إلى المرأة
يا سيدتي:
لا تصدقيني إن قلت لك: أمسيت لا يعنيني أمر المرأة، لا يا سيدتي، فأنت دائمًا في البال، ولا تبرحين من دنيا الخاطر، ولو صار الجسم حطبًا … فأنت الأم ومن ينسى أمه؟! وأنت الأخت ومن ينسى حنان أخته ومحبتها؟! وأنت رفيقة الحياة، ومن ينسى رفقة عمر أتت ثمارها وأكلها ذرية صالحة يتألف من خيوطها العلم الذي هو عنوان الوطن؟!
وقبل وبعد، فأنت، منذ تكوَّن العالم، بحسب رواية من شئنا — من موسى حتى داروين — كنت تسيرين إلى جانب الرجل، يدك في يده. في الكهف كنت إلى جانبه تحتملين مثله شظف العيش وتجرين في مضمار الحياة، محاولة بلوغ الغاية، وفي القصور اتكأت على الخز والديباج، وجعلت بيتك جنة ذات حور وولدان، فلولاك أيتها الأم، والأخت، والزوج، والبنت، كان الوجود عبئًا ثقيلًا، وكانت الأرض جهنم حمراء.
تقول التوراة: إن يهوه رأى الوجود ناقصًا حين خلق آدم، فخلق المرأة، فسد وجودها ذلك الفراغ الذي أحسَّ به المبدع الأسمى والناقد الأول.
وهكذا تكون المرأة ذلك الوتر الذي تمت به آلة التكوين الشجية الألحان، ولولا هذا الوتر الطريف لظلت شوهاء جوفاء، لا ترسل النغم الرخيم الذي يشرد الأحزان ويبدد ظلمات الأشجان، وما أكثرها في دنيانا.
فإذا صحت الرواية، وما في رواية الكتب المقدسة شك، كنت ضلعًا من أضلاع الرجل، وهكذا يكون الله، تعالى وجلت قدرته، قد خصك منذ البدء بهذا الخلق، ولله في خلقه شئون، وشتان ما بين التراب واللحم، وإذا كان هذا الأخير منه قبل أن ينفح فيه روح الله.
وإذا كنت لم تخلقي على تلك الصورة فيكون القالبان قد صبَّا في وقت معًا، ولا مجال إذن لهذا التفريق بين المخلوقين، الرجل والمرأة. إن حكاية الفردوس الأرضي تؤكد لنا المساواة بين الرجل والأنثى، فلو اعتبرها المشترع أقل عقلًا من أخيها الرجل لما عوقبت مثله. فنهضة المرأة للمطالبة بحقوقها ليست بدعة جديدة، وهذا الانتقاص لم يوجد إلا يوم استبد الرجل بالأمر ووضع هو الشرائع والقوانين.
كان الرجل والمرأة قبل ذلك متساويين، ولم تحبس في قفصها الذهبي إلا عندما مدت المدنية براثنها إلى أقفال البيوت، فهب الرجل يصون كنزه الثمين من أيدي العابثين، ومن لا يفكر بأثمن ما عنده حين ينتشر الذعر ويضطرب حبل الأمن؟ فالأسوار التي رُفعت حولك لم تكن إلا لصيانتك أيتها الدرة الثمينة، فارحبي صدرًا بها، ولا تحاولي أن تدكيها كلها وتجعليها قاعًا صفصفًا.
يظن الناس أن المدنية والرقي قاما على أكتاف الرجل، أما الواقع فيرينا أن المرأة ساهمت في بنائهما، فإذا عدنا إلى فجر التاريخ، رأينا المرأة والرجل آدم وحواء، راحيل ورفقا، ويعقوب وإسحق يضربان في مجاهل الأرض عرضًا وطولًا. وكم رأينا الرجل عاجزًا في بعض الميادين فتنبري المرأة للجهاد وتحفظ الأمة والوطن.
كانت دبورة تجلس تحت نخلة بين الرامة وبيت إيل في جبل إفرائيم، وكان الرجال يصعدون إليها لتقضي لهم. وهي التي دفعت باراق لقتال سيسرا فظفر به.
بدأت بالأمر دبورة القاضية وأتمته ياعيل امرأة حاير العيني، فقتلت سيسرا، حين دخل خيمتها فارًّا، وأذلت الكنعانيين أمام شعبها.
ويروي الكُتاب أخبارًا كثيرة عن نساء أخريات ساهمن في شئون جلَّى فكانت لهن جولات مشهورة في جميع الميادين الاجتماعية.
وإذا تقدمنا في التاريخ إلى فجر المسيحية سمعنا القديس بولس، في إحدى رسائله، يوصي الرجال بالنساء خيرًا فيقول لهم: ولا تكونوا قساة عليهن. ثم نتقدم قليلًا فنسمع الحديث الشريف: رفقًا بالقوارير.
وفي المادة ٢١٧ تقول: لا تستطيع المرأة أن تهب ولا تبيع، ولا أن تقتني من غير إذن زوجها ومشاركته. بينا نرى في التوراة إن إحدى النساء بعد أن رفض زوجها أن يرسل زادًا إلى داود، عندما كان فارًّا من وجه شاول، جاءت إليه تحمل الزاد والخمر.
وفي المادة ٢٢٢ تقول: إذا كان الزوج محجورًا عليه، أو غائبًا فإن في استطاعة القاضي أن يفوض المرأة في المثول أمام القضاء.
وتقول في المادة ٢٢٤: إذا كان الزوج قاصرًا فلا بد للمرأة من الحصول على تفويض من القاضي للحضور أمام هيئة القضاة لإبرام عقد.
وهذا ما حمل رنان الفيلسوف الفرنسي على الإعجاب بالشرائع القديمة ففضلها على شرائع أمته إذ قال: إن هذه الشريعة أكثر إنسانية وعدالة من كل ما كُتب في ذلك العهد.
ولشعراء العهد العتيق أقوال طيبة في المرأة المنشودة، قالوا:
سيداتي:
لقد أطريتكن نعتًا فلا يغرنكنَّ ثنائي. اطلبن ما شئتن فهذه مطالب يحققها الزمن، فبريطانيا المعروفة بالمحافظة على التقاليد، جارت روح العصر وأعطت النساء ما أعطت من حقوق. فكان منهن المحافظات ورئيسات مجالس مقاطعات، وقد عينت أخيرًا سيدة في مجلس الملك الاستشاري الخاص. وقد دل الإحصاء، كما قرأت منذ أيام، على أن عدد الموظفات اللواتي يشغلن مناصب رئيسية قد بلغ ٣٥٠٠ سيدة.
إن كل ما تطلبن جائز إلا طلب بعضكن أن تخاطبن بالواو والميم كالرجال بدلًا من التاء والنون، إن هذا شطط. إنه لطمع تأباه موسيقى لغتنا. فنعومة التاء ورخامة النون أليق بكن من خشونة الميم، وضخامة الواو؛ لهذا خص سلفاؤنا الأذكياء جمعكن المؤنث بالتاء والنون لملائمتهما أنوثتكنَّ. ولم يقصر اللغويون العرب عن النحاة في الذوق الفني فقالوا: صفَّقت الرجال وصفَّحت النساء.
أرأيتن الفرق بين صفق وصفح، فلا تطلبن الزيادة لئلا تقعن في النقصان. قد يكون لي معكن غير هذا الحديث من وراء حجاب المذياع، وما أكثفه، ولكن لا بأس، فكأن من أبدعه خاف أن يسحركن جمالي الرهيب، وللمخترعين في خلقهم شئون. وأنا في كل حال لا أخاف منكن ما خافه الأخطل حين قال:
فالشيب ما هو عيب والسلام.