحر في السفينة البخارية في الطريق إلى لاسبزيا. لنتذكر أن فاجنر يعلن فقط، في رسالته إلى مينا، أنه قضى «الليلة كلها [ليلة السبت في الرحلة البحرية] ممددًا في مضجعي»، لكنه لا يذكر شيئًا عن نوم فعلي. ومن ثم، حيث إن بعد ظهيرة الإثنين تلت نوم ليلة طيبة يوم الأحد كان في حاجة شديدة إليه، ربما نستنتج بثقة أن رؤية لاسبزيا لم تحدث بعد ظهيرة الإثنين، الخامس من سبتمبر، على عكس البنية المقترحة لزمن من ويسترنهاجن.
في «حياتي»، يقول فاجنر، عن النزول في لاسبزيا، إنه ذهب إلى «أفضل فندق»، وكان «يقع في ممر ضيق وصاخب». في أي وقت حدث هذا؟ لا نحتاج إلى كثير من التأمل لنقترح أنه ربما استقر في الفندق قبل الفجر بالضبط (في الرسالة إلى مينا، قال إنه وصل «في وقت مبكر من صباح الأمس [الأحد]») وحاول الحصول على بعض الراحة قبل شروق الشمس. ومن المؤكد أن صخب الممر كان مزعجًا ومفزعًا. وهذا الجدول الزمني يجعل تعبير «اليوم التالي» يشير إلى الإثنين، كما قد يحاول ويسترنهاجن أن يجعلنا نعتقد (وحيث إن «حياتي» يترك الأمر ملتبسًا)، وأي أشياء عادية فعلها فاجنر طوال يوم الأحد؟
حسنًا، نعرف ما فعل: من الواضح في الحكايتين أن فاجنر تمشى مسافة طويلة بين النباتات على الهضاب المحيطة بالخليج وأن هذا المشي مسافة طويلة أصابه بالإنهاك. في رسالته إلى مينا، يعلن صراحة أن هذه التمشية الطويلة حدثت يوم الأحد، الرابع من سبتمبر. في «حياتي»، يذكر تمشية مماثلة طويلة بين النباتات، تبعتها حالة مماثلة من الإنهاك ورؤية لاسبزيا أيضًا. إذا قبلنا، كما حاول أن يبرهن كتاب السير من قبيل ويسترنهاجن، احتمال أن الرؤية حدثت بعد الظهيرة بعد أن كتب فاجنر رسالة الإثنين، الخامس من سبتمبر، إلى مينا، ثم لا بدَّ أنه كانت هناك تمشية ثانية طويلة تبعها إنهاك ورؤية في هذه المرة. لكن ليس هناك ذكر لتمشية أخرى طويلة في الهضاب، أو أية نزهة على الإطلاق، أو أي إنهاك آخر بعد ظهيرة الإثنين في رسالته إلى مينا من جنوه يوم الثلاثاء السادس من سبتمبر. لقد ذكر فاجنر أنه شعر أفضل كثيرًا بمجرد العزم على العودة إلى الوطن. مرة أخرى، ربما كان لدى فاجنر سبب يجعله يتغاضى عن ذكر حالات إبداعية داخلية لمينا، بالنظر إلى علاقته بها، لكن لم يكن لديه أي دافع للتغاضي عن وصف تمشية ثانية طويلة تبعها إنهاك، إذا كانت هناك تمشية ثانية. إن كُتَّاب السير، مثل ويسترنهاجن، الذين يفترضون دون شك أن الرؤية حدثت كما وُصِفتْ، مضطرون لوضعها بعد الظهيرة بعد رسالته الطويلة إلى مينا في الخامس من سبتمبر. لكنهم يطلبون من القراء تمديدًا مروِّعًا لتسلسل الأحداث في السيرة الذاتية.
باختصار، تسمح لنا نظرة متفحصة على رحلة لاسبزيا ومقارنة دقيقة لأزمنة الوصف برفض تفسير «بعد ظهيرة الإثنين»؛ ممَّا أدى إلى إغفال فاجنر للرؤية في رسالته إلى مينا. لم تحدث الرؤية كما وصفت أو يكمن التفسير حقًّا في علاقة فاجنر مع مينا.
ضد الحقيقة التاريخية: علاقات فاجنر ومحتوى مراسلاته
برهن كتاب سير آخرين، من قبيل إرنست نيومان (١٩٧٦م)، على أن «هوسفرو مينا» العملية البرجوازية كانت عاجزة تمامًا عن استيعاب أهمية خبرة إبداعية مثل رؤية لاسبزيا. وهكذا يمكن أن نبرهن بشكل معقول على أن فاجنر لم يشارك مينا في رؤيته الإبداعية في رسالته في ٥ سبتمبر. صحيح أن فاجنر ومينا ارتبطا معًا بالاهتمامات الصحية والوحدة. وصحيح أيضًا أنهما سعيا في مسارات مختلفة في جوانب أخرى من الحياة المنزلية والفنية. لكن، أحيانًا، برزت اختلافاتهما الهائلة، خاصة حين وجد فاجنر امرأة أخرى متعاطفة مع آرائه. نتناول المزيد عن هذا الموضوع في وقت لاحق.
لكن ينبغي ملاحظة أنه حتى إذا كانت مينا لا تستوعب عمق الاضطراب الإبداعي الداخلي لزوجها ومداه، يبقى لديها اهتمام عملي بكل مؤلفات زوجها، خاصة أثناء فترة زيورخ حين كانا في حاجة إلى دخل. هي وآخرون في ذلك الوقت، وحتى «فرانز ليست» العظيم، شجَّعوا فاجنر بقوة بالاهتمام بتأليف أوبرا عملية وشعبية لباريس.
نعرف أنَّ التطور الفني لفاجنر كان يأخذه إلى مكان آخر في ذلك الوقت، بالطبع، ومن مرارة خبرة الماضي، نفر تمامًا من المشهد الموسيقى في باريس. ومن ثم لا يثير دهشتنا أن فاجنر كافح ضد هذا الضغط وقاومه. ويبقى أنه رغم أنه لا «نهر الراين» خاصة أو «الخاتم» عمومًا تلائم قالب «أوبرا عملية وشعبية لباريس»، يمكن أن نفترض أن مينا اهتمت بالاستماع إلى رؤية أو إلهام إبداعي، إن لم يكن لأي سبب آخر فلأنها قد تكون علامة قوية على أن فاجنر على وشك أن يستأنف تأليف الأوبرا بعد فترة قحط موسيقي لخمس سنوات. ومن المؤكد أنَّ مينا كان يسعدها أن يؤلف مرة أخرى؛ ربما خفَّف ذلك الضغط عليه. لهذا السبب وحده، ربما كان على فاجنر أن يشرك مينا في رؤية لاسبزيا، إذا كانت قد حدثتْ. لكنه لم يشركْها.
هناك: نظرًا للطبيعة الفنية للعلاقات بينهم، يمكن أن نتوقع بالتأكيد أن يحكي حكاية الرؤية الإبداعية كاملة إلى أوجست روكل أو «فرانز ليست». على عكس مينا، كل من «روكل» و«ليست» مؤلف موسيقى وقائد فرقة موسيقية، كان لديهما الاستعداد الذهني والخلفية التجريبية لتقدير أهمية رؤية موسيقية. وتسمح لنا مراسلات فاجنر معهما لتتبع الولادة الشعرية والموسيقية ﻟ«خاتم نيبلونجن». فاجنر مؤلف الأوبرا هويةٌ، ذاتٌ تهتم بالمشاركة في التأليف مع هذين الصديقين.
وبشكل خاص مع «ليست». من المؤكد أن العلاقة بين «ليست» وفاجنر قبل رحلة الأخير إلى إيطاليا، كما تتضح من المراسلات بينهما، تفترض تقديم وصف حي للرؤية الإبداعية في لاسبزيا. لكن لا يوجد ببساطة إشارة إليها في رسالته إلى «ليست» في ١٢ سبتمبر، بعد أسبوع واحد من حدوثها المفترض.
ولا يوجد في أي موضع وفاجنر يواصل المشاركة في شغفه ببدء العمل في تأليف «ذهب الراين». على سبيل المثال، في خطاب آخر إلى «ليست» من زيورخ (٢٩ سبتمبر ١٨٥٣م)، بعد لاسبزيا بأقل من شهر، وقبل أن يلتقي الاثنان مرة أخرى في «بازل»، في الطريق إلى باريس، قال فاجنر فقط، ضمن أشياء أخرى، أن:
أشتاق إلى العودة إلى العمل أخيرًا. حياتي العادية لا تحتمل إلا إذا، إذا جاز التعبير، استبد بي القلق. وبالإضافة إلى ذلك، لا أستطيع أن أحافظ على سلامي، كما أود بشكل خاص، إلا إذا كرست نفسي لهذه الموسيقى.
أنا الآن أكتب «ذهب الراين» مباشرة بشكل كامل، بالآلات: لم أعثر على طريقة أخرى لكتابة المقدمة (أعماق الراين) حيث إن التخطيط كان واضحًا؛ وهذا هو السبب الذي جعلني ألجأ مباشرة إلى الشكل الكامل.
بعد إتمامها، كتب إلى «ليست» في ٤ مارس:
… وصلْتُ الآن إلى مرحلة جديدة من التطور حيث تبنيتُ مقاربة مختلفة تمامًا: هكذا — فكر في هذا فقط — كل المقدمة الآلاتية ﻟ «ذهب الراين» مبنية على ثلاثية واحدة لإي فلات.
وضحت هنا أن فاجنر شارك رفيقه الموسيقار «فرانز ليست» في رغبته وما يدور بداخله بشأن عملياته الإبداعية. ربما لم يكشف فاجنر لزوجته مينا عن رؤيته، لكن في سياق عمق علاقته ومداها مع «ليست» في سياق أهمية تأليف «ذهب الراين» بالنسبة لهذه العلاقة، يدفع إغفال الرؤية في لاسبزيا إلى استنتاج واحد فقط: لم تحدث الرؤية بمفهوم الحقيقة التاريخية.
(٣) ثلاثة أسئلة
إذا توصلنا إلى أن الرؤية لم تحدث كما وصفها فاجنر لإملي ريتر في الرسالة أو كما «تذكَّرها» في سيرته الذاتية، «حياتي»، علينا أن نجيب على ثلاثة أسئلة: (١) لماذا ابتكر الرؤية؟ (٢) لماذا انتظر أكثر من عام بعد حدوثها المفترض ليبتكرها؟ (٣) لماذا كانت إملي ريتر أول من سمعها؟ نتناول السؤال الثاني أولًا.
لماذا انتظر أكثر من عام بعد حدوثها المفترض ليبتكر الرؤية في لاسبزيا؟
قدَّر شوبنهور، مثل فاجنر، قوة الموسيقى. تعمل الموسيقى على الإرادة مباشرة، أي على مشاعر المستمع. تثير الموسيقى العواطف، لا الأفكار. مهمة الفنان الحقيقي، مؤلف الموسيقى، التعبير عن هذه المحتويات لإرادته أو مشاعره في الموسيقى بحيث تؤثر الموسيقى على إرادة المستمع أو عواطفه مباشرة.
ومن المؤكد أن التصريح الموازي «غطست في نوع من حالة السرنمة»، من نسخة «حياتي» لرؤية لاسبزيا يلفت انتباهنا.
وهكذا، في الإجابة على السؤال الثاني «لماذا انتظر أكثر من عام بعد حدوثها المفترض ليبتكرها؟» من الإنصاف أن نقول إن بنية فاجنر لرؤية لاسبزيا تأثرت بقراءته لشوبنهور ولم يكن قد قرأ شوبنهور حتى خريف ١٨٥٤م. وجاءت رسالته إلى إملي ريتر بعد ذلك مباشرة.
لماذا ابتكر فاجنر الرؤية؟
الإجابة الطويلة على السؤال، «لماذا ابتكر الرؤية؟» تكمن في تعقد العمليات التي ربما كانت تتواصل في نفسية فاجنر في الفترة حول لاسبزيا. أؤكد أن هوية جديدة كانت تنبثق في ريتشارد فاجنر في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر. ينعكس إدراكه المتنامي لهذه الهوية الجديدة في احتياجه المدرَك لرؤيا، وللإجابة على السؤال الثالث، في اختيار الرفيق الذي يكون أول من يشاركه في ذلك.
يدرك بعضنا، ربما معظمنا، هُوية جوهرية أكثر ثباتًا، حولها تدور هويات أصغر تابعة. وهو ما يُشار إليه عمومًا بأن «الذات» مركب من كل هذه الهويات والأدوار، وربما أيضًا ما يمسك هذه المجموعة معًا ويمنعها من التفكك.
الهُويات والأدوار، الكبيرة والصغيرة، المركزية والهامشية، طويلة المدى والمؤقتة، تُؤكَّد، أو «تُؤيَّد» بعلاقتنا مع الآخرين في الأسرة ومع الأصدقاء وفي المجتمع. ويتم إحباط الخصائص غير المرغوب فيها أو بطلانها أو عدم تأييدها، بصورة مماثلة. الهوية، بتعبير آخر، بدرجة كبيرة بناء مشترك، خلق اجتماعي وثقافي، تشكله وتدعمه العلاقات مع الآخرين، كما أنها «شيء» داخلي يتطور من الداخل.
(٤) الأزمة الأولى لهوية فاجنر، والركود والنجاح النهائي
ولم تجلب السنوات التسع التالية سوى دليل واهٍ على موهبة أصيلة في تأليف الموسيقى. لم تُعرَض «الجِنيَّات» قط؛ وعرضت الأوبرا الثانية، «الحب المحظور»، عرضًا واحدًا فاشلًا في ١٨٣٦م، بقايا فرقة مفلسة. في باريس، تأرجح فاجنر وزوجته مينا، بحثًا عن مستقبله وشهرته، على حافة المجاعة. استجدى وداهن للحصول على نقود من الأسرة والأصدقاء، وعمل في الاختزال من الأوبرا الإيطالية والفرنسية لآلات منفردة.
لكنه عاد إلى دريسدن في صيف ١٨٤٢م عند قبول أوبرا البلاط للأوبرا الثالثة، «رينزي». كما يخبرنا فاجنر في «حياتي»، وكما يخبرنا التاريخ، لاقت «رينزي» نجاحًا كاسحًا. موهبة فاجنر قائدًا لفرقة ومؤلفًا موسيقيًّا، وأيضًا تأثيره المتنامي في عالم الموسيقى، جعله يكسب موضع قائد الأوركسترا الملكي لأوبرا البلاط في دريسدن، لقبًا جلب له الاحترام وعملًا منتظمًا، والأكثر أهمية، راتبًا. استقرَّ هو ومينا في رفاهية برجوازية معقولة.
(٥) الثورة، والأعمال النثرية، وهوية الفنان
رغم أن فاجنر كان يفكر في العديد من مشاريع الأوبرا أثناء ثورة دريسدن، إلا أنه لم ينشط في هذا، وكتب، في المنفى في زيورخ، أعماله النثرية الأساسية. وتتناول عمومًا موسيقى فاجنر في المستقبل والعلاقة الجديدة بين الموسيقى والشعر («العمل الفني في المستقبل» و«أوبرا ودراما») وفي ضوء هذا درس غالبًا المتخصصون ومؤرخو الموسيقى الأعمال النثرية لفاجنر.
لكن الأعمال النثرية تنقِّب أيضًا في الأعمال الإبداعية للفنان، متعلقة هنا بعلاقة الفنان بعملياته الداخلية، وجذوره القومية، ولغته، وشعبه (القوم). باختصار، في الأعمال النثرية، قدم فاجنر «بنية» هُوية مؤلف الأوبرا الألمانية، الفنان.
هذا هو الجوهر: بعد ثورة، سيكون الرجال أحرارًا في النهاية لإدراك الطبيعة الحقيقية لقومهم بالتخلص من أعباء الثقافة والدين والأنانية والتقلب والترف. وسوف يعكس الفن الحقيقي الكفاح المشترك وتيمات القوم. ويبدع الفنان هذا العمل الفني الحقيقي بالدخول في روح القوم أو التعرف عليها بالحدس. ويكون الفنان، في دوره باعتباره «قناة»، مثل كاهن كبير يرشد المجتمع ويعلمه ويرفعه («الفن والثورة»). فصلت القوى التاريخية الأشكال الفنية الثلاثة (الموسيقى والرقص والشعر) وكانت متحدة ذات يوم في الدراما العامة في اليونان القديمة. وسوف يعيد الفنان توحيد هذه الأشكال الفنية في توليفة جديدة («العمل الفني في المستقبل»). في أوبرا المستقبل، يكون الشاعر والموسيقار شخصًا واحدًا، وعندها فقط يتم التعبير بشكل حقيقي عن الدراما من خلال الموسيقى («الأوبرا والدراما»). وقبل كل شيء، على الفنان الحقيقي أن يتبع احتياجه الداخلي ولا ينزلق إلى الطراز الشائع («تواصل مع أصدقائي»).
تنظير متغطرس. هراء، ربما. وهو أمر شائع في تاريخ الأفكار: فرويد في «قلق الحضارة» يلعب أيضًا بسرعة وبشكل فضفاض مع التاريخ ليلبي احتياجاته. ربما آمن فاجنر بتصوره للتاريخ والفنون؛ لأنه دعم هُوية الموسيقار ورسالته، مثلما تؤمن مجموعات أخرى بأشكال أخرى للهوية — تدعم هراء.
متنحيًا جانبًا عن الأسئلة عمَّا إذا كان هناك شيء من قبيل «الموسيقى الألمانية»، مقابل «الموسيقى الفرنسية»، وعن العلاقة، إن وجدت، بين موسيقى وأسلاف مؤلفها، ألاحظ هنا أن الرجل الذي يناسب خصائص الهُوية الإيجابية لفاجنر بشكل أكبر بالنسبة للفنان/الموسيقار هو اليهودي البوهيمي جوستاف مهلر، وبشكل أقل البافاري ريتشارد شتراوس، ويعتبر عادة وريث فاجنر.
وأيضًا عاش ريتشارد فاجنر في زمن وكثير من الولايات الألمانية تخرج من بين أنقاض حروب نابليون. وقد نوقشت بحرارة أسئلة عما يكوِّن «الهوية الألمانية» وعما يميز الألمانية عن قوميات من الخارج ومجموعات أخرى من الداخل، مثل اليهود.
(٦) نهاية الهوية القديمة وانبثاق الجديدة
يجب إثبات هوية الفنان أو العبقري بإبداعات فنية بقلمه وتؤكد علاقاته مع المجتمع من حوله. بتعبير آخر، ينبغي أن يوضح الفنان خلال إبداعاته أنه المبدع الذي يدَّعيه. وينبغي أن يؤكده الآخرون أيضًا، حيث، كما اقترحنا من قبل، الهوية إبداع اجتماعي وثقافي بقدر ما هي إدراك داخلي.
حاول فاجنر كثيرًا في زيورخ أن ينبذ «هوية دريسدن» القديمة، هوية قائد الأوركسترا الناجح ومؤلف أوبرات جماهيرية معقولة، ارتبط بعلاقات مع أشخاص من ماضيه. كانت مينا، زوجته، توَّاقة بشكل خاص لاستعادة الاستقرار البرجوازي والاحترام اللذين كانا معروفين في دريسدن.
لكن العلاقة الجديدة لفاجنر مع «فرانز ليست» التي ازدهرت في زيورخ، ربما لأن «ليست» أكد وشجَّع الهُوية المتنامية لفاجنر، هوية المبدع، «موسيقار المستقبل»، والمفكر العظيم. أكدت من قبل أنه بسبب الطبيعة الخاصة للعلاقة بين فنانين أن إغفال أي ذكر لرؤية لاسبزيا في مراسلاتهما يوحي بقوة أنها لم تحدث بالفعل.
لكن الرؤية ابتُكِرت ووصفت لإملي ريتر. لماذا إملي؟ لماذا ليس «ليست»؟ لفهم الإبداع وظهور الرؤية وعلاقتها بهُويته الجديدة، أن نتحول إلى علاقات فاجنر مع آل ريتر وتداعياتها، إلى القوى الجديدة الأخرى في حياة فاجنر.
(٧) أسرة ريتر
سمعت فرو جولي ريتر عن الأزمات المالية التي يعاني منها فاجنر في زيورخ، بعد فراره من دريسدن في ١٨٤٩م، ولتساعده وعدته بدعم على شكل راتب منتظم. وكانت، على ما يبدو، مهتمة خاصة بتوفير الوسيلة الضرورية لفاجنر لإتمام ملحمة نيبلونج، وكانت تتسع باستمرار، لكن من المحتمل بالقدر نفسه أن فرو ريتر رأت في فاجنر وسيلة لتدريب ابنها، كارل، وتقديمه إلى عالم الموسيقى. قدَّر فاجنر بعمق دعمها، المالي والعاطفي، وكان يشير إليها غالبًا بكلمة «أم». كانت فرو ريتر، بثبات ودعم وعقل وقوة، أم فاجنر، الأم التي لم تكن له من قبلُ قط: أيَّدت بشكل لا شكَّ فيه هوية فاجنر باعتباره موسيقارًا وفنانًا مبدعًا. وافترضت أيضًا دور فاجنر الواثق/المعترف في علاقته العاطفية المجهضة مع الشابة جيسي تايلور، وقد تزوجت من يوجين لاسوت، تاجر نبيذ من بوردو.
(٨) العلاقة مع جيسي لاسوت
ترتبط «علاقة» فاجنر مع جيسي لاسوت في ربيع ١٨٥٠م بالموضوع لأن علاقتها مع فاجنر أحيت فيه هُوية قديمة دفينة، أعني هُوية عبقري مبدع لشاب عاطفي. وأفترض هنا أن انهيار العلاقة مهَّد المسرح لهويته الجديدة المنبثقة في تلك الفترة.
كانت جيسي تايلور لاسوت شابة ذكية موسيقية، ومن خلال أسرتها وزواجها من يوجين لاسوت، الثري جدًّا، أقنعتها فرو جولي ريتر بتقديم دعم مالي لفاجنر في ١٨٥٠م، وباستكشاف الاحتمالات، قبل فاجنر الدعوة لزيارتها في برودو في مارس ١٨٥٠م. في البداية عبر رسائلها وفيما بعد عبر جيسي شخصيًّا، أعاد فاجنر اكتشاف (رغم أنها ربما لم تهدأ) رغبته الجنسية في النساء، ومن خلال استجابة جيسي لفنه، ربما أعاد اكتشاف بعض الوهج الإبداعي للأيام الخوالي. كان محبوبًا رجلًا وفنانًا. وشعر فاجنر، في زيارته لجيسي، بتعاطف امرأة، لم يعرفه من قبل. ومن المؤكد أنه لم يعرفه مع مينا! هنا، مع جيسي، لا بدَّ أن فاجنر حلم بفهم مجتمع فني غير ذاتي، كما نرى في «العمل الفني في المستقبل»، وفيه يلعب فاجنر دور الفنان/القس الكبير. وبلا شك، اعتقد أن هذا المجتمع يُدعَم بالمال من لاسوت وأسرة ريتر.
ومن الواضح من رسائله إلى فرو جولي ريتر أن فاجنر أحب بعمق جيسي لاسوت، وليس من المستحيل أنها قادته إلى الاعتقاد بأنها ستتخلى عن زواجها التعيس وتهرب معه. بشكل تعيس بالنسبة لفاجنر، أُحبِط الفرار المفترض.
أدرك فاجنر، بعد ذلك، أن نهاية هذه العلاقة نهاية فصل من حياته السيكولوجية. كتب إلى فرو ريتر، من زيورخ، بعد الرحلة إلى إيطاليا في صيف ١٨٥٢م، قبل زيارة لاسبزيا بسنة.
… لم يعد في الحياة سعادة تقدمها لي. هناك بالضبط أدركْتُ أنني لم أعد قادرًا على الاستمتاع بالحياة، وأنني الآن ضيعْتُ شبابي. نعم، عزيزتي فرو ريتر، بقيتُ شابًّا حتى حدث معين في حياتي تعرفينه جيدًا، وصرت عجوزًا في ليلة. أعرف الآن أنني ليس لي آمال أخرى في المستقبل! في ظرف فريد وحاسم حاولْتُ أن أقبض على الحياة كما هي في الواقع، أن أقبض عليها بشدة، وأجد فيها خلاصي: ضاعت الفرصة، غطست في عالم تخيلاتي …
يتحول انتباه القارئ هنا إلى التعبيرات، «الآن ضيعت شبابي.» «حيث إنني، رغم كل شيء، فنان … فني وحده يمكن أن يظل يدعمني …» في التاسعة والثلاثين، إلى امرأة يقال لها «أم»، اعترف فاجنر بأنه، رغم أنه فنان، لم يعد شابًّا على المستوى النفسي. أدرك أنه وصل إلى نهاية فترة من حياته.
(٩) ظهور هُوية فاجنر أستاذًا: علاقات العمر
من المهم هنا أن فاجنر ظلَّ على علاقة قوية مع عدة أشخاص أصغر نسبيًّا. وفي هذه العلاقة وفي سياق إدراك فاجنر لعمره وسياق أحداث أخرى خارجية في حياته، تكمن مفاتيح هُويته المنبثقة، هوية «الأستاذ» ومفاتيح دافعِه لابتكار رؤية لاسبزيا.
إنَّ الشباب، من خلال تبجيلهم لحكمة الكبار، يضعون الكبير في موضع «الأستاذ». وبشكل عكسي، البراعة الفنية للأستاذ وحكمته وخبرته هي ما يمكِّنه من توجيه نمو الشباب وتطورهم. كان نظام الأستاذ/التلميذ في النقابات المهنية في ألمانيا، الذي رسخ في العصور الوسطى، مجرد تشكيل لعلاقة أزلية بين الأعمار.
ليحقق ريتشارد فاجنر هُوية «الموسيقار» أو «الفنان» لا بدَّ أنه يحتاج إلى إنتاج أعمال فنية. وقد قام بذلك منذ كان في العشرين. لكن ليحقق ريتشارد فاجنر هوية «الأستاذ»، ليكون الأستاذ، يتطلَّب الأمر تملُّق توقير الشباب وتملقه، وهو ما يأتي فقط مع اختلاف العمر بينه وبين تابعيه وتلاميذه. بالنسبة لأصدقائه الأكبر في دريسدن، فرو جولي ريتر، وأوهلج، وروكل، و«ليست»، وأفراد أسرته، وربما حتى مينا، كان فاجنر فنانًا، إن لم يكن فنانًا كبيرًا دائمًا. وسمِّيت هذه الهوية «هوية دريسدن».
لكن بالنسبة لكارل ريتر، وهانز فون بولو، وإملي ريتر، وآخرين على طول الطريق (ومنهم كوسيما فون بولو، وقد صارت بسرعة رفيقة فاجنر وزوجته، ولودفيج الثاني ملك بافاريا، الشاب، والحالم الحساس، وقد صار ملكًا بسرعة، وفيما بعد في ١٨٦٨م، الشاب فريدريك نيتشه)، كان ريتشارد فاجنر أكثر من ذلك. إنني أؤكد هنا أن فاجنر بدأ إدراك هُويته المنبثقة بوصفه «أستاذًا» نتيجة علاقاته مع أشخاص أصغر، وأيضًا نتيجة عوامل أخرى خارجية حدثت في زيورخ في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر. اشتدت واستمرت حتى موته في ١٨٨٣م.
لنفصل بإيجاز علاقاته مع هؤلاء الأشخاص الأصغر في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر. أخذ كارل ريتر الشاب، متابعًا دراساته الموسيقية، غرفة في العلية في مسكن فاجنر في زيورخ، وأصبح من تلاميذه، وبشكل ما، ابنًا تبنَّاه فاجنر. ومثل أب طيب، ارتعب فاجنر بشأن صحة كارل وضعفه أمام الحلوى. وبجهود فاجنر، أوشك كارل ريتر على أن يكون قائد فرقة موسيقية لأوبرا في زيورخ. لكن عدم كفاءته حالت دون ذلك، وكان فاجنر، مقدمًا رعاية طيبة للفتى، وراء ظهور غير معلن في زيورخ لقيادة أوبرا «المصوِّب». أقنع فاجنر هانز فو بولو الأكثر موهبة باتباع فن القيادة، ضد تردد والده والمقاومة التامة من أم بولو. عاش بولو أيضًا تحت سقف فاجنر مثل «ابن بالتبني»، وإن يكن لوقت قصير. نجح بولو في زيورخ بينما فشل ريتر، لكن الملاحظات المزعجة لبولو أدَّت في النهاية إلى قطع العلاقة مع عالم الموسيقى في زيورخ. استمرت علاقة «الأستاذ/التلميذ» بين فاجنر وبولو عبر الرسائل.
وهكذا هناك متطلب أساسي لهُوية الأستاذ يتمثل في فرق العمر بين الأستاذ والتلاميذ أو التابعين.
(١٠) ظهور هوية فاجنر أستاذًا: التأكيد الاجتماعي
ثمة متطلب آخر وهو القبول الاجتماعي أو التأكيد الاجتماعي للأستاذ. وقد توفر هذا، على ما أظن، في أواخر يوليو ١٨٥٣م بواسطة الموسيقيين وسكان زيورخ، أولًا بإظهار اهتمام كافٍ بموسيقى فاجنر ليقيم مهرجانًا لثلاثة أيام لمختارات من أعماله، تكتمل بمأدبة احتفالية، وثانيًا بتكريمه باحتفال خاص وصفه فاجنر في «حياتي» على النحو التالي:
استلم فاجنر درجة الماجستير.
(١١) فاجنر ولوثر
يسلط إريكسون (١٩٥٨م، ص٩٠) الأضواء على لحظة عميقة مماثلة في حياة مارتن لوثر الشاب. إن بعض أوجه التوازي بين تيمات الهوية في حياتَي فاجنر ولوثر تستحق أن نركز عليها بإيجاز. رغم أن فاجنر نشأ في الكنيسة اللوثرية، إلا أنه لم يكن متدينًا بالمعنى الشعائري أو العقائدي للكلمة. لكنه اعتبر لوثر واحدًا من عظماء ألمانيا. ومن ثم يستحق الأمر تأمُّلَ بأية درجة رأى فاجنر نفسه مارتن لوثر حديثًا.
يدَّعي لوثر أن له خبرات وإلهامات دينية صوفية، أدت في النهاية إلى انشقاقه عن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وبالتالي نادى بالإصلاح. ألم يدع ريتشارد فاجنر أن له رؤية في لاسبزيا؟ أوَلمْ يفترضْ فاجنر علاقة بين الموسيقى والدراما (في «الأوبرا والدراما») تؤدي في النهاية إلى إصلاح الأوبرا؟
ملخص الإجابة الطويلة على سؤالنا الأول، ابتكر فاجنر رؤية لاسبزيا ليقدم دليلًا لنفسه ولعالم هوياته المنبثقة المتعلقة بالعبقري/الفنان والأستاذ، وكانت تطويرًا لهُويَّة المؤلف الموسيقى، وهي هُوية كانت راسخة تمامًا.
(١٢) لماذا كانت إملي ريتر أول من سمع عن رؤية لاسبزيا؟
عزيزتى إملي
الآن لن يمر وقت طويل قبل أن نلتقي حقًّا وجهًا لوجه. إذا كان الأمر يتطلب مثل هذه الأحداث لتقربنا على هذا النحو كما نشعر الآن وبيننا كل هذه المسافة البشعة، لا يتطلب الأمر الآن سوى الإرادة وشجاعة الحب ليعطي كلٌّ منَّا نفسه للآخر تمامًا.
قصة غريبة ومدهشة وعجيبة حدثت بيننا، من دون تعارفنا تقريبًا، وتحكيها جيسي لي الآن مثل حكاية جميلة لا تصدق من حكايات الجنيات. حين تحكي قصصها، أجلس هناك مثل طفل، مستمتعًا وسعيدًا مثل طفل، وباكيًا غالبًا مثل طفل. لكن حينذاك أستيقظ كما لو كنت أستيقظ من نوم طويل. توقظني أحلام حكاية الجنيات، وقد استيقظت هي نفسها. اسمحي لنا، عزيزتي إملي، لنجعل هذه الحكايات حية وحقيقية تمامًا، بحيث تقف وسط حياتنا مآثر مبهجة. هناك حقيقة واحدة في الحياة، وكل ذلك احتياجات غير واضحة وملتبسة للعثور على أعظم إشباع: الحقيقة هي الواقع. دعينا لا نحاول إرضاء أنفسنا بالرؤى: لنكن كما نحن تمامًا وكما يمكن أن نكون. إننا، وكل منَّا يحب الآخر تمامًا، لا يمكن أن نحقِّق ذلك دون أن نتَّحد. لنسمح لأنفسنا، الآن وكل منا يعرف معزَّته عند الآخر، ألا نضع أمامنا هدفًا سوى اتحادنا من الآن إلى ذلك الوقت الذي يتحقق فيه؛ الاتحاد الحقيقي لمن ينجذبان معًا بحب مدهش منه ينبغي أن تزدهر أجمل الروابط. لنسمح لأنفسنا أن نكون قريبين بقدر ما نستطيع.
تحياتي وقبلاتي لأمك وإخوتك. لكم كل الشكر من أعماق قلبي على حبكم.
ربما ضمنت رسالة إملي له التعاطف ودعمًا عاطفيًّا قويًّا من أسرة ريتر، بالإضافة إلى تلميحات عن لقاء فعلي بين فاجنر وبقية أسرة ريتر. وكان فاجنر راغبًا في هذا وسريعًا في تقوية الروابط وجعلها تعاطفًا وحبًّا متبادلًا في ردِّه على إملي. وكانت خطوة باتجاه الوسط الفني الذي يحلم به؛ وأيضًا خطوة باتجاه خلق دائرة «عائلية» جميلة غير مشروطة، وهو شيء لم يعرفه ريتشارد فاجنر الشاب قط.
إذا كانت الرابطة بين فاجنر وجيسي لاسوت تحطمت نهائيًّا مع انهيار العلاقة في ربيع ١٨٥٠م، فإن الرابطة بينه وبين إملي ريتر كانت أقوى بكثير، عاطفية وجسدية دائمًا. لم تكن إملي مهمة لفاجنر فقط لأنها ابنة محسنته المتبلدة، فرو جولي ريتر، لكن أيضًا لأنها شابة، وربما ذكية، وربما جذابة، ومن المؤكد حساسة عاطفيًّا بالنسبة لفاجنر. والأكثر أهمية، كانت امرأة. صارت إملي جزءًا من جهاز الدعم العاطفي لفاجنر، مقابل جهاز الدعم الفني العملي بشكل أكبر (من قبيل أوهليج و«ليست»). ومن المحتمل أنها كانت هي وأختها جولي معه وقت الاحتفال بالمشاعل. وبعد ذلك، تذكرت إملي عيد ميلاده في مايو ١٨٥٤م، ورد عليها (ستة أشهر قبل رسالة لاسبزيا):
يوم سعيد، أيتها الروح العزيزة الصادقة! شكرًا لك على تحية عيد الميلاد! كانت الوحيدة التي تلقيتها من الخارج.
أمس، انتهيت من «ذهب الراين» تمامًا. إنني منزعج بعض الشيء اليوم، لكنني أود أن أرسل لك تحية …
لو كنت معي هنا، لقلْتُ لك الكثير. وكنت أعزف وأغني لك بقدر ما أستطيع. أخيرًا، ينبغي أن تفوزي بقلب «فاسولت العملاق». (تتذكرين أنه البطل التراجيدي في «ذهب الراين»؟)
كانت إملي، فعليًّا، المعجبة الشابة بالأستاذ الأكبر، أو، كما في دراما «كبار الموسيقيين»، إيفا بالنسبة لهانز ساشز. وهذه المعجبة الشابة أول من أبلغها الأستاذ بحكاية رؤيته الإبداعية في لاسبزيا في ٢٩ ديسمبر ١٨٥٤م. من هناك كانت تاريخًا.
(١٣) الملخَّص
لنعبِّر عن الشك هنا بشأن الحقيقة التاريخية لرؤية فاجنر في لاسبزيا، لنوحي بأن فاجنر لم يشهد الرؤية التي وصفها بشكل جميل ودرامي (وأغامر وأقول بشكل أسطوري) في «حياتي» أمر ليس جديدًا أو أصيلًا. كان دارسو فاجنر الآخرون في العصور الحديثة شكاكين.
لكن الشك وحده ليس كافيًا: لا بدَّ من تقديم تفسيرات للحافز الذي دفع فاجنر إلى ابتكار حكاية الرؤية. لماذا ابتكر رؤية لاسبزيا؟ ما العوامل التي حددت توقيت ابتكار الرؤية؟ ولماذا كانت إملي ريتر أول من كشف له فاجنر الرؤية؟
ابتكر فاجنر الرؤية في لاسبزيا لحقيقة سردية: وصفت بضربات درامية أصول موسيقى مقدمة «ذهب الراين»، «السابقة» لمجموعته الملحمية «خاتم نيبلونجن»، وتبقى إلى اليوم واحدة من المفاهيم الموسيقية العظيمة في تاريخ الغرب. حكاية الرؤية الإبداعية جاءت من أجل قصة مؤثرة، وإن تكن غير حقيقية. لكن الأكثر أهمية أنها تناسب المفهوم المتنامي لفاجنر عن نفسه باعتباره عبقريًّا حقيقيًّا، فنانًا، أستاذًا: كانت نوعًا من الخبرة الإبداعية ينبغي لأستاذ أن يمر بها؛ كانت دليلًا على هُويته.
ورغم أن فاجنر كتب باستفاضة عن العملية الإبداعية في أعماله النثرية قبل قراءته لشوبنهور في خريف ١٨٥٤م، احتاج فاجنر إلى شوبنهور ليقترح آليات خاصة: رؤية في نوم خفيف وسيلة يمكن بها توصيل محتويات الإرادة، مصدر الموسيقى، إلى العقل الواعي للفنان. من ثم كان توقيت الوصف الأول للرؤية في لاسبزيا وبنيتها، وتوسيعها في «حياتي» يعتمد بوضوح على قراءة فاجنر لشوبنهور وإعادة قراءته.
لكن حددت علاقة الأستاذ/التابع أول من تكشف له الرؤية. نتخيل رجلًا أكبر، شخصًا مثل «فرانز ليست»، يرفع، ليس إلا، حاجبيه الكثَّين عند سماع حكاية من هذا القبيل. رؤية، حقًّا! لا، احتاجَ الأستاذ الذي ظهر مؤخرًا تابعًا حقيقيًّا حساسًا، تابعًا يقبل غالبًا الحكاية المؤثرة دون نقد. في حياة فاجنر، هذا التابع الحقيقي الحساس لا يمكن أن يكون إلا امرأة شابة، وكانت المرأة الشابة الرئيسية في حياته إملي ريتر.
المراجع
-
Adorno, T. (1991), In search of Wagner (R. Livingstone, Trans.), New York: Verso (Originally published 1952).
-
Alexander, I. E. (1988), Personality, psychological assessment, and psychobiography, In: D. McAdams & R. L. Ochberg (Eds.), Psychobiography and life narratives (pp. 265–294) Durham, NC: Duke University Press.
-
Baumeister, R. F. (1986), Identity: Cultural change and the struggle for self, New York: Oxford University Press.
-
Baumeister, R. F. (1991), Meanings of life, New York: Guilford Press.
-
Brockmeier, J. (1997), Autobiography, narrative, and the Freudian concept of life history, Philosophy, Psychiatry, and Psychology, 4, 175–199.
-
Bruner, J. (1990), Acts of meaning, Cambridge, MA: Harvard University Press.
-
Darcy, W. (1989/90), Creatio ex nihilio: The genesis, structure, and meaning of the “Rhine-gold” prelude, 19th Century Music, 13, 79–100.
-
Deathridge, J., & Dalhaus, C. (1984), The new Grove Wagner, New York: W. W. Norton.
-
Erikson, E. (1958), Young man Luther: A study in psychoanalysis and history, New York: W. W. Norton.
-
Erikson, E. (1963), Childhood and society (2nd ed.), New York: W. W. Norton.
-
Erikson, E. (1968), Identity, youth and crisis, New York: W. W. Norton.
-
Freeman, M. (1993), Rewriting the self: History, memory, narrative, New York: Routledge.
-
Gergen, K. (1991), The saturated self: Dilemmas of identity in contemporary life, New York: Basic Books.
-
Gregg, G. S. (1991), Self representation: Life narrative studies in identity and ideology, Westport, CT: Greenwood Press.
-
Gutman, R. (1968), Richard Wagner: The man, his mind, and his music, New York: Harcourt, Brace and World.
-
Hermans, H. J. M., & Kempen, H. J. G. (1993), The dialogical self, New York: Academic Press.
-
Magee, B. (1983), Schopenhauer and Wagner, Parts 1-2, Opera Quarterly I, 3 & 4, Autumn and Winter.
-
Magee, B. (1988), Aspects of Wagner (revised and enlarged edition), New York: Oxford University Press.
-
Markus, H., & Nurius, P. (1986) Possible selves, American Psychologist, 41, 954–969.
-
Millington, B. (1987), Wagner, New York: Vintage Books.
-
Nattiez, J.-J. (1993), Wagner androgyne (S. Spencer, Trans.), Princeton, NJ: Princeton University Press.
-
Newman, E. (1976), The life of Richard Wagner, Vols. 1–4, New York: Cambridge University Press (Originally published 1937–1946).
-
Nietzsche, F. (1967), The case of Wagner (W. Kaufmann, Trans.), New York: Vintage Books (Originally published 1888).
-
Robinson, J. A. (1996), Perspective, meaning, and remembering, In: D. Rubin (Ed.), Remembering our past: Studies in autobiographical memory (pp. 199–217), New York: Cambridge University Press.
-
Rubin, D. (Ed.) (1996), Remembering our past: Studies in autobiographical memory, New York: Cambridge University Press.
-
Schopenhauer, A. (1969), The world as will and representation, Vols. 1-2, (E. F. J. Payne, Trans.), New York: Dover Publications (Originally published 1819/1844).
-
Schopenhauer, A. (1974), Essay on spirit seeing and everything connected therewith, In A. Schopenhauer. Parerga and Paralipomena, Vol. 1, (E. E. J. Payne, Trans.) Oxford: Clarendon Press (Originally published 1851).
-
Sehulster, J. R. (1979–1980), The role of altered states of consciousness in the life, theater, and theories of Richard Wagner, Journal of Altered States of Consciousness, 5, 235–258.
-
Schulster, J. (1996), Prospective and retrospective factors in the organization of autobiographical memory, Paper presented at Second International Conference on Memory, Abano Terme, Italy.
-
Spence, D. P. (1982), Narrative truth and historical truth, New York: W. W. Norton.
-
Tanner, M. (1996), Wagner, Princeton, NJ: Princeton University Press.
-
Wagner, C. (1978–1980), Cosima Wagner’s diaries, Vols. 1-2 (G. Skelton, Trans. and intro., M. Gregor-Dellin & D. Mack, Eds.), New York, Harcourt Brace Jovanovich.
-
Wagner, R. (1901), Richard to Minna Wagner: Letters to his first wife, Vols. 1-2 (W. A. Ellis, Trans.), London: H. Grevel.
-
Wagner, R. (1966a), Richard Wagner’s prose works, Vols. 1–8 (W. A. Ellis, Trans, and Ed.), New York: Broude Brothers (Originally published 1892–1899).
-
Wagner, R. (1966b), An autobiographical sketch, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 1 (pp. 1–19), New York: Broude Brothers (Originally published 1892).
-
Wagner, R. (1966c), Art and revolution, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 1 (pp. 21–65), New York: Broude Brothers (Originally published 1892).
-
Wagner, R. (1966d), The artwork of the future, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. I (pp. 69–213), New York: Broude Brothers (Originally published 1892).
-
Wagner, R. (1966e), A communication to my friends, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 1 (pp. 267–392), New York: Broude Brothers (Originally published 1892).
-
Wagner, R. (1966f), Opera and Drama, In W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 2, New York: Broude Brothers (Originally published 1893).
-
Wagner, R. (1966g), Judaism in music, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 3 (pp. 75–122), New York: Broude Brothers (Originally published 1894).
-
Wagner, R. (1966h), Beethoven, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 5 (pp. 57–126), New York: Broude Brothers (Originally published 1896).
-
Wagner, R. (1966i), A letter to an Italian friend on the production of “Lohengrin” at Bologna, In: W. A. Ellis (Trans. and Ed.), Richard Wagner’s prose works, Vol. 5 (pp. 285–289), New York: Broude Brothers (Originally published 1896).
-
Wagner, R. (1967–1991), Sämtliche Briefe, Vols. 1–8, Leipzig: VEB Deutscher Verlag für Musik (All translations are originals by Trudi Nicolas, 1997).
-
Wagner, R. (1973), Correspondence of Wagner and Liszt, Vols. 1-2, (F. Hueffer, Trans., W. A. Ellis, Ed.), New York: Vienna House (Originally published 1897).
-
Wagner, R. (1980), The diary of Richard Wagner: The Brown Book 1865–1882, (G. Bird, Trans., J. Bergfeld, Notes) New York: Cambridge University Press.
-
Wagner, R. (1987), Selected letters of Richard Wagner (S. Spencer & B. Millington, Eds. And Trans.), London: J. M. Dent & Sons.
-
Wagner, R. (1991), The family letters of Richard Wagner (W. A. Ellis, Trans. and Ed., enlarged edition by J. Deathridge), Ann Arbor, MI: The University of Michigan Press (Original Ellis edition published 1911).
-
Wagner, R. (1992), Mein Leben (A. Gray, Trans., M. Whittall, Ed.), New York: Da Capo Press (German version published 1963, Munich: Paul List).
-
Westernhagen, C. von (1981), Wagner: A biography (M. Whittall, Trans.), New York: Cambridge University Press (Originally published 1979).