الفصل الخامس عشر
قبل حلول الليل، عثر ثلاثة سعاة آخرين على ييتس وأسهمت نِثَار ثلاث برقيات ممزَّقة أخرى في تغطية أرضية الغابة. ظلَّت معنويات الصحفي — التي عادةً ما تكون مرتفعة — تنهار شيئًا فشيئًا تحت وطأة هذه الزيارات المتكررة. ولم يتفوَّه حتى بأيِّ ألفاظ نابية بعد نهاية هذه الزيارات، وهذا، في حالة ييتس، دائمًا ما كان أمارةً على اكتئاب شديد. ومع حلول الليل، قال ييتس بوهنٍ شديد للبروفيسور إنَّه أشد إنهاكًا ممَّا كان طوال حياته في أيِّ حملة انتخابية مرت عليه. ذهب إلى فراشه في الخيمة مبكرًا في حالة اكتئاب تام إلى حدِّ أنَّ رينمارك شعر بالأسى تجاهه، وحاول بلا جدوى أن يُروِّح عنه.
قال ييتس بمرارة: «لو كانوا قد أتوا كلهم دُفعةً واحدة كي يتسنَّى لي أن أطلق سلسلة واحدة شاملة من اللعنات تشملهم كلهم وتُنهي الأمر، ما كان الوضع بهذا السوء، لكنَّ مجيئهم تدريجيًّا هكذا باستمرار كرذاذ المطر الضعيف يستنفد صبر أيِّ أحد حتى لو كان قديسًا.»
وبينما كان جالسًا على حافة فراشه مُرتديًا قميصًا بلا سترة، قال رينمارك إنَّ الدنيا ستصير أكثر إشراقًا في الصباح، وقد كان هذا تعليقًا منطقيًّا لا يَقبل الجدال لأنَّ الليل كان مُعتمًا.
جلس ييتس في صمتٍ دافنًا رأسه بين يديه لبضع لحظات. وأخيرًا قال ببطء: «لا يوجد أحد في غباء الرجل الشديد الصلاح. فليس المرسال هو ما أخشاه رغم كل شيء. إنه مجرَّد عَرَضٍ خارجي للمشكلة الداخلية. ما تراه هو مثال على يقظة ضمير في الوقت الذي كنتَ تَظنه غائبًا. فمشكلتي أنني أعرف أنَّ الصحيفة تعتمد عليَّ، وأنَّ هذه ستكون المرة الأولى التي أخذلهم فيها. لقد جُبِلَت غريزة الصحفي على أن يكون في قلب المعركة. إنه يَتُوق إلى الانفراد بأيِّ سَبق صحفي قبل صحف المعارضة. سأنام الليلة إن استطعت، وأعرف أنني سأستسلم غدًا. أعرف أنني سأبحث عن الجنرال أونيل حتى أجده وسأجري معه حوارًا صحفيًّا في ميدان المجزرة. سأرسل برقيات مكونة من عدة صفحات. سأجدِّد مفرداتي العسكرية، وسأتحدث عن النشر والحشد وإرسال سرايا استطلاعية، وما شابه. سأحرِّك الفصائل العسكرية والكتائب الاستطلاعية وأبتكر الاستراتيجية. ستكون لدينا حربٌ ضروس في أعمدة صحيفة «أرجوس»، بصرف النظر عمَّا يحدث في حقول كندا. ولكن من وجهة نظر رجلٍ شهد حربًا حقيقية، فهذا القتال الزائف الشبيه بعرضٍ هزلي في الأوبرا … لا أريد قول أي شيء حاد، لكنِّي أراه كريهًا ومُزعِجًا.»
وبينما كان يقول ذلك، رفع ناظرَيه إلى أعلى بابتسامةٍ باهتة نحو رفيقه، الذي كان جالسًا على قعر دلو مقلوب. ثمَّ مدَّ يده إلى جيب بنطاله الخلفي، وسحب مسدسًا سلَّمه إلى البروفيسور موجِّهًا إليه الجزء السميك من المقبض، فانتفض البروفيسور، الذي لم يكن يعرف أنَّ صديقه يحمل أداةً كهذه، انتفاضة غريزية إلى الوراء متفاديًا الإمساك به.
«ريني، خذ هذا السلاح المدمِّر وانقعه مع البطاطس. فإذا دخل عليَّ ساعٍ آخرُ الليلةَ، اعرِف أنني سأجعل جسده كالغربال لو ظلَّ هذا في متناول يدي. يُخبرُني حدسي بأنَّه بريء، ولا أريد أن أريق الدماء الوحيدة التي ستُراق في أثناء هذه الحملة البغيضة.»
ثم ناما ولبثا هكذا مدةً لم يعرفاها، كما في قصص الأشباح، لكنَّهما استيقظا فجأة على ضجة في الخارج. كان الظلام حالكًا داخل الخيمة، ولكن حين انتصَب الاثنان جالسَين، لاحظا بصيصًا ضبابيًّا متحركًا من الضوء كان مرئيًّا بالكاد من خلال قماش الخيمة.
همس ييتس قائلًا: «إنه أحد هؤلاء السعاة الشيطانيِّين. أَعطِني هذا المسدَّس.»
فقال الآخر بصوت خفيض جدًّا: «صه! يوجد حوالي عشرة رجال في الخارج، بناءً على وقع الأقدام. لقد سمعتهم وهُم قادمون.»
قال صوت في الخارج: «لنُطلق النيران على مَن بداخل الخيمة، ونُنهي أمرها.»
فصاح آخرُ: «لا لا، لا يُطلقنَّ أحدكم النار. ستُحدِث ضوضاء أشد ممَّا ينبغي، ويوجد آخرون في الأنحاء هنا بالتأكيد. هل حرابكم جميعًا مُثبَّتة على بنادقكم؟»
فصدرت تمتمة، بالإيجاب حسبما بدا.
«ممتاز إذن. ميرفي وأوروريك، تعاليا إلى هذا الجانب. وأنتم الثلاثة الزموا أماكنكم. وأنت يا تيم، اذهب إلى ذاك الطرف الأبعد، أمَّا أنت يا دولِن، فتعالَ معي.»
همس ييتس وهو يتلمَّس بيديه في الظلام بحثًا عن ثيابه: «الجيش الفينياني، يا إلهي! أَعطِني هذا المسدس يا ريني، وسأُريكَ شيئًا أقرب إلى المتعة منه إلى الجنائز.»
«لا لا. فعددهم يفوقنا ثلاث مرات على الأقل. إننا عالقان في فخٍّ هنا، وبلا حيلة.»
«أوه، دعني فقط أقفز وسطهم وأطلِق الألعاب النارية. وأولئك الذين لن أرديَهم قتلى سيموتون من الخوف. تخيَّل أنَّ جنودًا استطلاعيِّين يجوبُون الغابة بمشكاة؛ بمشكاة يا ريني! تخيَّل هذا! هذه لقمة سائغة! أطلِقني عليهم.»
«صه! الزم الصمت! سيسمعونك.»
«تيم، أحضِر المشكاة إلى هذا الجانب.» تحرَّك بصيص الضوء الضبابي على طول قماش هذا الجانب من الخيمة. «يوجد رجل ساندًا ظهره إلى جدار الخيمة. المسْه فقط بحربة بندقيتك يا ميرفي، واجعله يعرف أننا هنا.»
فقال ميرفي بحذر: «ربما يوجد عشرون شخصًا في الخيمة.»
رَدَّ القائد قائلًا: «افعل ما أمرتك به.»
فاخترق ميرفي قماش الخيمة بحربته متحسِّسًا ما بداخلها بسنِّها المدبَّب الفتَّاك الذي غاص في جوال البطاطس.
قال ميرفي بارتجافة خوفٍ في صوته حين لم تصله أيُّ أمارة وجود من جوال البطاطس: «عجبًا، إنه يغطُّ في نوم عميق.»
وهنا دوَّى صوت ييتس من داخل الخيمة قائلًا:
«ما الذي تظنون أنَّكم فاعلوه أيها الرجال بحقِّ الجحيم؟ ما خطبكم؟ ماذا تريدون؟»
حلَّ صمتٌ لحظي لم يكسرْه سوى حركة أقدام متعجلة مهتاجة وطقطقة فتح أقفال أمان البنادق.
قال القائد بصوت صارم: «كم عددُكم هناك في الداخل؟».
«اثنان، إذا كنتَ تُريد أن تعرف، وكلانا أعزل، وفينا واحدٌ مُستعدٌّ لمقاتلة الكثيرين إن كنتم مُتلهِّفين للتناوش.»
فكان الأمر التالي: «اخرجوا واحدًا تلو الآخر.»
قال ييتس وهو يخرج من الخيمة مُرتديًا قميصه بلا سترة: «سنخرج واحدًا تلو الآخر، ولكن لا تتوقَّع أن نستمرَّ هكذا فترة طويلة؛ لأننا اثنان فقط.»
ثم خرج البروفيسور بعده مرتديًا معطفه. لم يبدُ الوضع مبشرًا إطلاقًا. فقد كانت المشكاة الموضوعة على الأرض تُلقي وهجًا باهتًا على قَسَمات القائد الحادة، كما قد تُنير أضواء المسرح هيئة قاطع طريق في غابة على خشبة المسرح. وبدا على وجه الضابط أنَّه متأثر جدًّا بأهمية منصبه وخطورته. نظر إليه ييتس نظرةً خاطفة بابتسامة؛ إذ كان كلُّ اكتئابه الذي انتابه مؤخرًا قد تلاشى آنذاك بعدما أصبح في خِضم حدث صاخب مثير.
قال: «أيُّكم ميرفي، وأيُّكم دولن؟» ثم صاح حين وقعت عيناه على رجلٍ طويل القامة ذي شعر أحمر كان يُشهِرُ حربته استعدادًا للهجوم بعزمٍ شرس على قسمات وجهه كان من الممكن أن يجعل خصمه يرتعد خوفًا: «مرحبًا أيها العضو في مجلس المدينة! متى غادرتَ نيويورك؟ ومَن يُدير المدينة الآن بعد رحيلك؟»
من الواضح أنَّ الرجال كان لديهم شيءٌ من حسِّ الدُّعابة، رغم عملهم الوحشي المتعطِّش للدماء؛ إذ اكتست وجوههم بابتسامة في ضوء المشكاة، وأُنزِلَت عدة حِراب لا إراديًّا. لكنَّ قسمات وجه القائد الصارمة لم ترتخِ إطلاقًا.
قال بجدية: «أنت تضرُّ نفسك بكلامك. فما تقوله سيُستخدم ضدَّك.»
«نعم، وما تفعله أنت سيُستخدَم ضدك، ولا تنسَ هذه الحقيقة. أنت الذي في خطر، وليس أنا. فأنت، في هذه اللحظة، تجعل من نفسكَ أحمقَ امرئٍ في كندا.»
صاح القائد بفظاظة: «أوثقوا هذين الرجلين!».
صاح ييتس وهو يَنفُض عن جسده قبضة رجلٍ هُرع إلى جانبه: «لن تُوثقوا أحدًا إطلاقًا!». ولكن سرعان ما تغلَّب الرجال على ييتس ورينمارك، ثم ظهرت مشكلةٌ غيرُ متوقَّعة. فقد أشار ميرفي بأسًى إلى أنهم ليس لديهم حبل. غير أنَّ القائد كان رجلًا واسع الحيلة.
قال له: «اقطع حبلًا كافيًا من الخيمة لتربطهما.»
فقال ييتس: «وبينما تفعل ذلك يا ميرفي، اقطع حبلًا آخر كافيًا لتشنقَ نفسك به. ستحتاج إليه قريبًا. وتذكَّر أنَّ أي ضرر ستُلحقُه بتلك الخيمة ستُضطرُّ لتحمُّل تكلفتِه. فهي مُستأجَرة.»
كبَّدهم ييتس قدر ما استطاع من عناء وهُم يَربطون مرفقيه ومعصميه معًا، بينما ظلَّ يتفوه بتلميحات ساخرة ويلعن حماقتهم. أمَّا رينمارك، فرضخ لهم بهدوء. وحين أنهوا وثاقهما، قال البروفيسور بثقةٍ هادئة كأنه رجل يحظى بدعم إمبراطورية من ورائه ويعرف ذلك:
«أُنذِرك يا سيدي بأنَّ هذا الاعتداء يُرتَكب على أرضٍ بريطانية، وبأنني، أنا المُعتدى عليه، من الرعايا البريطانيين.»
قال له ييتس: «يا إلهي، لو تعذَّر عليك التزام الصمت يا رينمارك، فلا تستخدم كلمة «رعية»؛ بل قُل «مواطن».»
«إنني قانعٌ بالكلمة، وبالحماية التي يحظى بها مَن يستخدمها.»
«أصغِ إليَّ يا رينمارك، من الأفضل أن تَدَع لي مهمة الحديث. فكلامك سيضعنا في موقف حرج ليس إلَّا. أعرف نوعية الرجال الذين عليَّ أن أتعامل معهم، أما أنت فمن الواضح أنَّك لا تعرفها.»
وبينما كانوا يُكبِّلُون البروفيسور، وجدوا المسدس في جيب معطفه. فرفعه ميرفي إلى الضوء.
ثم قال القائد بحدة وهو يأخذ المسدس: «أظنُّكما قُلتما إنكما أعزلان؟».
قال ييتس: «إنني أعزل. المسدَّس مِلكي، لكنَّ البروفيسور لم يكن ليسمح لي باستخدامه. ولو كان قد سمح لي بذلك، كنتم ستَركُضُون جميعًا بأقصى سرعة من شدة الخوف عبر الغابة.»
قال القائد لرينمارك متجاهلًا ييتس: «أتعترف بأنَّك رعية بريطاني؟».
قال ييتس قبل أن يستطيع رينمارك الكلام: «لا يَعترف بذلك، بل يتفاخَر به. لا تستطيع إخافته؛ لذا كُفَّ عن هذه الحماقة، وأخبرنا كم من الوقت سنقف هنا مُقيدَين هكذا.»
قال الرجل ذو الشعر الأحمر: «أقترحُ يا كابتن أن نُطلِق الرصاص على هذين الرجلين حيث يقفان، ونُبلغ الجنرال. إنهما جاسوسان. إنهما مُسلَّحان وأنكرا ذلك. هذا ما تَقتضيه قواعدُ الحرب، يا كابتن.»
«قواعد الحرب؟ ماذا تعرف عن قواعد الحرب أيها السنجامبي ذو الشعر الأحمر؟ قواعد هويل! أظن أنَّ مهمتك هي حفر المَجاري. تعالَ أيُّها الكابتن، حُلَّ هذا الوثاق واتخذ قرارًا سريعًا. هَروِل بنا إلى الجنرال أونيل بأسرع ما يُمكِن. فكلما أسرعت في إيصالنا إلى هناك، سيكون لديك متسع من الوقت لتتأسَّف على ما فعلته.»
بقيَ القائد مترددًا، وظل يتنقَّل بعينَيه بين رجاله، كأنَّه يُحاول أن يتبيَّن ما إذا كانوا سيطيعونه لو اتخذ قرارًا عنيفًا مُبالغًا فيه. ولاحظ ييتس بعينِه السريعة أنَّ الأسيرَين ليس لديهما أيُّ شيء يأملان فيه إطلاقًا، حتى من الرجال الذين ابتسمُوا. فقد كانوا يرون أنَّ إطلاق النار على رجلين أعزلين ومُقيَّدين هي الطريقة الصحيحة لبدء نضالٍ عظيمٍ من أجل الحرية.
قال القائد أخيرًا: «حسنًا، يجب أن نفعل ذلك بالطريقة السليمة؛ لذا أظن أننا ينبغي أن نُجريَ محاكمة عسكرية. هل تتفقون معي في هذا؟»
وجاءت المُوافَقة بالإجماع.
صاح ييتس بنبرةٍ ذات قدْر من الوقار رغم استخفافه السابق قائلًا: «أصغِ إليَّ، لقد جاوزتْ هذه المهزلة المدى. ادخل الخيمة هناك، وستجد في جيب معطفي برقية، وهي الأولى من بين دزينة أو اثنتين من البرقيات تلقيتها في خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وسترى حينئذٍ هوية الشخص الذي تعتزم إطلاق النار عليه.»
عُثِر على البرقية، وقرأها القائد، بينما كان تيم يَحمل له المشكاة. ثم نظر إلى الصحفي من تحت حاجبيه المعقودين.
قال له: «إذن، فأنت أحد موظَّفي صحيفة «أرجوس».»
«أنا رئيس موظفي صحيفة «أرجوس». وكما ترى، سيكون خمسةٌ من رجالي مع الجنرال أونيل غدًا. والسؤال الأول الذي سيطرحونه عليه هو: «أين ييتس؟» ثم ستُشنَق بسبب غبائك، ليس بأيدي كندا ولا ولاية نيويورك، بل بأيدي جنرالك، الذي سيظلُّ يلعن ذكراك من تلك اللحظة وإلى الأبد. فأنت لا تمارس حماقتك مع أحد الرعايا هذه المرة، بل مع مُواطِن، وجنرالك ليس أبله لكي يعبث مع حكومة الولايات المتحدة، فضلًا عن الصحافة الأمريكية العظيمة التي ستكون عواقب العبث معها أسوأ بكثير. هلم أيها الكابتن، لقد اكتفينا من هذا. اقطع هذه الحبال بأقصى سرعة مُمكنة، وخُذنا إلى الجنرال. كنا سنزوره في الصباح على أيِّ حال.»
«لكنَّ هذا الرجل يقولُ إنَّه كندي.»
«لا بأس. أنا وصديقي بُنيانٌ واحد. وإذا أذيته، فأنت تُؤذيني. والآن، أسرِع، انزل من برجك العاجي. سأتكبَّد ما يكفي من العناء الآن بالفعل لأجعل الجنرال يَغفرُ لك كل الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الليلة، دون أن تزيد الطين بِلة. قُل لرجالك يحلُّوا وثاقنا ويُعيدوا الحبال إلى الخيمة. سيحل ضوء النهار قريبًا. هيا أسرع وأطلِق سراحنا.»
قال القائد متنهِّدًا: «حلُّوا وثاقهما.»
هزَّ ييتس جسده حين استعادَت ذراعاه حريتهما.
وقال: «والآن يا تيم، اركض إلى داخل هذه الخيمة وأحضِر مِعطَفي. فالجو بارد هنا.»
نفَّذ تيم طلبه فورًا، وساعد ييتس في ارتداء المعطف.
فقال له ييتس: «فتًى مُطيع! من الواضح أنَّك كنتَ حمَّالًا في فندق.»
فابتسم تيم.
قال له ييتس متأملًا: «أظن أنَّك لو نظرت أسفل الفراش الأيمن يا تيم، لوجدت جرَّة. إنها مِلك البروفيسور، مع أنَّه أخفاها تحت فراشي ليُبعِد الشك عن نفسه. أخرِجها من هناك وأحضِرها إلى هنا. إنها ليست مُمتلئة كما كانت، لكنها تحوي قدرًا كافيًا ليشرب منها الجميع، إذا لم يأخذ البروفيسور أكثر من نصيبه.»
لعق الجنود البواسل شفاههم ترقُّبًا للجرة، وبدا رينمارك مشدوهًا لرؤيتها حين أحضرها تيم. قال ييتس: «أنت أولًا، يا بروفيسور»؛ وقدَّم له تيم الجرة ببراءة. هز الرجل العلَّامة رأسه رافضًا. فضحك ييتس وأخذها.
ثم قال: «حسنًا، في صحتكم أيها الفتيان. وأرجو أن تعودوا كلكم سالمين إلى نيويورك كما سأعود.» مرَّت الجرة على طول صف الجنود، حتى أنهى تيم آخرَ ما تبقَّى من محتواها.
صاح ييتس متأبِّطًا ذراع رينمارك: «إذن، والآن إلى معسكر الجيش الفينياني.» وبدءوا مسيرتهم عبر الغابة. ثم أضاف قائلًا لصديقه: «يا إلهي! هذا قدْر هائل للغاية من الراحة والهدوء، أليس كذلك يا ستيلي؟»