الفصل العاشر

مايك لازاريديس

مؤسس مشارك، شركة ريسيرش إن موشن

أسس مايك لازاريديس شركة ريسيرش إن موشن (آر آي إم) مع صديقه دوج فريجين عام ١٩٨٤ وهو لا يزال طالبًا في جامعة ووترلو. وكان من بين أول مشروعاتهما شبكة محلية لتشغيل شاشات العرض المستخدمة للأغراض الصناعية. وبالقرب من نهاية عامه الأخير في الجامعة، تمكنا من الحصول على عقد قيمته ٦٠٠ ألف دولار لبناء شبكة مماثلة لشركة جنرال موتورز. وقبل أسابيع قليلة من تخرجه، ترك لازاريديس الدراسة ليتفرغ للشركة.

كانت آر آي إم من أولى الشركات التي قدرت أهمية الشبكات اللاسلكية. وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي، عندما كانت خدمة البريد الإلكتروني لا تزال غير معروفة للشركات في الولايات المتحدة، تنبأ لازاريديس بإمكانية توفير خدمة البريد الإلكتروني على الأجهزة المتنقلة. وتُوجت سلسلة من المشروعات في هذا المجال عام ١٩٩٩ بإنتاج جهاز بلاك بيري وهو الآن المنتج المسيطر على هذا القطاع من السوق.

وكان بلاك بيري من الاختراعات التي لم تحقق انتشارًا واسعًا فحسب، ولكن أيضًا غيرت طريقة عمل المؤسسات. فأصبح بعض أبرز الشخصيات في عالم الأعمال والسياسة يديرون حياتهم بهذا الجهاز.

وفي ١٩٩٧ طُرحت أسهم آر آي إم للاكتتاب العام، وهي تعد من أهم شركات التكنولوجيا التي تحظى بالتقدير في كندا.

***

ليفنجستون : كيف كانت البداية لشركة ريسيرش إن موشن؟ وكيف تعرفت على دوج؟
لازاريديس : أعرف دوج منذ أن كنا في المرحلة الابتدائية، ولكننا بدأنا العمل معًا عندما كنا في المدرسة الثانوية. وكانت مدرستنا الثانوية لديها أحدث الأجهزة الإلكترونية كما كانت مزودة بمختبر مدرسي مجهز بأدوات التعليم الصناعي، وكان ذلك نتيجة تبرعات أحد أصحاب المصانع المحليين. وعندما وصلت كل تلك المعدات كانت لا تزال في صناديقها. وقد طلبت فتح بعض الصناديق وإخراج المعدات منها، ولكن أذكر أن المعلم قال لي: «يمكنك فتح أي صندوق تريد، لكن شريطة أن تقرأ الكتيب الإرشادي أولًا.»
ولا يبدو هذا أمرًا صعبًا، ولكن بالنسبة لطالب التحق لتوه بالمدرسة الثانوية، كانت قراءة كتيب إرشادي عن كيفية استخدام مرسمة الذبذبات، وكيفية استخدام مولد الإشارات، وجهاز كمبيوتر تدريبي، وكيفية استخدام كل تلك الأجهزة المتقدمة — كانت تلك الكتيبات كتبًا تعليمية يصعب استيعابها. وبالطبع ما إن تمكنت من إثبات أنني أجيد طريقة استخدام أي من تلك المعدات وفهم وظائفه، حتى كنت أفتح صندوقها. وقد فتحنا جميع الصناديق.
ليفنجستون : أكان هذا في المدرسة الثانوية؟
لازاريديس : نعم. وكان ذلك وقتًا عصيبًا آنذاك بسبب البدء في تقسيم الطلاب بين الطلاب المدرجين في لائحة الشرف وطلاب برنامج التعليم الصناعي. وقد حاول معلمو برنامج التعليم الصناعي تصحيح الفكرة قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة وتصبح هذه هي الثقافة السائدة. فكان الكثير منا في البرنامج الصناعي من الطلاب المتفوقين أيضًا. فكنا ننتقل بين الطابقين الأعلى والأسفل؛ في الأعلى محاضرات رياضيات وعلوم كمبيوتر وبالأسفل برنامج التعليم الصناعي.
وحاولنا أن نرأب الصدع بين هذين العالمين ونشرح للمدرسين والطلاب بالطابق الأعلى ما كنا نتعلمه في الطابق الأسفل وكيف نطبق الرياضيات والعلوم التي كنا نتعلمها بالأعلى. وكنا نقوم بذلك فعلًا. فقد كنت ألقي عليهم محاضرات في برنامج الرياضيات وكنت أوضح لهم كيف يمكن تطبيق علم حساب المثلثات في توليد الطاقة، والتحكم في الطاقة، وتحويل الطاقة، وهي الموضوعات التي كنا نتعلمها في الطابق الأسفل.
ليفنجستون : قرأت أن مدرسي الإلكترونيات في المدرسة الثانوية قالوا إن توصيل أجهزة الكمبيوتر لا سلكيًّا سيكون أهم حدث قادم. فهل أدركت مدى أهميته؟
لازاريديس : بالطبع لا. فقد كنت أحاول التوفيق بين كل تلك المواد التي أدرسها والعمل، وفي الوقت نفسه كانت تستهويني اهتمامات أخرى لا أجد وقتًا كافيًا لها. فكنت أحاول أن أوفق بين كل هذه الأشياء، وأنا أدرك أنني أطمح للالتحاق بالجامعة، ومن ثَم يجب أن أحصل على درجات عالية. وكان ذلك يعد تحديًا إلى حدٍّ ما لأنه كان يقع على عاتقي عبء مادة دراسية إضافية. فكانت برامج التدريب الصناعي تعد مادة دراسية في حد ذاتها، وكانت تتطلب القيام بقدر كبير من العمل. فكنت منشغلًا طوال اليوم؛ كنت أذهب إلى المدرسة مبكرًا، وأذهب لمختبر التدريب الصناعي، وأقضي وقتًا أطول في العمل فيه، ثم بعد انتهاء اليوم الدراسي، أنزل إلى الطابق السفلي وأتمنى أن أنتهي من فروضي المنزلية في الوقت المناسب كي أواصل العمل فيما كنت أعمل عليه.
كان وقتًا عصيبًا، ولكنه كان مفيدًا لأن كل تلك الموارد كانت متاحة لنا، وقد أصبح لدينا منهج جديد، يمكننا الاستفادة منه حسب استعدادنا. وبدأت أنا ودوج نتعلم الكمبيوتر وحدنا. وكان ذلك في أواخر السبعينيات من القرن الماضي. وكانت أجهزة الكمبيوتر لا تزال تعمل بنظام البطاقات المثقوبة وكانت موجودة في مبنًى آخر لم يكن يُسمح لنا بدخوله قط. لكن بدأت أنا ودوج نتدرب على أجهزة الكمبيوتر التدريبية، وكانت من إنتاج شركة ديجيتال إيكويبمنت كوربوريشن، وقد تعلمنا هناك الأساسيات الفعلية لأجهزة الكمبيوتر: وفي ذلك، كيفية تصنيع بوابات، وكيفية تصنيع دوائر ذاكرة حديثة، وكيفية تصنيع مسجلات، وكيفية توصيلها جميعًا بأسلاك وترتيبها ترتيبًا زمنيًّا باستخدام مولد نبضات. لقد كانت تلك من المعلومات الأساسية للغاية، وقد اتضحت أهميتها بمرور الزمن.

وفي الوقت نفسه، كان مدرس الإلكترونيات هو رئيس نادي الهواة المحلي لأجهزة التليفزيون والراديو اللاسلكي. وهكذا فقد كان يطلب منا أن نفكك أجهزة تليفزيون ونحول أجهزة التوليف بها لاستخدامها في نادي الهواة. وفي ذلك الوقت، كنا نتمكن من توليفها، ولكننا لم نفهم حقًّا طبيعة ما كنا نقوم به. ولم نبدأ في استيعاب الأمر إلا بعد أن التحقنا بالجامعة، ولكننا شاهدنا طريقة عمل هذه الأشياء ورأينا إمكانياتها. وعندما بدأ معلمي يلاحظ مدى انبهارنا بالكمبيوتر وبما يمكننا فعله عن طريقه، أذكر أنه قال: «لا تنشغلا كثيرًا بعالم الكمبيوتر، لأن من سيتمكن من الجمع بين التكنولوجيا اللاسلكية والكمبيوتر هو الذي سيترك علامة فارقة مهمة.» ولا أظن أنه تنبأ بما نفذناه في النهاية، ولكنه أدرك أن أجهزة الكمبيوتر تتيح لنا فائدتين أساسيتين. الأولى هي القدرة على إرسال المعلومات بوضوح، والثانية هي أنها أتاحت لنا التحكم في عملية التردد اللاسلكي وتحسين كفاءتها. ولم أفهم ما يعنيه هذا إلا بعد مرور سنوات.

وهكذا التحقنا بالجامعة، وكان هذا في بداية الثمانينيات، لذا فنحن نتحدث عن أشياء كانت تحدث في الجامعة لم يكن معظم الناس يدري عنها شيئًا أو يدرك معناها أو علاقتها بهم. وكان لدى جامعة ووترلو نظام كمبيوتر ضخم. كان نظام آي بي إم مركزيًّا وكان يمثل درة التاج في الجامعة. والأهم من ذلك أنه كان محل اهتمام رؤية المؤسسين وهيئة التدريس هناك. وكان يقع في غرفة ضخمة نطلق عليها «الغرفة الحمراء»، وهو اسم مستوحًى من فيلم خيال علمي، وكانت أرضيتها مرتفعة مزودة بطابق أوسط به نوافذ يحيط بالغرفة بأكملها وفي الداخل توجد أجهزة الكمبيوتر.

وكانت الأجهزة الطرفية توجد في جميع قاعات الدرس التي تحيط بالطابق الأوسط. وكان التحول قد بدأ للتو من استخدام البطاقات المثقوبة إلى الأجهزة الطرفية المرئية، أي إنها كانت مرحلة انتقالية. وقد وصلت أنا في الوقت المناسب بالضبط بحيث لم أضطر لاستخدام البطاقات المثقوبة. فبدأت أستخدم الأجهزة الطرفية مباشرة. وبدأنا نستخدم شيئًا يطلق عليه «البريد الإلكتروني» كي نحصل على واجباتنا المنزلية ونقدمها، وكنا نستخدمه أيضًا للتعاون فيما بيننا. وبدأنا نعمل على الإنترنت. وكان يطلق عليه في ذلك الوقت شبكة وكالة مشروعات البحوث المتقدمة (أربانت)، وكانت مشروعًا تعاونيًّا بين الجامعات والباحثين والشركات والجيش. ولم نكن نعيره أي اهتمام، ولكننا كنا نتدرب على استخدام شيء لن يصبح مألوفًا للسواد الأعظم من الناس إلا بعد مرور عقد آخر على الأقل.

وفي الوقت نفسه، كنا نستعين بشبكات الكمبيوتر. وهذا عندما لم تكن شبكات الكمبيوتر إلا مشروعات بحثية في الجامعات. وفي الحقيقة، كان لدينا برنامج بحثي خاص بنا يطلق عليه واتلان (مشروع شبكة ووترلو المحلية). وكان لدينا مترجمات، ونظم تشغيل تعمل في الوقت الفعلي، وهكذا لم يكن يدرك المرء مدى التأثير الذي سيكون لهذه الأشياء على حياته لأنه يكون مستغرقًا في العمل والمحيط الاجتماعي. كما لم يكن يدرك أنه يتدرب على أحدث التقنيات والتطبيقات والأساليب. وبمرور الوقت، بدأنا ندرك أن هذه الأشياء رائعة — فقد كانت تكنولوجيا متقدمة إلى حد بعيد — وبدأنا نستغرق أكثر وأكثر في الجوانب المتنوعة لهذه البرامج والمشروعات البحثية المختلفة.

وفي سنوات الدراسة التي تلت ذلك، ساعدت في تنفيذ بعض مشروعات أعضاء هيئة التدريس، وكنت أقوم بذلك لتغطية نفقاتي. وبحلول العام الأخير، كنت أعكف على تنفيذ بعض أعمال البرمجة بالتعاقد. وفي ذلك الوقت حدث كساد عام ١٩٨٤، وكان له تأثير كبير على قطاع التكنولوجيا المتقدمة. وكان كثير من المهندسين لا يجدون فرص عمل. وكانت جامعة ووترلو تتباهى بسجلها المشرف في الحصول على فرص عمل لطلابها وخريجيها، وكانت تلك السنة من أسوأ السنوات التي مرت على الجامعة.

وأذكر أن الكثير من الطلاب كانوا يشعرون بانزعاج شديد. لأنهم اجتهدوا في دراستهم وفي النهاية وجدوا أنفسهم لا يستطيعون الحصول على عمل. ولم أستطع أن أصدق ما حدث لأننا نتحدث عن طلاب اجتهدوا وتميزوا بالنبوغ للالتحاق بهذه الجامعة. لقد كنا نتدرب على أشياء تبدو مستقاة من رواية من روايات خيال علمي، فلم أتخيل كيف نعجز عن تحقيق مكانة أفضل. وأتذكر أننا كنا نتجادل حول ذلك، وذات يوم أفحموني بالحجة عندما قالوا: «إذا كنت حقًّا تؤمن بما تقول، فلمَ لا تفتتح شركة؟» وبالفعل أسست الشركة في غضون بضعة أسابيع بعد ذلك.
ليفنجستون : ألم يكن ذلك قبل شهر من التخرج؟
لازاريديس : بلى. أسست شركة قبل التخرج. فقد تعاقدنا على عمل انشغلنا كثيرًا في تنفيذه، وبدأنا نعين موظفين، ولم أستطع الاستمرار في دراستي. فأخذت إذنًا بالغياب عن الدراسة.
ليفنجستون : متى أسست الشركة؟
لازاريديس : كانت بداية العمل بالتعاقد في عامي الجامعي الثالث. ثم أسست الشركة التي أصبحت آر آي إم في عامي الجامعي الرابع.
ليفنجستون : في العام الثالث، أكنت تقوم بهذا العمل فقط لتربح مبالغ إضافية لتسدد مصاريف الدراسة؟
لازاريديس : بالضبط، كما كان هناك مشروع استحوذ على اهتمامي في الجامعة. فقد كنت أعمل على بعض اللغات الجديدة التي كانت تمثل نوعًا ما بدايات ما أصبح لغة جافا. الآلة الافتراضية بالكامل. أعلم أني أعقد مقارنة صعبة، ولكني كنت أعكف على شيء يطلق عليه إس تي أو آي سي. وهي لغة تفسيرية كنا نحاول تشغيلها على أجهزة كمبيوتر دقيقة مختلفة في ذلك الوقت.
في الحقيقة، اشترينا بعد ذلك أحد هذه الأجهزة عندما عرضته الجامعة للبيع لكونه فائضًا عن احتياجاتها. وكان معطلًا، على ما يبدو، وأذكر ذلك الجهاز لأننا كنا نستخدمه في مادة الهندسة. فكنا نؤدي جميع فروضنا على ذلك الكمبيوتر. وقدمت عطاءً عليه ولا أذكر بالضبط بكم حصلت عليه، ولكن على الأرجح ٤٠٠ أو ٦٠٠ دولار، لأنه كان معطلًا. وعدت به إلى مكتبنا — وكان ضخمًا — ففككته وعندما كنت أوصله بالكهرباء جزءًا جزءًا، أدركت أن وحدة التزويد بالطاقة كانت قد تعطلت. وفور أن أصلحناها عاد الكمبيوتر للعمل. فنفذنا المشروع التعاقدي الكبير على ذلك الكمبيوتر.
ليفنجستون : كيف حصلت على تلك العقود وأنت لا تزال طالبًا شابًّا؟
لازاريديس : عندما يتلقى المرء أحدث تعليم، ويتقن طريقة استخدام هذه الآلات، ويشعر بالألفة معها، فعليه تنفيذ هذه القفزة حتى يدرك أنه بإمكانه مساعدة الناس. لقد كانت هناك حاجة لهذا النوع من الخبرة، ولكن المشكلة كانت تتمثل في أن الكثير من تلك الشركات لم تدرك أن ذلك من احتياجاتها. ولم يكن الأمر يتطلب إلا التخلص من الخجل والخروج والتحدث إليهم، والبحث في الصحف ولوحات النشرات المحلية والتحدث إلى شركات مختلفة والاستفسار منهم عما إذا كانوا بحاجة إلى تنفيذ أي عمل. وغالبًا ما يضطر المرء للقيام ببعض مهام موظف المبيعات للترويج لعمله.
ولكن ما استرعى انتباهي هو أنه في كل حالة كان بإمكاني الاستفادة من تلك الخبرة للتعامل مع أي مشكلة طال وجودها، وكنت أكتشف قدرتي على حلها بسرعة وبراعة باستخدام ما تعلمته. هذه هي الطريقة التي حصلنا بها على تلك المشروعات مع جنرال موتورز، والمجلس القومي الكندي للسينما، وكوداك وهو ما أدى في النهاية إلى الحصول على جائزة إيمي وجائزة أوسكار التقنية.

فعندما أعود بذاكرتي إلى تلك الفترة، أدرك أن اكتسابي للخبرة في المدرسة الثانوية والجامعة كان إعدادًا لي لعقد أو عقدين إلى الأمام.

من الضروري أن نحرص على إطلاع الطلاب على التكنولوجيا المستقبلية وألا نقصر معرفتهم على التكنولوجيا المعاصرة فحسب، أو ما يحلو للكثيرين أن يطلقوا عليه التعليم «المرتبط بالواقع». ما التعليم المرتبط بالواقع؟ ما البحث المرتبط بالواقع؟ عندما كنت في الجامعة، إذا دخلتِ ونظرتِ إلى ما كنا نفعله ستقولين: «لمَ لا تستفيدون بوقتكم هذا وتفعلون شيئًا يرتبط بأرض الواقع؟ ما هذه الأشياء؟ لن يستخدمها أحد.»

عندما كنا هناك، هذا ما كان الناس يفكرون فيه. «كم عدد الأشخاص الذين سيمتلكون أجهزة كمبيوتر في منازلهم؟ ما المقصود بالشبكات؟ إنكم تتحدثون عن خيال علمي، ولا تتحدثون عن أشياء مهمة. لمَ لا تفعلون شيئًا مهمًّا؟» وسرعان ما أصبحت كلمة «مهم» من الكلمات التي يقل استخدامها بعد أن تركنا الجامعة.
ليفنجستون : هل كان دوج يشارك في العمل الاستشاري؟
لازاريديس : كان دوج في جامعة ويندسور، وكنا نتعاون معًا. وعندما قررت تأسيس شركة آر آي إم، اتصلت به وأخبرته بما أنوي تنفيذه وأنني أحتاج إلى مساعدته. وقد انضم إلى الشركة في غضون أسبوعين من تلك المكالمة.
ليفنجستون : هل اضطررت لإخبار والديك أنك لن تكمل دراستك؟
لازاريديس : نعم. ولكن الأصعب من هذا هو أنني اضطررت للذهاب إلى رئيس الجامعة وطلبت منه إذنًا بالغياب. ولم أكن قد قابلته من قبل. والطريف أنه اعتذر لأنه اضطر لمحاولة إقناعي بالعدول عن قراري. وبعد أن انتهى من حديثه تمنى لي حظًّا موفقًا وهز رأسه بابتسامة كبيرة. وظللت أتذكر ذلك الموقف ومن المفارقات العجيبة أنه بعد مرور عشرين عامًا أصبح أحد أعضاء مجلس إدارة آر آي إم.
ليفنجستون : إذن فقد بدأت تؤسس الشركة ولديك عقد قيمته ٦٠٠ ألف دولار مع جنرال موتورز. ما الذي كنتم تقومون به؟
لازاريديس : من بين ما كنا نقوم به الاستماع إلى ما كانت جنرال موتورز تحاول تحقيقه. وكان طلب تقديم العروض موجودًا منذ أكثر من عامين. وقد حصلنا على نسخة منه ودرسناه، واكتشفنا أنه يشمل بضعة أشياء لا يمكن تنفيذها بدون استخدام بعض أحدث الأساليب التي درسناها في الجامعة. ومن بينها كانت الحاجة الماسة إلى وجود شبكة محلية. لذا تحتم علينا إنشاء شبكة محلية، بالاعتماد على ما نذكره.
عدت إلى الجامعة وتحدثت مع بعض المعلمين هناك واطلعت على بعض الأبحاث التي يجري تنفيذها. وكان علينا إنشاء تلك الشبكة المحلية من الصفر، وحرصنا على أن تكون قوية للغاية، لأنها ستُستخدم في بيئة صعبة للغاية في منشآت التصنيع. إذ كانت تضم أشياء مثل أجهزة اللحام، وأنظمة قوتها ٤٨٠٠ فولت. فقد كانت مهمة صعبة. ثم حرصنا أن يجري تشغيل أنظمة العرض من جهاز كمبيوتر مركزي. وإذا لاحظتِ الأمر، تجدين أننا بدأنا للتو نحقق فكرة جهاز الكمبيوتر الذي يعمل بدون محركات أقراص — أي أجهزة الكمبيوتر الشخصية التي يجري بدء تشغيلها من بعد — وتشبه أجهزة الإنترنت المستخدمة اليوم. فكان علينا ابتكار نظام يمكنه القيام بذلك.

ومن الطريف، بالطبع، أننا تمكنا من التعامل مع جهاز كمبيوتر شخصي من أوائل الأجهزة التي أنتجتها آي بي إم. وأذكر أنه في الوقت الذي أصدرنا فيه أمر الشراء بدأت محركات القرص الصلب الكبيرة تظهر في الأسواق. فغيرنا الطلب من نظام الشرائط إلى نظام محرك القرص الصلب. وكنا نعتقد أن تلك السمة الجديدة من الكماليات. إذ كان محرك القرص الصلب ضخمًا سعته ١٠ ميجابايت.
ليفنجستون : قرأت أنك حصلت على منحة من الحكومة الكندية. لمَ قدمت للحصول عليها؟ وهل كنت تسعى للحصول على النقود كي تحقق الشركة نموًّا؟
لازاريديس : يجب أن تدركي أن البدايات ليست رائعة. فكنا نحمل هم سداد الإيجار. وكنت أنا ودوج نشترك في ركوب سيارة من طراز هوندا سيفيك مستأجرة. وكانت أكبر سمة من سمات الرفاهية في تلك السيارة هي الخيار الذي وقع عليه اختيارنا وهو ناقل سرعة مزود بخمس سرعات بدلًا من أربع سرعات. وكنا نعيش في الشقة نفسها، كل هذا لأننا كنا نحاول ترشيد النفقات ولم تكن لدينا أدنى فكرة كم سيستغرق منا الأمر كي نحقق مكانة جيدة.
سمعنا عن تلك البرامج الحكومية، وبدأنا نتقدم بطلبات. وكان التقدم لتلك البرامج يتطلب مجهودًا كبيرًا، كما كان يتطلب الكثير من الأوراق. وفي البدايات، لم تكن المنح قيمتها كبيرة. بل كانت قيمتها ضئيلة، وفي بعض الأحيان يتساءل المرء عما إذا كان الأمر يستحق كل ما تكبده من عناء. ولكن ثبت أنها كانت مفيدة للغاية عندما احتجنا إليها. وبعد أن اكتسبنا الخبرة، وشعرت الجهات الحكومية التي كنا نتعامل معها بالارتياح لما نقوم به وأدركت أننا سنحقق نتائج جيدة، ازدادت قيمة المنح المقدمة لنا.

ولكن جاء الدعم الحقيقي لنا عندما بدأنا نتعرف على تكنولوجيا البيانات اللاسلكية. وإليك ملابسات ذلك. فبينما كنت أحضر مؤتمرًا عام ١٩٨٧ سمعت من يتحدث عما يحدث في اليابان حيث خصصوا نظامًا للبيانات اللاسلكية لشركة كوكا كولا. فقد كان تسيير الشاحنات في أنحاء طوكيو كل يومين للتأكد من أن آلات البيع ممتلئة ينطوي على تكلفة عالية. فقد كانوا يكتشفون أن هذه الآلات لا تحتاج إلى إعادة ملئها في معظم الأحيان. فجرى تطبيق ذلك النظام وغطى تكلفته بسبب انخفاض عدد جولات الشاحنات وانخفاض تكلفة الوقود، لأن الآلات كانت ترسل إشارات تفيد بأنها بحاجة إلى إعادة الملء. وكان نظام كمبيوتر يرتِّب عمليات التوصيل للتأكد من عدم نفاد المشروبات من أيٍّ من آلات البيع.

عندما رأيت ذلك تذكرت ما أخبرني به معلمي في المدرسة الثانوية. فتأملت الأمر وقلت: «إنه مثير للاهتمام. وأريد تنفيذه.» وفي ذلك الوقت، تذكرت أيضًا بعض الأشياء التي كنا نقوم بها ونحن في الجامعة باستخدام نظام تحليل الإشارات. وكنت قد حصلت على عقد في ذلك الوقت بسبب اهتمامي بالأمر؛ وكم تدهشني الطريقة التي سارت بها الأمور، ولكن يتصادف أن يكون المرء في المكان المناسب في الوقت المناسب. فقد حظيت باهتمام شركة كانتل، التي أصبحت الآن روجرز. وطلب رئيسها مقابلتي وبدأنا نتحدث عن هذا النظام الذي كانوا قد اشتروه حديثًا ويطلق عليه موبيتكس. وهو نظام للبيانات اللاسلكية، وكانوا يحتاجون إلى من يقوم بإعداد بعض البرامج ومساعدتهم في تشغيله.

كان طلبًا غريبًا، ولكني ذهبت وشاهدت النظام الجديد الذي اشتروه. وكان بدائيًّا للغاية ولم يكن دليل التشغيل الخاص به قد تُرجم بالكامل من اللغة السويدية بعد. وأذكر أني قابلت شخصًا وقال لي إنني إذا تمكنت من تشغيل ذلك الشيء، فسأحصل على العقد. وقد تصفحه مايكل بارنستيجن، وهو أحد شركائي في البداية وكان من هولندا، وقال: «مايك، أظن أنني أستطيع قراءته وفهمه بما يكفي لكي نتمكن من تشغيل النظام.» وقضينا الساعات التالية نحاول توصيل الأجزاء بعضها ببعض، وفاجأناهم عندما تمكنا من تشغيله.

وحصلنا على العقد وبدأنا نعد البرامج كي نشغل النظام، ولا داعي لأخبرك بما حدث بعد ذلك فهو معروف للجميع. وقد أعددنا معظم أول برنامج بروتوكول لا سلكي، وفي ذلك واجهة برمجة التطبيقات وأدوات التطوير، أي جميع العناصر التي كانت تتكون منها شبكات البيانات اللاسلكية في البداية.

وكانت تلك هي أول فرصة للانطلاق. فقد كانت أول فرصة سنحت لنا للإفلات من أسر الدور الاستشاري والبدء في عملية الإنتاج.
ليفنجستون : أتعتقد أن تلك المرحلة تمثل واحدة من أكبر نقاط التحول للشركة؟
لازاريديس : أعتقد أنها بداية إحدى نقاط التحول. فلم يكن أحد يعرف ما البيانات اللاسلكية. ولم يكن من الممكن التقدم للحصول على قرض لتنفيذ مشروع بيانات لا سلكية. فقد كان ذلك أمرًا غريبًا. وكانت الهواتف النقالة في بداية ظهورها، فبدأنا نرى المحامين والوكلاء العقاريين يحملون هواتف نقالة. وعندما بدأنا نتحدث عن البيانات اللاسلكية لم يفهم أحد ما الذي كنا نتحدث عنه. ولكِ أن تتخيلي أنه لم تكن هناك أجهزة كمبيوتر في المنازل في ذلك الوقت. وكان من النادر جدًّا أن نرى جهاز كمبيوتر في منزل أحد. ولم يكن أحد يتصل بالإنترنت. فقد كان كل شيء في ذلك الوقت محددًا. لقد كان محددًا بحقوق ملكية؛ إذ كان المستخدمون يتصلون بالخوادم. أي إنه كان عالمًا مختلفًا عن عالم اليوم.
ليفنجستون : إذا كنت تقوم بأنشطة تسبق أوانها بكثير، فكيف حققت هذا النجاح؟
لازاريديس : لقد كان الجانب الذي يتطلب البراعة والدقة يتمثل في الآتي: كيف تغير اتجاه السوق؟ وكيف تغير اتجاهًا صناعيًّا؟ وكيف تجمع بين ما سبق تعلُّمه وما يحدث في عالم التكنولوجيا بحيث تكون له قيمة جديدة للمستهلكين؟ وكيف تعثر على هؤلاء المستهلكين؟
ما تعلمناه مع موبيتكس وبعد ذلك داتا تك هو أنه كان يجري تطوير بعض التطبيقات اللافتة للانتباه، وقد عاصرنا نحن ذلك. ولكن الأمر كان يتطلب قدرًا كبيرًا من الإيمان. ويطلق البعض على ذلك رؤية مستقبلية ولكنه كان مزيجًا من الرؤية المستقبلية والإيمان بأن: الفكرة ستتحقق ذات يوم؛ وأن لها قيمة؛ وأنه يمكنك تحقيقها بطريقة مربحة والترويج لها بحيث يمكنك تمويل تطوير المشروع وتنميته. وكل ذلك يتطلب قدرًا كبيرًا من البراعة والدقة.
ليفنجستون : هل من نقاط تحول مهمة أخرى؟
لازاريديس : كان من بين الأحلام التي ظلت تراودني طوال دراستي في المدرسة الثانوية تصميم نوع ما من تكنولوجيا الفضاء. فعندما يكون المرء صغيرًا تراوده أحلام العمل في وكالة ناسا وبناء مسبار فضائي أو جزء من سفينة فضائية. وحدث أن أتيحت لي فرصة العمل في شركة سبار أيروسبيس، وهي شركة كندية، وذلك في الوقت الذي كنت أتوغل فيه في عالم البيانات اللاسلكية. فقد اتصلوا بنا واستفسروا إن كنا نود التعاون معهم لتنفيذ شيء مماثل جدًّا لما سبق لنا تنفيذه من قبل. وكانوا يريدون تنفيذ منتج لاستخدامه فيما كان سيصبح نظام كندا آرم ٢ في محطة الفضاء الدولية.
ولا تنسَيْ أن الناس كانوا في ذلك الوقت قد بدءُوا لتوهم التعرف على نظام كندا آرم ١. وكانت محطة الفضاء لا تزال مجرد وثيقة معروضة على الكونجرس، وكان كندا آرم ٢ شيئًا من المقرر بناؤه فيما بعد. فتأملت هذا وقلت: «يا إلهي، هذا هو ما أردت طوال حياتي أن أفعله! فبطريقة غريبة، كنت أعد نفسي للقيام بشيء من هذا القبيل، وها أنا ذا أراه أمامي وبإمكاني الحصول على ذلك العقد.»

وهنا ظهر دور حس رجل الأعمال وكان عليَّ طرح السؤال، فسألتهم في سبار: «ما العدد الذي ستحتاجون إليه؟» فقالوا ستًّا. فسألت عن الإطار الزمني لإنتاج القطع الست. فمع أن تلك اللوحات الكهربائية باهظة الثمن للغاية، فقد كانت فرصة الإنتاج بالجملة ستًّا. فسألتهم متى سيحتاجون إليها. فقالوا إنهم سيحتاجون نموذجين أوليين في البداية، وأنهم لن يكونوا بحاجة إليها بالطبع إلا بعد بناء محطة الفضاء. فسألت عن موعد بناء محطة الفضاء. فقالوا إن الكونجرس لم يجِز الأمر بعد. ومن ثَم كان عليَّ اتخاذ القرار وأظن أنني كنت حكيمًا في اتخاذه. فقد تخليت عن حلم طفولتي كي أستمر في بناء أجهزة بيانات لا سلكية.

ومن المفارقات العجيبة أنني بعد سنوات قابلت شون أوكيفي المدير السابق لناسا في مكتبه. وكان من أشد المعجبين بجهاز بلاك بيري. ووكالة ناسا تستخدم الجهاز. إذ استفادوا من هذه الأجهزة كثيرًا عندما ضربهم إعصار — فقد ساعدتهم على التنسيق والاحتفاظ بنظام احتياطي — لكنهم الآن يستخدمونه يوميًّا. وأذكر أن شون أخبرني أنه عندما كان في أحد الأيام عائدًا إلى منزله (كان يستقل سيارة في طريقه إلى منزله وكان يقوم بعمله في الطريق على جهاز بلاك بيري) وتلقى رسالة بالبريد الإلكتروني من شخص يبدو مألوفًا له وكان يطرح فيها الكثير من الأسئلة عن المكوك الفضائي. فكان يجيب على الأسئلة ويتلقى المزيد فيجيب عليه. وقال إن الاسم ليس غريبًا عليه. فبحث عنه ليجد أنه اسم مدرج على جدول نوبات العمل النشطة. واتضح أنه رائد فضاء في محطة الفضاء وكان يستفسر بطريقة لطيفة عن موعد عودته من المهمة. ومن المفارقات أنه بعد سنوات أتاح لي جهاز بلاك بيري فرصة الاستمتاع بجزء من حلم الطفولة، لأن ناسا كانت تستخدم الجهاز، وكانوا يستخدمونه للاتصال بمحطة الفضاء الدولية.
ليفنجستون : دعنا نقفز إلى الأمام قليلًا إلى الوقت الذي ابتكرت فيه فكرة بلاك بيري. وقد كنت في قبو منزلك، يبدو أنك مغرم بالأقبية!
لازاريديس : حين يحاول المرء الابتعاد عن كل شيء، فإن القبو يصبح مكانًا رائعًا يصلح للاختباء.
منذ البداية، كنت دائمًا أبحث عن القيمة. فكنت أحاول دائمًا معرفة قيمة البيانات اللاسلكية. وقد أدركنا مبكرًا أن خدمة البريد الإلكتروني الفوري اللاسلكي تنطوي على قيمة كبيرة. ولكن كان من الصعب تنفيذها. إذ إنها تتطلَّب قدرًا كبيرًا من العمل والمحاولة والخطأ وإجراء الكثير من عمليات البحث والتطوير التي تتكلف نفقات باهظة حتى نضمن تشغيل النظام على أكمل وجه. وحتى يومنا هذا، يعتبر بلاك بيري هو النظام الوحيد الذي يعمل كما ينبغي، ويعد آمنًا على نحو يعتمد عليه في ظل هذه الظروف.

قبل خمسة عشر عامًا، كان لا يزال الجهاز مشروعًا بحثيًّا فقط، وكنا نقضي الكثير من الوقت نعمل عليه. ولكن المنتج نفسه، في صورته النهائية، كان لا يزال غير عملي مما يحول دون وصوله إلى المستهلك. وكان هذا هدفنا. فقد أدركنا مبكرًا السمات المطلوبة للجهاز ولكن قيمته كانت تحد منها إمكانيات التجميع ونقاط القصور التي كانت تشوب التكنولوجيا في ذلك الوقت.

وهكذا بدأنا العمل لإنجاز هذا الجهاز، وقد تزامن ذلك تقريبًا مع ميلاد ابني. وأذكر أنني عدت يومًا إلى منزلي ووجدت أن ابني قد مر بيوم عصيب، وكان عليَّ تولي رعايته. وأتذكر أنني وضعته في فراشه، ثم نزلت إلى الطابق السفلي وجلست إلى الكمبيوتر وشغلت بعض الموسيقى وبدأت أكتب. وبعد ثلاث ساعات، كنت قد انتهيت من وضع اللمسات الأخيرة على خطة تصميم ما أصبح فيما بعد جهاز بلاك بيري. وفي ذلك الوقت كان يطلق عليه بيجر تفاعلي، وقد ابتكرت أنا هذا المصطلح. وبعد ذلك أدخلت خمسة تحسينات على شبكات البيانات اللاسلكية تتيح لنا تقديم خدمة يعتمد عليها وأيضًا توفر الطاقة. ثم ابتكرت الأساس المنطقي لما يمثل قيمة الجهاز وما أصبح الأساس للتكنولوجيا التي اعتمدنا عليها لعقد تقريبًا بعد تلك المرحلة. وفور أن أرسلته إلى المكتب، استيقظ ابني.

كانت هذه نقطة تحول، لأننا استخدمنا تلك الوثيقة لسنوات. ولا يزال الناس هنا يستخدمونها لأنها تحدد جوهر فكرة جهاز بلاك بيري، وقد أتاحت لنا التمسك بذلك المبدأ وتوفير خدمة ذات قيمة لعملائنا. وساعدتنا على تجنب الأمور التي لم تكن ذات قيمة وكانت تزيد من تعقيد المنتج وترفع من تكلفته كما كانت تؤثر على أشياء أخرى مثل عمر البطارية.
ليفنجستون : آنذاك عام ١٩٩٧، أكان من الصعب إقناع الناس أنهم بحاجة للتنقل وهم يتمتعون بإمكانية الدخول على البريد الإلكتروني؟
لازاريديس : العامل الأساسي الذي يجب أن نضعه في اعتبارنا هو أن البريد الإلكتروني لم يكن فكرة جديدة لأي شخص التحق بالجامعة في بداية ثمانينيات القرن الماضي. ولكن تأخر تطبيقه على مستوى الصناعة. ليس لأي سبب يتعلق بالصناعة، ولكن لأن التكنولوجيا لم تصل إلى حد الانتشار المطلوب. فكان من الضروري الوصول إلى مرحلة معينة من ذلك الانتشار حتى يكون هناك من يتمكن من تلقي وإرسال رسائل البريد الإلكتروني.
وقد أدركنا أنه، في عام ١٩٩٧ وقبل ذلك، كانت هناك ثقافة لاستخدام أجهزة البيجر في أمريكا الشمالية. (فقد كانت تلك الشبكات في الأساس من أمريكا الشمالية.) فقررنا تصميم جهاز بيجر متقدم للغاية. فكان يشبه جهاز البيجر في حجمه، بل بدا أنه يعمل مثله. فيما عدا أنه كان جهاز طرفي متطور لاستقبال البريد الإلكتروني وإرساله. وقد تطلب إنجازه تنفيذ الكثير من عمليات المعالجة الخلفية. ومن الأشياء التي لا يدركها كثير من الناس هو أن جهاز البلاك بيري نظام، وأن إرسال رسائل البريد الإلكتروني أو استقبالها تتم عبر خادم. وقد قضينا وقتًا طويلًا في إدخال التحسينات عليه ونحن ندرك أن السوق ليست مستعدة له. أي إننا ألبسنا ما أصبح بعد ذلك جهاز بلاك بيري في ثوب جهاز بيجر.
ليفنجستون : ولأن الناس كانوا يعرفون أجهزة البيجر فافترضتم أنهم سيقبلون على الجهاز، أليس كذلك؟
لازاريديس : هذا صحيح. لقد منحناهم فرصة مزدوجة يكون بإمكانهم إرسال رسائل واستقبالها. وهو ما اعتبره الناس ينطوي على قيمة كبيرة. ولكن النظام كان مكلفًا، بالأحرى الاشتراك الشهري كان مكلفًا، لأنه كان جديدًا وفي بدايته. ولكننا كنا واثقين أن خدمة البريد الإلكتروني ستحظى بقاعدة عريضة من المستخدمين.
وقد أدخلنا البريد الإلكتروني في الشركة فور تأسيسها. وكانت بطاقات العمل الخاصة بنا تحمل عناوين البريد الإلكتروني في الوقت الذي كانت فيه بطاقات الآخرين تحمل أرقام التلكس. وفي كل مرة أخرج فيها بطاقتي لأحد كان يسأل عن المقصود بعنوان البريد الإلكتروني. وبعد خمس سنوات توصلنا لحل وسط وهو رقم الفاكس. ولم تبدأ الشركات التي في قائمة أكبر ألف شركة التي تصدرها مجلة فورتشن في إنشاء بريد إلكتروني إلا بعد أن تخرجت من الجامعة بخمسة عشر عامًا. لذا في عام ١٩٩٩ تأكدنا أن الوقت مناسب، وكنا قد انتهينا من إجراء قدر كبير من البحث كي نتأكد من أننا نطرح المنتج في الوقت المناسب.

وقررنا أن نطرحه في نيويورك، في الأسواق المالية؛ لأنهم كانوا من كبار مستخدمي النظم والبريد الإلكتروني. هذا فضلًا عن أنهم كانوا ميسوري الحال ومن ثَم يمكنهم تحمل نفقات الخدمة في وقت مبكر. وكذلك كانوا يستخدمون البيانات والمعلومات بغزارة ويحتاجونها وقت حدوثها. وكان الوقت من وجهة نظرهم يساوي نقودًا. وقد منحهم نظام بلاك بيري هذا إلى حد بعيد.

والطريقة التي اخترنا بها اسم الجهاز كانت لافتة للانتباه، لأنها تعود إلى جذورنا البحثية. فقد قررنا أن نقوم بذلك على أساس علمي بحت. فبحثنا عن شركة رائدة في مجال اختيار الأسماء في ذلك الوقت ووجدنا واحدة يطلق عليها ليكسيكون، وعملنا معهم لستة أشهر حتى نتوصل إلى الاسم. وكان هذا الاسم على الأرجح هو أغلى عبارة حصلت عليها.

وأصبح بلاك بيري أحد أشهر الأسماء التجارية على مر العصور في جميع أنحاء العالم. فهو يعمل في كل مكان. واختبرناه في مختلف أنحاء العالم. وكان هذا الاسم من بين أربعين اسمًا على القائمة التي اختزلناها في النهاية إلى هذا الاسم فقط. وأجرينا الكثير من الاختبارات لنرى رأي الناس فيه. فكنا نريد أن نعرف هل يصلح أن نبني عليه علامة تجارية وتجربة جديدة؟ لقد فكرنا مليًّا في اختيار ذلك الاسم.
ليفنجستون : بصفتك مؤسس شركة كندي الجنسية، أهناك ما ينبغي إطلاع القراء عليه — من وجهة نظرك — عن مميزات العمل في كندا؟ هل شعرت قط بأن هناك ما يجذبك للانتقال إلى وادي السليكون؟
لازاريديس : في الواقع، لقد كنا مستغرقين للغاية في عملنا حتى إننا لم نرَ قط أن هذا يعد فارقًا. ولعل من أهم مميزات العيش في كندا هو إتاحة فرصة التعليم للجميع على أعلى مستوى وهذا ما ساعدنا في الواقع. ولم يخطر على بالي قط الانتقال إلى مكان آخر. وهذا بصرف النظر عما إذا كان ينبغي لنا أن نجعل مقر الشركة في الولايات المتحدة أو غيرها، أو حتى موقعها في كندا. فإنني لم أتردد قط. كان يجب أن تكون بالقرب من جامعتي ووترلو وولفريد لورير، وهي جامعة تقع في الشارع نفسه، لأنني كنت أدرك أننا نحتاج لجذب الطلاب البارعين للعمل لدينا من أجل نمو الشركة. فمن المهم أن يقع موقع الشركة بالقرب من الطلاب والجامعة من حيث التوعية بالعلامة التجارية.
في الحقيقة، عندما استأجرنا المبنى في البداية هنا بالقرب من الجامعة مباشرة، كنا سنضع لافتة، وأتذكر أنهم أخذوا يسألونني: «هل تروق لك هذه اللافتة؟ هل تعجبك تلك؟» فأجبتهم: «هذا لا يهمني في الواقع. ما يهمني حقًّا هو اللافتات المعلقة خلف المبنى.» بالطبع كان الرد صادمًا للجميع. ولكني كنت أشرح لهم الأمر قائلًا: «إنني لا أهتم حقًّا بأن يعرف أحد مكان المبنى. فكل ما أريده هو أن يعرف الطلاب مكان المبنى.» ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، كانت اللافتات تظهر على جميع مباني الشركة من الخلف، باتجاه الجامعة.

من الأشياء التي أدركتها هو أنه كي نحصل على طلاب بارعين لتوظيفهم وفقًا لبرنامج توظيف الطلاب، كان علينا أن نبدأ مبكرًا، لأنه بحلول العام الدراسي الثاني، ستكون شركة أخرى قد استقطبتهم. وهكذا بدأنا نوظف طلاب العامين الأول والثاني في الجامعة ونحن نعلم أنهم لن يكونوا موظفين متفرغين لثلاثة أو أربعة أعوام بعد ذلك. لقد كان ذلك استثمارًا لثلاث أو أربع سنوات بدأنا تنفيذه مع الطلاب مبكرًا لأنني أعرف أهميتهم. وقد عاملناهم كما لو أنهم موظفون متفرغون. فنحن أكبر شركة تطبق برنامج توظيف الطلاب في كندا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤