الاستعداد للسباق
ربما توقع البعض أن يقام حفل توديع المشاركين في سباق الأشرعة الشمسية داخل قاعة كبيرة في مدينة مثل نيويورك أو بكين أو موسكو. لكن ذلك لم يحدث. صحيح أن الكاميرات كانت تحيط بهم، وأن كل ما يحدث أمام تلك الكاميرات كان يُبَث على شاشات التليفزيون في جميع أنحاء العالم. لكن المكان الذي وُجدت فيه هذه الكاميرات لم يكن سوى قاعة صغيرة في المحطة الطرفية، ولم يتعد مجموع الحاضرين في القاعة — وهم المتسابقون السبعة ومساعدوهم وأقاربهم من الدرجة الأولى وعدد قليل من الضيوف المهمين — مائتي شخص.
انتابت مايرا بعض الشكوك فيما يتعلق بالسبب وراء ذلك. لا شك أن أي دولتين من الدول الثلاث الكبرى لن تسمحا للدولة الثالثة بالاستحواذ على حدث كهذا. غير أن مايرا لم تنبس ببنت شفة. ألقت مايرا نظرة خاطفة على ابنتها وهي تقف جادة فارعة الطول إلى جانب المتسابقين الستة الآخرين بينما منحهم الحَكَم دقيقة أخيرة لمراجعة قواعد السباق. همست مايرا إلى زوجها بسؤال كانت تعرف رده عليه مقدَّمًا: «ألا تبدو جميلة؟»
وتلقت الرد الذي توقعته. فرانجيت كان على يقين مثلها أن ناتاشا ليست أجمل ملاحي السفن ذات الأشرعة الشمسية وأفضلهم فحسب، وإنما كانت تبدو أكثر نضجًا مقارنة بسنوات عمرها الستة عشر، وهو ما أثار دهشة رانجيت بل وأثار شيئًا من القلق في نفسه. ركز رانجيت على أكثر ما يثير قلقه في هذا المشهد. فقال لزوجته: «ها هو البرازيلي أولسوس يقف إلى جوارها مباشرة.»
ضغطت مايرا على يده. وقالت بحكمة حلَّت عليها بعد أن تذكرت نفسها وهي فتاة في السادسة عشرة من عمرها: «رون فتًى لا بأس به.» ثم أضافت: «مرحبًا يا يوريس.»
عانق فورهولست مايرا، وصافح رانجيت. ثم قال لهما: «سوف يبدءون بعد لحظات. أردت أن ألقي عليكما السلام، وأن أخبركما أن مهندسي مصعد الفضاء عقدوا رهانًا صغيرًا فيما بينهم. وقد راهنت على فوز ناتاشا.»
قالت مايرا: «ألهذا كان انفعالكم منذ قليل؟»
غمزها فورهولست بعينه. وقال: «كلَّا، لقد وصلتنا رسالة من مركز أحداث الفضاء في ماساتشوستس. شوهد انفجار لمتجدد أعظم في كوكبة قنطورس القريبة من القطب السماوي الجنوبي، وكانت له بعض الملامح الغريبة.» ارتسمت على وجه فورهولست ابتسامة عريضة. وأضاف: «يكاد هذا الحدث يجعلني أتمنى لو بقيت متخصصًا في علم الفلك.» وعندما اعتلى رئيس اللجنة المنصة، وبدأ جميع الحاضرين في التوجه إلى مقاعدهم، قال فورهولست: «أراكما لاحقًا!»
•••
تحدَّث شخص واحد في هذا الحفل، وهو الرئيس المنتخب حديثًا لجمهورية سريلانكا؛ داتوسينا باندارا. بدا باندارا مناسبًا لمنصب الرئاسة؛ إذ أطل على الحاضرين بوجه جاد تبدو عليه أمارات تقدم السن وبهيئة ممشوقة لرجل لم يسمح لنفسه بالتراخي مطلقًا. لكن حديثه لم يكن مصبوغًا بصبغة رسمية، بل كاد يكون حديثًا مازحًا. وجه باندارا حديثه إلى جمهوره الذي ضم نخبة قليلة من الأشخاص: «ثمة دول كثيرة طالبت بإقامة هذا الحدث في إحدى المدن الكبرى، لكنه أقيم هنا. لم يكن السبب في ذلك أن دولتنا أحق من غيرها بإقامة حدث كهذا. كل ما في الأمر أن مصعد الفضاء يقع في سريلانكا بفضل موقعها الجغرافي المتميز. ومن دون مصعد الفضاء ما كان قُدِّرَ لهذا السباق أن يُجرى. هذا المصعد التي ستستقلونه أيها الشباب السبعة الرائعون لينقلكم إلى مدار أرضي منخفض، وهو نفسه الذي نقل سفن الفضاء الخاصة بكل منكم إلى النقطة ذاتها قطعة تلو الأخرى حيث يُجرَى تجميع هذه القطع لتكوين سفن الفضاء التي ستقودونها ضمن أكبر سباق من نوعه على الإطلاق. فليبارككم الرب، ونراكم سالمين في أوطانكم بعد انتهاء السباق.»
كانت تلك نهاية الحفل وتلتها قبلات وأحضان الوداع قبل أن يتجه الطيارون ومساعدوهم إلى رصيف الشحن الخاص بمصعد الفضاء. لاحظ رانجيت بسرور أن البرازيلي رونالدينو أولسوس كان يستقل الكبسولة الأولى، بينما تجلس ناتاشا بين ركاب الكبسولة الثالثة.
عندما طبع رانجيت ومايرا قبلة الوداع على وجه ناتاشا للمرة الرابعة أو الخامسة، ونجحا أخيرًا في تحرير روبرت من بين ذراعيها، بدآ يتوجهان إلى الحافلات كبقية الأشخاص الآخرين.
وفي الطريق شاهدا يوريس فورهولست واقفًا بمفرده يتحدث بانفعال عبر شاشته الجيبية. قالت مايرا فور وصولهما إليه: «ما الذي يثير قلقك الآن يا يوريس؟ هل عثرتم على متجدد أعظم آخر؟»
تحدثت مايرا بلهجة مازحة. لكن التعبيرات التي ارتسمت على وجه فورهولست لم تكن كذلك. فأغلق شاشته وهز رأسه. ثم قال: «ليس تمامًا. ربما لا يكون ما شوهد متجددًا أعظم على الإطلاق. تستعد تلسكوبات الفضاء في الوقت الحالي للحصول على صورة واضحة. إنه أقرب كثيرًا مما يُفترض أن يكون عليه المتجدد الأعظم. حتى إنه ربما يكون في سحابةِ أُورت.»
توقفت مايرا ويدها على صدرها. وتساءلت: «ألن يشكل هذا خطرًا على المتسابقين …؟»
هز فورهولست رأسه نفيًا. وقاطعها قائلًا: «لا، لا توجد خطورة عليهم. كلا. سيكونون في مدار أرضي منخفض. إن هذا الشيء — أيًّا كانت طبيعته — بعيد كل البعد عنهم، لكني أتمنى أن أعرف ما هو.»
•••
وفي الفضاء حيث كانت تُجَمَّع المركبات ذات السفن الشراعية لم يكن القائمون على تجهيز هذه المركبات بمفردهم.
لم يتمكن أحد من رؤية سفن الفضاء الصغيرة التي يستقلها «تساعيو الأطراف»؛ لأنهم استعادوا ناقلات الفوتونات الخاصة بهم منذ وقت طويل. لكن طواقم «تساعيي الأطراف» كادوا يشعرون بنفس الحيرة التي انتابت يوريس فورهولست ولكن حول موضوع مختلف تمامًا. في أي غرض سوف تُستخدم سفن الفضاء السبعة المكتملة البناء هذه؟ إنها لا تحمل أي أمارة على كونها سلاحًا من أي نوع، وهذا ما أزاح شيئًا من القلق عن «تساعيي الأطراف»، لكن ظلت هناك نقطة أخرى تثير قلقهم. فما من أحد بينهم يعرف شيئًا عما تفعله هذه السفن. ولم تكن هذه بالمعلومة التي يرغب «تساعيو الأطراف» في نقلها إلى أسيادهم عظماء المجرة.