الفصل الثاني عشر

بول بوكهايت

مبتكر، شركة جيميل

كان بول بوكهايت الموظف رقم ثلاثة وعشرين في شركة جوجل. وهو مبتكر جيميل — نظام البريد الإلكتروني على الويب التابع لشركة جوجل والذي استبق معظم جوانب ما يطلق عليه الآن ويب ٢٫٠ — وهو أيضًا المطور الرئيسي له. وفي إطار عمل بوكهايت لإنجاز جيميل، طوَّر أول نموذج أولي من أدسينس، وهو البرنامج التابع لشركة جوجل المتخصص في تشغيل الإعلانات على المواقع الأخرى. وهو أيضًا الذي اقترح شعار الشركة الذي أصبح شهيرًا الآن «لا تكن شريرًا» في اجتماع انعقد عام ٢٠٠٠ حول مبادئ الشركة.

ومع أن بوكهايت ليس من المؤسسين، فإن إسهاماته لشركة جوجل غالبًا ما تفوق إسهامات الكثير من المؤسسين لشركاتهم. ونشأت جيميل في الواقع كشركة ناشئة داخل جوجل؛ إذ كانت مشروعًا مبتكرًا أُنشئ على هامش الشركة، أطلقته مجموعة صغيرة وحقق نجاحًا في مواجهة قدر لا يستهان به من المعارضة.

***

ليفنجستون : دعنا نعد إلى البداية. أكان جيميل مشروعًا جانبيًّا أم أن جوجل كلفتك به؟
بوكهايت : في الحقيقة، لقد كان مزيجًا بين هذا وذاك. بدأت العمل على برنامج البريد الإلكتروني منذ زمن طويل. ربما عام ١٩٩٦، لكنه كان مشروعًا صغيرًا. وكانت لديَّ تلك الأفكار التي لم تجد قط سبيلًا للتحقق على أرض الواقع. والغريب أنني كنت أطلق عليها في ذلك الوقت، لسبب ما، اسم جيميل. وكان مجرد مشروع جاء بالصدفة — دون أن يكون بالضرورة سلفًا لجيميل بصورته الحالية — ولكنني كنت أفكر فيه من قبل لأنني كنت لوقت طويل غير راضٍ بعض الشيء عن البريد الإلكتروني.
كان ذلك قبل إنشاء هوتميل وكنت أنا في الجامعة في ذلك الوقت. وكان عليك، إذا أردت فحص البريد الإلكتروني الخاص بك، أن تعود إلى غرفتك. وحينها قلت في نفسي: «إن هذا أمر في غاية السخافة. فيجب أن يكون بإمكاني الدخول عليه من أي مكان.» لذا أردت تصميم بريد إلكتروني على الويب. ولكني لم أعرف ما يجب عليَّ القيام به، لذا لم تتحقق الفكرة على أرض الواقع. وقد كتبت شيئًا ما، ولكنه لم يجدِ نفعًا قط، ولم يحقق أي نجاح يُذكر.

وبعد ذلك بوقت طويل التحقت بالعمل هنا في جوجل وكنت أعمل على مجموعات جوجل، وهي ليست الخدمة المتاحة نفسها الآن بالاسم نفسه، ولكنها مرتبطة بها. وبعد أن اكتمل تقريبًا أول جيل من مجموعات جوجل، سألوني عما إذا كنت أريد أن أصمم نوعًا من منتجات البريد الإلكتروني أو الخدمات ذات الطابع الشخصي. فقد كان مخطط المشروع غير محدد على الإطلاق. فكل ما قالوه هو أن هذا المجال من المجالات التي تستحق الاهتمام. وبالطبع تحمست للعمل لإنجاز هذا المشروع.
ليفنجستون : أي إنهم لم يطلبوا منك تصميم منتج للبريد الإلكتروني؟
بوكهايت : كان كلامهم في هذا الصدد عامًّا للغاية، كل ما في الأمر أنهم رأوا أن هذا المجال يستحق الاهتمام، ولكنهم لم يقدموا لي قائمة بالخصائص المطلوبة مثلًا. ولم يكن أحد يدرك طبيعة المشروع. وقد حدث ذلك في وقت كان الاعتقاد السائد يصنف جوجل على أنها شركة متخصصة في البحث فحسب، ولهذا بدت فكرة إنشاء بريد إلكتروني فكرة غريبة. وكان الكثيرون متشككين بعض الشيء. في الوقت الحالي، لم يكن الأمر ليبدو بهذه الأهمية، ولكن في ذلك الوقت كان محل خلاف نوعًا ما.
وظللت أعمل لإنجاز المشروع وحدي لفترة طويلة. وبدأت العمل ببعض كود مجموعات جوجل، لأنني كنت على دراية به. وصممت النسخة الأولى من جيميل في يوم واحد باستخدام كود مجموعات جوجل فقط، ولكنها كانت تبحث في البريد الإلكتروني الخاص بي فقط. وأعلنت عن تلك النسخة لبعض العاملين بجوجل ووجدوا أنها مفيدة، ومن هنا تطورت الفكرة.
ليفنجستون : عندما صممت تلك النسخة الأولى، أكنت تهدف إلى تصميم برنامج بريد إلكتروني أفضل أم تصميم وسيلة تتيح لك إمكانية البحث في بريدك الإلكتروني؟
بوكهايت : كلاهما. فمن الواضح أن البحث أمر مهم للغاية. وكان من أهم جوانب ما كنا نقوم به في ذلك الوقت، وهو مفيد للغاية للتحكم في البريد الإلكتروني. وكان لديَّ طموح لتنفيذ أكثر من هذا، ولكن كان البحث فيما يبدو هو الخطوة المنطقية الأولى؛ فقد كان من بين الأشياء التي تمثل مشكلة واضحة.
فكل من يعمل هنا يتلقى كمًّا هائلًا من رسائل البريد الإلكتروني. فالشركة مغرمة إلى حدٍّ ما بالبريد الإلكتروني. فكان يرد على بريدي الإلكتروني ٥٠٠ رسالة يوميًّا. ومن ثَم كانت هناك حاجة ماسة لإمكانية البحث. وكان هذا أبرز شيء يمكنني تصميمه، كما كان من أسهل الأشياء التي يمكنني تصميمها. وهكذا صممت تلك النسخة الأولى وكانت تبحث في بريدي الإلكتروني فقط، ولكن هذه الخاصية كانت تفيد غيري لأننا كنا نتلقى الكثير من الرسائل الإلكترونية. لذا رأوا أنه سيكون من الأفضل لو أتيحت لهم إمكانية البحث في بريدهم الإلكتروني.
ليفنجستون : أكان بإمكانك البحث عن كلمات أساسية أو مرسلين وغير ذلك؟
بوكهايت : نعم، كان نصًّا حرًّا، بالضبط مثل جوجل ولكن للبريد الإلكتروني.
ليفنجستون : أكان من المفترض أن يكون هذا المشروع هو عملك لدوام كامل أم جزء من المشروعات التي كانت تشغل حيز ٢٠ بالمائة من وقتك؟
بوكهايت : لا يوجد شيء لدوام كامل تمامًا، ولكنه كان كذلك تقريبًا. فكنت لا أزال أعمل لإنجاز بعض المشروعات الأخرى التي كان عليَّ أن أقضي بعض الوقت في العمل لإنجازها، وحتمًا كنت أنشغل بمشروعات جانبية لمجرد أنني كنت أجد ما يجذب انتباهي فأنطلق وأعمل لإنجازها قليلًا. وأظن أيضًا أنني كنت أعمل لإنجاز بعض المشروعات الأخرى تحت بند ٢٠ بالمائة من وقتي، لأنني صممت بضعة مشروعات جانبية. وكان تطبيق أدسينس، المختص بالإعلانات الموجهة للمحتوى، تطبيقًا صممته على ما أذكر في أحد أيام الجمعة.
وكانت فكرة ظللنا نتحدث عنها لوقت طويل، ولكن كان هناك اعتقاد أنها لن تحقق نجاحًا لسبب غير معروف. ولكنها بدت في نظري مشكلة تستحق الاهتمام، لذا نفذت ذلك النظام الموجه للمحتوى ذات مساءٍ كمشروع جانبي، وليس لأنه كان من المفترض أن أنفذه. وقد نجح في النهاية.
ليفنجستون : أهذا هو ما أصبح برنامج أدسينس التابع لجوجل الآن؟
بوكهايت : إنه يقوم على الفكرة نفسها. فالنسخة التي صممتها كانت نموذجًا أوليًّا غير متقن، ولكنه دفعهم للتفكير لأنه أثبت أنه ممكن، وأنه ليس بالأمر شديد الصعوبة لأنني تمكنت من تصميمه في أقل من يوم. وبعد ذلك تولى آخرون مسئولية المشروع واجتهدوا في تحويله إلى منتج حقيقي.
ليفنجستون : إذن فقد قدمت شيئين مبتكرين في جوجل.
بوكهايت : على الأرجح. لقد نفذت الكثير من المشاريع العشوائية. وغالبًا ما كنت أقوم به لم يكن يتحول إلى مشروع حقيقي لأنني أحب فقط أن أجرب أفكارًا والكثير منها لا يتحقق على أرض الواقع.
ليفنجستون : إذن فقد عملت على جيميل ليوم واحد، ثم شعرت أنك في طريقك لتحقيق إنجاز مهم، ثم ماذا حدث؟
بوكهايت : ظللت أعمل وحدي لفترة طويلة، ثم انضم إليَّ شخص آخر، سانجيف سينج وبدأ يعمل معي لإنجازه. ولكن التحول للعمل لإنجاز مشروع جديد هنا، لا سيما آنذاك، لم يكن أمرًا سهلًا. فلم يكن من الممكن أن تجدي نفسك فجأة تعملين في مشروع جديد، لذا فقد قضى سانجيف الكثير من وقته في البحث الموجه للشركات، وهو ما كان يعمل لإنجازه في ذلك الوقت. وقد مرت فترة طويلة قبل أن يتمكن سانجيف من قضاء المزيد من وقته في العمل لإنجاز جيميل. لذا ظل العمل بطيئًا لوقت طويل.
كنت أعمل وحدي في الأغلب، ثم أصبحت أعمل مع سانجيف، ثم بدأ شخص ثالث، وهو جينج ليم، العمل معنا. كان تقدمًا بطيئًا للغاية. وكان الجميع لا يزالون يشعرون بالحيرة والارتباك حيال فكرة تنفيذ شيء مختلف تمامًا كالبريد الإلكتروني.
ليفنجستون : متى شعرت أن الفكرة مهمة وعقدت العزم على إطلاق المشروع؟
بوكهايت : بعد عدة أيام من إطلاق المشروع! لقد كان مشروعًا كبيرًا. ولكن في بعض الأحيان كان الأمر يبدو كما لو أننا لن ننجح في الانتهاء منه وطرحه.
ليفنجستون : أخبرني عن أصعب الجوانب.
بوكهايت : كان الأمر ينطوي على الكثير من الجوانب الصعبة، ويعود أحد أسباب ذلك إلى أنه كان مشروعًا هائلًا. وقد أعطينا مساحة تخزينية تبلغ جيجابايت لكل مستخدم كبداية. وفي ذلك الوقت كانت المساحة التخزينية المعتادة تبلغ نحو ٢ أو ٤ ميجابايت.
وفي الحقيقة، لم يصدق الكثير من الناس الأمر. إذ ظنوا أنها مجرد مزحة، ويرجع هذا إلى حد ما إلى أننا أطلقنا الخدمة في الأول من أبريل.

وظنوا أيضًا أن هذا ليس ممكنًا. فربما ينطوي الأمر على قدر من الصعوبة، لأن الخدمة تتعامل مع قدر هائل من البيانات: فلدينا ملايين من المستخدمين لكل منهم قدر كبير من البيانات، وعلاوةً على ذلك، عليك الاحتفاظ بعدة نسخ من البيانات والنسخ الاحتياطية وغيرها، وذلك لضمان أن يصبح النظام يُعتمد عليه حقًّا. وهذا يتطلب قدرًا كبيرًا من الدراسة. وكذلك الكثير من الأجهزة والنظم لضمان نجاح تشغيل الخدمة دون أن يستدعي الأمر جيشًا من الموظفين لصيانة النظام وضمان استمرار تشغيله. فالأمر ينطوي على مشكلة معقدة للغاية في النظام.

كنا أيضًا نقوم بالكثير من الأشياء التي كانت جديدة على جوجل. وأظن أن هذا أحد الاختلافات بين تأسيس الشركات الناشئة العادية وتأسيس مشروع داخل جوجل، وأظن أن الأمر يختلف الآن بعض الشيء، ولكن في ذلك الوقت كانت لا تزال تسود تلك الرؤية بأن الشركة تعمل في مجال البحث على الويب فقط. فنحن الآن ننفذ الكثير من المنتجات الرائعة التي تتخطى هذا، ولكن في ذلك الوقت كانت الشكوك تساور الكثيرين داخل الشركة. فكانت فكرة تصميم منتج يستقبل جميع رسائل البريد الإلكتروني — وتخزينها — تمثل مشكلة من مشاكل النظم تختلف عن البحث على الويب، لأن البحث على الويب يتطلب مسح الويب وفهرسة البيانات مع وجود ديناميكيات زمن وصول مختلفة. ونحضر صفحة وتصبح قابلة للبحث بعد ذلك بفترة. ولكن في البريد الإلكتروني يجب أن يكون كل شيء فوريًّا، وبالطبع ليس من المسموح أن يضيع أيًّا من البيانات.

ويتضح أن هذا يؤثر تأثيرًا كبيرًا في كيفية تصميم الأشياء. فالكثير من الاستراتيجيات التي قد تستخدم مع البحث على الويب قد يثبت صعوبتها عند تطبيقها على البريد الإلكتروني على مستوى النظم، نظرًا لضرورة توفير كل شيء بسرعة بالغة. إذ ينبغي أن يتم الأمر على الفور. فلا يمكن إتاحة ظهور رسائل البريد الإلكتروني بعد نصف ساعة مثلًا من استلامها. وهذا في الواقع هو ما حدث في واحدة من النسخ الأولية للخدمة، فكانت الرسالة ترِد، وكنت أستخدم ذلك النص البرمجي الصغير الذي يدرجها في الفهرس ولكن هذا تسبب في تأخر طويل، لذا لم يكن هذا رائعًا.

وكانت جميع هذه التفاصيل الصغيرة تؤدي إلى ظهور الكثير من الصعوبات في سبيل الحصول على منتج جيد. وكانت لغة جافا سكريبت مشكلة كبيرة أيضًا لأنه في الوقت الذي بدأنا فيه تصميم الواجهة في جافا سكريبت كان معظم الناس ينظرون إلى جافا سكريبت على أنها أداة للإعلانات المنبثقة وغيرها من الخصائص المزعجة. وكان هذا قبل ظهور تقنية أجاكس، لذا كان الكثير من الناس يعربون عن تشككهم بعض الشيء في إمكانية عمل جافا سكريبت بطريقة يعتمد عليها. ولم يأتِ ذلك التشكك من فراغ، فالأمر يتطلب شيئًا من الحذر والدقة، لأنه في حالة إساءة تسيير الأمور، ستتسببين في انهيار المتصفح.

وهكذا كان السعي لإنجاح تشغيل الخدمة وتشغيلها على أكمل وجه يتطلب فترة من التعلم ومحاولة التوصل للتقنيات الصحيحة وتحديد الحدود التي تميز بين السمات المناسبة والسمات غير المناسبة.
ليفنجستون : ما السمة المفضلة لديك؟
بوكهايت : من الصعب تحديد هذا. لكن في الواقع من بين الأشياء التي أضفناها منذ وقت مبكر للغاية، والتي قد تبدو أساسية الآن، ولكن ثبت أنها سمة رائعة: سمة الإكمال التلقائي عندما تكتبين عناوين البريد الإلكتروني. ففور استخدام المرء لهذه السمة تبدو منطقية. ويتساءل: «لمَ لم تُضمَّن من البداية؟»
ليفنجستون : أكنتم أول من يقدم هذه السمة؟
بوكهايت : لم يكن لدى أي من مقدمي خدمة البريد الإلكتروني على الويب هذه السمة. أما الآن فإن المستخدم لا يجهد ذهنه بالتفكير في ذلك، ولكنها تحدث فارقًا كبيرًا. فيمكنه إرسال رسائل بريد إلكتروني بسرعة دون أن يحتاج لتذكر العناوين بالكامل. وعلى حد علمي، كنا نحن أول مقدم خدمة بريد إلكتروني على الويب نقدم هذا. وفي بعض الأحيان كانت هذه السمة تتوفر في المنتجات المستخدمة على الكمبيوتر المكتبي، ولكن لم تكن هناك أي خدمة بريد إلكتروني على الويب تقدمها في ذلك الوقت.
ليفنجستون : أكنت تنوي دائمًا الاحتفاظ بالرسائل في الأرشيف دون حذف أي رسالة وتلبية متطلبات التخزين الهائلة؟
بوكهايت : يمكنك حذف رسائل البريد الإلكتروني. الفكرة كانت أن رسائل البريد الإلكتروني تحتوي على معلومات قيمة، وفكرنا في الأسباب التي تدفع المستخدم إلى حذف الرسائل. فوجدنا ثلاثة أو أربعة أسباب تدفعه لذلك. أحدها هو نفاد المساحة المتاحة، وهو أكثر الأسباب انتشارًا، لأنه لم يكن متاحًا للفرد سوى مساحة قدرها ٢ ميجابايت. فرأينا أننا لو منحنا المستخدمين مساحة تخزينية كافية، فإنهم لن يواجهوا تلك المشكلة.
السبب الثاني هو أن المستخدمين يحذفون الرسائل لأن البريد الإلكتروني يصبح من الصعب التعامل معه في حالة عدم حذف الرسائل. وهنا رأينا أن نستغل إمكانية البحث، ونجعلها أكثر كفاءة. فأنا يمكنني إدارة البريد الخاص بي، لا أدري كم مليون رسالة به الآن، ولكنها لا تمثل أي مشكلة. فهي لا تعوق العمل. فستظل الرسائل موجودة، وإذا أردت في أي وقت العثور على تلك الرسالة التي وردت من أربع سنوات التي أبدى فيها شخص أحدَ التعليقات المضحكة على جيميل، والتي ستكون حاليًّا من المفارقات الطريفة، يمكنني العثور عليها. وأظن أن السبب الثالث هو أن الرسالة كانت تحتوي على ما أثار استياء المستلم ودفعه إلى التخلص منها. ولكن هذا السبب غير شائع. لذا قررنا أن نوفر إمكانية حذف الرسائل، ولكن لا يكون هذا ضروريًّا في الأحوال العادية، لأن معظم الأسباب في الواقع تكون نتيجة للقصور في نواحٍ أخرى.
ليفنجستون : ما السمات الأخرى الجديدة التي لم يكن أحد قد سبقكم إليها من قبل؟
بوكهايت : كانت سمة عرض المحادثات من السمات الجديدة، فعندما تضغطين على إحدى المحادثات تحصلين على جميع الرسائل في صورة بطاقات بدلًا من رسائل منفصلة.
ليفنجستون : أكانت هذه فكرتك؟
بوكهايت : لقد جاءت كنتيجة لبضعة عوامل. أحدها هو أنني عملت في خدمة مجموعات جوجل، حيث نفذنا أشياء من النوع نفسه. وثانيًا، أننا لدينا الكثير من رسائل البريد الإلكتروني التي ترد من داخل الشركة.
فكثيرًا ما يرسل شخص ما رسالة ثم يجيب أربعة أشخاص مختلفين على الرسالة نفسها، وبعض الردود كانت تأتي بعد خمس ساعات مثلًا ويخطر لك أن الأمر يتكرر لخمس مرات وتستمرين في كتابة الردود.

واتضح أن أحد أسباب تنظيم المستخدمين رسائلهم بكل هذا الحماس هو أنهم كانوا يحاولون إعادة تجميع أجزاء المحادثات. فكانوا يضعونها كلها في المجلد نفسه، أو ينسون ويضعونها في المجلد الخطأ، ومن ثَم تنفصل أجزاء المحادثة ولا يعثرون قط على رد الرسالة.

كانت لدينا جميع الأدوات الصغيرة التي كان يستخدمها المستخدمون من أجل إعادة تجميع المحادثات. فقررنا أن نستخدم كل تلك الأدوات منذ البداية. وفي مرحلة أخرى، فكرنا في إخفاء النص المقتبس أيضًا. لأنه في هذه الحالة يمكنك قراءتها أسرع بكثير دون أن تضطري لقراءة المحتوى نفسه مرارًا وتكرارًا. كما كنا نتطلع إلى تضمين خاصية الدردشة/المحادثة الفورية. ولم يتوافر لنا وقت كافٍ لتضمين الدردشة في المنتج الأصلي عند إطلاقه، ولكنه كان موجودًا في النسخ الأولية الأولى لأننا كنا نريد بشدة دمج الدردشة مع البريد الإلكتروني، إذ ينبغي توفير الخدمتين معًا. لذا فكرنا في البريد الإلكتروني من منظور أنه وسيلة للدردشة كما لو أننا نضيف البريد الإلكتروني للدردشة وليس العكس. وبالطبع خدمة الدردشة موجهة إلى المحادثات، فليس هناك رسائل دردشة فردية. ومن هنا ظهرت فكرة عرض المحادثات، بل قد نسقنا البريد الإلكتروني لفترة ليبدو مثل محادثات الدردشة.
ليفنجستون : يبدو أنك تقمصت دور المستخدم عندما صممت جيميل؟
بوكهايت : بالطبع، وإلى حد بعيد هذه هي الطريقة التي ابتكرناه على أساسها. ففي كل مرة كانت تزعجنا مشكلة صغيرة أو يشكو أحد المستخدمين من أنه يواجه مشكلة محددة، كنا نقضي بعض الوقت نفكر في الأمر وندرس المشكلة الأساسية ونحاول التوصل إلى حلول لتحسين الخدمة التي نقدمها لهم.
ليفنجستون : كم كان عدد أفراد فريقك عند إطلاق الخدمة؟ هل كنتم أنتم الثلاثة فقط؟
بوكهايت : في ذلك الوقت كان المزيد من الزملاء قد انضموا إلينا. وهذا حسب من نعتبرهم يدخلون في الفريق، ولكن كنا نحو اثني عشر فردًا.
ليفنجستون : هل جاء عليكم وقت شعرتم أنكم بحاجة للمزيد من المبرمجين لتشغيل هذه الخدمة؟
بوكهايت : كنت دائمًا أطلب انضمام المزيد من الزملاء. ولا نزال نطلب المزيد. فهناك الكثير الذي يمكننا تنفيذه. فالمنتج رائع، ولكن كل يوم أجد أن هناك جوانب أود تغييرها. ولكن عندما تكونين مسئولة عن تشغيل خدمة كبيرة، يحتاج الأمر لمزيد من العمل للتعامل مع مسألة النمو وإدخال التحسينات. والكثير من التحسينات التي ندخلها تكون غير ملحوظة. فعلى سبيل المثال، أظن أننا أضفنا ٤٣ لغة جديدة. وقد لا يلاحظ المستخدم الذي يتعامل باللغة الإنجليزية هذا، ولكن بالنسبة لباقي العالم فإنه يعتبر أمرًا مهمًّا. ويزداد العمل في ظل نمو المنتج وازدياد الحاجة لدعم ملايين المستخدمين.
ليفنجستون : عندما أطلقتم المشروع، هل كان لديكم مستخدمون؟
بوكهايت : كان لدينا مستخدمون من داخل الشركة منذ اليوم الأول. فمن الأمور الرائعة في جوجل هو أنه يمكننا إطلاق المنتجات الجديدة داخل الشركة ونجد هذا العدد الكبير من المختبرين. ومن ثَم فإن الموظفين داخل الشركة كانوا يستخدمون جيميل لوقت طويل. وكان الاسم الحركي هو كاريبو. في البداية أطلقت عليه جيميل، ثم أدركنا أنه ليس بالاختيار الموفق، فغيرناه إلى كاريبو.
ليفنجستون : هل اخترت كاريبو؟
بوكهايت : نعم. فهناك قصة فكاهية مصورة بطلها الشخصية الكاريكاتورية ديلبرت والتي يتحدث فيها عن «مشروع كاريبو» ورأيت أنه اسم مضحك، لذا استخدمته.
ليفنجستون : أخبرني عن أحد أسوأ الفترات التي مر بها المشروع، عندما شعرت بعجزك عن مواصلة العمل فيه. وأخبرني عن أحد أفضل الفترات التي مر بها.
بوكهايت : هناك أبعاد مختلفة للفترات السيئة، فكما أخبرتك، في الكثير من الأوقات كان الموضوع مثيرًا للجدال لا سيما في البدايات لأن العاملين في الشركة كانوا متشككين من جدوى إقدامنا على تنفيذ المشروع أصلًا. لذا كان الموقف العام متأرجحًا، وعندما كان يميل ضدنا يكون من الصعب جدًّا التعامل معه. أما بعد ذلك، فلم يكن الأمر بالصعوبة نفسها.
وكانت لدينا بعض مشكلات النظام على المستوى الداخلي. ففي الجيل السابق لم يكن لدينا نظام احتياطي كما في النسخة الأخيرة التي أطلقناها، ثم توقف القرص الصلب في أحد الأجهزة وعليه البريد الإلكتروني للجميع. فدخلت الشركة ووجدت كل من أمر به يسألني متى سيكون لكاريبو نسخة احتياطية. فاتجهت إلى غرفة الأجهزة ومعي مفك البراغي والجميع ينظرون إليَّ وقد صدمهم المشهد.

وتمكنت من تفكيك المحرك الصلب ونقل المكونات الإلكترونية من محرك آخر، لذا لم يَضِع شيء. وطوال العملية بأسرها لم نفقد أي بيانات، وهو أمر لا يصدق إذا أخذنا كل ما حدث في الحسبان. فالكثير من الأجهزة التي قامت عليها شركة جوجل — أظن أن الوصف المهذب لها أنها سلع تباع بالجملة — ليست إلا أجهزة كمبيوتر شخصية عادية، ومن ثَم فإنها ليست دائمًا الأجهزة التي يعتمد عليها.

وكان أكثر ما أسعدنا بالطبع هو إطلاق المنتج. فلا شيء يفوق لحظة إطلاقه للعالم بأسره وإدراك أنه ينال إعجاب الناس.
ليفنجستون : هل شهد يوم الإطلاق أي كوارث؟
بوكهايت : كلا، لم يحدث شيء خطير. فقد سارت الأمور على ما يرام إلى درجة مدهشة. ومن المعتاد أن تظهر مشاكل بسيطة، ولكن لم يحدث شيء سيئ إلى الدرجة التي تجعله يعلق بذاكرتي. ولكن، من ناحية أخرى، كنت في ذلك الوقت لم أنم منذ سبعين ساعة. أي لم أنم لثلاثة أيام متتالية تقريبًا، لأنني كنت أقوم بإضفاء اللمسات الأخيرة بكل ما أتيت من قوة، فقد كنت أربط بين بعض الأنظمة — مثل نظام تسجيل الدخول — حتى أجعله متاحًا للجمهور. وكنت أختبر كل شيء.
ليفنجستون : هل نمت جيدًا تلك الليلة؟
بوكهايت : الغريب أنني عندما عدت إلى المنزل واجهت صعوبة في الخلود للنوم.
ليفنجستون : نظرًا لأن جوجل كانت تركز كل اهتمامها على البحث في ذلك الوقت، هل ساورك القلق في أي وقت من أن يتعرض مشروعك للتجاهل والاستبعاد؟
بوكهايت : طوال الوقت. لقد انطلق المشروع في وقت مبكر للغاية مقارنةً بالوقت الحالي، حيث أصبح المشروع يحظى بظروف أفضل. لقد كان إلى حد ما أول مشروع يبتعد عن الفكرة البسيطة التي تتمثل في البحث على الويب. فحتى خدمة مجموعات جوجل كانت في جوهرها تدور حول البحث، ولكنه بحث في منشورات شبكة اليوزنت العامة.
لذا استغرق الأمر من الناس بعض الوقت حتى تقبلوا فكرة مختلفة. ويجب ألا نغفل أن الموقف بين جوجل وياهو كان مختلفًا في ذلك الوقت. فكانت إلى حد ما شركة مختلفة لها اهتمامات مختلفة.
ليفنجستون : ألا يزال جيميل متاحًا بالدعوة فقط؟
بوكهايت : كلا يمكنك تسجيل اشتراكك من هاتف محمول.
ليفنجستون : ومن موقع بلوجر، أليس كذلك؟
بوكهايت : لقد نشرناه في مجموعة من القطاعات المختلفة. فبإمكان جميع طلاب الجامعات تسجيل الاشتراك لأننا كنا نريد إتاحته للطلاب.
ليفنجستون : ماذا كانت الفكرة وراء إتاحة إمكانية تسجيل الاشتراك بناءً على الدعوة فقط؟
بوكهايت : كانت هناك بضعة عوامل مختلفة. ومرة أخرى أذكرك أنها مسألة ضخمة من حيث كم البيانات وغير ذلك. وظل أهم ما يشغلني أنني لا أريد أن أفقد أيًّا من تلك البيانات لأنه بالطبع لا أحد يريد أن يفقد رسائل البريد الإلكتروني الخاصة به. ففي حالة حدوث خطأ ما في البحث على الويب يمكنك معاودة البدء في البحث مرة أخرى، ولكن مع البريد الإلكتروني، إذا ما فقدنا شيئًا، فقد فقدناه للأبد.
وكنت مهتمًّا للغاية بالمحافظة على استمرار تشغيل النظم. لذا كان جزء من هذا معنيًّا بالتحكم في معدل الاستخدام حتى لا نتجاوز أيًّا من تلك الحدود. فأنت تريد دائمًا التأكد من حصول المستخدمين الحاليين على خدمة ممتازة. وعلاوةً على ذلك، كان هذا يتحكم في إساءة الاستخدام عن طريق وضع مزيد من الصعوبات أمام ناشري الرسائل غير المرغوب فيها في الحصول مثلًا على عشرة ملايين حساب، وهو ما من شأنه أن يضر بالخدمة أيضًا.
ليفنجستون : ممن تعلمت في جوجل؟ أكان لديك مرشدون؟
بوكهايت : لم أكن أعرف شيئًا عن بناء هذه النظم الكبيرة قبل أن أعمل في جوجل. لذا كنت ألاحظ طريقة عمل مختلف القطاعات في جوجل وأتساءل: «أينطبق هذا علينا؟ أيمكننا إعادة استخدام هذا الأسلوب؟» إذ كان هناك نموذج ناجح بالفعل يوضح طريقة بناء هذه التقنيات. وكان من جوانب التحدي تحديد متى نقلد القطاعات الأخرى من جوجل ومتى نقول: «إن المشكلة التي نواجهها تختلف تمامًا عن تلك التي يواجهونها. ومن ثَم علينا أن ننفِّذ شيئًا جديدًا.»
وقد استغرق الأمر منا فترة لنتوصل إلى هذا. فلا ينبغي للمرء تجاهل كل هذه الدروس لأن هذا سيكون خطأً كبيرًا، ولكن في الوقت نفسه، في بعض الأحيان أجد نفسي أحاول حل مشكلة مختلفة. فعلى سبيل المثال، بخصوص مسألة التحديثات، كنا بحاجة لإمكانية التحديث على الفور. ففي شيء مثل البحث يصبح من الوارد أن يكون لدينا وقت انتظار ضئيل. فإذا لم يُضَف مستند لبضع دقائق، لا يكون ذلك أمرًا مهمًّا. أما على مستوى تصميم النظام، فإن هذا يؤثر تأثيرًا كبيرًا، مع أنه يبدو اختلافًا بسيطًا عندما نتحدث عنه.
ليفنجستون : يبدو أن إحدى مميزات تأسيس مشروع أشبه بشركة صغيرة داخل شركة كبيرة هي إمكانية الاستفادة من جميع الموارد الخاصة بها. أخبرني عن المزيد عن هذه المميزات.
بوكهايت : أظن أن العناصر البشرية هي أكبر مورد. فالشركة تزخر بمجموعة من الموظفين الأذكياء، ومن ثَم يمكن التوجه إلى أحدهم والاستفسار عن كيفية تنفيذ مهمة ما، ومناقشة الأمر معهم في محاولة للتوصل لحلول. فيمكن التحدث بكل بساطة معهم، سواء كانوا من المهندسين … ولاري وسيرجي في منتهى الذكاء حقًّا.
سمعت أمس شخصًا يقول إن الحظ حالفهما وأصبحا يظنان أنهما ذكيان. ولكنهما في الحقيقة ذكيان حقًّا ولديهما أفكار رائعة. في بعض الأحيان يرى الناس أن الحظ قد ساعدهما، وصحيح أن الحظ دائمًا عامل مساعد في كل شيء، ولكنه ليس كافيًا وحده. فالأمر يتطلب أكثر من الحظ لتشييد كيان يتميز بكل هذا النجاح.

وهكذا نجد أن لدينا مجموعة كبيرة من الموارد الجيدة، سواء من العناصر البشرية والنظم أيضًا. ونحن نشتري الأجهزة، ولا يتحتم علينا صنعها بأنفسنا، ومن ثَم فمن الرائع أن يحظى المرء بهذه البنية التحتية.

ويتضح أن مشكلة التخزين مشكلة في غاية الصعوبة. ولم نتمكن من حلها. صحيح أن هناك وحدات تخزين شبكي، ولكنها باهظة الثمن وبها بعض المشكلات الأخرى. ومن ناحية أخرى، لدينا ما ننجزه على أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وينطوي ذلك على صعوبة من الناحية التقنية: تتمثل تلك الصعوبة في استخدام هذه الشبكة الكبيرة من الأجهزة التي لا يُعتمد عليها في إنشاء نظام تخزين ضخم يُعتمد عليه. ونحن على وشك التوصل لحل لتلك المشكلة، ولكن ربما لا يمكن للشركات الناشئة تحقيق ذلك بسهولة، على الأقل دون دفع مقابل مادي.
ليفنجستون : هل جرى تكليف آخرين بالعمل لإنجاز مشروع بريد إلكتروني في الوقت نفسه؟
بوكهايت : كلا. قد يكون هناك شخص يعمل لإنجاز مشروع ثانوي، ولكن لم يرد إلى علمي شيء من هذا القبيل.
ليفنجستون : هل حصلت على جائزة مؤسسي جوجل؟
بوكهايت : كلا، فقد جاء معظم ما أنجزناه قبل استحداث هذه الجائزة. ولكن الأمور، في الغالب، سارت معنا على ما يرام على أي حال.
ليفنجستون : حين تتذكر الأمر كله، ما هو أكثر ما فاجأك؟ هل يعود ذلك لعامين تقريبًا؟
بوكهايت : هذا يتوقف على طريقة تحديد بدء هذه المدة ونهايتها، ولكن الأمر يعود لبضع سنوات. أولًا، أظن أن بعض مشكلات النظم كانت أصعب قليلًا مما كنا نظن. لا يمكنني أن أكف عن الحديث عن مسألة تحديث البيانات بسرعة. وهذا مفهوم على مستويات كثيرة حين يتحتم عليكِ خفض زمن الوصول إلى أقل مستوى. فإذا تعطل أحد الأجهزة، ماذا ستفعلين؟ عليك أن تتمتعي بالقدرة على سرعة مواجهة كل شيء لا يسير على ما يرام، وهذا ينطوي على صعوبة.
وقد تفاجأت إلى حد ما من الصدى الطيب الذي لقِيَه الكثيرُ من الأشياء التي نفذناها. فقد كان القلق يساورنا من بعض السمات. مثل فكرة كتابة المشروع بأكمله بلغة جافا سكريبت، وحتى داخل الشركة كان الكثيرون متشككين بشدة في جدوى هذه الفكرة، ولكن أظن أنها أعجبت المستخدمين. بل إنها نجحت على نحو أفضل مما كنا نتوقع. وكنا قلقين للغاية لأن هناك الكثير من برامج التصفح وجميعها بها وظائف إضافية يتسبب بعضها في مشكلات لك. ولكنها نجحت فعلًا على نحو أفضل مما توقعنا.
ليفنجستون : لقد قلت من قبل إن الأمور سارت معكم على ما يرام. ومعظم مؤسسي الشركات يغامرون بمخاطرة تأسيس شركة أملًا في الحصول على العائد المحتمل من شراء الشركة أو إصدار الطرح الأولي العام، أو ما شابه. فهل حصلت على مكافأة أو شيء مشابه من جوجل؟
بوكهايت : تقدم جوجل الكثير من المكافآت ولا أعلم متوسط المكافآت، ولكنها بصفة عامة كبيرة للغاية، أكبر من المكافآت التي تقدمها الشركات الأخرى بكثير. أما أنا، فقد مضى على عملي بالشركة فترة طويلة بما يكفي لكي لا تشغلني إلا مكافأة واحدة، أليس كذلك؟ ولهذا تكتسب منحة المؤسسين أهمية أكبر للموظفين الجدد، لأنهم حينئذٍ لن يحصلوا على أسهم قيمة كل منها ضئيلة للغاية. ومن ثَم فإن جائزة المؤسسين ليست بهذه الأهمية في نظري، لكنها مهمة للموظفين الجدد.
ليفنجستون : ما ترتيب التحاقك بجوجل؟
بوكهايت : الثالث والعشرون.
ليفنجستون : كيف انضممت إلى جوجل؟
بوكهايت : كنت أعمل في إنتل في المنطقة وكنت أشعر بالملل. فكنت أبحث عن شيء يثير اهتمامي أكثر، فأرسلت سيرتي الشخصية إلى جوجل بالبريد الإلكتروني. ومن الطريف أنه في المرة الأولى التي أرسلت فيها سيرتي الذاتية لم تصل لأن خادم البريد الإلكتروني كان معطلًا. فأرسلتها مرة أخرى في اليوم التالي ووصلت إليهم واتصلوا بي. فذهبت إليهم والتحقت بالعمل.
وسارت الأمور على خير ما يرام، ولكن لم يحدث أني رأيت الشركة وتنبأت أنها ستنجح. رأيت فقط أن العمل بها سيكون ممتعًا. ورأيت أن هناك أشخاصًا أذكياء يعملون بها وأن العمل سيكون مثيرًا للاهتمام، وأنه سيكون ممتعًا أكثر من عملي القديم.
ليفنجستون : هل حصلت على أي مكافآت عن هذا المشروع الذي حقق نجاحًا كبيرًا داخل الشركة؟
بوكهايت : يصعب عليَّ معرفة ذلك، لأنه حتى بعد مِنح الأسهم الأولى، وطوال تاريخ الشركة، كانوا يقدمون منحًا تالية من نفس النوع. لذا لا أدري كم كانت قيمة مكافأتي ستكون لو لم أعمل على جيميل.
ليفنجستون : سمعت أنك أنت الذي ابتكرت مبدأ «لا تكن شريرًا». أرجو أن تخبرني بالمزيد عن ذلك.
بوكهايت : أظن أن ذلك يعود إلى وقت مبكر من عام ٢٠٠٠ وقد كنا في اجتماع لتقرير مبادئ الشركة. ودعوا مجموعة ممن كانوا يعملون بالشركة منذ فترة. وكنت أنا قد انتقلت لتوي من شركة إنتل، لذا بدت لي فكرة مبادئ الشركة بأسرها مسلية. فجلست وأنا أحاول التفكير في شيء مختلف اختلافًا حقيقيًّا ولا يكون على غرار تلك العبارات المعتادة مثل «اسعَ من أجل التميز». وكنت أريد ابتكار مبدأ يصعب تغييره فور اعتماده.
فخطر لي أن عبارة «لا تكن شريرًا» طريفة نوعًا ما. وهي إشارة أيضًا للكثير من الشركات الأخرى لا سيما منافسونا الذين كانوا — من وجهة نظرنا — في ذلك الوقت يستغلون المستخدمين إلى حد ما. فكانوا يخدعونهم ببيع نتائج البحث وهو ما اعتبرناه غير مقبول لأن الناس لم يدركوا أنهم يبيعونهم الإعلانات.
ليفنجستون : ألم يكن المستخدمون يعرفون؟
بوكهايت : كانت الشركات تخلط الإعلانات بنتائج البحث العادية حتى يظن الناس أنها نتائج بحث. إن الأمر أشبه ما يكون بنشر الأخبار الزائفة أو شيء من هذا القبيل. ففي الجرائد، يحرصون عادة على الفصل بين الإعلانات وما سواها. ولكن محركات البحث في ذلك الوقت كانت تبيع نتائج البحث وتخلط الإعلانات بالنتائج الحقيقية، ومن ثَم فقد كان ذلك الشعار يوحي بتعهدنا بألا نلجأ إلى هذا الأسلوب قط، وقد وفينا بتعهدنا فعلًا.
وهكذا كان ذلك الشعار يستلهم تلك الأفكار، ورأيت أنه شعار جذاب وقصير. ولكن الطريف في الأمر هو أن الناس ينزعجون بعض الشيء من أي شيء مختلف، لذا ظل المشرف يحاول طوال الاجتماع تأجيل مناقشة الشعار «لا تكن شريرًا» إلى آخر الاجتماع. ولكن ظللت أنا وشخص يدعى أميت باتيل نلح عليهم لطرح الشعار للمناقشة. وبفضل تصميمنا على عدم استبعاد الشعار، فقد نجحنا في الوصول به إلى المجموعة الأخيرة، وقد حقق انطلاقة هائلة من هناك. وبدأ أميت يكتبه في جميع أرجاء المبنى وعلى السبورات البيضاء في كل مكان. إنها القيمة الوحيدة التي يلم بها الجميع، أليس كذلك؟ فهي ليست من العبارات التقليدية أو العبارات المستهلكة التي لا معنى لها التي تستخدمها الشركات.
ليفنجستون : ذكرت أن جيميل كان «محل خلاف» على مستوى الشركة. أيمكنك شرح ذلك باستفاضة؟
بوكهايت : أظن أن الناس بصفة عامة ينزعجون من كل ما هو مختلف. فحتى الآن عندما أتحدث عن إضافة سمات جديدة لجيميل، لا يعجبهم ذلك، إلا إذا كانت تغييرات طفيفة أو إعادة تنظيم لما هو قائم. فلدى الناس مفاهيم محدودة للغاية عما يمكن تحقيقه، ونحن نتقيد بما نعتبره ممكنًا من وجهة نظرنا أكثر مما نتقيد بما هو ممكن في الواقع. ومن ثَم ينتابهم القلق من أي شيء مختلف ويميلون لانتقاده لأي سبب كان.
أما أنا، فالأشياء الجديدة تثير اهتمامي أكثر، لذا فإنني أتحمس دائمًا لمعرفة ما ستأتي به الأيام. وكان هذا أحد أهم أسباب انضمامي لجوجل في المقام الأول. فلم يكن الأمر يعود إلى اقتناعي بأنها شركة ناجحة، بل كل ما في الأمر أنني وجدت الشركة تثير اهتمامي، وكنت أشعر بالترقب لما ستأتي به الأيام.

وهذا ما حدث مع جيميل؛ فقد كان جزءًا من حماسي ينبع من ترقبي لما سيكون عليه رد فعل الآخرين. فأنا إلى حد ما من محبي الغموض والمجهول؛ إذ إنه ينطوي على قدر من التشويق والترقب والمغامرة، أليس كذلك؟ ويمكن للمرء تعلم الكثير حتى إذا لم تسر الأمور على ما يرام. ولكن ليس الجميع من محبي المغامرات. فالكثير من الناس في الواقع لا يحبون الغموض، فيما يبدو. وذلك في جميع جوانب الحياة.

ويحضرني الآن أني طرحت سؤالًا على بعض الأشخاص، طلبت منهم فيه أن يفترضوا أنهم يلعبون لعبة الروليت الروسية بمسدس به مليار ماسورة (أو أي عدد هائل من المواسير، أي إن احتمال أن يلقوا مصرعهم ضعيف للغاية) وسألتهم عن المبلغ الذي يودون الحصول عليه مقابل اللعب لجولة واحدة؟ وقد شعر البعض بالإهانة من السؤال وأجابوا بأنهم لن يقدموا على ذلك مهما كان الثمن. ولكنهم بالطبع يقدمون على ذلك كل يوم. فيقودون سياراتهم إلى العمل لجني المال ويجازفون طوال الوقت، لكنهم لا يحبون الاعتراف بأنهم يجازفون. فيحبون التظاهر بأن كل شيء يخلو من أي مجازفة.
ليفنجستون : ألم تكن محاولة اختبار فكرة أدسينس محل خلاف؟
بوكهايت : بلى، قطعًا. فلم تعجب أحدًا على الإطلاق. بل إن الكثير منهم قد غضبوا مني لأنهم لم يؤيدوا الفكرة من أساسها. لقد كانت فكرة سبق الحديث عنها واتفق الجميع على أنها لن تنجح وأنها ليست فكرة جيدة. لذا فقد انزعجوا إلى حد ما لأني أضعت وقتي.
ليفنجستون : لكنك نفذته في يوم واحد؟
بوكهايت : نعم، إلى حد بعيد.
ليفنجستون : وكانوا لا يزالون منزعجين؟
بوكهايت : اختلفت ردود الأفعال بدرجات مختلفة. فقد انزعج عدد قليل انطلاقًا من أن المشروع الجديد يصرف انتباهي عن المهمة الأساسية. واعترض آخرون لأن الفكرة نفسها كانت محل خلاف كبير، هذا إلى جانب أن الأمور لا تكون واضحة على الفور للمرء حين يسمع بفكرة معينة دون أن يجربها فعلًا.
ففي البداية، يبدو الأمر وكأنه ليس صوابًا. فقط لأنه غير مألوف تمامًا. لذا فإنه يتطلب بعض الاعتياد عليه. ولكن الناس اعتادوا عليه ثم تقبلوه.
ليفنجستون : معظم مؤسسي الشركات الناشئة يستعينون بمستثمرين يرجعون إليهم، ولكنك كنت ترجع إلى لاري وسيرجي. فما رأيك في تجربة اللجوء إليهما كمستثمرين يمولان المشروع؟
بوكهايت : أظن أن التجربة كانت مقبولة. ونظرًا لأنني لم يسبق لي التعامل مع مستثمرين آخرين من قبل، لذا فليس لديَّ فكرة كاملة عن الأمر، ولكنهما يتميزان بتقبل الأفكار الجريئة بدرجة تفوق أي شخص عرفته. فقد اعتدت أن أطلع الناس على أفكاري، فيشرحون لي أنني أعجز عن فهم طريقة سير الأمور، ويؤكدون أنني مخطئ في كل شيء. وأعتقد أنه من بين الأمور الرائعة في نظري — عندما أتيت إلى جوجل — أنها كانت المرة الأولى التي أطلع فيها الآخرين على أفكاري الجريئة فيقولون: «أوه، نعم، إنها جيدة. فقد خطرت لنا أفكار مشابهة.» وهكذا، فقد كانت الشركة بيئة تعج بالكثير ممن يتقبلون هذه الأفكار غير المعتادة، وهذا يصدق بالتحديد على لاري وسيرجي.
ليفنجستون : أي إنهما لا يميلان لتجنب المجازفة مثل الكثير من المستثمرين.
بوكهايت : من الواضح أنهما يضعان المجازفة وما إلى ذلك في الاعتبار، ولكنهما بالتأكيد يتميزان بالاستعداد لتقبل الأفكار المختلفة أو غير المتوقعة أكثر من غيرهما. وأعتقد حقًّا أن ذلك هو أسلوب تفكيرهما.
ليفنجستون : ما النصيحة التي تسديها لمن يعمل في إحدى الشركات الكبرى المتخصصة في التكنولوجيا (ولكنها تختلف عن جوجل من حيث تشجيع الأفكار الجديدة) إذا كانت لديه فكرة رائعة يرى أنها ستساعد الشركة؟
بوكهايت : هذا يعتمد على موقف هذا الشخص. ويعتمد على مدى ميله لتجنب المجازفة. وفي هذه الحالة ينبغي له أن يفكر في الذهاب والعمل في جوجل، أو تأسيس شركة أو الذهاب إلى مكان آخر يحصل فيه على تلك الفرصة. وإذا كان هذا الشخص لا يحتل مركزًا مرموقًا في الشركة ويحاول أن يغير ثقافة الشركة بالكامل فأشك في أنه يستطيع هذا. عندما كنت أغادر إنتل كان أحد المديرين هناك يحاول أن يقول لي: «إنك لست مضطرًّا للرحيل لتأسيس شركة جديدة. فتوجد فرص لتأسيس شركة جديدة داخل إنتل.»
ليفنجستون : عندما كنت تعمل لإنجاز مشروعك، هل كنت تعمل طوال الوقت؟ وهل بدت كشركة ناشئة؟
بوكهايت : نعم. كان لدينا فريق صغير تربط بينه علاقات قوية. لقد كانوا أذكياء بالفعل ومن الممتع العمل معهم. وأنا لست شخصًا يستطيع العمل صباحًا فكنت أعمل دائمًا مساءً. فكانت ساعات عملي المعتادة من بعد الظهيرة حتى الثالثة صباحًا. ومن الصعب أن يعود المرء إلى منزله عندما يعمل بالمساء لأنه يظل يعمل ويقرر أن يرحل بعد إضافة تحسين أخير. ثم يفاجأ أنها الثالثة صباحًا.
ليفنجستون : هل أثر هذا على علاقتك بزوجتك؟
بوكهايت : كلا، فإنه لم يكن شيئًا جديدًا. فأنا دائمًا هكذا ومن ثَم فقد كانت معتادة على هذا. وفي الواقع تغير الموقف كثيرًا الآن لأنني أراها كل يوم. ولكن كما قلت بالنسبة لمثل هذا الشخص فهذا يعتمد على موقفه هل بإمكانه تحمل المخاطرة والانضمام إلى شركة ناشئة أو الانتقال إلى مدينة جديدة إذا لم يكن يعيش في المكان المناسب. أما أنا فكنت غير متزوج في ذلك الوقت ولم يكن عليَّ قرض عقاري، لذا لم ترعبني فكرة الانضمام إلى شركة ناشئة قد تنهار في أي وقت. لأنني رأيت أنه حتى إذا لم تنجح جوجل، فإنها ستكون مرحلة تعليمية وسأتعلم شيئًا. وبصدق كنت واثقًا تمامًا من أن ألتا فيستا ستقضي على جوجل.
fig11
إصلاح إلكترونيات القرص الصلب في نموذج أولي من جيميل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤