الفصل الثالث والعشرون

ديفيد هاينماير هانسون

شريك، شركة ٣٧ سيجنالز

ساعد ديفيد هاينماير هانسون في تحويل شركة ٣٧ سيجنالز من شركة استشارية إلى شركة إنتاجية في أوائل عام ٢٠٠٤. وكتب أول منتج للشركة واسمه بيسكامب وهو أداة على الإنترنت لإدارة المشاريع. وكتب أيضًا المنتجات المرافقة مثل باك باك، وتا-دا ليست، وكامبفاير.

وفي يوليو ٢٠٠٤، أطلق طبقة البرمجيات التي تشكل أساس هذه التطبيقات كإطار تطوير ويب مفتوح المصدر. وقد أصبحت «روبي أون ريلز» منذ ذلك الوقت إحدى أوسع الأدوات انتشارًا بين مطوري الويب، وبفضلها فاز هاينماير هانسون بجائزة مبتكر العام في مؤتمر أوريلي للبرمجيات مفتوحة المصدر عام ٢٠٠٥.

وفي يوليو ٢٠٠٦ (بعد إجراء هذه المقابلة) أعلن جيسون فرايد رئيس شركة ٣٧ سيجنالز على مدونة الشركة أن جيف بيزوس قد حصل على حصة ملكية خاصة غير مسيطرة.

***

ليفنجستون : لم تكن شركة ٣٧ سيجنالز في البداية شركة ناشئة، أليس كذلك؟
هاينماير هانسون : أسس جيسون فرايد ٣٧ سيجنالز لتكون شركة لتصميمات الويب عام ١٩٩٩. وتحولت من شركة استشارية إلى شركة إنتاجية عند ابتكارها لبيسكامب. وأنا جزء من فريق إدارة النسخة الثانية من ٣٧ سيجنالز.
ليفنجستون : إذن فإن إطلاق بيسكامب كان نقطة تحول جوهرية للشركة؟
هاينماير هانسون : إنه لم يكن تحولًا مفاجئًا. فبينما كنا نطور بيسكامب، كانت الشركة مثقلة بعمل كثير للعملاء، ومن ثَم لم نستطع أن نكرس أكثر من نحو ثلث وقتنا له. وهو لم يكن من المشاريع التي ننجزها للعملاء، بل ابتكرناه كأداة داخلية تتيح لنا إدارة عمل عملائنا.
ليفنجستون : دعنا نعد إلى فترة إطلاق بيسكامب والتحول الذي صاحبها.
هاينماير هانسون : كنت أعمل مع شركة ٣٧ سيجنالز كمتعاقد عندما كنت على وشك الحصول على شهادتي الجامعية. فكانوا يضعون التصميم وأنا أتولى البرمجة. وبعد بضع سنوات، أصبح من الواضح أنهم يحتاجون لأداة متخصصة في إدارة معالجة مشاريع العملاء. فلم يكن أحد يدري ما يفعله الآخر. وكان الأمر غير منظم إلى حد بعيد وبدأ يقل عن المستوى الاحترافي.
فجاءتنا فكرة مفادها أن المدونات تعتبر طريقة رائعة لتوزيع المعلومات بين الناس. وكانت لديَّ مدونة، وهي لاود ثنكنج، وكان لدى الشركة مدونة يطلق عليها سيجنال فيرسز نويز. لذا فقد قررنا اتباع فكرة المدونات وتطبيقها على إدارة المشروعات.

وكانت تلك هي بدايتنا: فكانت مدونة المشروع هي أول جزء أُنجز من بيسكامب. وقد أنجزنا المنتج في غضون شهر تقريبًا ثم بدأنا نستخدمه لإدارة بيسكامب نفسه. وسرعان ما أصبحت تلك الأداة تتمتع باكتفاء ذاتي بمعنى أننا كنا نستخدم بيسكامب لبناء بيسكامب.

وعندما عرضناه على زملائنا من العاملين في المجال، سرعان ما أدركنا أن الآخرين يواجهون المشكلة نفسها؛ فلم تكن تتوافر الكثير من البرامج للشركات الصغيرة لإدارة المشاريع. فقد كان برنامج مايكروسوفت بروجكت والأساليب الأخرى الشهيرة تعتمد على إدارة المسار الحرج وأدوات قد تناسب مشروعًا يشترك فيه ٢٠٠ شخص في موقع إنشاء، لكن ليس لثلاثة أشخاص يحاولون تقديم تطبيق من تطبيقات الويب.

فبدأنا من منطلق أن هذا سيساعدنا في تلبية احتياجاتنا في مجال تقديم الاستشارات. وكلما تلقينا المزيد من ردود الأفعال، أدركنا أن الوقت المناسب قد حان كي نبدأ في التفكير في تحويل هذا المنتج ليصبح من منتجات شركة ٣٧ سيجنالز.
ليفنجستون : هل تذكر تلك اللحظة؟
هاينماير هانسون : كان التطبيق يحقق انتشارًا، وكنا نتلقى ردود الأفعال من أشخاص نكنُّ لهم الاحترام، كانوا يبدون رغبتهم في الحصول على التطبيق. فشعرنا أنه سيكون من الأنانية أن نحتفظ به لأنفسنا فقط.
ليفنجستون : ما أكثر السمات التي أعجبت المستخدمين عندما شاهدوا الأداة؟
هاينماير هانسون : الطريف أن معظم الناس أعجبتهم السمات التي لا تتوافر في بيسكامب. فقد كانوا معتادين على المنتجات هائلة الحجم المزعجة التي تحاول تنفيذ كل شيء، مع أنهم كانوا يحتاجون لشيء بسيط.
وقد واجهتنا معضلة إما أن نعمل ببرنامج مايكروسوفت بروجكت وإما بالبريد الإلكتروني، وهناك فجوة شاسعة بينهما. فإدارة مشروع عن طريق إرسال وتلقي رسائل بريد إلكتروني أمر محفوف بالفوضى ولا ينجح، لكن السبيل الآخر هو أن تكيِّفي النشاط الذي تقومين به ليناسب ما تفرضه عليك تلك التطبيقات الشهيرة.

لقد كان بيسكامب يحاول أن يسبق البريد الإلكتروني بخطوة. وانطلاقًا من ذلك الهدف المتواضع، كان علينا اتخاذ الكثير من القرارات بشأن الحرص على تحري البساطة فيما نقوم به. إذ كنا نحاول منذ البداية التقليل من البرامج التي نبتكرها. فذلك من شعاراتنا. فحين نتمكن من إنجاز نموذج بسيط نعتبر ذلك انتصارًا؛ إذ يترتب على ذلك تقليل الجهد المبذول في البرمجة. لقد كنت أنا المبرمج الوحيد بالشركة، وكنت أكرس عشر ساعات أسبوعيًّا لهذا العمل عندما كنا نطوره.

وكانت شركة ٣٧ سيجنالز تدفع لي مقابل ذلك من عائدات عملها في مجال الاستشارات، لأننا لم يكن لدينا موارد مالية لتمويله. أي إن عملية التطوير كانت موكلة إلى مبرمج واحد لا يخصص لها إلا ربع وقته، ولم تكن هناك موارد مالية مخصصة لذلك. وكان المصممون يخصصون له ثلث وقتهم على الأكثر. وأدركنا خلال هذه العملية أن تلك القيود — التي تبدو سلبية — كانت أعظم منحة ميزت تطوير بيسكامب.

وقد ساعد نموذج التطوير الذي تكتنفه القيود هذا على توجيه اهتمامنا إلى ما نحتاج إليه، وأُجبرنا على اتخاذ قرارات صعبة فيما يخص الترشيد في صنع البرامج طوال الوقت. وظللنا نتلقى ردود أفعال من العملاء يقولون فيها: «تعجبني هذه الأداة، فهي سهلة الاستخدام. وهي مزودة بالسمات التي أحتاج إليها وليس كل السمات الأخرى ذات الصلة.» ولم تتَحْ لنا الفرصة لنقترح إدخال سمات معينة عليها.

واتضح أنه عندما لا يصمم المرء سوى برامج يحتاج إليها فعلًا، لا يحصل على برامج أكثر مما سيستخدمه. ولهذا لم نكن نخشى المنافسة من الكبار. فإذا قررت مايكروسوفت منافسة بيسكامب، كانت ستخصص فريق عمل يتكون من عشرين فردًا لتنفيذه وستمنحهم ستة أشهر لابتكار شيء. لأنه من المعتاد في الشركات الكبيرة أن تُخصص موارد كثيرة للمشروعات. لكن ليس من المفترض التوصل لابتكار منتج مثل بيسكامب إلا في ظل وجود عراقيل كما كان الحال معنا. إذ إن الدافع لإنجاز منتج يشتمل على كل السمات الممكنة، أو على الأقل المبالغة في إدخال سمات إضافية، ينطوي على إغراء شديد.

لم يكن هذا يعني بالضرورة أننا مبرمجون ومصممون بارعون، لكن كان التميز ينبع من تقبلنا للقيود التي أجبرتنا على هذا الأسلوب. فإذا أتيح للفريق نفسه العمل في بيئة يتوفر فيها كل ما يحتاج إليه من مال ووقت، لما تمكنا من تصميم بيسكامب مرة أخرى.
ليفنجستون : هل أثارت أي منتجات منافسة قلقكم؟
هاينماير هانسون : كانت هناك بضع شركات تسعى لإنتاج منتجات مماثلة، لكن معظمها كان يسعى لتنفيذ الإدارة المتكاملة للمشروعات مثل: إصدار الفواتير وتتبع الوقت وغير ذلك من المهام التي لم نسعَ لتقديم حلول لها.
لقد انتقينا بضع سمات بسيطة مثل: مدونة المشروع، وتعقب أهم مراحل المشروع، ومشاركة الملفات وقوائم المهام المقرر إنجازها. ولم نتوسع لما يتعدى ذلك في الواقع، فقد حاولنا فقط تنقيح تلك العناصر البسيطة القليلة.

والطريف في الأمر هو أنه من بين الأسباب الأخرى التي يعود إليها نجاح بيسكامب هو أنه ليس متخصصًا بالمقارنة مع غيره. لقد بدأنا وفي نيتنا تصميم أداة للشركات المتخصصة في الخدمات الإبداعية، مثل شركتنا. لكننا في الواقع لم نضم أبدًا أشياء معينة للخدمات الإبداعية: مثل إعداد الفواتير وتتبع الوقت وغيرها. ومن ثَم كان المستخدمون يستخدمون بيسكامب لجميع أنواع المشروعات، مثل تنظيم حفلات الزفاف، ومشاريع تجديد المنازل، والأعمال الجماعية الطلابية. والسبب الوحيد لنجاحنا في جذب كل هؤلاء المستخدمين الذين يحتاجون لمساعدة في إدارة المشاريع هو أننا لم نكن نسعى لتقديم خدمات متخصصة أكثر من اللازم.

ولهذا السبب أظن أنه لو كان لدينا المزيد من النقود والوقت لإضافة سمات تناسب الشركات المتخصصة في الخدمات الإبداعية، لكنا تسببنا في إغلاق سوقنا بالكامل أمام جميع المستخدمين الذين يستخدمون بيسكامب لأنواع من المشاريع لم نكن حتى نتخيل طبيعتها.
ليفنجستون : إذن فقد صممتم ذلك المشروع الجديد ولم يكن لديكم ميزانية تسويق. فماذا حدث بعد ذلك؟
هاينماير هانسون : لم ننفق دولارًا واحدًا على الإعلان عند طرحه. ومع أن بيسكامب يعتبر خدمة شهرية فلن تضطري لدفع أي مقابل عند التسجيل لأول مرة. فإذا كنت بحاجة لإدارة مشروع واحد، يتاح لك استخدام المنتج مجانًا مدى الحياة. ولهذا فإن الكثيرين قد سجلوا لاختباره في مشروع محدد.
وما إن يدركوا أنهم يودون استخدامه مرة أخرى على مشروع آخر، حتى يتاح لهم ترقية الخدمة إلى المستوى الأعلى. فيمكنهم شراء أول نسخة بمقابل وهي تتيح لهم إعداد ثلاثة مشاريع، كما تتيح لهم إمكانية تحميل الملفات مقابل ٩ دولارات شهريًّا. ومن ثَم فإننا نقدم منحنى ترقية غير مبالغ فيه يمكن للمستخدم أن يتدرج فيه من عدم دفع أي مقابل إلى دفع مبلغ بسيط. وأغلى نسخة تكلفتها ٩٩ دولار شهريًّا. ونظرًا لأننا نفرض رسومًا شهرية، يتاح للعملاء الاستفادة من ميزة تقليل المخاطرة. فيمكنهم الاشتراك لشهرين، وإذا لم يكن المنتج يناسبهم، يمكنهم إلغاء الاشتراك بسهولة. وكانت هذه من أقوى الأدوات التسويقية.

وكانت مدونة سيجنال فيرسز نويز تحظى بعدد كبير نوعًا ما من المتابعين في أوساط المهتمين بتطوير الويب. وكانت أول سوق كبيرة لبيسكامب تتألف من شركات الخدمات الإبداعية. ونظرًا لاطلاع تلك الشركات على الخدمات التي تقدمها ٣٧ سيجنالز، فقد تصرفنا عكس المعتاد، إذ كوَّنا جمهورًا أولًا ثم ابتكرنا المنتج. فقد كنا نكتب في المدونة عن بيسكامب حتى قبل إطلاقه، ونقدم عروضًا مسبقة له، وهكذا انتشر انطلاقًا من هناك. ومن ثَم فقد أفادنا وجود جمهور كبير للشركة واتباعها لطريقة سهلة للبيع لذلك الجمهور.

والغالبية العظمى من عملائنا الجدد كانوا قد سمعوا عنه من شخص آخر أو قرءُوا عنه في المدونة. وكانوا يشتركون للحصول على النسخة المجانية، ويعتبر هذا أفضل خيط يمكننا استغلاله. فهو لا يكلفنا أي شيء في المقام الأول، ولا يكلفنا الكثير للبقاء في المقدمة، لأنه لدينا مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين أصبحت لديهم دراية بالمنتج الذي نبيعه لأننا أتحنا لهم فرصة استخدامه بدون مقابل، مع أنهم يحصلون على مشروع واحد فقط مدى الحياة. ونحن لا ننتزعه منهم في غضون ثلاثين يومًا. ومن ثَم فإن ذلك يسهم في خلق قدر كبير من السمعة الطيبة في المراحل المبكرة من العلاقة مع العملاء. وتعتبر هذه الطريقة من طرق البيع الفعالة للغاية.
ليفنجستون : هل هناك ما باء بالفشل؟
هاينماير هانسون : ارتكبنا مجموعة من الأخطاء. فقد أجَّلنا عملية الإطلاق لشهر تقريبًا. في البداية كنا ننوي تحصيل رسوم من المستخدمين مرة واحدة سنويًّا بأسعار ٩٩ دولارًا، و٢٩٩ دولارًا، و٤٩٩ دولارًا للخطط المختلفة. وصممنا نظام تحصيل الرسوم بالكامل، وهو ما استغرق جانبًا كبيرًا من وقت التطوير. ولم نكتشف أن البنك لن يدعنا نحصِّل الرسوم بهذه الطريقة إلا قبل ثلاثة أيام تقريبًا من استعدادنا للإطلاق. فلم يسمح لنا البنك ببيع خدمة سنعد بتوفيرها على مدى عام كامل، لأنه سيصبح مسئولًا عن النقود إذا توقفت الشركة عن العمل بعد بضعة أشهر من إبرام اتفاق قدره ٥٠٠ دولار. وقد رفض البنك ذلك لعدم وجود تاريخ طويل لنا معه.
وهكذا أنشأنا نظام تحصيل رسوم شاملًا مخصصًا لتحصيل الرسوم مرة سنويًّا دون أن نتمكن من استخدامه. فاضطررنا لإعادة الكرَّة وضبطه للعمل شهريًّا بدلًا من ذلك. ولكن اتضح أيضًا أن ذلك لمصلحتنا. فقد أجلنا الإطلاق لشهر تقريبًا وأصبحنا نفرض رسومًا شهرية على المستخدمين، لكننا تمكنا من فرض رسوم قدرها ضعف قيمة الرسوم السنوية. فالخطة التي كان المستخدم يحصل عليها مقابل ٩٩ دولارًا في العام أصبحت الآن متاحة مقابل ١٩ دولارًا في الشهر، أي ٢٢٤ دولارًا سنويًّا. وهكذا فقد رفعنا الأسعار، وفي الوقت نفسه قدَّمنا عرضًا أقل خطورة للشركات الصغيرة لأنها لن تكون مضطرة لدفع رسوم مقابل الخدمة لعام كامل.

ومن بين الأخطاء التقنية التي ارتكبناها في البداية هو أننا كنا نرى أن بيسكامب أداة مخصصة للشركات المتخصصة في الخدمات الإبداعية. ومن هذا المنطلق، يكون لديك شركة وعميل ومن ثَم يصبح الأمر علاقة طرفين فقط. وقد اشتدت وطأة هذا الافتراض كثيرًا. فعلى سبيل المثال، تحتوي قاعدة البيانات على رمز تعريف للعميل ورمز تعريف للشركة. والآن بعد أن أصبح الناس يستخدمونها، كنا نجد حالات يطلب فيها المستخدم التعامل مع شركتين. فماذا سنفعل؟ إذ لم يكن بإمكان بيسكامب تنفيذ ذلك. وكان ذلك الافتراض يضرب بجذوره في صميم النظام حتى إن الأمر استغرق منا عامًّا ونصف العام تقريبًا لإصلاحه، وهو ما كان أمرًا سلبيًّا.

وهناك خطأ آخر لافت للانتباه هو أننا لم نضع في اعتبارنا المناطق الزمنية. فكان بيسكامب يعمل لمعظم الوقت على افتراض أن الجميع يعمل بالتوقيت القياسي المركزي، مع أنني كنت في كوبنهاجن التي كان فرق التوقيت بينها وبين شيكاجو يبلغ سبع ساعات. ومن ثَم كان المستخدمون في أستراليا يحصلون على تاريخ بداية أو انتهاء مرحلة من المشروع بعد تأخير مدته يوم. إننا لم نهتم حقًّا بمسألة الوقت لأنه عادة لم تكن لدينا مواعيد محددة لتسليم العمل. لقد كانت لدينا مهام نود تنفيذها، لكن لم يكن من المهم تسليمها بتأخير مدته ساعتان أو مقدمًا بساعتين. وبالطبع لا تعمل كل الشركات بهذا الأسلوب.

هذا إلى جانب أن بيسكامب لم يكن يستخدم عامل الوقت كثيرًا. فالمكان الوحيد الذي كنا نعرض فيه الوقت كان في التعليقات. أما على الموضوعات نفسها، فكان فقط يعرض التاريخ ومرحلة المشروع. ومن ثَم لم يكن بإمكان المستخدم اكتشاف أن هذه السمة غير عاملة ما لم يكن في منطقة التوقيت القياسي المركزي. وفي الدنمارك، كان النظام يفيد أننا ما زلنا في اليوم السابق وذلك لمدة سبع ساعات بعد منتصف الليل. ومن ثَم كانت مشكلة كبيرة للشركات التي تحتاج إلى التقيد بأوقات محددة. وكانت دائمًا مشكلة كبرى للمستخدمين في أستراليا. ففي نصف الحالات يلاحظ وجود تأخير بواقع يوم. وقد عدنا لإصلاح تلك المشكلة أيضًا.
ليفنجستون : هل كنت أنت المبرمج الوحيد؟
هاينماير هانسون : كنت المبرمج الوحيد حتى فبراير ٢٠٠٥ عندما أحضرنا المبرمج الثاني. لكني كنت المبرمج الوحيد ومدير النظم لبيسكامب لما يزيد عن عام.
ليفنجستون : وبالإضافة إلى جميع مسئولياتك، كنت أيضًا بصدد تأسيس مشروع ريلز. كيف تمكنت من القيام بهذا؟
هاينماير هانسون : عندما تضطرين لتنفيذ مشروع مثل بيسكامب وليس لديك سوى عشر ساعات في الأسبوع، لا يمكنك إهدار وقتك في أشياء غير منتجة. فأنتِ تدركين الأدوات التي لا تساعد بالضرورة على رفع قدرتك الإنتاجية وتسعين للحصول على أدوات تساعدك.
وهذه هي الطريقة التي اكتشفت بها روبي. لقد كانت تجربة لطيفة للغاية لي، وأداة تساعد على رفع الإنتاجية. وكانت لديَّ دراية بالبرمجة بلغة بي إتش بي. وسبق لي البرمجة بلغة جافا أيضًا وبيئات أخرى ولم أكن أجد شيئًا آخر يتيح لي — كمبرمج أعمل وحدي — أن أنجز جميع هذه المهام.

ثم صممت ريلز على أساس روبي ليساعدني في تصميم بيسكامب ويدفع هذا المشروع في المسار المطلوب. لأننا لم نشأ الاستعانة بالمزيد من المبرمجين. وكنا نريد الاحتفاظ بتلك القيود التي تواجهنا، ومن ثَم كان علينا أن نبتكر أدوات تتيح لنا القيام بذلك. وأظن أن ذلك يعلل النجاح الذي لاقاه ريلز؛ فقد نشأ في بيئة ينصب اهتمامها على الإنتاجية، وكانت تهتم اهتمامًا كبيرًا بإمكانية تأدية العمل تحت هذه القيود. فقد كنت أصمم ريلز وأنا أصمم بيسكامب، بل بالأحرى كنت أصمم بيسكامب، وأثناء ذلك، كنت أبتكر ريلز.

ومن ثَم كنت أقوم بما أحتاج إليه من أجل بيسكامب، ثم أكتشف أن هناك سمة تبدو شاملة، ويمكنني أن أستغل هذه السمة وأضعها في صندوق الأدوات ريلز. وبمرور الوقت، ازداد حجم صندوق الأدوات، وفي مرحلة ما من العملية أدركت أن صندوق الأدوات الشامل هذا الذي أملكه مفيد للغاية وربما يمكن للآخرين استخدامه للقيام بما كنا نقوم به في شركة ٣٧ سيجنالز، وهو الحرص على استخدام موارد أقل وتصميم برامج أقل.

وعندما أطلقنا بيسكامب، كان ٤ آلاف سطر كود، وهو ليس بالقدر الكبير. وقد أخبرني أحد الأشخاص الذين يعملون الآن في ريلز أنه كان لديهم ملف تهيئة واحد بصيغة إكس إم إل كان يتكون من ٥ آلاف سطر!

أطلقنا بيسكامب في فبراير ٢٠٠٥، وفي ذلك الوقت كنت واثقًا من رغبتي في إطلاق ريلز. وقد واجهنا فترة مفعمة بالنشاط المتزايد بعد إطلاق بيسكامب حين كنا لا ننفك عن تقديم مجموعة كاملة من السمات الجديدة.

إننا دائمًا نقدم تحديثًا كبيرًا في غضون ٣٠ يومًا بعد أن نطلق منتجًا جديدًا. لأن هذا من شأنه أن يدعم إحساس المستخدم بالمنتج. فإذا اشترى المنتج في اليوم الأول، ثم رأى تحديثًا جديدًا كبيرًا بعد أسبوعين، يسعده ذلك. ولعل من أسرار تسويق المنتجات التي نحتفظ بها هو أن نحرص على ألا يكون إطلاق المنتج نهاية المطاف. فلا نتنفس الصعداء فور إطلاقه ونعتبر أن المهمة انتهت، ونذهب في إجازة. وإنما في هذه المرحلة نستمر في الترويج له بهدف تذكير المستخدم به.

وهكذا أطلقنا المنتج في فبراير وبحلول ذلك الوقت، كنا قد أنجزنا تقريبًا إطار عمل مكتملًا لريلز، لكني لم أشأ إطلاقه بعد؛ لأنني كنت أريد توثيقه. فقد كنت أستخدم برمجيات مفتوحة المصدر لوقت طويل حتى إنني شعرت بضيق شديد من أن الكثير منها مزودة بتوثيق سيئ. ولم أشأ أن يكون هذا هو حال ريلز، لذا أجلته لشهرين، ثم طرحته بعد نحو ٣ أو ٤ أشهر من طرح بيسكامب.
ليفنجستون : هل جاء عليكم وقت شعرتم فيه بالعجز عن تنفيذ كل هذا؟
هاينماير هانسون : في بعض الأحيان، لكن كلما تسللت إلينا تلك المشاعر رأيناها كإشارات على أننا نحاول تنفيذ مهام أكثر من اللازم، ومن ثَم كنا نحاول التوصل لطريقة تتيح لنا إنجاز السمة المطلوبة بقدر أقل من الهندسة والبرمجة. وبدأنا نطبق أسلوبًا رائعًا، فكلما قررنا القيام بشيء جديد، عقدنا جلسة نتبادل فيها مناقشة الأفكار، وحاولنا أن نبحث عن الفكرة التي تتطلب أقل قدر من العمل.
وقد طبقت الأسلوب نفسه في تطوير ريلز. فعندما تحاولين تنفيذ ١٠٠ بالمائة مما يريده شخص، تحتاجين إلى تحقيق التطابق التام، ومن النادر جدًّا أن تضمني التطابق التام بين ما كنت تظنين أن الناس تحتاجه وبين ما يحتاجونه بالفعل. فإذا حاولت بدلًا من هذا تحقيق ٨٠ بالمائة من احتياجاتهم، فإن هناك فرصة كبيرة لتحقيق أفضل النتائج.

وهكذا كانت فكرة ريلز تقوم على محاولة الوصول إلى ٨٠ بالمائة طوال الوقت دون الاهتمام حقًّا بنسبة ٢٠ بالمائة الباقية التي تتصل بالموقف الذي نحن بصدده. وعندما أطلقنا ريلز، كان حجم الكود ألف سطر فقط. فمع أننا أنجزنا كل هذه الأشياء، فإن الأمر لا ينطوي على قدرات خارقة تفوق طاقة البشر. إننا لا ننتج المزيد من سطور البرامج أكثر من الآخرين، بل نحرص على أن يشتمل كل سطر على الكثير.
ليفنجستون : أي إن احتياجاتك كانت هي الدافع وراء الجانب الأكبر من ابتكاراتك وليس طلبات العملاء؟
هاينماير هانسون : هذا ما حدث إلى حد بعيد. فمن الجيد أن تتحكم السوق في قراراتك من حيث ضرورة الإلمام بمجريات الأمور، لكن لا يمكنك ترك عملائك يتحكمون في تطور منتجك. بل ينبغي أن تكوني قادرة على الابتكار نيابة عن عملائك، لكنهم لا يعرفون غالبًا طبيعة احتياجاتهم. والأمر نفسه ينطبق على المبرمجين. فإذا قمت بجولة بينهم واستفسرت منهم عن احتياجاتهم في إطار عمل ما، فلن تحصلي على منتج جيد من هذا. إذ من الضروري استقاء المدخلات من عدة مصادر، ثم يعقب ذلك تكوين تصور لما سيكون عليه المنتج ثم دعمه.
فينبغي دعم تطوير الإطار وتطوير المنتج بتصور قوي، على نحو يجنبك الشعور بالخوف من مضايقة أحد. إننا لا نخشى أن نقول لأحد عملائنا: «ربما لا يناسبك بيسكامب. فإذا كنت تريد هذه السمات الخمس، فربما يجدر بك البحث عن شيء آخر.»
ليفنجستون : نظرًا لأنكم أصبحتم تتمتعون بشهرة واسعة، هل سعى المستثمرون إلى إبرام اتفاقات معكم؟
هاينماير هانسون : نعم. لقد تلقينا اتصالات كثيرة من أصحاب رءوس أموال مخاطرة. لكن من بين الأمور التي نرى أننا لا نهتم بها حقًّا هو أن الكثير من الشركات تحصل على أموال مع عدم حاجتها إليها. فنحن كنا نرى أن عدم توافر المال الكافي وسيلة رائعة للحصول على منتج رائع؛ لأنها وسيلة تساعد على التركيز.
وصممنا على عدم الحصول على أي أموال من مصدر خارجي. وحرصنا على عدم ضم المزيد من الأفراد لفريقنا. فنحن نحاول أن نصمم منتجاتنا بطريقة تجعلها قابلة للتوسع عند زيادة عدد المستخدمين دون أن نضطر نحن للتوسع كشركة. ومن ثَم كنا نحاول من خلال المدونة أن نعارض أفكار الشركات التي تميل لتوظيف عشرات الموظفين في أقرب وقت ممكن والحصول على نقود لتحقيق تصورها، بأن نقول لها: «إذا كان تصوركم لمنتجكم يتكلف مليون دولار، حاولوا إعادة تحديد نطاق تلك الفكرة التي لديكم حتى تناسب ١٠٠ ألف دولار واطرحوه مبكرًا. وبدلًا من استمرار دورة المنتج لمدة عام، حددوا شيئًا يمكنكم فعله في شهر واحد.»

وبالطبع، هذا الأمر لا ينجح مع كل شركة، لكن في عصر الويب ينجح مع عدد أكبر بكثير من الشركات مقارنةً بعدد الشركات التي تحاول تنفيذه حاليًّا.
ليفنجستون : أهناك أي فرصة للاستحواذ عليكم؟
هاينماير هانسون : إننا لا نهتم بذلك على الإطلاق، لكننا لسنا غافلين عن أمور العالم الذي نعيش فيه. ومع ذلك فليست لنا حاجة ملحة لذلك؛ لأننا شركة تحقق أرباحًا من وراء النشاط الذي تخصصنا فيه. فإذا جاء أحد غدًا وعرض ١٠٠ مليون دولار، فسأكون أحمق إذا رفضت.
ليفنجستون : ما أكثر ما فاجأك؟
هاينماير هانسون : أظن أنني تفاجأت كثيرًا أننا استطعنا الالتزام بقيمنا المبدئية. فمنذ أن أطلقنا بيسكامب، لم نضف إلى فريقنا إلا موظفًا واحدًا فقط، مع أن المنتج حقق نموًّا ملحوظًا. وأنا مندهش بالتأكيد من أننا تمكنا من تحقيق نمو دون أن نكتب مجموعة كبيرة من البرامج، ومع ذلك نتمكن في الوقت نفسه من ترك بصمة تميزنا.
ليفنجستون : هل كان وجود عدة أفراد من فريق ٣٧ سيجنالز في أماكن مختلفة يمثل تحديًا؟
هاينماير هانسون : إننا ننظر إلى هذا الأمر على أنه ميزة في الواقع، لأن فارق التوقيت بسبع ساعات يؤدي إلى تمكن كل موظف من أن يحظى بفترة عمل يعمل فيها بمفرده. وفي الشركات التي يكون فيها جميع الموظفين في المكان نفسه، من السهل أن يسير أحدهم عبر الرَّدهة ويقاطع شخصًا آخر عن أداء عمله. أما إذا كنت من أفراد فريق موزع في عدة أماكن يفصل بينك وبين باقي أفراده فارق توقيت قدره سبع ساعات، يتاح لك أن تستفيدي بجزء كبير من اليوم يمكنك فيه إنجاز عملك. ويتم ذلك دون مقاطعات.
وهناك شيء آخر هو أننا نتواصل أساسًا عبر الرسائل الفورية، وهي طريقة للتواصل ذات سعة نطاق اتصال منخفضة، ومن ثَم فإنك لن تقاطعي أحدًا إلا حين تريدين قول شيء مهم. أما إذا ما تقابلتم وجهًا لوجه، فمن السهل أن تظلوا تتبادلون أطراف الحديث لنصف ساعة، دون التطرق إلى الموضوع الأساسي المتعلق بالعمل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤