النباتات والحيوانات والمعادن
(١) النباتات
تشتمل الهند على أنواع النبات والحيوان اشتمالَها على مختلف الأجْواء، ولا تمتاز الهند بنوع خاصٍّ من الحيوان والنبات.
فبينما ترى منحدرات جبال الهند مكسوَّة أزهارًا وأثمارًا كالتي تُشاهَد في أوروبا، تُذكِّرك سهولها بسهول فارس والصين، وتذكرك بقاعها الجافة المحرِقة بأفريقيا الوسطى، ويذكرك نبات تَرَائِي وسُنْدَرَبْن القوي الأشعث بنبات جزائر الملايو.
وبلاد الهند في مجموعها غنية خَصْبَة كافية لتموين سكانها وإطعامهم عن سَعَةٍ، وتنشأ مجاعاتها الهائلة التي تُخَرِّب بعض بقاعها أحيانًا عن افتقارها، في الغالب، إلى طُرُق منتظمة صالحة لنقل ما يزيد على احتياج بعض مناطقها إلى مناطقها التي تنقص حاصلاتها.
وتنشأ تلك المجاعات، كذلك، عن فقر طبقاتها الدنيا المدقع الذي لا يجد أفرادها معه ما يشترون به قليلًا من الأرز أو البُرِّ فيهلِكون جماعاتٍ على حين توسق في السفن مقادير عظيمة من حبوب الهند لتباع في الأسواق الأجنبية.
وَتُعَدُّ الحبوب في الهند أهم ما تنبته الأرض، فيُزرع فيها القمح والأرز والذُّرة والدُّخن بكثرة، فيكون للأهالي الذين حُرِّم عليهم أكل اللحم طعام بذلك، فما في الهند من حرارةِ جَوٍّ وقِلَّة مَوَاشٍ وحظر نحرٍ يحمل الهندوسي على العيش بما تُخرج الأرض من قوت.
ومارس سكان الهند الزراعة بحذق ونشاط في كل حين، فلما حاول الأوربيون أن يُحَسِّنوها بما أدخلوه إليها من الأساليب الحديثة اعتُرف، في غير حالة، بأن المناهج القديمة خير من جديدها، وبأن من أصالة الرأي أن يُرجَع إليها، وذلك إلى ضرورة توسيع رِقاع الأراضي الزراعية ما كانت هذه الرقاع لا تَعْدِل غير ثُلُث مساحة الهند في الوقت الحاضر.
ووادي الغَنْج أخصب بقاع العالم، لا الهند وحدها على ما يُحتمل، فتستره حقول عجيبة لا حدَّ لها، فكلَّت عينا الفاتح المغولي بابر وارتدَّت عن تأمل امتدادها إلى ما وراء الأفق امتدادًا مُطَّردًا، وليس بنادر أن يُنتج هذا الوادي ثلاث مرات في السنة الواحدة، والأرز، على الخصوص، هو ما يُزرع في ضفاف الغَنْج بعد الفيضان، وتكثُر أيضًا زراعة البُرِّ والقطن والتبغ والقِنَّب والخشخاش في واديه المنقطع النظير بخصبه الذي لا ينفد.
وفي الهند حيث تُروى الأرض جيدًا تبدو هذه الأراضي خصبة سخيَّةً، وفي الهند حيث تقطع الولايات شبكةٌ من مجاري المياه أو تفيض عليها رياح الجنوب الموسمية تُنتج هذه الولايات إنتاج البنغال، وفي الحقول المطمئنة حيث تزيد الرطوبة تزرع بكثرةٍ أنواع الأرز، وفي الحقول المرتفعة حيث تقلُّ الرطوبة يُزْرَع البُرُّ.
والأفيون أهم ما تُصَدِّره الهند بعد الحبوب التي تمتلئ بها السفن كلَّ يوم فتنقلها إلى بلاد الغرب، ويُزرع الأفيون، على الخصوص، في سهل الغَنْج والبَنْجَاب وراجبوتانا، وتستأثر الحكومة الإنجليزية باحتكاره، وما تستنفده بلاد الصين من مقادير الأفيون العظيمة هو ما تستورده من الإنجليز بعد أن يزرعوه في أتربة الهند، وليست بمجهولةٍ أنباء حَنَق الإنجليز وغيظهم من وُلاة الأمور في مملكة ابن السماء حينما أرادوا وقاية رعاياهم من هذا السم القاتل، فأسفر ذلك عن شهر الإنجليز لتلك الحرب المعروفة «بحرب الأفيون» فأَكْرَه الإنجليز الغالبون فيها بلادَ الصين على إدخال أفيون الهند إليها كما في الماضي، فيموت في كل سنة عدة ألوف من الآدميين بسبب استعماله.
وزراعة القطن في الهند تلي زراعة الأفيون أهمية، ويصلح بعض الأصقاع من أراضي الدَّكَن العليا لزراعة القطن كثيرًا، والقطن الهندي دون القطن الأمريكي حظوةً وإن أدَّت حرب الانفصال إلى إقبال الناس عليه لبضع سنين، فزادت زراعته وتجارته زيادة غير مُنتظَرة، ولا يزال القطن الهندي عامل إصدار مهم بعد غزله أو تحويله إلى نُسُج، وكان لنسائج الهند القطنية شهرة فنازعها الغرب إياها بآلاته، فصار الغرب يرسل إلى الهند مثل ما ترسله الهند إليه.
وفي الهند يُزرع القِنَّب ثم تصدره بوفرة، والحبوب الزيتية مما تنتجه الهند فتبيعه من الخارج.
ولا يبتاع الأوربيون التبغ الهندي؛ لسوء تعبئته، فيستنفده أهل الهند، وتشتهر مدينة تري جنابلي الواقعة في الجنوب بسيغاراتها مع ذلك.
وتجيء الهند بعد الصين في زراعة الشاي، وأسفرت زراعة الشاي في منطقة آسام عن أطيب النتائج، وتتقدم زراعة القهوة منذ أواسط هذا القرن في رُبَى الجنوب ولا سيما في مملكة ويناد الصغيرة الواقعة في جنوب مملكة ميسور.
وكانت الهند تشتمل على غابات عجيبة، ومن المؤسف أن نقصت هذه الغابات بما قطعه الأهلون وغزاة الإنجليز من شجرها قبل أن تدبِّر الحكومة أمرها، والهندوس، في الولايات الوسطى، لا يزالون يتخذون أسلوب إحياء للأراضي محزنًا حقًّا، فهم يُبيدون قديم الشجر في قطع من الغاب فيحرقونه ويَبْذُرون الحَبَّ بين رماده، فيحصدون زرع سنتين أو ثلاث سنوات، فإذا ما استُنْفِد خِصْبُ الأرض المؤقت الذي نشأ عن الرماد أبادوا شجر قِطَعٍ أخرى، وهكذا.
ونجم عن جشع الإنجليز وغفلتهم استمرارهم على ما بدأ به الأهلون من إبادة شجر الغاب، ولم يَرَوْا فائدةَ الإبقاءِ على الغابِ ووَقْفِ تلك الإبادة إلا في الأيام الأخيرة.
وإذا نزلت من تلك الارتفاعات إلى السهول شاهدت أشجارًا ذوات أثمار يانعة وخُشبانٍ نافعة وأوراق رائعة، ومن هذه الأشجار نذكر شجر البانيان والمَهُووا ذا الزهر النافع في زمن المجاعات، والخيزُران والصندل ذا الرائحة الذكية، ونذكر، على الخصوص، النخل التي يَعُدُّ أهل الهند ألف وجه ووجه للانتفاع بجذوعها وليفها وسَعَفها وعصيرها وثمرها، والولايات الجنوبية أكثر ولايات الهند غرسًا للنخيل.
وتنمو نباتات البلاد الحارة نموًّا عظيمًا في مناطق الهند الجيدة الرِّيِّ والشديدة القيظ، وتُنْجِم هذه النباتات في منطقة آسام، على الخصوص، بما يُزْرِي بجهود الإنسان، فتبلغ نباتات غابها من الكثافة ما لا بد معه من حرقها في فصل الجفاف لتنظيف ترابها، وقد يصل عُلُوُّ شجرها ستين مترًا فتصل المُعَرِّشات بين هذا الشجر فيتعذر نفوذها، فيتفتَّح أسفلها عن غريب الأزهار، وفي جبال كهاسي وحدها عُدَّ ٢٥٠ نباتًا من الفصيلة السحلبية، ولن تجد في الأرض بقعة ذات نبات فخم أشعثَ كما تراه هنالك.
(٢) الحيوانات
لا تجد في الهند نوع حيوان خاص بها، وتختلف حيواناتها اختلاف نباتاتها وجوائها، وتذكرنا حيوانات الهند، على حسب البقاع، بحيوانات الصين وأفريقيا والملايو وأوروبا.
وتكاد الآساد تزول من بلاد الهند، فلا تجد منها في غير جزيرة كاتهياوار بالغرب تقريبًا حيث تبدو قصيرة عاطلة من اللُّبَد.
وتمنح الحكومة الإنجليزية جوائز سَنِية لمن يُبيدون تلك الضواري، ولكن الأهالي لا يجرءون على ذلك، تقريبًا؛ لما تُلقيه هذه الضواري من الرعب في قلوبهم، ولما يَعُدُّ به الهندوس أكَّال الرجال ضربًا من الآلهة إذا ما افترس بعض الناس.
والصِّلُّ حيوان مقدس لدى الهندوس؛ لما يورثهم إياه من الخوف، وهو من صفات وِشنو الذاتية فنُقِش في مختلف المعابد، وهو يَلُفُّ مطاويه وينتفش متوعدًا حديدَ البصر.
وتكثر أنواع الذئاب في الهند، وبالفهود وبنات آوَى والضباع والكَرْكَدَّن والتماسيح نختم جدول ضواري الهند، ويُرى الكركدَّن في منطقة سُنْدَرَبْن على الخصوص، وتكثر التماسيح في الغدران والأنهر وتخرب مجاري المياه.
والهند بلاد فقيرة في المراعي ومن ثَمَّ في المواشي، وتكون جمالها وخيلها وبقرها وجواميسها أهلية، وتتصف أفراسها بالقِصَر، ولا تُرَبَّى الضأن فيها إلا من أجل لحومها وألبانها، ويكره الهندوس الخنزير، وفي الهند ما في أوروبا من الدواجن، وفي أنهارها أسماكٌ صالحة للأكل، وفي أحواض نِل غيري أنواع سمكٍ جديدةٌ أُدخلت إليها لتكثر فيها.
وتتكاثر القِرَدة في الهند فتُعدُّ نكبة على الفلاحين؛ لإتلافها مزروعاتهم، ولدخولها بيوتهم بوقاحة، وسلبها ما يطيب لها من أموالهم، وما يُكِنُّه الهندوس من الاحترام للقرد هنومان يَحُول دون دفاعهم ضد القردة الثقيلة، والقردة جعلت بعض مدن الهند، كمترا مثلًا، غير صالحة لسكنى الأوربيين، وبلغت القردة في بنارس من مضايقة السكان وقلة الحياء في السنوات الأخيرة ما نُفِيَت معه إلى الضفة الأخرى من نهر الغَنْج.
وتشتهر طيور الهند بجمال ريشها، وتقلُّ المغردة منها، ويحترمها زُراع الهند لإبادتها الحشرات، ويراعي سكان المدن الهندية النسورَ والعقبان؛ لإزالتها المواد الحيوانية العَفِنة، وإصلاحها الطرق والشوارع بذلك، وتتصف بَبْغَاوات الهند بالحسن والكثرة.
(٣) المعادن
أَجَلْ، احتوت الهند على مناجم غنية بالألماس، ولكن هذه المناجم نَفِدَت منذ زمن طويل تقريبًا، وكانت مناجم سنبل بور الواقعة في وادي مهاندي ووادي كرنول بالجنوب تُستغل إلى أوائل هذا القرن، وتُخرِج مناجم غولكوندا ما لا قيمة له من الحجارة مع إثارة اسمها في الذهن صور ما يُعشي الأبصار من أنوار الحجارة الكريمة ومع ما كان يُزهَى الأمراء به.
وظل استخراج اللؤلؤ مصدر ثروة الهند، فاللؤلؤ يُستخرج من مغاوص كمبي ومدورا وتراونكور وسيلان.
ويؤخذ الرخام من مقالع راجبوتانا، ويؤخذ حجر السَّنِّ من بُنْدِيل كِهَنْد ووادي جمبل فتزيَّن به المباني الفخمة.
وفي الهند مناجم فحم حجري واسعة واقعة بين الغَنْج وغوداوري مقسمة إلى أربع شعب، ولا يستحق بعضها أن يستغل، والفحم الذي يُستخرج من بعضها الآخر هو دون ما تخرجه مناجم أوروبا جودة، فما يتركه من الثُّفْل بعد حرقه أكثر مما يتركه الفحم الأوربي، وما يقوم به من العمل هو نصف ما يقوم به الفحم الإنجليزي.
وتكون الهند، لافتقارها إلى الفحم الحجري، زراعية أكثر من أن تكون صناعية، فكأن الطبيعة قد أرادت أن تظل الهند بلادًا تُمِدُّ الأمم الأخرى بالأقوات، ولم تلبث صناعات الهند أن أخذت تتوارى عندما أصبحت مصانع الغرب تنافسها بعد فتح قناة السويس.
والحديد كثير في الهند، وأهم مناجمه في سِيلَمَ من أعمال ولاية مدراس، والأهالي قد استخرجوه وصنعوا الأدوات منه منذ القديم، وتُشَابِهُ الآلات الحديدية التي اكتشفت في آثار الهند الناقصة الشكل آثارَ السِّلْت الحجرية، وتُعَدُّ أقدم بقايا ما صنعه الإنسان في الهند.
وفي الهند مقادير قليلة من النحاس والذهب، فلا طائل في استخراجهما، والملح هو أكثر ما تحتويه، فظلت تصدره إلى العالم بأسره عدة قرون، ففيها تلال مكونة من أكداس الملح، كسلسلة الملح الواقعة في البَنْجَاب على ضفاف نهر السِّنْد الأعلى، واليوم تحتكر الحكومة الإنجليزية ملح الهند.
تمَّ وصفُنا الإجمالي للهند، ولا مَعْدِل لنا عن ذلك ما أردنا البحث في معايش سكانها ونظمهم ومعتقداتهم وطبائعهم وعاداتهم، ولم نأتِ فيما تقدم بغير بيان موجز عن طبيعة تلك البقاع السخية الصائلة معًا، فلا تجد في الأرض، كالهند بلادًا تجلَّت فيها تلك القوى القاهرة النافعة أو الضارة التي هي أم الضرورات المكوِّنة للرجال، والمسيِّرة إياهم، والموجِبة الأولى لما يُدَوِّن التاريخ سيره من الحضارات.