خوان رامون خيمينيث (١٨٨١–١٩٥٨م)
الحديقة
الوردة الأخيرة
•••
شاعر وكاتب إسباني، وُلِد في مدينة موجير (هويلفا) بالأندلس، وتلقَّى تعليمه في مدارس الجزويت وفي جامعة إشبيلية … اضطرَّته ظروفه الصحية الحرجة إلى أن يحيا حياةً أدبية هائلة في مدريد، وهو يُعدُّ من أكبر الشعراء الإسبان الذين حرَّروا الشعر من النغمة الخطابية والإسراف في الزخرف والوصف اللذين غلبا على أتباع النزعة الرومانسية والمذهب الحديث. ولعله — بجانب الشاعر النيكاراجوي روبين داريو أن يكون مسئولًا عن الطريق الذي سار عليه الشعر الإسباني نحو الحداثة والتجديد — في الأسلوب والبناء والتركيب اللغوي …
وصف شعره ابتداء من سنة ١٩١٧م «بالشعر المحض»، وقد جعله تعبيرًا عن عواطفه وحدَها، وبالأخصِّ عن عاطفة الألم النابع من «تناقضات الحياة التي لا تقبل الحَل» … وإلى جانب النغمة الشخصية التي تغلب على شعره، فقد تأثر جزءٌ كبير منه من الناحية الشكلية بالتراث الشعبي، وتميز بالتركيز الشديد واستخدام الكلمات التي تُحدث بأصواتها وإيقاعاتها تأثيرًا موسيقيًّا محسوسًا، بحيث يرتبط جو القصيدة ولونها ونغمها بفنون أخرى غير بعيدة عن الشعر، كالموسيقى والرسم الذي مارسه في شبابه، وهي خصائص أثَّرَت بعد ذلك على شعر «لوركا» الذي يُعدُّ امتدادًا وتطورًا لشعره …
يذهب بعض النُّقاد إلى أن خيمينيث قد وقع تحت تأثير الشعر الفرنسي الحديث (وتأثير الثلاثة الكبار المسئولين عن تطوره وتطوُّر الشعر الأوروبي الحديث كله، وهم بودلير ورامبو ومالارميه) كما يرون — أي أولئك النقاد — أن هذا التأثير لم يكن في صالح شعره ولا في صالح الأدب الإسباني الذي تأثر بالأدب الفرنسي تأثُّرًا شديدًا منذ القرن الثامن عشر …
وأيًّا كان الرأي (الذي لا أستطيع أن أفتي فيه؛ بحكم عدم تخصصي في الإسبانية وأدبها!) فإن شعر خيمينيث قد مر بمراحل مختلفة لكلٍّ منها بطبيعة الحال مزاياه أو عيوبه المميِّزة: وتبدأ المرحلة الأولى في سنة ١٩٠٣م عندما أصدر مجموعته الشعرية «أجواء حزينة» التي تلَتها في الصدور مجموعاتٌ أخرى مثل «قصائد سحرية وأليمة» (١٩٠٩م) و«مرثيات» (١٩١٠م)، ومع مجموعته «حكايات الربيع الشعرية» (١٩١٠م) ابتدأَت المرحلة الثانية في تطوره الشعري، وهي مرحلة سادها — في رأي بعض النقاد — شيء غير قليل من التكلف، كما غلبَت عليها النزعة الرمزية (ربما تأثرًا بمالارميه وأتباعه الكبار مثل فاليري …) وتجلَّى هذا في مجموعاته «الوحدة الكئيبة» (١٩١١م) و«المتاهة» (١٩١٣م) و«صيف» (١٩١٥م) وأخيرًا تغيَّر اتجاهه أو تطور في مرحلته الثالثة التي تحول فيها إلى شاعرٍ تأمُّلي مفكِّر يلجأ للشعر الحر ويعبِّر بأسلوبٍ شديد الوضوح، ولهذه المرحلة الأخيرة تنتمي بعض مجموعاته الشعرية المتأخرة مثل «سونيتات روحية» (١٩١٧م) و«أبديات» (١٩١٨م) و«أرض وسماء» (١٩١٩م) و«المختارات الشعرية الثانية» (١٩٢٢م) …
ذهب خيمينيث باختياره إلى المنفى في أمريكا اللاتينية وفي الولايات المتحدة على أثَر هزيمة الجمهوريين في سنة ١٩٣٩م على يد الفاشيين، وهناك واصل الكتابة وإصدار مجموعاتٍ شعرية جديدة، مثل «المحطة الشاملة» (١٩٤٦م) و«الرومانسيات» أو «الخياليات» (١٩٤٨م)، لكن الشيء الغريب والعجيب حقًّا أن شهرته العالمية لا ترجع في المقام الأول لشعره الذي اختلفَت حوله الآراء، وإنما ترجع إلى روايته، أو بالأحرى لوْحاته النثرية البديعة، التي كان قد نشرها في وقتٍ مبكر (١٩١٧م) وهي «بلاتيرو وأنا» التي يروي فيها بعذوبةٍ شاعرية لا متناهية قصة حياة وموت حمارٍ رقيق وجميل وحكيم …
ومن حُسن حظ اللغة العربية والأدب العربي أن هذا الكتاب قد نقله إلى العربية في أسلوبٍ شاعري بالغ الروعة والجمال أستاذٌ عظيم ورائدٌ كبير للنقد الحداثي في مصر، وهو المغفور له الأستاذ الدكتور لطفي عبد البديع رحمه الله وجزاه عن هذا الشاعر وعنا أخير الجزاء …
وأخيرًا فقد حصل خيمينيث — ربما بسبب هذا الكتاب على وجه الخصوص — على جائزة نوبل للآداب في عام ١٩٥٦م، وتُوفِّي في بورتو ريكو بعد ذلك بعامَين …