الخاتمة الأولى
بهذا تنتهي قصة رانجيت سوبرامانيان.
وليس معنى ذلك أنه لم يعِش — أو «يعيش» — زمنًا طويلًا بعد ذلك. فقد عاش رانجيت زمنًا طويلًا؛ أولًا في حياته «العادية» ثم مُخزنًا في الآلة. علاوةً على ذلك فقد وقعت له أحداث عدة حافلة بالتشويق والإثارة في هذه «الحياة» التالية كمجموعة من الأنماط الإلكترونية. لكننا لن نتطرق إلى معظم تلك الأحداث هنا. ليس لأنها تفتقر إلى عنصر التشويق؛ بل إنها مشوقة. لكنها في الوقت نفسه كثيرة جدًّا. هناك أمور أخرى نقوم بها، وهي أكثر أهمية من تعديد كل الأحداث التي مر بها ذلك الجزء المعنوي من رانجيت سوبرامانيان الذي خُزِّن وواصل حياته طوال سنوات عديدة تالية.
غير أن هناك حدثًا لا بد من الإشارة إليه.
لم يكن هذا الدخيل غريبًا على رانجيت فحسب، وإنما كان غريب الشكل أيضًا. فعيناه صغيرتان وعظام وجهه بارزة ويبلغ من الطول ثلاثة أمتار. وعندما وصل إلى النتوء الصخري الذي كان ينتظر عليه رانجيت ألقى بنفسه على كرسي طويل قابل للطيِّ (لم يكن موجودًا قبل وصول هذا الشخص الغريب)، وأخذ بضعة أنفاس عميقة على نحو مبالغ فيه، وقال: «أمهلني بعض الوقت. «لا بد أن الصعود إلى هنا كان شاقًّا، أليس كذلك؟» أهذا ما ينبغي لي قوله؟»
تعرض رانجيت للإزعاج على يد غرباء كثيرين على مدار البضعة آلاف سنة الماضية بحيث لم يعد للكياسة مكان لديه. لم يرد رانجيت على السؤال. وإنما قال: «من أنت؟ وماذا تريد؟»
بدا الغريب مندهشًا وسعيدًا في الوقت نفسه. وقال: «فهمت. أنت تدخل في صلب الموضوع. حسنًا. اسمي هو …»
غير أنه لم يذكر اسمًا. لقد أصدر ضجيجًا من أصوات يتعذر نطقها، وأتبعها بقوله: «لكن يمكنك أن تدعوني «طالبًا» لأني هنا من أجل دراسة أساليبك في التفكير والتصرف.»
فكر رانجيت في إبعاد هذا المتطفل عن بيئته الخاصة التي أنشأها بعناية، لكنه وجد فيه شيئًا مسلِّيًا. قال رانجيت: «حسنًا، لتدرس في مكان آخر. لم ترغب في القيام بذلك؟»
ملأ الغريب فمه بالهواء حتى انتفخ خداه. وقال: «كيف يمكنني أن أشرح ذلك؟ إنه نوع من الاحتفال بعودة «عظماء المجرة» …»
قال رانجيت: «مهلًا. هل عاد «عظماء المجرة» أخيرًا؟»
– «بالتأكيد عادوا، وذلك بعد — دعني أفكر وفقًا لطريقتكم في الحساب — نحو ثلاثة عشر ألف سنة. تلك ليست فترة طويلة وفقًا لمفهوم الوقت لدى عظماء المجرة، لكنها تكفي لوقوع تغيرات هائلة لدى البشر مثلي.» وأضاف بأسلوب مهذب: «وبالطبع، مثلك أنت أيضًا. ولهذا السبب بدأنا إعادة تجسيد هذه الأحداث، ولأنك قمت بدور ثانوي في عدد منها فقد وقع الاختيار عليَّ لأعيد تجسيد شخصيتك.»
– «أتعني أنكم تعدون فيلمًا عن هذه الأحداث، وأنك ستؤدي دوري؟»
– «ليس «فيلمًا» بالتأكيد. لكن أجل، سوف أجسد دورك.»
– «حسنًا. لم أكن ألقي بالًا لما وقع من أحداث مؤخرًا. حتى إنه لم يصل إلى علمي أن «عظماء المجرة» قد عادوا.»
ارتسمت ملامح الدهشة على وجه الغريب. وقال: «لكنهم عادوا بكل تأكيد. لقد أخبروا «تساعيي الأطراف» وكائنات «واحد فاصل خمسة» أنهم سيغيبون فترة قصيرة. وهو ما حدث بالفعل. رغم أن ثلاثة عشر ألف سنة هي فترة قصيرة وفقًا لمعاييرهم هم، وليس وفقًا لمعاييرنا. يبدو أن «عظماء المجرة» قد أصيبوا بدهشة عندما وجدوا أننا قد تطورنا بهذه السرعة. تلك هي المرة الأولى التي يسمحون فيها لكائنات عاقلة بتطوير نفسها وفق السرعة التي تناسبها؛ لأنهم دأبوا على منع جميع الأجناس الأخرى التي اكتشفوها من التطور. لكني لا أظن أنهم يمانعون في التخفف من أعبائهم.» حاول الغريب تحريك شفتيه هنيهة، ثم قال لرانجيت: «أيمكنك أن تقول «حسنًا» مرة أخرى من فضلك؟»
– «حسنًا» قالها رانجيت ليس تلبيةً لطلب هذا الشخص فحسب، وإنما لأنه لم يجد ردًّا آخر على ما سمعه لتوِّه. «ماذا تعني؟ التخفف من أي عبء؟»
قال الغريب وهو يتأمل النظرة التي علت وجه رانجيت ويحاول تقليدها بنفسه: «إدارة الأمور. ليس لأنهم لم يتقنوا عملهم، غالبًا. لكن كانوا مخطئين عندما حالوا دون تطور العديد من الأجناس المثيرة للانتباه. وعلى الرغم من أن النواحي الفنية كانت على ما يرام بوجه عام، فلا بد أن تقر بأن ما فعلوه بالثابت الكوني لَهُو أمر مربك تمامًا.»
وقف رانجيت منتصبًا. وقال: «حسنًا، إذا لم تعد مقاليد الأمور في أيدي عظماء المجرة، ألا يُفترض بأحد أن يتولى هذه المسئولية نيابة عنهم؟»
قال الغريب في لهفة: «بالتأكيد. ظننت أنك تعرف. هناك أحد بالفعل. نحن من يتولى تلك المسئولية الآن.»