المقدمة

تشهد الشركات الناشئة نوعًا من السحر لا سيما في البداية، لكن لا يشهد ذلك إلا مؤسسوها. وأفضل طريقة لفهم ما يحدث هي أن نسألهم، وهذا ما فعلته.

ستقرأ على صفحات هذا الكتاب قصص المؤسسين كما رووها. وإنني هنا أود أن أشارك القارئ بعض الأنماط التي لاحظتها. فعندما تستضيف سلسلة من مؤسسي الشركات الناشئة ذائعي الصيت، لا تملك أن تمنع نفسك من محاولة اكتشاف ما إذا كانت هناك سمة مميزة مشتركة بينهم جميعًا ساعدتهم على النجاح.

وأكثر ما أدهشني هو مدى شعور جميع المؤسسين بعدم ثقتهم بأنهم على وشك القيام بشيء مهم. فبعض هذه الشركات تأسست بالصدفة تقريبًا. والعالم يظن أن مؤسسي الشركات الناشئة لديهم ثقة تفوق ثقة البشر، لكن الكثيرين منهم كانوا مذبذبين في البداية حيال فكرة تأسيس شركة. ولكن الشيء الذي لم يراودهم هذا الشعور حياله هو الرغبة في بناء شيء جيد، أو محاولة علاج خلل ما.

لقد كانوا جميعًا مصممين على بناء كيانات ناجحة. وفي الواقع أعتقد أن التصميم هو أهم سمة ينبغي توافرها في مؤسس الشركة الناشئة. وإذا كان المؤسسون الذين استضفتهم يفوقون البشر العاديين في أي سمة، فهم يفوقونهم في المثابرة. وقد اتضح هذا مرارًا وتكرارًا في المقابلات الشخصية.

المثابرة من العوامل المهمة لأنه لا شيء يسير وفقًا للخطة الموضوعة في أي شركة ناشئة. فالمؤسسون يعيشون يومًا بيوم يداهمهم شعور بعدم الثقة والعزلة، وفي بعض الأحيان شعور بعدم إحراز تقدم. هذا بالإضافة إلى أن الشركات الناشئة بطبيعتها تبتكر الجديد، وعندما يبتكر المرء الجديد، عادة ما يقابله الناس بالرفض.

وكان هذا هو الأمر الثاني الذي أدهشني بعد أن عرفته من هذه المقابلات؛ أي، الرفض المتكرر الذي كان يلقاه المؤسسون في البداية. فقد كانوا يلقون الرفض من جانب المستثمرين والصحفيين والشركات الكبرى؛ إذ كان الجميع غالبًا ما يُعرضون عنهم. يحب الناس فكرة الابتكار نظريًّا، لكن عندما تقدم لهم ابتكارًا محددًا، فغالبًا ما يرفضونه لأنه لا يتفق مع ما يعرفونه من قبل.

وحين نتأمل الابتكارات الجديدة بعد فترة تبدو من الأمور الحتمية، لكنها في وقت ظهورها كانت تعتبر معركة مضنية. ومن اللافت للنظر أن نكتشف أن التكنولوجيا التي نتعامل معها الآن على أنها شيء عادي — مثل البريد الإلكتروني القائم على الويب — قوبلت بالرفض من قبلُ بحجة أنها لا تبشر بالنجاح. وكما قال هاورد أيكن: «لا تقلق من أن يسرق الناس أفكارك. فلو كانت أفكارًا جيدة، فستضطر لإجبار الناس على تقبُّلها.»

وبالإضافة إلى المثابرة، يحتاج مؤسسو الشركات للتحلي بالقدرة على التكيف. ليس فقط لأن الأمر يحتاج إلى مستوى معين من المرونة الذهنية لفهم ما يريده المستخدمون، بل لأن الخطة غالبًا ما ستتغير. فالناس يظنون أن الشركات الناشئة تنشأ من فكرة مبدئية عبقرية مثلما ينمو النبات من بذرة. لكن تقريبًا كل المؤسسين الذين أجريت معهم المقابلات غيَّروا أفكارهم وهم ينفذونها. فقد بدأت شركة باي بال على أساس أن تتخصص في تصميم برامج تشفير، وإكسايت انطلقت في البداية كشركة بحث في قواعد البيانات، وفليكر نشأت انطلاقًا من لعبة يمكن لعبها على الإنترنت.

فتأسيس شركة ناشئة عملية تعتمد على التجربة والخطأ. وما كان يرشد المؤسسين طوال هذه العملية هو تقمصهم لدور المستخدم. فلم يتجاهلوا قط فكرة تصميم منتجات يحتاج إليها الناس.

وعادة ما يصبح مؤسسو الشركات الناشئة الناجحون أثرياء خلال ذلك، لكن من أجريت معهم المقابلات لم يقدموا على الأمر من أجل المال فقط. بل كانوا يعتزون بشدة بمهاراتهم. وكانوا يريدون تغيير العالم. ولهذا فإن معظمهم استمر في طريقه وأسس مشروعات جديدة على القدر نفسه من الطموح. وهم بالطبع سعداء لأنهم أصبحوا يتمتعون بحرية مادية أكبر، لكنهم اختاروا أن يستخدموا هذه النقود في مواصلة تصنيع أشياء أخرى.

وتختلف الشركات الناشئة عن الشركات الكبرى، ويتضح ذلك الاختلاف كأوضح ما يكون، في البدايات. وسيكون من الرائع أن يولي الناس المزيد من الاهتمام لهذا القطاع المهم من عالم الأعمال الذي غالبًا ما يُساء فهمه؛ لأن جوهر الإنتاجية يتضح فيه. وتبدو الإنتاجية في شكلها المجرد غريبة للغاية حتى إنها تبدو للكثيرين مخالفة للصورة المتعارف عليها للشركات. لكن لو أن الشركات الناشئة في مراحلها الأولى تعتبر هكذا، فلربما تزداد إنتاجية الشركات الكبرى إذا ما أصبحت أقل تقيدًا بتلك الصورة المتعارف عليها.

وقد كان هدفي من هذه المقابلات هو تكوين رصيد من التجارب يمكن للجميع الاستفادة منها. وسيلاحظ القارئ أن هناك فئات معينة من المشكلات تواجه المؤسسين باستمرار. فقد ذكر جميع المؤسسين أن هناك أمورًا تمنوا لو أنهم كانوا يدركونها عند تأسيس شركاتهم. وها نحن نقدم هذه المعلومات لمن ينوون أن يصبحوا مؤسسي الشركات في المستقبل.

ويحدوني الأمل أن يكون هذا الكتاب مصدر إلهام لمن يريدون تأسيس شركات ناشئة. فالشهرة التي تصاحب النجاح تجعل مؤسسي الشركات يبدون كما لو أنهم صنف مختلف تمامًا من الناس. فربما لو أتيحت للناس فرصة الاطلاع على بداية هذه الشركات، لأصبح من السهل عليهم تصور قيامهم هم أيضًا بتأسيس شركاتهم الخاصة. وأتمنى أن يقول الكثير ممن يقرءُون هذه القصص في أنفسهم: «هؤلاء المؤسسون كانوا يومًا مثلي. فربما بإمكاني أن أحذو حذوهم أيضًا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤