الشهرة
ما إن عاد رانجيت إلى منزل فورهولست تلك الليلة حتى أعلنت بيتريكس فورهولست. قائلة: «ستدخل عالم الشهرة حالما تنشر المجلة مقالك. الشهرة حقًّا!»
لكنها كانت مخطئة. إذ لم يستغرق الأمر كل هذا الوقت؛ فقبل أيام من بدء آلات الطباعة لدى المجلة في طباعة مئات الآلاف من النسخ التي ستذيع شهرة رانجيت في العالم، كانت الشهرة قد تحققت بالفعل. سرَّب أحد الأشخاص — ربما أحد العاملين في مجلة «نيتشر» أو أحد محققيها — القصة، وهكذا بدأ المراسلون الصحفيون في الاتصال برانجيت. في البداية تلقى اتصالًا من هيئة الإذاعة البريطانية، ثم من شخص في جريدة «نيويورك تايمز»، ثم انهالت عليه الاتصالات من الجميع؛ كلهم يريدون توضيحًا منه لمفتاح حل نظرية فيرما ولماذا استغرق إثبات صحة النظرية كل هذا الوقت.
لم يجد رانجيت صعوبة في الإجابة عن كل هذه الأسئلة. في حين وجد صعوبة بالغة في الرد عندما كان يسأله أحدهم عن شائعة دخوله السجن، لكن دو سارام سهَّل عليه الأمر. وقال: «أخبِرْهم أن محاميك طلب منك ألا تتحدث في هذا الشأن؛ لأن القضية لا تزال منظورة أمام القضاء. وسوف أجعل هذا الأمر صحيحًا عن طريق اتخاذ إجراء نيابة عنك ضد شركة خطوط الرحلات البحرية.»
اعترض رانجيت: «لكني لا أريد أموالًا منهم.»
قال المحامي: «لا تقلق. فلن تحصل على أي أموال. سوف أتأكد من ذلك، لكن هذا الإجراء سيكون كافيًا لأي شخص لرفض الإجابة عن أي سؤال … لأن الدكتور باندارا شدد على أن هذا الموضوع برمته غير قابل للنقاش.»
أثمرت هذه الحيلة عن نتيجة جيدة، لكنها لم تؤثر في تقليل عدد الأشخاص الذين يريدون منه أن يجلس بمفرده معهم — أو بالأحرى معهم ومع فريق عملهم المكون من عدد كبير من فنيي التسجيل — وأن يخبرهم بكل شيء حول شخصية فيرما والسبب الذي جعله يتصرف بأسلوب غريب للغاية هكذا. وعندما لجأ رانجيت إلى دو سارام مرة أخرى لطلب المساعدة أخبره أن الطريقة الوحيدة لتقليل فضولهم هي الحديث علنًا. كان هذا يعني عقد مؤتمر صحفي وإخبار كل من يرغب في سماع القصة بأكملها بها مرة واحدة.
كان دو سارام ورانجيت ومايرا دو سويزا وبيتريكس فورهولست يجلسون بجوار حوض السباحة في منزل فورهولست؛ إذ لم يعد الذهاب إلى منزل دو سويزا إلى الشاطئ مصدرًا لمتعة رانجيت أو مايرا؛ لأن متطفلي الصحافة عرفوا مكانهما هناك؛ ولذا أصبحت مايرا تأتي للسباحة مع رانجيت في حوض السباحة. قال دو سارام وهو يدفع كرسيه ببطء ليستظل بالمظلة الكبيرة المطلة على الحوض: «تحدثت إلى الدكتور باندارا في هذا الشأن. وهو على يقين من أن الجامعة ستوفر لك مكانًا لعقد المؤتمر الصحفي. والواقع أنه ذكر أن هذا الحدث سيكون مصدر فخر للجامعة.»
قال رانجيت منزعجًا: «ماذا سأقول؟»
أجابه دو سارام: «ستخبرهم بما فعلته. هذا باستثناء كل التفاصيل التي يرى الدكتور باندارا ضرورة لعدم الإفصاح عنها بالطبع.» وضع دو سارام كوبه، وابتسم إلى السيدة فورهولست. ثم قال: «كلَّا، لا أريد المزيد من الشاي، شكرًا لكِ. أود العودة إلى المكتب. وسأجد طريق الخروج من هنا بنفسي.»
صافحته السيدة فورهولست، ولم تعترض على رحيله. ثم قالت لرانجيت ومايرا: «في الواقع أظنها فكرة رائعة. وأتشوق إلى سماع هذا الحديث.» ثم التفتت إلى مايرا، وقالت: «عزيزتي، أتذكرين الغرفة التي اعتدت النوم فيها عندما كان يتأخر والداك؟ إنها لا تزال على حالها بجوار غرفة رانجيت. إذا أردتِ المبيت فيها في أي وقت تشائين فهي لكِ.»
وهكذا عندما ذهب رانجيت إلى النوم تلك الليلة، كان عليه أن يعتبر هذا اليوم يومًا جيدًا. صحيح أن خبرته في الحديث أمام الناس ضئيلة جدًّا، وهو ما جعله يشعر بشيء من القلق. لكن ها هي مايرا تنام بجواره على الوسادة، وبوجه عام يبدو أن الأمور بدأت تسير على ما يرام في النهاية.
•••
كانت القاعة التي خصصتها الجامعة لعقد مؤتمر رانجيت الصحفي واسعة إلى حد بعيد، وكان لا بد من ذلك. فقد امتلأت مقاعدها التي تتسع لأربعة آلاف وثلاثمائة وخمسين شخصًا، ولم يكن جميع الحضور من المراسلين الصحفيين. كان يوجد عدة مئات من المراسلين الصحفيين، لكن يبدو أن نصف أهل سريلانكا قرروا حضور المؤتمر أيضًا. وبجانب سعداء الحظ الذين حضروا المؤتمر فإن نحو ١٠٠٠ شخص آخر شاهدوا وقائعه على شاشة تليفزيون ذي دائرة مغلقة في قاعة أخرى داخل الحرم الجامعي تاركين عددًا كبيرًا من الأشخاص المهمين للغاية (على حد وصفهم لأنفسهم) يتميزون غيظًا لمشاهدة الحدث على شاشات البث التليفزيونية.
عندما ألقى رانجيت سوبرامانيان نظرة على الحضور من خلال فتحة في الستارة، رأى حشدًا هائلًا من الناس. ولم يقتصر الأمر على عدد الأشخاص داخل القاعة. وإنما تمثل كذلك في هوية هؤلاء الأشخاص؛ فرئيس سريلانكا يجلس في الصف الأمامي. وهناك أيضًا اثنان أو ثلاثة من المرشحين المحتملين للانتخابات القادمة إضافة إلى أسرة فورهولست، ويا للدهشة! ها هو الأستاذ الذي درَّس الرياضيات لرانجيت في السابق والذي لم يكن لديه من الكياسة ما يجعله يشعر بالخزي كما هو متوقع، وإنما بدلًا من ذلك كان يبتسم ويومئ لكل من يجلس في مكان أقل تميزًا عن مكانه.
عندما بدأت الستارة في الارتفاع، نظر الرجل الجالس في المقعد المجاور لرانجيت إليه نظرة مطَمْئنة. قال الدكتور داتوسينا باندارا الذي استقل الطائرة على نحو مفاجئ تاركًا عمله السري لدى الأمم المتحدة من أجل تقديم رانجيت: «ستكون على ما يرام.» ثم أضاف: «كنت أتمنى أن يحضر جاميني، وهو أيضًا كان يتمنى ذلك، لكنه مشغول بالتجنيد في نيبال»، حينئذٍ كانت الستارة قد ارتفعت والأضواء سُلِّطت على رانجيت، فتوجه الدكتور باندارا إلى المنصة دون أن يوضح تحديدًا طبيعة هذا التجنيد الذي لا بد لجاميني أن يذهب إلى نيبال من أجله.
وبعدها بوقت أقل مما توقع رانجيت، وجد نفسه واقفًا أمام المنصة وقد امتلأت القاعة بالتصفيق.
انتظر رانجيت في تروٍّ انقطاع صوت التصفيق. لكن عندما لم ينقطع الصوت تنحنح. وقال: «أشكركم. أشكركم جميعًا.» وعندما هدأ الصوت قليلًا بدأ حديثه:
«الرجل الذي عَرَّفَني — بل عرَّف العالم — على هذه المسألة هو فيرما الذي كان يعمل محاميًا في فرنسا قبل بضعة قرون …»
وعندما وصل رانجيت إلى الملحوظة الشهيرة في هامش إحدى صفحات كتاب ديوفانتس، هدأ التصفيق، وأرهف الجمهور سمعه. لم يكن الجمهور هادئًا طوال الحوار، وتعالى الضحك عندما ذكر رانجيت أنه كان يمكن تلافي الكثير من المشكلات لو أن هوامش الكتاب الذي يقرؤه فيرما كانت أكثر اتساعًا. وصفق الجمهور مجددًا — بأسلوب منظم إلى حدٍّ ما — عندما تحدث رانجيت عن كل خطوة كانت تزيد فهمه لما تحدث عنه فيرما. وعندما تحدث عن عمل صوفي جيرما وكيف أنه كان مفتاح حل النظرية صفق الجمهور تصفيقًا حادًّا. وظلوا يصفقون في كل فرصة إلى أن وصل بهم رانجيت إلى اللحظة التي تأكد عندها تمامًا — أو على الأقل تأكد إلى حد بعيد — أنه توصل بالفعل إلى برهان منطقي لنظرية فيرما الأخيرة.
توقف رانجيت، وابتسم وهز رأسه. ثم تساءل: «ألديكم أي فكرة عن مدى صعوبة استظهار برهان رياضي يتألف من خمس صفحات؟ لم يكن لديَّ أي شيء لكتابة البرهان. ولم أستطع تدوينه. كل ما أمكنني القيام به هو مراجعة البرهان مرارًا وتكرارًا مع تكرار كل خطوة بسيطة مئات أو ربما آلاف المرات … وعندما نجَوْت، كان كل ما أفكر فيه هو الحصول على كمبيوتر وكتابة البرهان في الحال …»
أنهى رانجيت حديثه بقوله: «وهذا ما فعلته» تاركًا الحضور يصفقون بحدة إلى أن أعياهم التصفيق. وهو ما استغرق وقتًا طويلًا حتى تمكَّن من الحديث مرة أخرى فقال: «وهكذا فإن عليَّ التوجه بالشكر لأعز أصدقائي جاميني باندارا وكذلك والده الدكتور داتوسينا باندارا.» أشار رانجيت ناحية الرجل المسن الذي بدا عليه الوقار وهو ينال حظه من التصفيق. ثم أردف: «وهناك شخصان أدين لهما بالفضل أيضًا. الأول هو أبي الراحل جانيش سوبرامانيان من معبد تيرو كوينسفارام في ترينكومالي. والثانية هي من تختفي وراء الستار هناك، لكنها أول من أشارت عليَّ بأن سر الوصول إلى ما اكتشفه فيرما يكمن في دراسة الخطوات الرياضية التي كانت مستخدمة في تلك الفترة ومحاولة استنتاج الخطوات الأخرى التي من المحتمل أن يكون فيرما قد استنبطها منها. لا أدري ما كنت سأفعل بدونها، ولا أنوي المجازفة بغيابها عني مرة أخرى. لذا تقدمي وخذي بيدي دكتورة مايرا دو سويزا …»
تقدمت مايرا، ومع أن رانجيت كان لا يزال يتحدث عندما ظهرت فإنه كان من الصعب تمييز ما يقول. فقد قوبلت مايرا بموجة من التصفيق الحاد فاقت ما قوبل به رانجيت نفسه، ربما لأن الجمهور قرأ كل ما كان مكتوبًا على وجه رانجيت عندما تحدث عنها، أو ربما لأنها بالقطع كانت الأكثر جاذبية.
كان رانجيت يود أن يدع تصفيق الجمهور لها يستمر إلى الأبد، لكن مايرا كانت تهز رأسها. وقالت: «شكرًا لكم، لكن دعونا نستمع إلى باقي القصة من رانجيت.» ثم تراجعت إلى الخلف وجلست في مقعد رانجيت تنصت إليه.
استدار رانجيت إلى الجمهور. وقال: «تلك هي النهاية، لكني وعدت بالإجابة عن بعض الأسئلة …»
•••
وهكذا انتهى المؤتمر الصحفي، وتفادى رانجيت بمهارة جميع الأسئلة التي تتعلق بمكان أو سبب دخوله السجن. ثم عاد إلى منزل فورهولست بصحبة أقل عدد تبقَّى من الضيوف من قاعة الجامعة. وكان من بينهم أول صفين من القاعة، وعدد قليل آخر، وطاقم من الخدم استؤجروا لهذه المناسبة من أجل توزيع المشروبات والوجبات الخفيفة على الحاضرين. (وذلك حتى يتسنى للخدم الفعليين في منزل فورهولست — الذين يعتبر كل واحد منهم نفسه مسئولًا بصفة شخصية عن جزء من هذا الحدث — حضور الحفل كأنهم ضيوف.) جلس رانجيت ومايرا متشابكي الأيدي أحدهما بجانب الآخر تبدو عليهما السعادة البالغة. وهكذا كان حال جميع الضيوف حتى إنهم لم يلتفتوا إلى الشامبانيا التي كان يوزعها الخدم.
كان الدكتور باندارا في طريق العودة إلى نيويورك في طائرته بوينج-إيرباص ٢٢٠٠، لكن قبل رحيله أخذ رانجيت جانبًا ليحادثه على انفراد. وقال له: «لا شك أنك ستحتاج إلى عمل»، فأومأ رانجيت.
وأردف قائلًا: «ذكر جاميني شيئًا عن العمل معه.»
قال داتوسينا باندارا: «أتمنى ذلك، لكن يؤسفني أن هذا لن يتم في الحال. وفي نفس الوقت فقد نما إلى علمي أن الجامعة تستعد لعرض وظيفة عليك ضمن هيئة التدريس بها لتُدَرِّس لعدد من الصفوف المتقدمة وتُجري أبحاثك الخاصة إذا شئت.»
قال رانجيت: «لكنني لست أستاذًا بالجامعة! إنني حتى لم أتخرج بعد!»
قال الدكتور باندارا بأناة: «أستاذ الجامعة ليس سوى شخص تعينه الجامعة في هذا المنصب. ولا تقلق بشأن الشهادات التي تنقصك؛ لأني أتوقع أنك ستُمنح جميع الشهادات التي تتطلع إليها.»
قالت مايرا وهي تضحك: «على رسلك! دعي المسكين يلتقط أنفاسه.»
لكن مساعد السكرتير كان يلوح للسيدة بورقة أخرى طبعها للتوِّ، فألقت نظرة عليها، وعضت شفتيها، ثم قالت: «حسنًا، لا علاقة لهذه الورقة بالمال، لكني أظن أنك سترغب في رؤيتها يا رانجيت. وأنت أيضًا يا مايرا.»
سألت مايرا: «أنا؟ لماذا أنا؟»
«كان والدك سيفخر كثيرًا ويبتهج مثلنا جميعًا لأنك ستتزوج. من فضلك لا ترجئ الأمر طويلًا! لا تنتظر قدوم الأشهر المشهورة بسوء الطالع. وابتعد بالطبع عن يومَي السبت والثلاثاء.»
نظرت مايرا إلى رانجيت الذي كان يحدق النظر إليها في ارتباك. ثم تساءل: «هل ذكرتُ أي شيء عن الزواج؟»
اكتسى وجه مايرا بحمرة الخجل. وأجابت: «حسنًا، لقد قلتَ عني كلامًا جميلًا.»
قال رانجيت: «لا أتذكر أني قلت شيئًا كهذا. لا بد أنه عقلي الباطن.» ثم أخذ نفسًا عميقًا وقال: «وهذا يثبت أن علقي الباطن أذكي مني. إذن ما رأيك يا مايرا؟ هل توافقين؟»
– «بالطبع أوافق.» قالتها مايرا كأنه أكثر الأسئلة التي أُلقيت على مسامعها من قبل حماقةً. وهكذا انتهى الأمر.
في وقت لاحق عندما دفعهما الفضول إلى مشاهدة لقطات من حديث رانجيت اكتشفا أن ما قاله لم يكن يعني سوى حقيقة بديهية واضحة، وهي أنه لا يتخيل قضاء ما تبقى من حياته دونها … لكن هذا كان كافيًا، وعلى أي حال كان رانجيت ومايرا في حكم المتزوجين فعليًّا.
•••
هل سار كل شيء على ما يرام لهذين الحبيبين؟
سارت الأمور على ما يرام إلى حد بعيد. السؤال المهم الذي لا بد من حسمه لم يكن يتعلق بهل ينبغي لهما الزواج أم لا؛ إذ لم يكن هناك أدنى شك في ذلك، ولم يتعلق أيضًا بالموعد؛ لأنهما ينويان الزواج في أقرب وقت ممكن. الأسئلة المهمة تتعلق بالمكان وبمن سيُزَوِّجهما. لكن الإجابة عن هذه الأسئلة بدت سهلة أيضًا؛ فآل فورهولست وآل باندارا ومعهم آل دو سويزا يستطيعون الوصول إلى جميع الكنائس في مدينة كولومبو وجميع مكاتب توثيق الزواج أيضًا، وعندما قطعوا شوطًا طويلًا في عملية استبعاد الكنائس الأقل جاذبية في نظرهم، لاحظت مايرا نظرة الشرود في عينَي رانجيت.
وعندما سألته مايرا، لم يبدِ اهتمامًا. وقال: «في الواقع لا شيء؛ لا شيء على الإطلاق.»
ومع إصرار مايرا استسلم رانجيت وأراها رسالة أخرى من الراهب المسن: «كان والدك سيسعد كثيرًا بزواجك في معبده.»
قرأتها مايرا مرتين، ثم ابتسمت. وقالت: «أيًّا ما كان. لا أظن أن مجلس الكنيسة في سريلانكا سيهتمون بذلك. سوف أخبر الجميع.»
بالطبع أدرك «الجميع» على الفور أن رغبات رانجيت ستكون موضع تنفيذ مايرا، وهذا ما حدث. وإذا كان هناك شيء من خيبة الأمل لدى بعض الجماعات في كولومبو، فهناك ابتهاج كبير بين الجماعات الأخرى في ترينكومالي. سرعان ما أدرك الراهب العجوز أن الاحتفال لا بد وأن يكون بسيطًا. وفكر متلهفًا في طقوس الزفاف الرائعة التي كانوا سيقيمونها للعروس — إن كان في استطاعتهم ذلك — وكيف أن وصول العريس إلى المعبد كان سيُزَيَّن بأفضل أنواع الفاكهة والأزهار. بهذه الصورة يكاد الزفاف يكون عرضًا شاملًا؛ أليس كذلك؟ وأي شيء كهذا سيلفت الكثير من الانتباه في الوقت الذي يرغب فيه الاثنان في التواري عن الأنظار. إذن لا داعي لهذه الطقوس، وإن كان الراهب قد تأكد أن المجموعة المرافقة للعروس تحمل القدر اللازم من الحلوى التي ستُقَدَّم إلى العريس.
أفضل ميزة في تبسيط مراسم الزفاف هي إمكانية إتمام الزفاف بسرعة بالغة، ولهذا السبب فإنه في أقل من أسبوع كان العروسان في ترينكومالي، أو بالأحرى كانا متخفيين في ترينكومالي؛ لأنهما حاولا إخفاء وجوههما المعروفة لدى العامة.
ولهذا السبب حضر الحفل عدد قليل من الأفراد، وردد رانجيت الكلمات التي كتبها الراهب العجوز له، وتركت مايرا الراهب يربط حول معصمها الخيط المقدس الذي سيمنع عنهما الأذى، في حين امتلأت جميع أرجاء الغرفة بكثير من الأزهار، وتعالى دوي أصوات الأبواق والطبول. بعدئذٍ انتهى الأمر، وربط بينهما عقد زواج لا انفصام لعراه، وعادا إلى سيارة الشرطة التي ستقطع بهما طريق العودة الطويل إلى منزل فورهولست. دعا لهما الرهبان وهما يغادران بالعمر المديد، والواقع أن رانجيت ومايرا تملَّكهما يقين أن هذا هو ما ينتظرهما.
غير أن أشخاصًا آخرين — في أماكن بعيدة — كانت لديهم توقعات مختلفة تمامًا.
هؤلاء الأشخاص هم كائنات «واحد فاصل خمسة»؛ القتلة المأجورون الذين يعملون لحساب عظماء المجرة. كانت هذه الكائنات تنفذ أوامر «عظماء المجرة» بإنهاء الفوضى التي شاعت على سطح الكوكب الذي يحتل الموقع الثالث بعدًا عن ذلك النجم الأصفر العديم الأهمية، وكان أسطولهم الحربي يتقدم في طريق رحلته. ولأن سفن الفضاء التي يستقلونها هي أجسام مادية، فإنهم لن يتمكنوا من تخطي سرعة الضوء. ربما يستغرق زمن الانتقال سنوات عديدة تتبعها بضعة أيام من الفناء الفعلي، وبعدها سيكون هذان العروسان — وجميع البشر في كل مكان — في عداد الموتى.
ربما لا يحيا رانجيت ومايرا حياة مديدة في نهاية الأمر.