القول في مراتب الموجودات
الموجودات كثيرة، وهي مع كثرتها متفاضلة، وجوهره جوهر يفيض منه كلُّ وجود (كيف كان ذلك الوجود)، كان كاملًا أو ناقصًا. وجوهره أيضًا جوهر، إذا فاضت منه الموجودات كلُّها بترتيب مراتبها، حصل عنه لكلِّ موجود قسطه الذي له من الوجود ومرتبته منه، فيبتدئ من أكملها وجودًا ثم يتلوه ما هو أنقص منه قليلًا، ثم لا يزال بعد ذلك يتلو الأنقص إلى أن ينتهي إلى الموجود الذي إن تخطى عنه إلى ما دونه تخطَّى إلى ما لم يمكن أن يوجد أصلًا، فتنقطع الموجودات من الوجود، وبان جوهره جوهرًا تفيض منه الموجودات من غير أن يخصَّ بوجود دون وجوده. فهو جوَّادٌ، وجوده هو في جوهره، ويترتب عنه الموجودات، ويتحصَّل لكلِّ موجود قسطه من الوجود بحسب رتبته عنه. فهو عدل، وعدالته في جوهره، وليس ذلك لشيء خارج عن جوهره.
وجوهره أيضًا جوهر، إذا حصَّلت الموجودات مرتبة في مراتبها أن يأتلف ويرتبط وينتظم بعضها مع بعض، ائتلافًا وارتباطًا وانتظامًا تصير بها الأشياء الكثيرة جملة واحدة، وتحصل كشيء واحد، والتي بها ترتبط هذه وتأتلف هي لبعض الأشياء في جواهرها حتى إن جواهرها التي بها وجودها هي التي بها تأتلف وترتبط. ولبعض الأشياء تكون أحوال فيها تابعة لجوهرها، مثل المحبة التي بها يرتبط الناس، فإنها حال فيهم، وليست هي جواهرهم التي بها وجودهم، وهذه أيضًا فيها مستفادة عن الأول؛ لأن في جوهر الأول أن يحصل عنه بكثير من الموجودات مع جواهرها الأحوال التي بها يرتبط بعضها مع بعض، ويأتلف وينتظم.