الرسائل
الرسالة الأولى١
لم أفتح رواية جوتييه في الأقصر؛ لأنني كنت قد أمعنت في كتاب «سادهانا لتاجور» فأنفت له أن أخلط قراءته بقراءة أي موضوع مما يجول فيه قلم جوتييه وأشباهه، ورأيت أن لا أكون بخلطي بين الكتابين كمن يغازل في المحراب أو يكتب الخمريات على هامش القرآن، فأقبلت على الكتاب حتى أتممته فإذا سِفر من أجل أسفار الدنيا وأحقها بالدرس والتأمل، ولم أكد أفرغ منه إلا على شوق إلى إعادته. ولست أعني أنني تلقيت الكتاب بالإيمان الكامل، ولا أنه اشتمل على كل ما يُعرف من سر الحياة، فإنني لا أنتظر ذلك من كتاب قط، وحسب المؤلف عندي أن يكون في كلامه ما يصح أن يشغل حصة واحدة في مدرسة الحقائق التي تكشفها الحياة لأبناء الفناء.
ولا شك عندي في استمداد تاجور من أصول الفلسفة الهندية القديمة، ولكنه مهما كان مبلغ استفادته من تلك الفلسفة التي استمد منها العالم أجمع، فقد برع في التفسير والإقناع براعة تقرب من الابتداع، وعندي أن المستشرقين الذين قضوا أجيالًا في نبش دفائن العقائد الهندية وإذاعة كتبهم المقدسة لم يظهروا من روح الهند القديمة لمحة مما استطاع تاجور إظهاره في هذا الكتاب الصغير.
الرسالة الثانية
كتاب «سادهانا» الذي سبقت مني الإشارة إليه هو مجموعة محاضرات تتضمن آراء شتى في الفلسفة الصوفية والدين، كان يشرحها تاجور في مدرسته التي أنشأها ببلدة بلبار من إقليم البنغال للمذاكرة في الحكمة والأدب وفقه الدين، وموضوع الكتاب «تحقيق كنه الحياة» من حيث شعورها بوجدانها، وإحساسها بالخير والشر والجمال، وظهورها في العمل والحب، واتصالها بالكون عامة واللانهاية من وراء ذلك، وقد ألقى بعض هذه المحاضرات بجامعة هارفارد الأمريكية إجابة لطلب الأستاذ جيمس وود، ثم ضمها إلى هذا الكتاب ووسمها بالاسم المتقدم، فكانت بمثابة تفسير لعقيدة تاجور وفلسفته، وهي بعينها عقيدة البراهمة القديمة، لأن الرجل نشأ في بيت اشتهر كباره بالتقوى والورع وإدمان التلاوة في الكتب المقدسة. ولكن تاجور استخدم ملكته الكتابية وموهبته الشعرية في التوضيح والتقريب بضرب الأمثال، وحل الرموز، واستخبار الألفاظ عن معانيها العويصة التي لا تضبطها اللغات إلا بما يشبه الإشارة والتلميح لقلة من يفضي إلى أسرارها، فكان هذا العمل من الشاعر مأثرة على سمعة قومه، بل على قرائه جميعًا، وإن كنت أشك كثيرًا في قدرة سواد الغربيين على فهم وجهة النظر الهندية؛ لأن القوم مغرورون بمدنيتهم غرورًا لا يفيقون من سكرته التي تطمس البصيرة وتكل الإلهام، إلا بعد أن تزول عنهم قوتها وصولتها.
وقد حدثتني على تلك الفئة التي تنعت نفسها بالتحرر من قيود الأدب القديم، وما تقيدت قط بأدب قديم ولا حديث فيكون لها فضل الإفلات من الأسر. وعندي أن هؤلاء الذين يتهجمون على أساطين الآداب الشرقية، ولا يدينون بالشاعرية لغير الغربيين لا يدلون على حرية فكرية أو جرأة أدبية، إنما يدلون على خلو وإقفال وخداج في العقل، مثلهم في ذلك مثل السوائم والأوابد في حريتها؛ فإنها لا تفعل ما تريد علوًّا عن ربقة الأوهام ونبوًّا عن أحكام التقاليد، بل لخلوها من قابلية التقيد حتى بالأوهام الباطلة والتقاليد المهجورة، وعجزها عن فهم الصحيح وغير الصحيح على السواء، وقد يكون لهم بعض العذر إذا قرءوا وتفهموا وقارنوا ثم أخطئوا أسباب المقارنة، واختل معهم ميزان الحكم، فأما وهم ينقدون ما لا يحسنون له مزية، ويرفضون ما لا يعرفون له وزنًا، فهم مسيئون إلى أنفسهم وإلى الناس، بيد أني لا أظن إساءتهم ذات خطر؛ لأنهم لا يقنعون أحدًا بصدق هرائهم إلا كان مثلهم في الغباء وخفة الأحلام، والذي أراه أن ذلك الشيخ الذي كان يحدثك عن كتاب الديوان، ومَن حذا حذوه في الرأي والاطلاع، هم أحق بالخوض في أحاديث الأدب وإبداء الآراء في الشعر والكتابة من أولئك السائمين الهائمين على وجوههم في تيه الخيلاء الفارغة والدعوى الكاذبة، وبودي لو استطعت إزالة اللبس عن عقول أولئك الذين يحسبوننا في عداد الغامطين لكل شعر غير شعر الغربيين، فإنهم يخطئون فهمنا خطأ كبيرًا، فلعل الأيام تسمح لي بالإفاضة في هذا البحث وإظهار معيار الجودة في اعتقادنا إظهارًا يعينهم على معرفة رأينا في كل قصيدة قبل سؤالنا عنها، وينفي عن أفكارهم شبهة التحيز التي لا يعلمون حقيقتها.
الرسالة الثالثة
أخي الفاضل
لم أشك في أنك كنت تعني مقالة «الخصائص» لكارليل عندما أخذت في قراءة وصفك لأثر مقالته التي كنت تقرؤها، وما استجاشته من خواطرك وشجونك، وأفعمت به نفسك من المعاني والتصورات، فإنني لا أعرف للرجل مقالة تستحوذ على لب قارئها استحواذ هذه المقالة الجزلة الممتعة — ولا غرابة — فهي بلا ريب مفتاح فلسفته ومقياس جميع تقديراته للحوادث والرجال، ولا يكمل درس كارليل بغير دراستها واستقصاء أسبابها من تطورات فكره ووقائع عصره. وإن كان لهذه المقالة عيب فهو أنه جعل فيها الحد بين القوة والضعف فاصلًا حاسمًا لا يعتوره وهن ولا يأذن بثلمة أو منفذ. فالذي يقرؤها يتوهم أن هناك عصورًا قوية لا يتخللها ضعف، وأشخاصًا جبابرة لا يلم بهم فتور أو شك، والحقيقة خلاف ذلك، فإن أقوى العصور عرضة لنوبات الحيرة والخوف، وأقدر الرجال قمين أن يتسرب إليه الخور في بعض هجسات نفسه وأوهام خياله، ومن المستحيل استحالة مطلقة أن يسود الإيمان الملهم عصرًا كاملًا أو رجلًا قويًّا في جميع أدوار حياته وأطوار تفكيره؛ لأن الإلهام لا يوحي التفصيل المسهب، وإنما يوحي خاطرًا مجملًا أو عقيدة غامضة، وللفكر أن يُعمل فيها تحليلاته وأقيسته ويُجيل فيها شكوكه أيضًا، ولهذا لن تجد كاتبًا أو شاعرًا أو فيلسوفًا على مستوى واحد في فيض ذلك الوحي وإغداقه، ولهذا كانت مقالة كارليل نفسها مزيجًا من الإلهام والتفكير العميق والاستنتاج المختلف صوابًا وخطأ وحكمة وشططًا، وأنتم مصيبون فيما لحظتموه من كثرة التفكير فيها على غمطة لقيمة والتفكير في كثير من عباراتها — وهو معذور في ذلك — ألم تعرض للأنبياء والقديسين وساوس وشكوك تقبض الصدور وتشغل الأفكار؟ وليست هذه الوساوس والشكوك التي كانوا يسمونها إغواء وخداعًا من الأبالسة والشياطين إلا فترات الضعف في الإيمان واحتجاب الإلهام، وإلا ذلك التردد الذي كان يشكوه كارليل ويقول من شدة بغضه له: إنه وقف على العصور الخابية والنفوس الخافتة، ويسميه أحيانًا لجاجة، وأحيانًا جدلًا، وأحيانًا سفسطة، حتى ليكاد يخلط بينه وبين المنطق الصحيح القويم. ولكن كارليل قليل التدقيق في توجيهات ألفاظه بحيث يظلمه من يحكم على منطقه بكلماته الظاهرة، ولا بد من تجريد النفس من أسر المفردات والخوض معه في عباب المعاني حتى يعطيه القارئ حقه من الإكبار والإنصاف.
حبذا لو تكرمتم فأطلعتموني من أنباء العاصمة الأدبية والسياسية على ما يفوتني علمه بسبب مقامي في أسوان، وسلامي إليكم وإلى الإخوان جميعًا.
الرسالة الرابعة
أخي الفاضل
تسلمت روايتي بلزاك ومرديث وقد شوقتني إليهما، وسأبدأ بقراءة رواية مرديث قريبًا، ولكن ربما مضت برهة قبل إتمامها لأن الرواية طويلة ولست أمعن في القراءة اليوم إلا قليلًا، وسألقاك قريبًا في كل موضع التفات من الرواية، فإن للروايات والكتب معالم تعبرها الأفكار فتلتقي عند الاشتراك في القراءة، وهي بهذا المعرض تلتقي مواجهة لا بالذكرى التي لا يتلاقى بغيرها الجائزون بمعالم الطريق.
الخلاف في أمر المدنية الغربية الحديثة يمكن حصره، فإن كان القصد من تعظيمها أنها بلغت بالصناعات والمعلومات حدًّا لم يتقدمها إليه متقدم معروف، فذلك حق لا ريب فيه ولها الشكر الجزيل عليه. أما إن كان القصد أن هذا التقدم يستلزم حتمًا تفوقًا في الملكات وطاقة العقول، فهنا يقع الخلاف الكثير، فقد يخترع الرجل أداة لطبع ألف نسخة في الساعة ثم يجيء غيره فيخترع آلة أخرى تطبع عشرة آلاف نسخة، ولا يُفهم من هذا إن له من الذكاء والفطنة عشرة أضعاف ما للأول لأن اختراعه أسرع بهذه النسبة. وقد يبتعد السائر عشر مراحل عن نقطة فلا يؤخذ من هذا أنه أقوى على السير ممن لم يبتعد عنها إلا بتسع مراحل؛ لأن الأول ربما لم يسر إلا مرحلة واحدة بدأها من حيث انتهى سابقه، وخلاصة رأيي أن مدنية الغرب الحديثة ليست ببعيدة الغور في نفس الإنسان، فإن اليابان قد أصبحت لها في مدى ثلاثين أو أربعين سنة مدنية مصنوعات ومعلومات كمدنية أوروبا على العموم، فهل يقال: إن مدنية تنقل في أقل من عمر رجل واحد تعد شوطًا كبيرًا في تقدم النوع الإنساني؟ وماذا في صحة المعلومات في ذاتها من الدلالة على عظم القوة المفكرة؟ إن التلميذ الصغير اليوم لأصح علمًا فيما يلقنه من الدروس من أبي الطيب أو أفلاطون، ولكن أين عقل الصبي من عقل الشاعر الحكيم أو الفيلسوف المبتكر؟ وإذا نظرنا إلى الرفاهة المادية نفسها فهل يسعنا الجزم بأن مدنية أوروبا الحديثة زادت سعادة الإنسان أو خففت من شقائه؟ قارن بين رجلين أحدهما ممثل لمدنية قديمة عالية، والثاني ممثل لمدنية العصر الحاضر، فلا يبعد بل الأرجح أنك تجد الأول أفخر ثيابًا، وأشهى طعامًا، وأجمل مسكنًا، وأصح جسدًا من رفيقه، ولا تعرف لمدنية الآخر مزية حتى تسأل في كم من الزمن صُنعت ثيابه أو بُني بيته. هنالك تظهر لنا مزية السرعة، ولكن ماذا وراء ذلك؟ سرعة المخترعات لا تستلزم تفوق القوى المخترعة، وأما بعد ذلك فلا الصانع الحديث ولا المستفيد بصناعته أسعد حالًا من زميليهما في القدم. أزيد على ما تقدم أن الصانع القديم كان أصنع يدًا وأدق حاسة وأكثر مرانًا على استخدام أعضائه من الصانع الحديث الذي صيرته المخترعات آلة تدير آلة، وإني لأعرف في الريف نجارين ينظر أحدهم إلى الخشبة فيقول: إنها زائدة، فإذا قاسها لم يجدها تزيد بأكثر من نصف قيراط، ولم أرَ نجارًا واحدًا تعود الاعتماد على القياس في جميع أعماله يدرك ضعف هذا الفرق.
وهناك كتب أخرى لا أضبط أسماءها لكثرة حروفها وحركاتها. وليست للكتب المذكورة طلاوة كتاب كسادهانا ولا إمتاعه الشعري والأدبي لأنها لم تكن إلا مجموعة شعائر وقصص، وأمثال ومحاورات، هي الديانة البرهمية كما شاء كهان الهند أن يبرزوها للأنظار، لا كما هي في لبابها المجرد، لكن لا يؤخذ من هذا أنها خالية مما يدل على سمو الروح وعلوها في سبحات الفلسفة الدينية وتعطشها إلى إدراك أعلى الكمال المقدور لها في دنياها. خذ مثلًا عقيدة تناسخ الأرواح ثم اتصالها بعد التطهير بالروح الكلي الأعلى، فأي فرض أو أي استدراك مما يرد على الباحث في مصير الروح الإنسانية لم يلحظ في هذه العقيدة المضحكة لمن لم يجشم نفسه هذه المباحث، ففي هذه العقيدة ملحوظ ضعف القول بقسمة الحياة إلى دورين في أحدهما النعيم السرمد أو الشقاء السرمد وفي الآخر التجربة والتحضير، مع العلم بأن هذه التجربة لا تتساوى فيها الفرص ولا الحظوظ ولا النتائج، وملحوظ فيها الرد على الذين يقولون — أوليفر لودج يقول بهذا الآن: إن الروح الحرة أُرسلت إلى العالم لتتقوى بمصادمة قيود المادة، إذ يُرد عليهم بأن الطفل قد يعمر وقد يموت صغيرًا، فماذا يكون نصيب المعاجل في حياته من ذاك التقوي المقصود من الأزل؟ وملحوظ فيها عدم اطمئنان الفكر إلى بقاء الروح منفصلة عن الروح الكلي في العالم الأخير مع بعدها عن مرتبة الكمال وهي مفطورة على طلبه، وملحوظ فيها غرابة القول بالشقاء السرمد أو حصول الجزاء في عالم غير العالم الذي امتُحن فيه الإنسان بالذنوب أو تطهر فيه من العيوب، وملحوظ فيها ما في القول بالقضاء والقدر من التناقض الكثير الذي لا يخلص العقل من شبكته، مهما أجهد نفسه، ومهما بلغ من ميله إلى التسليم، وملحوظ فيها وحدة الحياة من أسفل مظاهرها إلى أرفع كمالاتها المطلقة. وقصارى القول أن هذه العقيدة قد لحظ فيها كل باب موصد ينتهي إليه الباحث في أمر الروح، ثم يرجع عنه طائعًا أو مكرهًا.
يطول الكلام في هذا المضطرب، وأرى أننا متى التقينا أمكننا التقارب في النظر والحكم، فإن ما يقال في جلسة واحدة لا يفي بشرحه عشرات الرسائل. وسلامي إليك وإلى الإخوان جميعًا ١٦ / ١ / ١٩٢٢.
الرسالة الخامسة
أخي الفاضل
لم أتمكن بعدُ من البدء في قراءة رواية مرديث؛ لأننا في أسوان وفي هذا الموسم الذي لا ربيع للمدينة سواه نؤثر الجولان في الخلاء على الجولان في ميادين الأفكار، والتفرج بالنظر إلى وجوه الغربيات الحِسَان على التفرج بالنظر إلى رءوس الغربيين المتفلسفين. ولا أكذبك أن للمدنية الغربية لدينا الآن شفيعات كثيرات، فإذا رأيتني أجور عليها فقد يكون الجور مبالغة في الحذر وخوفًا من المحاباة!
إني أبسط لك ما أنكره على المدنية الغربية وما أعترف به لها، وما أجدني غير مستطيع الاعتراف به توضيحًا للجوانب المختلفة من رأيي في هذه المدنية، فأما الذي أنكره عليها فأن تكون قد أنشأت من عندها تقدمًا روحانيًّا يضاهي تقدم الشرق أو يلحق به. وأما الذي أعترف به فهو أنها أبدعت في الصناعة والعلوم مبدعات لم تُسبق إليها، وربما كان من نتائج هذه المبدعات التقريب بين قوى الإنسان المادية وقواه الروحية بعد دورة تحس فيها القوة المادية غاية جهدها فتقصر عند حدها. وأما الذي لا أستطيع الاعتراف به فالقول بأن للغربيين طاقة فكرية لا تلحق بها طاقة الشرقيين ارتكانًا إلى ما يُشاهد من مخترعات وعلوم في مدنية أوروبا الحديثة، لأنني أعتقد أن الطاقة البدنية لا تقاس بنفاسة الحمل، بل بوزنه، فالرجل الذي يحمل قنطارًا من الحديد كالرجل الذي يحمل قنطارًا من الذهب على بعد الفارق بين الحملين في القيمة، وكذلك الطاقة الفكرية لا تقاس بفائدة الشيء المخترع، ولكن بالمجهود الذي استدعاه إظهاره في ظروفه المحيطة به. وإني حين قلت لك: إن اليابان اقتبست مدنية أوروبا في ثلاثين أو أربعين سنة لم أقصد إلا أن هذه المدنية لا يدل ظهورها على خطوة واسعة في طاقة الفكر تخطوها الفطرة الإنسانية قبل أن تصطبغ بصبغتها. وقد قلت: إن هذه السرعة من مفاخر مدنية العصر الحاضر؛ لأنها تختصر الوقت وتعجل قضاء المطالب، فهل المقصود أن مدنية القوم اخترعت لليابانيين عقولًا غير عقولهم، فبفضل هذه العقول الجديدة اختصروا الوقت، فاكتسبوا في جيل واحد ما لم يكونوا كاسبيه لولا ذلك في عشرات الأجيال، وأنهم أسرعوا في التفكير قياسًا على الفرق بين كتابة اليد الواحدة وكتابة المطبعة الحديثة، أو على الفرق بين نسج النول القديم ونسج المعمل البخاري؟ إنك لا تعني ذلك طبعًا. وما دام العقل لم يتغير فتغير المصنوعات له قيمة محدودة لا يعدوها.
عقيدة الانتهاء بالنيرفانا بوذية، ولكنها برهمية أيضًا؛ لأن البوذيين يُنسبون إلى «بوذا» الرسول البرهمي في كل شيء إلا في تقاليد الطبقات، ولا يخفى أن بوذا يعبد «برهما» فليست نحلته إلا نحلة برهمية.
إنني معك في ضرورة الاهتمام بتعهد الحركة الأدبية المصرية، وقد قلَّبت مشروع إنشاء مجلة على جميع الوجوه، فإن كانت لديكم فكرة عن مشروع آخر يخلو من بعض صعوبات المجلة المعلومة فأرجو أن تشرحوه لي، لأنني لا أرى إنشاء المجلة من السهولة بحيث يُقدَّم على كل فكرة سواه. ولا أكتمك أنني أرتاب في علة رواج كتاب الديوان، فأرى أن حب الأدب وحده لم يكن بأقوى البواعث على لفت الأنظار إليه، فهل تراه كان يُحدِث هذه الزوبعة التي أحدثها لو خلا من حملة معروفة الهدف شديدة الرماية؟ وإذا كان ذوق الجمهور لا يُستفز بغير هذه الوسيلة، فهل تفيده المجاراة فيه؟ وإن أفادته فهل يحتمل كاتب أن يقصر قلمه على هذا الباب من الكتابة؟ ولست أعدد هذه الصعوبات لميل إلى ترك المشروع، بل لشدة ميل إلى حياطته ووقايته.
سلامي إليكم وإلى جميع الإخوان، وأظن أنه لم يبقَ بيننا إلا شهر فبراير القادم، إذا اعتدل الجو، ثم تجمعنا القاهرة ومجالسها المستطابة وأنديتها الجميلة.