وقفة الحيران في أحول «رمضان»١
نشر معالي الدكتور عبد العظيم رمضان مقالًا في مجلة أكتوبر (١٩ مارس ٢٠٠٥م)، اختار له عنوان «بل هي خطًى مشاها خطأً!» هاجمني فيه هجومًا مقذعًا، وسبني على رءوس الأشهاد، واتهمني بالكذب وجردني من الوطنية، وعرَّض بأصلي الاجتماعي، وطلب رأي علماء النفس وعلماء الأجناس في شخصي، فاتهمني بذلك بالخلل العقلي، وأخرجني من زُمرة الإنسانية، طالبًا تحديد النوع الذي أنتمي إليه.
ولا أظن أنَّ أحدًا بلغ هذه الدرجة من خرق كل الضوابط والمعايير المتصلة بما يجب توافره في خطاب مُوجَّه إلى الرأي العام، على صفحات دورية، وتجاوز كل الحدود القانونية، فكان قذفًا وتشنيعًا واضحًا للعيان، مكان النظر فيه ساحة القضاء العادل، فلا أحد فوق القانون، وليس مكان مناقشة هذه التهم هنا.
ولكن أُريد هنا أن أُصوِّب بعض ما ورد في المقال من معلومات تفتقر إلى الصحة؛ فقد استهل صاحب المعالي مقاله باستنكار إقدامي على كتابة «مذكراتي» لأسباب تدخل في إطار ما أبقيناه لحكم القضاء العادل النزيه. وصحة الأمر أنَّني لم أكتب «مذكرات»، وإنَّما كتبت «سيرة ذاتية»، والسيرة الذاتية هي قصة حياة إنسان يكتبها بقلمه، وهي جنس من أجناس الكتابة الأدبية. وتزداد السيرة الذاتية قيمةً كلما بلغت درجةً عالية من الصدق والصراحة، وقدَّمت تصويرًا للوسط الاجتماعي الذي تربَّى فيه صاحبها، والعوامل المؤثرة في تكوين شخصيته، والمصادر التي استمدَّ منها ثقافته، ومحصلة تجاربه في الحياة؛ فالسيرة الذاتية ذات بُعد إنساني ذاتي يمتزج فيها الاجتماعي بالثقافي، وربما السياسي، وهو ما يختلف عن طبيعة المذكرات التي يكتبها أهل السياسة.
وفي الأدب العربي عديد من التراجم الذاتية كتبها عمالقة الفكر والأدب: طه حسين، وعبَّاس العقَّاد، وأحمد أمين، وسلامة موسى، وزكي نجيب محمود، ولويس عوض، وشوقي ضيف، وسيد عويس، والشيخ يوسف القرضاوي، وغيرهم. وهي في الأصل فن من فنون الأدب الغربي. ولحسن حظ هؤلاء جميعًا أنَّ معالي الدكتور رمضان لم يقرأ سيرهم، وإلا استنكر عليهم الاجتراء على كتابتها دون أن يكونوا من أرباب السياسة، ودون أن يكون لهم «دور وطني»!
وما فعلته في «مشيناها خطًى» هو من قبيل ما فعله هؤلاء الكُتَّاب العمالقة، ولكن مع درجة أعلى من الصدق، وجرأة أكبر على البوح، فتناولت طفولتي وصباي وتربيتي، وتجاربي في الحياة بصراحة تامة دون تزييف أو تزيين. ولعل ذلك يُفسِّر الترحيب الهائل في الوسط الثقافي المصري بالسيرة منذ صدورها في ٥ ديسمبر ٢٠٠٤م، فصدر حتَّى نهاية فبراير ٢٨ مقالًا بالصحافة القومية (الأهرام، أخبار الأدب مجلة الإذاعة والتليفزيون، صباح الخير، القاهرة)، وصحف المعارضة (الوفد، العربي، آفاق عربية، الأهالي)، والصحف المستقلة (الأسبوع، صوت الأمة)، كما نشرت مجلة «وجهات نظر» فصلًا من الكتاب. وبعض هذه الصحف نشرت مقالين وثلاثة مقالات لكُتَّاب مختلفين. كذلك نُشِرت عشرة عروض للكتاب بالصحف المغربية والخليجية، وثلاثة عروض بالصحف العربية اللندنية، وتناوله أحد كُتَّاب الأعمدة بالجارديان اللندنية … كل ذلك على مدًى زمني لم يزد عن شهرَين ونصف الشهر بيعت خلاله عشرة آلاف نسخة من الكتاب وقرأها خمسة أضعاف هذا العدد من القُرَّاء على أقل تقدير.
كذلك نوقش الكتاب في أتيلييه القاهرة يوم ٢١ ديسمبر، ثمَّ نوقش في صالون النديم بنقابة الصحفيين بعد ذلك بأسبوعين، وأعلنت الصحف عن المناسبتين. كما خصَّصت إذاعة الشباب والرياضة سهرة ليلة ٢١ ديسمبر للاحتفاء بالكتاب، ودارت — ولا تزال — حوارات حول الكتاب على الإنترنت في موقع «إيلاف» وغيره من المواقع العربية.
ولعل مرجع هذا الاهتمام الواسع، ما ينضح به الكتاب من صدق، فعندما تناولت تجربتي الجامعية، كشفت عن المساوئ المتصلة بالتعيينات والترقيات والدراسات العليا، ومستوى الدراسة الجامعية بمختلِف مراحلها وأوجه القصور فيها، وأسلوب اختيار القيادات الجامعية وآثاره السلبية، وما طرأ على الجامعات من آليات تخدم الفساد في العقدين الأخيرين، وهي كلها أمور يعرفها كل من اتصل بالوسط الجامعي تمام المعرفة، ولكن أحدًا لم يجرؤ على تسجيلها على الورق، وهو ما فعلته في الكتاب لأدق ناقوس الخطر، وأُنبِّه إلى ضرورة إصلاح التعليم والبحث العلمي إذا كنَّا ننشد لوطننا مكانًا لائقًا به في عالم مُتغير.
وما كاد الكتاب يصدر حتَّى حملت الأنباء ما جاء بالتقرير الدولي عن الخمسمائة جامعة البارزة في العالم، فإذا بجامعاتنا تقبع في خانة «الصفر». وبدأت الصحف تتناول تدهور مستوى الجامعات والبحث العلمي عندنا، واهتمت الدولة رسميًّا — رئيسًا وحكومةً — بهذا الأمر، وراحت تتحدَّث عن ضرورة رفع مستوى البحث العلمي والنهوض بالتعليم الجامعي، ربما لاحتواء الآثار السلبية للصفر الجامعي.
كم أتمنى على صاحب المعالي الدكتور عبد العظيم رمضان أن يُتحفنا بسيرته الذاتية؛ فقد قصَّ عليَّ أطرافًا كثيرةً منها قبل أن يخرج من زمرة الغلابة أمثالي، ويدخل في زمرة أصحاب المعالي. لو حقَّق لنا معاليه هذه الأمنية لقدَّم للشباب هديةً قيمة؛ ففي قصة حياته ما يُفيد الشباب بعشرات الأضعاف مِمَّا قد تُفيدهم به سيرتي. أتمنى على معاليه أن يُحدِّثنا عن طفولته، وينقُلنا إلى البيت الذي تربَّى فيه، والقيم الاجتماعية التي نشأ عليها، والتعليم الذي تلقَّاه. وكيف كانت الأحوال في بيت والده الكريم العامل الشريف الكادح، الذي كان يعمل بشركة ترام القاهرة الذي عرفه زملاؤه بالشيخ محمد إبراهيم رمضان، وأن يكشف لنا عن نوع الحياة التي كان يحياها عُمَّال الترام، فلعلها كانت أرغد من حياة عُمَّال السكك الحديدية التي تناولتها في سيرتي، ولعل عبد العظيم الطفل كان يتناول اللحم صباح مساء.
نتمنى أن يعرِّفنا عبد العظيم عن الوسط الاجتماعي الذي عاش فيه، ويُقدِّم لنا أسرته بقدرٍ من الصراحة يقترب مِمَّا فعلت، وأن يُبيِّن لنا لماذا اضطُرت أسرته إلى الدفع به إلى سوق العمل ليعمل كمساريًّا بالترام، ويتزوَّج ويُنجب طفلَين، ولكنَّه يتمرَّد على واقعه الاجتماعي ويتطلَّع إلى أن ينال حظًّا أوفر من التعليم. وكيف كان يرقب الجامعة من بعيد وهو واقف على سلم ترام (٣٠) ويتطلَّع أن يكون من طُلَّابها، وكيف أُتيحت له الفرصة مع قدوم ثورة يوليو، فحصل على الإعدادية، ثمَّ الثانوية العامة، في عامين متتاليين، ثمَّ التحق بالجامعة، وكيف كان أول ما فعله الوقوف على سطح قسم التاريخ ليرقب ترام (٣٠) وهو يمر من بعيد، ويتأمَّل ما حقَّقه نتيجة إصراره وطموحه.
أليس في هذا كله دروس للشباب؟ تكتمل بالحديث عن تواؤم عبد العظيم رمضان مع ظروفه الجديدة بعد الحصول على الليسانس وظيفيًّا وعائليًّا، والتطلع إلى الحصول على الماجستير ثمَّ الدكتوراه. ولعل ذلك يجره إلى الحديث عن الأسباب التي دعت محمد أنيس (أستاذه) أن يرفض تعيينه بآداب القاهرة، وأولئك الذين ساعدوه على العمل بالجزائر، وساعدوه أيضًا على التعيين بجامعة المنوفية. كلها تجارب هامة تنفع الشباب، ولا تنقص من قدر صاحبها. ولعله يهتم بشرح الكيفية التي دخل بها عالم الصحافة، ويُحدِّثنا عن حكاية «قفة» المقالات التي كان يسرح بها على الصحف (على حد قول أحد الكُتَّاب الكبار منذ نحو العشرين عامًا)، وكيف تناول قلمه هموم الشعب المصري من أسعار البطيخ، إلى سمكرية السيارات ومغالاتهم في الأجور، إلى أحاديث باهتة في السياسة. وربما أغرته هذه المناسبة ليُحدِّث قُرَّاءه المتعطِّشين عن الصحف والمجلات التي أغلقت أبوابها في وجهه، ولماذا؟!
ولمَّا كنَّا نعيش عصر العولمة، وتفكيك وحدة الأوطان، وطمس الهُويات الوطنية، لعل الشباب أحوج ما يكون إلى معرفة الوصفة السرية لتغيير المبادئ كما تُغيَّر الجوارب، ومعرفة أصول التلوُّن بجميع ألوان الطيف، وفنون المشي على الحبال المتعدِّدة كما البهلوانات، وربما فاض كرمه على قُرَّاء سيرته عندما يُؤصِّل لمبدأ «الثبات على المبلغ»، وكيفية استبدال الكشري بالكوشير.
لقد التقيت بعبد العظيم عام ١٩٦٧م عن طريق أحد الأصدقاء، يومها أبدى رغبته في التعرُّف عليَّ واستعارة رسالتي للماجستير عن الحركة العُمَّالية، فوعدته بأن أهديه نسخةً من الكتاب فور صدوره، وحصلت على عنوان عمله بمخزن النقل العام (بالمظلَّات آخر شبرا). وذهبت إليه فعلًا، وسعدت به باعتباره نموذجًا للعصامية والإصرار على تحقيق الهدف كشخصي تمامًا، كما أنَّه من أبناء طبقتي الاجتماعية.
ولعبت دورًا متواضعًا في تغيير وجه التاريخ بالنسبة له، عندما أنقذته من غضب محمد أنيس الذي لم يكن ينوي مناقشته للدكتوراه، وعرَّضت بذلك مستقبلي المهني للخطر. وعندما أصبحت رئيسًا لقسم التاريخ بآداب القاهرة، فتحت له أبواب القسم عندما انتدبته للتدريس إلى جانب يونان لبيب رزق وصلاح العقَّاد. ولكني اضطُررت إلى إنهاء انتدابه بعد عامين لأسباب لا يجب ذكرها، واستمرَّ انتداب صلاح العقَّاد لعام ثالث، واستمرَّ يونان لبيب معنا لخمس سنوات.
وكان القسم خاليًا من أعضاء هيئة التدريس في التخصُّص (عندئذ)، على نحو ما أشرت في سيرتي الذاتية، وقمت ببذل جهد كبير لتعيين عدد من المعيدين والمدرسين. وفي تلك الأيام كتب عبد العظيم مقالًا على صفحات «أكتوبر» مُشيدًا بجهودي، منوِّهًا بما قدَّمه لي عميد الكلية محمد الجوهري من عون لإعادة بناء الهيكل الأكاديمي للقسم، مُقدِّمًا التحية لحسن حمدي رئيس الجامعة، وزيَّن المقال بثلاث صور؛ واحدة لي وثانية للجوهري وثالثة لحسن حمدي، وخصَّص نحو نصف المقال (الذي احتفظ به) للهجوم على سياسة تجميد القسم التي اتبعها الرؤساء السابقون للقسم وبعض أساتذة التخصُّص، ومن بينهم من وصفهم في مقاله الأخير بالأساتذة الأجلاء.
وفي تلك الأيام — أيضًا — حاول عبد العظيم رمضان أن يُجنِّدني للاشتراك معه في حلقات الحوار التي كانت تتم مع أطراف إسرائيلية، وجاءني بخطاب دعوة رسمي للاشتراك في اجتماع يُعقد في سالزبورج بالنمسا (ما أزال محتفظًا به)، فاعتذرت عن عدم قَبول الدعوة لموقف مبدئي من القضية القومية، ورفض للتطبيع مع الصهيونية، لا أحيد عنه ما حييت.
لقد أراد عبد العظيم بمقاله المعني هنا أن يُوجِّه ثلاث رسائل؛ أولها لناصر الأنصاري، فراح يتملَّقه بعدما أصبح رئيسًا لهيئة الكتاب التي يحصل منها رمضان سنويًّا على عشرات الآلاف من الجنيهات، لقاء مطبوعات تكتظ بها المخازن ولا تجد من يشتريها. ولا أدري لماذا لم يتصدَّ للدفاع عن الأنصاري عندما حدثت الواقعة التي أشرت إليها بالسيرة الذاتية وتداولتها الصحف عندئذ، وعبد العظيم لا يقرأ سواها! إلا أنَّه كان عندئذٍ رئيسًا لدار الكتب التي انقطعت سبوبتها بتنحية عبد العظيم عن الإشراف على مركز تاريخ مصر المعاصر؟
والرسالة الثانية، بلاغ قدَّمه عني للحكومة، متهمًا إياي بادعاء أنَّ الحكومة المصرية في عهدَي السادات ومبارك تبنَّت سياسة التفرقة بين المواطنين على أساس الدين، وهو ما لم يرد مطلقًا في سيرتي الذاتية. لقد تناولت ظاهرة التعصُّب الديني في إطار سلوكيات فردية من بعض من تولَّوا مناصب ذات تأثير في اتخاذ القرار، ولا يعني ذلك أنَّ هناك «سياسة» رسمية تتبعها الدولة في هذا الصدد. ولا شك أنَّ عبد العظيم يعرف تمامًا أنَّ لدى الدولة أجهزةً أمنية تعرف تمامًا اتجاهات الشخصيات العامة، ومن بينها معاليه وشخصي. ولكن ما لا يفهمه معاليه أنَّ تغطية النار التي تسري في المجتمع تحت الرماد، والتي نتجت عن ممارسات غبية، بالقول إنَّ «كله تمام»، وإنَّ ما يُثار مجرد دعوى فئات «حاقدة»، سوف يقود هذا البلد إلى مأساة، ما لم يتم تدارك هذه السياسات.
لقد أثَّرت هذه القضية في سيرتي الذاتية من واقع تجربتي، وسلَّطت الضوء عليها حرصًا على الوطن، وليس خطبًا لود أقباط المهجر حتَّى أستمر في التدريس بالجامعة الأمريكية (وهذا طعن آخر في وطنيتي)؛ فليست لي صلة بأي قوًى خارجية سوى الهيئات العلمية المحترمة، والعلماء البارزين في شئون الشرق الأوسط، وكان انتدابي للتدريس بالجامعة الأمريكية لمدة أربع سنوات (١٩٩١–١٩٩٥م)، مبعثه حاجة الجامعة إلى خبرتي، ولا صله لي بالجامعة الأمريكية منذ ١٩٩٥م.
وقد استنكر عبد العظيم ما سجَّلته من موقف معلَن من اتجاه وزارة التعليم إلى إسقاط الأقباط من مهام وضع الامتحانات العامة، رغم أنَّ المسألة أُثيرت على صفحات الجرائد في وقت كان باستطاعته أن يُساهم فيه بقلمه كاشفًا «كذبي»، ولكنَّه آثر الصمت والعافية، وعاد الآن إلى نفي الواقعة مراهنًا بذلك على نسيان الرأي العام للموضوع، وهو ما لم يحدث. ولعل عبد العظيم يستطيع أن يُقدِّم لنا من الأرقام ما يُصوِّب ما ذكرت، فيُحدِّد لنا عدد الأساتذة المسيحيين الذين شاركوا في وضع الامتحانات العامة خلال ربع القرن المنصرم، وحبذا لو أضاف إليهم من شارك في تأليف الكتب الدراسية الحكومية من الأساتذة الأقباط.
أمَّا الرسالة الثالثة فموجهة إلى وزارة الثقافة طعنًا في ترشيحات الجمعية المصرية للدراسات التاريخية لجوائز الدولة في العلوم الاجتماعية، واتهامي بأنَّني — بحكم رئاستي لمجلس إدارة الجمعية — أُرشِّح من هم دون المستوى ممَّا يجعلهم لا يحصلون على الجوائز عند التصويت عليها في المجلس الأعلى للثقافة. وراح يطعن في خُلق جميع من رشَّحَتهم الجمعية متهمًا إيَّاهم بالفساد، ونسي الحكمة القائلة: «من كان بيته من زجاج.» وحقيقة الأمر أنَّ عبد العظيم رمضان كان يتطلَّع إلى ترشيح الجمعية له لجائزة الدولة التقديرية، وما يزال يتطلَّع إلى ترشيحها له لجائزة مبارك، وهو ما لم تستطع الجمعية عمله في الماضي (بالنسبة لترشيحه للتقديرية)، ولا تستطيع عمله في الحاضر.
فما لا يفهمه عبد العظيم رمضان أنَّ الترشيحات يقترحها أعضاء مجلس الإدارة، ويُراعى فيمن يُرشَّح أن يكون له عطاء مُميَّز للتخصُّص، وأن يكون مِمَّن يخدمون رسالة الجمعية، ثمَّ يتم التصويت على المرشحين بالاقتراع السري، ومن يحصل على أعلى الأصوات يتم ترشيحه للجائزة. وقد رشَّحت الجمعية لجائزة مبارك عمدة مؤرخي العصور الوسطى الدكتور سعيد عبد الفتَّاح عاشور مرتين (٢٠٠١–٢٠٠٤م)، ورشَّحت المؤرخ المعروف يونان لبيب رزق (٢٠٠٢م)، وأخيرًا رشَّحت إسماعيل صبري عبد الله المُفكِّر والحجة في اقتصاد التنمية لنيل الجائزة هذا العام (٢٠٠٥م).
وبالنسبة لجائزة الدولة التقديرية رشَّحت الجمعية المؤرخ البارز وأحد أعمدة التاريخ الاجتماعي عاصم أحمد الدسوقي عن عامَي «٢٠٠٠م، ٢٠٠٤م»، وعمدة مؤرخي الخليج العربي جمال زكريا قاسم عن العام ٢٠٠١م، والحجة في تاريخ فلسطين عادل حسن غنيم عن العامين «٢٠٠٢م، ٢٠٠٥م». وأبرز أساتذة تاريخ العصور الوسطى إسحاق عبيد عن العام ٢٠٠٣م.
وبالنسبة لجائزة التفوُّق رشَّحت الجمعية المؤرخ المتميز محمد صابر عرب (٢٠٠٠م)، والعالم الجليل والمُحقِّق العمدة أيمن فؤاد سيد (٢٠٠١م)، والمؤرخ الحجة في تاريخ الأندلس عُبادة كُحيلة (٢٠٠٢م)، والمؤرخ المتميز في تاريخ مصر الحديثة أحمد زكريا الشلق (٢٠٠٣م)، والمؤرخ البارز في تاريخ التعليم والثقافة عبد المنعم الجميعي (٢٠٠٤م، ٢٠٠٥م).
وكل مرشح لجائزة من هذه الجوائز في السنوات «٢٠٠٠–٢٠٠٥م» التي شَرُفت فيها برئاسة مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، يُشرف الجائزة التي رُشِّح لها، ولكن المشكلة أنَّنا نُرشِّح أناسًا محترمين من العلماء المبرزين الذين لا ينزل أي منهم إلى مستوى ذباب الصحراء، فيُطارد أعضاء المجلس الأعلى استجداءً لأصواتهم، كما أنَّ آليات التصويت التي يعرفها عبد العظيم جيدًا مسئولة عن ذهاب الجوائز إلى بعض من هم دون مستواها، وحرمان من يستحقونها منها.
أمَّا عن قصة انسحابي من لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة التي يرأسها عبد العظيم رمضان منذ ما يزيد على العشر سنوات، فمرده إلى عجزه عن تحقيق الهدف الذي قامت اللجنة — وغيرها من اللجان — من أجله، وهو رعاية النشاط الثقافي في مجال التاريخ من خلال المحاضرات العامة والنشر وتنظيم الندوات، فكانت لجنة التاريخ أكسل لجان المجلس على الإطلاق، تكتفي بندوة واحدة سنويًّا في موضوع أكل عليه الدهر وشرب.
وكانت طريقة عبد العظيم في إدارة اللجنة سببًا في عدم انتظامي وغيري من الأعضاء في الحضور؛ فهو يبدأ الاجتماع — عادةً — بحديث عام في السياسة، يحرص فيه على الزج باسم السيد رئيس الجمهورية، ويزعم أنَّ السيد الرئيس يتصل به يوميًّا، ويحرص دائمًا على استلهامه الحكمة. وغالبًا ما يستغرق ذلك أكثر من ساعة. وليقل لنا معاليه لماذا انقطع عن حضور اجتماعات اللجنة في الدورة السابقة المؤرخان الكبيران عمر عبد العزيز ومصطفى العبَّادي، ولماذا انقطع المؤرخان البارزان محمود إسماعيل وقاسم عبده قاسم عن حضور اجتماعات هذه الدورة. ومن الطريف أنَّ عبد العظيم لم يعد يذكر أحاديثه اليومية مع الرئيس منذ صدور سيرتي الذاتية.
ولقد كان لقائي الأول بعبد العظيم رمضان بجراج النقل العام بالمظلات، وسوف يكون لقائي الأخير معه قريبًا في ساحة القضاء العادل، وثقتي تامة في عدالة القضاء المصري ونزاهته وهو الذي يُحق الحق، ويؤكِّد قول العزيز الحكيم: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.