الفصل الرابع عشر

مايك رامزي

مؤسس مشارك، شركة تيفو

أسس مايك رامزي وجيم بارتون شركة تيفو عام ١٩٩٧. وكانت خطتهم الأصلية هي إنشاء خادم شبكة للمنازل. وعندما أدركا أنه سيكون من الصعب إقناع المستهلكين بمدى احتياجهم له، قررا تضييق حدود الفكرة إلى مكوِّن واحد من الخطة الأصلية: وهو مسجل الفيديو الرقمي (دي في آر). وقد أطلقت النسخة الأولى عام ١٩٩٩.

وكانت تيفو رائدة من حيث إنها أخذت جميع المعلومات المتاحة على التليفزيون وأعطت المشاهد القدرة على التحكم بها. فمع جهاز تيفو، بإمكانك تخطي الإعلانات، وإيقاف بث التليفزيون المباشر، ووضع جدول لتسجيل كل حلقة من أحد المسلسلات، وجميع الأشياء المتوقع تنفيذها باستخدام البيانات. ولكن تلك السمات الجديدة أثارت الجدل في هوليوود. فقد أحست الشبكات التليفزيونية بالقلق من فقدان السيطرة على أساليب مشاهدة الناس للتليفزيون.

وأشعلت تيفو فتيل ثورة في الطريقة التي يشاهد بها الناس التليفزيون؛ إذ نجحت ببراعة في اجتياز الحدود الفاصلة بين ما يمكن تطبيقه بالتكنولوجيا وما يمكن أن يسمح به التنفيذيون العاملون في مجال التليفزيون. وعلى غرار جوجل، تحول المقابل الإنجليزي لتيفو إلى أحد الأفعال في اللغة الإنجليزية.

طرحت تيفو للاكتتاب العام عام ١٩٩٩. وترك رامزي منصبه رئيسًا تنفيذيًّا عام ٢٠٠٣، لكنه ظل رئيسًا لمجلس الإدارة.

***

ليفنجستون : لقد أتيت إلى الولايات المتحدة عندما كنت في منتصف العشرينيات من عمرك. ما الذي جاء بك إلى هنا؟ وهل كنت تخطط للبقاء هنا للفترة التي قضيتها هنا فعلًا؟
رامزي : جئت إلى هنا لأني كنت أعمل لدى إتش بي. إذ انضممت للعمل في إتش بي بعد الانتهاء من الدراسة على الفور. وكنت قد تلقيت تعليمي في اسكتلندا، وكان لديهم مصنع هناك. ولحسن الحظ، أتيحت لي فرصة القدوم إلى هنا مع إتش بي ومشاهدة المكان، وقد أحببته بشدة حتى إنني قررت أنا وزوجتي أن نأتي إلى هنا.
كان ذلك في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وكانت بريطانيا في حالة سيئة. فكان معدل التضخم آنذاك يتراوح بين ٢٥ و٣٠ بالمائة، وكانت الإضرابات تعم جميع أنحاء البلاد. وبمقاييس اليوم، كان الأمر فوضى عارمة. وقد تفتحت أعين الكثيرين — ولست أنا فقط — على الواقع المرير. وكان المكان هنا أشبه بفردوس للمتخصصين في مجال التكنولوجيا لذا شددنا الرحال إلى هنا. وقد حظيت بوظيفة رائعة في إتش بي، وقد انطلقت من هناك. لقد كنت أتبع الشعار الأمريكي الذي ينادي ﺑ «البحث عن فرصة أفضل».
ليفنجستون : ألم يتزامن ذلك تقريبًا مع بدء ثورة أجهزة الكمبيوتر الدقيقة؟
رامزي : كان ذلك في وقت مبكر للغاية. فلم تكن هناك أجهزة كمبيوتر شخصية. وكانت فكرة المعالج الدقيق لا تزال في بدايتها، وكان ٤ بت فقط، وكان ذلك آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا. ولم تكن التصميمات إلا مكونات مادية مخصصة، لذا كانت مختلفة تمامًا. وكنت أنا أعمل في تصميم الرقائق في ذلك الوقت. وكان ذلك المجال، آنذاك، من المجالات الجديدة التي تتطلب براعة متناهية. وقد كان في مقدمة المجالات المتطورة، لذا فقد شعرت أنه أكثر المجالات التي تشدني للعمل فيها.
وعندما تركت إتش بي في بداية الثمانينيات، ذهبت للعمل في شركة ناشئة يطلق عليها كونفرجنت تكنولوجيز. وقد تأسست هذه الشركة قبل ثورة الكمبيوتر الشخصي التي انطلقت في أثناء المرحلة التأسيسية للشركة. وكانت فكرة الشركة تقوم على تصنيع محطة عمل. وكانت فكرة وجود أنبوب أشعة مهبطية ووحدة معالجة مركزية ولوحة مفاتيح في جهاز واحد جديدة تمامًا. وكانت أجهزة الكمبيوتر في ذلك الوقت تُحفظ في غرف ولها أجهزة طرفية، وكان ابتكارهم يتضمن كل هذا في جهاز واحد. وقد شد الأمر انتباهي بشدة.

وفي ذلك الوقت طُرح جهاز كمبيوتر آي بي إم الشخصي. وأذكر أن الشركة بأكملها كانت تعمل باستخدام جهاز أبل ٢ واحد، ذلك الشيء الذي يشبه مثلثًا صغيرًا. ونظرًا لأنه كان ينفذ كل تلك العمليات للشركة، كان يسخن بشدة وكانت به مراوح تخرج منه. وكان يعد بمقاييس اليوم شيئًا عتيقًا، لكنه كان أيضًا يستحق الاهتمام حقًّا.

وكان أمثال بيل جيتس صغارًا في ذلك الوقت. فالكثير ممن أصبحوا اليوم من المشاهير كانوا في ذلك الوقت مهندسين شبابًا يحاولون التوصل إلى أفكار جيدة. ونجحوا في هذا. ولا داعي لإكمال الباقي فأنت تعرفينه.

لا شك أننا كنا نحظى بمكانة لا تضاهى، وكان ذلك إحساسًا ممتعًا. فكان المرء يشعر أنه أيًّا كان المجال الذي يعمل به، فإنه يحظى بأفضل الفرص، ويمكنه أن يذهب إلى أفضل الأماكن ويعمل مع أذكى الأشخاص. لقد كانوا يتمتعون بالحيوية والحماس، وساورني إحساس أن الفشل لا يمكن أن ينال منهم. وأنهم لا يعترفون بالمستحيل. ومن الناحية الثقافية كانت الأمور، في المملكة المتحدة، تخضع لمزيد من السيطرة، وكان الناس أكثر حذرًا بكثير.

وفي زيارة إلى هناك جرت مؤخرًا، أخذت أدرس مجموعة من شركات رءوس الأموال المخاطرة والشركات التي تستثمر فيها. فقد كان الفضول يدفعني لمعرفة الأسلوب المتبع في الشركة الناشئة العادية في اسكتلندا مقارنة بما يحدث هنا. فوجدت أنهم أكثر تحفظًا وحرصًا وذلك بحكم الأعراف والتقاليد. وإلى حد ما كانوا يفتقرون إلى الثقة بالنفس. أما هنا فالأمر مختلف … لقد عقدت اجتماعًا مؤخرًا مع شابين في أوائل العشرينيات من عمريهما قررا أن يتركا الدراسة بجامعة ستانفورد للعمل لأنهما شعرا بالملل، وهما يحاولان جمع النقود لتمويل شركتهما الناشئة. وهما يؤمنان بقدرتهما على تنفيذ هذه الفكرة، وأنه ليس هناك ما يمكن أن يمنعهما. وهما يتمتعان بالثقة بالنفس، فضلًا عن الحماس لتنفيذ ما عزما عليه، وهو أمر رائع في رأيي، وعلى الأرجح هذا من الأمور التي تنفرد بها هذه المنطقة من العالم. وكان الانتماء لهذا العالم طوال تلك الفترة الطويلة، بالنسبة لي، يبث في نفسي الحيوية والنشاط.
ليفنجستون : دعنا نعد بالزمن إلى المرحلة التي قررت فيها مشاركة جيم وتأسيس شركة تيفو.
رامزي : عملت لفترتين في إتش بي، وقابلت جيم أثناء الفترة الثانية. وكنا في ذلك الوقت بصدد تكوين فريق داخل الشركة ووظفنا مجموعة من العناصر التي تتمتع بالموهبة والكفاءة، وكان منهم جيم، وتوم جيرمولوك الذي انتقل لتأسيس شركة أت هوم. وأصبحنا جميعًا أصدقاء.
وبعد عام تقريبًا، أدركت أنني لا أستطيع العودة للعمل في شركة كبيرة، فهذا لم يكن سيفلح. وأتيحت لي فرصة العمل في إس جي آي، التي كان يصل عدد موظفيها في ذلك الوقت إلى بضع مئات. وكان مارك بيري (أحد الشركاء في إن إي إيه) قد انضم إليهم لتوه، وكان ديك كرامليتش عضوًا في مجلس الإدارة، لذا ذهبت إلى هناك ووجدت أنها أروع ما شاهدت في حياتي. فقد كانت التكنولوجيا التي يستخدمونها غير عادية. وأعجبني جيم كلارك. وكان الموظفون هناك في غاية الذكاء. ففي بعض الأحيان ينضم المرء إلى مكان معين ويدرك أنه المكان الذي يناسبه. ولا يضطر المرء لطرح أسئلة ما، بل يدرك ذلك بطريقة ما. وهذا هو ما شعرت به تجاه إس جي آي.

عندما قررت الانضمام إليهم، أخبرت تي جيه وجيم وآخرين، فقالوا: «رائع، متى نبدأ؟» وهكذا شهدت شركة إتش بي رحيلًا جماعيًّا.

وقد انتهى بنا المطاف في العمل في أقسام مختلفة من إس جي آي. ولم تتَحْ لنا الفرصة قط للعمل بالقرب بعضنا من بعض، ولكننا ظللنا على اتصال على المستوى الاجتماعي. ورحل جيم وأصبح اختصاصي تقنية مرموقًا في مجاله. وقد ابتكر أشياء في إس جي آي لم يتوصل إليها غيره. فتمكن من تشغيل نظام التشغيل يونكس في نظم معالجة متوازية. وتمكن من تشغيل يونكس في الزمن الفعلي. إذ كان لا بد من وجود أنظمة تعمل في الزمن الفعلي لتنفيذ الرسومات لأنه لا يمكن أن تتعطل برامج محاكاة الطيران من حين لآخر. لذا فقد ترك الشركة ونفذ هذه الأشياء وقد أُعجبت كثيرًا بما نفذه. وكنت أنفذ أشياء خاصة بمحطات العمل زهيدة التكلفة لإس جي آي. فكنت أقضي الوقت في استوديوهات السينما، بين المتخصصين في المؤثرات الخاصة وتعرفت على طاقم العمل بالكامل.

بدأ اهتمامي يزداد بما يمكننا تنفيذه بأجهزة الكمبيوتر في عالم الترفيه، وهي أشياء كنت أعتبرها بعيدة عن الملل لأن معظم تطبيقات الكمبيوتر مملة للغاية. فأصبحت مهتمًّا بكيفية استخدام التكنولوجيا المعتمدة على الكمبيوتر لتنفيذ أشياء مسلية للغاية ومختلفة تمامًا عما يمكن أن نتوقع استخدامها فيه.

أما جيم، من ناحية أخرى، وبصفته يتمتع بمعرفة واسعة في مجال التقنية، فبدأ يعمل لإنجاز نظام للفيديو حسب الطلب لحساب إس جي آي بالتعاون مع تيم وارنر. وكان ذلك في أورلاندو بولاية فلوريدا. وقد نفذوا أول نظام فيديو حسب الطلب وكان يطلق عليه «فول سيرفيس نتوورك». وكانت التجربة عبقرية من الناحية التقنية، ولكنها جعلته ينقلب ضد جميع المؤسسات الراسخة في عالم التليفزيون، مثل شركات بث القنوات بالاشتراك وشركات الأقمار الصناعية. فقد كان يرى أنها أشبه بالكيانات الاحتكارية وأننا نعود إلى الوراء. ولكنه أُعجب بهذا المجال نوعًا ما.

وهكذا كان جيم ينفذ هذا المشروع وترك إس جي آي وحاول أن يؤسس شركة. وبعد عام تقريبًا تركتُ أنا أيضًا الشركة، وبالصدفة تواصلنا. ولا أذكر حتى من منا اتصل بالآخر، ولكننا التقينا وخرجنا لتناول الغداء وناقشنا بضع أفكار. واتفقنا على أنه سيكون أمرًا مسليًّا أن نتعاون معًا لإنجاز بعض الأفكار، لأننا توقعنا أن نتناولها من زوايا مختلفة. وكنا نرجو أن نتمكن من ابتكار شيء له شأن. وربما كان بإمكاننا إنشاء شركة.

واتفقنا على أن هذه فكرة مناسبة، لذا ظللنا نخرج لتناول الغداء معًا ونتحدث عن الأمر. وكنا نستمتع كثيرًا بأوقات الغداء التي نقضيها معًا. وبدأنا نوجه تفكيرنا إلى استخدام التكنولوجيا المعتمدة على الكمبيوتر في الترفيه المنزلي. وكان ذلك آنذاك يعني الخوادم المنزلية والشبكات المنزلية. فكانت هناك إمكانية لتوصيل كل شيء بالشبكات المنزلية، وكان ذلك يسبق زمنه بعض الشيء، وهو ما أثار اهتمامنا.

وبعد فترة، وضعنا أفكارنا في عرض تقديمي. ولم يكن خطة مشروع، ولكن كان لدينا بعض الأفكار لما نود أن نقوم به. وجئنا إلى إن إي إيه، وأماكن أخرى وحاولنا بيعها. وقد طردنا معظمهم لأن النموذج المفضل لشركات رءوس الأموال المخاطرة كان — ولا يزال هكذا إلى حد ما حاليًّا، ولكنه كان هكذا قطعًا قبل عشر سنوات — يتمثل في تلك الشركات التي يأتي أصحابها ويقولون لهم: «لدينا هذه الفكرة. هذه هي السوق. وهذا هو الحجم. نريد خمسة ملايين دولار، وسنبدأ في تحقيق الربح منذ اليوم الأول. وسنمنحك نصف شركتنا.»

ولكننا ذهبنا إليهم وأخبرناهم أن الأمر مختلف في حالتنا. أولًا، إننا نعمل في مجال يخص المستهلك، وهو ما كان جديدًا. ثانيًا، كانت شركتنا شركة خدمات، لأننا في البداية كنا حريصين على تنفيذ الفكرة. وفي ذلك الوقت، لم تكن شركات رءوس الأموال المخاطرة بصفة عامة تستثمر نقودها في شركات الخدمات. ثالثًا، أخبرناهم أن المشروع يتطلب رأس مال هائل. وأضفنا أنه يمكنهم دفع مبلغ قليل في البداية، ولكن المشروع سيتطلب المزيد من النقود. أي إنه كان هناك ثلاثة عوامل ضدنا لذا نفر الجميع منا. الوحيدان اللذان لم ينفرا منا هما ستيوارت ألسوب من إن إي إيه وجيف يانج من ريد بوينت.
ليفنجستون : لماذا في رأيك كان تفكيرهما مختلفًا؟
رامزي : جيف أخبرني أنه كان مهتمًّا بهذا المجال، وكان يريد تنفيذ مشروع فيه، لكنه لم يرَ أي شركات لديها أفكار. فتقدمنا نحن، ورأى أن هذه فرصة رائعة. ووجد أنه لديه شخصين على الأرجح يمكنهما إدارة شركة ولديهما فكرة مبتكرة يمكنهما تنفيذها. لذا أثارت الفكرة حماسته.
أما ستيوارت فهو رجل له رؤية مستقبلية. ويتميز بتحمس شديد لهذا المجال. ومن ثَم كان من المنطقي أن يكون ذلك موقفه. فهو يبحث عن شركات تحاول أن تبتكر شيئًا جديدًا وتنفذ شيئًا مختلفًا تمامًا. فهذا الأمر يناسبه عاطفيًّا. ولم يكن أي منهما يفكر في المبالغ التي من المتوقع أن نربحها. أو مدى استعداد السوق لذلك. وبالطبع لم يكونا يفكران في ما إذا كنا سننتهك حقوق النشر والتأليف مما قد يعرضنا لقيام الآخرين برفع دعاوى قضائية ضدنا، أو أي من تلك الأمور التي كانت تهددنا. كل ما فكرا فيه كان الآتي: «إن لديهما فكرة رائعة. من يدري إذا كانت ستنجح أم لا، ولكننا سنمنحهما بعض الأموال ثم ننتظر النتيجة.»
ليفنجستون : لم تكن فكرتكما الأصلية مسجل فيديو رقمي فحسب، أليس كذلك؟
رامزي : كلا. كانت فكرة شبكة الخادم المنزلي، تلك الفكرة البراقة. وفي الواقع حصلنا على التمويل على أساس هذه الفكرة. وعندما بدأنا العمل في تلك التقنية، أدركنا أن فكرة تكنولوجيا الشبكات لم تصل إلى مرحلة النضج بعد. ففكرة الخادم جيدة، ولكن كيف السبيل لشرحها للمستخدم العادي؟ وسرعان ما أدركنا أنه سيكون من الصعب تسويق هذا المنتج وتنفيذه على المستوى التكنولوجي.
وفي ذلك الوقت، كان ذلك الخادم له الكثير من التطبيقات التي تأملناها، وكان أحدها مسجل الفيديو الرقمي. واكتشفنا أننا لا نستطيع تنفيذ كل شيء، لذا قررنا تصميم خادم بسيط يستند على تكنولوجيا زهيدة التكلفة. وفكرنا في تحديد تطبيق معين نرى أنه سيكون التطبيق الأساسي ونعمل لإنجازه. وقررنا أن ننفذ هذا، فإذا نجحت الفكرة نوسع نشاطنا. وقررنا أن نصرف النظر عن فكرة الشبكة، ومساحات التخزين الهائلة والتكلفة العالية ونماذج المكونات المادية وكل ذلك.

ورأينا أن فكرة مسجل الفيديو الرقمي — وكنا نطلق عليه في ذلك الوقت بي في آر، أو التليفزيون الشخصي أو شيئًا من هذا القبيل — ستكون فكرة رائعة. وقد أثار الجهاز إعجابنا؛ لأنه فور تأمل الفكرة على حقيقتها تدركين أنه يمثل مشكلة تقنية صعبة للغاية. ولما كان المنتج من المنتجات الاستهلاكية التي تعتمد على التليفزيون، كان لا بد أن يكون منتجًا يُعتمَد عليه ويخلو من العيوب. وعلى الفور انتقل جيم إلى التفكير بالأسلوب القائم على سؤال يقول: «كيف نتمكن من إنجاح هذه الفكرة؟» وبدأ يفكر في الأمر ويستجمع كل خبرته في نظام تشغيل يونكس الذي يعمل في الزمن الفعلي والفيديو حسب الطلب، وأعجبتنا الفكرة. فانطلقنا لتنفيذها.

وعدنا إلى أصحاب رءوس الأموال المخاطرة وشكرناهم بشدة على التمويل. وأخبرناهم أننا غيرنا رأينا وأطلعناهم على ما ننوي تنفيذه والمبررات التي نستند إليها في تحمسنا للفكرة. فقالوا إن هذه الفكرة تشبه مسجل أشرطة الفيديو. (وكلما كرر أحد هذا أمامي أفقد أعصابي تمامًا.) لذا كان علينا تحمل عبء شرح أنه ليس مسجل أشرطة فيديو. فهو أكثر تطورًا ومزود بقرص صلب، ولهذا يمكن للمستخدم أن يسجل ويعيد العرض في الوقت نفسه، ويقوم بأشياء رائعة مثل الإيقاف المؤقت للبث المباشر في التليفزيون وغير ذلك.

وبعد ذلك وظفنا أشخاصًا للعمل معنا وكانوا يتميزون بروح الابتكار بدرجة عالية، واهتموا بواجهة الاستخدام وبالتوصل لطريقة لتشغيلها داخل الشركة. وفي غضون فترة زمنية قصيرة للغاية — تقريبًا ستة أشهر منذ أن بدأنا — أصبح لدينا فريق متكامل يتكوَّن من أشخاص يعملون جميعًا لإنجاز هذا الأمر من جوانب مختلفة.

ومن بين الأمور التي شغلتني وأنا أقدم على تأسيس شركة هي … أن المرء الذي تكون لديه خبرة في العمل في مجال التكنولوجيا المتقدمة يميل للعمل في الشركات التي تستخدم التكنولوجيا الحديثة. فإذا عدتِ إلى الوراء بالتاريخ إلى المراحل المختلفة لتطور التكنولوجيا، ستجدين أن هناك أمورًا كانت تشهد رواجًا كبيرًا وكانت تجتذب أفضل العناصر البشرية. وبالطبع طوال فترة عملي في إس جي آي، كان أفضل شيء هو يونكس. وكانت أفضل العناصر من العاملين ترغب في العمل على يونكس. إذ كان بمنزلة اللعبة المفضلة التي يمكنهم الابتكار فيها وحل المشكلات الصعبة. وكان ذلك هو اختيارهم المفضل. لذا فإن الشركات التي كانت تستخدم يونكس، مثل صن وإس جي آي وغيرهما اجتذبت العناصر الممتازة ومن ثَم أنجزوا أعمالًا رائعة.

فقلت في نفسي: «سأعمل على تأسيس شركة متخصصة في المنتجات الاستهلاكية. وسيكون المنتج صندوقًا صغيرًا لا يتكلَّف أكثر من ٢٠٠ أو ٣٠٠ دولار. وسيقوم بوظيفة بسيطة للغاية. ويعمل بجهاز تحكم عن بُعد. فهل ذلك سيكفي لجذب أذكى العناصر؟ فأنا لا أريد أن أدير شركة بها مجموعة هندسية من الدرجة الثانية. بل أريد أن أدير شركة بها مهندسون من الطراز الأول.» لذا كنت قلقًا بشأن ذلك.

ثم وظَّف جيم شابًّا سبق له التعرف عليه في إس جي آي، وكان عبقريًّا حقًّا. وكان توظيفه أول عملية توظيف أساسية. وبدأنا ندرك أن العملية صعبة جدًّا من حيث التفاصيل، وحين اخترنا مجموعة من المهندسين المحترفين وانضموا إلينا، بدأنا نشرح لهم الأمر تدريجيًّا، فكانوا يدركون مدى تعقيد الأمر. ويقررون الالتحاق بالعمل معنا.

أظن أن شركة تيفو أصبحت أول شركة — في هذا المجال بالطبع — تقدم فرصة رائعة جديدة تناسب هؤلاء المتميزين. ولم يكن عملها له أي علاقة بنظام التشغيل يونكس مع أنه كان نظامًا يعتمد على لينوكس. إنما كان يرتبط بابتكار نظام متكامل يجمع بين الأداء المتميز والتكلفة المنخفضة. وكان التحدي هو إخفاء هذه التكنولوجيا عن العاملين بالشركة. فعندما تستخدمينه، لا يخطر لك على الإطلاق أنه ابتكار مهم. بل تظنين أنه ليس إلا جهاز تحكم عن بُعد.

وأظن أن هذا أطلق العنان لخيال العاملين في الشركة. وبدءُوا يعربون عن رغبتهم في العمل لإنجاز هذا الجهاز. فقد شد الأمر اهتمامهم.
ليفنجستون : أيمكنك أن تطلعني على أكبر التحديات التقنية التي واجهتكم؟
رامزي : مع أن فكرة حفظ بيانات الفيديو على قرص كانت من الأفكار التي طُرحت من قبلُ، كانت فكرة تصنيع منتج للمستهلك يستخدم قرصًا لحفظ الفيديو فكرة جديدة تمامًا لأنها كانت مكلفة للغاية في ذلك الوقت. وكان علينا أن نراهن على احتمال انخفاض السعر بسرعة بما يتيح لنا أن نقدمه كمنتج استهلاكي، وفي البداية، كان لذلك الجهاز قدرة على التسجيل لأربع عشرة ساعة وكنا نعتزم بيعه مقابل ألف دولار. فمن الأفضل أن نبدأ بداية قوية، أليس كذلك؟
ولكن ما إن قررنا ذلك، حتى ظهر أن أهم ما في الأمر هو كيفية استخدام القرص. فالقرص يتميز بإمكانية الوصول السريع للبيانات. إنه ليس مثل أجهزة تسجيل أشرطة الفيديو، التي لا تتيح لك سوى تسجيل مواد عليها فحسب، وفور التسجيل، يمكنك مشاهدة ما جرى تسجيله؛ فلا يمكنك تنفيذ أكثر من مهمة واحدة في الوقت نفسه. أما الجهاز المزود بقرص — لأنه جهاز مزود بخاصية الوصول العشوائي ورأس القراءة الصغيرة تتحرك بسرعة كبيرة — فيتيح لك إمكانية الإيهام بتنفيذ أكثر من مهمة في الوقت نفسه، وهكذا يمكنك التسجيل والمشاهدة في الوقت نفسه.

وكانت السمة الأساسية تتمثل في إمكانية التسجيل والمشاهدة في الوقت نفسه والإيقاف المؤقت والتقديم السريع والإعادة إلى الوراء وغير ذلك، بكفاءة وبتكلفة زهيدة. وفي الواقع، أصبحت الفكرة التي يقوم عليها تنفيذ الجهاز باستخدام جهاز يسمى محول الوسائط، بالإضافة إلى التحكم في ذلك الكم من البيانات، جزءًا من براءة اختراع خاصية التواء الزمن، التي كانت من بين أهم براءات الاختراع التي حصلنا عليها.

وكانت تلك من أولى طلبات تسجيل براءة الاختراع التي قدمناها. وكان التوصل إلى تقنية تسجيل الفيديو وإعادته في الوقت نفسه بتكلفة منخفضة للغاية وأداء عالٍ مهمة صعبة وغير مسبوقة على الإطلاق. وربما يكون هناك من سبق له تصميم نظام تحرير فيديو متطور وهائل يكلف مليون دولار يؤدي نفس الوظيفة، ولكن قطعًا لم ينفذه أحد بتكلفة بضع مئات من الدولارات، وكان ذلك يمثل طفرة كبيرة.

أما براءة الاختراع الثانية فكانت عن خاصية التحكم في بيانات دليل البرامج لتشغيل الجهاز. وقبل ذلك — وإلى اليوم إلى حد ما — كانت بيانات دليل البرامج تنتجها شركات تخصص عشرات الموظفين تكون مهمتهم تصفح الجرائد والاتصال بمحطات التليفزيون. وهي مهمة يدوية بالكامل قوامها كتابة مواعيد بث البرامج بالإضافة لوصف لتلك البرامج. إنها مهمة مرهقة، ولكن أظن أن الكثير مما ذكرته لا يزال يتم حاليًّا. إنها مهمة تتطلب مجهودًا هائلًا. إذ تبني الشركات قاعدة بيانات من كل ذلك ثم تبيعها للصحف والمجلات، وبذلك عندما تفتحين جريدة تتمكنين من معرفة البرامج التي ستذاع ومواعيدها.

فتأملنا فكرة قاعدة البيانات وفكرنا في مدى دقتها. فإذا كانت تفتقر للدقة بعض الشيء، لا يكون الأمر خطيرًا، أما إذا كانت قاعدة البيانات تُستخدم لتشغيل جهاز مسجل الفيديو الرقمي، وتطلبين مشاهدة مسلسل معين، فلن تقبلي فشله في تلبية طلبك. ومن ثَم يجب أن تكون تلك البيانات دقيقة. فذهبنا إلى شركة تريبيون ميديا سيرفيسز، وطلبنا منهم السماح لنا باستخدام بياناتهم لهذا الغرض.

وهكذا بدأنا نستخدم بيانات دليل البرامج التي أعددوها، وكان علينا التلاعب بها والتوصل إلى نقاط ضعفها وتغييرها وتعديلها وتهيئتها لتناسب الغرض المراد استخدامها فيه. ثم تحتم علينا تجربتها، وقد كانت التجربة متهورة وجريئة. فقد كانت قاعدة البيانات بها أخطاء ولم يكن من المتوقع أن ننجح في الاستفادة منها. ولكننا ظللنا نعمل باجتهاد عليها، إلى أن أصبحت يمكن الاعتماد عليها، ومتاحة للتنزيل من الإنترنت ويمكن استخدامها بنجاح. ويمكن تشغيل جهاز مسجل الفيديو الرقمي باستخدامها. ولم يسبق تنفيذ هذه الفكرة على الإطلاق. فلم تخطر لأحد من قبل. لقد كانت فكرة جديدة تمامًا.

أذكر أنني شكوت لفريق العمل ذات مرة من أنه لم يكن أمامنا إلا ستة أشهر على طرح المنتج دون أن نسجل شيئًا بعد. واقترحت عليهم أن نجرب إمكانية التسجيل. فقالوا جميعًا: «كلا. هذا أمر سهل. وليس أصعب ما في الأمر. أصعب ما في الأمر هو إمكانية الإيقاف المؤقت وما شابه ذلك.» فأخبرتهم أنني أعلم هذا ولكن إذا جربنا وسجلنا شيئًا، فمن المحتمل ألا يعمل الجهاز، ومن ثَم سنستفيد من التجربة الكثير. وفي النهاية أقنعتهم بتسجيل شيء، وبالطبع انهار كل شيء، واضطررنا في النهاية لبذل جهود مرتجلة لتشغيله.

وكانت فكرة تشغيل الجهاز اعتمادًا على بيانات دليل البرامج جديدة تمامًا. ثم كان علينا أن نفكر في طريقة إتاحة الخدمة. فيمكنك اليوم تشغيل جهاز التليفزيون والحصول على دليل البرامج. فهو يأتي عبر إشارة الإرسال التليفزيوني. ففكرنا في إتاحة الخدمة بنفس تلك الطريقة. ثم أدركنا أنه غير متاح على كل إشارات الإرسال التليفزيوني، كما لم يكن متوافرًا إلا قدر معين من التغطية.

لذا قررنا في النهاية توفير الخدمة عبر خط الهاتف. وكان علينا تركيب مودم في ذلك الجهاز وإجراء اتصال عن طريقه، على أن يكون هناك خادم على الطرف الآخر يحتوي على تلك البيانات. وسيعمل المودم على إخبار الخادم بأن الاتصال مثلًا في منطقة رقمها البريدي ٩٤٠٢٢، وأنه يستقبل خدمة البث التليفزيوني بنظام الاشتراك من شركة كومكاست وأن لديه الخدمة الأساسية، ويطلب إرسال دليل البرامج المخصص لهذا. وكانت الأنظمة المتوافرة تختلف من فرد لآخر. فكان هناك ما يقرب من ٦٥ ألف تركيبة مختلفة من أدلة البرامج كان علينا أن نفحصها بعناية حتى يحصل كل مستخدم بالضبط على ما يريد وما يتوافق بالضبط مع خدمة البث التليفزيوني الخاصة به.

وكان علينا أن نصمم هذا النظام بطريقة تحول دون إمكانية اختراقه. فقد كنا نريد ضمان عدم دخول أحد إليه وسرقة برامج التليفزيون الخاصة بالمستخدمين، أو — ربما ما هو أكثر أهمية — ضمان عدم دخول أحد واطلاعه على ما يشاهدون في التليفزيون، لأن الكثيرين لا يروق لهم أن يعرف أحد ما يشاهدونه. فهذا شأنهم وحدهم. لذا كان علينا أن نجعله آمنًا وقويًّا بشدة. فصنعنا مجموعة من الخوادم الآمنة التي تعمل في الخلفية والتي يمكن الاعتماد عليها — والتي قد صممناها من الصفر — ولم يسبق لأحد تنفيذ ذلك في مثل هذه البيئة. وكانت مثل هذه الأشياء جديدة تمامًا في ذلك الوقت، وحتى عندما طرحنا جهاز تيفو في الأسواق، تعامل معها معظم المستخدمين على أنها شيء مسلم به. فكانوا ينقرون على زر تشغيل الجهاز، ويحصلون على ما يريدون، بينما يقوم الجهاز بمهام معقدة في الخلفية لا يشعرون هم بها.

وكنا نتمنى أن يحالفنا التوفيق. وأذكر أنه ذات مرة تعطل الجهاز، وكان علينا التدخل وتغيير أجهزة مسجل الفيديو الرقمي الخاصة بالمستخدمين. وقد حدث هذا في وقت مبكر للغاية من عمر الشركة. وقد استجبنا وتعاملنا مع الموقف على الفور، ولم يكد عملاؤنا يشعرون بالأمر، إذ تمكنا من إعادة تشغيل الجهاز مرة أخرى. وبعد ذلك، نظر بعضنا إلى بعض وحمدنا الله على أن هذا حدث في ذلك الوقت وليس بعد خمس سنوات. ثم نفذنا بعض الإجراءات التي من شأنها ضمان عدم تمكن أحد من إرسال بيانات للجهاز تتسبب في تعطله. وذلك نظرًا لوجود ٤٫٥ مليون جهاز تيفو في السوق، فإذا كان هناك برنامج ما تشوبه شائبة وجرى تثبيت هذا البرنامج في جميع أجهزة تيفو، فتسبب في تعطلها، فسنصبح في ورطة. لذا كان علينا أن نضمن الحيلولة دون حدوث ذلك.

ومن بين الأشياء التي نفذناها أيضًا كان وصلة اتصال سري بين الجهاز لدى المستخدم والشركة. وكان يشبه التحكم في الأقمار الصناعية التي تدور حول المريخ. فلا يتاح لك إلا نقل كمية محددة من المعلومات إلى الأجهزة، وإذا لم تعمل بالطريقة الصحيحة، فعليها أن تنتقل إلى وضع آمن. وهكذا صممنا تيفو بحيث يمكنه الانتقال للعمل في الوضع الآمن، حيث سيتجاهل كل شيء، وسيعيد الاتصال مرة أخرى بالشركة ويخبرها بما حدث له. وعندما نتصل نحن بهذا الجهاز، كنا نعيد تنزيل البرنامج حتى يعود للعمل مرة أخرى. وحاليًّا تستطيع هذه الإمكانية التعامل مع ٤٫٥ مليون مستخدم، ولكن علينا التوسع ليزيد العدد إلى ١٠ أو ٢٠ مليون مستخدم. وطرحنا جميع تلك الأجهزة المزودة بنظام شديد التعقيد، وجرى توزيعها على نطاق واسع للغاية. لذا عندما تسمعين من يقول لك إنه يشبه جهاز تسجيل أشرطة الفيديو، لا يسعك إلا الانقضاض عليه.
ليفنجستون : متى أصبح لديكم مستخدمون؟ لقد جمعتم أول جولة من التمويل عام ١٩٩٧، ثم ركزتم على تنفيذ خطتكم. ثم حصلتم على المزيد من الأموال، أليس كذلك؟
رامزي : لقد جمعنا المزيد من الأموال. وتمكنا من تنفيذ أول جولة من الحصول على تمويل بفضل جيف وستيوارت واهتمامهما بالمشروع، ولكنه لم يكن مبلغًا ضخمًا. الجولة الثانية كانت أصعب بكثير، لأننا كنا نريد زيادة في تقدير قيمة الشركة وكنا نريد الاستعانة بالمزيد من المستثمرين. لقد كانت جولة صعبة للغاية. لا أذكر جميع الأرقام التي جمعناها، ولكن بلغ إجمالي أول جولتين من التمويل على الأرجح ١٠ أو ١٥ مليون دولار. وهو ليس مبلغًا ضخمًا.
أما بخصوص الجولة الثالثة، فأعتقد أن بول ألين انضم إلينا؛ أظن أن هذا حدث إما في الجولة الثالثة أو الرابعة. انضم بول ألين وشركته فولكان واستثمر مبلغًا كبيرًا من النقود. وتعتبر فترة انضمام فولكان إلينا من الفترات المزدهرة التي شهدتها شركتنا. إذ بدأت الشركات الإعلامية في ذلك الوقت تبدي اهتمامها بنا. فجمعنا مبالغ مالية طائلة من أصحاب استوديوهات السينما الكبرى والجهات المالكة للمحتوى قبل الطرح الأولي العام للشركة. وبعد ذلك حدث الطرح الأولي العام وحصلنا على استثمار من شركة إيه أو إل بمبلغ ٢٠٠ مليون دولار. وقمنا بمجموعة من الجولات الأخرى، وإذا جمعنا كل ذلك منذ ذلك الوقت حتى الآن، يصل المبلغ الذي جمعناه إلى نصف مليار دولار. أي إننا بدأنا جمع الأموال منذ اليوم الأول.

وفي مرحلة ما من كل ذلك، اخترنا ديف كورتني ليتولى منصب المسئول المالي، وأظن أنه كان من أهم المكاسب لشركتنا. وفي الحقيقة، لم يكن قد سبق لديف العمل مسئولًا ماليًّا من قبل، بل كان يعمل مصرفي استثمار. ورأيت أنه مع أن الجانب المرتبط بالمحاسبة من عمل المسئول المالي شديد الأهمية، فإن الجانب المتعلق بالحصول على تمويل يتسم بالصعوبة الشديدة ويتطلب خبرة متخصصة للغاية. ففكرت أن نوظف شخصًا بارعًا في هذا المجال. وهكذا وجدنا ديف، وانضم للعمل معنا. وقد كان مستمتعًا وهو يجمع لنا تلك الأموال، وقد ساعدنا في النجاح في الطرح الأولي العام.

وفي رأيي أن الازدهار الذي تشهده تيفو اليوم يعود — من بين أسباب أخرى — إلى أننا بدأنا برأس مال جيد. وتمكنا من اجتياز فترة الانكماش الاقتصادي بأمان، وهي الفترة الأولى من عام ٢٠٠٠ عندما انتهى أمر شركة ريبلاي. لقد كان رأس مال شركتنا جيدًا بما يكفي لنتمكن من اجتياز ذلك الموقف. ومع أننا اضطررنا لإدخال بعض التعديلات على الشركة، فلم نشك قط في قدرتنا على الاستمرار. فكنا على ثقة في هذا.
ليفنجستون : أخبرني عن عملية الإطلاق والمستخدمين الأوائل.
رامزي : أطلقنا المنتج في نهاية مارس عام ١٩٩٩. وكان آخر يوم في شهر مارس فأطلقنا عليه «حدث اكتمال القمر مرتين». فقد اكتمل القمر في ذلك الشهر مرتين. ونظرًا لمدى أهمية هذا الحدث — وهو طرح أول منتج لنا — أعلنا أنه إجازة رسمية للشركة. ولا يزال إجازة حتى اليوم.
كنَّا نصنع الجهاز عن طريق جهة تصنيع خارجية تقع في ميلبيتاس، وأخذنا الشركة بأكملها إلى هناك وارتدينا جميعًا سترات زرقاء قصيرة وقبعات ورأيناهم وهم يصنعون أجهزة تيفو. وكان ذلك الاحتفال ممتعًا.

وقبل ذلك، سبق لنا طرح وحدات مختارة معينة. وكان ذلك في شهر يناير السابق، أي قبل ذلك بثلاثة أشهر، وكنا قد أطلقنا الجهاز في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية، لذا كان لدى الناس دراية بشركتنا. وكنا في خضم خلاف محتدم مع شركة ريبلاي التي كانت تزعم أنها هي الرائدة في هذا المجال، في حين أننا كنا الرائدين. فنحن الذين أنتجنا المنتج وأطلقناه أولًا.

وكانت هناك مجموعة من مستخدمي النسخة بيتا قبل ذلك، ومنهم جيف وستيوارت وبالطبع انهارت هذه النسخ ولم تسجل البرامج كما ينبغي ولم يكن أداؤها جيدًا. وظلت تعيد التحميل. وقد شعرنا بالقلق بعض الشيء حين أعطينا أعضاء مجلس الإدارة أجهزة تيفو، ولكننا نجحنا في التعامل مع ذلك.

وأبرمنا اتفاقًا مع شركة فيليبس، تطرح بموجبه الجهاز عبر نظام التوزيع بالتجزئة الخاص بها. قد حالفنا الحظ لأن فكرة إفساد شركة ناشئة صغيرة صناعة الإعلام قد راقت للصحافة، وكذلك راق لهم أننا كنا منشغلين في معركة مع ريبلاي. وحصلنا على قدر كبير من الشهرة. إذ أصبحت تيفو معروفة لدى الناس قبل طرح المنتج بوقت طويل. وهكذا بدأنا نبيعه وسارت الأمور على ما يرام.

وكان أمامنا الكثير لنتعلمه. أذكر أنه في إحدى الإجازات الأسبوعية، اصطحبنا كل العاملين في الشركة وكان يصل عددهم في ذلك الوقت إلى ٦٠ موظفًا، وقسمناهم إلى فئات وذهبنا إلى جميع فروع متجر فرايز في منطقة خليج سان فرانسيسكو لأن الجهاز كان يباع هناك. وأقمنا أركانًا مخصصة للعروض التجريبية وكان الموظفون يتولون تقديمها. وكان ذلك رائعًا لأنه لم يكن لدى أحد منهم خبرة في البيع في محلات التجزئة. وهكذا بدأنا نقوم بكل ذلك وبدأ الأمر يحقق نجاحًا. وكان ذلك في نهاية مارس. وبحلول شهر أغسطس/سبتمبر كنا قد بعنا ما يقرب من ١٨ ألف وحدة وكنا في طريقنا للقيام بالطرح الأولي العام.

لم يكن عدد المبيعات كبيرًا، وكنا نركب أمواج فقاعة الإنترنت التي كانت على وشك أن تنفجر. فقد بدأنا في سبتمبر لعام ١٩٩٩، وتمكنا من إصدار الطرح الأولي العام، وكان عدد المكتتبين أكثر من المطلوب وارتفع تقييم الشركة إلى مليارات الدولارات، وكان يُخَيَّل إلينا أننا في حلم.

وفي غضون تلك الفترة، عقدنا صفقة مع سوني وصفقة مهمة مع دايركت تي في. وبدأنا نمدها بأجهزة تيفو. وأصبحت هذه الصفقة ذات أهمية كبيرة للشركة ولا تزال حتى اليوم. وهكذا بدأنا نتوسع ونعقد صفقات شراكة مختلفة، وتتابعت الخطوات، إلى أن كبرت الشركة.

كان الجميع يشتكون من أن الشركة لا تنمو بسرعة كافية، ويتساءلون عن سبب عدم تحقيق نجاح كبير، لما كان المنتج رائعًا. ولكننا كنا نتقاضى ٥٠٠ أو ٦٠٠ دولار على الجهاز، وكنت أنا راضيًا عما كنا نحققه مع الأخذ في الاعتبار أننا في البداية كنا نريد أن ننفذ ذلك الخادم الضخم، ثم اختزلنا الفكرة إلى جهاز مسجل فيديو رقمي. وكنت أظن أننا سنبيع بضعة آلاف وحدة منه، ثم ننتقل إلى تنفيذ الفكرة الأساسية. ولكن ذلك الجهاز تمكن من تحقيق مكانة جيدة في السوق. وأعجب المستخدمين وأصبحنا نتلقى ردود فعل رائعة.

وكان مثيرًا للاهتمام بسبب الكتابات الصحفية التي تناولته بالتحليل … إذ كانت تنقسم إلى فئتين: الصحافة المتخصصة في التكنولوجيا — مثل مقالات والت موسبيرج — التي هاجمته لأنه لم يكن يتسم بمواصفات تلبي احتياجات المتخصصين في الإلكترونيات من وجهة نظرهم؛ والصحافة المهتمة بشئون المستهلك التي أشادت به لأنه كان لطيفًا وبسيطًا.

لا أستطيع أن أصف لكِ كم كانت المقالات النقدية السيئة تترك تأثيرًا سلبيًّا علينا. لقد كان جميع من يعملون في الشركة يعانون أشد المعاناة حين تُنشر مقالة نقدية تهاجم تيفو. وكنا نشعر بالارتباك. ولا ندري كيف نواجه الموقف. وكان الموقف يمثل تجربة عصيبة للشركة بأكملها. وعندما بدأت تُنشر كتابات عديدة تتناول الجهاز، اتضح أنه راق للبعض ولم يرَقْ للبعض الآخر. ولكنه — في المحصلة النهائية — كان يبلي بلاءً حسنًا.
ليفنجستون : دعنا نعد إلى العملاء الأوائل، هل فوجئت بأنهم يقبلون على سمات معينة عندما بدءُوا استخدام الجهاز؟
رامزي : أكثر ما أثار إعجابهم هو إمكانية إيقاف البث المباشر. كان هذا ما استحوذ على اهتمامهم. فعندما كنا نخبر أحدًا أنه يفعل كذا وكذا وكذا ويمكنه إيقاف البث المباشر، نجده ينظر إلينا مشدوهًا ويستوقفنا قائلًا: «انتظر لحظة. إيقاف البث المباشر؟ كيف تفعلون هذا؟» فنخبره أننا من الناحية التقنية نفعله بكذا وكذا. فلا يصدق ويقول: «هذا غير ممكن. لا يمكن إيقاف البث المباشر! إنه مباشر!»
ولم نتمكن من تقريب الأمر للناس. وكنا نشرح لهم أن هذا لا يعني أن الممثلين توقفوا للاستراحة أو شيء من هذا القبيل. ونوضح أننا نوقف البث المباشر. ثم نريه لهم، وأصبحنا نتقن هذا بعد مرور بعض الوقت، وكنا نفاجئهم بهذا ونوقف البث المباشر، فكانوا يقولون بانبهار: «مذهل. لم أتصور قط أن هذا قد يكون ممكنًا.»

وهكذا كان هذا من أهم العوامل المحفزة. وما إن استوعب الناس الفكرة، حتى أدركوا أنها شيء مختلف تمامًا.

ومن الأشياء الأخرى التي نالت إعجاب الناس — ولا أذكر ما إذا كان ذلك يرجع إلى أننا نفذناها وأعجبتهم أم لأنهم كانوا يريدونها ونفذناها نحن — سمة تسجيل الموسم أو قائمة الرغبات حيث تكون هناك إمكانية لتحديد شيء؛ مجرد معلومة صغيرة للغاية تقول: «أريد كذا …» وتحصلين عليه طوال حياتك. لذا إذا أردت مشاهدة مسلسل معين كل أسبوع يمكنك ضبط سمة تسجيل الموسم وستتولى هي البحث عن المسلسل في كل مرة يُعرض فيها. وهي سمة ذكية بما يكفي كي لا تسجل أي إعادة فتحصلين على الحلقات المطلوبة فقط. كما أنها ذكية بما يكفي للتأقلم مع تغيرات الزمن ومدد العرض. لذا إذا كانت الحلقة الأخيرة في أحد المواسم تستمر لساعتين، فسيكتشف جهاز تيفو هذا تلقائيًّا. وقد أُعجب المستخدمون كثيرًا بفكرة إمكانية ضبط هذه السمة ثم نسيان أمرها فيما بعد. وقد أضفنا سمة قائمة الرغبات التي تتيح للمستخدم أن يطلب من الجهاز جميع أفلام مخرج معين أو ما شابه. أفلام رعاة البقر من بطولة كلينت إيستوود مثلًا. وقد أُعجب المستخدمون إعجابًا شديدًا بهاتين السمتين، وبمرور الوقت أصبح من الواضح أن الجهاز شيء جديد ومختلف تمامًا.
ليفنجستون : حدثني قليلًا عن المرات التي ساورك القلق فيها من المنافسين.
رامزي : كانت منافستنا مع ريبلاي خير مثال على هذا. فكانت الشركتان تسيران على مسارين متوازيين، ولم نتمكن من فهم كيف تمكنَّا من السير على طريقين متوازيين.
ظللنا نسمع شائعات عنهم، وأنا واثق أنهم سمعوا شائعات عنا. وقد خرجوا بمنتج مختلف تمامًا. كان منتجهم يناسب المتخصصين في الإلكترونيات والتكنولوجيا أكثر. ولم يفرضوا سداد رسوم شهرية؛ إذ ينتهي الأمر بشراء الجهاز. وكانوا يتسمون بعدوانية بالغة. فكنا نحن نلتزم بالقواعد السليمة، بينما لم يتورعوا هم عن ارتكاب أحط الأفعال في محاولة لمنافستنا.

وفي ذلك الوقت، كانت الصحافة تجري مقابلات معي ومع رئيسهم التنفيذي وكانوا يلتقطون صورًا لنا ونحن نتبارز بأجهزة التحكم عن بعد. أي إننا كنا نعرف أولئك الأشخاص ولم تكن بيننا ضغائن، ولكن كانت بيننا منافسة شديدة. وكان هدفنا هو إبعادهم عنَّا وعن مجال عملنا. ولم نكن نفكر من منطلق أن هناك متسعًا للجميع في السوق. بل من منطلق ضرورة القضاء عليهم. فهم أعداؤنا ولن ندخر جهدًا في سبيل التغلب عليهم.

ومع أن ذلك الأمر كان مشحونًا بأجواء من التوتر، ومع أن الكثير من موظفينا كانوا يشعرون بالقلق وفي بعض الأحيان بالاستياء مما تقوله ريبلاي عنا، فأظن أن تلك الفترة كانت مرحلة رائعة من عمر الشركة لأنها تعلمت فيها كيف تدخل في منافسة مع غيرها. وأنا أعلم أنني لم يسبق لي العمل قط مع شركة لها منافسون. فكانت شركة إس جي آي إذا وجدت منافسة في مجال معين، تنتقل إلى مجال آخر. ولم تكن شركة إتش بي مستعدة للمنافسة في ذلك الوقت كما هي اليوم. إذ كانت تعتمد على ابتكار أشياء جديدة ومختلفة تمامًا حتى تميز نفسها. وفي تلك الأيام لم يكونوا يعملون تحت شعار: «أنت لديك هذا المنتج، ولديَّ مثله، إذن فبيننا منافسة، ولن تكون منافسة شريفة.» وهكذا كنا نطبق نحن ذلك الشعار؛ فكنا نخوض غمار المنافسة.

وحين أتذكر تلك الأيام أشعر كم كانت فترة مثيرة، لاسيما وأننا هزمناهم. ورأينا أشياء أخطئوا في تنفيذها. عندما يكون المرء يلعب لعبة تنافسية، يستبد به القلق من ألَّا يفوز فيها، ولكنه قد يصبح منخرطًا في اللعبة بكل كيانه حتى إنه لا يخشى الخسارة، وإنما يصبح كل ما يشغله هو السبيل للفوز. وكانت هذه هي الروح التي نعمل بها.

وكانت أكبر شركة منافسة تهددنا بعد ذلك هي شركة دايركت تي في. فقد قررت إبرام صفقة مع مايكروسوفت بالإضافة إلى الصفقة التي أبرمتها معنا. وكانت مايكروسوفت قد اشترت لتوها شركة ويب تي في، المتخصصة في تصنيع أجهزة مسجل الفيديو الرقمي. فقررت دايريكت تي في أن تحصل على ذلك الجهاز أيضًا. وفجأة أصبحت تبيع الاثنين معًا. وقد حصلت على المنتجين على الأرجح وفقًا لاتفاقات مالية متشابهة، لذا لم تأبه الشركة بالمنتج الذي سيقبل عليه المستهلك. لكن مايكروسوفت كانت تدفع مئات الملايين من الدولارات في سبيل تطوير هذه السوق، في حين أننا في شركة تيفو الصغيرة لم تكن تلك الموارد متاحة لنا، مع أننا كنا قد جمعنا أموالًا طائلة في عملية التمويل.

وكانت المفاجأة أننا اكتشفنا أن مبيعاتنا تفوق مبيعاتهم بنسبة كبيرة. فقد أحب المستهلكون تيفو. وبدأت العلامة التجارية تشتهر في ذلك الوقت، وأصبح وضعنا أفضل. واكتشفنا أن الناس تفضل منتجنا على منتج مايكروسوفت على أساس يقوم على تكافؤ الفرص. ولم نكن نحن وراء هذا؛ فقد كانت دايركت تي في تسوق المنتجين على قدم المساواة. وقد أصبح الموقف سيئًا للغاية لمايكروسوفت — إذ كانت تنفق عليه أموالًا طائلة — حتى إنها انسحبت من هذا المجال في النهاية. وهو ما أسعدنا إلى حد أننا قررنا الاحتفال بذلك.

وبعد ذلك خطر لنا أن الشركات التي تعمل في مجال الإلكترونيات الاستهلاكية ستدخل في هذا المجال، وأثار هذا قلقنا، لأننا أدركنا أنه من المنطقي أن تدخل شركة مثل سوني في هذا المجال. لذا كانت خطوتنا التالية هي ترخيص تلك التقنية لهم. وقد حصلنا على بعض صفقات الترخيص الجيدة، وقد أسهم ذلك إلى حد ما في إقصائهم عن المنافسة.

ويأتي أحدث تهديد تنافسي كبير من شركات بث القنوات التليفزيونية بالاشتراك وشركات الأقمار الصناعية التي دخلت هذه السوق وتمنح أجهزة مسجل الفيديو الرقمي مجانًا. وقد ظل ذلك يمثل مشكلة كبيرة لتيفو على مدى السنوات الماضية. فمع أننا تمكنا من إبرام صفقات مع عدد من شركات بث القنوات التليفزيونية بالاشتراك وشركات الأقمار الصناعية، فهناك منافسون مثل إيكو ستار التي اضطررنا أن نقاضيهم لفرض الالتزام ببراءات الاختراع التي حصلنا عليها.

وبعد ذلك عقدت تيفو صفقات مع شركة كومكاست. وجددت صفقتها مع دايركت تي في، وهكذا فإنها تسير في اتجاه تضمين التقنية التي تبتكرها في نظم تلك الشركات. وأظن أن هذا سيكون الاتجاه المتبع في المستقبل.
ليفنجستون : هل تظن أنه إذا أدركت الشبكات ما كنت تقوم به في وقت مبكر، كانت ستحاول اتخاذ إجراء معين معكم؟
رامزي : لقد حاولوا بالفعل. وهذه قصة أخرى تمامًا. فمنذ وقت مبكر، جذبت فكرة التسجيل الرقمي انتباه الشبكات، وكان من الواضح أنهم قلقون مما نفعله.
وفي الوقت نفسه تقريبًا، كنا قد صممنا نموذجًا أوليًّا — كان نموذجًا صغيرًا يعتمد على جهاز كمبيوتر شخصي، وهو صندوق صغير بمقبض — وكنا نصطحبه ونعرضه على الناس. ووظفنا شابًّا اسمه ستايسي جولنا كان يعمل في مجال الإعلام. وكان يصطحبني إلى الكثير من هذه الأماكن لمقابلة معارفه ومحاولة إقناعهم أننا لسنا تهديدًا، وأن عملنا من شأنه أن يفيدهم، وأنه ينطوي على بعض الفرص الإعلانية ووسائل لقياس رأي الجمهور، وأشياء من هذا القبيل. وبالطبع بعد العناق والحديث عن أطفالهم وعائلاتهم وكيف تسير أحوالهم، لم يكن غريبًا أن يصارحونا بحقيقة شعورهم حيال ما نقوم به ويطردونا. وكانوا حينها يقولون لنا: «إنكم أشرار. لا تعودوا إلى هنا. ستدمروننا.»

وكنا نقرأ من يتحدثون في الصحف ويصفون كيف سندمر الاقتصاد الأمريكي. وبدأ الناس يفقدون صوابهم. وكنا طوال الوقت نواجه تهديدات برفع قضايا ضدنا، كل أسبوع تقريبًا. وكان من بين أعضاء مجلس إدارتنا أشخاص من شبكتي إن بي سي، وديسكفري، وغيرهما من المؤسسات الإعلامية الأخرى.

وعلى الأرجح أدت لنا ريبلاي خدمة لا تُقدَّر بثمن عندما تجاوزت الحدود. فهناك حدود غير واضحة تحيط الشركات الإعلامية بها علمًا. ولا يعرف المرء أين تبدأ هذه الحدود وأين تنتهي، ولكن إذا ما تجاوزتها فستلاحقك. وقد عبرت ريبلاي تلك الحدود عندما ابتكرت سمة التخطي التلقائي للإعلانات التليفزيونية. فلم يكن المستخدم مضطرًّا للتقديم السريع أثناء عرض الإعلانات بنفسه. فقد كانت تتوصل إلى مكانها وتتخلص منها. وأتاحت للمستخدم إمكانية مشاركة البرامج على الإنترنت. وكانت تلك الخطوة تمثل تجاوزًا للحدود المسموح بها. ومن ثَم تعرضوا للمقاضاة. وهكذا ظهروا هم في صورة الأشرار، بينما أصبحنا نحن الطيبين.

وأظن أننا في نهاية المطاف حظينا بقدر كبير من الاحترام من تلك الشركات، ولكن تلك الفترة كانت فترة صعبة؛ إذ كانت تلك الشركات شركات قوية وكانت عاقدة العزم على التخلص منا. وحتى يومنا هذا، يدهشني أن تلك الشركات قررت في النهاية الاستثمار في تيفو، فقد ساهمت في تمويل الشركة، وقد ساعد ذلك على الأرجح في تقرير مصير تيفو عندما انفجرت فقاعة الإنترنت. ويعود الفضل في ذلك لشركات ديزني، وفياكوم، وديسكفري كوميونيكاشنز، وإن بي سي، وشوتايم، وإتش بي أو، وتايم وارنر. فجميعها ساهمت في تمويل الشركة. وقد عينت كلٌّ منها ممثلًا واحدًا في مجلس الإدارة؛ وكانت إن بي سي تعين دائمًا ممثلًا في المجلس، وكان جون هندريكس من ديسكفري الممثل عن الكثير من الشركات الأخرى. وقد حصلنا على ما يقرب من ٥٠ مليون دولار من هؤلاء، وقد ساعدنا هذا على الاستمرار.
ليفنجستون : هل تظن أنهم فكروا من منطلق «إذا لم نستطِعْ هزيمتهم، فلننضم إليهم»؟
رامزي : لا أدري ما الذي فكروا فيه. ولا أزال لا أفهم ما حدث تمامًا حتى يومنا هذا، ولكن كان من الرائع أن نتجاوز كل ذلك. رغم ما شاب ذلك من صعوبات ومعوقات.
لا أدري ما إذا كان الناس لا يزالون يستوعبون حتى اليوم مدى صعوبة الجمع بين تطوير التكنولوجيا وتقديم المنتج للسوق، وإنشاء قناة للتوزيع وتسويق ذلك المنتج وبناء علامة تجارية له، والتعامل مع شركات الإعلام والسيطرة على رغبتها في القضاء عليك، والتحكم في هذا الموقف التنافسي الضاري في كل خطوة من الطريق، حيث يكون عليك الفوز كل يوم في السوق بينما يستبد بك القلق حيال حقوق الملكية الفكرية؛ فإذا فكرت في كل تلك الأمور الخطيرة التي كان علينا التعامل معها في كل يوم من عمر شركة تيفو، تدركين أن المسألة كانت خَطْبًا جللًا ولا تناسب من يفتقرون إلى الشجاعة. وكان علينا أن نوطن أنفسنا على وضع الأمر في حجمه الحقيقي وتجنب أخذه على محمل الجد أكثر من اللازم.
ليفنجستون : حين تتذكر بدايات تيفو، ما هو أكثر ما فاجأك؟
رامزي : على الأرجح ما كنَّا نتحدث عنه منذ قليل. أن الشركات الإعلامية اشتركت معنا وساندت الجهاز واستثمرت فيه ولا تزال تقوم بكل ذلك حتى اليوم. ولم أكن أتوقع أن تقوم بذلك. ونظرًا لرد فعلها في البداية، كنت أظن أنه أمر مستحيل، ولكنه حدث.
وهكذا أصبحت شركة تيفو الآن شركة إعلامية. فقد ساهم ما سبق إلى حدٍّ ما في تحويل الشركة إلى شركة إعلامية. وأظن أننا نقدر ما تواجهه الشركات الإعلامية، وقد ساعدنا هذا على التطور دون تجاوز للحدود. وأظن أن شركات الإعلام تقدر جهود شركة تكنولوجيا ناشئة غير منظمة تتسم بروح تنافسية قوية وتعمل في وادي السليكون.

لقد أصبحت تلك الشركات تدرك أن الابتكار من القوى التي تحركها الروح البشرية، وأنه أولى بها أن تسانده بدلًا من أن تحاربه. فلن تجدي جميع الموارد التي لديهم أو مليارات الدولارات في منع الآخرين من الإبداع والابتكار. فهناك الكثير من الشركات التي غيرت قواعد اللعبة — بطريقة أو بأخرى — للأفضل. فلا مفر من ذلك، وأعتقد أننا ساعدنا شركات تتسم بقدر كبير من التحفظ على الاقتناع بتلك الحقيقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤