القول في نفي الشريك عنه تعالى
وهو مباين بجوهره لكلِّ ما سواه، ولا يمكن أن يكون الوجود الذي له لشيء آخر سواه؛ لأن كلَّ ما وجوده هذا الوجود لا يمكن أن يكون بينه وبين شيء آخر له أيضًا هذا الوجود مباينة أصلًا، ولا تغاير أصلًا، فلا يكون اثنان، بل يكون هناك ذات واحدة فقط؛ لأنه إن كانت بينهما مباينة كان الذي تباينا به غير الذي اشتركا فيه، فيكون الشيء الذي باين كلَّ واحدٍ منهما الآخر جزءًا مما به قوام وجودهما، والذي اشتركا فيه هو الجزء الآخر، فيكون كلُّ واحدٍ منهما منقسمًا بالقول، ويكون كلُّ واحدٍ من جزأيه سببًا لقوام ذاته، فلا يكون أولًا، بل يكون هناك موجود آخر أقدم منه هو سبب لوجوده، وذلك محال.
وإن كان ذلك الآخر هو الذي فيه ما باين به هذا، ولم يكن في هذا شيء يباين به ذلك إلا بعد الشيء الذي به باين ذلك، لزم أن يكون الشيء الذي به باين ذلك الآخر هذا، هو الوجود الذي يخصُّ ذاك، ووجود هذا مشترك لهما، فإذن ذلك الآخر وجوده مركَّب من شيئين: من شيء يخصُّه، ومن شيء يشارك به هذا. فليس إذن وجود ذاك هو وجود هذا، بل ذات هذا بسيط غير منقسم، وذات ذلك منقسم. فلذلك إذن جزآن بهما قوامه، فلوجوده إذن سبب، فوجوده إذن دون وجود هذا وأَنقصُ منه، فليس هو إذن من الوجود في الرتبة الأولى.
وأيضًا، فإنه لو كان مثل وجوده في النوع خارجًا منه بشيء آخر، لم يكن تامَّ الوجود؛ لأن التامَّ هو ما لا يمكن أن يوجد خارجًا منه وجود من نوع وجوده، وذلك في أيِّ شيء كان؛ لأن التامَّ في العظم هو ما لا يوجد عظم خارجًا منه، والتامُّ في الجمال هو الذي لا يوجد جمال من نوع جماله خارجًا منه، وكذلك التامُّ في الجوهر هو ما لا يوجد شيء من نوع جوهره خارجًا منه، وكذلك كلُّ ما كان من الأجسام تامًّا، لم يمكن أن يكون من نوعه شيء آخر غيره، مثل الشمس والقمر وكلِّ واحدٍ من الكواكب الأُخَرِ. إذا كان الأول تامَّ الوجود لم يمكن أن يكون ذلك الوجود لشيء آخر غيره، فإذن هو منفرد الوجود وحده، فهو واحد من هذه الجهة.