جيزيلَّا كرافت (١٩٣٦م–…)
خزف (١)
خزف (٢)
باخيا آموس١
حلم الخبز
كاتو زاكروس٣
أميرة مينوية
خزف (٣)
جزيرة التمساح٤
•••
•••
تغيير في البرنامج
حديثٌ بين درويش وقطة
سارة
يومٌ بلا شعر
•••
•••
النهاية
غسق
•••
صلواتك
ذات ليلة … في الزمان
•••
•••
رأيتها لأول مرةٍ في صيف ١٩٧٦م، شقراء، طويلة جدًّا، ذات وجهٍ أبيض شاحب كأن بشرته من الشمع، تطل من عينَيها الطيبتَين الشديدتَي الضيق نظرةٌ صامتة وباردة كنظرة الحكماء القدماء أو النسَّاك المعتزلين. كنا — أخي الكبير الكريم يوسف الشاروني وأنا — ضيفَين على بلدية برلين في إطار برنامج الأدباء والفنانين الأجانب الذين تستضيفهم المدينة كل عام ولا يطلب منهم أكثر من إقامة معرض لأعمالهم أو حفل لموسيقاهم أو قراءة لمختارات من قصصهم وأشعارهم في أكاديمية الفنون، وكان من الطبيعي أن أزور الجامعة التي درسَت بها حوالي السنتين قبل ذلك بخمسة عشر عامًا، وأن أتَّصل بالأستاذ العظيم والمستشرق الصديق للعرب والراعي لأبنائهم الدارسين في معهد العلوم الإسلامية الذي كان يتولى في ذلك الوقت شئون عمادته، وهو الدكتور فريتس شتيبات الذي رعاني وغمرني بفضله ونبله وعلمه وكرمه قبل ذلك وبعد ذلك وحتى اليوم الحاضر (شفاه الله وعافاه من المرض اللعين العنيد الذي ألزمه بيته وكبَّل بقيوده أمواج نهره الجيَّاش الذي طالما تدفق عليَّ وعلى غيري بالخير والحب الفياض بلا حدود …) ودعانا الأستاذ الكبير لإقامة «قاعة بحث» عن تطور القصة العربية والمصرية من الخبر والمقامة والمقالة القصيرة حتى وصلَت إلى حالتها الراهنة عند رُوَّادها وأعلامها المعاصرين، في قاعة البحث هذه رأيت الشاعرة «جيزيلا كرافت» لأول مرة، ثم توالت اللقاءات في المعهد العتيد أو في مسكنها الذي دعَتنا إليه لنقرأ على أصدقائها وزملائها من الشعراء والفنانين والدارسين شيئًا من قصصنا القصيرة التي وُصفَت آنذاك بأنها تعبيرية أو بأنها سريالية ثورية … وعرفتُ أنها درسَت التركية وآدابها الحديثة في قسم اللغات الشرقية بالجامعة، وأنها حصلَت على شهادتها في الدكتوراه برسالةٍ عن خلق العالم ورموز الحيوان عند الشاعر التركي فاضل حسنود أغلاركا، ونقلَت إلى لغتها عددًا من الآثار الأدبية للشاعر أراس أورن، وملحمة شعرية لناظم حكمت هي ملحمة الشيخ بدر الدين، وبعض القصص لعزيز نسين وغيره من الأدباء الأتراك المتميزين، والأهم من ذلك كله أنها شاعرة تكتب وتنشر القصائد والتمثيليات الإذاعية، وتشارك في الحياة الأدبية في بلدها ومدينتها، ويرتبط اسمها عند الكثيرين باسم صديقتها الشاعرة — الأسعد منها حظًّا والأكثر شهرة! — وهي سارة كيرش، وتحلم وتخطط لمشروعات وأعمال شعرية وروائية ومسرحية ولذكريات ومذكرات تدخل في أدب الرحلات، وقد تفضَّلَت بعد ذلك بعامَين بإهدائي ديوانها الأول «ذات ليلة في الزمان» الذي أُتيحَ لي أن أعكف على قراءته في ليل صنعاء الهادئ العميق السكون، وأن أكتب وأنشر مقالًا عنه في مجلة «الكلمة» ومعه عددٌ كبير من قصائدها التي فرضَت نفسها عليَّ في صيَغٍ منظومة … كانت بعض القصائد قد تسللَت إلى قلبي كالقطط الأليفة المحبوبة لتستدفئ فيه وتستمتع بالحب والحنان، بعد أن ظلَّت شهورًا طويلة تداعبني وتنظر إليَّ بعيونها القديمة الجديدة التي تحلم بأن تجد لها مكانًا — حتى ولو كان ضئيلًا ومنزويًا — في ديوان الشعر العربي (مثل قصائدها البديعة عن الأميرة المينوية الصغيرة، والحوار بين الدرويش والقطة في كوَّة حائط بيزنطي، وذات ليلة في الزمان …)
•••
نشأَت معظم قصائد هذه المجموعة أثناء زيارةٍ قامت بها الشاعرة في خريف سنة ١٩٧٨م لجزيرة كريت. ولا شك في أن وقوفها على أطلالها وحفائرها وآثارها قد حرَّك فيها مختلف المشاعر والأفكار التي عبَّرَت عنها في صوَرٍ حية ملموسة للعين الظاهرة والباطنة … ومع أن معرفة التاريخ — أو بالأحرى ما قبل التاريخ! — ليست ضرورة لازمة لتذوُّق الشعر، وهو كما علمنا المعلم الأول — في فن الشعر — يتجاوز التاريخ ويسمو عليه، فلا بُد من كلمة عن «الجو» التاريخي الذي نمَت براعم الشعر في أرضه واهتزَّت برفيف أنفاسه، ولا بُد من الإلمام ببعض المعلومات التي تقرِّبنا من روحه وتعرِّفنا ببعض الأماكن والآثار والأسماء الواردة فيه، وأهم هذه الأسماء هو اسم الملك الخرافي «مينوس» الذي حكم جزيرة كريت في عصرٍ يبدو أن لا وجود له إلا في ذاكرة الأساطير … فهي تروي عنه أنه ابن زيوس عظيم آلهة الإغريق من زوجته أوروبا، وأنه طرد شقيقه «سار بيدون» بمساعدة رب البحر بوزيدون، واستولى على عرش كريت حتى امتدَّ سلطانه من جزيرة كنوسوس إلى جزر البحر الإيجي، كما يؤكد المؤرخ توكيديدس أنه عمر هذه الجزر وطهر البحر من القراصنة. وتذكُر أوديسة هوميروس (النشيد ١٩، البيتان ١٧٨–١٧٩) أنه وضع القوانين الحكيمة العادلة، وأن الناس هابوه لصداقته لزيوس نفسه، وتروي عنه الأساطير أيضًا أنه تزوج سيفايا ابنة الشمس التي ولدَت له أندروجيوس وأريادنة وفيدرا، وأن أرباب الأوليمب عاقبوه لرفضه التضحية بثَور معيَّن، وأن زوجته وقعَت في غرام هذا الثور، وأنجبَت منه الوحش الخرافي «المينوتاوروس» الذي يُعدُّ من أشهر شخصيات الأساطير الإغريقية! وتزعم أيضًا بعض هذه الأساطير وبعض النصوص الدرامية الأثينية أن مينوس فرض على أهل أثينا بعد احتلالها تقديم أطفالهم طعامًا للوحش حتى خلَّصهم منه البطل «ثيسيوس». ولا حاجة بنا لذكر الحكاية الشهيرة عن أريادنة والخيط الذي مدَّته لهذا البطل لكي لا يضل طريق العودة من المتاهة التي هبط إليها لقتْل ذلك الوحش. وأخيرًا فقد جعلَت منه الحكايات والخرافات أحد قضاة الموتى في العالم السفلي «هاديس». ولعل التاريخ الموغل في القِدم لهذا الملك الأسطوري هو الذي دفع بعض المؤرخين إلى الربط بينه وبين الدين والطقوس برباطٍ وثيق (كما فعل ديودوروس الصقلي في تاريخه)، ولكن بعض الباحثين يرجحون — على ضوء الحفريات التي تمَّت في كريت وزارَتها الشاعرة التي نحن بصدد الحديث عنها — أن مينوس كان مجرد اسمٍ ملَكي أُطلِق على حكام العصر البرونزي الذين تتابعوا على الجزيرة، وبذلك اختلفَت الروايات المأثورة عنه، ولكنها تؤكد على كل حال أن كريت كانت فيما قبل التاريخ الميلادي — أي حوالي سنة ٢٥٠٠ قبل الميلاد — قوةً بحرية تهابها سائر بلاد الإغريق، والهيبة كما نعلم لا تخلو من إضمار الحسد والحقد … أما «كنوسوس» التي يرِد ذكرها في القصائد فقد كانت أهم مدن جزيرة كريت، وكان بها قصر الملك مينوس أو مجموعة الملوك الذين حملوا اسمه. وقد ازدهرَت المدينة سنة ألف قبل الميلاد، إلى أن دمَّرها الزلزال فاحترقَت وتخلَّت بعد ذلك بقرن من الزمان عن مجدها الحضاري لمدينة «ميكينة»؛ وقد كشفَت حفريات كريت — التي بدأَت منذ القرن الثامن عشر وما زالت مستمرة حتى اليوم — أنها أقدمُ بؤرة للحضارة الأوروبية. ولعل زيارة هذه الشاعرة لآثارها أن تكون تعبيرًا عن حنينها وحنين الأدب الغربي الحديث للعودة للمنابع والأصول، والتفتيش في الأعماق التاريخية والحضارية والأدبية عن الجذور البعيدة والرموز والعلامات المنسية. ولا بُد أن الشاعرة التي رأت هذه الآثار وغيرها من الآثار الرومانية القديمة رأْي العين، قد حاولَت أن تبعث بضميرها وصوتها الشعري وراءها جميعًا لتستشف المعنى الخالد وراء حياة الإنسان وموته، بل لعلها أن تكون قد ذهبَت إلى أبعد من التاريخ البشري وما قبل التاريخ؛ لتلمس أوتار الحزن الكوني وأسراره …
تكشف هذه القصائد عن بعض الملامح والسمات المشتركة للشعر العربي الحديث التي سبق أن تحدثتُ عنها في مواضع أخرى من هذا الكتاب ومن كتبي السابقة ولا داعي لتكرارها، فهي تضع الأشياء بجوار بعضها وتتركها تنطق وتشير وتومئ بنفسها دون تزيد أو ثرثرة، وكأن القصيدة عدسة آلة تصوير موضوعية وفنية في آنٍ واحد. ولن يغيب عنك أن الأفعال فيها قليلة، والصفات شحيحة، وأن الصور ساكنة لا تكاد تهتز أو تعكس حركة، ربما لأنها تترك لخيالك أن يهزها ويحركها كما يشاء له التصوير أو التفسير؛ لأنها توشك أن تكون تماثيل سوَّتها وصقلَتها يد نحَّات بالكلمات، ثم ألقَت إلى متلقِّيها مهمة رؤيتها من الزاوية التي يختارونها. إن القصيدة — شأنها شأن الغالبية العظمى من قصائد الشعر الحديث — توحي وتشير ولا تتكلم ولا تثرثر، وتشع إشعاعات تختلف تأثيراتها وانعكاساتها باختلاف قرَّائها، بل واختلاف لحظات قراءتها؛ حمارٌ مطرق، حقل زيتون، بيوت ونافذة وكوكب الزهرة، درويش وقطة في كوة حائط، إناء فخاري يدور دورة الحظ الأبدي — كما فعل قديمًا في يد صانع الفخار في طيبة وكريت، وبابل وسبأ، وبلاد العرب والفرس — وهو يلهم الشاعرة كما سبق أن ألهم الشاعر الشعبي المجهول على مَر العصور؛ فالحظ يتسرب منا في القرن العشرين كما تسرب من البشر في القرن العشرين قبل الميلاد إلى حضن الأرض التي جئنا منها وإليها نعود؛ نفس الدورة، نفس الحيرة، نفس العود الأبدي. ومن أدرى بها من شاعرة يحضر أمامها الزمن في لحظة «الحاضر السرمدي»، اللحظة التي يضم قوسها المتوتر تجربة ما قبل التاريخ وتجربة الحاضر الراهن ومخاوف المستقبل في آنٍ واحد كالبرق الخاطف والكاشف؛ فعين الشاعر ترى الأبدي ومملكته هي اللامتناهي. ولكنه يستخرجهما — كالساحر القديم الذي يستدعي بتعاويذه قوى الأشياء ويطلق من كلماته قوى الفعل — من باطن الأشياء المتناهية والكائنات العابرة المتنوعة الألوان حواليه. وكأن كلماته وأنغامه وحدها قادرة على بعث الحقيقة الكامنة في الظواهر، واستحضار الخالد من داخل الفاني، وكأن صوته هو صوت السيد المسيح وهو يدعو لعازر للنهوض من بين الأموات! …
لم ترَ الشاعرة إلا آثارًا وحفريات وحطام مدن ومعابد وملاعب وأسواق ومسارح، ولكن خيالها ردَّ الحياة إليها واستعاد تجربة البشر الذين كانوا ذات يوم أو ذات ليلة في الزمان يدبُّون فوقها ويملئونها بضجيج أعمالهم وآمالهم وآلامهم وضحكاتهم ودموعهم. وليس قلبها وحدَه هو الذي يحيا هذه التجارب من جديد. إن ظلال المعابد والقصور التي أصبحَت فتاتًا تفكِّر هي أيضًا في حالها وتسأل: هل هذا القصر، هو بيتي العامر، في الزمن الغابر؟ نفس الحكاية القديمة: حلم الإنسان بالخلود، يضنينا اليوم كما أضنى أهل كريت قديمًا، لكنه الآن يتمدد تحت الأرض، ماذا يتبقى إلا الأحجار؟ أنقول إنها رؤيةٌ عدمية متشائمة؟
ولكن مجرد التساؤل سيكون تفسيرًا نفرضه على النص، والنص ذاته ضنين وشحيح وبلا طموح، يكفيه في الحقيقة أنه يثير في أنفسنا السؤال، أن تكون كلماته حجرًا يُلقَى في مستنقع حياتنا الغافلة العاطلة، يكفيه أنه أيقظنا من كابوس التعود والتقليد والنسيان …
ومن الطبيعي أن تمُد الشاعرة يدها — كما فعل ويفعل زملاؤها في الغرب والشرق — إلى كنوز الحكايات والحواديت والأساطير، فقلبها الهرِم بالمعرفة أو بالحكمة لا يزال طفلًا يعشق الحياة، نجد هذا في أجمل قصائدها عن الأميرة «المينوية» الصغيرة … فهي تسألها عن المكان الذي كانت تلعب فيه بين أكوام الحجارة، عن دميتها وجروها الصغير، عن الحدوته التي كانت تحكيها لها مربيتها كل مساء. وهي لا تكتفي بالسؤال بل تدخل معها في حوار وتؤكد لها أن الناس لا تزال تجوس في نفس الموضع الذي كان يضم فراش نومها، وفي عيونهم دموع تشبه دموعها. نفس المأساة ونفس القدر. الحاضنة القديمة كانت تحكي لها الحواديت اللطيفة عن الملوك والآلهة والأبطال الذين راحوا يغزون المستحيل: والحاضنة الجديدة تحكي الحدوتة المروعة عن زمن الكوبلت والأسمنت، عن أباطرة العلم والمال والقوة والصناعة الذين يستخرجون أسرار الذرَّة ويطلقون شياطين الطاقة ويبنون شواهق البروج وناطحات السحب والنجوم؛ ألم يتغير شيء؟ أكُل هذا «التقدم» عبث؟ أهو في حقيقته الأخيرة تخلُّف وتراجُع نحو عصر الغابة والكهف والخوف والرعب والتسلط والهيمنة ولكن بطُرق أخرى أكثر خبثًا والْتواءً؟ أليس الإنسان هو نفس «الحيوان» الذي يخاف الموت ويصنعه ويتفنن فيه في نفس الوقت؟ وهل كشف التقدم أو التنوير عن وجهه الجدلي المظلم للشاعر الغربي فلاذ بكهوف الماضي ولجأ إلى طقوس الأجداد؟ وما السرُّ وراء اليأس الكوني المُر عند هذه الشاعرة وعند كثيرٍ غيرها؟ أهو في النهاية فرار — إلى كهف اللغة الخاصة بكل شاعر على حدة! — من الوحدة التي يقاسيها في عالم لم يعُد فيه مكان للتواصل والمحبة والحوار الحقيقي، أم تدفعه مسئوليته التقليدية عن خضرة الأرض والحياة وحراسة الوحدة والجمال من طغيان التمزق والقبح، إلى أن يرفع صوته بالعودة للأصل والمنبع، ومحاولة البدء من جديد ومن الصفر بعد أن فقدَت كل الشعارات والمبادئ المزعومة معناها، وفضَح الأقنعة المعقدة الكاذبة التي صنعناها بأيدينا ووضعناها على وجه الحقيقة التي يغتالها اليوم الكذابون والمتآمرون ومغتصبو حقوق الشعوب وأراضيها وأقواتها و… و… مما نعلم جميعًا ونقرأ عنه ونراه ونسمعه في وسائل الإعلام ليل نهار … أسئلةٌ لا تغني شيئًا، فكلمات الشاعر الحديث إيحاءات وإشارات ونبوءات، وعليك أنت وحدك أن تفض معانيها وأسرارها وتحس وقْعها على جلد وجودك الخاص أو وجودك الجمعي العام.
•••
والتقيتُ بها بعد ذلك مرتَين، مرةً في بغداد لعدة لحظات تبادلْنا فيها عدة كلمات فهمتُ منها أنها هاجرت بمحض إرادتها هجرةً عكسية إلى ألمانيا الشرقية السابقة، ومرةً أخرى فوجئتُ بها وسط جمهور المحتفلين، في قصر أوجست في فيمار، بالحاصلين على ميدالية جوته لسنة ألفين، وكان لي الشرف أن أكون واحدًا من ستة أدباء وفنانين من بلادٍ مختلفة حضروا بهذه المناسبة إلى «كعبة» الكلاسيكية الألمانية حيث عاش جوته وشيلر وهيردر وفيلاند وغيرهم من عظام الشعراء والفنانين. وكانت المفاجأة حين علمتُ منها أنها جاءت لتراني بعد أن قرأَت أسماء المحتفَى بهم، وأنها قد استقرَّت في هذه المدينة الصغيرة التي تعبق أرضها وسماؤها وشوارعها وحاراتها الضيقة ومتاحفها وقصورها وتماثيلها ومبانيها بأنفاس الفلسفة المثالية والروح الإنسانية الحقيقية والبعث الجديد للثورة الأدبية والفنية الخلَّاقة التي ما تزال تُواصل السير في موكب أولئك الروَّاد وتستمد الفيض والإلهام من ينابيعهم. وأتحفَتني مشكورة بكتابَين جديدَين: رواية عن الرومانسيين المشهورين تتضمن حواراتهم ورسائلهم ولقاءهم في درسدن لتأمُّل لوحة رافائيل عن المادونا، وروايةٌ أخرى عن الشاعر الرومانسي نوفاليس (١٧٧٢–١٨٠١م) وحواره الطويل مع نفسه بعد أن صمَّم على اللحاق بحبيبته وخطيبته التي ماتت في عمر الزهور، وكان له ما أراده وصمَّم عليه، وما زالت الشاعرة تُواصل إنتاجها الشعري والقصصي والإذاعي الذي تمتزج فيه اللغة الفنية الغنية بالصور والاستعارات بلُغة الشارع اليومية، وتتفاعل في داخله الأحداث التاريخية والأساطير والحكايات العجيبة مع وقائع عصرنا وهموم زماننا المضطرب والمطارد لروح الشعر …