علمتني الحياة
وكان الأصح أن يقال: ما هو أبلغ درس علمتنيه الحياة.
إن دروس الحياة في أمثالها؛ فالأمثال هي المواد الكلية من كتاب قانون الحياة. وقد قالت: إذا لم تعلِّم ابنك فالدهر يعلمه.
لم أكن من المؤمنين بالكلمة المأثورة: «اتق شر من أحسنت إليه»، ولكن ما صادفته عمليًّا في حياتي أثبت لي صدق هذا القول. فالذي تحسن إليه، كثيرًا ما يتمنى زوالك لئلا تؤذيه رؤيتك حين يتذكر ما لك عليه من دين، وإن كنت أنت قد شطبت الحساب على الفور؛ ولذلك لم أعد أستغرب الجحود، ولم أعد أنتظر شكرًا من أحد.
أما قول الحطيئة:
فالذي يريد تأجيل ديونه إلى يوم الله فله شأنه. أما الناس فلا ننتظر منهم عرفان جميل، فهم إذا شبعوا بطروا، وإذا قدروا رفسوا وعضُّوا.
في المثل: «كل ما تزرعه تقلعه إلا ابن آدم فإنك تزرعه ليقلعك»، فخير لك أن لا تزرع ولا تنصب هذا الحيوان الأسود الرأس المستوي القامة.
علمتني الحياة أن المال لا رائحة له، ولكنهم نسوا رائحة البخيل التي دونها نتانة القبور. أوليس البخيل قبرًا جوالًا يملأ محيطه قذارة ونتنًا؟
كنت أهزأ بالشيخوخة، حتى إذا ما بلغت القمة الأولى من قمم العمر، وقفت متحيرًا في الطريق المؤدي إلى القمم الأخرى.
يقولون: إن المعاشرة تؤثر، ولكن الحياة علمتني أن الطبع غلب التطبع.
كانت حياتي كفاحًا مستمرًّا، ولا تزال جهادًا مرًّا. ومن هذا تعلمت ألا أيأس ولا أقنط، فكأني دائمًا أنتظر شيئًا فأشمر للحاق به، ولعل هذا هو الذي جعل طريقي لا نهاية لها. لم أكن من تلامذة الحياة النجباء، فسقطت في الامتحان. وها أنا أجرر أذيال خيبتي في البشر.
أنا أعول كثيرًا على المأثور من الكلام القديم شعرًا ونثرًا، فالشعر العربي مستودع الفكر الإنساني، والأمثال العامة هي زبدة فلسفة البشر، ولا عيب فيها إلا أنها تجمع المحاسن والأضداد.
علمتني الحياة أن تقديسنا للقديم يبقينا حيث نحن؛ ولذلك أراني أهش وأبش للجديد حيث أجده.
وبعد التفكير العميق وجدت أن الكذب هو سدى ما ننسجه من أحاديث ولحمته، من أهلًا وسهلًا ومرحبًا، إلى شرفتمونا بزيارتكم، أعيدوها. فكلمة مشتاقون تخرج كل ثانية من فم كمغارة أفقا، وحديث المجاملة يتدفق كالشلال في كانون.
وقبل وبعد فأنا لم أتعلم شيئًا من مدرسة الحياة في هذا الدور، فعسى أن أكون تلميذًا نجيبًا في الدهر العتيد.