سيرة أستاذ جامعة١
منذ سنوات لم أقرأ مذكرات بقوة وأهمية ما كتبه د. رءوف عبَّاس الكاتب وأستاذ التاريخ بآداب القاهرة، هذه المذكرات صدرت هذا الشهر عن دار الهلال، تحت عنوان «مشيناها خطًى … سيرة ذاتية». لفت انتباهي لأهمية هذه المذكرات وخطورتها أستاذي وصديقي د. مجدي الجزيري أستاذ الفلسفة بآداب طنطا، ما إن تبدأ في قراءة السطور الأولى، لا تستطيع أن تتركها حتَّى النهاية، ترجع أهميتها إلى أنَّ صاحبها المؤرخ د. رءوف، كان يعمل أستاذًا بالجامعة وله اهتماماته الثقافية، وهو فيها يكشف بمشرط جراح، الفساد والتجاوزات التي تنخر في الجامعة والمجتمع، وصل بكشفه هذا إلى حد قد يُسأل عنه، وما يلفت الانتباه في بداية السيرة، المعاناة التي واجهها منذ طفولته، وما تكبَّده من عناء وضيم لكي يستكمل تعليمه، خاصةً الفترة التي قضاها في منزل جدته، تلك السيدة التي كانت تحرمه — بُخلًا — من وجبتَي الصباح والمساء، وقد صوَّر صاحب السيرة هذه الفترة من حياته باقتدار وبلاغة عهدناها في كتاباته، ومع خطورة هذه الفترة وتأثيرها في تشكيل شخصيته، ومع أنَّك تجد نفسك متعاطفًا معه إلى حد البكاء ومنتظرًا منه المزيد، ينقُلك بسرعة وسهولة إلى حياة الجامعة تلميذًا فقيرًا، ثمَّ طالبًا للدراسات العليًا، ثمَّ معيدًا بالقوة في كلية الآداب جامعة القاهرة، وخلال الفترة الجامعية، بدايةً من طلبه للدراسات العليا، وحتَّى وصوله لدرجة الأستاذية، يضع يدك على كمٍّ من الفساد لا حلَّ له، ويرسم بمشرط الجراح صورةً واقعية للعديد من الشخصيات التي كنت تعتقد أنَّها ليست في هذا الإطار، الدكتور رءوف عبَّاس ينقُلك داخل الجامعة من واقعة فساد إلى أخرى، موضِّحًا الأسباب الحقيقية وراء هذا الفساد، كيفية إدارة هذه المؤسسة، ابتداءً من رئاسة الجامعة وانتهاءً بمجلس القسم.
وقد أشار في سيرته هذه إلى العديد من الوقائع بأسماء أصحابها، سواءً وقائع الاضطهاد أو وقائع الشللية، أو وقائع الفساد والاستجابة للحكومة، الصورة التي كشف عنها د. رءوف عبَّاس في هذه المذكرات في الحقيقة، صورة واضحة لواقع مؤلم، أفسده الساسة والجشع وحب المال والسلطة، صورة تُوضِّح وتُشير إلى الأسباب الحقيقية وراء الانهيار العلمي والتعليمي في مؤسساتنا التي نُسمِّيها علميةً وتعليمية، سيرة رءوف عبَّاس، ابن العامل في السكة الحديد، الذي أصبح مؤرخًا وأستاذًا في الجامعة، يجب أن تُقرأ بعناية.