الرَّجل والأورجازم الجنسي

بمثلِ ما أنتجت الحضارة الذُّكورية «علماءَ نفس» يضخِّمون الفروق النَّفْسية بين الذُّكورة والأنوثة، فقد أنتجت «علماءَ جنس» يعتقدون أن الأورجازم (وهو الاصطلاح العلمي لمعنى قمَّة اللذة) عند الرِّجال يختلف عن «الأورجازم» عند النِّساء، وأنَّ النَّشاط الجنسي أو مراحل الإثارة الجنسيَّة يختلف في الرَّجل عنه في المرأة.

لكن الدِّراسات الجنسيَّة الجديدة١ أوضحت خطأ هذه النظريات القديمة، وكشفَت عن كثير من الحقائق العلمية التي تقول إن النشاط الجنسي في الرَّجل لا يختلف عنه في المرأة، سواء من ناحية ابتداء الإثارة أو طريقة الإشباع أو المراحل التي تمرُّ بها عملية الإشباع حتى الأورجازم أو أعلى درجات اللذة، ثم مرحلة الهبوط والعودة إلى الحالة الأولى التي عليها الإنسان قبل حدوث الإثارة.
وقد وُجِد أن كلًّا من الرَّجل والمرأة يمر بأربع مراحل منذ حدوث الإثارة الجنسيَّة حتى العودة إلى الحالة الأولى قبل حدوث هذه الإثارة. وتتلخَّص هذه المراحل في الآتي:
  • (١)
    مرحلة الإثارة (Excitement).
  • (٢)
    المرحلة المرتفعة (plateau).
  • (٣)
    مرحلة الأورجازم (Orgasm).
  • (٤)
    مرحلة الهبوط (Resolution).

وقد وُجِد أنَّ أي نشاط جنسي يمرُّ بهذه المراحل الأربع من أجل أن يحدُث ما يُسمَّى بالإشباع. ولا تختلف هذه المراحل في الرَّجل عنها في المرأة. وكان هناك اعتقادٌ بأنَّ مرحلة الأورجازم غير موجودة عند المرأة، وأن المرأة لا يحدث لها أورجازم؛ لأنَّ المرأة لا تقذف السَّائل المنوي الذي يقذفه الرَّجل عند وصوله الأورجازم، وقد تصوَّر هؤلاء العلماء أنَّ القذف عمليةٌ ذكورية بسبب وضوحها وبسبب الكمية الكبيرة التي تُقْذَف، وبالمنطق نفسه تصوَّروا أنَّ نشاط الرَّجل الجنسي أشدُّ من نشاط المرأة؛ لأنَّ عضو الذكر أكبر من البظر حجمًا وشكلًا.

لكن هذه الأفكار تغيَّرت، وخرج علماء النفس في السنين الأخيرة بحقائقَ تثبت أن المرأة يحدُث لها الأورجازم، وأنها تقذف في قمَّة هذا الأورجازم، وأن النشاط الجنسي للبظر يشبه النشاط الجنسي للعضو الذكري.

وقد كان الاعتقاد القديم يقول إن مرحلة الإثارة عند المرأة سلبية، أي إنها تتلقى الإثارة من الرَّجل، وتنتظر منه أن يكون هو البادئ بالإثارة؛ لأن الرَّجل هو الإيجابي، لكن اتضح أن المرأة تصبح إيجابيةً كالرَّجل حين تشعر باستقلالها وكيانها.

وكان بعض علماء الجنس يظنون أن المرحلة المرتفعة عند الرَّجل تصل إلى قمة عالية كقمة الهرم (وهي التي يحدث عندها الأورجازم والقذف)، أما عند المرأة فهذه المرحلة لا تصل أبدًا إلى هذه القمة الهرمية، وإنما هي تشبه السفح أو الهضبة التي لا ترتفع إلى قمَّة حادة أبدًا. وكانوا يظنون أيضًا أن مرحلة الهبوط عند المرأة بطيئة ولا تنتهي بسرعة انتهاء الأورجازم والقذف كما يحدُث عند الرَّجل، وكانوا يدلِّلون على ذلك بأن الرَّجل ينتهي من العملية الجنسيَّة بسرعة، وتتلاشى رغبته في المرأة بانتهاء مرحلة الهبوط السريعة؛ ولذلك يشعر الرَّجل برغبةٍ في الانفصال بسرعة عن جسم المرأة، وكثير من الرِّجال يعطون ظهورهم لزوجاتهم بمجرد انتهاء العملية. أما المرأة فإنها تظل راغبةً في الجنس لفترة أطول بسبب طول مرحلة الهبوط عندها.

والرسم البياني الذي يصوِّر الفروقَ بين العملية الجنسيَّة عند الرَّجل والمرأة يتضح منه الآتي:

  • (١)

    الأورجازم عند المرأة أضعف منه عند الرَّجل ولا يصل إلى القمة العالية.

  • (٢)

    سرعة الرَّجل في جميع المراحل وسرعة الهبوط.

  • (٣)

    بطء المرأة في جميع المراحل وطول مرحلة الهبوط.

وقد أوضحت البحوث الجديدة أن الرسم الخاص بالمرأة لا يصوِّر المرأة الطبيعية المنطلِقة من القيود، وإنما يصوِّر المرأة المكبوتة أو الباردة جنسيًّا. وقد وُجِد أن هذا الرسم يختلف من امرأة إلى امرأة حسب درجة الكبت والبرود الجنسي، وأن هناك نساء (وبالذات اللائي قُطعت بظورهن في عملية الختان) لا يصلن على الإطلاق إلى مستوى هذا الرسم، والبعض منهن لا يحظين بهذه المراحل الأربع، وإنما هي مجرد استجابة ضعيفة لنشاط الزوج الجنسي (من باب الواجب الزوجي أو الواجب الدِّيني)، وقد يصاحب هذه الاستجابة الضعيفة شيء من اللذة المصحوبة بالإثم والخجل، أو شيء من الألم (بسبب سادية معظم الرِّجال)، أو شيء من النفور والغثيان (بسبب جهل الرَّجل بإنسانيَّة المرأة واعتبارها مجرد مهبل يفرغ فيه طاقته الجنسيَّة بمثل ما يمارس العادة السرية).

وبسبب برود المرأة الجنسي بصفة عامة (لأسبابٍ اجتماعية واقتصادية وليست بيولوجية) وَجَد بعض العلماء أن المرأة تحتاج أكثرَ من الرَّجل إلى مرحلةِ تمهيدٍ طويلة قبل أن تشعر بالإثارة الجنسيَّة. ولهذا نرى في الرسم الخاص بالمرأة مرحلة التمهيد، أما عند الرَّجل فلا توجد هذه المرحلة. ويزداد طول مرحلة التمهيد في النِّساء حسب درجة برودهن ودرجة الكبت اللتين تعرَّضن لهما في الطفولة، وما إذا كان البظر موجودًا وسليمًا أو تعرَّض لعملية الختان، هذه العملية التي تتم في معظم الأحيان بواسطة الدايات الريفيات الجاهلات، وكثيرًا ما تقطع الداية بالموسى البظرَ كلَّه، وتُحدِث الموسى الحادة بعضَ التهتك والتمزق في الأعصاب التي تغذي البظر، في مثل هذه الحالات يلتئم الجُرح بعد عملية الختان، لكن تظل هناك منطقةٌ حساسة «كالعصب العاري» ما إن يضغط عليها عضو الذكر (أو يده) في العملية الجنسيَّة حتى تشعر المرأة بألم يشبه المسَّ الكهربي الضعيف يحول بينها وبين الشعور باللذة ولا أقول الوصول إلى الأورجازم. وقد واجهتُ كثيرًا من هذه الحالات، وعلاجها يستوجب عمليةً جراحية أخرى تُصلِح الجُرح القديم، وتتخلَّص المرأة من الألم الشبيه بالمس الكهربي، وبالطبع لا تعود إليها اللذة الطبيعية؛ لأنه لا يمكن إعادة العضو الذي استؤصل من قبلُ بالموسى.

وهذه إحدى مآسي عدد كبير من النِّساء في مصر والسودان والصومال وبعض البلاد العربية والإسلامية التي انتشرت فيها عادة ختان البنات من أجل الحفاظ على العذرية والعفَّة. وهي ليست إحدى مآسي النِّساء فحسب. ولكنها أيضًا إحدى مآسي الرِّجال؛ لأن الرَّجل في معظم الحالات يعجز عن إثارة المرأة بالطرق العادية السهلة، ويُضطر أحيانًا إلى استخدام بعض الدهانات أو العقاقير التي يشيع عنها تجار الأدوية أنها تقوي الأعصاب وتؤجل القذف، وأحيانًا لا يكون أمامه إلا الحشيش أو المخدرات من أجل إطالة العملية الجنسيَّة وتأجيل القذف.

لكن الذي يحدُث في بعض الأحيان أن مثل هذه الجهود من جانب الرَّجل تبوء بالفشل، وبدلًا من الحصول على انتصاب قوي وتأجيل القذف يحدث العكس بالضبط؛ إذ يصاب الرَّجل بضَعف في الانتصاب أو سرعة في القذف، وفي معظم الأحيان بالاثنين معًا.

والسَّبب في ذلك أنَّ الجنس ليس عمليةً بيولوجية بحتة، وليس عملية كيميائية يمكن ممارستها بواسطة العقاقير المنبِّهة أو المخدِّرة، وإنما هي عملية إنسانيَّة بالدرجة الأولى، تحتاج إلى أن يشعر الرَّجل أنه إنسان عاقل وليس حيوانًا أعجمَ غائبًا عن الوعي، تحتاج إلى أن تشعر المرأة أنها إنسانة عاقلة وليست جثةً مبتورة الأعضاء باردة الأحاسيس، وتحتاج من الاثنين معًا التبادل الإنساني، بحيث ينظر كلٌّ منهما إلى الآخر على أنَّه إنسان مثله تمامًا، وليس هناك مَن هو أقلُّ من الآخر أو أدنى.

وهذا بالطبع أمرٌ مفقود في معظم الحالات بسبب الحضارة الذُّكورية والنُّظم الأبوية التي تفرض على المجتمع أن ينظر إلى المرأة على أنَّها أقلُّ من الرَّجل. وتوارث المجتمع النَّظرة المشوهة لحقيقة المرأة جيلًا وراء جيل.

لكن بعض العقول المتفتحة من العلماء الرِّجال والنِّساء خرجوا إلى العالم بدراساتٍ٢ وحقائقَ جديدةٍ عن النشاط الجنسي عند الرَّجل والمرأة. وتوضِّح معظم هذه الدراسات أن المراحل الجنسيَّة عند المرأة تشبه المراحل الجنسيَّة عند الرَّجل من حيث الزمن ونوع الإثارة وقمَّة الأورجازم ومرحلة الهبوط. واتضح أن الفكرة القديمة التي قالت بطول مرحلة الهبوط عند المرأة سببُه أن البرود الجنسي يجعل المرأة عاجزةً عن الحصول على الإشباع الكامل؛ ولذلك تظل تشعر برغبة جنسية بعد انتهاء الرَّجل، وقد تستمر هذه الرغبة معها إلى اليوم التالي وتسبِّب لها صداعًا أو توترًا عصبيًّا معينًا. ووجد أن الزوجات المصابات بالصداع الدائم أو العصبية الزائدة عن الحد يعانين من حرمانٍ جنسي بسبب عجز الأزواج عن إشباعهن جنسيًّا لعوامل متعددة تتعلَّق بالزوجات وبالأزواج معًا.

على أن الحقائق العلمية الجديدة قد كشفت عن كثيرٍ من العيوب والمشكلات الجنسيَّة التي عانى منها الرِّجال والنِّساء طويلًا دون أن يفهم أحدهم الآخر، ودون أن يدرك الرَّجل وتدرك المرأة أن النقص ليس في واحدٍ منهما فقط، ولكن النَّقص فيهما كليهما بسبب الحضارة المشوهة لكلٍّ من الرَّجل والمرأة.

وقد توصَّل العلماء لهذه الحقائق الجديدة بعد أن خرجت المرأة إلى العمل وحصلت على استقلالها الاقتصادي والنفسي والجسدي، واستطاعت بعض النِّساء الجديدات أن يتغلبن على كثير من عُقَد الكبت والخوف والذَّنب التي كانت تعوق نشاط المرأة الجنسي وتسبِّب لها البرود، وكذلك أيضًا تغيُّر نظرة المجتمع إلى المرأة والمناداة بمساواة المرأة والرَّجل، وظهور أجيال جديدة من الشباب (رجالًا ونساءً) لا يعترفون بالفروق القديمة بين الذكر والأنثى.

ولا شكَّ أن البرود الجنسي الذي كان يصيب معظم النِّساء في العالم (بسبب القيود الاجتماعية وقوانين الزواج والعفَّة المفروضة على النِّساء فقط) هو الذي ضلَّل معظمَ علماء الجنس. فقد كان البرود الجنسي في الحضارة الذُّكورية هو صفةُ معظم النِّساء، وتصوَّر الكثيرون من العلماء أن هذا البرود هو صفة المرأة الطبيعية، كما تصوَّر «فرويد» أن السلبية الماسوشية والضَّعف هي صفات الأنوثة الطبيعية.

ولم يستطِع معظم هؤلاء العلماء معرفةَ الأسباب الاجتماعية لهذا البرود الجنسي (بسبب انفصال علم الطب والجنس عن علم التَّاريخ والمجتمع)، وقالوا إن المرأة بطبيعتها بطيئة، أو أبطأ من الرَّجل، سواء في مرحلة الإثارة أو المراحل الأخرى التي تليها، وإن أسباب هذا البطء هو اختلاف الرَّجل عن المرأة بسبب الفروق البيولوجية والتشريحية والهرمونات الذكرية النشطة، وإفرازات الغدد الصماء وغير ذلك.

لكن الذين درسوا الأسبابَ الحقيقية لهذا البطء أو البرود الجنسي وصلوا إلى هذه النتائج:
  • (١)

    في المجتمعات التي تعطي النِّساءَ حرياتٍ اجتماعية أكثر فإن هذا البرود يقل بشكل ملحوظ، وتكاد تقترب النِّساء من الرِّجال في سرعة الإثارة والأورجازم.

  • (٢)
    في المجتمعات التي تزيد من القيود على النِّساء فإن هذا البرود يزيد إلى حدِّ أنه قد يمثِّل مشكلةً للأزواج الرِّجال الذين يُضطرون إلى تعاطي الحشيش وغيره من المخدرات التي تؤجِّل حدوثَ الأورجازم عند الرَّجل إلى حين حصول المرأة على شيء من الإشباع، وهذه الظاهرة منتشرة في بعض المجتمعات العربية وبالذات المجتمع المصري والسوداني الذي لا يكتفي بالقيود القانونية والأخلاقية والاجتماعية على النِّساء، ولكنه يستأصل بظورَ البنات بعملياتٍ جراحية تسمَّى الطهارة أو الختان.٣
  • (٣)

    لا يزال المجتمع البشري خاضعًا بصفة عامة للحضارة الذُّكورية والأسرة الأبوية القائمة على العذرية والعفَّة والزواج الأحادي للنساء وتعدُّد الزوجات والتجارب الجنسيَّة (في العلانية أو في السر) للأزواج؛ ولذلك فإن الأغلبية من النِّساء ما زلن بارداتٍ جنسيًّا بدرجاتٍ متفاوتة حسب زيادة القيود أو انخفاضها.

  • (٤)

    ما زالت الأغلبية من النِّساء في العالم يعشن في كنف الزوج ولم يَنَلْنَ بعدُ الاستقلالَ الاقتصادي والاجتماعي.

وقد اتضح أن رغبات الأطفال الجنسيَّة تتشابه في الأطفال الذُّكور والإناث، وأن النشاط البظري في البنت الطفلة لا يقل عن نشاط العضو الذكري عند الطفل. وقال فرويد:٤ «لقد وجدنا أن القوى الليبيدية نشطة في الطفلة الأنثى تمامًا كما هي في الطفل الذَّكر.»

لكن حين يكبر الطفل والطفلة ويدخلان مرحلةَ المراهقة فإن القيود الجنسيَّة تُفْرَض على الفتاة من أجل المحافظة على عذريتها، أما الشاب الذَّكر فإنه يُعْطَى حرياتٍ جنسية لا تُعطى لأخته البنت.

والسؤال الذي يبرز الآن: مع مَن يمارس الشاب الجنس؟ وبعبارة أخرى: كيف يصرِّف الشاب طاقتَه الجنسيَّة طوال سنوات المراهقة والشباب حتى يتزوج؟

ولا شك أن هذه إحدى المشاكل الجنسيَّة والنَّفْسية الرئيسية في مجتمعنا العربي والمصري للأسباب الآتية:
  • (١)

    الازدواجية الأخلاقية من حيث فرضُ القيود الأخلاقية والجنسيَّة على نصف المجتمع (الإناث)، وإباحة الحرية الجنسيَّة والأخلاقية للنصف الآخر (الذُّكور).

  • (٢)

    رغم إباحة الحرية الجنسيَّة للذكور فإن النظرة العامة للجنس لا تزال على أنه الإثم والدَّنس، ويربَّى الأطفال (ذكورًا وإناثًا) منذ الصِّغر على الكبت وعلى الإحساس بالذنب والنقص بسبب رغباتهم الجنسيَّة الطبيعية.

  • (٣)

    انتشار الكتب الدِّينية والمواعظ الدِّينية والأخلاقية التي تدعو إلى الفضيلة والبعد عن الرذيلة (الجنس)، وبالذات في المراحل الوطنية الحرِجة حين تلجأ بعض القوى الاقتصادية الأجنبية أو الداخلية إلى إشعال الحماس الدِّيني أو خلق نعرات للتغطية على أزماتٍ اقتصادية وسياسية معينة.

  • (٤)

    انتشار الأفلام الجنسيَّة والمجلات والمسرحيات والأغاني والرقصات الخليعة العارية التي تلهب الرغبات الجنسيَّة، وتفشِّي الإعلانات في أجهزة الإعلام القائمة على جسد المرأة العاري من أجل تصريف البضائع والمنتجات على غرارِ ما يحدث في المجتمعات الرأسمالية.

  • (٥)

    الفصل بين الجنسين في معظم قطاعات المجتمع، وفي حالة إباحة الاختلاط يفتقد المجتمع وسائلَ الاختلاط من حيث الأندية والأنشطة التي تساعد على تنمية الصداقة والعلاقة بين الجنسين، بل العكس هو الصحيح، بمعنى أن الاختلاط يباح شكلًا ومظهرًا فقط، ولكن تُعاقَب أي فتاة تُصادق زميلًا لها (مجرد صداقة ولا أقول الحب).

  • (٦)

    الازدياد المستمر في عدد سنوات المراهقة والاعتماد على الأسرة في الإعالة بسبب طول فترة التعليم، وطول الفترة التي يقضيها الشاب بعد التعليم من أجل إعداد نفسه للزواج اقتصاديًّا بعد أن ارتفعت الأسعار وازدادت أزمة المساكن وتزايد عدد الشباب العاجزين عن الزواج لأسباب اقتصادية. ونتج عن كل ذلك ازدياد المسافة بين نضوج الشاب بيولوجيًّا وحاجته الشديدة إلى الجنس ونضوجه الاقتصادي بحيث يحصل على مرتب يساعده على الزواج. هذه المسافة في المتوسط لا تقل عن عشر سنوات (من ١٥–٢٥ سنة) فكيف يصرِّف الشاب طاقته الجنسيَّة خلال هذه السنوات؟

ومن الحقائق التي أصبحت معروفةً أن الطاقة الجنسيَّة كأي طاقة أخرى لا تضيع إذا كُبِتَت، ولكنها تنحرف عن مسارها الطبيعي إلى طرقٍ أخرى غير طبيعية.

وبدراسة الحياة الجنسيَّة للشباب في مجتمعنا نجد أن الشباب يتحايلون على إشباع حاجتهم الجنسيَّة والعاطفية بشتى الطرق وبأي الطرق. يمكن تلخيص هذه الطرق كالآتي:
  • (١)

    ممارسة الجنس مع النفس (العادة السرية)، وتُعتبر هذه العادة من أكثر الطرق انتشارًا بين الشباب؛ لأنها لا تكلف الشاب مشقةَ الحصول على امرأة، كما أن الإحساس بالذنب الذي يصاحبها أقلُّ من الإحساس بالذنب الذي يصاحب العملية الجنسيَّة الكاملة مع الجنس الآخر.

  • (٢)
    ممارسة الجنس مع الجنس نفسه (الجنسيَّة المثلية أو ما يسمَّى بالشذوذ الجنسي)؛٥ بسبب أن الاختلاط مباحٌ بين الذُّكور، ولأن الجنس الآخر غير متوفر.
  • (٣)

    الخيالات الجنسيَّة وأحلام اليقظة والاحتلام، والإقبال على رؤية الأفلام الجنسيَّة والصور العارية، وكثرة الحديث عن الجنس كنوع من التنفيس عن طاقة مكبوتة لا تجد لها مخرجًا.

  • (٤)

    اللجوء إلى المومسات في حالة هؤلاء الشباب القادرين ماليًّا، خاصةً بعد أن ارتفع سعر المومسات أسوةً بارتفاع أسعار السلع الأخرى.

  • (٥)

    الاعتداء الجنسي على الخادمات في حالة هؤلاء الشباب من الأسرِ والطبقات القادرة على تشغيل الخادمات في البيوت. أو الاعتداء على الفتيات من الطبقات الأقل بصفةٍ عامة.

  • (٦)
    الاعتداء الجنسي على الأطفال البنات (وأيضًا الذُّكور) من داخل الأسرة أو من خارجها. وقد وجدت في أحدِ البحوث أن نسبة هذه الاعتداءات ليست قليلة كما يتصوَّر الكثيرون.٦
  • (٧)

    خداع الفتيات المراهقات والشابات باسم الحب أو الزواج من أجل تصريف الحاجة الجنسيَّة فحسب، ثم نقض الوعد أو الاختفاء من حياة الفتاة، وتكرار العملية مع فتيات أخريات.

  • (٨)
    التنفيس عن الطاقة الجنسيَّة بطرقٍ مَرضية مثل الالتصاق بالنِّساء في المواصلات العامة المزدحمة، أو الاستعراضات الجنسيَّة أو التعلُّق بملابس المرأة الداخلية٧ أو الإصابة بالعصاب أو الأرق أو العنف أو العدوان أو الاغتصاب الجنسي أو غير ذلك من الانحرافات الجنسيَّة والأمراض النَّفْسية.

هذه هي الطرق المتاحة أمام الشباب في مجتمعنا. ولا يمكن أن ننكر أن هناك قليلًا من الشباب من الجنسين الذين حظُوا بأسرٍ متفتحة وظروف أفضل من ظروف الأغلبية من الشباب، وسمحت هذه الظروف بنشوء علاقات سليمة بين الجنسين، سواء كانت صداقة أم حبًّا.

لكن هؤلاء هم الاستثناء وليسوا القاعدة. والسَّبب في ذلك أن الازدواجية الأخلاقية والاجتماعية تنعكس على نفوس النَّاس، مثلًا لو أخذنا الازدواجية الأخلاقية المنتشرة في مجتمعنا التي تقول:
  • (١)

    التجارب الجنسيَّة في حياة الرَّجل فخرٌ ورجولة.

  • (٢)

    التجارب الجنسيَّة في حياة المرأة عارٌ وانحطاط.

ما الذي يمكن أن ينتج عن هذه الازدواجية؟

إن الذي ينتج بطبيعة الحال، أن ينطلق الذُّكور في المجتمع ينشدون التجارب الجنسيَّة بأي شكل وبأي ثمن من أجل الحصول على الفخر وتأكيد الرجولة (وليس فقط من أجل الإشباع الجنسي)، بل إن هؤلاء الرِّجال الذين يعجزون عن ممارسة هذه التجارب يدَّعون كذبًا للآخرين أنهم مارسوها من أجل عدم الإحساس بالنقص أو الاتهام بفقدان الرجولة.

ومن أهم المشاكل التي تعاني منها طالبات الجامعة في مجتمعنا، أن الطالبة منهن ما أن تبتسم في وجه زميل أو تقول له «صباح الخير» حتى تنطلق الإشاعة بعد بضعة أيام بأن هناك علاقةً بين الطالبة وزميلها. ويتضح أن الذي بدأ الإشاعة هو هذا الزميل نفسه.

على أن هناك كثيرًا من الشباب الذين لا يطلقون مثل هذه الشائعات من أجل التفاخر فحسب، ولكنهم يظنون أيضًا أن الفتاة التي تقول «صباح الخير» أو تبتسم لزميل، فالمعنى الوحيد لذلك أنها تدعوه إلى السرير، أو على الأقل لا تعترض إذا هو طلب.

•••

كان الاعتقاد القديم أن العادة السرية تفتك بصحة الشاب، لكن الدراسات والحقائق الجديدة أوضحت أن جميع الذُّكور والإناث يمارسون العادة السرية في فترةٍ ما في سن المراهقة، وأنها مرحلة طبيعية من مراحل النمو الجنسي.٨

الإشباع الذاتي أو العادة السرية يُعْرَف باسم «الأونانية» نسبةً إلى قصة «أونان وتامار» التي جاءت في التوراة، والتي قالت إن أونان لم يكن يحب زوجته، وكان يمارس الإشباع الذاتي قاذفًا سائله المنوي وبذور إخصابه على الأرض فلعنه الله.

ووجد العلماء أخيرًا أن الإشباع الذاتي مرحلةٌ طبيعية من مراحل النضوج الجنسي عند المراهقين والمراهقات، وأنه ليس عملًا شاذًّا، ووجدوا أن جميع الحيوانات تمارسه أحيانًا، وتمارسه دائمًا في حالة غياب الجنس الآخر.

أما تحريم هذا النشاط الجنسي أخلاقيًّا أو دينيًّا فيرجع إلى أسباب اقتصادية؛ إذ إن المجتمع كان يشجِّع ولادة الأطفال وزيادة النسل، ولم يكن هذا النشاط الذاتي يزيد من عدد الأطفال بأي حال من الأحوال.

لكن من الحقائق المعروفة أيضًا أن التربية الخاطئة والكبت والفصل بين الجنسين يؤدي إلى أن يُفرط الشباب في ممارسة العادة السرية وأن يزاولوها فترةً أطول بحيث تؤثر على حياتهم الجنسيَّة مع زوجاتهم فيما بعد.

لقد اتضح مثلًا أن من أهم أسباب القذف السريع المنتشر بين الأزواج والرِّجال والشباب هو الإفراط في العادة السرية، فإن الإفراط في هذه الممارسة لفترات طويلة يسبِّب اشتداد حساسية رأس العضو (glans penis)، ثم ينتج عن ذلك نوعٌ من الاحتقان والتهاب الأنسجة والأغشية المخاطية، وبمرور الوقت ومع كثرة الممارسة يحدث القذف أو نزول السائل المنوي لمجرد لمس العضو باليد (وفي حالة الزواج بمجرد لمس مهبل المرأة)، وفي مثل هذه الحالات تضعف اللذة الجنسيَّة، وهذا يدفع الشباب إلى الممارسة الأشد من أجل الحصول على اللذة التي تعوَّدها، لكن اشتداد الممارسة يزيد من الاحتقان والالتهاب الذي يسبِّب بدوره مزيدًا من الضَّعف في اللذة، وهكذا يدور الشاب في حلقة مفرغة حتى يحدث القذف بغير لذة، وأحيانًا يحدث القذف بغير انتصاب على الإطلاق. وبهذا تكون الحالة قد وصلت إلى احتقان البروستاتا وبعض المجاري البولية، وتدخل تحت باب الأمراض العضوية.
ويلجأ الشباب إلى الإفراط في العادة السرية بسبب الكبت والقيم المزدوجة وفصل الجنسين؛ ولهذا ينتشر بين الشباب مشكلة القذف السريع بدرجاتٍ متفاوتة حسب درجات ممارسة العادة السرية. ويمثل القذف السريع أيضًا مشكلة جنسية أو نفسية لكثير من الزواج الشباب في بدء حياتهم الزوجية؛ لأن الواحد منهم ما إن يلمس زوجته حتى يقذف، أو أن مراحل العملية الجنسيَّة الأربع لا تستغرق إلا بضع ثوانٍ، ويمكن تلخيص أسباب سرعة القذف في النقاط الآتية:
  • (١)

    الخوف من العلاقة الجنسيَّة بالمرأة لأسبابٍ متعددة سبق شرحها.

  • (٢)

    عقدة النقص والإحساس بالذنب منذ الطفولة.

  • (٣)

    اللهفة الشديدة بسبب الحرمان والكبت الطويل الأمد.

  • (٤)

    الإفراط في العادة السرية للأسباب السابق شرحها، وأيضًا لنعومة مهبل المرأة بالنسبة ليد الشاب.

  • (٥)

    فصل الجنس عن الحب، واعتبار الحبيبة أو العروس ملاكًا طاهرًا، والجنس نوعًا من الدَّنس.

  • (٦)
    ختان الذُّكور الذي يزيد من حساسية رأس العضو (glans penis).
  • (٧)

    ختان البنات الذي يقلِّل من حساسية المرأة الجنسيَّة.

  • (٨)

    سرعة الذُّكور في الوصول إلى الأورجازم بسبب الحرية الجنسيَّة المتاحة لهم نسبيًّا.

  • (٩)

    تأخُّر المرأة في الوصول إلى الأورجازم؛ بسبب الكبت الأشد المفروض على المرأة.

  • (١٠)

    الخوف من ضَعف الانتصاب أو ضَعف القدرة الجنسيَّة وعدم إثبات الذُّكورة أو الفحولة.

  • (١١)

    الخوف من الأمراض التناسلية (بسبب الممارسات السابقة مع المومسات).

  • (١٢)

    العجز عن التخلُّص من الخيالات الجنسيَّة السابقة التي تكون دائمًا أكبرَ من الواقع. وقد وُجِد أن مثل هذه الأسباب قد لا تسبِّب القذف السريع فحسب، ولكنها قد تسبِّب عجزًا جنسيًّا كاملًا وعدم القدرة على الانتصاب وبالذات ليلة الزفاف، ويسمَّى طبيًّا «عجز ليلة الزفاف»، وقد يستمر هذا العجز الليلة الأولى فقط بسبب الخوف وتهيُّب الرَّجل من اللقاء الأول مع زوجته، وقد يستمر فترةً أطول حسب التجارب الجنسيَّة السابقة لهذا الرَّجل ودرجة مخاوفه من المرأة والجنس ودرجة إحساسه بالإثم أو النقص.

أما الاعتداء على الخادمات فهذه إحدى الظواهر الاجتماعية المتفشية في الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة والعالية، والاعتداء قد يقع على الفتاة الصغيرة من الأبناء الذُّكور ومن صاحب البيت أيضًا، وإذا لم تظهر علامات الحَمْل على الخادمة بقيت بالبيت تشتغل بالنهار، وفي الليل تؤدي دورها في التنفيس عن الطاقات الجنسيَّة المكبوتة لدى الذُّكور. لا يمكن لمثل هذه الخادمة أن تبوح لأحدٍ بهذه الأسرار خوفًا من أبيها الريفي أو الصعيدي، وخوفًا من أن تطردها صاحبة البيت.

أما إذا ظهرت علامات الحَمْل على هذه الفتاة فإن المشكلة تظهر على السطح، ولا يكون لها إلا أحد هذه الحلول:
  • (١)

    تتستر الأسرة على الخادمة خوفًا على ذكور العائلة، وتأخذها إلى طبيبٍ يجهضها نظيرَ أجرٍ كبير ثم تعود الخادمة إلى البيت أو تُطرَد وتذهب إلى بيتٍ آخر، وتتكرَّر المأساة في كل بيت تقريبًا.

  • (٢)

    تنكر الأسرة — وبالذات الذُّكور — علاقتهم بالخادمة، وتتهم الخادمة بأنها منحرفة السلوك ولها علاقاتٌ بالبواب والمكوجي والجزَّار، وتُطرَد الخادمة لتبحث بنفسها عن الحل، أو تطلب الأب ليأتيَ ويتسلَّم ابنته.

  • (٣)

    مصير الخادمة المسكينة إذا عرف أبوها القصة وكان «عصبيًّا» أو «صعيديًّا» القتلُ والدفن سرًّا من أجل التكتم على الفضيحة.

  • (٤)

    إذا لم يعرف الأب شيئًا، أو استطاعت الفتاة الهربَ بأي شكل فإنها تحاول إجهاض نفسها بالطرق الريفية (عود ملوخية) وقد تنزف حتى الموت بعد الإجهاض، وقد تنجو وتعيش وتعود إلى الخدمة بالبيوت وتتكرَّر المأساة.

  • (٥)

    قد يعطف على الفتاة طبيبٌ إنسانٌ ويجهضها بغير أجر، لكن معظم الأطباء يطردونها لأنها لا تملك الأجر، ثم تعود الفتاة إلى الخدمة بالبيوت حيث لا تملك عملًا آخر ولا تستطيع العودةَ إلى أهلها أو قريتها.

  • (٦)

    بعض هؤلاء الخادمات من ذوي المواهب الفنية الخاصة يلجأن إلى الحياة الفنية فيمارسن الرقص البلدي أو الغناء أو التمثيل، أو يشتغلن في حانات الليل مومساتٍ متنقلاتٍ بالأجر.

أما المومسات المستقرات في بيوتهن فهن أحسن حالًا من هؤلاء المتنقلات، وغالبًا ما يكون صاحب الحانة والبيت رجلًا قوادًا يشغل عددًا من النِّساء والفتيات بالدعارة، ويستغلهن ماليًّا وجنسيًّا ويهدِّدهن بالقتل أو الفضيحة إذا ما طالبت واحدةٌ بحقها أو فكَّرت في الهرب، وتُضطر الواحدة منهن إلى البقاء خوفًا من أسرتها أو خوفًا من التشرُّد والضياع والجوع.

وقد كان البغاء في مصر٩ قانونيًّا وتحت إشراف الدولة، لكنه أصبح منذ سنة ١٩٥١م غيرَ قانوني. إلا أن تحريم البغاء لم يمنع وجودَ البغاء؛ لأنها ظاهرةٌ اجتماعية لها أسبابها الاقتصادية والأخلاقية، ولا يمكن أن تنتهيَ بقرار أو قانون، بل إن الدارسين لمجتمعنا يعرفون أن البغاء زاد انتشارًا إلى حدِّ أن الصحف في السنين الأخيرة أطلقت عليه اسم «تجارة الرقيق الأبيض».
وبدراسة تاريخ نشوء البغاء في الحضارة الذُّكورية ندرك أن البغاء نشأ مع نشوء الأسرة الأبوية التي فرضت على المرأة زوجًا واحدًا وأعطت للرجال الحريةَ الجنسيَّة؛ ولهذا خلق المجتمع الذُّكوري فئةَ المومسات والجواري والسراري وغيرهن ليمارس الرِّجال معهن الجنسَ خارج الزواج. ويتضح أيضًا أن مشكلة الأطفال غير الشرعيين نشأت بنشوء الأسرة الأبوية؛ إذ إن الرَّجل لا يعطي اسمه لأطفاله من هؤلاء النِّساء اللائي يمارس معهن الجنس خارج الزواج. بمعنًى آخر: لقد أنتج النظام الأبوي في اللحظة التي نشأ فيها مشكلتين من أخطر المشاكل الاجتماعية والإنسانيَّة هما:
  • (١)

    البغاء.

  • (٢)

    والأطفال غير الشرعيين.

ولأن المجتمع هو الذي أنتجهما فقد كان لا بدَّ أن ينشئ لهما مؤسَّسات تحت إشراف الدولة، ومن هنا نشأت مؤسَّسات البغاء الرسمية، ومؤسَّسات ملاجئ الأطفال اليتامى وغير الشرعيين ومؤسَّسات الأحداث … إلخ.

وهذه كلها وصماتُ عارٍ في جبين هذه الحضارة غير الإنسانيَّة التي تجعل النِّساء والأطفال الأبرياء كبوشَ فداء لشهوات الذُّكور الذين ألبسوا زوجاتهم حزام العفة الحديدي، ثم انطلقوا يعربدون مع المومسات والعشيقات والجواري ومَن ملكت يمينهم.

•••

أما هؤلاء الرِّجال الذين يحاولون تصريفَ طاقتهم الجنسيَّة في المواصلات العامة المزدحمة عن طريق الالتصاق بالنِّساء أو الاحتكاك بهن من الأمام أو الخلف، فإنَّ هؤلاء الرِّجال نوعان:
  • (١)

    نوع طبيعي، ولكنه مكبوت جنسيًّا ولا يجد وسيلةً للإشباع الجنسي غير هذه الوسيلة.

  • (٢)
    نوع آخر، وهؤلاء هم الرِّجال الذين يحتكُّون بالنِّساء من الخلف، والسَّبب في ذلك أنهم يفضِّلون فتحة الشرج؛ لأنها أقلُّ تهديدًا لهم من مهبل المرأة بسبب الخوف من المرأة. أرجع فرويد مثل هذه الحالات إلى عقدة الإخصاء التي يشعر بها الطفل الذكر، وقال فرويد أيضًا إنَّ فتحة الشَّرج تظل عند الرِّجال مركزًا للإثارة الجنسيَّة بسبب خبرة طفولية قديمة ارتبطت بإخراج الفضلات واللذة معًا، فضلًا عن أن الإحساس بالذنب المترسِّب منذ الطفولة يجعل الرَّجل يبتعد عن مهبل المرأة الذي ارتبط بالإثم. لكنَّ كثيرًا من العلماء رفضوا نظريةَ فرويد بأكملها عن الفترة التي سمَّاها «الفترة الشرجية» عند الطفل Anal stage، على أن التجارب أثبتت أن فتحة الشرج ترتبط في أذهان بعض النَّاس بلذَّة إخراج الفضلات، ولها عندهم شحنة عاطفية وجنسية معًا.

وقد وُجِد أن هؤلاء الرِّجال الذين يفضِّلون فتحةَ الشرج يميلون إلى ممارسة الجنس مع أمثالهم من الرِّجال (يسمَّى بالشذوذ الجنسي)، وفي الريف يميلون إلى هذه الممارسة مع الحيوانات.

ويقول بعض العلماء والباحثين إن الرِّجال بصفة عامة يشعرون بالحسد تجاه الحيوان حين يمارس الجنس؛ لأن الحيوان يمثِّل لهم الجسدَ فحسب بغير عبء الإحساس بالإثم أو الذنب. ربما يكون هذا أحدَ الأسباب في أنهم يفضلون الاتصال الجنسي بالحيوانات من أجل التخلص من الإحساس بالذنب أو التخفيف منه.

ويتضح لنا مما سبق أن الطاقة الجنسيَّة لا تضيع حين تُكْبَت، ولكنها إذا وجدت الطرقَ الطبيعية مسدودةً أمامها انحرفت إلى طرقٍ أخرى تؤدي بها إلى تفريغ شحنتها من أجل الوصول إلى الأورجازم.

ولكن الأورجازم الذي ينتج عن العلاقات الناضجة بين الجنسين القائمة على الحب والتبادل والتساوي يبعث في نفس كلٍّ من الرَّجل والمرأة إحساسًا أعمقَ وأشملَ بالسعادة واللذة لا يمكن أن يحصل عليها الشخص من الممارسات الأخرى البديلة؛ ذلك أن الجنس الناضج لا يمكن أن يتمَّ بغير حب ناضج، والحب الناضج لا يمكن أن يحدُث إلا بين أشخاص ناضجين، والنضوج لا يمكن أن يحدُث في ظل الكبت والخوف والكذب والازدواجية والإحساس بالنقص والذنب.

إن الأورجازم أو قمة اللذة ليست عمليةً فسيولوجية أو بيولوجية فحسب يمكن أن تتم عن طريق العادة السرية أو مع الحيوانات، ولكنها قمَّة الإحساس بالشخص الآخر وقمَّة الإحساس بالنفس، ولا يمكن أن تحدُث بهذا المعنى الإنساني الشامل المتبادل إلا بين إنسانين ناضجين، يلتقيان جسدًا ونفسًا وعقلًا كوحدة واحدة لا تتجزأ، على أساس من الاختيار الحر، والحب والتبادل المتساوي والصدق، بحيث لا يفصل بينهما جدارٌ من العُقَد والرواسب، أو أحاسيس النقص والذنب والكذب.

بمعنًى آخر: إن الأورجازم الجنسي لا بدَّ وأن يصاحبه في اللحظة نفسِها أورجازم نفسي حتى تتحقق تلك اللذة القصوى التي لا يعرفها إلا القليلون جدًّا من النِّساء والرِّجال، والتي عجز عن وصفها الشعراء وعلماء البيولوجيا على حدٍّ سواء؛ بسبب انفصال الفن عن العلم١٠ في حضارتنا الذُّكورية القائمة على فصل العقل عن الشعور، والجسد عن النفس.

إنَّ هذه اللحظة الرائعة حين تتحقَّق شعوريًّا وجسديًّا وعقليًّا فإنها يمكن أن تفجِّر في الإنسان كلَّ طاقاته الخلَّاقة وجميع قدراته الإبداعية. وهي ليست معجزةً وليست إلهامًا يهبط من السماء، ولكنها وعيٌ وجهاد طويل من أجل النضوج الإنساني جسدًا ونفسًا في ظل ظروف اجتماعية فضلى، إنه الطريق الصعب والوحيد نحو الحب.

١  انظر الجزء الأول والثاني من هذا الكتاب «المرأة والجنس» و«الأنثى هي الأصل».
٢  انظر أبحاث كينزي وماسترز وجونسون وشيري وماني ورايخ، وغيرهم.
٣  انظر «المرأة والجنس».
٤  انظر «الأنثى هي الأصل».
٥  انظر الفصل ٨ من هذا البحث.
٦  انظر الجزأين الأول والثاني من هذا البحث، وانظر جريدة أخبار اليوم بتاريخ ٢٣ فبراير ١٩٧٤م، الصفحة العاشرة، والفصل اﻟ ١١ من هذا البحث.
٧  انظر الفصلين التاسع والفصل العاشر من هذا البحث.
٨  انظر الجزأين الأول والثاني من البحث.
٩  انظر فصل «المرأة والبغاء» في «الأنثى هي الأصل» في هذا الكتاب.
١٠  كثير من النَّاس في مجتمعنا يُبْدُون دهشةً (ممزوجة بالاستنكار) حين يرون طبيبًا يكتب الشِّعر أو الأدب. وقد تعرَّضت لهذا السؤال من كثير من النَّاس: كيف تكتبين أدبًا وقصصًا وأنتِ طبيبة؟ أو كيف تُمارسين الطِّبَّ وأنتِ أديبة؟ وهل يمكن الجمع بين الاثنين؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤