العودة إلى الديار
بحلول الوقت الذي عادت فيه ناتاشا الحقيقية إلى فراشها في منزل كولومبو كان من المتوقع أن يتوقف التعليق الصوتي الذي تبثه ناتاشا المزيفة إلى العالم منذ وقت طويل. وهذا ما حدث بالفعل … ولكن إلى حد ما. إذ تكرر بث العرض الذي استغرق اثنتين وستين ساعة ثلاث مرات قبل أن يتوقف، ولكن لأسباب خاصة بهم استمر «تساعيو الأطراف» في إعادة بث العرض كل بضعة أيام.
لم ينظر البشر لهذا الأمر باعتباره ميزة. فالتعليقات الصوتية التي يبثها «تساعيو الأطراف» لم تكن تبث باللغة الإنجليزية وحدها. وإنما بكل لغة ولهجة تستخدمها أي جماعة من البشر يكفي عددها للتحكم في بث تليفزيوني في أي مكان في العالم. وكان عدد هذه المجموعات كبيرًا بما يكفي لإعاقة معظم وصلات القمر الصناعي في العالم بما يضر بمصالح البشر.
أما الأثر الثاني المترتب على تكرار هذا العرض فهو منح الصغيرة ناتاشا مزيدًا من الوقت لتفحص شبيهتها الصورية كلما ظهرت على الشاشة؛ حيث الملابس الكاشفة والشعر المجعد المنسدل فوق أذنها اليسرى وكل شيء آخر. لم تتغير هذه الهيئة قط. ولم يكن ذلك بالمشهد الذي تستمتع ناتاشا بالنظر إليه. قالت ناتاشا لوالديها: «هذا المشهد يُشعرني بالخوف. فها أنا ذا أتفوه بأشياء أعرف أني لم أقلها قط، هذه أنا!»
قالت والدتها بعقلانية: «لكنك لست هذه يا عزيزتي. إنهم يحاكون صورتك بطريقة ما، وأظن أنهم فعلوا ذلك ليكون لديهم شخص يتحدث نيابة عنهم دون أن تكون هيئته مروعة.»
قالت ناتاشا: «لكن أين كنتُ أثناء قيامهم بذلك؟ لا أتذكر أي شيء! شاهدت رون أولسوس يحاول الاستيلاء على رياحي الشمسية، وفجأة وجدت نفسي … حسنًا، في مكان لا أعرفه. لم يكن مكانًا محددًا إلى حد ما. فهناك شعرت بالدفء والراحة؛ ربما نفس الشعور الذي شعرت به عندما كنتِ حاملًا بي يا أمي.»
هزت مايرا رأسها في حيرة. وقالت: «أخبرنا روبرت أنك كنت سعيدة.»
قالت: «أظن أنني كنت كذلك. الأمر التالي الذي عرفته هو أني كنت أجلس أمام لوحة التحكم وأصرخ طلبًا للمساعدة، والسفينة ديانا محطمة من حولي.»
ربتت مايرا على ذراعها. وقالت: «وقد حصلتِ على المساعدة والحب؛ لأنك بيننا الآن. وبمناسبة الحديث عن الفتى أولسوس فقد أرسل إليك أربع رسائل عندما كنت نائمة. يُعرب فيها جميعًا عن أسفه البالغ، ويسأل هل بإمكانه مقابلتك لتقديم اعتذاره.»
ارتسمت على وجه ناتاشا ابتسامة عريضة. وقالت: «بكل تأكيد. ولكن ليس الآن. ماذا عن طعام الإفطار لديكم؟»
•••
اعتبر غالبية البشر أن تلك الإعادات الخرقاء للقائمة التي تذاع بأسماء الكائنات الفضائية ما هي إلا إهدار للوقت ولمرافق الاتصالات. لكن لم يكن الأمر هكذا في نظر الجميع. فالكنيسة الصغيرة لعبدة الشياطين شاهدوا الصور المخزَّنة سلفًا لمن يُطلق عليهم «المخزنون في الآلات» وقرروا على الفور أن الكائن ذي الفراء الشائك الشبيه بالإنسان هو في الواقع صورة للشيطان — تمامًا مثلما قرر بضعة ملايين من المشاهدين الآخرين في الحال — لكنهم زعموا أن هذا ليس بالأمر السيئ. فهم يرون أن الشيطان يُعبَد ولا يُمقَت. والكتاب المقدس يبرهن على ذلك إذا قُرِئ بفهم صحيح؛ لأن إبليس طُرد من الجنة بسبب تشويه الملائكة الخصوم لسمعته. قال أحد الأساقفة متحمسًا: «إنه ليس عدونا. إنه مَلِكُنا!»
ما آمنت به القلة القليلة من أعضاء الكنيسة — غالبًا في الجنوب الغربي الأمريكي — لم يكن ليثير الكثير من اهتمام أغلب البشر إلا لسببين. أولًا، كانت هناك تلك المعلومة المقلقة بشأن «تعقيم» كوكب الأرض. وهو ما يعني ضمنًا أن تلك الكائنات لديها القدرة على إبادة البشر إن شاءوا، وهذا ليس بالأمر الذي يسهل نسيانه. ثانيًا لم يعد عبدة الشيطان مجرد قلة من المجاذيب. وحتى المجذوب يتحين الفرصة عندما تدق بابه. وقد اغتنم هؤلاء فرصتهم. فأي عابد للشيطان يحظى بمنصب داخل المؤسسة أعلى من العامل المسئول عن تنظيف مقاعد الكنيسة اتجه على الفور لجميع البرامج الحوارية التي فتحت بابها أمامه. كانوا يأملون أن يكون العالم مليئًا بأمثالهم من المجاذيب الذين لم يُقْدِموا على عبادة إبليس لأنهم لم يقتنعوا بوجوده حتى الآن. تمنى عبدة الشيطان أن يحذو هؤلاء حذوهم بعد رؤية «المخزنين في الآلات» الشيطانيين.
وقد كانوا محقين في ذلك. فمع العرض الثالث للكائنات المريعة التي يطلق عليها اسم «المخزنين في الآلات» كان نحو مائة ألف ممن اعتنقوا المذهب الجديد في الحال يتوسلون من أجل معرفة أسرار إبليس الكنسيَّة. ومع إعادة العرض للمرة الأولى كان عدد رعايا كنيسة عبدة الشياطين قد بلغ عدة ملايين، وكانت هناك كنيستان متناحرتان — بعبارة أخرى متهمتان بالهرطقة — من كنائس عبدة الشيطان تتناحران فيما بينهما لجذب أعضاء للكنيسة. وانتعشت طوائف وأديان زائفة أخرى، لكن لم يصل أيٌّ منها إلى ما وصل إليه عبدة الشيطان.
لا شك أن كل هؤلاء قد أصابهم مس من الجنون. قال رانجيت لجاميني باندارا عندما اتصل به: «أو ربما أصابهم شيء أقرب ما يكون إلى الجنون. لمَ أنت قلق بهذا الشأن؟»
أجابه: «لأن المجذوب بوسعه أن يسحب زناد بندقيته يا رانجيت. ألم تتلقَّ ناتاشا تهديدات بالموت؟»
أمعن رانجيت في التفكير هنيهة قبل أن يجيب. فقد شددت ابنته كثيرًا على عدم إخبار أي شخص بهذا الأمر، ومع ذلك أقر رانجيت: «بلى، هذا أمر تافه، وناتاشا لا تأخذ هذه التهديدات على محمل الجد.»
قال جاميني: «أنا آخذها على محمل الجد، وكذلك والدي يأخذها على محمل الجد. ولذا، أصدر أوامره بتوفير حراسة حول منزلك طوال الأربع والعشرين ساعة ومرافقة أي شخص يخرج منكم.»
هز رانجيت رأسه. وبدأ يقول: «لا أظن أن هذا الأمر ضروري …»
قال جاميني بابتهاج: «ما تظنه أنت ليس مهمًّا. فوالدي هو رئيس الدولة الآن وهو الذي يصدر الأوامر. على أي حال، إذا لم يكن العملاء الفيدراليون هم مصدر التهديد، فقد يكون أي شخص آخر. يتلقى صديقك الحميم يوريس فورهولست تهديدات هو الآخر. وقد حظي بالفعل بمجموعة من الحراس المسلحين حول قاعدة مصعد الفضاء. وهو يتحدث الآن عن إحاطة أي شخص على صلة بالمشروع بقوات الأمن التابعة لمصعد الفضاء. وأنت واحد منهم.»
فتح رانجيت فمه ليبدي اعتراضه — الذي لم يكن بسبب أنه لن يحتمل فكرة وجود حراسة حوله على مدار أربع وعشرين ساعة يوميًّا قدر ما كان بسبب توقعه لرد فعل ابنته — لكن جاميني لم يترك له الفرصة لذلك. وإنما قال في هدوء: «وكما ترى، فإن هذا أمر واقع. ولا جدوى من الاعتراض. وربما يكون سببًا في إنقاذ حياتكم جميعًا.»
تنهد رانجيت. وتساءل: «وإلى متى سيستمر هذا؟»
قال جاميني مترويًا: «حسنًا، على الأقل إلى أن تظهر تلك الكائنات التي تدعى «واحد فاصل خمسة». بعدها من يدري ماذا سيحدث؟»
أقر رانجيت بينه وبين نفسه أن هذا سؤال وجيه. لكن يتبقى ذلك السؤال المختلف تمامًا والمتعلق بكيفية إخبار مايرا وناتاشا بالخطة.
كادت الفرصة تحين أمام رانجيت على الفور. فما إن أنهى اتصاله مع جاميني حتى ذهب للبحث عن أسرته ووجدهم في الشرفة الخلفية يستخدمون المنظار ذا العدستين في الظلام لتأمل الكوكبة التي شغلت حيزًا كبيرًا من سحابةِ أُورت. مررت مايرا المنظار لناتاشا وهي تقول لزوجها: «إنهم يقتربون كثيرًا. تاشي؟ أعطي المنظار لأبيك ليلقي نظرة.» فعلت ناتاشا ما طُلب منها. ولم يواجه رانجيت صعوبة في العثور على بقعة الضوء اللامعة التي كانت تمثل عادم صواريخ تخفيف السرعة في أسطول «واحد فاصل خمسة» الذي بات على مسافة قصيرة على حد قول الخبراء. لم تكن هذه المرة الأولى التي يرى فيها رانجيت هذا الضوء. فقبل الإعلان عن وصول كائنات «واحد فاصل خمسة» للإقامة على كوكب الأرض كانت تلسكوبات الكوكب العملاقة توفر صورًا أكثر تفصيلًا وأشد وضوحًا لعرضها على شاشات الأخبار في العالم.
لكنهم كانوا يقتربون.
أنزل رانجيت المنظار عن عينيه وتنحنح. ثم قال: «كنت أتحدث مع جاميني على الهاتف»، وحكى لهما عما دار بينه وبين جاميني. وإذا كان رانجيت قد توقع اعتراضًا من ابنته على تدخُّل الكبار في حياتها، فلا شك أنه كان مخطئًا. أنصتت ناتاشا في تأن، وكان كل ما قالته: «سوف يحمينا هؤلاء الحراس من عبدة الشيطان المجاذيب، أليس كذلك؟» ثم أشارت إلى الأضواء المتلألئة في السماء واستطردت: «لكن من سيحمينا من هؤلاء؟»
كان هذا هو السؤال الذي يشغل بال جميع البشر في العالم، فكانوا يطرحونه على أنفسهم بل حاولوا طرحه على الغزاة؛ إذ بدأ نصف عدد أهم الشخصيات في العالم الحديث في ميكروفونات تُرسل أسئلتهم في اتجاه الأسطول المقترب. كانت هناك العديد من الأسئلة تناولت خططهم ونواياهم وأسباب قدومهم إلى كوكب الأرض من الأساس؛ العديد والعديد من الأسئلة طُرحت بلغات عدة من قبل أشخاص كثيرين على اختلاف مراتبهم.
لكنهم لم يتلقوا أي إجابات لأسئلتهم.
لم يكن التعامل مع هذا الحدث أمرًا يسيرًا على الجنس البشري. ففي كل مكان من كوكب الأرض — وداخل قنوات الحمم في القمر وفي الفلك وفي أي مكان آخر كان للبشر فيه موطئ قدم — سيطر القلق على البشر مما هو آتٍ. ولم تكن أسرة سوبرامانيان بمنأى عن هذا الشعور بالقلق. فمايرا عادت لقضم أظافرها ثانية وهي التي لم تفعل ذلك منذ السنوات الأولى من فترة المراهقة. بينما كان رانجيت يقضي ساعات طويلة في إجراء مكالمات هاتفية مع جميع الشخصيات المهمة التي يعرفها (وهؤلاء كانوا كثيرين) على أمل أن يكون لدى أحدهم خبر لم يتناهَ إلى مسامعه بعد فيشاركه إياه. (لكن ذلك لم يحدث.) في غضون ذلك كانت ناتاشا مشغولة في محاولة تعليم روبرت كيف يقرأ كلمة برتغالي. وذات صباح وبينما يتناول الجميع طعام الإفطار إذ سمعوا فجأة موجة من الأصوات العالية تَرِد من الخارج. وعندما فتح رانجيت الباب ليستطلع الأمر شاهد أربعة من الحراس القائمين على حمايتهم بملابسهم الرسمية وهم يرفعون بنادقهم ويوجهونها نحو ستة أشخاص غرباء. في الواقع لم يكونوا جميعًا غرباء. كان معظمهم صغار السن متجهمي الوجوه أياديهم مرفوعة في الهواء، لكن في المنتصف كان يقف شخص تعرف عليه رانجيت في الحال، على الرغم من أنه بدا أكبر سنًّا عما كان عليه في آخر لقاء جمع بينهما. قال رانجيت: «كولونيل بليدسو. ماذا تفعل هنا؟»
•••
تطلب هذا الموقف قليلًا من التفاوض. واتُّفِق على السماح للمقدم بليدسو بدخول المنزل لكن مع وقوف قائد الحرس بجواره ومسدسه في يده. ظل الحرس المرافق لبليدسو في الخارج جالسين على الأرض وأياديهم على رءوسهم، في حين كان بقية الحرس السريلانكيين يتأكدون من بقائهم على هذا الوضع.
ربما ظن المرء أن بليدسو شعر بالسوء في موقفه هذا. لكنه لم يفعل. قال بليدسو: «أشكرك على السماح لي بالدخول والحديث معك. لم أكن أرغب في الاضطرار إلى منح حراسي حرية التصرف مع حراسك.»
لم يكن رانجيت واثقًا هل ينبغي لهذا القول أن يُضحكه أم يثير حفيظته، لكنه قرر ألا يفكر فيه. ودخل في الموضوع مباشرةً. فسأله: «عمَّ تريد أن تتحدث؟»
أومأ بليدسو برأسه. وقال: «حسنًا، دعنا لا نضيع الوقت. جئت إلى هنا ممثلًا عن رئيس الولايات المتحدة الذي انتهى إلى أن الجنس البشري لن يطيق السماح لهؤلاء القتلة الغرباء بالهبوط على كوكب الأرض.»
كان رانجيت ينوي سؤاله عن الكيفية التي يعتزم بها رئيس الولايات المتحدة الحيلولة دون ذلك، لكن زوجته سبقته. فتساءلت: «وما الذي يُخَوِّل لرئيسكم التحدث باسم البشر أجمعين؟ أليس لروسيا أو الصين — مثلًا — رأي آخر؟»
أصيب رانجيت بالدهشة عندما بدا له أن بليدسو كان يتوقع هذا السؤال. أجاب بليدسو: «أنت تعيشين في الماضي يا سيدة سوبرامانيان. فأنت تتحدثين وكأن هناك ثلاث قوى عظمى. هذا ليس صحيحًا. فروسيا والصين لم تعودا سوى قوتين زائفتين الآن! وما من حاجة إلى النظر إليهما بعين الاعتبار.»
واستطرد بليدسو في توضيح كلامه بنبرة ساخرة قائلًا إن كلتا الدولتين مشغولة بمشكلاتها الداخلية التي تحاول الإبقاء عليها سرًّا. قال: «كادت جمهورية الصين الشعبية أن تفقد سيطرتها على إقليم جيلين لصالح حركة فالون جونج، وقد ضاقت ذرعًا بهذا الأمر. ومن المؤكد أنك لم تسمعي عن إقليم جيلين من قبل، أليس كذلك؟ هذا الإقليم هو المكان الذي تحصل منه الحكومة الصينية على جزء كبير من حبوبها، ناهيك عن الكثير من السيارات وعربات السكك الحديدية. أنتِ تسمعين ما قلته. الزراعة والصناعة! وأتباع حركة فالون جونج ينتشرون عبر الحدود إلى منغوليا الداخلية.»
وهز بليدسو رأسه بأسلوب ربما اعتبره رانجيت ومايرا تعاطفًا لولا تلك الابتسامة الخافتة التي ظهرت بوضوح على جانبَي فمه. ثم أردف متسائلًا: «وماذا عن الروس؟ الروس وضعهم أسوأ بكثير. فالشيشان مصدر قلق لا ينتهي. هناك مسلمون في الشيشان، وسوف يتوافد إليها جميع المجاهدين المسلمين من أي مكان في العالم ممن لا تزال لديهم الرغبة في قتل الزنادقة وذلك بهدف التسلح، وهناك يمتد عدد من أهم خطوط أنابيب النفط الروسية. وإذا هدأت الأوضاع أخيرًا في الشيشان، فهناك مجموعة من الأقاليم الأخرى التي ترغب بشدة في أن تسلك الاتجاه نفسه.»
علَّقت مايرا: «تبدو سعيدًا بهذا.»
زم بليدسو شفتيه. وقال: «سعيد؟ كلا. ما الذي قد يعنيني في مشكلات الصينيين أو الروس؟ لكن لا شك أن هذه المشكلات تساعد في تبسيط الأمور عندما تكون هناك حاجة إلى اتخاذ إجراء ما، علاوةً على أن الرئيس ليس مضطرًّا إلى النظر إلى آراء هاتين الدولتين بعين الاعتبار. وهنا يأتي دورك أنتَ وعائلتك يا سوبرامانيان. الرئيس لديه خطة. ولكم جميعًا دور في تنفيذها.»
سيطرت على رانجيت وأسرته مشاعر الفتور تجاه ضيفهم المتطفل منذ أن حلَّ عليهم. أما الآن فقد تحول هذا الفتور إلى شيء يشبه الجليد القطبي.
سأل رانجيت: «ماذا تريد؟» قالها بلهجة توحي بأن أيًّا كان ما يطلبه بليدسو فإن فرصته ضئيلة في الحصول عليه.
قال بليدسو: «الأمر بسيط. أريد من ابنتك ناتاشا أن تظهر في بث تليفزيوني لتقول إنهم أخبروها أثناء احتجازهم إياها أن «تعقيم» كوكب الأرض يعني قتل جميع البشر حتى يتسنى لكائناتهم الغريبة الاستيلاء على الكوكب.»
صاحت ناتاشا على الفور. وقالت: «هذا لم يحدث قط يا سيد بليدسو. لا أتذكر شيئًا على الإطلاق عن تعرضي للاحتجاز.»
رفع والدها يده. وقال لها: «هو يعلم أنها أكذوبة يا حبيبتي. حسنًا، يا بليدسو. لماذا ترغب في إثارة مشاعر الكراهية ضد هذه الكائنات؟»
أجاب بليدسو: «لأننا سنضطر إلى إبادتهم عاجلًا أم آجلًا. وماذا بعد؟ حسنًا، سنترك لهم الفرصة للنزول على كوكب الأرض. وعندها سوف تظهر أنتَ في بث حي لتقول إن ابنتك قد أفضت إليك بأمور تظن أن العالم بحاجة إلى معرفتها، وبعدها تظهر ناتاشا لتروي قصتها.»
خال رانجيت أن بليدسو يبدو سعيدًا للغاية بهذه الفكرة. وسأله: «وبعد ذلك؟»
هز بليدسو كتفيه. وقال: «سوف نبيدهم. في البداية سنوجه إليهم ضربة بسلاح «الرعد الصامت» حتى لا يتسنى لهم فعل شيء. ثم نطلق عليهم القوات الجوية الأمريكية بالكامل لتقصفهم بالقنابل والصواريخ وأيضًا الصواريخ البالستية العابرة للقارات. والأسلحة النووية وأي نوع من الأسلحة الأخرى. وأضمن لك أنه بعد انتهاء هذه العملية لن يتبقى منهم أي شيء يزيد حجمه عن أنملة إصبعك الصغير.»
تذمرت مايرا بسخط، لكن رانجيت هو الذي تحدث. وقال: «أنت مجنون يا بليدسو. أتظن أن هذه الكائنات لا تملك أسلحة؟ كل ما ستفعله هو أنك ستودي بحياة بضعة آلاف من القوات الجوية … وفوق هذا ستثير غضب الكائنات الفضائية.»
قال بليدسو متهكمًا: «لقد أخطأتَ مرتين. فجميع هذه الطائرات الأمريكية تستخدم نظام الطيران بواسطة أسلاك التحكم الرقمي بحيث يكون جميع أفراد الطاقم على الأرض في أمان. ولا يعنينا في شيء أن يثار غضب تلك الكائنات. لدينا قول مأثور في الولايات المتحدة يا سوبرامانيان. يقول «عش حرًّا، أو اختر الموت.» ألا تؤمن بهذه المقولة؟»
فتحت مايرا فمها لترد نيابة عن الجميع، لكن رانجيت أوقفها. وقال: «ما لا أومن به هو إطلاق الأكاذيب التي تودي بحياة الآخرين، حتى إن لم يكونوا من البشر. لن نفعل ما تطلبه يا بليدسو. وأظن أنه يتحتم علينا الظهور على شاشات التليفزيون لنخبر العالم أجمع بما تخططون له.»
حدجه بليدسو بنظرة معادية. وقال: «أتظن أن هذا سيجدي نفعًا؟ تبًّا يا سوبرامانيان، أتعرف معنى «الإنكار»؟ سأتعرض للإنكار. إذا انتشر هذا الخبر، فسيهز الرئيس رأسه ويقول: «العقيد بليدسو المسكين. كان يفعل ما ظنَّ أنه تصرف صحيح، لكن كل ما فعله كان بقرار شخصي منه. لم أوافق قط على خطة كهذه.» وربما يزعجني بعض الصحفيين فترة من الوقت أمتنع خلالها عن الحديث إليهم، وفي وقت قريب جدًّا سينتهي كل شيء ويصبح طي النسيان. من واجب الرئيس — بصفته قائدًا للقوة المهيمنة على هذا الكوكب — أن يدافع عن الدول الأضعف، وقد اتخذ قرارًا بأن الهجوم هو أفضل مسلك يمكن اتباعه. إنني أتصرف وفق إرادة الرئيس. ما رأيك في هذا؟»
وقف رانجيت. وقال: «أود أن أحيا حرًّا، لكن هذا ليس متاحًا هنا، أليس كذلك؟ إذا كان يتعين عليَّ الاختيار بين عالم يحكمه أناس مثلكم وآخر تحكمه مسوخ محرشفة خضراء فربما أختار عالم المسوخ. والآن اخرج من بيتي!»