الفصل الثاني

صابر باتيا

مؤسس مشارك، شركة هوتميل

عندما بدأ صابر باتيا وجاك سميث العمل على أول فكرة مشتركة لهما، وهي إنشاء قاعدة بيانات شخصية على الويب، والتي أطلقا عليها اسم جافا سوفت، أصيبا بالإحباط لأن نظام الحماية الذي كان صاحب العمل يستخدمه يمنعهما من الدخول إلى بريدهما الإلكتروني الشخصي.

ولحل مشكلتهما، فكَّرا في إنشاء حسابات بريد إلكتروني يمكن الدخول عليها دون الكشف عن المعلومات الشخصية عن طريق متصفح ويب. وقد أصبحت هذه الفكرة هي أساس شركة جديدة. وفي عام ١٩٩٦، ظهر أول بريد إلكتروني قائم على الويب يمنح المستخدمين بريدًا إلكترونيًّا مجانيًّا يمكن الدخول عليه من أي جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت.

وبعد أقل من عامين، ازدادت على يديهما قاعدة مستخدمي هوتميل بسرعة تفوق أي شركة إعلامية في التاريخ. وفي ليلة رأس السنة لعام ١٩٩٧، استحوذت شركة مايكروسوفت على هوتميل مقابل ٤٠٠ مليون دولار.

***

ليفنجستون : دعنا نعُد بالزمن إلى الوراء وأخبرني كيف بدأت الفكرة ثم تطورت لتصبح شركة هوتميل. كيف تعرفت على جاك؟
باتيا : قابلت جاك سميث عندما انضممت لفريق العمل بشركة أبل كمبيوتر. وكنا نعمل في المشروع نفسه وهو تصميم أجهزة باور بوك المحمولة. وقد ترك مديرنا الشركة لينضم إلى شركة ناشئة في وادي السليكون يطلق عليها فاير باور سيستمز. وكنت أعرف أنا وجاك أن شركة أبل توفر لنا عملًا ثابتًا مستقرًّا، ولكنه لم يكن سيتيح لنا الكثير فيما يتعلق بخيارات الأسهم. ومن ثَم قررنا أن نترك أبل وننضم إلى تلك الشركة الناشئة.
عملنا بكل اجتهاد في تصنيع منتجات مثل الرقائق التي تُستخدم في تصميم أجهزة الكمبيوتر الشخصية التي تعمل بمعالج باور بي سي. وكانت هذه الرقائق تشغل أكثر من نظام تشغيل، وفي ذلك الوقت كان الفكر السائد هو أنه إذا كانت مكونات الكمبيوتر الداخلية أفضل وأسرع، فإن المستخدمين سيلجئون إليها لقدرتها على تشغيل أكثر من نظام تشغيل، وفي ذلك معمارية يونكس أو ويندوز. وإذا كان المعالج أفضل، فإن هذا سيلغي الحاجة إلى المعالجات التي تنتجها شركة إنتل؛ لأن معمارية الأنظمة التي تعتمد على تقنية آر أي إس سي ستكون أفضل. ولكن ما حدث بمرور الوقت هو أن شركة إنتل سرعان ما استعادت مستواها المعتاد على منحنى السعر والأداء.

وبعد عامين، لم يكن أداء الشركة جيدًا. فتركها مديرنا، الذي اختارنا نحن الاثنين للعمل معه، ورحل ليؤسس شركة مستقلة. فتلفت حولي محاولًا أن أعرف ماذا سأفعل في حياتي؛ أألتحق بكلية لدراسة الأعمال أم أفكر في شيء آخر. وكان عالم الإنترنت لا يزال في بدايته، لذا بدأت أقضي المزيد والمزيد من الوقت أتصفحه، ووجدت أنه ممتع. وكان من المثير للاهتمام رؤية تلك الشركات الصغيرة وهي تبدأ عملها. فقد انطلق اثنان من زملائي في جامعة ستانفورد وأسسا شركة ياهو، وقلت في نفسي: «رائع! هذه الشركة لا تعدو كونها قائمة أو دليلًا يدلك على مكان ما تبحث عنه. ومع ذلك هناك من استثمر مليون دولار في هذا.» ما أقصده هو أن الأمر هائل. وأدركت أن شبكة الإنترنت قد نشأت لتبقى، وبدأت أتصفحها وأتجول فيها وخرجت منها بفكرة إنشاء قاعدة بيانات في الواجهة الخلفية سهلة التثبيت. ويمكن استخدام برنامج التصفح ليكون الواجهة الأمامية للوصول إليها. ويمكن لهذه القاعدة حفظ أي معلومة في الخلفية، وبرنامج التصفح سيُستخدم لعرضها. ومن ثَم، يمكن للمستخدم البحث عنها وبإمكانه إنشاء قاعدة بيانات شخصية لأي شيء: معلومات اتصال، أو أرقام هواتف، أو ملفات خاصة أو أي شيء تقوم به على كمبيوتر شخصي محلي.

لذا وضعت خطة عمل، ولم أدرِ كيف أنفذها. فقد كنت وحدي وبدأت أفكر في طريقة لتأسيس شركة. وكنت أعرف جاك وأعرف أنه مهندس برامج وأجهزة ممتاز. لذا فقد أطلعته على فكرتي. فقرأ خطة العمل التي وضعتها وفي اليوم التالي قال لي: «إنها رائعة، أين أضع توقيعي؟»

وهكذا بدأنا، وقلت له: «ما يجب علينا فعله الآن هو الحصول على تمويل، ومحاولة توظيف المزيد من الأشخاص، والانتقال بهذه الخطة إلى المستوى التالي.»
ليفنجستون : هل ترك كلٌّ منكما عمله؟
باتيا : كلا، في الواقع كنا نحن الاثنين نعمل، ولهذا قررنا قضاء الإجازات الأسبوعية والأمسيات في تصميم هذا المنتج. ثم وصلنا إلى مرحلة تحتم على أحدنا ترك العمل للتركيز على المشروع والتفرغ له، لذا قلت لجاك: «إنني أعزب وليست لديَّ أسرة أعولها. لمَ لا تترك أنت العمل وتركز على هذا المشروع، وسأعطيك أنا نصف راتبي؟» وذلك حتى يستطيع الإنفاق على عائلته على الأقل. فلم أكن أنا بحاجة لكل هذه النقود.
بدأنا إنشاء المنتج ثم بدأنا البحث عن تمويل. فطرقنا أبواب عدة شركات لرءوس الأموال المخاطرة، ورفضت الكثير منها وتساءلت: «كيف ستحققان أرباحًا ما دمتما تنويان إتاحة المنتج مجانًا؟ ما آلية تحقيق العائدات؟» فكان ردنا أننا سنحصل على معلومات سكانية مفصلة عن المستخدمين، وأن هذه النوعية المفصلة من المعلومات ستساعد على الإعلان لهم. ولكن بالطبع لم تكن الإعلانات نموذجًا مؤكدًا لتحقيق الربح آنذاك.
ليفنجستون : كيف تحولت فكرة جافا سوفت إلى هوتميل؟
باتيا : أثناء قيامنا بوضع خطة العمل لجافا سوفت معًا، وعملنا في شركة فاير باور سيستمز، ثبتوا نظام حماية حول شبكة الشركة الداخلية منعنا من الدخول إلى حسابات البريد الإلكتروني الشخصية الخاصة بنا. وكان لديَّ حساب بريد إلكتروني على موقع ستانفورد وكان لجاك حساب على موقع إيه أو إل، ومن ثَم كان كل منا يفتح حسابه ويراسل الآخر منه. ولكن لم يعد بإمكاننا فعل هذا لأن نظام الحماية منعنا من الدخول إلى حساب البريد الإلكتروني الشخصي الخاص بكل منا. ومن ثَم انتهى بنا الحال إلى تبادل المعلومات على أقراص مرنة وقصاصات ورقية. وعندئذٍ خطر لنا ما يلي: «باستطاعتنا الدخول على أي موقع ويب في العالم عبر متصفح الويب. فإذا جعلنا خدمة البريد الإلكتروني متاحة عبر متصفح الويب، فإن هذا كفيل بحل المشكلة.»
ثم أدركنا أنه إذا كان هذا سيحل مشكلتنا، فإنه سيحل مشكلات غيرنا. لم نكن نعلم عددهم، لكن البريد الإلكتروني كان قد أصبح خدمة يستخدمها الجميع. وكانت إتاحة إمكانية الدخول على هذا البريد الإلكتروني من أي متصفح للويب من أي مكان في العالم فكرة مذهلة.
ليفنجستون : أتقصد أن هذه الفكرة المذهلة طرأت على ذهنيكما لأنكما كنتما تحاولان حل مشكلة تبادل رسائل البريد الإلكتروني الشخصية بينكما؟
باتيا : قطعًا. فقد كان بإمكاننا الدخول إلى بريدنا الإلكتروني الشخصي من مكانين فقط: المنزل والعمل. وبعد ذلك لم يعد بإمكاننا هذا ونحن في العمل.
ليفنجستون : فور تبلور فكرة إنشاء بريد إلكتروني على الويب في ذهنيكما، هل تخليتما على الفور عن فكرة قاعدة بيانات جافا سوفت، وسارعتما بحماس لتنفيذ مشروع هوتميل؟
باتيا : كنا ممزقين بين الفكرتين إلى حد ما. وكانت خطتنا تقوم على استخدام فكرة جافا سوفت للحصول على تمويل من أصحاب رءوس الأموال المخاطرة. ولكن كان السهم الحاسم في جعبتنا دائمًا هو البريد الإلكتروني، لأننا رأينا أن الموضوع أكبر من الفكرة الأصلية.
ليفنجستون : ولكنك لم تشأ إخبار الناس عن فكرتك المبتكرة خوفًا من تقليدها، أليس كذلك؟
باتيا : بلى، خوفًا من التقليد، وأيضًا من احتمال نقلها إلى شركة نت سكيب. أو أي شركة أخرى. هذا إلى جانب أننا في تلك الأيام لم نكن نملك شيئًا سوى الفكرة. وعندما كنا نعرض الأمر على أصحاب رءوس الأموال المخاطرة، كان يرفضون فكرتنا تمامًا لسبب أو لآخر، وكنا نرى بعض أسباب رفضهم أسبابًا تافهة، مثل أن يسأل أحدهم عن خبرتنا السابقة. لذا كنا نخبرهم أن خبرتنا في مجال هندسة الأجهزة. فكانوا يسألون: «ما لكم وتصميم البرامج؟!»
وقال كثير منهم أيضًا: «لكنكما أصغر مما ينبغي. هل لديكما أي خبرة في الإدارة؟» فكنا نجيب: «كلا، إننا شابان ولكن لدينا فكرة رائعة.»

كما أن عالم رءوس الأموال المخاطرة متشابك بدرجة كبيرة. فقد كانت شركة نت سكيب تصمم خوادم بريد إلكتروني. فهناك احتمال أن يطلب أحد أصحاب رءوس الأموال المخاطرة منها تصميم بريد إلكتروني على الويب. وهكذا ينتهي الأمر، وتضيع الفكرة. ولم يكن لدينا الكثير لنحميه من حيث حقوق الملكية الفكرية. فمن يصمم أولًا يربح الجولة.

ولهذا كنا خائفين فاحتفظنا بالفكرة سرًّا. ولكننا كنا ننوي إنشاء بريد إلكتروني على الويب مهما حدث، حتى إذا حصلنا على التمويل للفكرة الأخرى.
ليفنجستون : قرأت أنكما حكمتما على أصحاب رءوس الأموال المخاطرة من خلال رد فعلهم تجاه فكرة جافا سوفت. فهل خططتما لهذه الفكرة العبقرية؟
باتيا : نعم خططنا لهذا بالفعل. فلا يمكن الحصول على فرصة لمقابلة صاحب شركة رءوس أموال مخاطرة دون أن يكون في جعبتك خطة عمل تطلعه عليها، ولكننا لم نشأ نشر فكرة البريد الإلكتروني على نطاق واسع. ومن ثَم قررنا تقديم خطة عمل جافا سوفت في البداية.
فإذا اجتازوا هذا الاختبار الحاسم وهو عدم رفضنا استنادًا لأسباب غير وجيهة؛ أي إذا لم يعبئوا بصغر سننا وعدم امتلاكنا خبرة في الإدارة، فسنطلعهم على فكرة هوتميل، أي إننا لن نفعل هذا إلا عندما يبدءُون في الفحص الدقيق للفكرة الفعلية. ويعود السبب في ذلك لعدم ثقتنا بهم.
ليفنجستون : في النهاية اتجهتم إلى شركة درابر فيشر جرفتسون، واجتازت الاختبار. أخبرني عن قصة الحصول على تمويل.
باتيا : لقد أعجبتهم الفكرة على الفور. وقالوا: «سندعو أحد شركائنا للحضور وإبداء رأيه لأن المشروع قد يكون كبيرًا.» وهكذا جاء تيم درابر الأسبوع التالي وراقت له الفكرة أيضًا. وبعد اجتماع آخر قال: «حسنًا، إننا مستعدون لتمويلكما. هذه الفكرة أعجبتنا كثيرًا. كم تريدان؟»
أجريت بعض العمليات الحسابية السريعة وطلبت منه ٣ ملايين دولار، وهو المبلغ الذي تطلبته خطتنا التي كانت تعتمد على تعيين بضعة مهندسين.

لكنهم قالوا: «كلا، هذا مبلغ ضخم للغاية. كم تحتاجان لإثبات أنه يمكنكما القيام بهذا حقًّا؛ بل حتى إتاحة خدمة البريد الإلكتروني على الويب؟» فطلبتُ منه نصف مليون فعرض ٣٠٠ ألف دولار فقط. فوافقتُ.

كانوا يريدون أن تكون نسبتهم ثلاثين بالمائة من الشركة، وهو ما يجعل قيمة شركتنا مليون دولار. كانت المفاوضات مكثفة؛ فقد هددت أنا باللجوء إلى شركة أخرى إذا لم يدفعوا. وتوصلنا في النهاية إلى أن تكون نسبتهم في الشركة ١٥ بالمائة وقيمة الشركة بعد الاستثمار مليوني دولار. ولكنهم وضعوا شرط حق الرفض الأول. ونظرًا لأني كنت حديث العهد بعالم الأعمال في ذلك الوقت، لم أفهم أن هذا يعني في جوهره أنه لا يمكن اللجوء إلى أي شركة رءوس أموال مخاطرة أخرى. ومن ثَم، حتى إذا لم يكونوا قد حصلوا على النصيب الأكبر في الجولة الأولى، ففي أي جولة قادمة سيتمكنون من الاستيلاء على الجولة بأكملها.
ليفنجستون : أوَلم يوضح لكما محاميكما معنى هذا الشرط؟
باتيا : لم يكن لدينا محامٍ محنك آنذاك. وبالطبع حاولوا إقناعنا بهذا الشرط قائلين: «إننا معجبون بكم بشدة حتى إننا نريد أن يكون لنا حق تقديم الجولة التالية من التمويل. وإنه بإمكانكم اللجوء لآخرين أيضًا.»
ولكن هذا الشرط سبب لنا المتاعب. فقد أعاق قدرتنا على اللجوء إلى شركات رءوس أموال مخاطرة أخرى. وانتهى الأمر إلى عجزنا عن الحصول على قيمة مقدرة أعلى للشركة لأن شركة درابر فيشر جرفتسون كانت تريد زيادة النقود التي يستثمرونها في الشركة. ومن ثَم كلما حاولنا التوجه إلى شركة رءوس أموال مخاطرة أخرى، لجئوا لإثنائها عن التعاون معنا معللين ذلك بأن شركتنا دون المستوى. وهكذا، وجدنا أنفسنا ملزمين باللجوء إليها في الجولة التالية من التمويل.
ليفنجستون : إذن فقد قللوا من شأن شركتكما لدى شركات رءوس الأموال المخاطرة الأخرى؟
باتيا : نعم. بالطبع كان كل هذا في البداية، أما الآن فالأمور تسير على خير ما يرام، ولكن آنذاك … كانت هناك مذكرة بالشروط الأساسية تنطوي على قيمة مقدرة أعلى بكثير للشركة. ولكن كلما تحدثنا مع أي شركة أخرى، اتصلت هذه الشركة بشركة درابر فيشر فتنصحها بعدم الاستثمار في شركتنا.
ليفنجستون : ألم يقدموا لكما العون قط؟
باتيا : بلى. فقد كان ستيف جرفتسون متعاونًا للغاية، وعرفنا على الكثير من الأشخاص، وإجمالًا، فإنها شركة رءوس أموال مخاطرة جيدة من حيث إنها تحاول ربط جميع الصفقات معًا. لكنها في بعض الأحيان لا تلتزم بالقواعد.
وما لا يعرفه أحد هو أنهم وضعوا خمسة ملايين دولار في الشركة قبل إبرام الصفقة مع شركة مايكروسوفت، لا لشيء إلا لأنهم عرفوا أنها ستباع وأننا نحتاج إلى تمويل مرحلي. وقد أدى هذا إلى ارتفاع القيمة المقدرة للشركة إضافةً لبعض الحقوق التي لم يكن من المفترض أن تنتج عنها؛ مثل الأسهم الممتازة المشاركة في نصيب من الأرباح، التي تعني أنهم يستردون أموالهم في البداية ثم يشاركون في الباقي، ولم يكن ذلك سيئًا في جولات التمويل الأولى، ولكن ليس في الجولات اللاحقة. فكل ما كنا نحتاج إليه ونحن نتفاوض مع مايكروسوفت هو تمويل مرحلي. وكانوا يعلمون جيدًا أن مايكروسوفت ستستحوذ على الشركة، فكل ما كنا نتفاوض عليه هو السعر النهائي.
ليفنجستون : سنعود بعد قليل للحديث عن المفاوضات مع مايكروسوفت. ولكن هل ساعدتكما خبرتكما في مجال أجهزة الكمبيوتر في تصميم خوادم يمكنها تحمل الأحمال الكبيرة؟
باتيا : لقد ساعدتنا لأننا كنا على دراية بنوع المكونات التي سنحتاجها كي نتمكن من تسيير حركة دخول المستخدمين إلى موقعنا. وأيضًا عندما يكون المرء مصمم أجهزة كمبيوتر، يكون على دراية أكبر بكيفية تصميم البرامج ووصفها لأنه في الأجهزة لا يمكنك أن تخطئ. فكل لفة لكل واحدة من الرقائق تكلف الملايين من الدولارات، ومن ثَم عندما يضع مصممو الأجهزة أي برنامج، فإنهم عادةً ما يتقنون ذلك. وهم يستخدمون ما يطلق عليه آلة الحالة لوصف عمل البرامج. ويتيح لهم ذلك التأكد بدقة من النتائج؛ إذ تتحدد المخرجات على أساس المدخلات.
وهكذا فإنهم يصممون البرامج بكل دقة، ومن ثَم لا يرتكبون الكثير من الأخطاء. أما المتخصصون في تصميم البرامج فقط، فيتبعون أسلوبًا إبداعيًّا في التفكير وفي تصميم البرامج. ولكنهم يضيفون الكثير من السمات الإضافية غير الضرورية، ويقولون في أنفسهم: «إن هذا ليس بالأمر الخطير. فإذا كان هناك خطأ ما، فسنقوم بإصلاحه. سنوفر كود تصحيح.» ولكن لا يمكن القيام بذلك عند التعامل مع الأجهزة. فلا يوجد كود تصحيح. فبمجرد طرح رقاقة إلكترونية في الأسواق، يجب أن تكون صالحة للعمل دائمًا. ومن ثَم فإن هناك فارقًا فيما يتعلق بالاختبار، ولكني أرى أن مصممي الأجهزة بوسعهم أن يكونوا مصممي برامج بارعين للغاية أيضًا.
ليفنجستون : ألم يساورك قط القلق حيال مسألة الملكية الفكرية عندما تركت الشركة لتؤسس مشروع هوتميل؟
باتيا : كلا، فالشركتان مختلفتان تمامًا. فقد كنا في الشركة الأولى نصنع الرقاقات الإلكترونية، وهذا لا صلة له بالإنترنت.
ليفنجستون : إذن حصلت على ٣٠٠ ألف دولار وتفرغت للعمل في مشروع هوتميل. ماذا حدث في الأشهر الستة قبل إطلاق المشروع؟
باتيا : حصلنا على التمويل في ١٤ فبراير ١٩٩٦، وانطلق الموقع في ٤ يوليو. وفي الشهور الثلاثة الأولى كان لدينا ١٠٠ ألف مشترك، وظل العدد يزداد بسرعة كبيرة منذ ذلك الوقت. فكنا نحصل بالضبط على ١٠٠٠٢٠٠٠٥٠٠٠ عملية تسجيل يوميًّا.
ليفنجستون : كيف؟
باتيا : كان أمر الموقع ينتشر مشافهةً بين الناس. وقد أطلقنا حملة علاقات عامة ضخمة من خلال شركة علاقات عامة، وتحدثنا إلى الكثير من الصحفيين. وقمنا بجولة صحفية في الساحل الغربي والساحل الشرقي من الولايات المتحدة، وانطلق المشروع من هناك.
ليفنجستون : لقد وضعتما عبارة ترويجية في نص رسالة البريد الإلكتروني يشجع مستلم الرسالة على إنشاء بريده الخاص المجاني على هوتميل. فكيف خطرت لكما هذه الفكرة؟
باتيا : في الحقيقة هذه فكرة جاك. وقد عرضناها على شركة رءوس الأموال المخاطرة فقط لنتأكد من أنها مناسبة. فعندما تسعى لإقناع أحد بتغيير بريده الإلكتروني، يجب أن تكون شديد الحرص. فالمستخدم يرسل رسالة بالبريد الإلكتروني لأحد أصدقائه، ونحن بشكل ما ننتهك خصوصية هذه الرسالة بوضع عبارة ترويجية في نهايتها تقول: «أُرسلت هذه الرسالة عبر هوتميل. احصل على بريدك الإلكتروني المجاني على موقع hotmail.com
لذا فقد سألنا تيم عما إذا كان هذا الأمر مقبولًا. وأخبرناه أننا لا نود أن نبدو في صورة الشركة الشريرة بتغيير البريد الإلكتروني للمستخدمين. ولكنه قال: «كلا، لا بد أن تنفذا هذه الفكرة.»

وبعد ذلك عرفنا أنه ادعى أن هذه الفكرة فكرته. وقد أجرى العديد من المقابلات الشخصية والتي ادَّعى فيها بالفعل أنه صاحب فكرة إنشاء بريد إلكتروني على الويب، وأنه لولاه لما ظهر المشروع. ولا أصدق أنه نسب لنفسه الفضل في كل هذا، وفي ذلك فكرة العبارة الترويجية (التي أصبحت بعد ذلك النموذج التقليدي للتسويق الفيروسي). وهو لا يتورع عن ادعاء ذلك في المؤتمرات، وهو تصرف غير لائق من وجهة نظري.
ليفنجستون : هل ادعى حقًّا أن فكرة البريد الإلكتروني على الويب فكرته هو؟
باتيا : يقولون إنها فكرتنا ولكن بدونهم لم تكن لتظهر للنور، وإننا كنا سننفذ فكرة جافا سوفت. فعلى حد زعمهم، هم الذين طلبوا منا تصميم بريد إلكتروني على الويب في ذلك الاجتماع الأول الذي انعقد بيننا وبينهم. فما الذي يدفعهم لطلب هذه الفكرة منا؟
ليفنجستون : زادت قاعدة مستخدمي هوتميل أسرع من أي شركة أخرى في التاريخ في ذلك الوقت. في اعتقادك، هل يرجع هذا أكثر إلى جودة المنتج، أم لجودة حملة العلاقات العامة؟
باتيا : من سمات الإنترنت أنه إذا كان لديك شيء جيد فإنه ينتشر بين الناس مشفاهةً ومثل النار في الهشيم. كل ما عليك فعله هو اللجوء إلى شركة علاقات عامة صغيرة وإنجاز المهمة.
ليفنجستون : هل كنتما تنويان من البداية أن يكون هوتميل خدمة مجانية؟
باتيا : نعم.
ليفنجستون : كيف تمكنتما من إقناع الناس أنه يمكنكما جني الربح من الإعلان الموجه؟ فقد كانت هذه الفكرة جديدة للغاية آنذاك.
باتيا : كانت جديدة، ولكنها استُخدمت من قبل، لأن ياهو قد حصلت على التمويل (ثم طُرحت أسهمها للاكتتاب فيما بعد) على هذا الأساس. فقد كانت فكرتهم تقوم بالكامل على أساس تحقيق النمو بالإعلانات، مع أن الموقع لم يكن إلا دليلًا، لأن الناس سيدفعون نقودًا مقابل الدعاية.
كانت فكرتنا تقوم بالكامل على أنه إذا كان يمكننا اعتبار عدد مرات مشاهدة الصفحات سلعة يمكن بيعها وجني الربح من ورائها، فإننا سنحقق عدد مرات مشاهدة صفحات أكبر منهم بكثير لأن المستخدم يتفاعل أكثر وهو يستخدم البريد الإلكتروني. فعندما ينقر على شيء تظهر صفحة، وعندما ينقر على شيء آخر تظهر صفحة أخرى. ومن ثَم فقد كنا نفكر في عدد الصفحات وعدد مرات مشاهدتها على أنهما القيمة النقدية. وفي تقديرنا، كنا نرى أننا سنتفوق على ياهو من حيث عدد مرات مشاهدة الصفحات، وهو ما كانت ياهو تتباهى به.

وقد شهدت السنوات العشر الأخيرة نموًّا أكبر في مجال الإعلانات. ليس فقط من حيث عدد مرات مشاهدة الصفحات، بل من حيث معدل النقر على الإعلانات. ويعتبر الجزء الأكثر قابلية لتحقيق الربح في الإعلان (أو على الأقل الإعلان على الإنترنت اليوم) هو الانتقال بين المعلنين في إطار عملية البحث. فعندما يبحث المستخدم عن شيء، فإنه على الأرجح ينقر على الإعلانات لأنه يبحث عن شيء محدد.

وقد أثبتت شركة جوجل بما لا يدع مجالًا للشك أن معدل النقر على الإعلانات يدر نقودًا أكثر من عدد مرات مشاهدة الصفحات. فقد يصل عدد مرات مشاهدة الصفحات إلى مائة مرة وهذا له قيمته، ولكن معدل النقر على الإعلانات له قيمة أكبر بكثير لأن هذه هي الطريقة التي يقيس بها المعلنون مدى نجاح الإعلان أو فشله.
ليفنجستون : هل واجهتما صعوبة في الحصول على معلنين في البداية؟
باتيا : يستغرق الوصول إلى المعلنين وإقناعهم بالدفع وقتًا طويلًا. وفي الحقيقة، كنا نروج إعلانات المعلنين مجانًا في الشهور الثلاثة أو الأربعة الأولى. فأخذنا إعلاناتهم فقط لنثبت أن منصتنا توفر طريقة لطرح منتجاتهم أمام الملايين من المستهلكين.
وكان الناس يسألون كيف سنجني النقود. وكانت كل تلك الإعلانات المزعجة هي مصدر النقود. لقد كان الكثيرون يرون أن الإعلانات من السلبيات. ولهذا لم يستمر سوى محركين للبحث أو ثلاثة فقط بعدما كان هناك خمسة وعشرون. وقد انهارت المواقع الأخرى لأنها جعلت صفحاتها الأمامية تشبه نوادي قمار لاس فيجاس مقارنة بالواجهة الخالية البسيطة التي تعرضها جوجل. وفي رأيي، إن الاستراتيجية التي اتبعتها جوجل أفضل بكثير. فقد حازت ثقة المستهلك النهائي.
ليفنجستون : وهل جنت هوتميل أي أرباح من وراء الإعلانات في أي وقت؟
باتيا : كلا، لم تدر علينا الإعلانات أرباحًا. ولكننا لم نكن نخسر الكثير أيضًا. فقد اكتشفنا أننا لا نتقن بيع الإعلانات، لذا فقد عهدنا بالمهمة بالكامل لشركة أخرى وقلنا لهم: «بيعوا الإعلانات من أجلنا. ونحن سنركز فقط على عرض هذه الإعلانات بصرف النظر عن السعر الذي ستبيعونها به. كل ما سنحصل عليه هو نسبة من العائدات مع تحديد مبلغ معين كحد أدنى، ولن نلجأ نحن لخدمات شركة أخرى.»
وكان مبلغ الحد الأدنى هذا، والذي قدره نحو مليون دولار شهريًّا، كافيًا لنا كي نخرج من هذه التجربة دون مكسب أو خسارة. وكانت تكاليفنا منخفضة للغاية، فكنا ننفق نحو مليون دولار في الشهر. ومن ثَم، فإننا لم نكن نتكبد خسائر كبيرة، وفي الوقت نفسه لم نكن نحقق أرباحًا خيالية.
ليفنجستون : بالعودة مرة أخرى إلى الأشهر الستة التي سبقت إطلاق المنتج، دعنا نتحدث عن نقاط التحول الرئيسية.
باتيا : أظن أن أول نقطة تحول كبرى سبقت إطلاق المنتج كانت الحصول على تمويل قدره ٣٠٠ ألف دولار. فقد كان المبلغ ضخمًا بالنسبة لشابين مثلنا. وجاءت نقطة التحول الثانية عندما بدأت أستخدم المنتج وأخبرت أصدقائي وعائلتي عنه وبدأ ينال إعجاب جميع من استخدمه (٥٠ أو ١٠٠ شخص تقريبًا).
وبالطبع، كان اللافت في هذا الأمر هو أنه عندما أطلقناه أخيرًا، كان لدى كل منا جهاز بيجر يرسل لنا رسالة كل ساعة، حتى نعرف معدل نمو قاعدة المستخدمين الخاصة بنا. وكان الأمر مذهلًا، فكنا نتلقى رسالة أن ١٠٠ شخص سجلوا الساعة السابقة، ثم ٢٠٠ في الساعة التالية. وكان الجميع يعرفون عدد من يسجلون الدخول وكان هذا مشجعًا للشركة بأكملها.
ليفنجستون : هل جاء وقتٌ رأيت فيه أن الشركة تمر بمشكلة؟
باتيا : المرة الوحيدة كانت عندما اضطررنا للدخول في مفاوضات الجولة الثانية من التمويل. لم نكن نمتلك أي نقود، وكان تيم يحضر دورة الألعاب الأوليمبية في مدينة أطلنطا ورفض أن يمولنا لأننا أردنا الحصول على تقدير أعلى بنسبة ضئيلة. وهذا ما كانت تخبرنا به جميع شركات رءوس الأموال المخاطرة الأخرى، ولكنه أراد أن يستثمر في ظل قيمة مقدرة أقل. لم يكن لدينا من النقود إلا ما يكفي لأسبوعين، وكنت سأعجز عن دفع رواتب الشهر التالي. ولهذا ما إن عاد حتى اضطررنا إلى قبول شروطه والمضي قدمًا.
ليفنجستون : ألم يكن بإمكانكم من الناحية القانونية إثبات أن عدم موافقتهم على قيمة مقدرة أعلى معناه أنهم يرفضونكم؟
باتيا : في مثل هذه المواقف يجد المرء نفسه في مأزق، وعليه اتخاذ قرار بشكل أو بآخر والمضي قدمًا.
ليفنجستون : إذن فقد كان أكبر تحدٍّ واجه هوتميل في بدايتها هو التمويل؟
باتيا : نعم، التمويل. ثم بالطبع كان الجزء الصعب هو التوسع لاستيعاب هذا النمو. فكانت الخوادم ستنهار، وكان علينا أن نهتم بمشكلة القدرة على التوسع، وكيف يمكننا إضافة خوادم ونجعلها يمكن الاعتماد عليها بنسبة أكبر. فلم يكن الأمر يسيرًا على طول الخط.
ليفنجستون : هل حدث أن توقف الموقع من قبل؟
باتيا : نعم، في بعض الأحيان توقف الموقع لبضع ساعات ولم تكن لدينا نسخ احتياطية كافية، أو القدرة على إعادة الأمور إلى نصابها. أما إمكانية اعتماد المستخدم على الموقع فكانت مشكلة أخرى واستغرق الأمر منا بعض الوقت لحل هذه المشكلة.
ليفنجستون : هل مر عليكم وقت شعرتم فيه أنكم لن تستطيعوا الاستمرار في المشروع؟
باتيا : كنا نتصدى للمشكلات كلما ظهرت، فندخل نظامًا جديدًا، ونعيد تصميم بعض الأشياء. وكان المهندسون يعملون بجد شديد، وتمكنا من إنجاح المشروع بشكل ما. ولكن حتى الآن، في بعض الأحيان عندما تدخلين على هوتميل تجدينه يخبرك أن الخادم معطل. فهذه مشكلات معتادة عندما تكون قاعدة المستخدمين عريضة للغاية.
ليفنجستون : كانت فكرة وجود بريد إلكتروني على الويب جديدة على العالم. فما الذي أساء المستخدمون فهمه؟
باتيا : كان لدينا شاب يعمل في المبيعات سجل لوالدته، فقالت له والدته: «لقد تلقيت فعلًا رسالة إلكترونية منك، ولكن كيف يمكنني أن أقرأها؟» فقال لها: «انقري عليها يا أمي.» فلم تكن تعرف أنها يجب أن تنقر عليها!
سمعت قصة أخرى من رجل كان يقول إن أخته كانت تدخل على بريدها على الهوتميل ليس عن طريق الدخول على عنوان الموقع ولكن بالدخول إلى ياهو ثم كتابة كلمة hotmail ثم كانت تظهر لها صفحة الموقع ثم تسجل هي الدخول على بريدها الخاص. فكان يسألها عن سبب دخولها على بريدها بهذه الطريقة، فكانت تجيبه: «أخبرتني صديقتي أن هذه هي الطريقة التي ندخل بها إلى هوتميل ولذا هذا ما أفعله.» فكانت أنماط استخدام الإنترنت لدى بعض المستخدمين تحيرنا.
ليفنجستون : من كان أكثر من يثير قلقك من الناحية التنافسية؟
باتيا : كل الشركات العاملة في مجال عالم الإنترنت. ولكن أكثر ما كان يثير قلقنا شركات مثل نت سكيب، لأن نت سكيب كانت تصمم خوادم بريد إلكتروني وكانت ستوفر للمستخدم إمكانية الدخول إلى الخوادم عبر الويب. كانوا يرون أنهم يقدمون إمكانية إدارة عبر الويب لخوادم يمكن للمستخدم إنشاؤها. ومن ثَم يمكن لمدير النظام أن يرى عدد من سجلوا أو غير ذلك، ولكنهم لم يكونوا يقدمون خدمة بريد إلكتروني على الويب.
ولكن الجانب الإيجابي هو أن الكثير من الناس أكدوا أنهم غير واثقين أن البريد الإلكتروني يمكن تصفحه من خلال متصفح ويب. فقد كانوا يرون أن أفضل وسيلة للتعامل مع البريد الإلكتروني تكون عبر برنامج عميل بريد إلكتروني مثل أوتلوك إكسبرس. فهو ليس مكانه متصفح الويب. وهذا ما قاله جيري يانج في ياهو. وقد أسعدنا ذلك. فلم نواجه أي منافسة منهم خلال الشهور الثمانية الأولى تقريبًا، حتى وصلنا إلى مرحلة معينة لم يجدوا عندها خيارًا آخر سوى شراء شركة.

سمعت أن ياهو تخلت عن فرصة شراء جوجل مقابل مليون دولار، وهذا يعني أن جوجل في وقت ما كانت سترحب بأن تباع لهم مقابل مليون دولار.
ليفنجستون : انتهى الأمر بياهو إلى شراء روكيت ميل. وكانوا أول منافس حقيقي لكم، أليس كذلك؟ حدثني قليلًا عن هذا الأمر.
باتيا : كانوا شركاءنا. فقد كنا نحتاج إلى دليل من المستخدمين يمكن للناس البحث فيه وإرسال رسائل بريد إلكتروني إليه. وبدلًا من بناء دليل خاص بنا، شاركنا روكيت ميل. وأخبرناهم أننا سنستخدم دليلهم على موقعنا وأننا سنرسل لهم بيانات التسجيل الخاصة بنا حتى يمكنهم تسجيل حسابات البريد الإلكتروني الخاصة بمستخدمينا. فإننا لم نشأ إنشاء دليل يبحث فيه المستخدمون عن رسائل البريد الإلكتروني. فكل ما كان لديهم كان هو الدليل، وهذا هو مجال تخصصهم، وهذا هو مجال عملهم.
ورأوا بعد ذلك عدد عمليات التسجيل التي نرسلها لهم يوميًّا، ورأوا زيادة عدد المستخدمين من مئات إلى آلاف ثم إلى عشرات الآلاف، وحينها قالوا: «إننا لا يمكننا الحصول على هذا القدر من عمليات التسجيل على موقعنا. فيجب تصميم خدمة بريد إلكتروني.» ومن هنا قرروا إنشاء خدمة بريد إلكتروني، وهكذا ولِدت روكيت ميل.
ليفنجستون : هل أثار هذا استياءكم؟
باتيا : كانوا هم أيضًا يحصلون على تمويل من درابر فيشر جرفتسون. وهكذا وجدت الأخيرة اثنتين من شركاتها تنشئان نظامين مختلفين للبريد الإلكتروني.
بالطبع، أثار ذلك استياءنا، ولكننا لم نستطع التوجه إلى درابر فيشر لإبداء اعتراضنا. فقد كان ذلك قرارًا اتخذته الشركة، هذا ما أخبرونا به، وقد ضايقنا ذلك، ولكن آنذاك أدركنا أنه ينبغي ألا نطلع درابر فيشر جرفتسون على معلومات أكثر من اللازم.
ليفنجستون : إذن فلم تدخلوا في مواجهة مع روكيت ميل؟
باتيا : لقد أنهينا فقط شراكتنا معهم، وقررنا أن المنافسة هي الأهم.
ليفنجستون : ثم بدأتم في الدخول في مفاوضات مع مايكروسوفت؟
باتيا : بدأت المفاوضات مع مايكروسوفت بعد الاحتفال بعامنا الأول، أي في يوليو ١٩٩٧. ففي شهر أغسطس، اتصل بنا مسئولو شركة مايكروسوفت وقالوا: «إنكم تنجزون عملًا رائعًا. هل وصل حقًّا عدد المشتركين لديكم إلى سبعة ملايين مشترك؟» وعرفوا أن الرقم في تزايد وأرادوا معرفة كيف يمكننا تقديم خدمة بريد إلكتروني لسبعة ملايين مشترك، لأنهم كانوا يواجهون صعوبة في تقديم الخدمة لمليونين ونصف مليون مشترك في إم إس إن. وهكذا بدأنا نتحدث عن صفقة شراكة، وهكذا بدأ الحوار بين الطرفين.
ولقد وضعنا خطة عمل مفصلة عن كيفية تقديم خدمة البريد الإلكتروني للمشتركين لديهم، ثم قالوا إنهم يريدون إقامة علاقة شراكة أوثق من هذه بيننا وبين شركتهم، وإنهم يريدون الاستثمار في شركتنا. ودرسوا خطة العمل الخاصة بنا وسرعان ما أدركوا أننا نطمح أن نكون أكثر من مجرد شركة بريد إلكتروني. إننا كنا نريد أن نضم جميع السمات الأخرى أيضًا مثل الأخبار المخصصة وأشياء من هذا القبيل.

كنا آنذاك نريد أن نصبح بوابة إلكترونية. وكانت هذه هي خطتهم هم أيضًا، فجاءوا إلينا وقالوا إنهم لا يمكنهم ترك أحد مقدمي خدمة البريد الإلكتروني لهم يصبح منافسًا، وسألونا إذا كنا قد فكرنا في إمكانية استحواذ مايكروسوفت على هوتميل. فقلت لهم إنني لم أفكر في هذا الأمر من قبل، ولكن يمكن أن أفكر في أي شيء مقابل السعر المناسب.
ليفنجستون : حدثني عن عملية التفاوض.
باتيا : اتصلوا بنا لنلتقي ببيل جيتس في الثالث عشر من أكتوبر ١٩٩٧، واصطحبونا في جولة في مجمع مايكروسوفت والمقر الرئيسي ورأينا كل شيء. ثم اصطحبونا إلى مكتب بيل وقابلناه، ثم أُخذنا إلى غرفة بها طاولة عملاقة يجلس على أحد جانبيها ما يقرب من خمسة عشر مفاوضًا من مايكروسوفت وكان من بينهم متخصصون في تطوير الأعمال ومحامون ومحاسبون.
وقدموا لنا عرضًا عن مدى إعجابهم بالشركة وأشياء من هذا القبيل، وقالوا إنهم يودون شراء شركتنا وقدموا عرضًا بمائة وستين مليون دولار. وكنت أعرف أن هذه نقطة البداية في التفاوض حول السعر، فقلت لهم: «شكرًا جزيلًا على عرضكم. إننا معجبون بشركتكم حقًّا، ونرحب بإعجابكم بنا. سنعود إلى مجلس إدارتنا ونناقش هذا العرض ونرد عليكم.»

فقال المسئول المالي: «ألا يقترب هذا الرقم من التقدير الصحيح؟» فقد كان يريدني أن أقول أي شيء، ولكن هناك من أخبرني مقدمًا أنني إذا فتحت شفتي بكلمة، فلا سبيل للتفاوض مع هذا العدد الكبير من المفاوضين. فقد كنا نحن ثلاثة فقط؛ أنا وجاك سميث ونائب رئيس قسم التسويق لدينا.
ليفنجستون : لقد أعطتكم شركة رءوس الأموال المخاطرة الحرية للتفاوض، أليس كذلك؟ هذه مفاجأة لي.
باتيا : لحسن الحظ جاءت هذه المفاوضات في وقت مبكر، فلو كنا ننفق أموالًا طائلة، أو لو كنا موجودين في المجال قبل وقت طويل، لكانوا على الأرجح سيمارسون ضغوطًا علينا. ولكن آنذاك لم نتعرض لضغوط.
ليفنجستون : ما الذي دفعكم لمواصلة التفاوض حتى حصلتم على مبلغ ٤٠٠ مليون دولار؟
باتيا : ما إن يحقق المرء تفوقًا من حيث امتلاك قاعدة هائلة من المشتركين، حتى يحقق مكانة لا تُضاهى. فلا يمكن تكرار التجربة نفسها بسهولة. ولهذا كنت متأكدًا من ذلك حتى إذا بدءوا في تصنيع المنتج، فلم يراودني أدنى شك أن ذلك كان بإمكانهم؛ إذ كان يعمل الكثير من المهندسين والعباقرة في شركة مايكروسوفت. وفي ذلك الوقت كان لدى الشركة ما يقرب من ١٦ ألف مهندس، في حين كان العدد الإجمالي للعاملين بشركتنا ٦٠ شخصًا من بينهم ١٤ مهندسًا فقط؛ لذا فقد كان من السهل على مايكروسوفت اختيار ١٥ مهندسًا من بين ١٦ ألف مهندس لديها لتصنيع المنتج. ولكني كنت متأكدًا أيضًا أننا نحظى بزخم كبير، وهو من الأمور التي يصعب تكرارها.
ليفنجستون : لقد وصلت إلى هذا البلد لا تملك إلا ٢٥٠ دولارًا. ألم يكن من المغري أن توافق على البيع مقابل مبلغ ٣٠٠ مليون دولار مثلًا؟
باتيا : ما إن يتذوق المرء طعم هذا النوع من النجاح، وما إن يدرك أن الأمر ينجح ويصبح لديه مشتركون يمتدحون عمله، حتى يصبح واثقًا أنه سيصل إلى ما يريد. وهذا ما حدث بالضبط. فقد تحول اليوم هذا السبق الذي أحرزناه، من قبل، متفوقين على كل منافسينا واستمر لستة أشهر إلى سبق في عدد المستخدمين يتراوح بين ٥٠ و١٠٠ مليون.
وأيضًا عندما رأيت مدى إخفاقهم في تقديم خدمة البريد الإلكتروني لمليونين ونصف مليون مشترك فقط، أدركت أنهم لا يمتلكون هذه التكنولوجيا التي لدينا في مؤسستهم. لأنهم لو كانوا يمتلكونها لما طلبوا منا أن نمنحهم ترخيصًا باستخدامها. وإذا كنا اخترنا طريق الترخيص، أظن أننا كنا سنصبح في حجم شركة جوجل. لأن هذا ما فعلته جوجل، أليس كذلك؟ في البداية قالوا: «إننا نقدم خدمة البحث. فلماذا لا نرخص للآخرين هذه الخدمة؟» فقد كان هذا هو نموذج عملهم الأصلي. فقد رخصوها لياهو ومايكروسوفت وإيه أو إل، وازداد حجم شركتهم اعتمادًا على المشتركين.
ليفنجستون : هل تتمنى لو أنكم سلكتم طريق الترخيص؟
باتيا : كلا، كان الأمر سيزداد صعوبة؛ لأن تكلفة تقديم خدمة البريد الإلكتروني كانت أعلى بكثير من تكلفة خدمة البحث، مع أن البحث أكثر تحقيقًا للربح من البريد الإلكتروني من حيث إمكانية جني الربح من الإعلانات. لأنه عندما يبحث المستخدم عن شيء، يلجأ إلى النقر على كل ما يقابله تقريبًا. أما البريد الإلكتروني فهو الوجهة التي يقصدها المستخدم. فعندما تدخلين إلى بريدك الشخصي، لا تريدين أن يزعجك أي شيء يظهر أمامك، بل تريدين أن تقرئي نص الرسالة التي أرسلتها لك صديقتك. ومن ثَم فإنه هو المنتج النهائي. أي إنه ليس نوع المنتج الذي يقوم على أساس معدل النقر على الإعلانات. لذا لا أعلم إلى أين كان سينتهي بنا المطاف لو أننا سلكنا هذا الطريق.
ليفنجستون : عندما تنظر إلى تجربتك مع هوتميل، ما أكثر ما يفاجئك؟
باتيا : أظن أنني كنت أعرف أن هوتميل ستصبح ناجحة في يوم من الأيام. ولكن ما أذهلني حقًّا هو أن هذا كله حدث في غضون عشرين شهرًا من البداية إلى النهاية. فهذه الأمور لا تحدث كثيرًا؛ فقد أذهلني أن تكون الفترة منذ نقطة البداية إلى تحقيق النجاح أقل من سنتين. وهذا ما أذهلني. ولم أستطع حتى الآن تكرار هذا النوع من النمو والنجاح المذهلين.
وكنت سعيد الحظ أيضًا، فقد كنت في المكان المناسب في الوقت المناسب. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية كانت تشغل ذهني أفكار جديدة وشركات جديدة، وكنت أعمل بالفعل على مجموعة من الأفكار المهمة حقًّا. ولكني لا أظن أن أيًّا منها سينجح في مثل هذه الفترة القصيرة.
ليفنجستون : كانت فكرة إنشاء بريد إلكتروني على الويب واحدة من تلك الأفكار المهمة الواضحة للجميع. فلماذا خطرت هذه الفكرة على ذهنك أنت وجاك أولًا؟
باتيا : لا أعلم السبب. ودعيني أخبرك شيئًا آخر عن عالم الإنترنت: فهو يعج بآلاف الأفكار الواضحة الموجودة في هذه اللحظة التي نتحدث فيها. ولكن لا أدري السبب في تحقق بعضها دون الآخر. ربما تكون الحاجة هي ما يدفع المرء للاختراع، وفي حالتنا، كانت لدينا حاجة. وهذا هو ما دفع الفكرة للظهور إلى النور. ففي بعض الأحيان تكون الأفكار وليدة الضرورة، فتحلين مشكلة لنفسك، وتأملين أن تحليها لآخرين أيضًا.
الدرس الذي تعلمته من تجربتي أثناء إنشاء هوتميل ومنذ أن انتهيت منه هو أنه يجب أن تقيم علاقة قوية مع المستهلك. كان المستهلكون يأتون إلينا مجانًا على هوتميل. حتى إذا كانوا مستهلكين لسلعة مجانية، فقد علمتني خبرتي في السنوات العشر أو الخمس عشرة الأخيرة على الإنترنت أنه لا بأس إذا لم يمكنكِ الانتفاع ماديًّا من ورائهم مباشرة. ففي نهاية الأمر ستتمكنين من القيام بذلك. ولكن بعد بناء قاعدة من المستهلكين وعندما تكونين قادرة على استخدام هذه القاعدة وإقناعهم بشراء المزيد من الخدمات، أو بالإعلان، يمكنك دائمًا جني النقود من ورائهم بسرعة.
ليفنجستون : هل هناك أي نصيحة تود تقديمها لأي شخص يفكر في البدء في تأسيس شركة؟
باتيا : النصيحة العامة، وهي النصيحة التقليدية التي كثيرًا ما تتكرر، هي: احرص على وضع خطة عمل لأنها ستبلور أفكارك لنقلها للآخرين. وفور وضعها احرص على أن تطلب من شخص قراءة هذه الخطة وانتقادها وطرح الأسئلة عليك.
ولا يجب أن تكون خطة العمل من النوع التقليدي، أي أن تكون صفحاتها لامعة ومتخمة بالمعلومات. فهي في الأساس خطة تحدد طبيعة النشاط الذي ستمارسه الشركة، والمشكلات التي ستحلها، وحجم السوق، ومصادر دخل الشركة، واستراتيجية الانسحاب المتاحة أمام مستثمريك، والمبلغ المطلوب، وكيفية تسويق منتجك، ونوعية الموظفين الذين تحتاج إليهم، والمخاطر التكنولوجية، ومخاطر التسويق ومخاطر التنفيذ. هذه هي أسس عناصر خطة العمل، والكثيرون يلمون بها في أذهانهم ولكنهم لا يكتبونها.

النصيحة الثانية هي: لا تحاول تغيير سلوك المستخدم تغييرًا جذريًّا. فإذا كنت تتوقع أن يغير الناس جذريًّا الأسلوب الذي يتصرفون به، فإن هذا لن يحدث. حاول أن تجعل الأمر يبدو كما لو أنه تغيير بسيط، ولكنه مهم. فعلى سبيل المثال، السبب وراء نجاح هوتميل هو أن الناس قد اعتادوا زيارة مواقع مختلفة. وكل ما كان عليهم فعله هو كتابة أسمائهم وكلمة مرور ومعلومات قليلة عن أنفسهم فيصبح لديهم بريد إلكتروني. ومن ثَم من هذه الناحية، كان السبب هو سهولة الدخول على الإنترنت وامتلاك هوية عليه.

السبب الآخر في أن هوتميل أصبحت بشكل ما شركة علاقات عامة رائعة لنفسها، هو أنه في كل مرة يرسل فيها شخص رسالة بالبريد الإلكتروني، تُرسل من @hotmail.com. وينطوي ذلك على قيمة ضخمة تنبع من تمييز اسم هوتميل، أي وجود الاسم في عناوين البريد الإلكتروني. ومن ثَم عندما يمنح شخص ما بطاقة تعارف لشخص آخر عليها @hotmail.com، فإن هذا كفيل بنشر العلامة التجارية.

أما الدروس الأخرى فهي أنك يجب أن تمتلك العميل وأن تتأكد من أن هناك رابطة قوية بينه وبين المنتج وأن المنتج لا يواجه إلا الحد الأدنى من المقاومة قبل أن يصل إلى المستهلك النهائي. واعقد صفقات شراكة؛ فما فعلته شركة جوجل من خلال تلك الشراكات كان رائعًا؛ إذ منحت خدمة البحث لشركات أخرى لتساعدهم في إنشاء ما يسمونه ببواباتهم الإلكترونية. ولكن في النهاية، حصلت شركة جوجل على العملاء لأنها صاحبة العلامة التجارية.
ليفنجستون : لقد كنت مبرمجًا. كيف تعلمت إذن كتابة خطة عمل؟ حدثني عن تلك التي وضعتها لهوتميل.
باتيا : يتمتع البعض بمهارات هي في الأساس مواهب طبيعية، حتى عند الالتحاق بمدرسة أو كلية لسبب ما واكتساب المهارات. ومن المواهب الطبيعية التي أعتقد أنني أتمتع بها هي القدرة على التواصل. وخطة العمل ليست أكثر من طريقتك للتواصل مع شخص لا يجلس أمامك مباشرة، بل شخص متصور سيقرؤها. فحاول الإجابة على كل الأسئلة التي قد يطرحها هذا الشخص. وهذا هو وصف خطة العمل.
إنني لم أحصل على أي تدريب رسمي في هذا الشأن. كل ما فعلته هو أنني جلست وكتبت عن المشكلة التي كنا بصدد حلها، وفي فقرتين وصفت شبكة الويب العالمية وكيف تطورت وما الإمكانيات المستقبلية التي يمكن أن تمتلكها. ثم ذكرت المشكلة التي نحاول التصدي لها، وأوضحت الطريقة التي نأمل أن نتصدى لها باستخدامها. ثم بينت الطريقة التي نأمل أن نحول بها الفكرة إلى نقود، وما يمكن أن يحققه عدد مرات مشاهدة الصفحات في الويب إذا قارناه بنظيره في عالم النشر التقليدي. فإذا نقلتها إلى عالم الويب، فهذه هي الطريقة التي تتحقق بها. وهذا كل ما في الأمر؛ هذا هو جوهر خطة العمل التي وضعناها.

لقد وضعتها في ليلة واحدة، وفي اليوم التالي، ذهبت إلى العمل وأنا أبدو منهكًا ويثقل النوم جفنيَّ. فسألني رئيسي في العمل: «أكنت في إحدى تلك الحفلات التي تنتهي في وقت متأخر؟» فأجبته: «نعم، شيء من هذا القبيل.» فقال: «حسنًا إنك لن تتمكن من الإنجاز في عملك إلا بعد الظهيرة. يمكنك الانصراف خلال فترة الصباح.» ولكنه لم يعلم أنني ظللت مستيقظًا طوال الليل أضع خطة العمل ولم أكن أحضر أي حفلة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤