الفصل الرابع والعشرون

فيليب جرينسبن

مؤسس مشارك، شركة آرس ديجيتا

تصوير: إليس فينر

أسس فيليب جرينسبن شركة آرس ديجيتا عام ١٩٩٧. ومع أن الشركة لم تستمر سوى سنوات قليلة، فإنها معروفة في عالم الشركات الناشئة كتجسيد لنموذج جديد لتقديم الاستشارات في عالم البرمجيات وكمثال حي لمخاطر رأس المال المخاطر.

وقد نشأت فكرة آرس ديجيتا من البرنامج الذي كتبه جرينسبن لإدارة موقع photo.net وهو موقع شهير متخصص في التصوير الفوتوغرافي. وقد أطلق البرنامج بموجب ترخيص للبرامج مفتوحة المصدر وسرعان ما انهالت عليه طلبات الشركات الكبرى للحصول على سمات مخصصة. وقد أسس هو وبعض أصدقائه شركة آرس ديجيتا عام ١٩٩٧ لتولي تنفيذ مثل هذه المشروعات الاستشارية.

وقد تمكن جرينسبن وشركاؤه في التأسيس من تعزيز روح من الولاء بين المستخدمين والموظفين. وعلى غرار ما قامت به جوجل فيما بعد، وفرت آرس ديجيتا بيئة يتولى فيها المبرمجون زمام الأمور. وقد كبرت الشركة بسرعة، وبحلول عام ٢٠٠٠ كانت تدر ما يقرب من عشرين مليون دولار كعائدات سنوية من تعاقداتها الشهرية في تقديم الخدمات.

وفي العام نفسه، حصلت آرس ديجيتا على ٣٨ مليون دولار من أصحاب شركات رءوس أموال مخاطرة. وفي غضون أسابيع من إبرام الاتفاق، نشب صراع بين المستثمرين الجدد والمؤسسين. فقد همشوا دور معظم المؤسسين ثم فصلوهم من العمل، وقد رد عليهم المؤسسون باستعادة السيطرة على الشركة باستغلال ثغرة غفل عنها المستثمرون. وقد وصل النزاع القضائي إلى ذروته بشراء نصيب جرينسبن في الشركة، وبعد شهور قليلة انهارت الشركة. وتفككت آرس ديجيتا عام ٢٠٠٢، لكن بعد أن أصبحت نموذجًا مهمًّا جديدًا للشركات المتخصصة في مجال الاستشارات.

***

ليفنجستون : لنعد إلى بدايات آرس ديجيتا.
جرينسبن : بدأت أصمم تطبيقات للإنترنت في بداية الثمانينيات من القرن الماضي. وكنت دائمًا معجبًا بالتطبيقات المخصصة لأكثر من مستخدم، وكنت أعتقد أن إتاحة الفرصة للناس للتواصل عبر الشبكة — إذا ما كان يفصلهم الزمان والمكان — سيكون أفضل استخدام لنظم الكمبيوتر.
ومع ذلك فقد كان من الصعب أن أكتب تطبيقات تحقق رواجًا بهذه الطريقة؛ لأنه مهما كان ما كنت سأصممه فلن يعمل إلا على نوع واحد فقط من أنظمة الكمبيوتر. لقد كنا نصمم نظامًا إما ليونكس على أجهزة إتش بي أو لأبل ماكنتوش أو ربما ويندوز، وكان كل نوع محدد من أجهزة الكمبيوتر يتواصل بعضه مع بعض عبر الشبكة ويتيح للمستخدمين تحرير المستندات معًا أو ممارسة لعبة معًا. لكن نظرًا لعدم وجود نظام تشغيل قياسي ولا بيئة برمجة قياسية حقيقية، فإذا صممت شيئًا لماكنتوش، فلن يعمل على ويندوز والعكس صحيح.

ثم ظهرت الويب في بداية التسعينيات وما إن شاهدتُها حتى قلت: «هذه هي الطريقة التي ستُصمم بها تطبيقات الكمبيوتر في المستقبل. فلم أعد مضطرًّا لكتابة كل هذه الأكواد المخصصة لنظام التشغيل. سأصمم شيئًا محددًا على الخادم، وبرنامج التصفح هو الذي سيحدد تجربة المستخدم. وسيكون له واجهة مستخدم أبسط، لكنه سيعمل حتمًا على أي نوع كمبيوتر، وسيصمد أمام التغيرات التي تطرأ على نظم التشغيل.» وقد حقق ما توقعته له تقريبًا؛ فلديَّ الكثير من صفحات الويب التي صممتها عام ١٩٩٣ والآن في عام ٢٠٠٦ لا يزال بإمكان المستخدمين الاطلاع عليها، مع أن هناك الكثير من التغيرات في نظم تشغيل الكمبيوتر وفي البرمجيات.

وقد أخبرت الأساتذة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن كل ما أريد العمل عليه هو تطبيقات الإنترنت وقد قالوا إني مجنون، وإنه لا مستقبل في هذا المجال. فقررت أنه بما أنهم حتى لن يتحدثوا إليَّ عما أريد أن أفعل، فسأترك ماساتشوستس لفترة الصيف.
ليفنجستون : كنت طالبًا بالدراسات العليا، أليس كذلك؟
جرينسبن : كنت طالبًا بالدراسات العليا بمعهد ماساتشوستس وكنت أجمع بين البحث والعمل مدرسًا مساعدًا. وهكذا تركت المعهد لفترة الصيف، وذهبت في رحلة قيادة إلى ألاسكا. وكنت أكتب فصلًا من كتاب كل أسبوع، لكنه كان في الحقيقة خطابًا لأصدقائي وأسرتي حتى أحصل على رسائل مثيرة للاهتمام منهم. وكنت أرسلها بالبريد الإلكتروني لأصدقائي وأسرتي كي أقدح زناد فكرهم وأجعلهم يرسلون لي رسائل مرة أخرى.
وعندما عدت قررت أن أضع هذه الرسائل بلغة إتش تي إم إل، وأمسح بالماسح الضوئي الصور التي جعلتها كعرض شرائح وجهًا لوجه وأضعها على موقع حتى يراها أصدقائي في كاليفورنيا.

كان الكتاب يطلق عليه «رحلاتي مع سامنثا». وسامنثا هو الكمبيوتر المحمول القديم الخاص بي (فقد كنت وحدي آنذاك). وقد حظي ذلك الكتاب بشهرة كبيرة لكن معظم الأسئلة التي وُجهت إليَّ كانت تتعلق بالتصوير. فقررت كتابة بعض المحاضرات القصيرة عن التصوير حتى لا أضطر للاستمرار في الرد على هذه الأسئلة واحدًا تلو الآخر. لكن التصوير مجال واسع، فإذا أجبت على ثلاثة أسئلة تظهر خمسة غيرها. لذا فكرت في إنشاء منتدى أسئلة وإجابات على الخادم الخاص بي، وعندما يطرح عليَّ أحدهم سؤالًا وأجيبه، يكون ذلك الحوار عامًّا ثم يرى من يدخل إلى الموقع فيما بعد ذلك الحوار المتبادل، وإذا كانت لديه أسئلة مشابهة فلن يضعها مرة أخرى.

وسرعان ما وجدت أن أحد القراء يطرح سؤالًا فيجيب عليه قارئ آخر. ولم أكن مضطرًّا للقيام بأي شيء على الإطلاق. واتسع نطاق الأمر ونشأ مجتمع من المصورين على الإنترنت. وبدأت أكتب المزيد والمزيد من البرامج كي يصبح من السهل إدارة هذا المجتمع، وكنت أقوم بكل هذا بنفسي. وفي النهاية أصبح لديَّ مجموعة أدوات كبيرة من البرامج التي كتبتها لأغراضي الخاصة.

كان ذلك في منتصف التسعينيات، ولاحظت أن الناشرين على الويب الآخرين كانوا يحاولون تصميم أشياء مماثلة حيث سيأتي المستخدمون يسجلون على الموقع ويتبادلون معلومات وربما يحاولون شراء شيء ما. لكن كان ما يصممونه ينهار. وكانت المواقع تنهار. وكانت بها مشكلات. فإذا حاولت شراء شيء تصل إلى نصف عملية تسديد النقود ثم تتلقين رسالة خطأ من الخادم. فاكتشفت أن جميع هؤلاء ليست لديهم حتى الأفكار الأساسية عن كيفية تجميع الخادم، ويمكننا أن نخبرهم: «هذه هي الطريقة التي يمكن بها تكوين مجتمع متوسط الحجم على الإنترنت من خلال كمبيوتر متوسط الحجم. فلا داعي لاستخدام مجموعة من الخوادم. ولا حاجة إلى عشرة مديرين للنظام يعملون لدوام كامل.» فسنمنحهم نموذج بيانات لتعريفات الجداول في لغة إس كيو إل (وكنا بالصدفة نستخدم قاعدة بيانات أوراكل التي كانت أفضل شيء متاح آنذاك). وسنبتكر بعض نصوص الويب البرمجية التي تتفاعل مع نموذج بيانات أوراكل، ويمكنهم تعديل الأمر ليناسب احتياجاتهم. فسيبدأ من صميم التطبيق العامل المثبت وسيوفر لهم وقتًا طويلًا.

وكانت ساب مجموعة أدوات شهيرة لتصميم نظم محاسبات للشركات، وأنا كنت أقول: «هذا مثل ساب، لكن لتصميم تطبيقات الإنترنت أو المجتمعات على الإنترنت.» بدأت بإتاحة برنامجي. وحاولت فقط أن أوثقه وأجعله عامًّا قدر الإمكان ومن السهل تثبيته ووضعته على موقع الويب الخاص بي كبرنامج مفتوح المصدر مجاني. ومنحناه اسم آرس ديجيتا كوميونيتي سيستم. وقد أعجب أحد زملائي الاسمُ.

ثم بدأت الشركات الكبرى تتصل بنا وتقول: «يروق لنا النظام الخاص بكم، لكننا نحتاج إلى عشر سمات إضافية.» فكنت أقول: «عظيم. لديكم كود المصدر والتوثيق. أتمنى لكم حظًّا طيبًا.» فيقولون: «نريدك أنت أن تُدخل التعديلات.» فأقول: «أنا مشغول. فأنا مضطر لإنهاء رسالة الدكتوراه. وسيستغرق هذا الأمر مني أسبوعين.» فيقولون: «كلا، إننا نريدك أنت أن تنفذه بنفسك.» فأسأل: «كم عدد المبرمجين في قسم تكنولوجيا المعلومات لديكم؟» فيجيبون: «عشرة آلاف.» فأقول لهم: «إذا كان لديكم عشرة آلاف مبرمج وأنا مجرد شخص واحد لماذا تريدون أن أجري أنا هذه التعديلات؟» فيجيبون: «سندفع لك مائة ألف دولار.» فأسألهم: «هل ستدفعون لي مائة ألف دولار لعمل يستغرق أسبوعين؟» فيجبيون: «نعم، إننا نحتاج لإضافة تلك السمات إلى هذا النظام وتشغيله الآن.»

وبعد عدد قليل من هذه المكالمات، قررت أنا وبعض أصدقائي أن نعمل معًا ونؤسس شركة صغيرة تقدم الدعم والخدمات. ولأني لم أكن أريد أي نفقات إضافية، قررت أن نطلب من الشركات أن تستعين بخدماتنا كأفراد وتدفع لنا مباشرة، على ألَّا يحصل أي شخص على أرباح من عمل شخص آخر. ولم يستمر الأمر طويلًا لأن شركة أوراكل قالت إنها لا تريد المخاطرة بالدخول في مشكلات مع دائرة ضريبة الدخل لأنها تستعين بخدمات متعاقدين مستقلين، وأن تقول لها إنهم كانوا يجب أن يكونوا موظفين يُقدم عنهم إقرار بالرواتب والضرائب التي تخصم منهم. فقالوا: «إننا لا نوظف أحدًا ليكون متعاقدًا مستقلًّا، لذا إما أن تعملوا معنا برواتب ثابتة (ونحن لا نريد توظيفكم للعمل لدوام كامل) أو تكونوا شركة يمكننا الاستعانة بخدماتها.»

ومن ثَم اضطررنا للذهاب إلى مكتب محاماة وتكوين شركة ذات مسئولية محدودة. وفي ذلك الوقت تقريبًا، قرر مجمع مكاتب تكنولوجي سكوير، الذي كان يستضيف معمل علوم كمبيوتر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، منع دخول الكلاب إلى المبنى. فجال بخاطري: «إنني أحصل على ١٣٠٠ دولار شهريًّا كطالب دراسات عليا ولا يمكنني اصطحاب كلبي معي إلى العمل. هذا لا يستقيم. إلى أين يمكن أن نذهب؟»

وفي الوقت نفسه تقريبًا سألتني صديقتي إيلسا دورفمان المصورة إذا ما كنت أعرف من يريد استئجار منزلها. فسألتها: «ماذا سيكون شعورك لو أجرته لمجموعة صغيرة من المبرمجين، واستخدمناه مقرًّا للشركة؟» فوافقت.

فانتقلنا إلى منزل إيلسا، وما إن يحصل المرء على مكتب ويكون لديه عملاء، تنطلق الأمور وحدها. فأصبحت مجموعة الأدوات أكثر شهرة، وأثرنا إعجاب العملاء. وكان معظم مبرمجي الكمبيوتر لا يستمعون إلى ما يريده العملاء. فلديهم أفكارهم الخاصة لما سيكون جيدًا، ومن ثَم فإنهم يقضون وقتًا طويلًا يصممون أشياء لا يريدها العملاء. فليس لديهم استثمار في تجربة المستخدم.

وكان أحد أصدقائي يخبرني في أحد الأيام أن شركته استعانت بمن يضع تصميم المنتج من الهند وقال: «هؤلاء المبرمجون في الهند يفعلون بالضبط ما تطلبه منهم، مهما كان سخيفًا!» فمعظم المبرمجين لا يفكرون في تجربة المستخدم. فلديهم سجل للمواصفات، ويقررون الإيفاء بهذه المواصفات لجعل المستخدم سعيدًا. وهذا ليس كافيًا فعلًا؛ فعليك أن تنفذ شيئًا جيدًا للمستخدم إذا أردت أن تطلق على نفسك مهندسًا.

العنصر الثالث هو الوفاء بالمواعيد النهائية. فإذا قلنا إننا سننتهي من شيء في موعد محدد، كنا نفي بما وعدنا به فيندهش العميل.
ليفنجستون : كم كان عددكم عندما بدأتم؟
جرينسبن : خمسة تقريبًا، ثم زاد عددنا بسرعة إلى عشرة. وكان هناك الكثير من التعامل المتكرر من جانب العملاء لأنهم يندهشون لأننا ننجز العمل في الوقت المحدد وكان هذا هو ما يريدونه وهذا ما يصلح للمستخدم النهائي.
ليفنجستون : عندما بدأتم، يبدو أن الأمر نشأ انطلاقًا من اهتمامك الخاص بالويب؟
جرينسبن : لقد كان ذلك استجابة لتنزيل المستخدمين للبرنامج. فإنهم لم يكونوا مهتمين في الواقع بموقع photo.net لكنهم قرروا استخدام مجموعة الأدوات الخاصة بنا. وفي بعض الحالات كانوا قد سمعوا عن موقعنا من إدوارد توفت في محاضراته. فكان الناس يسألون: «ما الجيد على الويب؟» فيقول: «لا شيء جيد على الويب»، فيقولون: «رجاءً، فلتعطنا موقعين جيدين.» ويكون أحد الموقعين اللذين يذكرهما هو photo.net كمثال على مواقع لها تصميم جيد.
لكن معظم العمل كان لأننا أطلقنا برنامجًا مفتوح المصدر مجانيًّا. وكان الشباب في سن الخامسة عشرة يستخدمونه، والشركات الكبرى تقرر أنه — بما أنها تمتلك الكثير من النقود ومبرمجين، على ما أظن، ليسوا على قدر كبير من الكفاءة — من المنطقي أن تدفع لنا مقابل مساعدتها.
ليفنجستون : ما الذي كان يميز آرس ديجيتا عن غيرها؟
جرينسبن : حاولنا أن نساعد كل مبرمج على أن يكون له سمعة مستقلة كمحترف. فكنا نؤمن بفكرة أن المبرمجين يمكن أن يكونوا محترفين مثل الأطباء والمحامين، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، أردنا أن يكون المبرمجون مهندسين حقيقيين؛ أن يقابلوا العملاء وجهًا لوجه، ويفهموا ما يحتاجون إليه، ويقدموا بعض الاقتراحات أو التغييرات بناءً على خبرة المبرمج في خدمات مشابهة، ثم يتحملوا مسئولية كبيرة في تحقيق ما يريده العميل.
لقد جعلنا مسئولية الربح والخسارة تقع على عاتق الفرق الفردية. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك مبرمجان أو ثلاثة يعملون في هيوليت-باكارد فسيكونون هم المسئولين وحدهم عن المشروع والتأكد من تسليمه في الموعد وأن العميل راضٍ. وهم سيحصلون على مكافأة كبيرة إذا ما قاموا بعمل رائع وكان العميل سعيدًا وأدر المشروع ربحًا. ويعني هذا ضمنيًّا أنه إذا لم يسر الأمر على ما يرام، فإننا نعرف على من نلقي باللوم.
ليفنجستون : ماذا كانت بعض أكبر نقاط التحول؟
جرينسبن : كانت إحدى كبرى نقاط التحول هي أن أصبحت شركة ليفي شتراوس عميلًا لدينا. فقد استحوذوا على شركة صغيرة تصنِّع بنطلونات بلون الكاكي تقص بمقاسات خاصة، وأرادوا واجهة ويب أمامية لهذا المصنع الجديد الذي كانوا يبنونه، والتي كان يمكن أن تأخذ المقاسات الخاصة بك وتحيك بنطلونًا وفقًا لمواصفاتك الخاصة. وقد سألوا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن الخبير في تصميم مثل هذه الأشياء. وجاءوا إلينا وكانت مصادفة سعيدة لأنهم كانوا سعداء لدفع نقود من أجل الحصول على الكثير من البرامج والبنية التحتية والأدوات مع جعلنا نحتفظ بحقوقها جميعًا.
وكان ذلك إحدى مميزات العمل لمصلحة شركة غير تقنية. فإذا عملت لحساب آي بي إم، فستجد أنها شركة تحقق أرباحها من امتلاك التكنولوجيا، فإذا صممت تكنولوجيا لها فإنها ستريد امتلاكها. في حين أن الناشرين أو شركات تصنيع الملابس تحقق أرباحًا من اسمها أو لأن لديها محتوى فريدًا. وقد نفذت أعمالًا كثيرة لهيرست كوربوريشن وهم لا يريدون التنازل عن محتوى مجلة «كوزمو» أو عن علاقتها بعارض الأزياء فابيو، لكن إذا ما وضعت بعض النصوص البرمجية بلغة بيرل لها كي تتولى إدارة الخادم، فلا يخطر على بالهم أن هذا شيء يجب امتلاكه ومنع الناشرين الآخرين من الحصول عليه.

وهكذا كانت ليفي شتراوس عميلًا مهمًّا وكانت نقطة تحول كبرى لأنها وفرت لنا نقودًا كي نبني ما نريد.

وكانت هناك نقطة تحول أخرى عام ١٩٩٨ عندما نشرت كتاب «مواقع ويب تعتمد على قواعد البيانات». فكنا نعمل على موقع وقال العميل: «عليكم إنهاء هذا الموقع لنا؛ لأنه ما إن ينشر الكتاب، فلن يتوقف هاتفكم عن الرنين.» لم أصدقه لكنه كان محقًّا، وكانت تلك نقطة تحول مهمة. وكان الكتاب على موقعي مجانًا لكن وجود نسخة مطبوعة منه في المكتبات منحه مصداقية أكبر وقراءً أكثر.

كانت هذه هي الطريقة التي نبني بها العمل دائمًا، نشر الكتب القصيرة على موقعنا أو الكتب في المكتبات والمحاضرات العامة. وقد أعطانا إدوارد توفت فكرة إقامة ندوة لمدة يوم واحد يأتي إليها الناس ويتعلمون منها. فكنا ندعو ٤٠٠ شخص لحضور دورة ليوم واحد بدون مقابل، وربما يصبح واحد أو اثنان منهم عملاء، وربما يستخدم عشرة منهم البرنامج.

وتقريبًا جميع وسائلنا في التسويق والمبيعات كانت تعليمية. فقد فكرنا أن نعلم المستخدمين ورأينا أن نسبة ضئيلة من هؤلاء المستخدمين سيصبحون عملاء لنا. وكان الأمر يسير على ما يرام مثل العمل في الإعلانات، التي كانت تستخدم الأسلوب العدواني في البيع وتتميز بأنها خاوية المحتوى نوعًا ما ومضيعة لوقت الناس. وفي هذه الحالة، لم يكن بإمكان أحد قط أن يقول إننا أهدرنا وقتهم. وأظن أن النسبة نفسها من الناس التي كانت تقرأ إعلانًا في مجلة «كمبيوتر وورلد» وتشتري شيئًا، ستقرأ أحد كتبنا وتشتري شيئًا منا.
ليفنجستون : هل لم يكن لدى الكثيرين الموارد لتنفيذ أفكاركم في ذلك الوقت لأن الويب كان لا يزال في مهده؟
جرينسبن : اعتاد الناس أن يقولوا: «لمَ يتحتم علينا أن ندفع لكم من ٣٠ ألفًا إلى ٥٠ ألف دولار في الشهر لتنفذوا هذا الشيء، في حين أننا يمكننا توظيف مبرمج خاص بنا؟» فكنت أرد عليهم: «لكل شركة فئة واحدة من المتميزين. في بعض الشركات ربما تكون هذه الفئة هي رجال المبيعات، وفي البعض الآخر قد تكون المهندسين الميكانيكيين. وستكون هناك فئة واحدة من الناس من الأسهل لها توظيف المزيد من الأشخاص من نفس هذه الفئة.» والمستشفيات خير مثال على هذا. فإذا كان المستشفى جيدًا، فسيكون الأطباء ماهرين ومن السهل لهم تعيين الأطباء الماهرين. لكن من الصعب عليهم توظيف أي شخص يعمل بمهنة أخرى. فلن تجد لديهم متخصصين في الإعلانات ماهرين، فهذا النوع من الأشخاص يفضل العمل في ماديسون أفنيو.
فكنا نقول: «إنك شخص محترف ولن تجد صعوبة في توظيف شخص مثلك. ونحن لا نعرف طبيعة عملك وسنواجه صعوبة في توظيف شخص مثلك، لكننا لن نجد صعوبة على الإطلاق في توظيف شخص مثلي، خبيرًا في علوم الكمبيوتر تلقى تعليمه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ومن الأرخص لك أن تستعين بخدماتنا لأن لدينا مبرمجين محترفين، والمبرمجون المحترفون أقل تكلفة بكثير من المبرمجين متوسطي المستوى. ومن ثَم حتى إذا أعطيتنا هامش ربح، فسيكون ذلك أرخص من أن تنفذ هذا العمل بالاعتماد على مصادرك الداخلية.»

ربما لم يكن هذا صحيحًا بالنسبة لشركة ساب في الواقع. وقد كانت تستخدم برنامجنا. وكان لديهم الكثير من المبرمجين الجيدين، ومن ثَم فإنها لم تكن عميلًا؛ لقد استخدموا البرنامج فحسب دون الحاجة إلينا.
ليفنجستون : حدثني قليلًا عن المحيط التنافسي.
جرينسبن : كانت هناك شركة برودفيجن. صدقي هذا أو لا تصدقيه آنذاك لم يكن هناك اتفاق على كيفية تصميم مواقع الويب. أما اليوم فالجميع يتفقون على أن أفضل شيء هو تنفيذ ما يقوله بيل جيتس أو مايكروسوفت. فينزِّل المستخدم إس كيو إل سيرفر وفيجوال ستوديو دوت نت ويكون لديه نظام يتكوَّن من طبقتين حيث يكون لديه نموذج بيانات وإس كيو إل سيرفر ويكون لديه نصوص برمجية ولغة برمجة تتعامل مع قاعدة البيانات. ولا يكون لديه الكثير من خطوات التجميع المفصلة. وإذا غيرت نصًّا برمجيًّا، يكون مكتوبًا بلغة سي شارب أو فيجوال بيسك، وفي المرة التالية التي تحمله فيها، سيجري تقييم تعريف جديد. إنها بيئة برمجة خفيفة. ومعظم العمل الهندسي يكون في قاعدة البيانات.
هكذا بدأت العمل عام ١٩٩٤، لكن كانت هناك شركات كثيرة تحاول أن تقنع المستخدمين أن هذا غير مناسب، وأنه لا بد من وجود شيء معقد. فكانوا يقولون: «ما تحتاجون إليه هو الكثير من الطبقات وخوادم التطبيقات ولذا أنتم بحاجة إلى برنامجنا. إنكم لا تنزلون فقط بيرل وأباتشي. بل عليكم شراء نظامنا مقابل مليون دولار.» وكانت تطبيقات شركة برودفيجن صعبة الاستخدام بصورة كوميدية. فكانت تتطلب أن يبرمج المستخدمون صفحات الويب الخاصة بهم في لغة سي ++ التي يجد كثير من المبرمجين المحترفين أنها مستحيلة الاستخدام. وكان يصبح تعديل موقع ويب مكلِّفًا وصعبًا بقدر إدخال تغيير على مايكروسوفت وورد، ومايكروسوفت وحدها هي القادرة على طرح إصدار جديد كل بضعة أعوام.

وكانت هناك شركة يطلق عليها فيجنيت وكان لديهم منتج سيئ حقًّا. فكان لديهم منتج يجعلك تبرمج صفحات الويب في لغة تي سي إل التي كانت لغة برمجة نصية. لكن كانت هناك أدوات مفتوحة المصدر مجانية أفضل وتسمح لك بالقيام بالشيء نفسه. فلمَ يدفع أي شخص مقابلًا لهذا؟ لكنهم كانوا يبيعونه. وحصلوا على مئات الملايين من الدولارات من إصدار الطرح الأولي العام ورأينا أن مثل هذه الشركات لا يمكنها أن تهدر أموالها للأبد.

وكانت مايكروسوفت مصدرًا آخر للقلق. لكنهم كانوا شديدي البطء أيضًا. وأخيرًا اليوم لديهم منتج يطلق عليه شيربوينت الذي يشبه إلى حد ما نظام آرس ديجيتا كوميونيتي سيستم.

وما فعلناه وجعلنا أكثر سرعة بكثير من منافسينا هو أننا طورنا برنامجنا من نظم واقعية عاملة. فعلى سبيل المثال، كنا نثبت برنامجنا على موقع photo.net أو على موقع ArsDigita.com حيث كان الموظفون والعملاء يستخدمونه. فكنا نختار موقعًا شهيرًا وعليه إقبال ونضع جميع السمات الجديدة عليه. فإذا كانت هناك صفحة بطيئة للغاية لأن استعلام إس كيو إل لم يُضبَط بصورة مناسبة، كنا نعرف على الفور. وأحيانًا، تكون هناك واجهة مستخدم غير متقنة وتحير المستخدمين، على سبيل المثال في قسم الإعلانات المبوبة على موقع photo.net؛ إذ كان يوضع عليه مائة إعلان مبوب يوميًّا وكان المستخدمون يرسلون إلينا قائلين: «إننا لا نفهم هذا». فكنا نحصل على تقييم فوري، ونصلح الأمر.

ثم بعد بضعة أسابيع من اختبار المنتج الجديد على الخدمة العاملة، كنا نؤرشفه في نظام ملف يونكس وننتج نسخًا للتوزيع وينتهي الأمر. ولم يكن بإمكاننا أن نضمن أن مجموعة الأدوات هذه ستحل جميع مشكلات العالم، لكن كان بإمكاننا أن نضمن على الأقل لموقع يشبه موقع photo.net على خادم متوسط الحجم له بضع مئات الآلاف من المستخدمين المسجلين، أن البرنامج سيكون مناسبًا في الأداء وفي السمات، ولن يكون باهظ التكلفة لدعمه إداريًّا لأن واجهة المستخدم لم تكن تربك المستخدمين.

وعلى النقيض، كانت شركات مثل مايكروسوفت لا تزال تطور برمجيات للويب كما لو أنه غير موجود.
ليفنجستون : ماذا يعني هذا؟
جرينسبن : لنأخذ معالج كلمات كمثال. إنك ترسلين مسوقًا لمقابلة الناس ومعرفة السمات التي يحتاجون إليها. ثم ينقل ما توصل إليه إلى مدير المنتج. ومدير المنتج يكتب بعض المواصفات التي تحدد السمات التي سيجري توفيرها في الإصدار التالي. ثم يرسل هذا إلى المبرمجين، الذين يكونون في معزل، ويصممون المنتج وفقًا لمواصفات مدير المنتج. وعندما ينتهون يدخل المنتج مرحلة ضمان الجودة، لكنه لا يكون نظامًا حقيقيًّا يعمل، فهم لا يحاولون فعلًا كتابة مستندات، وإنما هم فقط متخصصون في ضمان الجودة. ثم في النهاية ينسخون على قرص أحدث إصدار من مايكروسوفت وورد، ويرسلونه لجميع المحامين والكُتَّاب والطلبة في العالم وأي شخص آخر يستخدم مايكروسوفت وورد.
وهذا يعمل على أكمل وجه مع برامج معالجة الكلمات لأنها منتج طورته آي بي إم في الستينيات من القرن الماضي، والمستخدمون يعرفون الحد الأدنى من السمات التي يجب توافرها في معالج الكلمات. ويعمل على أكمل وجه أيضًا لأن المستخدمين لا يطلبون ترقيات بصورة مستمرة. فلا توجد متطلبات وأفكار جديدة تظهر في معالجات الكلمات، ومن ثَم إذا كان لديك إصدار كل ثلاث سنوات، فهذا جيد. ولا ضير أن مايكروسوفت تحتكر هذا المجال ولا يوجد لها منافسة، ومن ثَم إذا استغرقت أربع سنوات بدلًا من ثلاثة، فلن يشكل هذا فارقًا.

وقد استخدموا الأسلوب نفسه مع شيربوينت. فكان عليهم إجراء بعض الأبحاث. فنظروا إلى فيجنيت وبرودفيجن وآرس ديجيتا كوميونيتي سيستم، وبعض الشركات الأخرى، وقرروا الآتي: «هذه بعض السمات التي يجب أن تكون لدينا.» وحدد مديرو المنتج مواصفات شيربوينت وطرحوه بعد عام أو اثنين من التطوير، ولم يعجب العملاء. فبرمجته شديدة الصعوبة، وكذلك فهمه. فقابلوا المستخدمين واكتشفوا سبب عدم إعجابهم به وحسَّنوه. واستغرق هذا منهم سنوات وسنوات.

وإذا لم تكن لديك أي طريقة لمعرفة الطريقة التي يستخدم بها عملاؤك البرنامج إلا عن طريق إتاحة الأقراص المضغوطة لهم ثم الوقوف في نهاية غرف معيشتهم وهم يكتبون، فقد تكون هذه طريقة معقولة لتطوير البرامج. لكن إذا كانت لديك القدرة على تثبيت البرنامج على الخادم والنظر من وراء ظهورهم عن طريق فحص سجل خادم الويب ورؤية نوعية الشكاوى التي يرسلونها لقسم المساعدة أو الموقع، فلمَ لا تفعلين هذا؟ فيمكنك اختصار دورة التطوير التي تستغرق عامين ربما إلى شهرين. وربما يكون لديك إصدارات كل شهرين أو ثلاثة.

وهكذا ساورتنا مخاوف من المنافسين، لكنها كانت مخاوف غير مبررة. وكما قال صديق ذات مرة، معظم الطلقات النارية التي يصاب بها المرء يكون هو السبب فيها.
ليفنجستون : إذن فقد كانت آرس ديجيتا مختلفة لأنها كانت أسرع كثيرًا؟
جرينسبن : نعم. إذا بحثت في كتاب عن كيفية تطوير البرمجيات، فستكون له دائمًا تلك الدورة الطويلة مع اشتراك كل أولئك الأشخاص فيها. وهذا بطيء للغاية لأنه يعتمد على حقيقة أنك لا تستطيعين مراقبة المستخدمين وهم يستخدمون نظامك العامل، وهو ما يمكن أن تفعليه على الويب.
ليفنجستون : كانت لديكم ثقافة لافتة للانتباه في آرس ديجيتا. فهل كان جزء من استراتيجيتك هو أن توظف الشباب من البارعين في مجال الكمبيوتر الذين يمكنهم تطوير أنفسهم على المستوى المهني؟ وهل كنت واثقًا أنهم سيكون لديهم على الأرجح أصدقاء بارعون في الكمبيوتر أيضًا يمكنك توظيفهم؟
جرينسبن : كان هذا جزءًا منها، فقد كانت مسألة التوظيف صعبة. فبصرف النظر عن المجال الذي تعملين به، كان معظم المؤهلين من ذوي الخبرة مشغولين. لقد كانت هناك نقود طائلة تطارد مجموعة صغيرة من الموهوبين. فكانت الفئة التي في الثلاثينيات من عمرها غير متاحة. فقد كانوا مشغولين يعملون بشركاتهم الناشئة الخاصة. لذا فكَّرنا كيف لنا أن نعين موظفين وننميهم؟
بالنسبة للمبرمجين، كانت لديَّ رؤية عنهم وهي أنه لم تعجبني الطريقة التي تتحول بها الحياة المهنية للمبرمجين، ويرجع هذا جزئيًّا إلى أنني كنت أُدرِّس البرمجة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. والآن بعد أن أصبحت أقود الطائرات، أدركت أن المبرمج العادي أقل سعادة بكثير في عمله من ميكانيكي الطائرات العادي، وهو أمر محزن عندما تفكرين أن تعلم ميكانيكا الطائرات يحتاج إلى الدراسة لمدة ١٨ شهرًا في مدرسة مهنية. أي يمكن أن يصبح المرء ميكانيكي طائرات مقابل ٣٠ ألف دولار وعام ونصف (وأقل إذا ما أراد العمل مساعدًا لثلاث سنوات والحصول على شهادة من إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية). فأنت تعمل في مجموعة صغيرة وتقابل العميل مباشرة. ولا تشعر ﺑ «الاغتراب» عن العميل، وهو ما تحدث عنه كارل ماكس باعتباره عيبًا في عمل المصانع في مقابل الحرفية، عندما لا يعرف المرء أبدًا هل يرتبط عمله بالناس لأنه في مصنع ولا يعرف العميل.

وميكانيكي الطائرات له احتكاك مباشر بالعملاء. والكثير من المهام تتطلَّب شخصين أو ثلاثة ومن ثَم فإنه نوعًا ما عمل اجتماعي، ولاحظت أنهم سعداء بالفعل. أما المبرمجون فمعزولون. يجلسون في مكاتبهم ولا يفكرون في الصورة الكبرى. ومن منظوري، المبرمج ليس مهندسًا، لأن المهندس شخص يبدأ بمشكلة اجتماعية تواجهها مؤسسة أو مجتمع ويقول: «حسنًا، ها هي المشكلة التي نواجهها، فكيف نحلها؟» ويبتكر حلًّا بارعًا يدر أفضل الأرباح مقارنة بتكلفته لمعالجة المشكلة، ويصممه ويختبره ليتأكد من أنه يحل المشكلة. هذه هي الهندسة. فإذا نظرت إلى المهندسين المدنيين أو المعماريين فإنهم جميعًا يتعاملون مباشرة مع العميل ويعملون في مراحل العملية كلها.
ليفنجستون : أما المبرمجون فينزوون في ركن ويبرمجون؟
جرينسبن : المبرمجون ينزوون على الجانب ينفذون ما يُطلب منهم. وهذا أحد الأسباب في أنه من السهل الاستعانة بهم من الخارج. فإذا كان المبرمج لا يتحدث قط مع العميل، ولا يفكر، وكل ما يفعله أن يحل المشكلات الصغيرة، فإنه مرشح ممتاز للاستعانة به من بلد آخر. ومن ثَم كنت أقول: «لا أريد أن ينتهي الحال بطلابي بهذا الشكل. فأنا أريدهم أن يجلسوا على الطاولة مع صناع القرار ويكونوا مهندسين حقيقيين؛ أن يكون بإمكانهم مقابلة ناشر المجتمع على الإنترنت أو موقع التجارة الإلكترونية ويقولون: «لقد درست طبيعة عملك وأهدافك، وإليك بعض الأفكار التي يمكن أن نستعيرها من عشرة مواقع أخرى صممتها، ومائة موقع آخر استخدمتها.» ويكون شريكًا يقف على قدم المساواة في التصميم وليس شخصًا يكتب الكود فقط.»
وأردت أن أنمي هؤلاء الشباب ليكونوا قادرين على هذا، وكنت أسعى أن نجعلهم محترفين متخصصين على غرار المحامين والأطباء والمهندسين الحقيقيين مثل المهندسين المدنيين.
ليفنجستون : ماذا كان يعني هذا؟
جرينسبن : كان يعني أن يكون عليهم تطوير مهارة البدء من المشكلة. فيقضون بعض الوقت في كتابة نتائجهم. وقد حرصت على محاولة تشجيع هؤلاء الأشخاص على أن يكون لديهم سمعة مهنية مستقلة، فيكون هناك كود يحمل اسمهم ويتحملون مسئوليته، وتوثيق يفسر المشكلة التي يحاولون حلها ويوضح البدائل التي فكروا بها، ونقاط القوى والقصور في هذا التنفيذ المحدد الذي يطلقونه، ربما يكون تقريرًا رسميًّا عن الدروس التي تعلموها من مشروع ما. لقد حاولت أن أجعل المبرمجين يكتبون لكنهم لم يريدوا هذا.
الناس لا تحب أن تكتب. فهذا صعب. وعادة من كانوا مهندسين برمجيات بارعين كانوا كتَّابًا رائعين، فتكون لديهم قدرة خارقة على ترتيب أفكارهم وعلى التواصل. والمبرمجون متوسطو المستوى الذين كانت لديهم مشكلات في التفكير في الصورة الكبرى كانوا هم من لم يستطيعوا الكتابة.
ليفنجستون : لقد كان لديك مناخ مختلف، مثل تشجيع الموظفين على أن يكونوا جزءًا من العملية. ألم تنظم دورات تعليمية أيضًا؟
جرينسبن : بلى، وكنا نراجع الأكواد مراجعة دقيقة. فقد كانت الفكرة في الأساس هي أن ننمي الشركة بأن يكون لدينا متدربون. فكنا نحضر بعض الأشخاص ثم يعمل معهم حفنة من العاملين الذين كانوا يعملون في الشركة من قبلُ، ويراجعون الأكواد التي يكتبونها ويرشدونهم إلى كيفية تنفيذ المهام بطريقة أبسط، وكيفية استخدام سمات مجموعة الأدوات بدلًا من كتابة المزيد من البرامج. وكانت الفكرة تقوم على اختيارهم أحد المتدربين وتولي مهمة إرشاده بعد إنجاز مشروعين أو ثلاثة للعملاء.
كان لدينا شباب ولدينا نساء أكثر من الشركات الأخرى. فكانت اثنتان من العناصر الأساسية في الشركة، وهما إيف أندرسون وترايسي أدامز، امرأتين، وهو ما كان أمرًا غير معتاد. ولم نشأ قط أن يعمل أكثر من شخصين أو ثلاثة في مشروع واحد. وكانت عاقبة هذا أنهم كانوا يضطرون في بعض الأحيان للعمل بجد شديد. لكن كان نموذجي للعالم هو كلية الدراسات العليا في علم الأحياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

عندما يكون المرء شابًّا، يحتاج للعمل لوقت طويل لاكتساب الخبرة وإنجاز المهام المطلوبة منه. ولكن الفائدة هي أنه كان يحصل على جانب كبير من المشروع، ويمكنه أن يقول: «لقد صممت نصف الموقع للعميل.» ويضع اسمه على شيء بدلًا من أن يكتب فقط في سيرته الذاتية أنه كان جزءًا من فريق يتكون من عشرين فردًا.

في الواقع لا يعرف المرء قط ما أنجزه معظم المبرمجين. فهناك حفنة ممن يمكن معرفة ما يقومون به. فلينوس تورفالدز صمم نواة لينوكس، لكن من الصعب أن تقول ما الذي أنجزه المبرمج العادي الذي يعمل في شركة كبيرة. ربما يعرف هو، لكن من الخارج المشروعات تكون ضخمة للغاية وإسهاماتهم قليلة للغاية.

وقد كنت أريد أن تصبح لديهم سير ذاتية محترفة. وفي النهاية، باء المشروع بالفشل لأن اتجاهات الصناعة ابتعدت عن هذا. فالناس لا يريدون أن يكون المبرمجون محترفين، وإنما قليلي التكلفة. إنهم يريدون أن يستخدموا أدوات غير فعالة مثل لغتي سي وجافا. ويريدون أن يستعينوا بمبرمجين من الهند ويدفعوا لهم أقل ما يمكن. لكن أظن أن جزءًا من عداء مديري الصناعة تجاه المبرمجين يأتي من حقيقة أن المبرمجين لم يكونوا محترفين قط.

ولم يكن المبرمجون محترفين لأنهم لم يهتموا بالجودة حقًّا. فكم من المبرمجين سألتهم: «هل هذه هي الطريقة الصحيحة لتنفيذ المهمة؟ هل سيفيد هذا المستخدمين؟» وأجدهم يجيبون قائلين: «لا نعلم، ولا نعبأ بالأمر. فنحن نحصل على راتبنا، ولدينا مكاتبنا، وأجهزة التكييف مضبوطة على درجة الحرارة المناسبة. ونحن سعداء ما دامت شيكات الراتب تصل إلينا.»

لا عجب إذن أن رواتب المبرمجين كانت تنخفض لتصل لمستوى رواتب العمال المهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون في المجازر في ولاية نبراسكا، لأنهم لا يفكرون ما إذا كانوا يقومون بعمل عالي الجودة للمستخدمين النهائيين. وأظن بسبب هذا سئم المديرون منهم. وكانوا لا يرغبون في رؤيتهم. إذ إنهم لم يمروا معهم بتجربة جيدة. فهم يتأخرون في أداء عملهم ولا ينفذون ما يعدون به، والمهام التي ينفذونها تعج بالأخطاء ولا تفيد المستخدم النهائي. ومن ثَم إذا لم يمروا بتجربة جيدة مع أولئك الأشخاص فسيتخلصون منهم. ويقررون الاستعانة بغيرهم من الهند أو الصين حيث لا يرونهم ولا يرهقون أعصابهم بهذا القدر. لذا أظن أن هناك مركبًا عاطفيًّا وراء التعامل مع مبرمجين من خارج البلاد: السبب في هذا أن أصحاب الأعمال يكرهونهم.
ليفنجستون : لقد كنت تقود مركبًا يواجه صعوبات، لكنك كنت تحاول أن تمنحهم القوة، أليس كذلك؟
جرينسبن : بلى، لكنهم لم يقدِّروا هذا كثيرًا. بعض من الموظفين الأوائل قدروا هذا، لكن من جاءوا بعد ذلك، عندما جاء أصحاب رأس المال المخاطر وقالوا: «لا بد أن تنهوا عملكم في تمام الساعة الخامسة، ولا يجب عليكم أن تكتبوا لأن المبرمج لا يتحتم عليه القيام بأكثر من وضع الكود»، فرحوا بشدة لأنه لم يعد يتحتم عليهم العمل باجتهاد. وابتهجوا لأنه لم يعد لديهم من هم على شاكلة فيليب وجين يراجعون ما يضعون من أكواد ويطلبون منهم إعادة كتابتها كي تكون أبسط وأفضل. وفرحوا بشدة لأنهم تخلصوا من القيود الموضوعة عليهم حتى إن مستوى أدائهم انخفض بسرعة. ولا ينطبق هذا على الجميع بالطبع لكن على الأغلبية العظمى. لقد بنينا الشركة بسرعة كبيرة ونتيجة لذلك لم تكن نسبة ٥٠ بالمائة الأخيرة من الموظفين الذين عيناهم يتمتعون بارتباط شديد بثقافة الشركة.
كانت هناك بعض الإشارات التحذيرية. انظري إلى شركة ماكنزي التي تعتبر نفسها أحد مصادر المعرفة الرائدة في العالم عن كيفية إدارة الشركات. إنهم يقولون إنهم لن ينموا شركتهم قط بنسبة أكثر من ٢٥ بالمائة سنويًّا لأنه بخلاف ذلك سيكون من الصعب للغاية أن يبثوا في النفوس ثقافة الشركة. ومن ثَم فإذا كنت تكبر شركتك بما يزيد عن ٢٥ بالمائة سنويًّا، فعليك أن تسأل نفسك: «ما الذي أعرفه عن الإدارة لا تعرفه شركة ماكنزي؟»

لا أزال أرى أن الاستعانة بشخصين رائعين وأداة قوية للغاية ستكون أكثر كفاءة، وهذه هي الطريقة التقليدية لأسلوب تفكير مبرمج كهل يعمل بلغة البرمجة ليسب. هذا أفضل من الاستعانة بعشرين شخصًا متوسطي المستوى وأدوات غير فعالة. وقد برهنت آرس ديجيتا على هذا بكل وضوح. لقد تمكنا من إنهاء مشروعات في خُمس الوقت وعلى الأرجح بتكلفة تبلغ ١ / ١٠ أو ١ / ٢٠ من تكلفة الأشخاص الذين يستخدمون أدوات أخرى.

وبالطبع، كنا ننهي العمل بمعدل ١ / ٢٠ من التكلفة ونطلب من العميل عُشر التكلفة. ومن ثَم يكون للعميل فائض مستهلك كبير. إذ إنه سيدفع عُشر ما كان سيدفعه لشركة آي بي إم جلوبال سيرفيسز أو برودفيجن أو أي شركة أخرى، وكنا نحن نحقق هامش ربح هائلًا لأننا ننفق أقل من نصف ما يدفعونه لنا لتنفيذ المهمة.
ليفنجستون : إذن فقد كان أداؤكم رائعًا ولديك موظفون بارعون وتحقق ربحًا، فلماذا قررت بعد ذلك أن تأخذ تمويلًا من شركة رءوس أموال مخاطرة؟
جرينسبن : لقد واجهنا المشكلة الآتية: كان توظيف مديرين كبار أمرًا مستحيلًا تقريبًا. وهذا أحد الأمور التي قادتنا في النهاية إلى السقوط في براثن شركات رءوس الأموال المخاطرة.
ما وجه صعوبة توظيف هؤلاء في شركة صغيرة؟ كان هناك شخص عمل مؤخرًا في مايكروسوفت في منصب الرئيس التشغيلي وهو كيفن ترنر. كان في الأربعين من عمره وكان رئيس تكنولوجيا المعلومات بشركة وول مارت. وقد تخرَّج في جامعة إيست سنترال في مدينة أدا بولاية أوكلاهوما ويحمل درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال. وهذا هو كل ما لديه. (وفي هذا تحذير للحاصلين منا على درجات علمية أعلى في مجال إدارة الأعمال، لم يحصل ذلك الرجل على المزيد من الدرجات العلمية، لكنه كان شديد الكفاءة.) وكان بإمكان الشركة توظيف أي شخص في العالم، فلديها تمويل مفتوح، لكنها عينت ذلك الشخص. فالمرء يريد المدير الجيد. وقد تكون إدارة شركتك أصعب من إدارة مايكروسوفت لأن مايكروسوفت لديها ٤٠ مليار دولار نقدًا، ومن ثَم فإن لديها قدرة على التعافي من أي أخطاء لن تتمكني من التعافي منها. ومن ثَم فإنك بحاجة لمثل هذا الشخص.

لكن مؤسسي الأعمال يحبون شركاتهم ولا يسألون أنفسهم قط: «ما الذي يدفع شخصًا مثل هذا للعمل لديَّ؟ فليست لديَّ أي موارد لإدارتها. وهذا الشخص نفسه يمكن أن يعمل لدى مايكروسوفت ويحصل على عشرات الآلاف من الموظفين الماهرين ليوزعهم على المشروعات، وعشرات المليارات من الدولارات للاستثمار في مشروعات ناجحة. لماذا يسعى للعمل في شركتي حيث توجد قيود على كل شيء؟» ومن ثَم فإن الأمر ليس بسهولة تعليق لافتة مكتوب عليها: «هنا شركة صغيرة تدر عائدًا ١٥ مليون دولار سنويًّا وتحقق أرباحًا، ونحن بحاجة إلى مدير.» ففي هذه الحالة لن تجتذب إلا الذين لم يفلحوا في الحصول على فرصة عمل في شركة جنرال إلكتريك.

كنا نواجه صعوبة لأن حفنة المتميزين الذين تقدموا للعمل في الشركات الناشئة كانوا منبهرين بأسماء شركات رءوس الأموال المخاطرة. فتجدينهم يقولون: «إذا لم تكن تحظى بدعم من كلاينر بيركنز، فإننا لا نريد العمل لديك.»

تحدثنا إلى شركة توظيف وكان المسئول صريحًا معي فقال: «انظر، إننا لا نستطيع توظيف رئيس تشغيلي لك لأن أي شخص مؤهل لهذه الوظيفة لشركة بمستوى شركتك سيطلب أن يكون الرئيس التنفيذي.» ورأيت أنا أن هذا جنون. قكيف يمكن أن يكون الرئيس التنفيذي؟ إنه لا يعرف العمل أو العملاء. فكيف نلقي به على الكرسي هكذا؟ وعندما أفكر في الأمر الآن، أرى أن ذلك كان تفكيرًا جيدًا: فانظري إلى مايكروسوفت، لقد استغرقت عشرين عامًا لتسليم زمام القيادة من بيل جيتس إلى ستيف بولمر. لقد احتاج عشرين عامًا من التدريب كي يستلم تلك الوظيفة. وكان جاك ويلش يعمل في جنرال إلكتريك لمدة عشرين عامًا قبل أن يصبح الرئيس التنفيذي. في بعض الأحيان يفلح الأمر، لكن أظن أنه في حالة هذه الشركات الصغيرة الهشة، فإن تعيين مدير عام في أعلى مستوى في الشركة كثيرًا ما يتسبب في كوارث.

لم يكن أمامنا سبيل لتوظيف مديرين كبار من الدرجة الأولى في تلك البيئة. فقد كان هناك الكثير من الشركات التي تنخفض فيها نسبة المخاطرة ولديها أصول أكثر توظف أفضل الأشخاص. كل ما كنا سنحصل عليه هو مديرون من الدرجة الثانية. كنا نحصل على مبرمجين من الدرجة الأولى لأن لدينا شركة كان فيها المبرمجون هم العناصر البارزة وكان لدينا بالفعل زملاء رائعون لهم، ومن ثَم فإننا كنا نجذب مبرمجين متميزين، لكن ليس مديرين متميزين. ونظرًا لأننا لم نكن جنرال إلكتريك ولا مايكروسوفت فإننا لم نكن شركة يود المديرون المتميزون العمل فيها.

لكننا نجحنا بالفعل في الحصول على شخص بارع وهو سيزار بريا الذي قدَّم الكثير من الأعمال الاستشارية في مجال البرمجيات في شركة باين. وقد مر علينا ليشاهد الشركة لأنه سمع عنا من صديق لصديقه وكان يبحث عن عمل في شركة بدلًا من أن يكون مستشارًا. وما أقنعه بنا أنه عندما أتى للحديث إلينا كان هناك شيك بمبلغ ٥٠٠ ألف دولار من إتش بي على منضدة القهوة لم نعبأ أن نودعه. وأدرك أنه إذا كنا نترك شيكًا هكذا لعدة أيام، فلا بد أن عملنا يسير على ما يرام.

الشيء الآخر هو أن الأسلوب الدعائي الذي كنت أستخدمه مع الموظفين كان: «تعالَ اعمل معنا. يمكنك أن تحقق ١٥٠ ألف دولار أو ربما ٢٠٠ ألف دولار سنويًّا إذا ما أحسنت أداء عملك وأسعدت العملاء حقًّا. ويمكننا أن نقوم بهذا العمل للأبد، نسعد العملاء ولا ننفق الكثير. وسنضع الربح في جيوبنا وتكون لدينا مكاتب ممتعة، ومنزل على الشاطئ به إمكانية التزلج يمكن للجميع الذهاب إليها والاستمتاع بوقتهم لأسبوع والكتابة. سيكون لنا جميعًا هذا النمط الرائع للحياة.»

لكنهم شعروا بالحماقة لأنهم كل يوم كانوا يقرءُون الصحف عن أشخاص عملوا لستة أشهر في شركة ما ثم أصبح لديهم ٢٠ مليون دولار بسبب إصدار الطرح الأولي العام للشركة. فكانوا يسألونني: «لمَ لا نصدر طرحًا أوليًّا عامًّا؟» فأجيب: «لأننا نحقق أرباحًا».

لكن بسبب هاتين القوتين — العملاء والتوظيف — بدأنا نفكر أن نمنح الموظفين خيارات أسهم ونخبرهم أن هذا سيكون جزءًا من مكافأتهم ونحاول أن نطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام. وكنا نحقق بالفعل عائداتٍ وأرباحًا أكثر من أي شركة من شركات التكنولوجيا التي كانت تطرح أسهمها للاكتتاب العام في ذلك الوقت (عشرين مليون دولار و٣-٤ ملايين دولار على التوالي). ومع ما حققناه من نمو، كنا نحقق تدفقًا نقديًّا، وكان لدينا كل هذا الربح الذي تحتم علينا دفع ضرائب عنه. وأظن أننا ذات مرة دفعنا إيجار عام مقدمًا حتى لا نضطر لدفع ضرائب. وكانت الشركة تنمو بمعدل ٥٠٠ بالمائة سنويًّا وتدر أموالًا طائلة حتى إنه تحتم علينا العثور على طرق لإنفاقه قبل أن تستولي عليه دائرة ضريبة الدخل.

فتحدثنا لبعض المكتتبين، وكانت شركتنا كبيرة بما يكفي كي نتمكن من عقد اجتماعات معهم. وقد كانوا في غاية الصراحة معنا وقالوا: «إننا لن نطرح أسهم شركتكم للاكتتاب العام.»

فسألنا: «لماذا؟ إن لدينا عائداتٍ أكثر من أي من الشركات التي طرحتم أسهمها للاكتتاب العام في الشهور الستة الأخيرة.»

فقالوا: «إننا نحصل على نسبة من الصفقة. وكلما زاد عدد الصفقات التي نعقدها، زادت النقود التي نحصل عليها. فإذا ما قررنا أن نطرح أسهم شركتكم للاكتتاب العام فإننا سنضيع الكثير من الوقت في تنفيذ إجراءات الفحص اللازمة. وسيتحتم علينا أن نفحص حساباتكم ونتحدث للعملاء الخاصين بكم. وعلينا أن نقنع أنفسنا أنكم شركة جيدة.»

«وماذا في هذا؟ فهذا ما تفعلونه مع أي شركة.»

«كلا، مع جميع الشركات الأخرى ننظر فقط إلى أسماء شركات رءوس الأموال المخاطرة التي دعمتها، فإذا كان اسمًا كبيرًا مثل كلاينر بيركنز، فإننا نطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام بدون أن نجري أي بحث. ولا تكون لدينا أدنى فكرة عن مجال عمل هذه الشركات، ولا تكون لدينا فكرة عن عملائها أو ما إذا كانوا راضين عنها. فإننا لا نجري أي بحث. كل ما في الأمر أننا نطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام ونحصل على أتعابنا. لذا في الوقت الذي قد نستغرقه في طرح أسهم شركتكم، يمكننا أن نتم صفقات مع خمس أو ست شركات من تلك التي تدعمها شركات رءوس أموال مخاطرة. لذا نأسف، إننا لسنا مهتمين.»

كانت تلك صيحة تنبيه، وأظن عندما أنظر إلى الأمر الآن أن هذا يفسر عجز الكثير من تلك الشركات التي طُرحت للاكتتاب العام عن البقاء. فلم يكن لديها أرباح أو إمكانية لتحقيق أرباح، لكن المكتتبين لم يدرسوها بعناية قط.

وظَّفت سيزار ورجلًا آخر يعمل في مجال إدارة الأعمال وهو حاصل على درجة ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد، وكانت لدينا مجموعة من شركات رءوس الأموال المخاطرة تطرق أبوابنا. أنا مهندس. والأسلوب الذي تعلَّمناه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا هو أن نفوض الأمر للخبراء. فإذا كنت تركبين سيارة مع خمسة أشخاص، وتعطلت وأنت متخصصة في الرياضيات، فإنك لا تخرجين من السيارة وتفحصين محرك السيارة إذا كان معكم مهندس متخصص في الهندسة الميكانيكية. لذا ما دامت شركات رءوس الأموال المخاطرة هذه تزعم أنها ستضيف قيمة لشركتنا وأن نقودها مختلفة، لكن من الصعب عليَّ أن أقيم هذه الأمور، سأفوض الأمر إذن للشخصين الحاصلين على درجة ماجستير في إدارة الأعمال. فهذا ما يفترض أنهما على دراية به.

وعلى الأرجح كانت الشركة التي ينبغي لنا اختيارها هي شركة يطلق عليها ساميت. وكانت شركة متواضعة، وقالوا: «إننا لا نجيد إدارة شركتكم. لكننا نجيد مخاطبة كبار المستثمرين للحصول منهم على نقود، ثم نستثمرها في فرق إدارة لها سجل من تحقيق الأرباح، مثل شركتكم. إننا لن نلقي عليكم الأوامر أو نخبركم أننا سنتولى تعيين كل الموظفين بدلًا منكم لأننا لا نعرف كيفية القيام بذلك. إننا نعرف كيف نحصل على نقود من صناديق معاشات ونعطيها لكم ثم نتحدث إلى مكتتب في أثناء العمل.»

وكانت هناك شركتا رءوس أموال مخاطرة بين المجموعة، وهما جرايلوك وجنرال أتلانتيك بارتنرز، وكانتا ترسلان لنا كبار شركائها للتعارف على نحو غير رسمي والتحدث عن سجل إنجازاتهم الناجح في مجال بناء الشركات وفرق الإدارة. وجال بخاطري: «لا أريد أن أكون رئيسًا تنفيذيًّا لهذه الشركة التي يجب أن أعيد فيها نفسي وأوزع المسئوليات على الجميع وأسافر في كل مكان. سيكون من الرائع فقط أن أكون الرئيس التقني ويكون لديَّ فريق إدارة عبقري يجلس مكاني.» ومن ثَم كان هذا شديد الجاذبية لي، وقال الحاصلان على درجة الماجستير لدينا: «نعم، هاتان الشركتان جرايلوك وجنرال أتلانتيك، إن اسميهما كبيران، وسيساعدانا حقًّا.» وكانت شروطهما أسوأ قليلًا من شروط ساميت، في الواقع في الصفقة التي كانت ساميت تعرضها كان يمكن أن أبيع لهما بعض أسهمي وأحصل على بعض النقود، وعندما أفكر في هذا الآن أجد أنها كانت فكرة عبقرية، لا سيما إذا ما كنت ستدخلين في صراع مع أصحاب رأس المال المخاطر بعد ذلك، فلا أحد يريد أن يكون موظفًا يتلقى راتبًا قدره ١٣٠ ألف دولار سنويًّا وهو يمتلك أصولًا بمليارات الدولارات.

لذا تركتهما يقرران واختارا جرايلوك وجنرال أتلانتيك. وهو ما كان يمكن أن يكون اختيارًا موفقًا، فيما عدا أن كبار الشركاء في هاتين الشركتين كانوا شديدي الثراء حتى إنهم لم يريدوا أن يضيعوا وقتهم في الانضمام إلى مجلس إدارة الشركات التي يستثمرون نقودهم بها. ولماذا عساهم يقدمون على هذا؟ ولدى كل منهم ستة منازل وطائرات نفاثة من طراز جالفستريم يتنقلون بها بين منازلهم. وكانوا يذهبون إلى منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس. فلماذا يرغبون في حضور اجتماعات مجلس إدارة شركتي؟ وكنت أنا أحضر هذه الاجتماعات وأفكر: «إنها شركتي وها أنا ذا أشعر بملل شديد».

وقد فوض رؤساء شركتي رءوس الأموال المخاطرة موظفين أقل مرتبة للانضمام إلى مجلس إدارتنا. وكان أحدهما مستشارًا في مجال الإدارة في شركة باين. ولم يدِرْ شركة قط، ولم يتحمل قط مسئولية ربح وخسارة وهذا هو المفتاح الرئيسي. ولم يؤسس شركة قط، وكان هذا ينطبق أيضًا على الشخص الآخر القادم من شركة جنرال أتلانتيك. فقد كان مديرًا في الإدارة الوسطى في شركة كبرى قبل أن ينتقل إلى جنرال أتلانتيك. وهكذا انضم هذان الشخصان إلى مجلس إدارة شركتنا وهما لا يعرفان شيئًا عن إدارة الشركات.

إذا كان لديك كشك لصنع عصير الليمون، فيجب أن تبيعي عصير الليمون مقابل أكثر مما يكلفك صنعه. هذا حقًّا هو كل ما تحتاجين إلى معرفته لإدارة شركة. وكان الحال سيصبح أفضل بكثير لو أن مدير فرع مطعم ماكدونالد في سنترال سكوير هو الذي انضم إلى مجلس الإدارة لأنه على الأقل كان سيفهم كيف يجري الحسابات.

لقد كان الشخصان اللذان انضما إلى مجلس إدارة شركتي موظفَين طيلة حياتهما. ولا يمكنك أن تحولي موظفًا إلى مدير شركة. فالموظف لا يأبه إلا بأن يرضي رئيسه. وقد يكون العميل غير راضٍ، وحملة الأسهم يتعرضون للخسارة لكن ما دام رئيسه راضيًا، فإن الموظف يحصل على مكافأة. وعلى النقيض، يهتم مديرو الشركات الكبار باكتساب عملاء والحصول على نقودهم، وعدم الإنفاق أكثر من اللازم على خدمتهم، ثم بيع شيء آخر إلى العميل نفسه. إنهما عقليتان مختلفتان تمامًا.

وجدت شركتا رءوس الأموال المخاطرة رئيسًا تنفيذيًّا للشركة، ورأيت أنا أن هذا رائع. وقلت في نفسي إنني يمكنني أخيرًا أن أحظى ببعض الراحة. وكان ذلك الشخص متحدثًا هادئًا. وكان المسئول التشغيلي في شركة استشارات برمجية، يطلق عليها كامبريدج تكنولوجي بارتنرز، وهي شركة سيئة في الواقع. فلم تقدم قط منتجًا جيدًا، ولا أظن أن عملاءهم كانوا يتلقون خدمة جيدة. وإذا كنت ستعينين مديرًا فعلى الأرجح من الأفضل أن تعيني شخصًا من جنرال إلكتريك جيت إنجينز لأنه في النهاية العميل الذي يشتري محركًا نفاثًا من جنرال إلكتريك يحصل على شيء ذي قيمة. فإنه منتج عالي الجودة. أي إنهم على الأقل لديهم ثقافة صنع منتج مقبول للعميل.
ليفنجستون : هل أعجبك الرئيس التنفيذي الجديد ووافقت على توظيفه؟
جرينسبن : أُعجبت بذلك الشخص إلى حد ما، لكن جزءًا كبيرًا من الأمر كان يصيب بالإحباط. في الواقع لم يرُقْ لي ما أصبحت عليه وظيفتي. لقد كان العمل مسليًا للغاية، حين كان عدد الموظفين بالشركة يصل إلى ٤٠ شخصًا. وشعرت كما لو أن العمل يُنجز بالطريقة التي كنت سأنجزه أنا بها لو أن لديَّ المزيد من الوقت. لقد كان يُنفذ بأسلوبي ووفقًا لمقاييس الجودة الخاصة بي. وشعرت وكأن هذا الجيش من المساعدين يدفعونني للأمام.
لكن في فترة استثمار رأس المال المخاطر أصبح لدينا ٨٠ موظفًا بالشركة ثم بدأت ألاحظ أن العمل يُنجز بطريقة تختلف عن الطريقة التي كنت سأنفذه بها. ولاحظت أن بعض المؤسِّسين المشاركين وذوي الخبرة انخفض عددهم كثيرًا بسبب النمو. ورأيت أننا نحتاج إلى أن يجد المدير حلًّا فوريًّا. وهو ما كان — عندما أفكر فيه الآن — سخيفًا. فكيف يمكن لشخص لا يعرف شيئًا عن الشركة والعملاء والبرمجيات أن يكون الرئيس التنفيذي؟!

لم يكن العملاء يستعينون بخدماتنا كخبراء في الإدارة، بل كانوا يريدون فريق برمجة جيدًا لتصميم شيء عالي الكفاءة وتسليمه بسرعة. ولم يريدوا شخصًا معسول الحديث. فقد كانت الكثير من مهارات الإدارة التقليدية غير وثيقة الصلة كثيرًا بعملنا عندما يكون لديك فقط مجموعات تتكوَّن من شخصين أو ثلاثة لتصميم شيء. ومن ثَم كان الأمر كما لو أنه من الأفضل توظيف شخص يتولى التحكم في العمليات أو خبير في الجودة من أحد المصانع بدلًا من مسئول تنفيذي كبير.

وسرعان ما أحضروا إلى الشركة فريقًا تنفيذيًّا جديدًا، ووافقت أنا على هذا لأنني كنت أعرف أن مهاراتي لم تكن في مجال الإدارة، وأنه من الناحية النظرية يمكن لأي شخص آخر أن يبرع في العمل رئيسًا تنفيذيًّا. لكن بوضوح لا يمكن لأي شخص أن يبرع بالقدر نفسه في اتخاذ القرارات الهندسية في مجموعة الأدوات. لكن كان يجب أن نركز أنا وجين وبعض المهندسين الخبراء الآخرين — ونحن نعلم ما ينجح وما لا ينجح — على المنتج.

كان الرئيس التنفيذي شخصًا لم يسبق له العمل قط رئيسًا تنفيذيًّا لأي مؤسسة من قبلُ، وأحضر صديقه ليكون المسئول المالي. ولم يكن صديقه هذا حاصلًا على درجة علمية في المحاسبة بل كان لا يجيد التعامل مع الأرقام. ولم يكن بإمكانه التفكير في الأرقام، ولم يستطِعْ وضع جداول بيانات إلكترونية دقيقة. وقد أسفر هذا عن العديد من الصراعات في اجتماعات مجلس الإدارة. فكنت أقول: «إن الأمور لا تسير على ما يرام.» فيقول: «انظر إلى جدول البيانات الإلكتروني الرائع هذا. انظر إلى هذه الأرقام، فالأمور تسير على خير ما يرام.» وفي خمس دقائق كنت أجد الكثير من الأخطاء الأساسية في افتراضات جدول البيانات هذا، لذا لم أرَ أنه من الحكمة استخدامه لاتخاذ قرارات في العمل. لكنهم لم يروا هذا. فلم يكن أي من الآخرين من أعضاء مجلس الإدارة مهندسين، فرأوا أنه هو المسئول المالي ومن ثَم سنعتمد على أرقامه. وبالطبع هذه الأرقام غير الدقيقة حالت دون تمكن المسئولين من اتخاذ قرارات صائبة.

لقد اعتبروا أنني شخص بغيض وكريه أنتقد أرقام هذا الرجل لأنهم لم يستطيعوا أن يروا الأخطاء. ومن وجهة نظر كلية الهندسة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كانوا جميعًا يفتقدون إلى المعرفة بمبادئ الرياضيات.
ليفنجستون : ماذا عن مجلس إدارتك؟
جرينسبن : كان من المفترض أن يكون لدينا عضوا مجلس إدارة خارجيان للتخلص من هذه الأزمة. وكان تعيينهما خاضعًا لموافقة أصحاب رأس المال المخاطر، وما كانوا ليوافقوا على أي شخص. فكنت أقول: «ما رأيكم في هذا الأستاذ الجامعي من معهد ماساشتوستس للتكنولوجيا؟» فيقولون: «كلا، إنه ليس مؤهلًا.» فأقول: «وما رأيكم في هذا الشخص الذي أسس شركة قيمتها مائة مليون دولار وأدارها؟» فيردون: «ليس مؤهلًا.» ولم يقترحوا قط أي شخص، وأي شخص كنت أعرضه، كانوا يرفضونه.
وبصفة أساسية، مع الرئيس التنفيذي الذي أحضروه كان لديهم أغلبية ثلاثة مقابل اثنين مهما فعلت. وقالوا: «إننا سندير هذه الشركة. وسنتخذ جميع القرارات، وستكون أنت رئيسًا صوريًّا فقط.»

استشطت غضبًا. وكان وقتًا عصيبًا عليَّ. ولم أكن أتمتع بنظرة ثاقبة كافية لكي أدرك … كان لي صديقان هما جون جيج وبيل جوي، مؤسسا شركة صن — وأنا أعرف جون وأعلم أنه لن يغضب إذا ما رويت هذه القصة — إنه كان يصيح غاضبًا من الاتجاه الذي تسير فيه صن ومدى سوئه، وكان بيل جوي يقول: «بربك يا جون، اهدأ قليلًا، إنها مجرد شركة.» وهذه هي وجهة النظر الصحيحة، لكني لم أكن أتمتع بهذه المسافة. فلو كنت عضوًا في مجلس إدارة شركة يملكها غيري وكانت الأمور نفسها تحدث، كنت على الأرجح سأشارك بأسلوب أكثر إيجابية فقط بأن أكون أقل عاطفية في التعامل مع الأمور.

تذكري أنني مولت الشركة بنفسي وكنت أمتلك الجزء الأكبر منها، ومن ثَم فإنها كانت بصورة أساسية ملكية كبيرة لي. بل كانت كل ما أملك في واقع الأمر. وكان الأمر شخصيًّا للغاية. ومن ثَم بعد نحو ستة أشهر لأنهم لم تكن لديهم خبرة إدارية أو خبرة في الأرباح والخسائر أو خبرة هندسية أو خبرة في التعامل مع الأرقام، لم يستطيعوا أن يروا أن ما أخبرهم به صحيح وأنهم يتجهون إلى خسائر مالية جسيمة وكذلك خسائر جسيمة على مستوى العملاء. بل رأوا أنني أهين كرامتهم، هذا ما قالوه.

وقد فصلوني من الشركة أنا وجميع المؤسسين المشاركين ما عدا واحدًا. تخلصوا منهم خارج الشركة في غضون شهر أو اثنين. فُصلت من العمل بعد شهرين من دخولهم الشركة، لكني لم أعرف أنهم فصلوني. فكنت لا أزال أحصل على شيك راتبي لكن لم يكن أحد يأبه لما أقول. فكانوا يقولون للموظفين: «لا تستمعوا إليه، إنه لا يتمتع بأي سلطات.»

كنت أنا رئيس مجلس الإدارة. وقد فُصلت تقريبًا في غضون شهر ونصف، لكني استغرقت ستة أشهر كي أدرك هذا. وفي النهاية قالوا: «إنك مفصول من العمل، لكن يمكنك البقاء في مجلس الإدارة.» ففكرت في البداية أنه ربما يكون هذا جيدًا. ثم كنت أجلس في حوض الاستحمام أقرأ مجلة «ذا نيويوركر» وأدركت أنني كنت مضطرب العقل. لأني كنت أقول لنفسي: «إذا لم أكتب برامج، فلن يحصل المستخدمون على برامج. وإذا لم أؤلف كتبًا عن كيفية تنفيذ الأشياء، فلن يتعلم أحد شيئًا. وإذا لم أُدرِّس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فلن يتعلم أولئك الطلاب شيئًا.» وفجأة أدركت ما يلي: يمكنني أن أجلس هكذا في حوض الاستحمام لبقية حياتي أقرأ مجلة «ذا نيويوركر»، وستكتب مايكروسوفت في النهاية جميع البرامج التي يحتاجها المستخدمون، وربما لا تكون جيدة الأداء وباهظة الثمن، لكن ماذا في هذا؟ إنها ليست مشكلتي. ففي النهاية سيحصلون على البرنامج الذي يحتاجون إليه. وإذا لم أُدرِّس في معهد ماساتشوستس، فلديهم أصول تقدر بخمسة مليارات دولار، وسيتمكنون من توظيف شخص أفضل مني بكثير ليدرس لأولئك الصبية.

كانت تلك من لحظات الاكتشاف؛ لم أعد مضطرًّا للعمل لسبعة أيام بالأسبوع، وتنفيذ أشياء كانت في حالات كثيرة متكررة. فقد كنت أصمم تطبيقات إنترنت لمستخدمين متعددين لعشرين عامًا، تتخللها الكثير من أوقات العمل في عالمي التصميم بمساعدة الكمبيوتر والهندسة أيضًا، لكن بصفة أساسية عشر سنوات في مجال تصميم تطبيقات الإنترنت فقط. لذا جال بخاطري: «يمكنني أن أفعل أي شيء آخر. فأنا مستثمر في هذه الشركة. فدعهم يبنونها. ويتعاملون مع الأمور كافة. وأنا سأجمع فقط نصيبي من الأرباح.» ورأيت أن هذا قد يكون شيئًا جيدًا، وأنه يمكنني القيام بأشياء جديدة؛ مشروعات بحثية جديدة تثير اهتمامي.

في أثناء ذلك كانوا يواصلون تكبد خسائر طائلة لأنهم لم يكونوا يعرفون شيئًا عن العمل. وعينوا نائب رئيس للتسويق كان يأتي إلى الشركة في العاشرة صباحًا ويرحل في الثالثة عصرًا كي يلعب كرة السلة، ويفتقر إلى الأفكار. وكان يريد تغيير اسم الشركة. لقد كان منتجًا يُستخدم في ١٠ آلاف موقع في جميع أنحاء العالم، ومن ثَم فإن على الأقل ١٠ آلاف مبرمج يعرفونه باسم آرس ديجيتا كوميونيتي سيستم. وهناك الآلاف والآلاف من الأشخاص الذين حضروا الندوات المباشرة التي كنا نعقدها. وهناك على الأرجح ١٠٠ ألف شخص في جميع أنحاء العالم يعرفون بأمرنا؛ لأن كل شيء كان متاحًا مجانًا. لكنه قال: «يجب أن نغير اسم الشركة لأنه عندما نعين موظفي المبيعات ويجرون المكالمات الهاتفية الارتجالية للعملاء، سيكون من الصعب على العملاء كتابة الاسم، وسيضطرون لتهجئته.» ووظفوا بالفعل رجال المبيعات المحترفين للتواصل مع العملاء المحتملين وإزعاجهم، لكنهم لم يتمكنوا من بيع شيء قط.

ولأنني لم أكن مديرًا رائعًا — وأنا أعلم أنني لم أكن كذلك — قررت أن أنظم هذه الشركة مثل مطاعم ماكدونالدز. كل مطعم يديره بعض الأشخاص، ويتحملون هم مسئولية الربح والخسارة. وإذا ما حققوا ربحًا يكون نصفه من نصيبهم. وإذا ما تكبدوا خسائر نعرف من المسئولون ونذهب إلى المكان ونصلح الخطأ على أن يتحمل هؤلاء العواقب. وهذه طريقة سهلة للغاية لإدارة شركة. وتكون مدرة للأرباح بطبيعة الحال. فيكون لدى الموظفين جميع المحفزات المناسبة لإرضاء العملاء وتنفيذ العمل في الموعد المحدد والحصول على نقود من العميل وإيداعها في البنك، ثم الانتقال إلى العميل التالي، والحصول على مكافأتهم في نهاية العام.

ودون حتى أن يدركوا الخطورة التي يقدمون عليها، قالت الإدارة الجديدة: «إن المبرمجين يجيدون البرمجة فقط. ولا يجب أن يقوموا بأي شيء سوى البرامج. ولذا سنوظف رجال مبيعات ليبيعوا، ولن نسمح للمبرمجين بالجلوس مع العملاء.»

وفي ذلك الوقت لم يكن لدى شركة أندرسون كونسلتنج (الآن يطلق عليها أكسنتشر) موظفي مبيعات. وكانوا دائمًا يكلفون من ينفذون المشروع بمهمة بيعه، وكان الشعار في أكسنتشر: «كُل ما تصطاده.» ولم يكن لديهم رجل مبيعات يخرج ويقول للعملاء: «يمكننا تنفيذ هذا»، ويقطع وعودًا ثم يسلم زمام الأمور للمبرمجين.

وهكذا فقد تجاهلوا مبدأ أكسنتشر الحكيم وتاريخ الربح الذي حققناه، وقالوا: «سنوظف رجال مبيعات محترفين للبيع. والمبرمجون سيبرمجون، ولن يكونوا مسئولين عن أي شيء آخر بخلاف كتابة الأكواد وتلقي الأوامر من رؤسائهم في المقر الرئيسي في كامبريدج. ولن تقع على عاتق موظفي المبيعات أي مسئولية متعلقة بالمشروع، وإنما سيتعين عليهم فقط طاعة أوامر رؤسائهم. وفيما يخص مواعيد تسليم العمل، فلن يتولى المبرمجون هذا وإنما سنعين مديري مشروع للحفاظ على مواعيد تسليم العمل.» ثم وظفوا أولئك الأشخاص الذين حتى يومنا هذا لم أكتشف قط ما المفترض أن يفعلوه. وكان يطلق عليهم: «خدمة العملاء.» ولم يكونوا مديري المشروع. وأظن أنهم كانوا من المفترض أن يحرصوا على إرضاء العملاء.

وظفت الإدارة الجديدة كل هؤلاء لكن إذا سألتهم: «من المسئول عن التأكد من أن هذا المشروع بصفة عامة يدر ربحًا للشركة، ومن لديه حافز كي يتأكد من أنه يُنجز في الوقت المحدد وأن العملاء يدفعون؟» تكون الإجابة: «لا أحد.» فيجب أن تصعد لأعلى مستويات الإدارة حتى تجد شخصًا يتحمل مسئولية الربح والخسارة. ومن ثَم أخبرتهم أنهم يتحملون مخاطرة جسيمة، وأنه ليست لديهم فكرة عن ماهية العواقب.

وكان ردهم: «كف عن هذا يا جرينسبن. إنك تجرح كرامتنا. هذه هي الطريقة التي تعمل بها كبريات الشركات مثل آي بي إم. إنك لا تفقه شيئًا.»

لقد حاولوا أن يجعلوا كل شيء يشبه آي بي إم قدر الإمكان. لقد كان تفكيرهم تقليديًّا للغاية. والمشكلة في هذا هي أن هذه المساحات من السوق ليست شاغرة. فإذا كانت لديك منتجات مملة وغير مثيرة للاهتمام مثل آي بي إم وأسعارها باهظة وسرعة تسليمها ضعيفة، فالمساحة المخصصة من السوق لهذه المنتجات غير شاغرة. إذ تستحوذ عليها آي بي إم. ولن يحتاج العميل إليك. فسيذهبون إلى آي بي إم جلوبال سيرفيسز إذا كان هذا ما يريدونه، أو سيتوجهون بالطبع إلى قسم تكنولوجيا المعلومات الخاص بهم.

في حالة البرمجيات مفتوحة المصدر، يمكن أن تنهار سريعًا. فإذا أصبحت شركتك أبطأ وتكاليفها أعلى وغارقة في البيروقراطية أكثر من قسم تكنولوجيا المعلومات في شركة العميل، فسيقول لك: «لدينا هنا في المكتب الخلفي مبرمجون كسالى وعديمو الفائدة وبطيئو الحركة. نحن لا نحتاج إليك.»

ومن ثَم كانت الشركة تنهار ماديًّا بسرعة، يمكنني أن أقول هذا. وأصبحت اجتماعات مجلس الإدارة أكثر حدة. بل إنهم في الواقع عجلوا المعركة النهائية قائلين: «سنطردك من مجلس الإدارة ونقاضيك لأنك تهين كرامتنا. من الأفضل لك أن تتحدث إلى محامٍ.»
ليفنجستون : ألم توجه لهم إهانة أيضًا عندما وصفت علنًا ما يبدو عليه الأمر عندما يقوم أصحاب رأس مال مخاطر بإدارة شركتك؟
جرينسبن : لم أفعل ذلك إلا بعد أن قاضوني. قلت إنه مثل مشاهدة مجموعة من الأطفال من أحد فصول رياض الأطفال يصعدون على متن طائرة من طراز بوينج ٧٤٧ ويحركون جميع المفاتيح ويحاولون اكتشاف سبب عدم إقلاع الطائرة. وكان ذلك قبل أن أحصل على رخصة الطيران. والآن أعرف كم كان ذلك التشبيه مناسبًا.
تحدثت إلى صديقي دوج، وهو محامٍ بارع. فقال: «ينبغي أن تتحدث إلى صديقي سام ماون-مالو في شركة إدواردز آند أنجيل وتعرف ما الذي ينبغي أن تفعله.» ونظر سام إلى جميع مستندات الصفقة وقال: «إنك تملك هذه الشركة. فلك الغالبية العظمى من أسهمها.»

فقلت: «لكن أولئك الأشخاص أخبروني أنني ليست لديَّ أي سلطة لأنهم يتحكمون في مجلس الإدارة بنسبة ثلاثة إلى اثنين، ولا يهم ما يقوله أي شخص آخر.»

فقال: «نعم، لكن حملة الأسهم هم من ينتخبون مجلس الإدارة. فقط اعقد اجتماعًا لحملة الأسهم وانتخب نفسك وشركاءك في التأسيس (أو أي شخص آخر تريد) لمجلس الإدارة، وسيعود هؤلاء الأشخاص إلى مقعديهما في المجلس، فهذا هو ما عقدوا الصفقة على أساسه. فلديهم استثمار بنسبة الأقلية في الأسهم. لقد عقدوا الصفقة على أساس أن يكون لهم مقعدان في المجلس وحق الاعتراض على صفقات محددة من خلال هذين المقعدين في المجلس، وهذا هو كل ما لهم من حقوق.»

سألته عما إذا كانت هناك أي خطورة في هذا. فقال: «هناك بعض الخطورة في أنهم قد يقاضونك في المحكمة العليا في ولاية ديلاوير. لكن أصحاب رءوس الأموال المخاطرة يكرهون إهدار نقودهم لذا لا أظن أنهم سيفعلون هذا. فالنزاعات القضائية مكلفة للغاية، وإذا لم يجدوا طريقة لجعل الشركاء الموصين يقبلونها فإنهم لن يقاضوك.»

وعندما يقدم أصحاب رءوس الأموال المخاطرة تمويلًا يجعلون الشركة الناشئة تسدد النفقات القانونية. وتذكري أن الاستثمارات تأتي من الشركاء الموصين، وصناديق المعاشات وغيرها. ومن ثَم فإنهم يحصلون على نسبة ٢ بالمائة المقابل السنوي للإدارة لكن الكثير من نفقاتهم، مثل النفقات القانونية، يدفعها الشركاء الموصون. فعلى سبيل المثال، إذا كان من المفترض أن تحصل شركة على ٧٠٠ ألف دولار كاستثمار، فإنها تعيد على الفور ٥٠ ألف دولار لدفع المصاريف القانونية لأصحاب رأس المال المخاطر ومن ثَم فإن نقود الشركاء الموصين التي تُستثمر في الشركة تكون فقط ٦٥٠ ألف دولار. وإذا لم ينجحوا في التوصل إلى خطة مثل هذه، فإنهم لن يقاضوك لأنهم لن يريدوا إنفاق نقودهم الخاصة التي يمكن أن ينفقوها على طائرات رجال الأعمال النفاثة الخاصة والإجازات والأشياء الأخرى التي تبهج أصحاب رأس المال المخاطر.

فقلت: «رائع.» وعقدت أنا وشركائي في التأسيس الذين كنا حملة الأسهم اجتماعًا وقلنا: «من يريد أن يصوت لفيليب جرينسبن ليكون الرئيس التنفيذي وعضوًا في مجلس الإدارة؟» وكان علينا أن نغير أيضًا القوانين الداخلية للشركة؛ لأن القوانين الداخلية الافتراضية للشركات في ماساتشوستس تنص على أن حملة الأسهم ينتخبون مناصب مثل الرئيس التنفيذي. لكن كانت القوانين الداخلية للشركة، لأي سبب كان، كانت تقول إن المجلس هو الذي يختار الرئيس التنفيذي، فقلنا: «حسنًا، دعونا نغيرها. فنحن حملة الأسهم، ومن ثَم فإننا سنغيرها بحيث تعود للقوانين الافتراضية لماساتشوستس.» وكان إمكانية انتخاب حملة الأسهم في الشركات الصغيرة للرئيس التنفيذي من القوانين الداخلية المشروعة تمامًا. وهكذا غيَّرنا القوانين الداخلية وانتخبوني لأكون الرئيس التنفيذي وهو ما أعطاني تلقائيًّا مقعدًا في مجلس الإدارة بموجب قوانين داخلية أخرى، ثم انتخبنا اثنين من المؤسسين في مجلس الإدارة. ومن ثَم أصبحت لنا أغلبية ثلاثة إلى اثنين في المجلس.
ليفنجستون : أين فعلتم هذا؟
جرينسبن : فعلنا هذا عن طريق الخطابات في الواقع. ونفذناه في مكتب المحامي بوسط المدينة في شركة إدواردز وأنجيل.
كنت أعلم أن هذا لن يروق لهم، وأردت أن أحتفظ بكل شيء منظمًا إلى أقصى درجة ممكنة، لذا اتصلت بالرئيس التنفيذي القديم — الذي أظن أننا انتخبناه رئيسًا تشغيليًّا، أي أننا نزلنا مرتبته إلى رئيس تشغيلي وطردناه من مجلس الإدارة — وقلت له: «دعنا نواجه الأمر؛ إنك غير مؤهل لإدارة هذه الشركة. إنك تخسر نقودًا. لكننا لا نريد أن نواجه أي توقف في العمل، وأنت مدير جيد وربما تتعلم في يوم من الأيام ما يكفي لأن تكون رئيسًا تنفيذيًّا، لكن هذا ليس اليوم.» أي إننا حاولنا أن نجعل الأمر استرضائيًّا؛ فقلنا له: «إننا لن نغير شيئًا، ولن نشرع في موجة من الفصل الجماعي من العمل، لكن يجب أن نعيد هذه الشركة مرة أخرى لسابق عهدها من حيث تحقيق الأرباح لأنكم — سواء أكنت تعرف هذا أم لا — خسرتم أموالًا طائلة.» وكانوا لا يزالون لا يعرفون لأن جميع حساباتهم كانت غير دقيقة، أي، لم تكن لديهم أدنى فكرة. ولم تُراجع سجلاتهم الحسابية بعد. ولم تأتِ إليهم شركة المحاسبة وتريهم جميع أخطائهم. أي إنهم كانوا يعملون وحدهم في الأساس.

ثم ذهبت أنا وجين إلى كاليفورنيا لسبب ما، انطلقنا في رحلة في سيارة شخص ما إلى كاليفورنيا من أجل الاستمتاع بوقتنا. وعندما عدنا إلى بوسطن اكتشفنا أن هناك دعوى قضائية مرفوعة ضدنا. ضدي أنا وإيف وترايسي في المحكمة العليا في ولاية ديلاوير. فشعرت بالغيظ من ذلك المحامي سام، الذي كذب عليَّ وأخبرني أنه لن تُرفع ضدنا أي دعاوى. وبعد ذلك أدركت أن سام كان مصيبًا ومخطئًا في الوقت نفسه. فلا تزال لهم السيطرة على دفتر شيكات الشركة. وحتى بعد أن خسر الرئيس التنفيذي منصبه في التصويت وربح مجلس الإدارة الجديد، فقد جعل أصحاب رأس المال المخاطر رئيسهم التنفيذي المدلل يكتب شيكًا بمبلغ مليون دولار من حساب الشركة الجاري لمحاميهم حتى يرفعوا دعوى ضد حملة الأسهم دون أن يدفعوا مقابلًا لها. وكان ذلك نهبًا غير مشروع للشركة نيابة عن مجموعة واحدة من حملة الأسهم. وكان هذا على الأرجح غير قانوني، لكن في ماساتشوستس قد يستغرق الأمر سنوات لاستعادة هذه النقود. ورأوا أنها لن تكون مشكلة كبيرة لأنهم توقعوا أن تبقى لهم السيطرة على الشركة، وقرروا أن يجعلوني أخسر نقودي عن طريق قضية ضخمة. ورأوا أنني لن يكون لديَّ قط نقود كافية أو سلطة باقية كي ألاحقهم في ماساتشوستس بسبب نهب الشركة، بل رأوا أنني ربما لن أعرف قط.

وهكذا تحتم عليَّ الدفاع عن نفسي في هذه القضية. وكان عليَّ أن أستعين بمستشار قانوني من ديلاوير وهو ما كان مكلفًا للغاية. وقد استهلك كل ما أملك خلال شهرين ونصف. لكن كانت لديهم قضية خاسرة في الواقع نظرًا لأنهم كانوا مساهمي الأقلية. فإذا افترضنا أنك تملكين سهمًا واحدًا في شركة آي بي إم وذهبت إلى محكمة ديلاوير وقلت لهم: «أريد أن أسيطر على آي بي إم وأشعر أن لديَّ الحق في هذا.» نعم، لم يعد هناك شيء مقدس في أمريكا: الدين ليس مقدسًا والعائلة ليست مقدسة والزواج ليس مقدسًا، لكن الشيء الوحيد المتبقي المقدس للأمريكيين هو الملكية. ولهذا وُجدت المحاكم. إنها موجودة للحفاظ على حقوق الملاك. لذا عندما تذهبين إلى محكمة وتقولين: «إنني لا أملك هذا الشيء لكنني أريد أن أتحكم فيه»، فتأكدي من أنك لن تحصلي على استقبال جيد.

وفي النهاية اشترى أصحاب رأس المال المخاطر أسهمي، ويرجع هذا جزئيًّا إلى أنهم لا يريدون أن ألاحقهم للسنوات الخمس التالية في محكمة ماساتشوستس بتهمة السلب، وأيضًا إلى أنهم أرادوا أن يسيطروا على الشركة، من يدري. لقد كان ذلك غباءً. فإذا كانوا يريدون شراء الشركة مني وإدارتها كيفما يحلو لهم عندما كنت أجلس في حوض الاستحمام وأقرأ مجلة «نيويوركر» قبل ستة أشهر، كان من الممكن أن يفعلوا هذا بتكلفة أقل بدون تلك الجلبة والضجة، وكان الجميع سيعيش سعيدًا بعد ذلك. لكن لم يطرأ على أذهانهم قط أنني قد أريد القيام بشيء آخر في حياتي. لقد كان القلق يعصف بهم من فكرة إمكانية أن أنافسهم وأؤسس شركة جديدة. لقد كنت أعمل مبرمجًا لمدة ٢٣ عامًا، وأعمل في تطبيقات الإنترنت لمدة ١٠ سنوات، فهل فكروا حقًّا أنني سآخذ كل ما حصلت عليه مؤخرًا من نقود وحرية وأبرمج المزيد من البرامج؟ في الحقيقة، سافرت لبعض الوقت ثم التحقت بمدرسة طيران وحصلت على رخصة طيار خاصة واشتريت طائرة وذهبت إلى ألاسكا، وطوال ذلك الوقت كانوا هم يخسرون الأموال.
ليفنجستون : ماذا حدث لآرس ديجيتا؟
جرينسبن : أظن أنهم تلقوا في النهاية مكالمة هاتفية من البنك يقول لهم إن النقود تنفد من حسابهم الجاري. وهنا استيقظوا على حقيقة أن الرئيس التنفيذي والمسئول المالي لم يكونا يقومان بعملهما على أكمل وجه. ويرجع هذا جزئيًّا إلى أنهم أنفقوا ما يصل إلى ٤٠ مليون دولار نقدًا (فقد تركتهم ولديهم ما يقرب من ٤٠ مليون دولار نقدًا عندما سلمتهم مقاليد الأمور) ولم يفهموا السبب. فجاء أصحاب رأس المال المخاطر وطردوا الرئيس التنفيذي من منصبه.
كانت هناك فترة لم يكن من المفترض أن أتحدث عنهم أو عن الشركة، لكن هذه الفترة انتهت الآن. أظن أنهم لا يحبون أن أتحدث عن القضية لأن كونهم غير أكْفاء ويديرون شركة أمر مخجل بما يكفي، وكونهم غير مؤهلين على الإطلاق في الدعاوى القضائية يبدو سيئًا أيضًا.

لقد خلقت جوًّا من الاهتمام بتجربة المستخدم النهائي والتعليم وبأننا سنحظى بأوقات ممتعة، وسنمتلك منزلًا على الشاطئ وسيارة من طراز فيراري. ونفذنا أشياء كثيرة مجانًا، فقد كانت لدينا مؤسسة خيرية وكتبنا برامج لطلاب المدارس الثانوية، ونفذنا برنامج علوم كمبيوتر مكثفًا لمدة عام لمن يريدون تحويل مسارهم من العمل بأي مجال آخر مثل الشعراء أو غيرهم ليكونوا مبرمجين. ومن ثَم فقد كان الناس يرون أنني شخص أدعي المثالية. وفي الواقع، كانت آرس ديجيتا شركتي السادسة وكنت أعرف كيف يمكنني أن أجعلها تدر نقودًا، كما كنت أنا المستثمر.

ومن ثَم فمع أنني علانية شخصية تميل إلى القيام بالأمور المسلية وأرى أن النقود تتولى مسئولية نفسها، فقد كنت أراقب المبالغ التي ربحتها الشركة أو خسرتها بعناية فائقة. لقد أعددت الأمور بحيث لا تخسر الشركة أي نقود عندما كنت أنا الرئيس التنفيذي، وإذا ما كانت هناك مشكلة، يجري تحديدها بسرعة ثم نصلحها.

فإذا كانت لديك شركة ربحية، يكون عملك هو تحقيق الأرباح، وإذا كنت لا تحققين أرباحًا، فإنك لا تقومين بمهمتك كما يجب. هذا هو كل ما في الأمر. من الضروري أن تستمتعي بوقتك، لكن ما إن تؤسسي شركة بهدف الربح، فإني أرى أنه من المهم أن تحققي أرباحًا. عندما كنت أحاول استعادة السيطرة على الشركة، كان معظم المبرمجين في آرس ديجيتا يشعرون بالارتياح لأنهم تخلصوا مني. ولسان حالهم يقول: «الآن لم يعد علينا أن نستمع إلى هذا الشخص، ولن يتحتم علينا مراجعة الأكواد التي نكتبها، ويمكننا جميعًا أن نعود إلى منازلنا في الخامسة مساءً ونحن سعداء ولا نكتب أي شيء قط. ولندع مهمة البيع لاختصاصيي المبيعات، لسنا مضطرين للتحدث إلى العملاء بعد الآن.»

وكان بعضهم يرسل لي رسائل بريد إلكتروني يقول فيها: «لمَ تفعل هذا يا فيليب؟ إننا لا نفهم.» فكنت أقول: «دعوني أشرح لكم ما يعني أن يكون المرء من حملة الأسهم في شركة ما. أنا لم أعد أعمل هناك. لم أعد موظفًا. الشيء الوحيد الذي يمكنكم فعله لي هو إرسال شيك بالعائدات.» كان عليَّ أن أصرح بالأمر بمنتهى الوضوح، وكان موقفًا يخلو من المشاعر إلى حد ما. ربما عندما كنت أعمل هناك، كان يمكن أن تكون هناك بعض مشاعر الحب الأخوي ويمكن أن نستمتع جميعًا بوقتنا، وإذا كانت الشركة تخسر نقودًا، فسنتشارك جميعًا هذه التجربة. أما في ذلك الوقت فلم تعد تجربة مشتركة. لقد كنت من حملة الأسهم، وكنت أريد الحصول على عائدات على استثماري. فكنت أقول لهم: «هذه هي الطريقة الوحيدة التي أقيس بها أداءكم، وإذا كان هذا يعني خصمًا من رواتبكم جميعًا أو الاستعانة بمن يقوم بعملكم من الهند، فهذا أمر محزن، لكن كل ما يهم حملة الأسهم هو النقود.»

وكان أصحاب رءوس الأموال المخاطرة أيضًا ينظرون إلى السيارة الفيراري … وكان تأجير سيارة مثل هذه يكلف ألف دولار في الشهر تقريبًا. وكنا نوقفها في مرأب السيارات، وكانت رمزًا عظيمًا، وقد كتبوا عنا في مجلة «فوربس». وقد وضعت الصفقة بطريقة تجعلنا لا نضطر قط للتخلي عن السيارة. فكان عليك توظيف عشرة من الأصدقاء ثم يمكنك قيادة السيارة طوال فترة عملك في الشركة. وقد اكتشفت أن المبرمجين يستمرون في العمل لأربع سنوات أو خمس على الأكثر. ويستغرقون ثلاث سنوات أو أربعًا لتعيين أصدقائهم العشرة، وسيقودون السيارة لعام أو عامين ثم سيرغبون في العودة لاستكمال الدراسات العليا أو العمل في مكان آخر؛ وسيستقيلون من عملهم ثم تعود الفيراري مرة أخرى. لقد دبرت الأمر بحيث يبدو وكأنه من قبيل البذخ لكنه لم يكلف شيئًا في الواقع. لكن أصحاب رأس المال المخاطر والموظفين كانوا يرون أني شخص ينفق بلا حساب.

لا يبدو تعيين مجموعة من رجال المبيعات وخدمة العملاء ونائب رئيس للتسويق بذخًا. لكن على أي حال لا شك أن توظيف مجموعة من المتأنقين الذين لا يقومون بأي شيء نافع يعد من قبيل البذخ. لقد أنفقوا ٤٠ مليون دولار نقدًا. لكن هذا لا يبدو بذخًا. فلن يعتقد أحد أنك مخطئة كمسئولة عن شركة لأنك وظفت مختصًّا بالمبيعات وتدفعين له راتبًا قدره مائة ألف دولار سنويًّا حتى إذا لم يكن يحقق مبيعاتٍ. ولن يرى أحد أنك مخطئة لأنك عينت نائب رئيس تسويق يحصل على ٢٠٠ ألف دولار سنويًّا كان يعمل في أوراكل حتى إذا كان عديم الفائدة، لمجرد أنه يرتدي حُلة ويأتي إلى العمل كل يوم لمدة خمس ساعات.

أما السيارة الفيراري التي كانت تكلف أقل من أي مما ذكرته وتقبع في المرأب فهي تبدو من قبيل البذخ. لكنها كانت مصدر إلهام للمبرمجين، وقد وفرت لنا تغطية صحفية، وجعلت العملاء يظنون أننا شركة ناجحة ومربحة. فقد كانت لها كل هذه الفوائد. وفي النهاية كانت الفيراري هي الشيء الوحيد الذي ربح منه أصحاب رأس المال المخاطر. فعندما باعوها حصلوا على مقابل أكثر مما دفعت أنا لشرائها.

لقد قضت الشركة على نفسها جزئيًّا عن طريق استبدال نظام إداري وظيفي، حيث يكون الموظف مسئولًا فقط أمام رئيسه في العمل، بسياسة الربح والخسارة التي تُلقى على عاتق أدنى المستويات. فكان هناك قسم برمجة وقسم مبيعات وقسم خدمة عملاء (أيًّا كان) وهناك قسم إدارة المشروعات، والشخص الوحيد المسئول عن الربح والخسارة هو الرئيس التنفيذي. وكانت تلك مشكلة كبيرة لهم.

الشيء الثاني الذي قضى عليهم كان ظاهرة شائعة في عالم البرمجة يطلق عليها «متلازمة النظام الثاني». وقد حددها فريد بروكس في كتاب «شهر الرجل الأسطوري» الذي كان عن مشروع أو إس/٣٦٠ الخاص بشركة آي بي إم، وهو نظام التشغيل للجهاز المركزي الخاص بهم في الستينيات. فقد كان لدينا النظام الأول الذي كان يشغل موقعي photo.net وArsDigita.com وجميع مواقع عملائنا. وكان عبارة عن مجموعة من نماذج البيانات المكتوبة بلغة إس كيو إل ونصوص صفحات برمجية تتعامل مع نماذج البيانات تلك لتقديم مجتمع على الإنترنت أو موقع تجارة إلكترونية. كانت كل تلك الوحدات تقوم بوظائف مختلفة. وكانت لدينا نسختان: واحدة منشأة بتقنية جافا سيرفر بيدجيز وهي مباشرة للغاية وتتعامل مع نموذج بيانات أوراكل، والأخرى كانت بتقنية إيه أو إل سيرفر تي سي إل، وهي برنامج خادم ويب غامض تستخدمه شركة أمريكا أون لاين لمعظم خدمات الويب الخاصة بها، ولكنها ذات كفاءة عالية. كان هذا هو ما بدأنا به عام ١٩٩٥. وكان هو أحدث شيء عام ١٩٩٥، أما اليوم فيمكنك تأدية العمل بالبراعة نفسها باستخدام تقنيتي إنترنت إنفورمشن سيرفر ولغة برمجة أكتيف سيرفر بيدجيز، وكلاهما من إنتاج شركة مايكروسوفت. وعلى أي حال، فقد كان أول برنامج خادم ويب لديه إمكانية تجميع اتصالات قاعدة البيانات. وكنا سنصبح مميزين به، وكان أصحاب رءوس الأموال المخاطرة ومديروهم المدللون مقتنعين أننا إذا أصبحنا الشركة التي تستخدم جافا، فستزيد مبيعاتنا. لكن لم يبدُ أن العملاء يعيرون ذلك اهتمامًا.

وإذا عدنا إلى عام ١٩٩٨، كانت لدينا خطط لثلاثة إصدارات: جافا سيرفر بيدجيز، وإيه أو إل سيرفر، ومايكروسوفت أكتيف سيرفر بيدجيز في لغة فيجوال بيسك، لكن اتضح أنه لا يوجد طلبات من العملاء على منتج مايكروسوفت. فقال المستخدمون: «إننا ندفع الرسوم الشهرية. ونريد موقعًا يعمل.» وقد حصلنا على أفضل الأرباح مقارنة بالتكلفة من تشغيل إيه أو إل سيرفر داخليًّا لعملائنا الذين نستضيفهم، وإذا كان الفريق في إجازة وهناك مشكلة بموقع العملاء، فيمكن لأي مبرمج آخر أن يقوم بصيانته لأن جميع الملفات كانت في الأماكن نفسها، وكان كل شيء يحمل اسمًا تقليديًّا. فكان من السهل على أحد المبرمجين اكتشاف وإصلاح الأخطاء الموجودة في عمل مبرمج آخر.

إذن ماذا كانت المشكلة؟ لقد كنا نربح والعملاء سعداء والناس تستخدم منتجنا. فمع أي نظام كبير، يكتب الناس قائمة بالأشياء التي لا يحبونها، والتي يمكنهم تنفيذها على نحو أفضل. وتطول القائمة. وكانت المشكلة الكبرى في نظامنا هي المشكلة نفسها مع ساب: فلديك نماذج بيانات وبعض التخصيصات وبعض النصوص البرمجية التي تتعامل مع نماذج البيانات. وعندما ترقين من إصدار للذي يليه، يكون لديك كل تلك الأشياء المكتبوبة بلغة إس كيو إل التي يجب تنفيذها في أوراكل لنقل نموذج البيانات القديم إلى الجديد، إذا أضفت أعمدة للجداول على سبيل المثال. وإذا كنت تثبتين نظامًا جديدًا، يكون ذلك سهلًا. فإنك تضعين الجداول فحسب. لكن في النظام الحالي الموجود، عليك أن تغيري الجداول. وهذا أمر مزعج.

فإذا كانت هناك بعض التخصيصات التي أُجريت له ولم تعد إلى مجموعة الأدوات، ربما عليك أن تعيدي تخصيصه بعض الشيء. هذه مشكلة في ساب، وكذلك كانت مشكلة لنا. وكان موقفي كمهندس أن ساب شركة أصولها تقدر بمليارات الدولارات وبها الكثير من العباقرة. ولم يحلُّوا هذه المشكلة قط، ومن ثَم فإننا لن نواجهها نحن أيضًا. ولن يحدث ذلك حتى تتاح لنا مبالغ طائلة من النقود. سنتركها وشأنها فحسب، وإذا ما كان على العملاء أن يقضوا أسبوعين من البرمجة الصعبة في ترقية برنامج الخادم، فهذه هي التكلفة. وهكذا كان هذا من أكبر الأشياء.

الشيء الآخر الذي لم يعجبنا هو أنها لم تكن النسخة الكاملة من جافا ٢، الإصدار الخاص بالشركات. وفي ذلك الوقت، ظن بعض أولئك الأشخاص أنه سيكون من الرائع إذا كانت لديهم طبقات متعددة من جافا هناك. فقالوا إنه شديد البطء قليلًا، وكان لديهم مآخذ كثيرة على النظام. وهذا ينطبق على أي نظام أول. فإنه يكون جديدًا ومن ثَم لا بد أن به بعض العيوب. ثم سلكوا طرقًا أقصر. فقالوا: «سيصلح النظام القادم، النظام الثاني، جميع هذه المشكلات في آن واحد. وسيكون قابلًا للترقية على الفور، وسيكون خارق السرعة، وسيكون في الإصدار الخاص بالشركات من جافا ٢، وسيكون رائعًا. وسيكون جاهزًا قريبًا.»

لكن الكثير من هذه المشكلات التي كانت في النظام الأول موجودة ليس لأن من وضعوا النظام الأول حمقى، لكن لأنه تحدٍّ صعب، ويتضمن الكثير من التنازلات، وذلك نتيجة حتمية لأحد التنازلات. وكان من يضعون النظام الثاني ساذجين للغاية، ولم يتعاملوا مع هذه المشكلة من قبلُ، وربما كانوا لا يزالون شبابًا، فلم يدركوا أن الأمر سيكون صعبًا.

وقد قال فريد بروكس إن النظام الثاني يكون دائمًا متأخرًا، في بعض الأحيان يتأخر لسنوات أكثر من المتوقع. وفي الواقع، نظرًا للطموح، فإنه عادة لا يحل أيًّا من المشكلات. فهناك قائمة طويلة من المشكلات، وفي النهاية لن يحل أيًّا منها تقريبًا. وهذا بالضبط ما حدث مع هؤلاء الأشخاص. فقد قالوا للعملاء: «لا تستخدموا النظام القديم، لأن لدينا نظامًا جديدًا سيكون متاحًا في غضون ٣ أشهر وسيكون أفضل.» وقد استغرقوا في الواقع أكثر من عام ونصف.

ومن ثَم فقد تكبدوا كل هذه الخسائر في المبيعات بسبب تأخر النسخة الثانية. لقد قضوا على الطلب على المنتج القديم بإخبار العملاء أن المنتج الجديد سيصدر قريبًا. ثم عندما ظهر المنتج الجديد في النهاية، كانت بعض الصفحات المهمة أبطأ ألف مرة من النظام القديم. وهكذا في حين أنه كان لديك خادم صغير له معالج واحد، ستحتاجين إلى خادم له ٦٤ معالجًا تكلفته مليونا دولار من أجل مجتمع المستخدمين نفسه. هذا بالإضافة إلى أنه لم يُختبر قط، ولم يطلق على نظام عامل مثل photo.net. لقد كانوا فقط مجموعة من المبرمجين يجلسون في معزل لم يتعاملوا قط مع ناشر أو مستخدم؛ إذ كانوا يبرمجون ما يفكرون به. لقد كانوا جميعًا شبابًا لأنه جرى التخلص من العناصر ذات الخبرة.

وكان منتدى الأسئلة والأجوبة، الذي كان أكثر جزء مستخدم من الموقع، ألف مرة أبطأ من النظام القديم.

وفيما يخص الترقية فقد قالوا: «سيكون لدينا طبقة التجريد هذه ولن تضطر قط للتعامل مع قاعدة البيانات؛ ستتعامل فقط مع طبقة التجريد هذه.» وبالطبع أول مرة حاول فيها المستخدمون إنشاء نظام حقيقي لقائمة العملاء وجدوا أن التجريدات لم تكن صحيحة، وكان عليهم التعمق والتعامل مع قاعدة البيانات مباشرة، وهو ما يعني على الفور، إذا ما كان عليهم ترقية الإصدار إلى إصدار جديد فسيواجهون المشكلات نفسها التي كانت في النظام القديم. ومن ثَم فإنهم لم يحلوا المشكلة الأساسية التي قالوا إن النظام سيحلها.

كما أنه لم يكن الإصدار الحقيقي الخاص بالشركات من جافا ٢. لقد قالوا إنه سيكون كذلك، لكن لم تعجبهم بعض الأدوات التجارية أو الأدوات مفتوحة المصدر التي كانت متاحة، لذا فقد صمموا طبقتهم السحرية. صمموا كل شيء، ومن ثَم قال كل من نظر إليه من العملاء: «هذا ليس الإصدار الخاص بالشركات من جافا ٢. إنه كومة من الجافا رديئة المستوى. إنه معقد للغاية. لكنه ليس الإصدار الخاص بالشركات من جافا.» (وكي يكون الإصدار الخاص بالشركات من جافا، كان يجب استخدام المكونات الأخرى القياسية التي توزعها إما شركة صن أو ويب لوجيك.) ومن ثَم فقد أخفقوا في تحقيق أي من أهدافهم. وكان النظام القديم يستغرق من المبرمج متوسط المستوى أسبوعًا لتثبيته وفهمه وإجراء بعض التخصيصات عليه. أما النظام الجديد فكان يستغرق من المبرمج الخبير شهرين كاملين لفهمه.

كانت هناك عدة مشروعات من الممكن أن ينتهي منها المستخدمون أسرع فقط إذا ما بدءُوا بجهاز عليه نظام تشغيل ويندوز. فالمنافس دائمًا هو مايكروسوفت، ومن ثَم عليك أن تعيدي النظر دائمًا وتقولي: «ماذا تملك مايكروسوفت؟ لديها إنترنت إنفورمشن سيرفر، وأكتيف سيرفر بيدجيز في لغة فيجوال بيسك، وكود يوزعونه كمثال. ومن ثَم هل سينتهي المستخدم أسرع إذا ما حصل على هذا فقط وبدأ من نقطة الصفر؟» وكانت الإجابة مقارنة بمجموعة أدوات آرس ديجيتا الجديدة هي «نعم».

لم يشأ أحد استخدام هذا النظام. فكان المستخدمون ينزلونه، لكنهم كانوا يستسلمون. فلم يكن هناك استخدام له في عالم البرمجيات مفتوحة المصدر. وكانت فرق قليلة في آرس ديجيتا تثبت النظام الجديد للمستخدمين لكنه كان يستغرق منهم وقتًا طويلًا للقيام بذلك. لقد كانوا يتجاوزون الوقت والميزانية. وانتهى بهم الحال مع منتج لا يريد أحد استخدامه. وفي النهاية، قضى المبرمجون على الشركة، أعني صغار المبرمجين الذين تولوا زمام القيادة. فقد كان أصحاب رءوس الأموال المخاطرة والإدارة يختارون المبرمجين وفقًا لمن له شخصية مقبولة. فاختاروا شبابًا صغارًا ليست لديهم خبرة كبيرة في مشروعات العملاء في العالم الحقيقي، وقضوا على الشركة. وما إن تقدم الشركة منتجًا لا يرغب فيه أحد، فلا يهم مدى كفاءة الإدارة.

وهكذا بعد أربعة شهور أو خمسة من اجتماع حملة الأسهم، ذهبوا إلى الشركة وطردوا الرئيس التنفيذي، أو قللوا درجته إلى الرئيس التشغيلي أو شيء من هذا القبيل. وعينوا أحد شركائهم رئيسًا تنفيذيًّا. وظل هناك لبعض الوقت. ووضعوا المزيد من النقود في الشركة، أظن ١٠ ملايين دولار، واكتشف الرئيس التنفيذي الجديد بالتدريج أن الأرقام التي يمنحها إياه الرئيس المالي كانت مزيفة. وبدأ يضع أرقامه الخاصة، وأدرك أنهم يخسرون النقود في كل مشروع، وأنهم إذا حصلوا على مشروع آخر من أحد العملاء، فستكون تكلفة تقديم الخدمة لذلك العميل أكبر من العائدات نظرًا لأن البرنامج كان سيئًا للغاية. وحينئذٍ قرر أن يغلق الشركة.

وهكذا فقد أغلقوا الشركة، ولم يؤدُّوا ما عليهم للدائنين والملاك وغيرهم وسلموا أصول الشركة إلى شركة ريد هات وهي شركة أخرى يستثمرون فيها. أعطوا جميع العقود والبرمجيات لريد هات، مجانًا تقريبًا. لقد أعطوا الناس انطباعًا أن الشركة قد بيعت لريد هات. والآن إذا جاء أحد دائني آرس ديجيتا إلى ريد هات وقال: «أريد نقودي، فقد اشتريتم هذه الشركة»، فستحرص ريد هات على أن تقول: «كلا إننا لم نشترِ هذه الشركة.» لكن بدا للعامة أن ريد هات اشترت الشركة، حتى يمكن لأصحاب رءوس الأموال المخاطرة أن يقولوا: «كان هذا استثمارًا آخر ناجحًا.» وحصلت ريد هات على ميزة من هذا أيضًا، فحصلت على بعض العائدات التي يمكن أن تقدمها في تقاريرها، ونظرًا لأنهم لم يدفعوا أي نقود مقابل هذه الشركة، لم يضطروا لأن يقولوا: «بالمناسبة، مبلغ العشرة الملايين من العائدات يرجع إلى صفقة استحواذ.» ومن ثَم بدا الأمر كما لو أن مبيعاتهم تزداد. ووظفوا مجموعة من المبرمجين، ووضعوهم فيما يشبه المعتقل في إحدى الضواحي في الطريق ٤٩٥.

وهكذا كانت هذه هي النهاية، لكن الأمر لم يستغرق وقتًا طويلًا. إذ انعقد اجتماع حملة الأسهم الخاص بنا في أبريل ٢٠٠١. وبعت أنا أسهمي في يونيو ٢٠٠١. وخسرت الشركة في يناير ٢٠٠٢.
ليفنجستون : ما الشيء الذي كنت تود أن تنفذه بأسلوب مختلف؟
جرينسبن : الحرص على أن تحقق الشركة نموًّا أبطأ بعض الشيء على ما أظن. وتجنب القلق المفرط حيال المنافسة، والتركيز على الحصول على العناصر الجيدة التي لديها نفس الرؤية المستقبلية للشركة الذين يمكن أن نعلمهم حتى يصلوا إلى المستوى الذي يتيح لهم توظيف آخرين. لكن الأهم هو تقليل معدل النمو.
ليفنجستون : أعلم أنها كانت شركتك السادسة، لكن هل كان هناك ما اكتشفت أنك تجيد أداءه أكثر من غيره؟
جرينسبن : أظن أن أدائي في بعض الأمور كان غالبًا أسوأ مما توقعت. لقد كان أصحاب رءوس الأموال المخاطرة محقين عندما قالوا إن الناس يتذكرون الانطباع الذي تركته في نفوسهم أكثر من الكلام الذي قلته.
إن إدارة المبرمجين أمر صعب. وهذا من أسباب عدم ندمي على ترك العمل في تكنولوجيا المعلومات، لأن المبرمجين أشخاص غير محبوبين. ومهمة إدارتهم ليست لطيفة. أما في الملاحة الجوية، على سبيل المثال، فجميع من يميلون للمبالغة في تقدير مستوى مهارتهم يلقون مصرعهم. ولهذا فهم لا يعملون حاليًّا. فجون كينيدي الابن لم يعد يعمل في عمليات القسم ١٣٥ من لوائح الطيران الفيدرالية المتعلق بطيران التأجير لأنه تُوفي. وهو لم يلقَ مصرعه لأنه كان طيارًا سيئًا، بل لأنه لم يكن هناك تناسب بين نسبة مستوى ثقته بنفسه ومستوى مهارته، واتخذ مجموعة من القرارات غير الصائبة مما أودى به إلى حتفه، وهذا مما يُؤسَف له.

في مجال الملاحة الجوية، عند تعيين موظف، فغالبًا ما يكون ما يُعرف عنه من مهارة يتناسب على نحو معقول مع مهارته الفعلية. أما في مجال تكنولوجيا المعلومات، فنجد من يتصرف من منطلق أنه يجيد قيادة السيارات وبارع في العلاقات العاطفية وبارع في البرمجة. لكن أين المقاييس التي ستثبت أنهم مخطئون؟ فحوادث الطرق نادرة للغاية، ومن ثَم فإنهم لا يحصلون على تقييم يفيد بأنهم فاشلون في قيادة السيارات لأنه نادرًا ما تقع لهم حوادث. وإذا تركته حبيبته فإن هذا يرجع ولا شك إلى مشكلاتها النفسية المتأصلة من مرحلة الطفولة. وإذا فشل الكود الذي كتبوه في السوق، فإن هذا خطأ قسم التسويق.

وإذا ما فشلت شركة برمجيات فيمكنك إلقاء اللوم على قسم التسويق. وغالبًا ما يتحرك المبرمجون وبداخلهم شعور مبالغ فيه بقدراتهم وقيمتهم في المؤسسة. ولهذا السبب فإن كثيرين منهم يشعرون بالمرارة الشديدة. فيجلسون في مكاتبهم في حالة من الغضب والاضطراب لأن الإدارة لا تنفذ الأمور وفقًا لما يرون. ولا يفهمون سبب ضآلة رواتبهم. فمن الصعب إدارة هؤلاء. لكن من ناحية أخرى، هناك طرق أفضل وأخرى أسوأ للقيام بهذا. فإذا أردت ضمان حصول العميل على كود عالي الجودة وأن المنتج عالي الجودة، فعليك أن تطعني هؤلاء الشباب طعنة تصيبهم في صميم غرورهم وتقولي: «لا، هذه ليست الطريقة المثلى لتنفيذ المهمة.» السؤال هو: إلى أي مدى يمكن أن تبلغ قسوتك؟ فبالطبع كان يمكن أن أكون أكثر لطفًا وطيبة.

أظن أنني كنت جيدًا في التعامل مع العملاء. وقد أدركت أن كبار المديرين لا يتحلون بأي أخلاقيات على الإطلاق. وبصرف النظر عن الطريقة التي تعاملوا بها معي وهذه الأمور، لكن إليك مثالًا أدركت بفضله أن تحلي المرء بأخلاقيات أساسية من المزايا العملية. فقد كان هناك عميل رفض أن يسدد الفاتورة، وكان غاضبًا منا. وعقدنا اجتماعًا بهذا الشأن، وكنت مع الرئيس التنفيذي الجديد، وأحد حملة درجة الماجستير في إدارة الأعمال الذين كانوا يعملون معه، نتحدث عن ذلك العميل. وكان ذلك في مكتب لوس أنجلوس. وقال المديران: «هذا العميل غاضب منا. فكيف نجعله يدفع لنا المزيد من النقود؟» فقلت: «كم دفع لنا؟» فأجابا: «٧٠٠ ألف دولار.» فسألت: «هل أُطلق موقعه؟» فأجابا بالنفي. فسألت: «ما التكلفة التي أخبرنا العميل أنه سيتحملها حتى موعد إطلاق موقعه؟» فقالا: «٧٠٠ ألف دولار تقريبًا.» فقلت: «لماذا نعقد هذا الاجتماع إذن؟ لمَ نتحدث عن الحصول على المزيد من النقود منه؟ أليس من المفترض أن نتحدث عن إطلاق موقعه؟»

لقد كانت تلك وجهة نظر غريبة تمامًا عليهما. ما القيمة التي تقدمها للعميل؟ هل تقدم له ما وعدت به وما دفع من أجله؟ إنني لا أرى نفسي تقيًّا أو خبيرًا أخلاقيًّا، لكنني على الأقل كنت أومن أنه إذا أخذت نقودًا من عميل فيجب أن تقدمي له شيئًا في المقابل. وبعد ذلك الاجتماع اتصلت بشركة طيران أميريكان إيرلاينز وصعدت على متن طائرة. وكان ذلك يوم الجمعة، وكانت لديَّ بعض الارتباطات الاجتماعية في فترة الإجازة الأسبوعية، لكني ألغيتها. وسافرت إلى لوس أنجلوس وأخبرت المبرمجين أنني أود الاجتماع بهم يوم السبت لنتحدث عن ذلك العميل.

كان جميع المبرمجين شبابًا حديثي العهد وقالوا: «إنه خطأ العميل لأنه لا يكف عن طلب هذه السمات ويقول إنه لا يمكن إطلاق الموقع إلا إذا كانت به جميع هذه السمات المعقدة. ولا يتوقف عن طلب سمات جديدة لأنه يرى مواقع الآخرين.»

فأجبتهم: «إنكم مهندسون، وعليكم أن تشرحوا للعميل أن هناك الكثير من الأشياء التي سنتعلمها فور إطلاق الموقع. وعليكم أن تجعلوه يقبل بالحد الأدنى من مجموعة السمات التي يمكن إطلاقها. فليس من الضروري أن تحتوي المواقع الجديدة على مائة منتدى لأسئلة وأجوبة المستخدمين. فهناك ١٥ مستخدمًا فقط. كيف سيجد بعضهم بعضًا إذا كانوا مشتتين في ١٥ منتدى؟»

وقلت: «لا يمكنكم أن تنحوا باللائمة على العميل. وإنما عليكم أن تتعاونوا معه للوصول إلى الحد الأدنى من مجموعة السمات التي يمكن إطلاقها لإطلاق الموقع. إنكم تحتاجون هذا من أجل سيركم الذاتية: فأنتم بحاجة أن تقولوا فيها إنكم عملتم في مشروع حقق نجاحًا وها هو الموقع ويمكن لأي شخص أن يشاهده، وليس أنكم كنتم تحصلون على شيك الراتب ولم تحققوا شيئًا، وكنتم تعملون لمصلحة عميل غبي، والأمر برمته خطؤه هو.»

وطلبت من العميل الحضور في اليوم نفسه، وتحدثنا إليه ووجدنا أنه لا يريد السمات الأخيرة إذا كان الأمر سيؤدي لعدم إطلاق موقعه. كل ما في الأمر أنه لم يفهم فكرة التنازل عن مميزات معينة في مقابل الحصول على مميزات أخرى. وبعد بضعة أسابيع أُطلق الموقع.
ليفنجستون : هل هناك ما تعتقد أن الناس قد أساءوا فهمه عن نهاية آرس ديجيتا؟
جرينسبن : إنني لم أكتب عن ذلك. وأود كتابة بعض الدروس التي يمكن الاستفادة منها. فقد نفذنا بعض الأشياء العبقرية التي ليس لها مثيل، مثل تصميم مواقع متعددة اللغات. إنها أمور تركز على الجوانب الهندسية بالأساس. كل ما في الأمر أنه لم يتَحْ لي الوقت أو الهمة للدخول في التفاصيل لسبب ما.
يركز الناس كثيرًا على مرحلة النزاع. ويزعجني أنهم يتذكرون الأشياء غير الصحيحة مثل: «ذلك الشخص جرينسبن قاضى أصحاب رأس المال المخاطر.» وهذا غير صحيح لأنني، بادئ ذي بدء، كنت المُدعى عليه وليس المدعي.

ويغضبني كثيرًا أن الناس تظن أن آرس ديجيتا شركة تدعمها شركة رءوس أموال مخاطرة. لكنها لم تكن كذلك. لقد كانت شركة أسستها ودعمتها ماديًّا بنفسي، لكن في غضون عام أو اثنين استعنت ببعض الأشخاص البارعين الآخرين. ويزعجني أنهم يظنون أن آرس ديجيتا شركة لعب فيها أصحاب رءوس الأموال المخاطرة دورًا كبيرًا في بدايتها، وأنني قاضيتهم وحصلت بطريقة ما على نقود بالخداع. وهذا يثير ضيقي. لقد مولت أنا الشركة. واستثمرت فيها نقودًا وسنوات من العمل الشاق، وفي النهاية انضموا هم للشركة لمدة ١٨ شهر تقريبًا منذ بدء استثمارهم فيها حتى انهيارها، وفي ذلك الوقت كان عمر الشركة يزيد عن خمس سنوات. ومن ثَم فإنها لم تكن شركة تدعمها رءوس أموال مخاطرة، بل كانت شركة حصلت على رأس مال مخاطر في محاولة لاختصار عملية الاكتتاب في طرح الأسهم.

ولم أجنِ أنا النقود بفضل الملاحقة القضائية. لقد اشتريت بعض الأسهم، وخاطرت وبعتها في النهاية مقابل عائد أقل بكثير مما كنت سأحصل عليه إذا لم أحصل قط على نقود من شركة رءوس أموال مخاطرة. كان من الممكن أن أحصل على أرباح سنوية من الشركة. وأحصل على عائدات فقط بدلًا من أن أمنح تلك العلاوات الضخمة للموظفين، أي مزيج من العلاوات المنخفضة قليلًا والأرباح الأقل قليلًا المحتجزة في الشركة. أي إنها كانت قصة بسيطة تقوم على الاستثمار ثم بيع الأسهم. وكانت الدعوى القضائية أمرًا ثانويًّا. وفي النهاية اشتروا نصيبي كما لو أنهم لم يقدموا الدعوى القضائية ضدي. كل ما في الأمر أنهم قرروا سرقة قيادة الشركة بدلًا من شرائها، وعندما لم يفلح هذا اشتروها، كما كان يتوقع أي شخص عاقل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤