باب العاذل
وللحب آفات، فأوَّلها العاذل. والعذَّال أقسام، فأصلهم صديقٌ قد أسقطتَ مئونةَ التحفظ بينك وبينه، فعَذْلُه أفضل من كثير المساعدات؟ وهي من الحظ والنهي، وفي ذلك زاجر للنفس عجيب، وتقوية لطيفة لها عرض، وعمل ودواء تشتد عليه الشهوة، ولا سيما إن كان رفيقًا في قوله، حسن التوصل إلى ما يورد من المعاني بلفظه، عالمًا بالأوقات التي يؤكِّد فيها النهي، وبالأحيان التي يزيد فيها الأمر، والساعات التي يكون فيها واقفًا بين هذين، على قدر ما يرى من تسهل العاشق وتوعُّره، وقَبوله وعصيانه.
ثم عاذل زاجر لا يُفيق أبدًا من الملامة، وذلك خطب شديد وعبء ثقيل. وَوقع لي مثلُ هذا، وإن لم يكن من جنس الكتاب ولكنه يُشبهه، وذلك أن أبا السريِّ عمار بن زياد صديقَنا أكثرَ من عذلي على نحو نحوتُه، وأعان عليَّ بعض من لامني في ذلك الوجه أيضًا، وكنت أظن أنه سيكون معي، مُخطئًا كنتُ أو مصيبًا؛ لوَكيد صداقتي وصحيح أُخوَّتي به.
ولقد رأيت مَن اشتدَّ وَجْده وعَظُم كلفه حتى كان العَذْل أحبَّ شيء إليه، ليُري العاذلَ عصيانَه ويستلذَّ مخالفته، ويحصِّل مقاومته للأئمة وغلبته إياه؛ كالملك الهازم لعدوه، والمجادل الماهر الغالب لخصمه، ويُسَر بما يقع منه في ذلك، وربما كان هو المستجلب لعذل العاذل بأشياء يوردها توجب ابتداء العذل. وفي ذلك أقول أبياتًا، منها: