القول في المادة والصور
وكلُّ واحد من هذه قوامه من شيئين: أحدهما منزلته منزلة خشب السرير، والآخر منزلته منزلة خلقة السرير. فما منزلته منزلة الخشب هو المادة والهيولى، وما منزلته خلقته فهو الصورة والهيئة. وما جانس هذين من الأشياء، فالمادة موضوعة ليكون بها قوام الصورة، والصورة لا يمكن أن يكون لها قوام ووجود بغير المادة؛ فالمادة وجودها لأجل الصورة، ولو لم تكن صورة ما موجودة ما كانت المادة. والصورة وجودها لا لتوجد بها المادة، بل ليحصل الجوهر المتجسم جوهرًا بالفعل، فإن كلَّ نوع إنما يحصل موجودًا بالفعل وبأكمل وجوديه إذا حصلت صورته، وما دامت مادته موجودة دون صورته فإنه إنما هو ذلك النوع بالقوة، فإن خشب السرير ما دام بلا صورة السرير، فهو سرير بالقوة، وإنما يصير سريرًا بالفعل إذا حصلت صورته في مادته. وأنقصُ وجودَي الشيء هو بمادته، وأكمل وُجُودَيْه هو بالصورة.
وصور هذه الأجسام مُتضادَّة، وكلُّ واحدٍ منها يمكن أن يوجد وأن لا يوجد، ومادة كلِّ واحدٍ منها قابلة لصورته ولضدِّها، وممكنة أن توجد فيها صورة الشيء وأن لا توجد، بل يمكن أن تكون موجودة في غير تلك الصورة.
والأسطقسات أربع، وصورها متضادة، ومادة كلِّ واحدة منها قابلة لصورة ذلك الأسطقس ولضدِّها، ومادة كلِّ واحدة منها مشتركة للجميع، وهي مادة لها ولسائر الأجسام الأُخَر التي تحت الأجسام السماوية؛ لأن سائر ما تحت السماوية كائنة عن الأسطقسات، ومواد الأسطقسات ليست لها مواد، فهي المواد الأولى المشتركة لكلِّ ما تحت السماوية. وليس شيء من هذه يُعطَى صورته من أول الأمر، بل كلُّ واحد من الأجسام فإنما يُعطى أولًا مادته التي بها وجوده بالقوة البعيدة فقط، لا بالفعل؛ إذ كانت إنما أُعطيَت مادته الأولى فقط، ولذلك هي أبدًا ساعية إلى ما يتجوهر به من الصورة، ثم لا يزال يترقَّى شيئًا بعد شيء إلى أن تحصل له صورته التي بها وجوده بالفعل.