الفصل الثالث
الدكتور
:
حنيفة قال، حتى إنتي يا حنيفة؟ اللعنة توصل لي أنا راخر في عقر داري.
صفر
(قادمًا من الخارج)
:
بوليس النجدة وصل يا سعادة البيه.
الدكتور
:
بوليس النجدة! أنا في عرض النجدة. الحقوني يا ناس، انجدوني، أنا غلبان صاحب كوم.
صفر
(منتحيًا جانبًا ومنحنيًا في ترحاب عدة مرات)
:
اتفضلوا، اتفضلوا. أهلًا وسهلًا. (يدخل شخصان أحدهما
يبدو في الخمسين من عمره طويل القامة على ملامحه، وهيئته طابع موظفي الحكومة
الذي تستطيع تمييزه لأول وهلة، والآخر رجل قميء جدًّا قصير جدًّا نحيف جدًّا
يبدو كصبي في الخامسة عشرة، بل من الممكن أن يقوم بالدور ودون ماكياج صبي في
الخامسة عشرة يرتدي جلبابًا غير نظيف به رقعة، وطاقية صوف، ويبدو كالفنانين أو
كأصحاب الرسالات، شديد العبط شديد الذكاء، له شخصية متميزة.)
الدكتور
:
إيه دول يا صفر، أمال فيه بوليس النجدة؟
الرجل الطويل
:
ما احنا النجدة يا دكتور.
الدكتور
:
إنتو النجدة؟! إنتو بوليس النجدة؟! يا ناس في عرضكم بلاش هزار بقى، الحكاية باخت
قوي. أنا عايز النجدة تنقذني، تخلصني، أنا روحي بتطلع قدامي، أنا بفلفص. النجدة!
العجوز
:
إحنا النجدة يا دكتور، إحنا اللي حا ننجدك، إحنا جهة الاختصاص.
الدكتور
:
إنتو جهة الاختصاص؟ إنتوا يعني اللي أستنجد بيكو بوليس النجدة علشان تنجدوني؟ يا
ناس موش كده، وحياة الشمس والأرض والقمر الصناعي. وحياة فستك وتيتان ولايكا، ده
حرام حرام قوي، أحرم حرام. إنجدوني يا ناس!
العجوز
:
يا دكتور إحنا بالضبط اللي حننجدك.
الدكتور
:
ليه بقى؟ حا تكونوا مين يعني؟ أولياء أمور الجماعة دول؟ حتكون أبوهم حضرتك؟
العجوز
:
لا، أنا جدهم قارون، وأبوهم محمد الطيب دهه.
الدكتور
:
كده؟ إنت جدهم، وده أبوهم، هايل قوي! وبوليس النجدة لازم حول لكم الإشارة على
جبانة الإمام.
قارون
:
على حوشنا في باب الوزير وانت الصادق، نعمل إيه؟ جبنا بعض وتننا جايين.
الدكتور
:
ألف حمد الله ع السلامة. برافو عليكم! أهو كده الشهامة والا بلاش، هو ناقص إيه
غير كده؟ ما عادش ناقص إلا التخريف بقى. ما عادش إلا إن الدنيا تسيح على الآخرة
وبوليس النجدة يستنجد بالأموات لإنقاذ الأحياء، ومين عارف؟ يمكن أنا راخر أقدر أخطف
رجلي دلوقتي وأزور خالتي ملاك، وللا نعزم المرحوم أبو شيحا على أكلة فسيخ، آخر
حلاوة!
قارون
:
لما حا تفكر بالطريقة دي حتتعب يا دكتور.
الدكتور
:
أمال عايزني أفكر حضرتك ازاي؟ وحياة اللي عاشوا لك تقول لي وانا مستعد انفِّذ
بالحرف الواحد.
قارون
(ببساطة)
:
يا أخي، بشوية خيال لا أكثر ولا أقل، أمال ربنا ادالنا القدرة على التخيل ليه؟
علشان المواقف اللي بالشكل ده. الإنسان عنده قدرة على الخيال ما لهاش حدود، ما
بيستعملهاش ليه؟ ليه تصر على إن كل حاجة لازم تكون خاضعة لمواصفات الواقع الضيق
بتاعكو، بحيث إنكم لازم تشموها وتلمسوها علشان تصدقوها؟ بشوية خيال ممكن نعمل أي
حاجة؛ تقيم الجنة على الأرض، وتصحي الموتى وتموت الأحياء، وتعمل أي حاجة إنت
عايزها. جالنا الخبر إن الأولاد تعبانين وإنك لايص معاهم، غريبة إننا نتطوع ونيجي
علشان نريحك ونريحهم؟ لا غريبة ولا حاجة، بس المسألة إيه؟ شوية خيال؛ صعبة دي؟
الدكتور
:
أبدًا، أبدًا أبدًا. غبي مين اللي يقول إنها صعبة؟ حمار مين اللي ما يقبلهاش؟
صحيح، ليه لأ؟ دي حاجة جميلة جدًّا. حلوة خالص. وليه لأ صحيح؟ واشمعنى يعني أنا
اللي حا أفضل حابس روحي جوة المنطق وكل حاجة عماله بتحصل براه؟ إذا كانت الدنيا
كلها بقت ماشية كده أعصلج أنا ليه؟ الله! أما جحش صحيح، حا يخس عليَّ إيه؟ ما امشي
معاهم واللي يحصل يحصل؟ حا اتجنن؟ أجنن أحسن ما افضل أنا اللي تعبان من العقل
لوحدي. يا ألف أهلًا وسهلًا، دا انتو شرفتونا خالص، خطوة عزيزة. تعال يا أول وتاني
وتالت، تعالوا سلموا على أبوكم والمحترم الفاضل جدكم.
م. الأول
:
إنت بتقول فيها يا دكتور؟ على الأقل أنا متأكد إن ده أبونا. هي بالظبط صورته اللي
في أوضة الصالون يوم ما اترقى مفتش.
م. الثاني
:
موش باين عليهم النصب. لا؛ ده حتى الواحد دمه حن.
م. الثالث
:
طيب ده يا ريت يكونوا هُمه، ده يبقى فرصة، دا احنا بينَّا حساب طويل لازم نصفِّيه.
الطيب
:
بس مهما تقولوا أنا ميت غضبان عليكم، إزاي يا واد يا أول انت يقولولك أبوك بيموت
فمايهونش عليك تسيب البنت السنكوحة اللي كانت معاك في الدكان؟ وانت يا تاني تروح
تلعب باسكت يا وله ازاي من تاني يوم؟ إزاي ده يحصل ده؟ لهو انتو كنتو أولاد حرام؟
الدكتور
:
بقى دي النجدة اللي جايين تنجدوها لي؟
قارون
:
عندك حق يا دكتور، ده موش وقته يا واد يا طيب. لا مؤاخذة يا دكتور إحنا تحت أمرك،
إحنا جايين ننفذ كل اللي انت عايزه. تحب نعمل لك إيه؟
الدكتور
:
ما هي الحكاية يا حضرة الفاضل إني موش عارف أنا عايزكو تعملوا إيه؟ ده النجدة
اللي أنا عايزها؛ عايزها علشان مجرد إنكم تقولولي أعمل إيه؟
قارون
:
قبل ما نقول لك موش تقول لنا بس الموضوع إيه؟ تاعبك إيه، مضايقك إيه؟ هدي نفسك
خالص وخد راحتك وقولنا، إيه بالضبط مضايقك؟
الدكتور
:
ما هو يا ريتني عارف اللي مضايقني، يا ريت أعرف الحكاية إيه؟
الطيب
:
ما الحكاية باينة يا دكتور، الولاد بتوعنا يعني باين مضايقينك، أصل عيلتنا دي.
الدكتور
:
عيلتكم دي؟ هي دي عيلة؟ دي موش عيلة؟ دي عالم، عالم كده زي عالمنا مالوش لا صاحب
ولا نظام ولا منطق. أقول إيه بس؟ يا ريتها حقيقة تايهة اللي بادور عليها، يا ريته
جاني في ناحية ومجني عليه في ناحية تانية، يا ريت أعرف أنا فين، وعايز أوصل لإيه؟
ده انا حتى موش واقف، دا انا واقع، واقع في جب مسكون، دا انتم باينكم موش من جنس
البشر خالص، إنتو فيكو حاجة كده ما بتنتميش للكرة الأرضية، حاجة إبليسية شيطانية،
كإننا اتنقلنا لعالم سفلي، علوي ما اعرفش. موش دي الدنيا اللي باعرفها، ولا دول
الناس اللي عايشين فيها أبدًا، أنا بصراحة كده ما ليش دعوة بيكم خالص، أنا كل اللي
عايزه دلوقت إني أنقذ نفسي قبل ما أضيع، أنا خايف أكون ضعت. أنا في عرضكم، إنقذوني.
قارون
:
ننقذك بس ازاي؟ تحب نخرجك برة الموضوع خالص؟
الدكتور
:
تبقى عايز تجنني، تبقى عايز أنسعر وأجري أعض الناس. ما لو كانت المسألة على
الموظف اللي في ما كان زمانه خد إجراؤه واستريح من زمان. إنما المصيبة الكبرى في
البني آدم، في الطبيعة البشرية المهببة المتركبة فينا، اللي عمرها ما بتبتدي حاجة
إلا لازم تنهيها، اللي عمرها ما بتعرف جزء إلا لما يموت — وأحيانًا بتموت فعلًا —
علشان تعرف الكل. إنقاذي إني موش اخرج برة الموضوع، إنقاذي الوحيد إنكم تغرقوني فيه
أكتر وأكتر لغاية ما أعرف الحقيقة فين.
قارون
:
وهو انت بس اللي عايز تعرف الحقيقة؟ ما احنا روخرين عايزين، دي الدنيا كلها
بيتهيأ لي عايزة.
الطيب
:
والحقيقة موش حا تخرج عن الأوضة دي أبدًا، الحقيقة هنا.
الدكتور
:
هنا ازاي؟ أنا في عرضك دلني عليها.
الطيب
:
هنا فينا، إحنا المشكلة وإحنا اللي خلقناها، والحقيقة يا فينا يا في حد فينا.
والحمد لله كلنا موجودين.
الدكتور
:
وإيه فايدة وجودنا؟ إيه فايدة الحقيقة تبقى جوانا؟ دي كأنها جوة محيط نطلعها
ازاي؟ نعثر عليها في وسط الغابات والصحاري والأحراش. هي جوانا مشكلة، المشكلة
نطلعها ازاي؟ المشكلة إزاي يتحول الناس من صناديق مِتْسَنْكر عليها بأقفال لفتارين قزاز
ما تخبيش حاجة أبدًا؟ نعملها ازاي دي، بشوية خيال زي ما بتقول؟
قارون
:
لا، بالعقل، بالذكاء.
الدكتور
:
استعملناه، والنتيجة إنها كانت بتتوه أكتر.
قارون
:
بالصدق.
الدكتور
:
طيب خيال وقلنا نقدر عليه، عقل وذكاء قادرين، إنما الصدق ده ترغم عليه الناس
إزاي.
قارون
:
موش بالإرغام، بالرضا.
الدكتور
:
والناس ترضى تصدق ازاي؟ عايزهم أنبياء وأولياء؟ الناس موش كده، الناس بني آدمين
طول ما هم في الدنيا، آخر حاجة يعترفوا بيها الحقيقة، يمكن في الآخرة بس يقولوا
الصدق.
قارون
:
خلاص، نوديهم الآخرة.
الدكتور
:
نموتهم يعني؟ والله حل معقول.
قارون
:
لا، نعمل نفس اللي بيحصل في الآخرة.
الدكتور
:
تحاسبهم؟ هو انت استغفر الله العظيم ربنا؟
قارون
:
لا؛ نخليهم هم يحاسبوا نفسيهم، يحاكموا أرواحهم.
الدكتور
:
ما تقول كده وتخلصنا، نحاكمهم يعني. وعايزهم يقولوا الصدق في المحاكمة؟ دي
المحاكم هي المقر الرسمي للكذب.
قارون
:
ده علشان المحاكمة بتنتهي بعقاب، إحنا محاكمتنا ما فيهاش عقاب.
الدكتور
:
يعني محاكمة ما نعاقبش حد بعديها؟ تبقى محاكمة إيه دي؟ يبقى فايدتها إيه؟
قارون
:
فايدتها كبيرة أكبر من فايدة أي محاكمة عادية، إنت في المحاكم العادية بتحاكم
علشان تمسك لك في الآخر واحد وللا اثنين وتعاقبهم سواء وصلت للحقيقة الأكيدة أو ما
وصلتهاش، أنهو أحسن، إنك تعمل كده، وللا تضحي بعقاب واحد ولا اثنين وتوصل للحقيقة
كاملة؟
الدكتور
:
يعني انت متأكد إننا لو خليناها من غير عقاب حا يقولوا الصدق؟
قارون
:
وهو الناس بيمنعها من قول الصدق إلا الخوف من العقاب؟ نشيله؛ يصدقوا على طول. يا
للا بلاش تضييع وقت نشكل المحكمة.
الدكتور
:
بس انا لسه ما اقتنعتش.
قارون
:
التجربة حا تقنعك. إنت موش عايزنا ننجدك؟ خلينا نجرب.
الدكتور
:
أمري إلى الله، ما هو يا ريت قدامي حل تاني.
قارون
:
خلاص؛ إحنا كلنا حاضرين، كل الأطراف موجودة.
الطيب
:
كلنا موجودين.
الدكتور
:
بس للأسف ناقص أهم طرف في الموضوع.
قارون
:
مين؟
الدكتور
:
نونو.
قارون
:
نونو دي مين؟
الدكتور
:
الدليل المادي الوحيد في القضية كلها، دليل للأسف كان هنا هه في إيدي، وكنت خلاص
بكلمة منها عرفت الحقيقة دغري، إنما اختفت، دابت، تلاشت، عمالة تتجسد لي في ألف
مليون شكل وشكل، إلا نونو.
قارون
:
خلاص، نستدعيها.
الدكتور
:
ببساطة كده؟ طيب ده لو قدرتوا تستدعوها لا حيبقى فيه داعي لمحاكمة ولا صدق ولا
دياولو، كلمة منها الحقيقة تبان على طول.
قارون
:
ده ما اتخلقش لسه البني آدم اللي كلمة منه تخلي الحقيقة تبان. تطلع مين نونو دي؟
الدكتور
:
ما لو عرفناها اتحل الإشكال.
قارون
:
خلاص، لما نحتاجها نستدعيها.
الدكتور
:
يبقى اعمل معروف هاتها! ولو إني متأكد إن ما فيش قوة في الدنيا تقدر تجيبها.
قارون
:
إذا كان على الجيبان نقدر، بس نعمل اللي علينا الأول وبعدين إذا عجزنا نستدعيها،
دي زي ما بتقول معجزة، والواحد قبل ما يطلب المعجزة يعمل الأول كل اللي في
استطاعته، وبعدين يطلب. يبقى في الحالة دي يستاهلها، إنما احنا دلوقت ما عملناش
اللي يستاهل معجزات.
الدكتور
:
ما عملنا لما طلعت حبابي عنينا، نتعب نفسينا تاني ليه؟ ما تجيبوها ونخلص.
قارون
:
إفرض يا سيدي ما قدرناش نجيبها يبقى خلاص نفلس ونسكت؟ إفرض يا سيدي إنها اختفت
خالص، ماتت، انتهت، يبقى الحقيقة تموت رخره؟ إحنا نشتغل على إنها موش موجودة
نهائيًّا، وما فيش حتى أي أمل في وجودها.
الدكتور
:
أمال أنا من الصبح كنت باهبب إيه؟
قارون
:
إنت من الصبح كنت لوحدك فغرقت، دلوقت احنا نتعاون واحنا كثير. ما حانغرقش، حانقب،
وتقب الحقيقة معانا.
الدكتور
:
إيدي على كتفك يا سيدي، إيدي على كتفك.
قارون
:
خلاص نشكل المحكمة. أنا بصفتي أكبركم سنًّا حابقى القاضي، وانت يا دكتور لك صفة
الضبطية القضائية فتبقى المدعي العام. وعايزين حاجب، نخلي الجدع ده؛ إسمك صفر، موش
كده؟ نخليك الحاجب. موافق يا دكتور؟
الدكتور
:
موافق.
قارون
:
موافق يا صفر؟
صفر
:
لا، موش موافق.
قارون
:
حانديلك شلن.
صفر
:
وليه الإسراف ده كله يا كابتن.
قارون
:
معلهش، أصلي في حالة كرم شديد، موافق؟
صفر
:
لا؛ موش موافق.
قارون
:
الله! ليه؟
صفر
:
قاعدين تقولوا محكمة تانية وحساب تاني، بالطريقة دي تبقوا عملتوا إيه؟ طيب ما طول
عمر الكبير قاضي، وطول عمر المفتش مدعي عام، وطول عمر الساعي حاجب، يبقى ما عملناش
حاجة أبدًا، تبقى المحكمة العادية ما فيش أي فرق. إذا كنتوا عايزين تقلبوها صحيح،
إذا كنتوا عايزينها جد بقى، أبقى أنا القاضي.
قارون
:
إنت القاضي! إنت اتهبلت؟
صفر
:
ليه؟ وعيبها إيه أكون القاضي؟ إنتو موش عايزين تقلبوها.
قارون
:
واحد جاهل زيك يبقى القاضي؟ مستحيل!
صفر
:
ما هو يا تقلبوها وتبقى محكمة تانية، يا تحولوها لمحكمة باب الخلق وتخلصوا.
الدكتور
:
فعلًا، إذا كنا عايزين نقلبها صحيح، يبقى صفر يعمل القاضي، أنا موافق.
قارون
:
طيب والمدعي العام. مين يبقى المدعي العام؟
صفر
:
أنا برضه.
قارون
:
تبقى القاضي والمدعي العام؟
صفر
:
وعلشان خاطرك، والحاجب كمان من عندي.
قارون
:
عايز تبقى الكل في الكل؟
صفر
:
وماله؟ ما انتو رخرين كنتوا الكل في الكل.
الدكتور
:
تبقى احلوِّت قوي قوي، وبقت تستاهل الفُرجة. أنا موافق.
(صفر يصعد إلى حيث مكتب الدكتور ليجلس عليه.)
قارون
:
استنى يا أخينا، إحنا لسه وافقنا؟
الدكتور
:
ما هو ضروري توافقوا، إنتو موش جايين تنجدوني وتعملوا اللي انا عايزه؟ أنا عايز
كده.
قارون
:
بس ترضى إن صفر يبقى الكل في الكل؟
الدكتور
:
موش علشان أوصل للحقيقة؟ أرضى قوي. من أجل الحقيقة فلتحكم بيننا الأصفار.
قارون
:
يا دكتور.
الطيب
:
معلهش بقى يا … يا قارون … نجربه، وإذا ما نفعش نغيره.
قارون
:
آه يا عبيط؟ هو لو اتلايم على الكرسي ده وقعد عليه فيه قوة في الأرض حا تقدر
تقلقله؟ أمرنا لله. أُحكم وحاكم يا صفر.
صفر
:
أيوه، دلوقتي حا تشوفوا العدل اللي عمركم ما شفتوه، حا تشوفوا الحقيقة اللي
قاعدين تدوروا عليها وهي قدامكم خايفين تبصوا لها، حاتشوفوا صفر اللي طول عمركم
مستصغرينه حا يعمل إيه. محكمة (يقولها بصوت
الحاجب)، (يقف الجميع أو يعتدلون احترامًا،
فيتقدم صفر في وقار شديد، ويجلس إلى المكتب واضعًا في كبرياء ساقًا فوق
ساق) جلوس. اقعدوا. (ثم مقلدًا صوت
القاضي) نادي على المتهم الأول (ثم مقلدًا
صوت الحاجب) المتهم الأول (ثم للمجموعة
بارتباك) إلا بالمناسبة هو مين المتهم الأول؟
قارون
:
بتسألنا احنا؟ إنت موش الكل في الكل، إعرفه بقى يا سي كل في الكل.
صفر
:
تبقى انت المتهم الأول.
قارون
:
أنا؟
صفر
:
أيوه؛ إنت أنسب واحد يبقى المتهم الأول.
قارون
:
علشان إيه؟ دا أنا جاي انجد أبقى متهم؟
صفر
:
إنت موش جاي تنجد، إنت جاي تحوم حوالين الجريمة اللي ارتكبتها.
قارون
:
أنا ارتكبت جريمة؟
صفر
:
أكبر جريمة، أكبر من جريمة سيدنا آدم يا سيدنا قارون.
قارون
:
ليه، عملت إيه؟
صفر
:
إنت اللي ابتديت المصيبة دي كلها.
قارون
:
أنا؟ ابتديتها ازاي؟ إنت بتخرف تقول إيه.
صفر
:
من فضلك ما تطولش لسانك على عدالة المحكمة، ماذا وإلا أهفك حكم بأربعة وعشرين
ساعة حبس على طول، إتعدل بقى واتوزن واحترم نفسك.
قارون
:
الله! أمال إيه اللي قاعد تقوله ده؟ مصيبة إيه اللي ابتديتها.
صفر
:
إنت اللي ورثتهم الأرض. حصل وللا ما حصلش؟
قارون
:
وانا بانكر؟ أيوه حصل، ورثتهم الأرض صحيح، بس مالي أنا ومال المأساة اللي عاشوا
فيها؟ أنا قلت لهم اتخانقوا عليها؟
صفر
:
أنا ما قلتش، إنما الأرض قالت.
قارون
:
هي الأرض بتقول اتخانقوا عليَّ؟
صفر
:
أيوه، الأرض ما عندهاش إلا كلمة واحدة بس طول عمرها قاعدة تقولها للناس، إتخانقوا
عليَّ، زي ريحة الكباب ما بتحرك فينا الجوع، الأرض بتحرك فينا الطمع.
م. الثاني
:
إسمح لي يا عم صفر.
صفر
:
أنا لا عمك ولا انا صفر، قلنا احنا عدالة المحكمة. ما هو كل واحد يحترم نفسه يا
ما فيش محكمة ولا قضية ولا حل، نفضها بقى وكل واحد يروح بيتهم.
م. الأول
:
أنا عندي نفضها أحسن.
الدكتور
:
تفضوها؟ اسمعوا، إحنا موش بنلعب، إحنا اتفقنا على صفر القاضي يعني خلاص اتفقنا،
وإوعو تكونوا فاهمين إننا اتفقنا على كده هزار ولا علشان سواد عيونه؛ دا إحنا عملنا
كده غصب عننا، دا انتم جايين وجايبين لي قضية قعدتم تتطاحنوا عليها سنين ما انتوش
قادرين تحلوها، ولا ابوكم قدر يحلها ولا جدكم ده ولا حد من عيلتكم، وجيت انا أحلها
فغرقت معاكم. يعني بصراحة كده ما عادش قدامنا كلنا إلا صفر ده، فعايزين تطفولنا آخر
شمعة أمل؟ ده اللي حا يتجرأ ويعمل كده حا اطفِّي أنا حياته. حا اضربه بالنار، في
المليان، وموش باهوِّش، ده أنا يا اعمل كده يا حا اضيع بقى، حضراتكم جايين تجننوني
بحكايتكم المقندلة دي، وبعدين لما نيجي نرسى ليها على بر نبقى نفضها أحسن؟ يا أخي
ده إيه ده، ده بُعدك انت وهو. أنا قبل ما مخي يروح هدر وديني أضيعكم كلكم ويايا.
صفر القاضي والمدعي العام والكل في الكل، وحَنْسيبه يسأل ويبحث زي ما هو عايز، واللي
عنده كلمة يقولها، واللي ما عندوش يخرس، وانا واقف هنا (متناولًا المسدس) أضمن تنفيذ ده كله، دي موش استغماية بنلعبها مع
بعض، دي أرواح ناس وشقى ناس وعقول ناس ومصير ناس. كفاية بقى اللي عملتوه، سيبونا
نفك اللي عقدتوه. مفهوم كلامي، حد له اعتراض؟ (صمت
تام) خلاص، كمل يا سيادة القاضي.
صفر
(مستجمعًا نفسه)
:
أيوه، إحم، هيه (ثم لميم الثاني) كنت بتقول
إيه يا شاطر؟
م. الثاني
(متطلعًا إلى وجوههم، ثم كأنه قد وافق الدكتور على رأيه)
:
عندك حق يا دكتور، ما قدمناش إلا كده. (ثم مغيرًا
لهجته) وعمي — قصدي عدالة المحكمة — والله والله عندها حق، جدنا قارون
ده هو السبب. دول موش ٣٠٠ فدان اللي سايبهم، دول ٣٠٠ مصيبة ورثها ولادك وولاد
ولادك، المحكمة والله عندها حق، إنت عارف يوم موتك عملوا إيه؟ من قبل ما يدفنوك
والله، في الصوان ضربوا بعض على تقسيمها. ومن ليلتها اتقسمت العيلة أحزاب وابتدوا
يشتروا سلاح ونزلوا في بعض حرب. ليه؟ هي عمي الطاهر موش مات قتيل بسببها؟ عمي
الطانب أبو مهرة وخدم وحشم موش خد سنة في السجن على الأسفلت علشان شهد زور؟ إحنا
موش نشأنا لقينا لينا ولاد عمام عمرنا ما سمعنا عنهم؛ لأن من صُغرنا وهم بيحذرونا من
عمامنا وولادهم وكأنهم صهاينة؟ أبونا الطيب ده اللي كان هو وأخواته بيضربوا بيهم
المثل في الحب، موش مات مخاصمهم ومخاصمينه وما حدش فيهم مشي في جنازته؟ إنت تعرف
أرضك دي عليها كام قضية؟ لغاية دلوقتي ٧٥ كلها مرفوعة وحياتك من أخ على أخوه، ومن
ابن على أبوه، ومن أب على أولاده، ولسه احنا في جرايرها. ده موش مال قارون اللي
ورثناه ولا أرضه، دي لعنة قارون. روح يا شيخ إلهي ينتقم منك.
قارون
:
اسمعوا، سفالة موش عايز. أنا ذنبي إيه؟ إنتم فاكرين إني كنت باعمل الأرض
علشانكم؟
صفر
:
أمال علشان مين كنت بتعملها؟
قارون
:
دول ما كانوش في بالي خالص إني أورثهم أو أسيب لهم الأرض، ده انا حتى كنت متغاظ
إنهم حا ياخدوها من بعدي، أنا كنت باعملها علشان مزاجي.
صفر
:
علشان مزاجك؟
قارون
:
أيوه مزاجي، أمال إيه، هوايتي، موهبتي؟ أنا واحد من الناس اللي بيقولوا عليهم
عندهم موهبة جمع الثروة، موش علشان تئول لده أو ده، إنما علشانها هي نفسها. كانت
متعتي مزاجي إني أحط القرش على القرش والسهم على السهم يعملوا ربع قيراط، ما
استريحشي إلا أما يصحح وما ارضاش بيه أبدًا واحد، ولا ارضى بالجنيه جنيه واحد، ما ارضاش
بأي واحد أبدًا، ما استريحش إلا أما أشوفه قدام عيني بقى اثنين. أنا كده، فني
كده، موهبتي كده، الفلوس موش زي ما هي عندكم وسيلة، الفلوس غاية. الجنيه قيمته إنه
جنيه وإنه إذا أضيف له تسعة وتسعين يبقى ١٠٠ جنيه. تصور ١٠٠ جنيه. الله! حتى نطقها
حلو ١٠٠ جنيه. المتعة الكبرى موش اني آكل واشرب واتفسح، المتعة إني أشوف الفلوس وهي
بتكتر، والأرض وهي بتوسع، المتعة إني ماشي ماشي وانا حاسس إني ماشي في أرضي، المتعة
إني أفضل أعد في جنيهات، جنيهات ١٠٠ و٢٠٠ و٣٠٠ و٩٠٠ و١٠٠٠ جنيه، جربها مرة إنك تعد
ألف ورقة وتحس إن كل ورقة بجنيه وإنها كلها بتاعتك! دي متعة الدنيا الحقيقية، متعة
تخليك ماشي حافي جعان عريان موش هامك؛ لأنك زي أي عالم كبير واهب نفسك لمتعة أكبر.
م. الثاني
:
وأظن ده بقى اللي خلاك تطلع بالفايظ، وتشوي الناس الغلابة اللي كانوا بيروحوا
يستلفوا منك؟
قارون
:
ما حصلش، ده تشنيع المنافسين بتوعي زي تشنيعهم على أي راجل محترم أو ملو هدومه،
ده ما حصلش، مع إن شغلتنا دي زي أي شغلة تانية فيها الكويس وفيها الوحش، إنما أنا
شخصيًّا عمري ما دخلت على فلوسي جنيه واحد حرام، موش لأني كريم الخلق، إنما لأني ما
كنتش اقدر أضم لفلوسي جنيه واحد ما ربيتوش، وتعبت فيه من أيام ما كان قرش.
م. الثاني
:
خلينا معاك إنك كنت بتتمتع بس، ذنب أولادك وأحفادك إيه إنهم يدفعوا ثمن المتعة
دي؟
قارون
:
هم الغلطانين، أنا موش غلطان، ده الواحد بيتلقف إن أبوه يسيب له فدان، أنا سبت
لهم ٣٠٠ فدان، جريمة دي؟
صفر
:
من جهة جريمة، فهي جريمة.
قارون
:
ليه؟ ليه، ليه بس؟
صفر
:
لأني لما ابص ألاقي نفسي وارث فلوس وأرض ما تعبتش فيها، باخذ على طعم المال
الحرام، باخد على الحلاوة من غير نار. ببعزق فيها واصرفها بهوس لأني ما تعبتش فيها،
وتكون النتيجة إنها تخلص، والداهية بقا بعد ما تخلص باكون أنا راخر خلصت، خدت على
الفلوس اللي من غير شقا وعرق وبقى كل تفكيري علشان أجيبها إني أجيبها من طريق سهل،
من على ترابيزة قمار وللا اختلاس وتزوير وللا حتى قطع الطريق والسطو.
قارون
:
جايز مظبوط اللي بتقوله، بس برضه أنا مالي؟ أنا ما كنتش اقدر اعمل إلا كده. وللا
كنت عايزني أعمل إيه؟ أوهبها لغيرهم؟ موش هم أولى من الغريب؟
صفر
:
لا؛ كنا عايزينك بدل ما كنت قاعد تربي في فلوسك وتكترهم، تربي بالمرة ولادك.
قارون
:
وإذا كان ربنا خلقني أعرف أربي الفلوس، إنما ما اعرفش أربي الولاد، أعمل إيه؟
صفر
:
كنت ما تخلفش، ما دام موش قادر تربيهم تخلف ليه؟ مين بقى أولى منك بتربيتهم، بقى
تربي الأرض وتسيبها لأولاد موش متربيين؟
قارون
:
أمال كنتم عايزين ده كله ما يحصلش، لا أنا أعمل الأرض ولا هم يتخانقوا عليها؟ ما
الدنيا كده.
صفر
:
لا؛ عايزين نعملها دنيا برضه، بس عايش عليها بني آدمين، بني إيه؟ بني آدمين. فهمت
دي رخرة وللا ما فهمتهاش؟
قارون
:
ما فهمتهاش.
صفر
:
يا أخي عنك ما فهمتها. المتهم الثاني (ثم مقلدًا صوت
الحاجب) المتهم الثاني؛ محمد الطيب محمد قارون.
الطيب
:
موجود.
صفر
:
إنت يا حاج، إنت موش حاجج برضه؟
الطيب
:
الحمد لله، عقبالك.
صفر
:
يبقى عندك تلات تهم، آخرها إنك حجيت.
الطيب
:
إنت حا تكفر وللا إيه؟ هو الحج تهمة؟
صفر
:
في حالتك تهمة، غش، تزوير، ٥ سنتي عسل من فوق وش البرميل، والباقي زفت.
الطيب
:
وانا عملت كده؟
صفر
:
وأزفت من كده. بقى يا راجل ٥٠ سنة عشتهم على ضهر الدنيا تقضي منهم ٣٠ سنة تحارب
في اخواتك؟ وانت برضه ماسك لي سبحة ونازل تسبيح؟ ٥ فدادين جم غلط في نايبك تتمسك
بيهم لدرجة الكفاح المسلح بالنبابيت والبنادق، لدرجة إنك تبيع معظم أرضك علشان تصرف
على القضايا والمعارك ليه؟
الطيب
:
ما تظلمنيش أرجوك. أنا كنت طول المدة بادافع عن نفسي، فأنا مجني عليه.
صفر
:
ومين يا سيدي الجاني؟
الطيب
:
إخواتي.
صفر
:
تبقى برضه إنت الجاني.
الطيب
:
بقى أنا يا اللي بادافع عن نفسي تساويني مع واحد عايز ينهبني، المسألة موش حتة
أرض بتخانق عليها، المسألة حقي اللي ما اشوف أي حد بيعتدي عليه لازم أوقفه عند حده.
صفر
:
المسألة عايزة الدخول في الغويط شوية. رد علي يا دكتور تالت، يا ابنه.
الطيب
:
أمال أبقى راجل ملو هدومي واسيب حد ياخد أرضي؟ أي حد، عمي وللا خالي وللا أخويا
ابن أمي وأبويا؟ دي أرضي يا ناس هي حقي، وحقي هو انا، هو كياني وكرامتي وشرفي، أي
تفريط فيه كأني بافرط فيهم.
م. الثالث
:
بس إيه رأيك يا بابا إن أحيانًا بتكون الرجولة بين الأخوات إنك تفوت؟ إنك تسيب
أخوك اللي عاميه الغضب والطمع يعتدي عليك وياخد ساعتها اللي هو عايزه، بدل ما تقف
له وتغضب انت راخر وترد على الطمع بجشع يزود غضبه. أصله موش غريمك، ده أخوك. ما
تسكتش ليه وتسيبه يعمل اللي هو عايزه؟ تأكد تمام إنك بعد شوية حا تلقاه فاق وحس إنك
عاملته ساعة غضبه وعماه كأخ، فتتيقظ الأخوة فيه، وبيجي لك عينه مرغرغة بالدموع
وندمان. بيتهيألي يا بابا إن الأخ هو الشخص اللي تعامله كأخ تحت أي ظرف، بالذات في
الظروف اللي هو ما يكونش طبيعي فيها؛ لأنك إذا ساعتها عاملته كخصم حا ينقلب عليك
خصم على طول. بيتهيألي يا بابا، بيتهيألي كده، إن الأخوة موش دم ولا قرابة، الأخوة
معاملة، لو عاملت أي حد في الدنيا كأنك بتعامل أخوك على طول حيصبح أخوك، ولو
عاملت أخوك زي الغريب على طول حينقلب خصم وغريب.
الطيب
:
وليه أبقى انا البادي على طول؟ ليه ما يكونش هو البادي.
م. الثالث
:
لإنك أخوه.
الطيب
:
طيب ما هو راخر اخويا.
م. الثالث
:
ما هي الجدعنة في الأخوة اللي يسبق ويبتديها.
صفر
:
خدوا الحكمة من أفواه المجانين صحيح، آدي التهمة الأولى.
الطيب
:
والتهمة التانية؟
صفر
:
معلهش، المحكمة نسيتها. (لمفتش الصحة) لا مؤاخذة
يا سعادة البيه، قول له عليها.
الدكتور
:
أقول إيه؟ دي موش تهمة، دي نكتة، دي مهزلة، دي كارثة. بقى يا راجل بعد ما تقعد ٣٠
سنة فاشل كأخ ما تستفيدش من الدرس اللي حصل بينك وبين إخواتك على الإطلاق؟ تعيش طول
عمرك محروم من اخواتك؟ وبعدين تيجي تكرر نفس الغلطة مع اولادك، نفس الغلطة.
الطيب
:
نفس الغلطة ازاي يا دكتور؟
الدكتور
:
هو اللي حصل بينك وبين إخواتك سببه إيه؟
الطيب
:
سببه ضلالهم وخراب ذمتهم.
الدكتور
(مقاطعًا)
:
سببه إيه؟ على إيه الخناقة دارت؟
الطيب
:
على الأرض اللي سابها أبونا، بس دول …
الدكتور
(مقاطعًا)
:
وانت سبت لاولادك إيه؟
الطيب
:
قصدك الفلوس يعني؟
الدكتور
:
بالضبط قصدي الفلوس، بدال ما يتخانقوا على الأرض، بقت الخناقة على إيه؟ على
الفلوس.
الطيب
:
كلام إيه اللي بتقوله ده؟ هو أنا عملت إلا اللي بيعمله الأبهات في كل زمان ومكان،
أيوه سبت لهم فلوس وكان لازم اسيب لهم حاجة. الله! ما الدنيا ماشيه كده. الناس دي
كلها بتشتغل ليه ومكهربة ليه وبتحوش ليه وبتأمن على حياتها ليه؟ موش علشان خاطر
يسيبوا لاولادهم حاجة؟ تبقى الدنيا دي كلها غلطانة يعني؟ وانتم بقى مش تحاكموني انا
لوحدي، ده في العالم على الأقل ٥٠٠ مليون أب لازم تحاكموهم معايا، دي موش تهمة ولا
نكتة؛ ده قانون.
صفر
:
إلحقنا يا تالت رد على أبوك.
م. الثالث
:
هو قطعًا عنده حق. لا هو أول واحد عمل كده ولا آخر واحد، وله زي ما بيقول ٥٠٠
مليون شريك في الجريمة، إنما نقول إيه نقول الحياة ماشية غلط يقولوا علينا مجانين،
نقول الدنيا كلها عايزة تتغير يقولوا ده لازم يروح المورستان، برضه موش عارف أرد
عليك، وأقول لك وأقول للخُمسميت مليون اللي معاك إيه يا بابا؟ أقول بدال ما تسيبولنا
فلوس نتخانق عليها ونبهدل بعض سيبولنا كلمة حلوة نتعلمها ونقدمها للناس،
سيبولنا خبرة تنفعنا، تجربة، درس، سيبولنا قيمة زرعتوها فينا أبسط قيمة، حتى
الأخوة، ضرورة إن الواحد لازم يكون له أخ، القيمة اللي اتحرمت منها يا بابا كنت
علمهالنا.
الطيب
:
وانا كنت نبي يا ابني علشان دونًا عن بقية الناس أعمل حاجة ما بيعملهاش حد أبدًا؟
إنما أقول لك إيه بس؟ يمكن ما تصدقش إنما ورحمة أبويا قارون ده حصل، قبل ما اموت
بيجي خمس دقائق، لما انكتم نفسي وحسيت إني حالًا حَمُوت وانا يا دوبك باتشاهد على
روحي، في ثانية ما اعرفش من إيه يمكن من الرعب، مرت حياتي كلها قدام عيني، وانتو
بالذات مريتوا، من يوم ما تولدتوا لغاية ما كبرتوا. وحسيت وانا شايفكو فايتين إني
حزين؛ حزن جامد قوي لوحده يموِّت ويطلع الروح، موش حزين على نفسي إني حَمُوت حزين
عليكم انتو، حزن ما عرفتلوش سبب ساعتها، إنما بيتهيألي إني دلوقت بس عرفت، دلوقت
وانا شايفك يا تالت يا ابني بتتكلم وبتقول حاجات وأفكار عمرها ما خطرت لي على بال،
دلوقت بس حسيت إني كنت باعاملكم كأنكم حاجة أنا صاحبها، كأنكم ملكي، كنت مالككم موش
ابوكم. فرق كبير بين إني أبقى أبو ولادي وبين إني أبقى مالكهم وللا صاحبهم، الأبوة
موش حق مقدس، ده واجب، مظبوط واجب، الأبوة باللي بيعمله الأب ويستحق عليه لقب أب،
أنا كنت كأني صاحب حق خايف لضيع منه، خايف لتروحوا مني والناس تنهبكم، فكنت عايز
أعمل لكم سور أرض وللا سور فلوس علشان تفضلوا حتى بعد ما اموت ولادي أنا، عايز
ملكيتي إنها تمتد حتى بعد موتي، أنانية. أبشع أنواع الأنانية اللي بتسموها أبوة دي،
أنانية بقت قانون علشان نغيره لازم زي ما بتقول يا تالت يا ابني نغير نظام الكون،
فمين بقا اللي يقدر يغير نظام الكون؟ البركة فيكو بقى وللا في ولادكم لإن باين إن
انتو روخرين طالعين لنا وزيكو زينا ضحية أوضاع ما حد خد رأيكم فيها.
صفر
:
قربنا شوية يا دكتور.
الدكتور
:
قربنا؟ وانا حاسس اننا بنبعد. الظاهر على قد ما بنقرب بنبعد.
م. الأول
:
قربنا إيه وبعدنا إيه؟ وإيه الحكمة اللي نازلة ترف عليكم دي؟ إنت يا بابا لا
مؤاخذة بتخرف بتقول إيه؟ إيه اللي ولادي وانا مالكهم موش أبوهم؟ إيه اللي أبشع
أنواع الأنانية قال ويسموها أبوة؟ إحنا فين؟ في جلسة تحضير ملايكة وأرواح؟ تكونوش
نسيتوا إننا بني آدم؟ تكونوا نسيتو احنا مين وعايشين فين؟ إحنا هنا يا ناس على
الأرض مخلوقين من طين وعايشين على التراب، وبناكل ونشرب ونكرع. الكلام اللي بتقولوه
ده ينفع لكتب الإنشا والتربية والأخلاق، إنما علشان البني آدمين يعيشوا به، يفتح
الله!
صفر
:
مين أذن لك تكلم يا أخينا؟
م. الأول
:
أذن لي الكلام الفارغ اللي قاعدين تقولوه، ما اقدرش اسمعه واسكت.
صفر
:
ما اقدرش لما ييجي دورك اكلم، ودورك جاي حالًا، إنت المتهم الثالث.
م. الأول
:
متهم ثالث أو محكوم عليه أنا يهمني؟ المهم اني أرد لكم عقلكم، إني أفوقكم من
الدوشة اللي سايحين فيها دي.
صفر
:
قلنا ممنوع الكلام من غير إذن، امنعه يا دكتور من الكلام.
الدكتور
:
من فضلك، إحترم النظام واسكت.
م. الأول
:
ما انا ساكت بقالي سنين وسايبكم تتكلموا، كفاياكم بقى، سيبوني بقا أقول اللي في
نفسي.
صفر
:
امنعه بالقوة يا دكتور. لازم النظام يُحترم.
الدكتور
(ملوحًا بالمسدس)
:
قلنا تسكت يعني تسكت.
م. الأول
:
اضرب، يا ريتك تضرب وتريحني، أنا مستبيع، الجدع ياخد أجلي.
الدكتور
:
خلاص، نسيبه بقى يتكلم.
صفر
:
إنت عايز متهم زي ده يفرض على المحكمة إرادته؟ ده مستحيل.
الدكتور
:
أنا رأيي نسيبه يتكلم.
صفر
:
رأيك؟ هو حد هنا له رأي غيري؟
الدكتور
:
وله يا صفر، إنت حَتعمل علي أنا كمان محكمة؟
صفر
:
عليك وعلى اللي أتخن منك، كل واحد يحترم نفسه ويعرف مركزه كويس.
الدكتور
:
ده أنا اللي معينك يا واد.
صفر
:
إنت رشحتني، وما دام كلهم وافقوا يبقى انا هنا باسم الأغلبية، باسم الشعب، أنا
السلطة العليا، وانا معايا الحق ورزقي على الله.
الدكتور
:
ولا تسأل فيه يا أول، إتكلم.
صفر
:
بتتمرد على هيئة المحكمة؟ اعتبر نفسك مرفود. أما انت يا أول فإذا أصريت على
الكلام غصب عن المحكمة، فانت حر، اكلم إنما كلامك حَيُعتبر خارج الرول، كأنه ما حصلش.
م. الأول
:
وانا يهمني؟ أنا حاكلم ولو حتى ما حدش سمعني خالص، أنا بقالي سنين عمال بالاطف
واسايس وافوت وآجي على نفسي وأقول بكرة يفهموني، لا حد فهمني ولا حد عذرني، بالعكس
لاقي نفسي المتهم في نظر الكل، الجاني اللي فاتح ضبه في المعارضة في الأرض، من غير
ما تقولوا أنا عارف إنها في الآخر حترسى إني ابقى المجرم والمسئول. إنتو عايزين
تقولوا إيه؟ بتتهمني بإيه يا تاني؟
م. الثاني
:
هي تهمة؟ دي حقيقة. طمعت في أرض وخدتها وجاي بكل ندالة تدخل أخوك المستشفى علشان
تنهب أرضه؟
م. الأول
:
إيه رأيك بقى إني معترف إن ده حصل، معترف إني استغليت فرصة عياك وخدت أرضك، وإني
جايب الثالث النهارده علشان أغدر به وآخذ أرضه، استريحت دلوقت؟
م. الثاني
:
أيوه كده إظهر وبان على حقيقتك. إظهر وبان، أمال ساكت من الصبح ليه؟ وقاعد عمال
تلاوع وتكدب وتكابر وتنكر.
م. الأول
:
علشان من غير ألم تفوت، قاعد أدي في حقن بنج علشان تمر، إنما خلاص بقى، خليها
بألمها وقرفها، خليها بعبلها، خلي كل المستخبي يبان. كنت عايز أخدره قبل ما اعمل له
العملية، عارف إنها مؤلمة وبايخة وسخيفة، إنما لازم أعملها. وعلشان كده، علشان
باحبه، علشان موش عايزه يتألم لأنه من طينة غير طينتنا؛ طينة ما تخلقتش للألم، قلت
أدخله المستشفى، وآخد منه الأرض من غير ما يحس.
م. الثاني
:
أنا موش مصدق وداني ولا عنيه، ده لازم الدنيا جرى لها وللا حا يجرى لها حالًا
حاجة، بقى عشت لليوم اللي اشوف فيه محمد الأول بلسانه بيعترف على نفسه يا ناس!
معقول؟ ده انا من كتر ما كان بيسْبُك كلامه ويبرر تصرفاته، كنت في مرات بَشُكِّ في
نفسي وأقول يمكن انت يا واد الغلطان، ما يمكن انت ظالمه. أقسم بالله معجزة، والله
حاجة تهوس، أنا لازم أكيد باحلم.
م. الأول
:
أبدًا، لا بتحلم ولا بتفقر، إنت صاحي، ونا صاحي، وكلنا صاحيين، أيوه يا تاني ويا
تالت، أيوه يابا ويا جد، أنا باعترف أهه إني لجأت لأخس الطرق علشان آخد بيها أرض
إخواتي، كانوا يقدروا ما يحوجونيش للف والدوران والخداع ده كله ومن نفسهم يدوهالي،
إنما هم رخرين من الناس اللي فاكرين إن الأرض للشخص المكتوبة باسمه، أنا الأرض عندي
للي محتاجها، وانا كنت ولا أزال محتاجها، ده موش بس أدخله المستشفى، ده أنا مستعد
أسجنه، أسلط عليه، أعمل ما لا يُعمل علشان أوصل لغرضي. ما حد يسألني أنا باعمل كده
ليه؟ أنا لا مجرم ولا نصاب ولا زي جدي غاوي فلوس، أنا بس بافترض فرض بسيط قوي،
بافترض إني بكرة صحيح جات لي ذبحة زي اللي جات للمرحوم أبويا الطيب ده ومت، أنا
مراتي ست بيت عادية زي أي بيت، ما تعرفش تشتغل حاجة أبدًا، وأولادي أكبر ما فيهم
عنده تسع سنين، فيعملوا إيه؟ يعملوا إيه في الدنيا اللي احنا عايشين فيها دي موش
اللي بتكلموا عليها؟ لا؛ الدنيا الحقيقة اللي ما لوش بيت فيها بينام على الرصيف،
واللي ما معهش تعريفة ما يقدرش يشتري رغيف، يعملوا إيه إلا إنهم ينزلوا الشارع؟
عارفين الغول اللي بياكل الشرف والكرامة والأعراض والأرواح؟ عارفين الشارع اللي
القانون فيه هو الدراع والدراع ماسك سكين والوحوش فيه بيسموها بني آدمين؟ ولادي
ومراتي يعملوا إيه فيه؟ حتى لو عازوا يشحتوا الشحاتين نفسهم حيبهدلوهم. وما دام
الحرب حتِحْصل حتِحْصل، فيبقى بدل ما يحاربوا هم بعدي وهم ضعفا وعاجزين، أحارب لهم
أنا وانا عايش، وما دام حَسْرق حَسرق فمين أولى من إخواتي إني أسرق منهم؟ وما دام
حا نصب حا نصب فمين أولى من إخواتي أنصب عليهم؟
م. الثاني
:
ويرضي راجل طويل عريض زيك يأكل مراته وعياله مال حرام جايبه بطرق خسيسة؟
م. الأول
:
ما هو يا كده يا يموتوا من الجوع، يموتوا؟
م. الثاني
:
أنا عندي الموت من الجوع ألف مرة أحسَن.
م. الأول
:
لو مخلف ما تقولش كده أبدًا، لو تصحى من النوم تلاقي قدامك خمس عيال وللا حتى عيل
واحد صغير، ومسكين، ويادوبك بيعرف ينطق الكلمة وتمام شبهك، وطالع من عينيه حاجات
تكهرب حاجات جواك، لو تصحى وتشوفه وتتصور ازاي ممكن يجوع بعدك وما يلقاش غطا ولا
هدوم ويعيا ويكح ويموت وما يلقاش دوا، فساعتها موش تهون عليك نفسك، يهون عليك إنك
تعمل بنفسك دي أي حاجة علشان ما يحصلوش كده، أنا موش كنت ابوكم، أنا كنت حيا الله
أخوكم، وانتو ما كنتوش صغيرين ولا جعانين، كنتوا كبار وعايزين فلوس موش تاكلوا
بيها، إنما تتعلموا بيها، ومع كده كنت مستعد انقلب مجرم ونصاب علشان أعيشكم وأكمل
لكم تعليمكم، دلوقت آدي إنتم شايفني فعلًا اتقلبت نصاب ومجرم، وعلى مين؟ عليكم انتم
يا أغلى الناس عندي، موش لحسابي والله، لحساب الصغيرين دول. لحسابكم انتم لما كنتم
صغيرين، لحساب أي صغيرين. واحنا قدهم خلينا أبونا باع الامتحانات، وهم دلوقت مخليني
أجر أخويا حبيبي علشان أغدر بيه، وكل ده من غير ما ينطقوا ويقولوا عايزين، لو بس
يعرفوا ينطقوا ويقولوا عايزين؛ نروح منهم فين؟
م. الثاني
:
يا أخي طيب اتعظ شوية، ده حتى لو عذرناك ما نتاش شايف إن الطريقة دي ما بتضمنش
مستقبل حد، ما ابوك جه يضمن مستقبلنا بطريقتك دي ضيعه. ده يكفيك تاريخ عيلتنا علشان
يوريك إن المصايب ما بتحصلش إلا لما الأب اللي زيك بيحاول يحافظ على ولاده، ويجمع
لهم أرض وللا فلوس. اتعظ يا أخي من اللي انت شايفه.
صفر
:
اعذره، يمكن راخر ما فهمش.
م. الأول
:
بالعكس، أنا شايف وفاهم كويس. وأكتر من كده متأكد إنه كلام صحيح، مظبوط. إحنا ما
ضيعناش إلا كده. وعارف إن لما حاسيب لأولادي الأرض حيحصل لهم تقريبا نفس اللي
حصل لنا، إنما ما اقدرش اسكت أو اتراجع عن اللي بعمله.
صفر
:
أما غريبة! بقى تبقى عارف إن اللي بتعمله غلط وبرضه تعمله؟
م. الأول
:
ما هو ما دام مستحيل أسيب ولادي للشارع، ولازم أعمل لهم حاجة حتى لو عارف إنها
غلط حعملها، ده واجبي، ما يهمش نتيجته إيه؟ إنما لازم اعمله.
صفر
:
طيب يا أخي ما تدور على حاجة صح تعملها.
م. الأول
:
منين الحاجة الصح دي؟ دلني عليها.
صفر
:
وإذا دليناك، تعملها؟
م. الأول
:
برضه ما اعملهاش إلا إذا جربها ناس غيري وعملوها ونجحت معاهم. وموش بس غيري ده
لازم ناس قبلي، لا بد يكون أبويا عملها وصحت معاه، ما انا لازم أعمل حاجة مية مية
مضمونة، ماذا وإلا أفضل اعمل اللي بتسموه غلط ده على طول.
صفر
:
حد يا ابني يفضل يعمل الغلط لمجرد إن الناس بتعمله؟ لمجرد إن الصح ما حدش قبله
جربه؟ في شرع مين يحصل كده؟
م. الأول
:
في شرع البني آدمين، البني آدمين كده، الناس عارفة إن السجاير مضرة ومع كده
بتشربها ليه؛ لأنهم بيشوفوا الناس بتشربها. هات لي حاجة واحدة الناس ما بتعملهاش
لأنها في حد ذاتها مضرة، أي حاجة مضرة موش مضرة الواحد بيفضل يعملها مهما اتقال
عليها لغاية ما الناس تبطل تعملها فيبطل يعملها. أنا عارف إن اللي باعمله غلط،
دلوقت بالذات اتأكدت تمام إنه غلط، متأكد إن الكام فدان اللي حا اسيبهم لأولادي حيكرروا
نفس المأساة، وفي يوم لا بد واحد فيهم حا يبقى مكتف التاني وعايز يزيحه من
طريقه علشان ياخد نايبه، إنما صدقوني لما بقول لكم إني موش قادر أمنع نفسي، موش
قادر أبطل اللي باعمله، حَفْضل ورا التالت لما بالرضا أو بالجريمة آخد أرضه، وحَفْضل
ورا العشر فدادين لما حخليهم بأي طريقة عشرين. إذا كنتم عايزين تحاكموني
فحاكموني بقى على كده، على عجزي ده، على البني آدم اللي فيه واللي في كل الناس،
اللي يبقى عارف الغلط وموش قادر يمنع نفسه عن ارتكابه. أرجوكم أنا باكلم جد،
حاكموني واحكموا عليَّ، عاقبوني، اعملوا أي حاجة أحس بيها إني بَكفر، إن الألم اللي
جواي اللي طابق على زوري وخانقني بيقل ويخف، أي حاجة أرجوكم.
صفر
:
إحنا من الصبح اتفقنا إن ما فيش عقاب، واحنا عند كلمتنا، عقابك إن ملكش عقاب.
م. الثالث
:
ده في الحالات دي يبقى أشنع عقاب، فإيه الجريمة اللي ارتكبها علشان يعاقب بالشكل
ده؟
م. الثاني
:
وانت كمان اللي بتقول كده؟ ده كفاية يا أخي اللي عامله فيك النهارده.
الدكتور
:
يا صفر أنا معايا المسدس.
م. الثالث
:
بس هو في حالتي انا بالذات ما خدعنيش ولا ضللني، ولا عمل حاجة من دي خالص.
م. الثاني
:
إزاي بقى الكلام ده.
م. الثالث
:
دا الحقيقة أنا اللي خدعته وخليته إنه ممكن يدخلني المستشفى.
صفر
:
إنت خدعته وللا هو اللي خدعك؟
م. الثالث
:
أنا، أنا نفسي كنت عايز أروح المستشفى واستعملته كوسيلة.
صفر
:
إنت؟
م. الثالث
:
أيوه انا.
صفر
:
طب وتعمل كده ليه؟ حد يعمل كده؟ على رأيك حد يحب يخش مستشفى أمراض عقلية هنا؟
م. الثالث
:
أنا؟
صفر
:
ليه، علشان إيه؟
م. الثالث
:
لأني أنا الجاني الحقيقي. إنتو موش بتدوروا على الجاني، أنا الجاني.
صفر
:
جاني، جنايتك إيه؟ يا ترى انت راخر عملت إيه؟ الظاهر ياما لسه حا نشوف من ولاد
قارون.
م. الثالث
:
أنا جنايتي كبيرة قوي، شاملة، بعدد كل حرف اتعلمته، وكل قانون من قوانين الكون
عرفته، وكل سطر من كل كتاب اطلعت عليه.
صفر
:
إيه ده كله، ليه؟ إنت عملت إيه؟
م. الثالث
:
هربت. ساعة الجد هربت من دوري ومنكم، في وسط المعركة بدل ما اضرب فريت واستخبيت
جوة نفسي.
صفر
:
بس لو ما كنتوش تستعملوا الكلام اللي ما بيفهموش حد ده؟ وحتى إذا الناس فهمته
عبال ما توصل لمعناه يكون المعنى طار. استخبيت جوة نفسي لما ذاتي حوصرت وانعزلت عن
الذوات الأخرى. يا أولاد الذوات اللغوية إنتو، ما تقول لنا ببساطة يا أخي قضيتك،
على رأيكو، إيه؟
م. الثالث
:
ما هي المصيبة إن ما لياش قضية حتى ولو خسرانة، حتى لو قضية باطل. أنا من غير.
أنا جريمتي كبيرة قوي، أنا العين اللي الحياة قعدت عشرة مليون سنة علشان تعملها،
فلما عملتها اختارت إنها تغمض، وإذا فتحت تدعي إنها موش شايفة، وإذا شافت تدعي إنها
موش عارفة، وإذا عرفت تشكك في اللي بتعرفه. أنا اللي حاطط الكلمة فوق الإنسان،
والقانون فوق الحياة، والقيمة المثالي بمعنى إني عايز كل الناس تبقى مثلي. أنا اللي
موش عاجبه حد والنتيجة إنه مش عاجب جد.
أنا اللي من كتر لومي لنفسي أدمنت الغلط، ومن كتر ما انا عايز اعمل حاجات ما بعملش حاجة خالص، ومن شدة تصميمي عايش متردد.
أنا اللي من كتر لومي لنفسي أدمنت الغلط، ومن كتر ما انا عايز اعمل حاجات ما بعملش حاجة خالص، ومن شدة تصميمي عايش متردد.
صفر
:
أيوه، بس إيه اللي حصل وخلاك تفر وتستخبى زي ما بتقول؟
م. الثالث
:
الحريقة زادت.
صفر
:
حريقة إيه؟
م. الثالث
:
اللي انا دخانها.
صفر
:
برضه ما فهمتش.
م. الثالث
:
الحريقة بين الأرض الكبيرة والناس الصغار. بين الحاكم والمحكوم والمحكومين
والحكام، بين الظالمين لأنهم مظاليم، والخايفين من ناس خايفين، بين العلم والدجل،
بين الحقيقة والكدب. الكدب عيني عينك وفي وشك وبالبنط العريض، ويا ويلك لو قلت تلت
التلاتة كام.
صفر
:
برضه وحياتك انت ما فهمت.
م. الثالث
:
المهزلة الأرضية! كنت عايز أبقى المتفرج الوحيد على المهزلة الأرضية بس اندمجت
قوي، وولعت النار، أنا مأساتي.
صفر
:
مأساتك إيه بقى؟ ما انت لسه مسميها مهزلة.
م. الثالث
:
ما هي مهزلة الناس، إنما مأساتي أنا.
صفر
:
إيه هي الحكاية اللي بوشين دي؟
م. الثالث
:
حياتنا.
صفر
:
بيعجبني والله لعبكم بالكلام ده، حريفة كلام بشكل! الواحد منكم ما يسبش المعنى
إلا وهو ماسكه في خانة اليك. تقدر تقول لي من غير حرفنة كده إيه اللي قومها في
دماغك، وخلاك تعمل العملة دي؟
م. الثالث
:
ما قدرتش اصمد. أعمل إيه؟ لا قادر أعملها زي ما أنا عايز ولا عارف أعيش فيها زي
ما هي، لا أنا البطل علشان أغيرها ولا أنا أرضى إنها تغيرني.
صفر
:
والنبي تسهلها علينا وعلى نفسك يا شيخ.
م. الثالث
:
أقول لكم إيه بس؟ أقول لكم كنت عايش مغمض فتحت مرة، وسألت لقيت طريق السؤال صعب،
إنما في نفس الوقت لقيتني موش عارف ارجع وأغمض تاني، لا انا عارف أرضى ضميري ولا
قادر أسكته وارشيه، ما عادليش مكان بينكم ومكاني الحقيقي عالي. عايز صفر، لا أنا
شجاع علشان أقدر أنتحر ولا جبان علشان أقدر أعيش، لا جريء علشان أسأل ولا عبيط
علشان ما اسألش، فكل اللي قدرت أعمله إني أروح مع اللي ما بيسألوش. موش عن خوف أو
جبن إنما عن مرض، مع المحرومين، مع القدرة على العقل والسؤال، أروح من غير شماتة،
لا انا شمتان فيكم ولا عايزكم تشمتوا في، لا انا باعيركم بخيبتكم ولا انتم تعايروني
بقصر ديلي. ليكم حياتكم السعيدة المزعومة، ولي ديني.
صفر
:
تعرفش تقول لي يعني باختصار كده وانت محيرنا كلنا؟ حتى الدكتور الغلبان محيره
معاك. إنت عاقل وللا مجنون؟
م. الثالث
:
بعد كل ده ما عرفتش؟
صفر
:
يمين بالله ما عرفت.
م. الثالث
:
يبقى بقى تقدر تسميني العاقل جدًّا إلى درجة إن الناس فاهمة إنه مجنون، أو
المجنون جدًّا إلى درجة إنه فاهم إنه عاقل.
صفر
:
سلمت لك مارس خشب الله وكيل. أعمل إيه بقى؟ أصل الخيبة القوية إن المحكمة موش
متنورة، قليلة الوعي لا مؤاخذة، إنما المحكمة برضه حاسة إن كلامك يترد عليه، يمين
بالله لازم له رد، ما تشد حيلك يا سعادة البيه وتعمل مثقف مرة وآدي إنت أهه لابس
نضارة وترد عليه. قول له والنبي كل الكلام اللي المحكمة عايزة تقوله وموش عارفة.
الدكتور
:
إشمعنى دلوقت سعادة البيه؟ نسيت إنك السلطة العليا واسم الأغلبية والشعب.
صفر
:
معلهش، أصل العتب على الكرسي، امسحها في دقن صفرك الغلبان اللي مالوش إلا ربنا
وانت.
الدكتور
:
أصل عيبي إني طيب. والحقيقة عايز فعلًا أرد وأكلم. حاكم أسهل حاجة عند الثوالث
دول إن الواحد منهم يتهم نفسه، أسهل حاجة إنه في صمت وكبرياء ينعزل ويحتج حتى في
حياته الخاصة، يشوف اخوه عيني عينك بيتآمر عليه وعايز ياخد أرضه، فبرضه في صمت
وكبرياء ينطوي ويحتج، بل أكتر من كده يجاري أخوه في كل اللي عايز يعمله، لدرجة
توصله إنه يدعي إنه مجنون علشان يسهل له المأمورية، إحنا للأسف كل واحد فينا عبقري
في الدفاع عن نفسه ولوم الآخرين، هو العكس على طول الخط.
صفر
:
يعني خلاص؟ وصلت للحقيقة دلوقت واتأكدت إنه موش مجنون زي ما كنت عايز؟
الدكتور
:
مين قال إني اتأكدت؟ أنا كنت باتكلم عن شخصيته، الشخصية اللي العلم رقى إحساسها
لدرجة تقارب ضمير المتدينين المتصوفين والقديسين، شخصية زي دي صعب عليها قوي إنها
تعيش في مجتمع النجاح فيه للفهلوة والحداقة والفتونة وشغل البرمجية والعصابات. مين
عارف جرى لها إيه؟ مين عارف مدى التخريب اللي حصله؟
م. الثاني
:
أنا عارف يا دكتور أنا عارف، ده أعقل مننا كلنا، ده قبل ما يجنن يكون واحد زيي
اجنن ألف مرة.
صفر
:
طيب بقى انت بالمناسبة اجننت وللا لسه؟
م. الثاني
:
والله اللي تشوفه.
صفر
:
أنا رأيي انت لا اجننت ولا حتجنن، إنت بس مهفوف.
م. الثاني
:
الله يسامحك.
صفر
:
دي موش شتيمة.
م. الثاني
:
وإن كانت، الله يسامحك برضه، أنا في رأي الأول جبان، وفي رأي البوليس منفعش،
وفي رأيك مهفوف. الله يسامحكم.
صفر
:
دا انت موش مهفوف وبس، ده وعليك البشارة إنت المتهم الرابع كمان.
م. الثاني
:
أنا؟ متهم؟ بإيه لا قدر الله؟
صفر
:
بلسته طويلة أولها قطع الخلف عند عدالة المحكمة، وآخرها إنك وقفت في طريق الشر
عايز تمنعه.
م. الثاني
:
ومنع الشر تهمة؟
صفر
:
دلوقت يا ابني بقت تهمة. الدنيا تطورت خالص وشهامتك دي بقت رجعية؟ أخوك ده راضي
وأخوك ده راضي، مالك انت بقى ومالهم يا أبو الرعاش؟
م. الثاني
:
أمال كنت عايزني أسيبه يوديه المستشفى؟
صفر
:
وماله حيجرى إيه؟
(ستار)