الَفْصَلُ السَّادِسُ
(١) فِي مَجْلِسِ السُّلْطَانِ
وَاجْتَمَعَ الْأُمَرَاءُ الثَّلَاثَةُ بِأَبِيهِمُ السُّلْطَانِ «مَحْمُودٍ»، وَحَضَرَ اجْتِمَاعَهُمُ الْحَكِيمُ «آزَادُ».. وَسُرْعَانَ مَا اتَّجَهَ الْحَكِيمُ بِقَوْلِهِ إِلَى الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ: «حَمْدًا لِلهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ أَنْ أَعَادَكُمْ إِلَى بِلَادِكُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، وَلَقْد شَهِدْتُمْ كَيْفَ كَانَ الْفَرَحُ بِعَوْدَتِكُمْ شَامِلًا، دَلِيلَ تَقْدِيرٍ لَكُمْ، وَحَفَاوَةٍ بِكُمْ، فَأَخْبِرُونِي بِاللهِ عَلَيْكُمْ: بِمَاذَا أَفَدْتُمْ بَلَدَكُمْ مِنْ رِحْلَتِكُمُ الْمُوَفَّقَةِ؟ لَقَدْ نَصَحْتُ لَكُمْ قَبْلَ سَفَرِكُمْ أَنْ تَتَعَرَّفُوا مَا فِي الْبِلَادِ الْأُخْرَى مِنْ مَنَافِعَ لِلنَّاسِ، وَتَقْتَبِسُوهَا لِوَطَنِكُمُ الْعَزِيزِ».
فَقَالَ الْأَمِيرُ «أَحْمَدُ»: «لَمْ أُخَالِفْ لَكَ نُصْحًا أَيُّهَا الْحَكِيمُ الْعَظِيمُ، فَقَدْ جَلَبْتُ مَعِي مِنْ مَدِينَةِ «بِسْنَجَارَ» مَقَادِيرَ كَبِيرَةً مِنْ بُذُورِ الزُّهُورِ، وَنَقَلْتُ مَعِي كَيْفِيَّةَ إِنْبَاتِهَا، وَطَرِيقَةَ اسْتِخْرَاجِ الْعُطُورِ مِنْهَا، وَوَسِيلَةَ حِفْظِهَا فِي قَنَانِيَّ وَزُجَاجَاتٍ مُحْكَمَةِ السِّدَادَاتِ، بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ تَخْتَمِرَ وَتَتَرَكَّزَ، وَكَذَلِكَ يَتَسَنَّى لَهَا أَنْ تَبْقَى زَمَنًا طَوِيلًا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا فَسَادٌ.
وَسَأُبَادِرُ مَعَ أَصْحَابِ الْبَسَاتِينِ مِنْ أَهْلِ وَطَنِي إِلَى زَرْعِهَا فِي أَرْضٍ خِصْبَةٍ، وَجَوٍّ صَالِحٍ.
وَعَمَّا قَرِيبٍ أُهْدِي إِلَيْكَ طَاقَةً مِنْ مَجْمُوعَةِ الزُّهُورِ الْجَدِيدَةِ، إِقْرَارًا بِفَضْلِكَ، وَتَذْكَارًا لِجَمِيلِ نُصْحِكَ».
وَقَالَ الْأَمِيرُ «عَلِيٌّ»: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ نَقَلْتُ مَعِي مِنْ مَدِينَةِ «شِيرَازَ» وَسَائِلَ صِنَاعَةِ الزُّجَاجِ وَالْبِلَّوْرِ؛ فَقَدْ رَأَيْتُ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ بَدَائِعَ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ، فَمِنَ الزُّجَاجِ عِنْدَهُمْ مَا يُتَّخَذُ لِلزِّينَةِ، وَمِنْهُ مَا يُتَّخَذُ لِعَمَلِ الْمَنَاظِيرِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْوَاعِ، وَمِنْهُ مَا يُسْتَخْدَمُ فِي صُنْعِ الْمَرَايَا الْعَجِيبَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِإِحْسَانٍ وَإِتْقَانٍ. وَمَا هِيَ إِلَّا فَتْرَةٌ قَصِيرَةٌ حَتَّى تَرَى مَصْنُوعَاتٍ جَمِيلَةً نَافِعَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْأَكْوَابِ وَالْمَصَابِيحِ وَالْمَرَايَا، وَأَصْنَافِ النَّظَّارَاتِ الْمُقَرِّبَةِ وَالْمُكَبِّرَةِ.
وَسَأُهْدِي إِلَيْكَ أَوَّلَ مِنْظَارٍ نَصْنَعُهُ، رَمْزًا لِمَا لَكَ مِنْ نَظَرٍ بَعِيدٍ، وَبَصِيرَةٍ نَيِّرَةٍ، وَرَأْيٍ صَائِبٍ».
وَقَالَ الْأَمِيرُ «أَحْمَدُ»: «لَمْ أَكُنْ أَقَلَّ مِنْ أَخَوَيَّ اسْتِمَاعًا لِنُصْحِكَ، وَانْتِفَاعًا بِإِرْشَادِكَ؛ فَلَقَدْ كَانَ أَكْبَرَ مَا يَشْغَلُ بَالِي، أَنْ يَكُونَ فِي رِحْلَتِي مَا يَعُودُ بِالْخَيْرِ عَلَى أَهْلِ وَطَنِي، وَقَدْ حَمَلْتُ مَعِي مِنْ مَدِينَةِ «سَمَرْقَنْدَ» مَقَادِيرَ كَبِيرَةً مِنْ بُذُورِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالْأَعْشَابِ الَّتِي تُشْبِعُ مِنَ الْجُوعِ، وَتَشْفِي مِنَ الدَّاءِ؛ فَهِيَ غِذَاءٌ نَافِعٌ، وَهِيَ أَيْضًا دَوَاءٌ نَاجِعٌ، وَأَرْجُو أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا أَهْلُ وَطَنِي فِي تَيْسِيرِ أَقْوَاتِهِمْ، وَفِي حِفْظِ صِحَّتِهِمْ.
وَسَتَكُونُ لَكَ الْبَاكُورَةُ مِنْ كُلِّ مَا تُخْرِجُ هَذِهِ الْبُذُورُ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ وَعُشْبٍ، وَلَكَ الْفَضْلُ بِمَا أَرْشَدْتَ، وَالشُّكْرُ عَلَى مَا أَسْدَيْتَ».
فَأَشْرَقَ وَجْهُ الْحَكِيمِ «آزَادَ» وَتَطَلَّقَتْ أَسَارِيرُهُ، وَطَابَتْ نَفْسُهُ بِمَا صَنَعَ الْأُمَرَاءُ الثَّلَاثَةُ، وَحَمِدَ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا رِحْلَتَهُمْ لَهْوًا وَلَا عَبَثًا، وَأَنَّهُمْ أَفَادُوا وَطَنَهُمْ بِمَا رَأَوْا فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ مِنْ أَشْيَاءَ نَافِعَةٍ لِلنَّاسِ جَمِيعًا.
•••
ثُمَّ قَصَّ الْأُمَرَاءُ عَلَى أَبِيهِمُ السُّلْطَانِ مَا لَقُوهُ فِي أَسْفَارِهِمْ مِنْ مَسَرَّاتٍ وَأَشْجَانٍ، وَمَبَاهِجَ وَأَحْزَانٍ، وَلَمْ يُخْفُوا عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ دَقَائِقِ مَا تَحَمَّلُوهُ فِي رَحَلَاتِهِمْ مِنْ مَشَقَّةٍ وَعَنَاءٍ، وَمَا تَمَتَّعُوا بِهِ مِنْ رَاحَةٍ وَهَنَاءٍ، وَمَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ مَسَاعِيهِمْ مِنْ فَوْزٍ وَنَجَاحٍ، وَتَوْفِيقٍ وَفَلَاحٍ.
وأَفْضَوْا إِلَيْهِ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَنَقَّلْ فِي الْبِلَادِ، لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ؛ فَالرِّحْلَةُ فِي الْمَوَاطِنِ الْمُخْتَلِفَةِ تُكْسِبُ الْمَرْءَ خِبْرَةً، وَتَزِيدُهُ مَعْرِفَةً، وَتَقِفُهُ عَلَى جُهُودِ الْإِنْسَانِيَّةِ كُلِّهَا فِي مَيَادِينِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ.
وَقَصُّوا عَلَيْهِ كَيْفَ تُوِّجَتْ جُهُودُهُمْ — آخِرَ الْأَمْرِ — بِمَا أَحْرَزُوهُ مِنْ تُحَفٍ وَنَفَائِسَ، وَكُلِّلَتْ مَسَاعِيهِمْ بِالْفَوْزِ وَالِانْتِصَارِ، وَالظَّفَرِ بِمَا حَصَلُوا عَلَيْهِ مِنْ مَغَانِمَ كِبَارٍ.
ثُمَّ خَتَمَ الْأُمَرَاءُ الْأَشِقَّاءُ أَحَادِيثَ أَسْفَارِهِمْ الْمُعْجِبَةِ الشَّائِقَةِ بِعَرْضِ نَفَائِسِهِمُ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ، وَتَقْدِيمِهَا إِلَيْهِ.
(٢) حَدِيثُ الْأَمِيرِ «حُسَيْنٍ»
بَدَأَ الْأَمِيرُ «حُسَيْنٌ» بِعَرْضِ «بِسَاطِ الرِّيحِ»، وَشَرَحَ لِأَبِيهِ مَا تَمَيَّزَ بِهِ بِسَاطُهُ الْعَجِيبُ عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَبْسِطَةِ، وَأَوْضَحَ لِأَبِيهِ السُّلْطَانِ، كَيْفَ أَنَّ هَذَا الْبِسَاطَ هَيِّنُ الْمَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَ نَفِيسَ الْمَخْبَرِ، وَكَيْفَ أَنَّهُ لِرِقَّتِهِ وَخِفَّتِهِ لَا يَعْرِفُ: أَمِنْ نَسْجِ الْحَرِيرِ هُوَ، أَمْ مِنْ مَادَّةٍ أَشَدَّ نُعُومَةً وَلِينًا؟ وَأَنَّهُ لَمْ يُصْنَعْ لِيُطْرَحَ عَلَى الْأَرْضِ، بَل لْيَطِيرَ فِي السَّمَاءِ!
كَمَا قَصَّ عَلَى أَبِيهِ كَيْفَ أَسْعَدَتْهُ عِنَايَةُ اللهِ وَتَوْفِيقُهُ، فَذَلَّلَتْ لَهُ كُلَّ صَعْبٍ، وَيَسَّرَتْ لَهُ كُلَّ عَسِيرٍ، حَتَّى ظَفِرَ بِهَذَا الْمَغْنَمِ الْكَبِيرِ.
(٣) حَدِيثُ الْأَمِيرِ «أَحْمَدَ»
وَلَمَّا فَرَغَ الْأَمِيرُ «حُسَيْنٌ» مِنْ حَدِيثِهِ، تَبِعَهُ الْأَمِيرُ «أَحْمَدُ»؛ فَعَرَضَ عَلَى أَبِيهِ السُّلْطَانِ طُرْفَتَهُ الثَّانِيَةَ، وَشَرَحَ لَهُ مَزَايَا تُفَّاحَتِهِ الشَّافِيَةِ.
وَأَعَادَ عَلَى مِسْمَعَيْهِ، مَا أَفْضَى بِهِ الدَّلَّالُ إِلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ مُخْتَرِعِهَا الْبَارِعِ الْعَبْقَرِيِّ، وَكَيْفَ قَضَى جُلَّ حَيَاتِهِ فِي تَرْكِيبِهَا.. ثُمَّ حَرَمَهُ الْقَدَرُ أَنْ يُفِيدَ مِنْهَا أَوْ يَنْتَفِعَ بِهَا؛ فَدَهِمَهُ الْمَرَضُ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْهَا، وَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَجْلِبُوهَا إِلَيْهِ، وَيُقَرِّبُوهَا مِنْهُ.
ثُمَّ ذَكَرَ لِأَبِيهِ مَا قَالَ الدَّلَّالُ عَنِ الْمُخْتَرِعِ الْعَبْقَرِيِّ، وَمَا تَعَرَّضَ لَهُ أَطْفَالُهُ الصِّغَارُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَلْجَأَهُمْ إِلَى بَيْعِ اخْتِرَاعِ عَائِلِهِمْ، لِيَسْتَعِينُوا عَلَى مَطَالِبِ الْعَيْشِ وَحَاجَاتِهِ، بِمَا يَحْصُلُونَ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِهِ، فَتَحَقَّقَ لَهُمْ مَا أَرَادُوهُ.
وَأَبَانَ لِأَبِيهِ السُّلْطَانِ كَيْفَ هَيَّأَتِ الْفُرْصَةُ سَبِيلًا مُمَهَّدًا لِاخْتِبَارِ مَيْزَةِ هَذِهِ التُّفَّاحَةِ الْعَجِيبَةِ، وَمَدَى قُدْرَتِهَا عَلَى تَحْقِيقِ الشِّفَاءِ …
قَالَ الْأَمِيرُ «أَحْمَدُ»: «وَلَمْ يَكَدِ الدَّلَّالُ يَبْلُغُ هَذَا الْمَدَى مِنْ حَدِيثِهِ؛ حَتَّى أَقْبَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ — رَاجِيًا — أَنْ يُنْقِذَ أَخَاهُ بَعْدَ أَنِ اسْتَعْصَى عِلَاجُهُ عَلَى نُطُسِ الْأَطِبَّاءِ.
فَأَسْرَعْنَا إِلَى الْمَرِيضِ الْمُحْتَضَرِ نُنْقِذُهُ، قَبْلَ أَنْ يَلْفِظَ آخِرَ أَنْفَاسِهِ!
فَلَمْ يَكَدِ الْمَرِيضُ يَشَمُّ التُّفَّاحَةَ، حَتَّى دَبَّتْ فِي جِسْمِهِ الْحَيَاةُ مِنْ جَدِيدٍ، وَلَمْ يَلْبَثْ أَنِ اسْتَعَادَ — لِلْحَالِ — نَشَاطَهُ وَقُوَّتَهُ، وَبَأْسَهُ وَفُتُوَّتَهُ».
وَكَانَتْ أَمَارَاتُ الْحُزْنِ وَالْأَسَى بَادِيَةً عَلَى أَسَارِيرِ الْأَمِيرِ «أَحْمَدَ»، وَهُوَ يَقُصُّ عَلَى أَبِيهِ: كَيْفَ قَسَتْ أَحْدَاثُ الدَّهْرِ عَلَى مُخْتَرِعِ التُّفَّاحَةِ الْعَبْقَرِيِّ، فَحَرَمَتْهُ الِانْتِفَاعَ بِثَمَرَةِ اخْتِرَاعِهِ الْجَلِيلِ، بَعْدَ مَا بَذَلَ مِنْ جِهَادٍ شَاقٍّ طَوِيلٍ.
فَقَالَ الْحَكِيمُ «آزَادُ»: «رُبَّ غَرْسٍ يَأْكُلُ ثَمَرَتَهُ غَيْرُ مَنْ غَرَسَهُ، وَرُبَّ اخْتِرَاعٍ يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُ صَاحِبِهِ، وَالْجَزَاءُ الْأَوْفَى لِكُلِّ عَامِلٍ هُوَ رَاحَةُ الضَّمِيرِ وَمَثُوبَةُ اللهِ».
(٤) جَزَاءُ الْمُحْسِنِ
كَانَ السُّلْطَانُ «مَحْمُودٌ» يَسْتَمِعُ إِلَى حَدِيثِ وَلَدِهِ الْأَمِيرِ «أَحْمَدَ» بِشَغَفٍ وَاهْتِمَامٍ، وَإِصْغَاءٍ تَامٍّ.
وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ تَفْكِيرٌ عَمِيقٌ، لِمَا سَمِعَهُ مِنْ شَرْحٍ طَرِيفٍ وَتَفْصِيلٍ دَقِيقٍ.
وَقَدْ أَعْجَبَهُ مَا عَلَّقَ بِهِ الْحَكِيمُ «آزَادُ» عَلَى مَصِيرِ صَاحِبِ التُّفَّاحَةِ الشَّافِيَةِ، وَوَجَدَ فِيهِ مَعْنًى سَامِيًا، فَأَرَادَ أَنْ يُؤَكِّدَهُ لِوَلَدِهِ، فَقَالَ: «لَا تَأْسَ — يَا وَلَدِي — وَلَا تَحْزَنْ، لِمَا لَقِيَهُ مُخْتَرِعُ التُّفَّاحَةِ الْعَبْقَرِيُّ مِنْ حَظٍّ عَاثِرٍ شَقِيٍّ، حَرَمَهُ الِانْتِفَاعَ بِثَمَرَةِ اخْتِرَاعِهِ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ، وَأَحْرَصَ مَا كَانَ عَلَيْهِ».
فَقَالَ الْأَمِيرُ «أَحْمَدُ»: «إِنَّهَا سُنَّةُ الْحَيَاةِ، يَا أَبِي، لَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِهَا، وَلَا خَيْرَ — عَلَى كُلِّ حَالٍ — فِي تَعْدِيلِهَا، فَقَدْ عَلَّمَتْنَا تَجَارِبُ الْحَيَاةِ أَنْ يَنْتَفِعَ الْإِنْسَانُ بِصَنِيعِ مَنْ يَسْبِقُونَهُ، لِيَرُدَّ مَا أَسْلَفُوا مِنْ دَيْنِهِمْ إِلَى مَنْ يَخْلُفُونَهُ.
وَلَعَلَّ أَخَوَيَّ لَمْ يَنْسَيَا مَا قَصَّهُ عَلَيْنَا وَالِدُنَا السُّلْطَانُ فِي طُفُولَتِنَا مِنْ أُحْدُوثَةٍ بَدِيعَةٍ، وَقَعَتْ لِوَالِدِهِ الْعَظِيمِ؛ فِي أَوَّلَ مَرَاحِلِ شَبَابِهِ، مَعَ شَيْخٍ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ، جَاوَزَ عُمْرُهُ مِئَةً مِنَ السِّنِينَ».
فَقَالَ الْأَمِيرَانِ «حُسَيْنٌ» وَ«عَلِيٌّ»: «إِنَّهَا أُطْرُوفَةٌ لَا تُنْسَى، وَهِيَ مِنْ بَدَائِعِ الْمُلَحِ وَالْأَسْمَارِ، الَّتِي لَا تَبْلَى جِدَّتُهَا عَلَى الْإِعَادَةِ وَالتَّكْرَارِ، وَمَا أَسْعَدَنَا بِسَمَاعِهَا مِنْ أَخِينَا «أَحْمَدَ» بَعْدَ اسْتِئْذَانِ أَبِينَا!»
فَقَالَ السُّلْطَانُ: «مَا أَسْعَدَنِي بِهَا، وَأَشْوَقَنِي — فِي كُلِّ حِينٍ — إِلَى سَمَاعِهَا، وَالْحَدِيثُ الطَّيِّبُ لَا يُمَلُّ تَكْرَارُهُ، بَلْ يُفِيدُ تَذْكَارُهُ».
فَأَنْشَأَ الْأَمِيرُ «أَحْمَدُ» يَقُولُ: «كَانَ مِنْ عَادَةِ جَدِّيَ الْعَظِيمِ، أَنْ يَخْرُجَ بَيْنَ حِينٍ وَحِينٍ، لِيَتَعَرَّفَ شُئُونَ شَعْبِهِ الْأَمِينِ.
ثُمَّ انْتَهَى بِهِ الْمَطَافُ إِلَى أَحَدِ الْحُقُولِ.
فَرَأَى شَيْخًا مُعَمَّرًا، تَجَاوَزَ الْمِائَةَ مِنْ عُمُرِهِ.
فَاقْتَرَبَ جَدِّي مِنَ الشَّيْخِ، فَرَأَى مِنْ أَمْرِهِ عَجَبًا: رَآهُ يَغْرِسُ نَوَاةً فِي حَقْلِهِ.
فَابْتَدَرَ الزَّارِعَ مُسَائِلًا: «أَتَظُنُّ أَنَّ أَجَلَكَ سَيَمْتَدُّ أَعْوَامًا طِوَالًا؛ حَتَّى تَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِ غَرْسِكَ!»
فَالْتَفَتَ الزَّارِعُ الْمُعَمَّرُ إِلَى جَدِّيَ السُّلْطَانِ، وَقَالَ لَهُ بَاسِمًا: «لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِي أَنَّنِي سَأَعِيشُ حَتَّى آكُلَ مِنْ ثَمَرِ مَا أَزْرَعُهُ».
فَسَأَلَهُ جَدِّيَ السُّلْطَانُ: «فَلِمَنْ — إِذَنْ — تَغْرِسُ النَّوَاةَ؟»
فَقَالَ الزَّارِعُ الْمُعَمَّرُ: «طَالَ عُمْرُ السُّلْطَانِ وَمَتَّعَهُ اللهُ بِالصِّحَّةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالِاطْمِئْنَانِ، إِنَّ مَنْ سَبَقَنِي مِنَ الْآبَاءِ غَرَسَ، لِآكُلَ مِنْ ثِمَارِ غَرْسِهِ.. وَقَدْ جَاءَ الْآنَ دَوْرِي، لِأَرُدَّ جَمِيلَهُمْ لِأَبْنَائِي مِنْ بَعْدِي».
وَقَدْ أُعْجِبَ جَدِّيَ السُّلْطَانُ، بِهَذَا الْجَوَابِ الْبَارِعِ، فَمَنَحَ الزَّارِعَ الْمُعَمَّرَ كِيسًا مِنَ الذَّهَبِ..
فَابْتَدَرَهُ الزَّارِعُ الذَّكِيُّ، قَائِلًا: «مَا أَسْرَعَ الْجَزَاءَ، وَأَكْرَمَ الْعَطَاءَ!
شَدَّ مَا حَالَفَنِي السَّعْدُ بِلِقَاءِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْحِسْبَانِ؛ فَجَنَيْتُ الثِّمَارَ عَلَى غَيْرِ انْتِظَارٍ، وَلَمَّا تَمْضِ عَلَى غَرْسِهِ لَحَظَاتٌ قِصَارٌ».
وَقَدْ أُعْجِبَ جَدُّنَا السُّلْطَانُ بِهَذَا الْجَوَابِ أَيَّمَا إِعْجَابٍ، فَمَنَحَ الزَّارِعَ كِيسًا ثَانِيًا، مُكَافَأَةً عَلَى حُسْنِ جَوَابِهِ، وَتَعْبِيرًا لَهُ عَنْ تَقْدِيرِهِ وَإِعْجَابِهِ.
فَقَالَ الزَّارِعُ: «مَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللهِ وَكَرَمَهُ!
إِنَّ مِنْ عَادَةِ الزَّرْعَ أَلَّا يُثْمِرَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعَامِ، وَقَدْ بَارَكَ اللهُ — بِالسُّلْطَانِ — غَرْسِيَ فَأَثْمَرَ، مَرَّتَيْنِ فِي لَحْظَتَيْنِ قَصِيرَتَيْنِ».
فَابْتَهَجَ جَدِّي بِمَا سَمِعَ مِنَ الزَّارِعِ، وَضَاعَفَ لَهُ شُكْرَهُ، وَمَنَحَهُ كِيسًا ثَالِثًا، وَانْصَرَفَ عَنْهُ».
•••
فَقَالَ السُّلْطَانُ: «أَحْسَنْتَ — يَا وَلَدِي — أَحْسَنْتَ!»
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَوْلَادِهِ، قَائِلًا: «بَقِيَ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ مَا يَعْمُرُ مِنَ الْبَهْجَةِ قُلُوبَ الْمُبْدِعِينَ الْمُخْلِصِينَ، وَيَعْمُرُ نُفُوسَ الْمُحْسِنِينَ — بِمَا أَبْدَعُوا وَأَحْسَنُوا مِنْ آيَاتِ عَبْقَرِيَّتِهِمْ، وَمَا وُفِّقُوا إِلَيْهِ مِنْ نَجَاحٍ فِي إِسْعَادِ غَيْرِهِمْ — يُنْسِيهِمْ كُلَّ مَا بَذَلُوا مِنْ جُهْدٍ وَمَشَقَّةٍ وَعَنَاءٍ؛ فَيُفَارِقُونَ الدُّنْيَا مَسْرُورِينَ بِمَا بَذَلُوا هَانِئِينَ، رَاضِينَ بِحَظِّهِمْ — مِنَ الْإِبْدَاعِ — قَانِعِينَ.
فَهُمْ أَشْبَهُ بِالنَّحْلَةِ الْعَامِلَةِ: تَسْعَى سَعْيَهَا، وَتُنْفِقُ وَقْتَهَا، لِتَجْنِيَ أَنْوَاعَ الثَّمَرِ، وَتَمْتَصَّ فُنُونَ الزَّهْرِ؛ لِتُخْرِجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ شُهْدًا لَذِيذَ الطَّعْمِ لِلشَّارِبِينَ، وَطَعَامًا سَائِغًا لِلْآكِلِينَ. وَكَأَنَّمَا لِسَانُ حَالِهَا يَقُولُ:
وَلَيْسَتِ النَّحْلَةُ بِدْعًا فِي هَذَا، فَإِنَّ دُودَةَ الْقَزِّ تَقْضِي حَيَاتَهَا — كَمَا تَعْلَمُونَ — فِي إِعْدَادِ الْخُيُوطِ الرَّقِيقَةِ الَّتِي هِيَ خُيُوطُ الْحَرِيرِ؛ حَتَّى إِذَا بَذَلَتْ طَاقَتَهَا، وَأَنْجَزَتْ عَمَلَهَا عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ، مَاتَتْ عَلَى الْفَوْرِ، وَتَرَكَتْ — رَاضِيَةً — حَرِيرَهَا لِغَيْرِهَا مِنَ اللَّابِسِينَ.
وَقَدِيمًا قَالَتِ الْأَمْثَالُ الْحَكِيمَةُ: «حَقًّا. إِنَّ جَزَاءَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَا يَضِيعُ عِنْدَ اللهِ، فَهُوَ يُضَاعِفُ الْجَزَاءَ لِكُلِّ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَكْبَرَ مُكَافَأَةٍ يُفِيدُهَا الْمُحْسِنُ، هُوَ قُدْرَتُهُ عَلَى الْإِحْسَانِ.
وَلَوْ عَرَفَ النَّاسُ الْيَقِينَ، وَتَمَثَّلُوا مِقْدَارَ السَّعَادَةِ الَّتِي تَفِيضُ بِهَا قُلُوبُ الْعَامِلِينَ الْمُحْسِنِينَ، لَأَدْرَكُوا أَنَّ مَا يَشْعُرُ بِهِ الْمُبْدِعُ الْعَبْقَرِيُّ، وَمَا يُحِسُّهُ الْبَطَلُ الشُّجَاعُ الْبَاذِلُ الْفِدَائِيُّ، وَهُوَ يَجُودُ بِأَنْفَاسِهِ الْأَخِيرَةِ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِ هَدَفِهِ، وَإِعْزَازِ وَطَنِهِ: مِنْ غِبْطَةٍ وَسَعَادَةٍ، وَهَنَاءَةٍ وَرَغَادَةٍ، وَمَا يَعْمُرُ قَلْبَهُ مِنْ رَاحَةٍ أَبَدِيَّةٍ، وَمَا يَغْمُرُ نَفْسَهُ مِنْ بَهْجَةٍ عُلْوِيَّةٍ، وَنَفْحَةٍ سَمَاوِيَّةٍ؛ حِينَ يَنْتَهِي بِهِ السَّعْيُ إِلَى تَحْقِيقِ مُرَادِهِ، وَإِعْزَازِ بِلَادِهِ، وَمَا يَظْفَرُ بِهِ — عَلَى إِحْسَانِهِ، مِنْ عَظِيمِ الْمُكَافَأَةِ وَمُضَاعَفِ الْجَزَاءِ — يَفُوقُ كُلَّ ثَنَاءٍ وَتَقْدِيرٍ، وَيَجِلُّ عَنْ كُلِّ وَصْفٍ وَتَعْبِيرٍ، وَيَتَضَاءَلُ بِالْقِيَاسِ إِلَيْهِ كُلُّ مَا تَحْوِيهِ الْأَرْضُ مِنْ كُنُوزٍ.
فَلَا يَتَبَادَرَنَّ إِلَى ذِهْنِكَ — يَا وَلَدِي — أَنَّ الْمُخْتَرِعَ الْعَبْقَرِيَّ قَدْ مَاتَ، بَعْدَ أَنْ حُرِمَ الِانْتِفَاعَ بِثِمَارِ غَرْسِهِ، مَحْزُونًا مَقْهُورًا، كَسِيرَ الْقَلْبِ مَحْسُورًا.
فَإِنَّ لِلْخَيْرِ سَعَادَةً — لَوْ عَلِمَ النَّاسُ — يَتَضَاءَلُ بِالْقِيَاسِ إِلَيْهَا سَعَادَاتُ الدُّنْيَا كُلُّهَا.
وَلَئِنْ فَاتَ ذَلِكَ الْعَبْقَرِيَّ الْمَوْهُوبَ أَنْ يَنْتَفِعَ فِي الدُّنْيَا بِثَمَرَةِ اخْتِرَاعِهِ، إِنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ أَنْ يَنْعَمَ بِمَا أَعَدَّهُ اللهُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ حُسْنِ جَزَائِهِ، وَعِظِيمِ ثَوَابِهِ».
(٥) حَدِيثُ الْأَمِيرِ «عَلِيٍّ»
وَجَاءَ دَوْرُ الْأَمِيرِ «عَلِيٍّ». فَعَرَضَ نَفِيسَتَهُ الثَّمِينَةَ عَلَى أَبِيهِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِشَرْحِ مَا تَمَيَّزَ بِهِ الْأُنْبُوبُ الْعَاجِيُّ مِنْ قُدْرَةٍ خَارِقَةٍ تَكْفُلُ لِمَنْ يَنْظُرُ فِي زُجَاجَتَيْهِ الْعَجِيبَتَيْنِ، رُؤْيَةَ مَا يُرِيدُ رُؤْيَتَهُ، وَلَوْ كَانَ فِي أَقْصَى مَكَانٍ فِي الدُّنْيَا!
ثُمَّ أَفْضَى إِلَيْهِ بِمَا لَقِيَهُ مِنْ عِنَايَةِ اللهِ، فِي رِحْلَتِهِ الطَّوِيلَةِ، وَكَيْفَ تَعَاوَنَتْ أَسْبَابُ التَّوْفِيقِ عَلَى اهْتِدَائِهِ إِلَى التُّحْفَةِ الْجَلِيلَةِ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ حَدِيثِهِ، قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: «مَتَى أَرَادَ اللهُ أَمْرًا هَيَّأَ لَهُ أَسْبَابَهُ، وَذَلَّلَ عَقَبَاتِهِ وَيَسَّرَ صِعَابَهُ، فَاحْمَدِ اللهَ الْعَلِيَّ الْقَدِيرَ عَلَى مَا يَسَّرَ لَكَ مِنْ ظَفَرٍ بِمَطْلَبِكَ الْخَطِيرِ».
وَكَانَ السُّلْطَانُ «مَحْمُودٌ» بَادِيَ الْغِبْطَةِ، مَوْفُورَ السُّرُورِ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ أَحَادِيثِ أَوْلَادِهِ.
وَكَانَ فَرَحُ أَبْنَائِهِ بِبُلُوغِ مُرَادِهِمْ وَنَجَاحِ مَسَاعِيهِمْ، لَا يُعَادِلُهُ إِلَّا فَرَحُ أَبِيهِمْ.
عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ «مَحْمُودًا» لَمْ يَفُتْهُ بِذَكَائِهِ وَفِطْنَتِهِ أَنَّ أَبْنَاءَهُ — مَعَ فَرَحِهِمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْوَطَنِ، وَسَعَادَتِهِمْ بِالتَّلَاقِي — يَرْتَسِمُ عَلَى وَجْهِ كُلٍّ مِنْهُمْ شُعُورٌ بِالزَّهْوِ، يَحْمِلُ مَعْنَى الِانْتِصَارِ وَالتَّفَوُّقِ وَالِامْتِيَازِ.
وَكَأَنَّمَا خُيِّلَ لِكُلِّ أَمِيرٍ مِنْهُمْ أَنَّ طُرْفَتَهُ وَحْدَهَا، أَقْوَمُ مِنْ كُلِّ مَا يَحْوِيهِ الْعَالَمُ مِنْ غَوَالِي التُّحَفِ، وَنَفَائِسِ الطُّرَفِ، وَصَاحِبُهَا إِذَن أَوْلَى بِالتَّفْضِيلِ وَأَجْدَرُ بِالِاخْتِيَارِ.
(٦) احْتِكَامُ الْأُمَرَاءِ
وَاجْتَمَعَ رَأْيُ الْأُمَرَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنْ يَحْتَكِمُوا إِلَى أَبِيهِمُ السُّلْطَانِ، وَإِلَى حَكِيمِ الْأُمَّةِ «آزَادَ»، لِيُدْلِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِرَأْيِهِ الْقَاطِعِ وَقَرَارِهِ الْحَاسِمِ؛ لِيَتَعَرَّفُوا: أَيُّهُمْ صَاحِبُ الْفَضْلِ فِي شِفَاءِ بِنْتِ عَمِّهِمْ، وَأَحَقُّ بِالْفَوْزِ عَلَى أَخَوَيْهِ بِهَا، وَالِاسْتِئْثَارِ بِزَوَاجِهَا؟
صَمَتَ السُّلْطَانُ «مَحْمُودٌ» وَالْحَكِيمُ «آزَادُ»، وَأَطَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَفْكِيرَهُ فِيمَا سَمِعَ مِنْ حَدِيثِ الْأُمَرَاءِ، وَظَلَّ يُوَازِنُ بَيْنَ مَزَاعِمِهِمْ وَآرَائِهِمْ، وَأَدِلَّتِهِمْ وَبَرَاهِينِهِمْ — فِي صَبْرٍ وَأَنَاةٍ وَرَوِيَّةٍ — مُوَازَنَةَ حَكِيمٍ مُنْصِفٍ عَادِلٍ، لَا يَحِيدُ بِهِ الْهَوَى وَلَا يَمِيلُ، وَلَا يُضِلُّهُ الِانْحِيَازُ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ.
(٧) رَأْيُ الْحَكِيمِ
ثُمَّ الْتَفَتَ الْحَكِيمُ «آزَادُ» إِلَى الْأُمَرَاءِ قَائِلًا: «أَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ حَدِيثِي إِلَيْكُمْ — بَعْدَ مَا رَأَيْتُ مِنْ دَلَائِلِ فَضْلِكُمْ، وَثَمَرَاتِ جِدِّكُمْ وَاجْتِهَادِكُمْ — هُوَ أَنْ أَزُفَّ إِلَيْكُمْ أَصْدَقَ تَهْنِئَاتِي، وَأَخْلَصَ تَحِيَّاتِي، وَأَوْفَرَ إِعْجَابِي.
وَصَمَتَ «آزَادُ» هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ فَضْلَ شِفَاءِ الْأَمِيرَةِ مِنْ عِلَّتِهَا، وَنَجَاتِهَا مِنْ مِحْنَتِهَا، عَائِدٌ إِلَيْكُمْ، وَهُوَ شَرِكَةٌ بَيْنَكُمْ، لَا يَخْتَلِفُ فِي هَذَا اثْنَانِ، وَلَا يَتَنَازَعُ رَأْيَانِ.
فَقَدْ شَاءَ الْقَدَرُ الْعَجِيبُ أَنْ يُسْهِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي شِفَاءِ الْأَمِيرَةِ، بِأَكْبَرِ قِسْطٍ وَأَوْفَى نَصِيبٍ.
حَسْبُكُمْ جَزَاءً عَلَى عَمَلِكُمْ، وَأَجْرًا عَلَى فَضْلِكُمْ، أَنْ بَذَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ جُهْدَ مَا يَسْتَطِيعُ، فِي غَيْرِ تَوَانٍ وَلَا تَقْصِيرٍ؛ حَتَّى انْتَهَى سَعْيُكُمُ الْمُوَفَّقُ إِلَى هَذَا الْمَصِيرِ.
ذَلِكَ نَصِيبُكُمْ مِنَ الْفَضْلِ فِي شِفَاءِ الْأَمِيرَةِ «نُورِ النَّهَارِ». وَهَذَا حَقُّكُمُ الَّذِي يَعْتَرِفُ لَكُمْ بِهِ كُلُّ مُنْصِفٍ، وَلَا يُخَاصِمُكُمْ فِيهِ مُكَابِرٌ مُجْحِفٌ.
أَمَّا أَنْ يُحَاوِلَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَنْسُبَ الْفَضْلَ كُلَّهُ لِنَفْسِهِ، وَيَسْتَأْثِرَ بِهِ وَحْدَهُ؛ فَذَلِكَ مَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَهَيْهَاتَ أَنْ يُقِرَّكُمْ رَأْيٌ عَلَيْهِ!
وَإِنِّي تَارِكٌ لِأَبِيكُمْ أَنْ يُفَصِّلَ لَكُمْ — مِنْ رَأْيِي — مَا أَجْمَلْتُ، وَيُوَضِّحَ لَكُمْ — مِنْ حُكْمِي — مَا أَوْجَزْتُ».
(٨) فَضْلُ التُّفَّاحَةِ
فَقَالَ السُّلْطَانُ لِبَنِيهِ: «نِعْمَ الرَّأْيُ مَا رَأَى الْحَكِيمُ «آزَادُ». لَقَدْ كَانَتِ التُّفَّاحَةُ الشَّافِيَةُ الَّتِي ظَفِرَ بِهَا الْأَمِيرُ «أَحْمَدُ» — أَصْغَرُ أَبْنَائِي — سَبَبَ شِفَاءِ الْأَمِيرَةِ: «نُورِ النَّهَارِ» فَإِنَّهُ لَمْ يَكَدْ يُدْنِي التُّفَّاحَةِ الشَّافِيَةِ مِنْ فَمِ الْأَمِيرَةِ وَأَنْفِهَا؛ حَتَّى شُفِيَتْ — عَلَى الْفَوْرِ — مِنْ مَرَضِهَا، وَكُتِبَتْ لَهَا الْعَوْدَةُ إِلَى حَيَاتِهَا، بَعْدَ أَنْ أَشْرَفَتْ عَلَى حَتْفِهَا
أَلَيْسَ ذَلِكَ، يَا «أَحْمَدُ»!
بَلَى، إِنَّه حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَا مِرَاءَ، وَلَنْ تَجِدَ — يَا بُنَيَّ الْعَزِيزَ — مَنْ يُنْكِرُهُ عَلَيْكَ أَوْ يَدَّعِيهِ، أَوْ يُنَازِعُكَ الْفَضْلَ فِيهِ.
وَمَا أَحْسَبُ أَنَّ أَخَوَيْكَ «حُسَيْنًا» وَ«عَلِيًّا» يَجْحَدَانِ لَكَ هَذَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ فِي شِفَاءِ ابْنَةِ عَمِّكَ الْأَمِيرَةِ.
فَلَوْلَا تُفَّاحَتُكَ الشَّافِيَةُ الَّتِي جَلَبْتَهَا مَعَكَ، لَهَلَكَتْ «نُورُ النَّهَارِ»، وَأَصْبَحَتْ خَبْرًا مِنَ الْأَخْبَارِ.
لَوْلَا تُفَّاحَتُكَ الْعَجِيبَةُ الَّتِي لَا عَهْدَ لِلنَّاسِ بِمِثْلِهَا مِنْ قَبْلُ، لَفَارَقَ رُوحُهَا الْجَسَدَ، وَفَقَدْنَا بِنْتَ عَمِّكَ إِلَى الْأَبَدِ، دُونَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إِنْقَاذِهَا أَحَدٌ.
أَلَسْتَ تَرَانِي — يَا وَلَدِيَ الْعَزِيزَ — أَنْصَفْتُكَ، وَمَا نَقَصْتُكَ شَيْئًا مِنْ حَقِّكَ وَلَا غَبَنْتُكَ؟»
قَالَ الْأَمِيرُ «أَحْمَدُ» مُعْجَبًا بِمَا سَمِعَ: «شُكْرًا لَكَ — يَا أَبِي — شُكْرًا، فَمَا قُلْتَ إِلَّا الْحَقَّ، وَمَا نَطَقْتَ بِغَيْرِ الصِّدْقِ».
(٩) فَضْلُ الْمِنْظَارِ وَالْبِسَاطِ
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ، وَاسْتَأْنَفَ حَدِيثَهُ، قَائِلًا: «بَقِيَ عَلَيْكَ أَنْ تُخْبِرَنِي فِي صَرَاحَةٍ وَصِدْقٍ وَجَلَاءٍ، دُونَ مُوَارَبَةٍ وَلَا لَبْسٍ وَلَا الْتِوَاءٍ: كَيْفَ عَرَفْتَ أَنَّ الْأَمِيرَةَ «نُورَ النَّهَارِ» مُشْرِفَةٌ عَلَى الْمَوْتِ، مُشْفِيَةٌ عَلَى التَّلَفِ.
أَعَرَفْتَهُ بِإِلْهَامٍ، أَوْ رَأَيْتَهُ فِي مَنَامٍ؟
أَلَيْسَ فَضْلُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ عَائِدًا إِلَى مِنْظَارِ أَخِيكَ: الْأَمِيرِ «عَلِيٍّ»، ذَلِكَ الْمِنْظَارِ الْعَاجِيِّ!
أَلَيْسَ هَذَا الْمِنْظَارُ النَّفِيسُ — الَّذِي لَقِيَ أَخْوكَ الْأَهْوَالَ فِي سَبِيلِ الْحُصُولِ عَلَيْهِ — قَدْ نَبَّهَكَ إِلَى مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ ابْنَةُ عَمِّكَ مِنْ خَطَرٍ مُحْدِقٍ مُطْبِقٍ، وَمَا أَشْرَفَتْ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكٍ عَاجِلٍ مُحَقَّقٍ؟
أَتَرَى فِيمَا أَقُولُهُ لَكَ مَجَالًا لِلشَّكِّ؟
إِنْ كَانَ لَكَ اعْتِرَاضٌ — عَلَى ذَلِكَ — فَهَاتِهِ».
فَقَالَ الْأَمِيرُ «أَحْمَدُ»: «كَلَّا — أَبَتَاهُ — كَلَّا، فَالْحَقُّ مَا أَبَنْتَ، وَلَيْسَ لِذِي عَقْلٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَا قُلْتَ».
فَوَجَّهَ السُّلْطَانُ حَدِيثَهُ إِلَى أَبْنَائِهِ، قَائِلًا:
إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَخَبِّرُونِي، أَيُّهَا الْعُقَلَاءُ الْأَذْكِيَاءُ، فِي صَرَاحَةٍ وَوُضُوحٍ وَجَلَاءٍ.
أَكَانَتْ تُجْدِي تُفَّاحَةُ الْأَمِيرِ «أَحْمَدَ»، وَمِنْظَارُ الْأَمِيرِ «عَلِيٍّ» مُجْتَمِعَيْنِ، لَوْلَا بِسَاطُ الرِّيحِ الَّذِي ظَفِرَ بِهِ أَخُوكُمَا الْأَمِيرُ «حُسَيْنٌ»؟»
(١٠) فَضْلٌ مُشْتَرَكٌ
فَرِحَ الْأَمِيرُ «حُسَيْنٌ» بِمَا سَمِعَ مِنْ تَقْدِيرٍ لِبِسَاطِ الرِّيحِ الَّذِي ظَفِرَ بِهِ، وَلَمْ يَجِدِ الْأُمَرَاءُ الثَّلَاثَةُ بُدًّا مِنَ التَّسْلِيمِ وَالْإِذْعَانِ لِمَا وَعَتْهُ أَسْمَاعُهُمْ مِنْ قَوْلٍ.
وَسَكَتَ السُّلْطَانُ قَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ: «هَأَنْتُمْ أُوْلَاءِ تَرَوْنَ — يَا أَوْلَادِي — كَيْفَ تَعَاوَنَتْ نَفَائِسُكُمُ الثَّلَاثُ مُجْتَمِعَةً عَلَى إِنْقَاذِ ابْنَةِ عَمِّكُمُ الْأَمِيرَةِ «نُورِ النَّهَارِ»، وَكَيْفَ رَدَّتْ إِلَيْهَا نِعْمَةَ الْحَيَاةِ، بَعْدَ أَنْ يَئِسَتْ مِنَ النَّجَاةِ.
هَأَنْتُمْ أُولَاءِ تَرَوْنَ كَيْفَ كَانَ لَكُمْ — جَمِيعًا — فَضْلٌ مُشْتَرَكٌ فِي شِفَائِهَا، وَإِبْرَائِهَا مِنْ عِلَّتِهَا وَدَائِهَا».
(١١) اجْتِمَاعُ الْأَسْبَابِ
وَمَضَى السُّلْطَانُ فِي حَدِيثِهِ، يَقُولُ: «هَأَنْتُمْ أُولَاءِ تَرَوْنَ أَنَّ ثَلَاثَ النَّفَائِسِ لَوْ نَقَصَتْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ، مَا كَانَ لَهَا نَفْعٌ فِي شِفَاءِ الْأَمِيرَةِ وَلَا فَائِدَةٌ.
لَقَدْ أَرَاكُمُ الْمِنْظَارُ مَا كَانَ يَتَهَدَّدُ الْأَمِيرَةَ «نُورَ النَّهَارِ» — ابْنَةَ عَمِّكُمْ — مِنْ خَطَرٍ، وَحَالَفَكُمُ التَّوْفِيقُ فِي الْحُصُولِ عَلَى دَوَائِهَا، الَّذِي أَظْفَرَنَا بِشِفَائِهَا.
وَلَمْ يَكُنِ الظَّفَرُ بِالْمِنْظَارِ، وَالْحُصُولُ عَلَى الدَّوَاءِ، كَافِيَيْنِ لِتَحْقِيقِ مَا هَدَفْتُمْ إِلَيْهِ، وَحَرَصْتُمْ عَلَيْهِ! لَقَدْ كُنْتُمْ — حِينَئِذٍ — عَلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، لَا سَبِيلَ إِلَى اجْتِيَازِ مَرْحَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ مَرَاحِلِهَا الطَّوِيلَةِ، قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ الْأَمِيرَةُ رُوحَهَا إِلَى بَارِئِهَا، وَتَجُودَ بِآخِرِ أَنْفَاسِهَا».
•••
ثُمَّ الْتَفَتَ السُّلْطَانُ إِلَى الْأَمِيرِ «أَحْمَدَ» قَائِلًا: «خَبِّرْنِي — بِرَبِّكَ — يَا وَلَدِيَ الْعَزِيزَ: مَاذَا كَانَتْ تُجْدِي التُّفَّاحَةُ الشَّافِيَةُ فِي إِنْقَاذِ الْأَمِيرَةِ، وَأَنْتَ مِنْهَا عَلَى بُعْدِ تِلْكَ الْمَسَافَاتِ الشَّاسِعَةِ؟
وَمَاذَا كُنْتَ صَانِعًا — يَا بُنَيَّ — فِي اجْتِيَازِ مَا يَفْصِلُكَ عَنْهَا مِنْ آفَاقٍ مُتَرَامِيَةٍ وَاسِعَةٍ؟»
•••
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْأَمِيرِ «عَلِيٍّ» مُسَائِلًا: «وَخَبِّرْنِي، يَا وَلَدِيَ الْأَمِيرَ: أَيُّ نَفْعٍ لِلْمِنْظَارِ الْعَاجِيِّ وَحْدَهُ؟ وَمَاذَا كَانَ يُجْدِيكُمْ مَا عَرَّفَكُمْ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْأَمِيرَةِ، وَمَا تُعَانِيهِ مِنْ مَرَضِهَا، وَمَا تَسْتَقْبِلُهُ مِنْ مَصِيرِهَا؟»
ثُمَّ وَجَّهَ السُّلْطَانُ حَدِيثَهُ إِلَى الْأَخَوَيْنِ مَعًا: «أَكَانَ عِلْمُكُمَا بِأَنَّ ابْنَةَ عَمِّكُمَا الْأَمِيرَةَ «نُورَ النَّهَارِ» مُشْرِفَةٌ عَلَى الْهَلَاكِ، وَظَفَرُكُمَا بِالدَّوَاءِ النَّاجِعِ الْكَفِيلِ بِشِفَائِهَا، يَكْفِيَانِ — وَحْدَهُمَا — لِنَجَائِهَا؟
لَقَدْ شَاءَتْ أَلْطَافُ اللهِ — سُبْحَانَهُ — أَنْ تُذَلِّلَ لَكُمَا الْمُحَالَ، وَتُيَسِّرَ مَا صَعُبَ مِنَ الْآمَالِ؛ فَهَيَّأَتْ لَكُمَا وَسِيلَةَ الِانْتِقَالِ، لِنَجْدَتِهَا فِي الْحَالِ؛ فَحَمَلَكُمَا بِسَاطُ أَخِيكُمَا إِلَى ابْنَةِ عَمِّكُمَا، قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكُمْ طَرْفُكُمْ، وَمَهَّدَ لَكُمْ — بِذَلِكَ — سَبِيلَ نَجَاتِهَا، وَأَتَاحَ لَكُمْ فُرْصَةَ إِغَاثَتِهَا وَإِنْقَاذِ حَيَاتِهَا، قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ الْأَوَانُ، وَتُصْبِحَ الْمَرِيضَةُ الْمُحْتَضَرَةُ فِي خَبَرِ كَانَ!»
(١٢) أَثَرُ التَّعَاوُنُ
لَمْ يَكَدِ السُّلْطَانُ يَبْلُغُ مِنْ حَدِيثِهِ الشَّائِقِ هَذَا الْمَدَى، حَتَّى الْتَفَتَ إِلَى بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ قَائِلًا: «هَأَنْتُمْ أُولَاءِ — أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْخُلَصَاءُ — تَرَوْنَ أَنَّ الْمِنْظَارَ الْعَاجِيَّ وَالتُّفَّاحَةَ الشَّافِيَةَ — مُجْتَمِعَيْنِ — لَا يُحَقِّقَانِ الْغَايَةَ الْجَلِيلَةَ الَّتِي تَعَاوَنْتُمْ عَلَيْهَا، وَرَكِبْتُمُ الْأَهْوَالَ فِي سَبِيلِ تَحْقِيقِهَا، وَالْوُصُولِ إِلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَعْنِي بِحَالٍ، أَنَّنَا نَجْحَدُ فَضْلَ الْمِنْظَارِ النَّادِرِ الْمِثَالِ، أَوْ أَنَّنَا نُنْكِرُ مَا لِلتُّفَّاحَةِ مِنْ عَظِيمِ الْأَثَرِ، وَبَالِغِ الْخَطَرِ. وَهَأَنْتُمْ أُوْلَاءِ تَرَوْنَ، فِي غَيْرِ شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ، كَيْفَ تَهَيَّأَتِ الظُّرُوفُ وَتَجَمَّعَتِ الْأَسْبَابُ، وَذُلِّلَتِ الْعَقَبَاتُ وَالصِّعَابُ، عَلَى إِنْجَازِ مَا عَزَّ تَحْقِيقُهُ مِنْ الرِّغَابِ.
هَأَنْتُمْ أُولَاءِ تَرَونَ أَنَّ الْبِسَاطَ الطَّائِرَ هُوَ الَّذِي أَتَاحَ لَكُمَا أَنْ تَسْتَفِيدُوا بِعِلْمِكُمْ بِمَرَضِ الْأَمِيرَةِ ابْنَةِ عَمِّكُمْ، وَهُوَ الَّذِي يَسَّرَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْضِرُوا لَهَا التُّفَّاحَةَ الشَّافِيَةَ، فَلَوْلَا هُوَ لَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِكُمْ، وَلَعَجَزْتُمْ عَنْ تَحْقِيقِ سُؤْلِكُمْ.
•••
هَأَنْتُمْ أُولَاءِ تَتَبَيَّنُونَ — فِي وُضُوحٍ وَجَلَاءٍ، دُونَ لَبْسٍ وَلَا خَفَاءٍ — كَيْفَ تَعَاوَنَتْ هَدَايَاكُمُ الثَّلَاثُ مُجْتَمِعَةً عَلَى التَّعْجِيلِ لِلْأَمِيرَةِ بِالشِّفَاءِ.
هَأَنْتُمْ أُولَاءِ تَرَوْنَ أَنَّ هَدَايَاكُمْ — عَلَى نَفَاسَتِهَا، وَجَلَالِ خَطَرِهَا — لَوْ نَقَصَتْ مِنْهَا طُرْفَةٌ وَحِيدَةٌ لَمَا ظَفِرْنَا بِهَذِهِ الْخَاتِمَةِ السَّعِيدَةِ».