الفصل الثامن عشر

كريج نيومارك

مؤسس، كريجز ليست

في عام ١٩٩٥ أسس كريج نيومارك قائمة بريدية للإعلان عن الأحداث التي تشهدها مدينة سان فرانسيسكو. وعندما زادت شعبية «كريجز ليست»، حولها من قائمة بريدية إلى موقع وأضاف إليه فئات. وأصبح في سبيله للحصول على حصة كبيرة من أعمال الإعلانات المبوبة دون أن يدري.

وفي عام ١٩٩٩، قرر نيومارك أنه قد حان الوقت لتحويل موقع craigslist.org من هواية إلى عمل حقيقي. وانضم إليه جيم باكماستر بصفته كبير المبرمجين والمسئول التقني بالشركة في بداية عام ٢٠٠٠، ورُقِّيَ إلى منصب الرئيس التنفيذي في وقت لاحق من ذلك العام.

وانطلاقًا من إخلاصه لرسالته المتمثلة في بناء مجتمع على الإنترنت، فقد تمسك نيومارك بخطته بأن يجعل كريجز ليست مجانية قدر الإمكان. فجميع القوائم مجانية، فيما عدا إعلانات الوظائف الشاغرة في مدن محددة وقوائم إعلانات الشقق في مدينة نيويورك. ولا وجود لأشرطة الإعلان.

ومع ظهور فرص عديدة لزيادة العائدات أمام كريجز ليست، فلم تغير تجربة مستخدميها قط. ونظرًا لقدرتها على العمل بتكلفة زهيدة، وسماحها للمستخدمين بالقيام بجزء كبير من العمل، فإن عدد موظفي كريجز ليست لا يتعدى عشرين موظفًا تقريبًا، وهو أقل بعشرات المرات من المواقع الرائدة العشر الأخرى.

ومع أن إيباي اشترت حصة في الشركة مقدارها ٢٥ بالمائة من أحد موظفي الشركة السابقين عام ٢٠٠٤، فإنها تظل شركة ملكية خاصة. وهي آخذة في التوسع وتضم الآن مواقع لأكثر من ٣٠٠ مدينة في جميع أنحاء العالم.

***

ليفنجستون : كيف كانت بداية كريجز ليست؟
نيومارك : لقد مضى على ذلك الآن ما يزيد عن ١١ عامًا. لا أعرف بالضبط متى أُسست كريجز ليست. ولكن أعلم أنه في عام ١٩٩٤ كنت أعمل في شركة تشارلز شواب وكنت أعمل في برامج أمن أجهزة الكمبيوتر وغير ذلك. ولكن أهم نشاط لي كان يتمثل في مجال الدعوة للإنترنت؛ إذ كنت أؤكد للناس أن الإنترنت سيتحكم ذات يوم في سير مجال سمسرة الأسهم.
ورأيت الكثيرين يساعدون غيرهم، فقررت أن أقوم بشيء. وفي أوائل عام ١٩٩٥ — لا أعلم متى بالضبط — بدأت أرسل إشعارات تعلن عن الأحداث المميزة — على الأقل من وجهة نظري — لأصدقائي. ربما كان يصل عدد هؤلاء إلى ١٠ أو ١٢ شخصًا، في قائمة من نسخ كربونية، باستخدام برنامج باين وقد نجح ذلك جدًّا. وعادة ما كانت تشمل تلك الأحداث أحداثًا أدبية وتقنية، مثل أنون صالون، وجوز ديجيتال داينر. وطلب المزيد من الأشخاص أن أضيفهم إلى القائمة. وكانوا يطلقون عليها «كريجز ليست». وبمرور الوقت اقترحوا أن أضيف أشياء أخرى مثل وظائف أو أغراض للبيع.

وفي منتصف عام ١٩٩٥، انهارت قائمة النسخ الكربونية وكان عليَّ أن أمنحها اسمًا رسميًّا واستخدم برنامج قوائم بريدية. وقد عرض أحدهم عليَّ استخدام برنامج ميجوردومو وكنت سأطلق عليها «إس إف إيفنتس» ولكن نصحني من كانوا يطلقون عليها كريجز ليست أن أستمر في استخدام الاسم. لأنه يدل على طابعه الشخصي وغير التقليدي. وكانوا على حق.

هذه صورة مصغرة لتاريخنا بأكمله، فكان الناس يقترحون أشياء عليَّ، ثم أحدد أنا ما يبدو مقبولًا منها — ما يطلبه كثيرون — ثم أنفذه. وحتى الآن، ومع وجود شركة كاملة وراء الموقع، لا نزال نستمع لما يُطرح علينا. فننفذ أشياء ونستكملها ثم نستمع إلى المزيد من النصائح. فتقريبًا ١٠٠ بالمائة مما ننفذه قائم على ما يطلبه المستخدمون منا.

وأكبر درس تعلمته في مجال تأسيس الأعمال هو أن المرء ينبغي له أن يتبع حدسه. فقد وثقت بمن كان حدسي يخبرني أنهم ليسوا أهلًا لثقتي، وفي بعض الحالات اتضح بالفعل أنهم ليسوا أهلًا لهذه الثقة على الإطلاق. ولكن جرى إصلاح ذلك حاليًّا.

وقد حالفني الحظ في أنني أدركت مبكرًا إلى حد ما أنني لست مديرًا بارعًا. فجيم باكماستر هو الرئيس التنفيذي ويؤدي عمله ببراعة ولهذا السبب فإن منصبي الحالي هو «مؤسس وممثل خدمة العملاء». وفي بعض الأحيان، أستغل سحر جورج كوستانزا الذي أتمتع به وألعب دور الرئيس الصوري للشركة، حيث ألقي الخطب أو شيئًا من هذا القبيل. لكني أقضي ٤٠ ساعة أو أكثر في الأسبوع أعمل بخدمة العملاء. وهذا ما كنت أفعله قبل دقائق. وسأعود إليه مرة أخرى في غضون دقائق. وأكبر مشروع يشغلني حاليًّا هو التعامل مع سماسرة تأجير الشقق المنحرفين، في مدينة نيويورك.

وتتمثل أكبر مشكلة في الأشكال المختلفة من أسلوب البيع الخادع؛ فيضع هؤلاء السماسرة إعلانًا عن شقة في الجزء الذي لا يسدد مقابله أتعاب، ولكنهم يحصلون بالفعل على أتعاب كبيرة مقابل تأجيره. والمعتاد هو نسبة ١٥ بالمائة من الإيجار السنوي، وهو ما يمكن أن يصل إلى ٣ أو ٤ آلاف دولار. وهذا مبلغ كبير من المال. وهكذا يمكننا مواجهة بعض أشكال ذلك البيع الخادع. أما الأشكال الأخطر فتتطلب تطبيق أساليب أفضل في الإبلاغ عنها، وهو ما بدأت أفكر فيه، ولكن قد لا يمكن تطبيقه إلا فيما بعد.
ليفنجستون : لنعد إلى عام ١٩٩٥. أسست كريجز ليست كقائمة بريدية، لكن في وقت من الأوقات قررت أن تضعها على الإنترنت. كيف برمجتها؟
نيومارك : في وقت ما من نهاية عام ١٩٩٥ أدركت أنه لديَّ الكثير من رسائل البريد الإلكتروني هذه مخزنة في مجلدات. وأظن أنني آنذاك كنت أعمل على نظام سولاريس، وأستخدم برنامج باين. وكنت أحتفظ برسائل البريد الإلكتروني في عدة فئات وكنت أجيد كتابة الكود المكتوب بلغة البرمجة بيرل الذي يحول خوارزميات البريد الإلكتروني إلى صفحات ويب. ومن ثَم أتيحت لي إمكانية النشر الفوري. ومنذ ذلك الحين أخذ كل شيء في التطور. فقد كنت في الحقيقة أستخدم باين كأداة لبناء قواعد البيانات حتى أواخر عام ١٩٩٩، وفي ذلك الوقت تحولنا إلى ماي إس كيو إل.
وطوال السنوات الأولى — على الأرجح طوال عام ١٩٩٨ — كنت أستخدم سولاريس في أغلب الأحيان، مع أني قضيت فترة — ربما امتدت عامًا — أستخدم لينوكس. ولكننا كنا نستخدم أداة من عائلة يونكس/لينوكس طوال الوقت. واستخدمنا أباتشي في وقت مبكر نسبيًّا. واستخدمنا بيرل، والآن نستخدم أكثر مود-بيرل. ثم ماي إس كيو إل منذ عام ١٩٩٩. ونحن الآن نشغله على ما يزيد عن ١٢٠ خادمًا من خوادم لينوكس وهي أجهزة صغيرة ورخيصة. وأجهزة الكمبيوتر المكتبية تعمل بنظام تشغيل لينوكس بصفة أساسية، وبعضها يعمل بنظام ماك والبعض الآخر يعمل بنظام ويندوز.

وتثير أمور المسئولية القانونية المرتبطة باستخدام ويندوز قلقنا؛ إذ إنه غير آمن إلى حد بعيد. صحيح أنه ليست لدينا الكثير من البيانات الحساسة، ولكن علينا اعتبار ويندوز مصدر تهديد.
ليفنجستون : عندما وضعت كريجز ليست على موقع، هل وجدت رد فعل إيجابيًّا بسرعة؟
نيومارك : ظلت حركة الزوار لدينا دائمًا تتقدم ببطء ولكن بثبات. فكنا أشبه بالسلحفاة وليس الأرنب. وكنا نشهد موجة من النمو من حين لآخر، لكن كانت الخطوات التي نحققها بطيئة ولكنها ثابتة.
ليفنجستون : هل كنت تشغل كريجز ليست ليلًا من منزلك؟
نيومارك : هذا يتوقف على أي جزء من حياتي تقصدين. ولكن حتى عندما كنت أتعاقد على تنفيذ مهمة، كنت أتوصل إلى اتفاق مع من أعمل معهم. فكنت أفحص البريد الإلكتروني الخاص بي من حين لآخر وأنجز المهام المطلوبة. وكنت أخصص نصف ساعة لكريجز ليست. فعلى سبيل المثال، كنت أنفذ الأعمال التعاقدية وأنهي المهام المطلوبة، ثم أستقطع نصف ساعة أخصصها لإنجاز كريجز ليست، ثم أعود إلى العمل.
ليفنجستون : كان هذا وأنت تعمل في شقتك؟
نيومارك : نعم، في معظم الأحوال.
ليفنجستون : هل احتجت لمساعدة الآخرين؟
نيومارك : في نهاية عام ١٩٩٧، بلغ عدد مرات تصفح موقعنا مليون مرة في الشهر تقريبًا. وفي ذلك الوقت، تلقيت اتصالًا من مايكروسوفت سايدواك — أو من موظفي العلاقات العامة لديهم — وطلبوا مني وضع أشرطة إعلانية. وكنت قد قررت من قبلُ ألا ألجأ إليها لأنها تبطئ الموقع إلى جانب أنها مزعجة. فالأشرطة الإعلانية غالبًا ما تكون مزعجة. والأهم من ذلك، فكرت في قيمي الخاصة وحاولت تقدير المبلغ المالي الذي أحتاجه. فقد كان عملي بالتعاقد يسير على ما يرام. فقررت في النهاية ألا أوافق.
وفي ذلك الوقت رأيت أول إشارة لما أطلق عليه الآن «بوصلتي الأخلاقية». وقد تمكنت من فهمها على نحو أفضل بعد ذلك، وبالتحديد منذ الانتخابات الرئاسية، لأني أدركت في ذلك الوقت أن من كانوا يزعمون أن لديهم قيمًا أخلاقية رفيعة لا يطبقون ما يعظون الآخرين به، وأن الوقت قد حان لكي يعيد أصحاب النيات الطيبة تأكيد فكرتهم عن الصواب والخطأ.
ليفنجستون : حين شعرت بالرضا عن الموقع وأنك لم تعد في حاجة للمزيد من النقود، هل التزمت بهذا؟
نيومارك : نعم وأضفنا إليه بعض التفاصيل. ففي غضون عامي ١٩٩٨ / ١٩٩٩، درسنا مدى أخلاقية فرض رسوم على ما نقدمه من خدمات في موقعنا. وسألنا المستخدمين: «ما الذي يجب أن نقدمه مقابل رسوم من وجهة نظركم، إن كان هناك أصلًا ما يستحق أن يقدم مقابل رسوم؟» فقالوا: «يجب أن تكون القاعدة هي فرض رسوم على من كانوا سيدفعون نقودًا أكثر مقابل إعلانات أقل فعالية.» وقالوا تحديدًا: «سيكون من الرائع فرض رسوم على إعلانات الوظائف، وملاك العقارات أو السماسرة.» وفيما عدا هذا، كان هناك مزيج من الآراء، لكننا التزمنا بهذا.
ليفنجستون : هل وضعت السياسة وحدك؟
نيومارك : إن مجتمع المستخدمين في المقام الأول هو الذي فرض هذه السياسة. ولم يترددوا في إرسال تقييماتهم. وكان ذلك يعتمد على تقييمات عامي ١٩٩٨ / ١٩٩٩ معًا، والسنوات التالية، ولكنها تقييمات هذين العامين أساسًا.
وفي نهاية عام ١٩٩٧، طلب بعض المتطوعين التحدث معي، وطلبوا أن يجربوا إدارة كريجز ليست وأن يروا هل بإمكانهم إدارته كموقع غير ربحي. باختصار، باءت هذه التجربة المؤلمة بالفشل. وكنت أعرف أن مصيرها الفشل، ربما قبل نهايتها طوال عام ١٩٩٨، ولكني لم أكن أود أن أعترف بالحقيقة. ودعاني بضعة ممثلي أهم الشركات التي تنشر إعلانات وظائف على موقعنا للغداء وقالوا: «لن ينجح الموقع هكذا. واجه الحقيقة وحوله إلى شركة حقيقية».

استغرق الأمر مني بضعة أشهر، لكني لم أعد أرفض الاعتراف بالحقيقة، وحولت كريجز ليست إلى شركة حقيقية، وبدأت بداية لا بأس بها. ولكن لم تسر الأمور على ما يرام إلا حين تولى جيم الإدارة.
ليفنجستون : عندما تقول إنك حولته إلى شركة حقيقية، أتعني أنك أنشأت شركة؟
نيومارك : كان ذلك جزءًا مما أعنيه، ولكن أهم ما في الأمر أنني أصبحت أعمل متفرغًا، وعينت موظفين يعملون بدوام كامل في جميع المجالات التي نحتاج إليها، وفي ذلك تحرير الفواتير وخدمة العملاء والقسم الفني.
ليفنجستون : أظللت تواصل العمل في المهام التعاقدية وأنت تدير كريجز ليست؟
نيومارك : لقد انضممت لبضعة أشهر في نهاية عام ١٩٩٨ ولشهر تقريبًا من عام ١٩٩٩، إلى شركة ناشئة، ثم تركتها لأنني كنت مضطرًّا للاهتمام بعملي في كريجز ليست.
ليفنجستون : ثم انضممت إلى شركة ناشئة أخرى؟
نيومارك : تذكري أننا لم نكن قط شركة ناشئة بالمعنى التقليدي. بالمعنى التقليدي، إنها شركة — ربما تقوم على أفكار عظيمة — تصبح مؤسسة مهمة. وعادة ما تحصل على استثمارات كبيرة، ويكون لديها استراتيجية، ويكون من أهدافها تحقيق أرباح هائلة.
أما نحن فنفذنا شيئًا مختلفًا تمامًا. فقد رفضت الحصول على مبلغ مالي كبير، ولا أزال. وفي عام ١٩٩٩ تحولنا إلى شركة حقيقية. وبالطبع ارتكبت المزيد من الأخطاء، ولكن بحلول عام ٢٠٠٠، ومع تولي جيم التعامل مع الكثير من الأمور، لم نرتكب سوى أخطاء عارضة منذ ذلك الوقت.
ليفنجستون : هلا أطلعتني على بعض هذه الأخطاء؟
نيومارك : في الحقيقة هناك تسويات قانونية تمنعني من الحديث عن الكثير منها. ولكن يمكنني الإجابة عن أسئلة محددة، في بعض الأحيان.
ليفنجستون : هل حدث خطأ يتعلق بالموظفين؟
نيومارك : نعم. إلى جانب أنني لم أتبع نصائح المحامين كما ينبغي. وهذان الموضوعان متداخلان معًا.
ليفنجستون : إذن فقد واجهت بعض المشاكل الخاصة بالموظفين التي وصلت إلى درجة الدعاوى القضائية، ثم تمكنت من إنهائها بشكل ما؟ ثم وظفت جيم؟
نيومارك : كلا، جيم ساعدنا في إنهاء تلك المشاكل. أعلم أن حديثي غير واضح، ولكني مضطر لهذا.
ليفنجستون : لنعد إلى الوقت الذي كنت لا تزال تعمل فيه من شقتك، هل كان هناك ما يقلقك؟
نيومارك : لا أذكر شيئًا الآن. قد أكون كثير النسيان، ولكن أظن أن مصدر القلق الوحيد الذي أذكره هو أنه عندما تشغِّلين الخادم الخاص بك على جهاز شخص آخر، إذا حدثت مشكلة ما في منتصف الليل، فإنك تواجهين مشكلة. أو إذا كنت تشغلينه لدى جهة لا يعتمد عليها وخدمة العملاء فيها سيئة، فهذه مشكلة أخرى.
ليفنجستون : هل حدث أن تعطل موقعك قط؟
نيومارك : أظن أن هذا حدث، ولكن كان ذلك مفهومًا ومنطقيًّا. فمن حين لآخر يواجه موقعنا مشكلات من هذا النوع، لكننا نتمكن من تشغيل الموقع بنجاح ونحافظ على سرعته، وهو أمر صعب لأننا دخلنا مرحلة أخرى من النمو. إذ يصل الآن عدد مرات تصفح موقعنا إلى خمسة مليارات مرة على الأقل في الشهر. ونحن نغطي ١٧٠ مدينة.
ليفنجستون : لنعد إلى الطريقة التي تمكنت عن طريقها من إقناع الناس بمساعدتك في هذا. هل تطوعوا هم من تلقاء أنفسهم؟
نيومارك : كيف يمكنهم مساعدتي في إدارة الموقع؟ تحدثنا عن تحويله إلى موقع لا يهدف للربح وقد اقتنعت بذلك بعض الشيء بسبب جهلي في ذلك الوقت. وأنا الآن أدرك أن هناك الكثير من القيود القانونية تنطوي عليها المشاريع غير الربحية. والهدف منها منع مختلف أشكال الفساد. المشكلة هي أنه على غرار كثير من القوانين المشابهة، دائمًا ما يجد المحتالون ثغرات للتحايل عليها، ومن ثَم فإن القيود تزيد الأمر صعوبة على المنضبطين. ونحن محظوظون للغاية أننا لسنا مؤسسة غير ربحية. إن لدينا منظمتنا غير الربحية التي تقوم ببعض المهام الجيدة. وأنا عضو في مجلس الإدارة هناك ولكن عملي الأساسي هو خدمة العملاء.
ليفنجستون : ألم تقلق، في البداية، من أن يستغل مرسلو البريد المزعج وغيرهم موقعك؟
نيومارك : يتميز موقعنا بسيادة ثقافة الثقة وثقافة النوايا الطيبة. أتعرفين، لقد وجدنا أن الجميع تقريبًا يشاركنا البوصلة الأخلاقية نفسها التي نطبقها في شركتنا، وبوصلتي الأخلاقية التي أطبقها أنا شخصيًّا. فالناس طيبون. بالطبع هناك بعض الأشرار ولكنهم قلة قليلة ومجتمعنا يحكم نفسه. وكلٌّ يريد الآخر أن يتصرف بنزاهة، وهذا يثبت نجاحه. ويتطلب ذلك قدرًا معينًا من وقتنا، ووقتي أنا أيضًا، ولكن لا بأس بهذا.
ليفنجستون : لقد وضعت طريقة تتيح لمجتمع المستخدمين تنظيم الموقع، أليس كذلك؟
نيومارك : بلى، عن طريق وضع العلامات. وهي طريقة ناجحة. فبفضل وضع العلامات نقلنا إمكانية الجزء الأكبر من التحكم في موقعنا على أساس يومي لمستخدمي الموقع. وعلينا التوصل لطرق أفضل للقيام بذلك، وهذا لا يزال قيد الإنجاز.
ليفنجستون : كيف طرأت فكرة وضع العلامات على ذهنك في البداية؟
نيومارك : لا أذكر. أظن أنه فريق خدمة العملاء في الشركة، وليس أنا. لا أذكر بالضبط، فقد مضى وقت طويل على ذلك.
ليفنجستون : لكن الأمر نجح، أليس كذلك؟
نيومارك : بلى. إنه يعمل بصورة رائعة في جميع الأحوال، وهو أيضًا يعبر عن قيمنا. ومنها الثقة المتبادلة. وهذا يعد نوعًا من الديمقراطية في الحياة الواقعية. فالجميع يربحون فيما عدا الأشرار.
ليفنجستون : هل جاء عليك وقت عزمت فيه على الانسحاب؟
نيومارك : لم يحدث شيء كهذا. في بعض الأحيان كان يساورني شيء من القلق. على سبيل المثال عندما يواجه الموقع مشكلة، أو عندما أواجه صعوبة في التعامل معه، ولكن هذا ليس أمرًا معتادًا.
ليفنجستون : بدأ الأمر برمته كمشروع إضافي إلى جانب الوظيفة الأساسية. فهل جاء عليك وقت شعرت أنه لم يعد لديك وقت لهذا؟ أم أنك كنت دائمًا تكرس نفسك له؟
نيومارك : كنت دائمًا أكرس له نفسي. فأنا عنيد. فكما أقول دائمًا: «أنا محترف كمبيوتر مثابر للغاية.»
ليفنجستون : يدهشني حقًّا أنك لم تواجه قط أي مشكلات رأيت أنها عصيبة.
نيومارك : المشكلات التي واجهتها والتي أثرت عليَّ كانت تبعات لبعض القرارات التي اتخذتها بناءً على الثقة التي في غير محلها.
ليفنجستون : ممن تعلمت؟
نيومارك : من الأصدقاء، ومن رجال الأعمال الذين أعرفهم. ويجب أن أنسب الفضل بصفة خاصة لمستشار الشركة القانوني واسمه إيد ويس من شركة بيركينز كوي. فقد أثبت براعته في مواقف عدة. وساعدنا حقًّا كثيرًا.
ليفنجستون : كانت نقطة التحول بالنسبة لك عندما قررت أن تتفرغ لكريجز ليست لدوام كامل، عندما اصطحبك المعلنون للغداء؟
نيومارك : كان ذلك في منتصف ديسمبر من عام ١٩٩٧ وقد اصطحبوني للغداء وأخبروني أن الأمور لا تسير على ما يرام. ونصحوني أن أتحمل المزيد من المسئولية عن الطريقة التي تسير بها الأمور. وقد طبقت ما نصحوني به.
ليفنجستون : وهل كنت مقتنعًا بأن ذلك هو ما عليك القيام به؟
نيومارك : نعم. وقد ترتب على ذلك أنني اضطررت للاعتماد على مدخراتي لعدة أشهر تقريبًا، ولكن هذه ليست مشكلة. وقد نجح الأمر.
ليفنجستون : هل مَوَّلت كريجز ليست في البداية أم أخذت تمويلًا من الخارج؟
نيومارك : مولتها بوقت فراغي. ولم نأخذ أي تمويل من أي جهة بأي شكل من الأشكال. وعندما كنا نحاول تشغيل مؤسسة غير ربحية، أخذ الكيان غير الربحي بضعة قروض بسيطة، ولكن الأمر لا يتعدى بضعة آلاف.
ليفنجستون : لقد لفتت انتباهي فكرة أن تأسيس أنواع معينة من الشركات الناشئة على الويب لا يتطلب إلا مبالغ مالية ضئيلة.
نيومارك : لقد أثرت نقطة جيدة. لقد حصلت فعلًا على بعض المساعدة وأسدى لي البعض خدمات، ولكن الجزء الأكبر من العمل في غضون السنوات القليلة الأولى كان يعتمد على وقتي وجهدي. فلو كنت أحرر فواتير لساعات العمل التي أقضيها، لكانت قيمتها مبلغًا هائلًا. ولكن هذا لا يهم الآن.
ليفنجستون : من كانوا أول موظفين بكريجز ليست؟
نيومارك : حفنة من الأشخاص عثرت عليهم عام ١٩٩٩.
ليفنجستون : هل كانوا زملاء لك؟ وكيف عثرت عليهم؟
نيومارك : أظن من خلال الموقع.
ليفنجستون : كيف طورت السمات على الموقع؟ هل كنت تضيف دائمًا سمات جديدة بناءً على تقييمات المستخدمين؟
نيومارك : عندما يتعلق الأمر بالسمات المرئية من الخارج، نعم. أما على المستوى الداخلي فكنا نفكر باستمرار … لتحديد الأدوات التي نحتاجها، ثم ننفذها. وهذا الأسلوب ناجح حتى يومنا هذا، لأنه من صميم عمل خدمة العملاء — على سبيل المثال — أن يفكروا في سبل الارتقاء بمستوى وظيفتهم ثم يبلغوا المتخصصين في الكمبيوتر بما يحتاجون إليه. وهذه هي عملية إعادة هندسة سير العمل التي كانت الشركات تتحدث عنها كثيرًا في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ولكنها لم تكن تستمر عادة في اتباعها.
ليفنجستون : هل جاء إليكم مستثمرون يعرضون عليكم التمويل؟
نيومارك : بدءُوا يقومون بهذا عام ١٩٩٩، وقد شهدنا موجة من هذه العروض العام الماضي. وبهذا أدركت أنني رفضت مبالغ مالية هائلة.
ليفنجستون : عندما عرضوا عليك أموالًا أول مرة، ألم يكن ذلك يمثل أي إغراء لك على الإطلاق؟
نيومارك : بلى. لكني قررت أن أتشبث برأيي. وأنا لا أقصد بهذا ضمنيًّا إصدار أحكام على أحد. فنحن لسنا ضد الأسلوب التقليدي على الإطلاق. كل ما في الأمر أننا اتخذنا قرارًا محددًا بناءً على قيمنا وطبقناه.
ليفنجستون : وهل تدر الشركة ربحًا كافيًا لتغطية النفقات؟
نيومارك : إن أداءنا جيد. ونحن الآن نفرض رسومًا على أقل من ١ بالمائة من الموقع. وبدأنا نفرض رسومًا على قوائم تأجير الشقق في مدينة نيويورك، ولكن لا يزال الموقع بشكل أساسي مجانيًّا.
ليفنجستون : ألم تفكر في الحصول على المزيد من النقود من هؤلاء السماسرة؟
نيومارك : لقد طلبوا منا أن نفرض رسومًا عليهم؛ لأنهم يرون أن هذا سيساعد في تحسين جودة الخدمة. وذلك ينطبق لا سيما على السماسرة الذين يحرصون على الالتزام بالأساليب الشرعية، وهم يطلبون ذلك لأنهم يرون أنه سيساعدهم في التحكم في السماسرة غير المنضبطين. ونظن أن هذا الأسلوب سينجح.
ليفنجستون : هل بدأت شركتك تؤثر على السماسرة غير المنضبطين؟
نيومارك : إننا في سبيلنا لتحقيق ذلك. فالأمر يتطلب بذل جهود مضنية لمدة طويلة، ولكن ألاحظ تحسن سلوكيات هؤلاء السماسرة يومًا بعد يوم. فإذا كان هناك شخص بدون — فلنقل — بوصلة أخلاقية دقيقة، يظن أن السماسرة الآخرين غير منضبطين، فإنه يشعر أن هذا تصريح أخلاقي ليصبح مثلهم. ولكنني أقول لهؤلاء الآن إن الأمر قد انتهى. وهذا يحقق نجاحًا. ونحن نتعامل مع سماسرة كانوا يتسببون في مشكلات وكفوا عن ذلك الآن.
ليفنجستون : هل لك أن تخبرني عن أحد أكثر الموقف المخيبة للآمال التي صادفتك مع أحد السماسرة؟
نيومارك : يحضرني شخص أصبح يلتزم بحسن السلوك الآن. وقد كان لا يتورع عن ارتكاب كل شيء، جميع الأخطاء التي تحدثنا عنها، وكان أيضًا يحاول التحايل على أدوات الموقع، وقد نجح في ذلك بالمناسبة، لكن كان لديَّ متطوع يكتشف تلك الأمور. فكان يضع إعلانات باستخدام أكثر من عنوان بريد إلكتروني، وأشياء من هذا القبيل. فظللت أحجبه عن الدخول حتى أرهقه هذا، وفي النهاية تحدث إليَّ واعتذر عما بدر منه. والأمور تسير على ما يرام معه الآن.
ليفنجستون : أي إنه لم يتوقف عما يفعله فحسب، بل تغير.
نيومارك : نعم. وهذا رائع. فقد نجح الأسلوب معه.
ليفنجستون : أتذكر أي شيء فاجأك في فترة البدايات؟
نيومارك : ما يفاجئني إلى حد ما هو ما يتميز به الناس عمومًا من صلاح وجدارة بالثقة. فأحيانًا ما تنشأ مشكلات، وفي بعض الأحيان تقع خلافات بين الناس، وهو أمر مزعج، لكن الناس يتميزون بالصلاح. وبصرف النظر عن دين كل منا، فإننا نتشارك القيم نفسها تقريبًا. وهناك اختلافات طفيفة نختلف عليها، ولكن نسبة الاختلافات لا تتعدى ٥ بالمائة. وهذا جيد.
ليفنجستون : ماذا عن الشركات التي تريد شراء شركتك؟
نيومارك : إننا نرفض بأسلوب مهذب. وإيباي حصلت على حق الملكية ذلك كما تعلمين. ونحن راضون لأن إيباي هي التي حصلت عليه لأنها تتمتع ببوصلة أخلاقية لا تختلف عن تلك الخاصة بنا. والشخص الذي باع لها كان موظفًا سابقًا يبيع نصيبه. ولسوء الحظ، قررت منذ سنوات التنازل عن حق الملكية. لأن هذا يساعدني على تجنب الإغراءات. وأنا بطبيعتي يمكنني تجنب أي شيء فيما عدا الإغراءات. لكن ذلك الشخص ترك الشركة وقرر أن يبيع عام ٢٠٠٤.
إننا نختلف كثيرًا عن أي شركة ناشئة أخرى سمعت عنها. هذا هو ما حدث. ونحن نحقق النجاح المرجو. أؤكد ثانية أن جانبًا كبيرًا من الفضل في نجاحنا يعود لجيم.
ليفنجستون : في أي مرحلة شعرت أن الموقع سيكون شركة «حقيقية»؟
نيومارك : بداية عام ١٩٩٩. وكان قد مر على إنشاء الموقع سبع سنوات. وجيم هو المسئول عن الإدارة منذ قرابة ست سنوات.
ليفنجستون : سمعت أنك كنت تدير كريجز ليست من منزل قديم مشيد على الطراز الفيكتوري.
نيومارك : لا، إنه ليس هكذا على ما أظن. لكنه كان منزلًا بسيطًا للغاية. ومن الغريب أننا انتقلنا إلى قصر قديم مشيد على الطراز الفيكتوري في موقع ليس بالمتميز، ولكنه المكان الذي عثرنا عليه. فلم نشأ الانتقال إلى منطقة المال والأعمال. وكان علينا الانتقال إلى مكان يسهل على الجميع الانتقال إليه جيئة وذهابًا.
ليفنجستون : كيف تعثر على موظفيك؟
نيومارك : نضع إعلانات على موقعنا. وأحيانًا عن طريق المعارف.
ليفنجستون : ما أهم جزء في ثقافتكم؟
نيومارك : ثقافة الثقة. البوصلة الأخلاقية.
ليفنجستون : وهل تحرص على التأكد من وجود هذه البوصلة الأخلاقية عندما توظف أحدًا؟
نيومارك : نعم، يهتم الآخرون في فريقي بهذا. فحيث إنني غير موفق في إجراء المقابلات الشخصية — لأنها لا تناسبني — فأنا ليس لديَّ دور في التوظيف على الإطلاق.
ليفنجستون : هل هناك ما أساء الناس فهمه بشأن كريجز ليست؟
نيومارك : في بعض الأحيان لا يزال الناس يظنون أننا موقع غير ربحي، مع أننا نخبر الناس أننا لسنا كذلك. وفي بعض الأحيان يظنون أننا بعنا جزءًا إلى إيباي، وهذا سوء فهم يتحتم عليَّ تصحيحه من حين لآخر.
ليفنجستون : وإيباي تسمح لك بالتصرف كيفما شئت، أليس كذلك؟
نيومارك : بلى.
ليفنجستون : ما النصيحة التي تسديها لمن يفكر في تأسيس شركة؟
نيومارك : ثق في حدسك وبوصلتك الأخلاقية. لقد أفرطت في استخدام هذا المصطلح في هذا الحوار. إننا لسنا منافقين في هذا الشأن. لكننا نبذل قصارى جهدنا كي لا يبدو الأمر وكأننا نتظاهر بذلك. هذا هو الأسلوب الذي نطبقه في الشركة فعلًا؛ فنحن لا نتحدث عنه فحسب. وأنا أفضل أن أكون متشائمًا وألا أتحدث عن هذه الأمور، ومع ذلك، فهذه هي طريقتنا التي نلتزم بها.
fig20
كريج نيومارك وجيم باكماستر عام ٢٠٠٥ تقريبًا. تصوير: جين إكس هوانج

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤