القول فيما تشترك الأجسام السماوية فيه
والأجسام السماوية تسع جُمَل في تسع مراتب؛ كلُّ جملةٍ يشتمل عليها جسم واحد كريٌّ؛ فالأول منها يحتوي على جسم واحدٍ فقط، فيتحرك حركةً واحدةً دوريةً سريعةً جدًّا، والثاني جسمٌ واحدٌ يحتوي على أجسام حركتها مشتركة، ولها من الحركة اثنتان فقط، يشترك جميعها في الحركتين جميعًا، والثالث وما بعده إلى تمام السبعة، يشتمل كلُّ واحدٍ منها على أجسام كثيرة مختلفة في حركات ما، يخصُّ كلُّ واحدٍ منها ويشترك في حركات أُخَر. وجنس هذه الأجسام كلِّها واحدٌ، ويختلف في الأنواع، ولا يمكن أن يُوجد في كلِّ نوع منها إلا واحد بالعدد، لا يشاركه شيء آخر في ذلك النوع، فإن الشمس لا يشاركها في وجودها شيء آخر من نوعها، وهي متفردة بوجودها، وكذلك القمر وسائر الكواكب.
وهذه تجانس الموجودات الهيولانية، وذلك أن لها موضوعات تشبه المواد الموضوعة لحمل الصور (وأشياء هي لها كالصور، بها تتجوهر). وقوام تلك الأشياء في تلك الموضوعات، إلا إن صورها لا يمكن أن يكون لها أضداد. وموضوع كلِّ واحدٍ منها لا يمكن أن يكون قابلًا لغير تلك الصورة، ولا يمكن أن يكون خلوًا منها، ولأن موضوعات صورها لا عدم فيها، بوجه من الوجوه، ولا لصورها أعدام تقابلها، فصارت موضوعاتها لا تعوق صورها أن تعقل وأن تكون عقولًا بذواتها.
فإذن كلُّ واحد من هذه بصورته عقل بالفعل، وهو يعقل بها ذات المفارق الذي عنه وجود ذلك الجسم، ويعقل الأول. وليس جميع ما يعقل من ذاته عقلًا؛ لأنه يعقل موضوعه، وموضوعه ليس بعقل؛ وإذا كان ليس يعقل بموضوعه وإنما يعقل بصورته ففيه معقول ليس يعقل، فهو يعقل كلَّ ما به تجوهره وتصويره، يعني أن تجوهره بصورة وموضوع، وبهذا يفارق الأول والعشرة المتخلصة من الهيولى ومن كلِّ موضوع، ويشاركه الإنسان في المادة.
فهو أيضًا مغتبط بذاته ليس بما يعقل من ذاته فقط، ولكن بما يعقل من الأول، ثم بما يعقل من ذات المفارق الذي عنه وجوده. ويشارك المفارق في عشقه للأول وبإعجابه بنفسه بما استفاد من بهاء الأول وجماله، إلا أنه في كلِّ ذلك دون العشرة بكثير، وله من كلِّ ما تشاركه فيه الهيولانية أشرفها وأفضلها، وذلك أن له من الأشكال أفضلها؛ وهي الكرية، ومن الكيفيات المرئيات أفضلها؛ وهو الضياء، فإن بعض أجزائها فاعلة للضياء، وهي الكواكب، وبعض أجزائها مشفَّة بالفعل؛ لأنها مملوءة نورًا من أنفسها ومما تستفيده من الكواكب. ولها من الحركات أفضلها، وهي الحركة الدورية.
وتشارك العشرة في أنها أعطيت أفضل ما تتجوهر بها من أول أمرها، وكذلك أعظامها وأشكالها والكيفيات المرئية التي تخصُّها.