نبأٌ سارٌّ
عندما انتهت الحلقة الدراسية، لم يتمكن أحد من الطلاب من إيجاد برهان قاطع على وجود عدد لا نهائي من الأزواج الأولية، لم يتوقع رانجيت حينئذٍ نجاح أحد في إيجاد البرهان. ولم يتوقع الدكتور دافودبوي ذلك أيضًا. على الرغم من هذا فإن علامات الرضا بدت واضحة على وجه الدكتور دافودبوي أكثر من ذي قبل أثناء اجتماعه برانجيت بعد انتهاء الحلقة الدراسية. لوَّح دافودبوي بالأوراق الخاصة بتعليقات الطلاب أمام رانجيت، وارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة. وهو يقول: «استمع إلى هذه التعليقات.» «شعرت أني لم أكن أتعلم كيف أحل مسألة رياضية فحسب، بل كنت أتعلم كل ما يدور حوله حل المسائل الرياضية.»، و: «عمل رائع. لا يعاملنا الدكتور سوبرامانيان كالأطفال، بل كأعضاء جدد ضمن فريقه البحثي.»، وأيضًا: «أيمكنني الانضمام إلى حلقته الدراسية التالية أيضًا؟»، وماذا عساك أن ترد على …» ألقى دافودبوي نظرة ثانية على الورقة واستطرد: «على هذه الفتاة التي تدعى راميا سالجادو؟»
بدا القلق على رانجيت. وقال: «أعرف هذه الفتاة، كانت تبدي نشاطًا كبيرًا أثناء المحاضرات. ربما إذا احتجنا شخصًا متحمسًا نستكمل به عدد الصف.»
قال دافودبوي: «أظن أنه لا داعي للقلق بهذا الشأن. ألا تريد إعداد حلقة دراسية أخرى؟ هل فكرت في موضوع لها؟ ربما موضوع مثل فرضية ريمان؟»
نَبَّهَه رانجيت قائلًا: «ثمة براهين على هذه الفرضية.»
قال: «يعتقد البعض أنها ليست براهين مقبولة. وعلى أي حال فقد كان هناك برهان لنظرية فيرما أيضًا — وهو برهان وايلز — لكن ذلك لم يمنعك من إيجاد برهان أفضل.»
فكر رانجيت في الأمر، وهز رأسه. ثم قال: «أخشى أن فرضية ريمان بالغة التعقيد حتى إنها لن تثير اهتمام أي شخص سوى عالم رياضيات محترف. كيف يمكنك أن تثير اهتمام طالب عادي في الجامعة بكيفية توزيع الأصفار في دالة زيتا ريمان؟ هناك مسائل أخرى أفضل. مثل تنقيح أويلر لفرضية جولدباخ. إنها مسألة رائعة. وتنص على أنه يمكن التعبير عن جميع الأعداد الصحيحة الزوجية الموجبة الأكبر من العدد أربعة في صورة مجموع عددين أوليين. فالعدد ستة يساوي ثلاثة زائد ثلاثة، والعدد ثمانية يساوي خمسة زائد ثلاثة، والعدد عشرة يساوي خمسة زائد خمسة أو سبعة زائد ثلاثة. بإمكان أي شخص أن يفهم هذه القاعدة! لكن لم يستطع أحد إثباتها … حتى الآن.»
فكَّر دافودبوي بضع لحظات، ثم أومأ. وقال: «فلتحاول إثباتها يا رانجيت. وربما أَحْضُر واحدة من تلك المحاضرات بنفسي.»
•••
ومع مرور السنوات بدأ رانجيت يدرك أنه أحب التدريس حقًّا. فكل فصل دراسي يأتي بمجموعة جديدة من الطلاب المتحمسين، وبطبيعة الحال كان رانجيت مهتمًّا بالتقارير الشهرية التي ترصد تطور العمل في مشروع السلم الفضائي، فضلًا عن أن ناتاشا بدأت تكبر في السن قليلًا، وكان يُتوقع لها مستقبل باهر. لم يكن هناك دليل واضح يؤكد مخاوف مايرا بشأن تقسيم الدول الثلاث الراعية لمنظمة السلام عن طريق الشفافية العالمَ فيما بينها. فقد استُخْدِم سلاح الرعد الصامت في غزو أمريكا الجنوبية غزوًا هادئًا مثلما حدث في شبه الجزيرة الكورية. ولم يسفر ذلك عن الكثير من الضحايا. وبسرعة جرى التعامل مع مشكلات توفير الغذاء والرعاية للشعب الذي افتقر إلى التكنولوجيا على حين غرة. راقبت دول العالم الخارجي ما يحدث، وتباحثت بشأنه، ويبدو أنها اتفقت على قيام منظمة السلام عن طريق الشفافية بعمل جيد إلى حد ما.
عرف رانجيت أن أحد أسباب نجاح هذه العملية ترجع إلى دقة التخطيط لها. فقبل أسابيع من الهجوم حُمِّلَت حاملتا الطائرات الأمريكيتان القديمتان الناجيتان بكل ما يلزم لهذه المهمة، وكانت أغلب البضائع من روسيا والصين. وبعد الاستعداد التام أُطْلِقَت حاملتا الطائرات في خليج المكسيك في «بعثات تدريبية» حسب البيان الصادر عن البنتاجون، والواقع أنها كانت على استعداد لبدء توفير مساعدات الطوارئ قبل تلاشي صدى الانفجارات النووية لسلاح الرعد الصامت. لقد أقرت مايرا نفسها أن النتائج لم تكن سيئة.
كان رانجيت ومايرا وناتاشا يتناولون طعام الإفطار على مهل في أحد أيام العطلة في الحديقة. كان رانجيت يدرس الخيارات المتاحة والمتعلقة بمحاضراته على إحدى الشاشات، ومايرا تتابع الأخبار في فتور على شاشة أخرى، في حين كانت ناتاشا — التي أوشكت على إتمام عامها الثاني عشر — تسبح على ظهرها في حوض السباحة. حينئذٍ تنهدت مايرا. ورفعت بصرها، ثم قالت لزوجها: «يبدو أنها على وشك التوصل إلى اتفاق. أقصد كينيا ومصر والدول الأخرى المعتمدة على مياه نهر النيل.»
ابتسم لها رانجيت ابتسامة هادئة. وقال: «كنت أعرف ذلك.» والواقع أن رانجيت كان أبعد ما يكون عن معرفة ذلك في وقت ما — قبل أقل من ستة أشهر — عندما عبأ رئيسا الدولتين قواهما العسكرية التي لا يستهان بها وأرسل كل منهما جيشه متوعدًا جيش الآخر. لكن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رد عليهما بواحد من تحذيراته الشديدة اللهجة. فكرت مايرا مليًّا، وقالت: «أظن أنهم يأخذون تحذيرات مجلس الأمن على محمل الجد الآن بسبب التلويح الدائم بسلاح الرعد الصامت.»
أثبت رانجيت أنه زوج ذكي حين لم يجب مايرا بقوله: «لقد أخبرتكِ بذلك.» فكل ما قاله هو: «أنا سعيد لأنهم يسعون إلى التوصل إلى اتفاق. اسمعي. ما رأيك أن تدور حلقتي الدراسية التالية عن فرضية كولاتز؟»
بدت الحيرة على وجه مايرا. وقالت: «لا أظن أني سمعت بها من قبل.»
وافقها رانجيت: «هذا صحيح في الأغلب. معظم الناس لا يعرفونه. لم ينل لوتر كولاتز أبدًا حقه من الشهرة. سوف أوضح لك هذه الفرضية.» أدار رانجيت الشاشة ليستطيعا رؤيتها معًا. «اختاري عددًا يتكون من أقل من ثلاثة أرقام؛ يمكن تطبيق الفرضية على الأرقام الكبيرة أيضًا، لكنها تستغرق وقتًا طويلًا. هل اخترتِ العدد؟»
فكرت مايرا ثم قالت: «حسنًا، ما رأيك في العدد ثمانية؟»
أجابها: «اختيار جيد. اقسمي العدد على اثنين، واستمري في القسمة على اثنين إلى أن تصلي إلى عدد لا يقبل القسمة على اثنين دون باقٍ.»
فعلت مايرا ما طلبه رانجيت: «ثمانية، أربعة، اثنان، واحد. أتعني هذا؟»
قال: «هذا ما أعنيه تمامًا. انتظري لحظة حتى أكتب ذلك على الشاشة … حسنًا. سوف نطلق على ذلك قاعدة كولاتز الأولى: عندما يكون العدد زوجيًّا، نقسمه على اثنين ونستمر في القسمة على اثنين إلى أن يصبح الناتج عددًا فرديًّا. اختاري عددًا فرديًّا.»
فكرت مايرا هنيهة، ثم قالت: «خمسة؟»
تنهد رانجيت. وقال: «حسنًا، سوف نستخدم الأرقام السهلة فحسب. الآن، سنطبق القاعدة الثانية. إذا كان العدد فرديًّا نضربه في ثلاثة ونضيف إليه واحدًا.»
أجابت مايرا: «خمسة عشر … ستة عشر.»
قال: «جيد. الآن حصلنا على عدد زوجي آخر؛ لذا سنعود إلى القاعدة الأولى. دعيني أكتب ذلك على الشاشة.»
عندما كتب رانجيت ثمانية، أربعة، اثنان، واحد بجوار الأعداد التي كتبها قبل ذلك، رفعت مايرا حاجبيها. وقالت: «ما هذا! إنها نفس الأعداد.»
ابتسم رانجيت ابتسامة عريضة. وقال: «وتلك هي الفكرة التي تقوم عليها الفرضية. اختاري أي عدد — حتى وإن كان أكبر عدد يخطر ببالك — وطبِّقي عليه هاتين القاعدتين. اقسمي العدد على اثنين إذا كان زوجيًّا، واضربيه في ثلاثة ثم أضيفي إليه واحدًا إذا كان فرديًّا، وستكون النتيجة واحدًا كل مرة. حتى وإن كان العدد الذي بدأتِ به كبيرًا جدًّا … انتظري، سوف أريكِ ذلك.»
كتب رانجيت عددًا من أوامر البرمجة على الشاشة، وحدد العدد سبعة وعشرين كبداية. ومن خلال التبديل بين القاعدتين الأولى والثانية وفق ما حدد رانجيت عرضت الشاشة ما يلي: «٨١ … ٨٢ … ٤١ … ١٢٣ … ١٢٤ … ٦٢ … ٣١ … ٩٣ … ٩٤ … ٤٧ … ١٤١ … ١٤٢ … ٧١ … ٢١٣ … ٢١٤ … ١٠٧ …» إلى أن أوقف رانجيت تشغيلها. وقال: «أرأيتِ كيف تستمر الأعداد في الزيادة تارة وفي النقصان تارة أخرى؟ الأمر مثير إلى حد ما، وفي بعض الأحيان تصبح الأعداد كبيرة جدًّا؛ فهناك أشخاص في جامعة كارنيجي ميلون وصلوا إلى أعداد مكونة من أكثر من خمسين ألف رقم، لكنها تئول دائمًا في النهاية إلى العدد واحد.»
قالت مايرا بهدوء: «حسنًا، بالتأكيد هذا يحدث. ولِمَ لا؟»
نظر إليها رانجيت بحدة. وقال: «نحن علماء الرياضيات لا نؤمن بما يبدو بديهيًّا. فما يعنينا هو وجود برهان! وضع كولاتز فرضيته عام ١٩٣٧، وفيها ذكر أن هذه القاعدة تنطبق على أي عدد كان على سلسلة الأعداد التي تصل إلى ما لا نهاية. ولكن لم تُثبت على الإطلاق.»
أومأت مايرا في شرود. وقالت: «تبدو هذه فكرة جيدة.» ثم وضعت يدها فوق عينيها وهي تتجه بنظرها ناحية حوض السباحة وترفع صوتها: «من الأفضل أن تأخذي قسطًا من الراحة يا تاشي! حتى لا تصابي بالإرهاق.»
أسرع رانجيت لملاقاة ابنته بالمنشفة، غير أنه كان يحدق النظر بزوجته. وقال في آخر الأمر: «مايرا؟ تبدين شاردة الذهن قليلًا. أمن خطب ما؟»
نظرت إليه مايرا نظرة حنونة، ثم ضحكت. وقالت: «خطب ما؟ على الإطلاق يا رانجيت. كل ما في الأمر أني … حسنًا، لم أقابل الطبيب بعد، لكني واثقة. أظن أننا سنُرزق طفلًا آخر.»