الفصل الخامس والعشرون

جويل سبولسكي

مؤسس مشارك، شركة فوج كريك سوفت وير

أسس جويل سبولسكي شركة فوج كريك سوفت وير مع صديقه مايكل بريور عام ٢٠٠٠. ولم يكن في ذهنيهما إنتاج منتج محدد، لكنهما كانا يرغبان في تأسيس شركة برمجيات من النوع الذي يودون العمل به؛ شركة يكون فيها المبرمجون هم نجومها.

وفي الوقت نفسه تقريبًا، بدأ سبولسكي مدونة «جويل أون سوفت وير» — وهي الآن من أكثر مدونات البرمجيات التي تحظى بقاعدة عريضة من القراء — لمشاركة أفكاره عن تطوير البرمجيات والإدارة وعالم الأعمال والإنترنت. وقد كانت مدونته من أول أمثلة الاستراتيجية التي أصبحت شائعة الآن لشركات البرمجيات الناشئة (مع أنه من النادر تحقيقها)، ألا وهي: إنشاء مدونة عامة لجذب الانتباه.

وبفضل برامجها الشهيرة التي تشمل فوج بجز وفوج كريك كوبايلوت، كانت الشركة تضاعف مبيعاتها سنويًّا، حتى في أثناء مرحلة الانهيار التي أعقبت فقاعة الإنترنت. ولم تحصل الشركة قط على استثمار خارجي وتستمر في العمل كشركة خاصة تحقق أرباحًا.

***

ليفنجستون : كيف خطرت لك هذه الفكرة؟ كيف كانت بداية شركة فوج كريك سوفت وير؟
سبولسكي : لم تكن هناك فكرة، الشيء الوحيد الذي كنت أفكر به هو أن هناك الكثيرين في السوق يقومون بأشياء معينة وهم غير مؤهلين فيما يبدو، لكنهم يحصلون على تقييمات رائعة. ومن المؤكد أنني إذا نفذت الأشياء نفسها، وأنا أعلم أنني على قدر أقل من عدم الكفاءة — أي إنني كنت غير مؤهل إلى حد ما في مقابل أنهم غير مؤهلين على الإطلاق — فلا بد أنني سأحقق على الأقل المستوى نفسه من النجاح الذي حققوه.
هناك فترة في نهاية التسعينيات من القرن الماضي كان فيها تأسيس شركة أشبه بحركة جذابة، لا تتطلب قدرًا كبيرًا من العبقرية. وكان الأشخاص الذين يطرحون أسهم شركاتهم للاكتتاب العام مقابل ١٠٠ مليون دولار مجرد صبية لا قيمة لهم حديثي التخرج ولا يعرفون شيئًا عن أي شيء. وشاهدنا عدة أمثلة لتنفيذ أفكار غير متميزة وتفتقر للإبداع بطريقة سيئة، ورأينا أن أداءنا يمكن أن يكون أفضل بكثير.

وغالبًا كان مصدر إلهامنا الرئيسي — الذي شجعني حقًّا على اتخاذ قرار تأسيس فوج كريك — هو فيليب جرينسبن صاحب آرس ديجيتا الذي كانت له خطة مشروع محددة كانت ناجحة على ما يبدو حينئذٍ. وعلى المدى الطويل، لم تحقق نجاحًا لأنه حصل على رأس مال مخاطر لتقديم الاستشارات واختفت هذه السوق. لكننا نظرنا إلى آرس ديجيتا وقلنا: «رائع! إنهم ينفذون أشياء عظيمة. لكن هناك بضعة أشياء كان يمكننا أن ننفذها على نحو مختلف.» فقد كان يتملكهم خوف شديد من أي شيء تصنعه مايكروسوفت، وكان خوفهم، على ما أعتقد، نابعًا من الجهل. لا أريد أن أقول إن مايكروسوفت شركة عظيمة، لكنهم كانوا يعتقدون أن نجاحهم يعود لتجنبهم استخدام تكنولوجيا مايكروسوفت. فرأيت أنهم مناهضون لمايكروسوفت بدون سبب منطقي. وهكذا كان هذا من الأشياء البسيطة التي أعتزم تغييرها.

وكان هناك أمر أكبر وهو أنهم كانوا يطورون ذلك المنتج. فكانت لديهم فكرة تقوم على الجمع بين العمل بمجال تقديم الاستشارات والعمل لإنجاز المنتج، وهو آرس ديجيتا كوميونيتي سيستم الذي كانوا يطورونه بالإضافة إلى العمل الاستشاري. وكانت نظريتهم تقوم على أن المنتج الذي ابتكروه سيدعم العمل الاستشاري، والعمل الاستشاري سيدعم المنتج.

لكنهم رأوا أن المنتج ينبغي أن يكون مفتوح المصدر، وكنا نرى أن هذا أمر لا بأس به، لكن العمل الاستشاري يعتمد على عدد الموظفين الذين يمكنك توظيفهم. في حين أن مجال البرمجيات عمل يمكن أن تنمو فيه العائدات أسرع بكثير مع زيادة أقل في عدد الموظفين. وإذا أمكن الحصول على رسوم ترخيص عن طريق بيع البرنامج باستخدام نموذج آرس ديجيتا نفسه، لكن مع الحصول على رسوم فقط على آرس ديجيتا كوميونيتي سيستم، رأينا أننا بهذا سنحقق نموًّا ثابتًا على الجانب الاستشاري من العمل.

وهكذا كانت الفكرة أن العمل الاستشاري سينمو بالتوازي مع توظيف المزيد من الموظفين المتميزين الذين يمكنك الاستفادة من عملهم كمستشارين، والعمل في مجال البرمجيات سينمو مثل منحنى لعبة الهوكي لأنه في مرحلة ما عندما يحقق الأمر نجاحًا، لن تضطري إلى توظيف موظفين جدد. ويصبح كل ما عليك هو صنع المزيد من النسخ من البرنامج الذي تبيعينه.

كانت هذه هي النظرية. لكنها لم تنجح على أرض الواقع، لكننا نجحنا في تعطيل مشاعر الإنكار لوقت طويل بما يكفي كي نؤسس الشركة.
ليفنجستون : من كان المؤسسون؟
سبولسكي : أنا ومايكل بريور (كنا صديقين تعارفنا أثناء عملنا في شركة جونو أونلاين سيرفيسز) أسسناها عام ٢٠٠٠، وكانت تلك خطوة جيدة. وعلى الأرجح لو كنت أسستها وحدي لما كنت لأجد أحدًا أناقش معه الأفكار. ولا أدري حقًّا ما إذا كنت سأتمكن من تنفيذها.
إن الأمور لم تسِرْ على ما يرام مع آرس ديجيتا، وأظن أنهم يرون أن فشلهم يعود إلى أن أصحاب رأس المال المخاطر جاءوا إلى الشركة وأساءوا إدارتها، لكن في الواقع جميع الشركات الأخرى التي تعمل في مجال شركتهم أخفقت في الوقت نفسه. فحتى مع الإدارة الجيدة، كان عملهم في مجال الاستشارات سيخفق على الأرجح كعملنا في ذلك الوقت. ولحسن الحظ، لم تحقق شركتنا نموًّا كبيرًا، ولم يكن لدينا صفقات وتعاملات كبيرة في مجال الاستشارات لنخسرها، ومن ثَم نجونا من هذا.

وكان لدينا ثلاثة عملاء للاستشارات عندما بدأنا عملنا في سبتمبر ٢٠٠٠. وبحلول فبراير أو مارس، لم يكن لدينا أي عميل. وفقدت الشركات الأخرى التي كانت تصمم للويب ما يقرب من ٩٠ بالمائة من عملها في غضون شهر أو اثنين. وحدث انهيار كبير، واختفت سوق الاستشارات تمامًا.

فسوق الاستشارات سوق مشتقة من جميع الأسواق الأخرى. فعندما تنمو شركة، توظف بضعة مستشارين لمساعدتهم في النمو أسرع قليلًا. وعندما يبدأ عملهم في التقلص، فإنهم يشرعون على الفور في طرد المستشارين. وإذا كانت السوق تنهار حتى بنسبة ٠٫٠٠٢ بالمائة بدلًا من النمو — وهذا ما حدث لأنه حدث انهيار بعض الشيء في عمل الشركات التي تعمل على الإنترنت — فإن أول من يرحلون هم المستشارون. ومن ثَم فإن العمل الاستشاري انهار تمامًا، وانهارت كل الشركات التي تعمل في هذا المجال بشكل أو بآخر. أما الشركات التي بقيت — مثل ريزورفيش، وساينت، وفيانت وغيرها — فقد تجمعت في شركة واحدة بها ١٢٠ موظفًا، وانتهى الأمر.
ليفنجستون : هل كنت أنت وشريكك في التأسيس تعملان من شقتك في تلك المرحلة؟
سبولسكي : لم نشأ قط أن نفعل هذا. فقد كانت لدينا فلسفة معينة. ولم يكن العمل من شقتنا خيارًا مطروحًا؛ فحصلنا على مكتب منذ اليوم الأول. كانت شقة شخص آخر، لكننا لم نكن نعيش هناك. بل كانت مكتبًا.
ليفنجستون : هل كانت شقة شخص آخر؟ هل أجرتماها من الباطن؟
سبولسكي : نعم، إنها قصة طويلة. وانتهى الأمر بتعرضنا للاحتيال. لقد أجرناها من الباطن في الواقع من شركة أخرى تعرضت بدورها للإفلاس بطريقة تفتقر إلى الاحترام فاختفت تمامًا، ولم تعبأ حتى بإعلان إفلاسها أو إعادة المبالغ المختلفة التي سددناها لها مقدمًا. لكننا نجونا من تلك الأزمة.
ليفنجستون : كان لديكم ثلاثة عملاء مبدئيًّا في العمل الاستشاري. هل كانوا ممن تعرفتما عليهم من العمل في جونو؟
سبولسكي : كلا، أظن أنهم جميعًا عملاء عثرت أنا عليهم. وأنا واثق أنهم جميعًا كانوا قراءً لمدونتي وقد أرسلوا لي رسائل بالبريد الإلكتروني يقولون فيها: «لدينا مشروع لك.»
ليفنجستون : وهل كنت تكتب مدونتك في ذلك الوقت؟
سبولسكي : نعم. لقد تركت جونو في بداية الصيف تقريبًا. وقضيت فترة الصيف أكتب مجموعة من المقالات على المدونة، لأنني كنت في إجازة في ذلك الصيف وأعيش في منزل على الشاطئ. وبنهاية الصيف عندما بدأنا كان لدى المدونة ما يكفي من قرَّاء حتى إنه كان من السهل العثور على عملاء يرغبون في الاستعانة بنا كمستشارين لبناء بعض المنتجات. لكن كما قلت، تدهورت تلك السوق بسرعة كبيرة للغاية.
ليفنجستون : ماذا فعلت عندما لم يكن لديك أي عملاء؟
سبولسكي : اختفت السوق في نوفمبر عام ٢٠٠٠. وأنا أحدد التاريخ بدقة لأنها اختفت حقًّا في ذلك الشهر، لكن لم يدرك أحد أنها اختفت إلا في شهر أبريل. كل ما لاحظته الشركات الأخرى هو أن الوقت المستغرق لاكتساب عميل جديد كان يزداد يومًا بعد يوم.
وأخذوا يقولون أشياء من قبيل: «كان الأمر يستغرق منا شهرين لاكتساب عميل. لكن يبدو أن الأمر سيستغرق وقتًا أطول. وازدادت دورة المبيعات لتصل إلى نحو ثلاثة شهور.» ثم في الشهر التالي يقولون: «يبدو أن دورة المبيعات ستستغرق نحو أربعة أشهر.» ولم يكن أحد قط يقول: «لا نريد الاستعانة بخدماتك قط. ابتعد.» لكن كانت هذه هي الحقيقة.

وهكذا بالنسبة لمعظم الشركات — آرس ديجيتا، وريزورفيش، وساينت وآي إكس إل، ومارتش فيرست — فإنهم حتى لم يفهموا أن السوق انتهت ولن تعود، لذا استمروا في دفع رواتب المستشارين في حين أنه لم يكن لديهم شيء يفعلونه. وهذا جعلهم يستمرون في إهدار النقود حتى أغلق معظمهم أبوابه.

لم يكن لدينا ما يكفي من مستشارين في ذلك الوقت. فوظَّفنا اثنين من المستشارين. لكن نظرًا لأننا كنا ندرك دائمًا أننا نريد أن نكون أيضًا شركة برمجيات، ففي شهر أكتوبر أو نوفمبر تقريبًا انتهينا من فوج بجز، الذي كان تطبيقًا داخليًّا لتعقب الأخطاء كان جاهزًا لدينا من قبل، وبدأنا نبيعه. والمفاجأة أن الناس بدأت تشتريه.
ليفنجستون : هل كان هذا منتجكم الداخلي؟
سبولسكي : نعم. ومن هنا نشأت في الأساس جميع تطبيقات تعقب الأخطاء. فجميع تطبيقات تعقب الأخطاء في العالم وُلدت من فكرة مطور داخلي.
ليفنجستون : هل فكرتم أن تصمموا هذا لأنفسكم ثم ترون ما إذا كان سيعجبكم؟
سبولسكي : نعم. كانت لدينا في الواقع ثلاث أفكار منتجات في أذهاننا، وكان فوج بجز من بينها. وكان أسهلها وأقربها لإمكانية البيع. وكان المنتجان الآخران هما سيتي ديسك الذي فشل في السوق، وشيئًا يطلق عليه تنتن الذي لم نكتبه حتى، ولم نتِحْه بالطبع في الأسواق.
كانت لدينا فكرة عائلة تتكون من ثلاثة تطبيقات والتي كانت ستنجح معًا بطرق مختلفة. فكان فوج بجز سيوفر تدفق العمل، وكان تنتن سيقدم خادم إدارة المحتوى، وكان سيتي ديسك سيكون عميل إدارة المحتوى. وكانت هذه هي الرؤية على المدى البعيد وبدأنا بإطلاق فوج بجز لأنه كان موجودًا لدينا.

وأظن أننا بدأنا نربح من ٥ آلاف إلى ١٠ آلاف دولار شهريًّا ببيعه. وكان ذلك كافيًا لتغطية النفقات والعيش عليه عقب أن فصلنا المستشارَين اللذين عيناهما من العمل. (وقد عثر كلاهما على عمل على الفور، ومن ثَم فإنها لم تكن مشكلة حقيقية. وقد عاد أحدهما الآن يعمل موظفًا بدوام كامل.) أظن أن الحظ حالفنا في أننا بدأنا في وقت متأخر في دورة العمل حتى إننا لم نهدر نقودًا طائلة قبل أن نكتشف أن سوق العمل الاستشاري لن تعود على الإطلاق.
ليفنجستون : لقد كنت فطنًا بما يكفي لتغيير خطتك لأنك بدأت منذ وقت قريب؟
سبولسكي : نعم. لقد حالفنا الحظ. فلو أننا بدأنا قبل ذلك بعام، لكان لدينا ٣٧ مستشارًا نضطر لدفع رواتبهم لأربعة أشهر مع أننا ندرك أنه لن تتوافر لدينا أموال لندفع رواتبهم. كان ذلك سيصبح موقفًا خطيرًا.
ليفنجستون : وهكذا كان الناس يشترون فوج بجز. هل كانت هناك نقطة تحول أخرى في ذلك الوقت؟ لأنني أعلم أنك لم تحصل قط على استثمار خارجي.
سبولسكي : لم نحصل على نقود استثمار قط. لقد وضعت في الشركة على الأرجح ٥٠ ألف دولار من نقودي الخاصة، لتغطية رواتب الموظفين، عندما لم يكن لدينا عملاء. ومر وقت طويل نسبيًّا لم أحصل فيه على راتب لأنني كانت لديَّ مدخرات. (وكانت مدخرات مايكل أقل من مدخراتي ومن ثَم فقد كان يحصل على راتب ضئيل.) وكانت لدينا بعض النفقات لأنه في غضون تلك الفترة بأكملها كان لدينا مكتب. ومع أنها كانت شقة جدتي فقد كنا ندفع إيجارًا وكنا نستخدمها كمكتب فقط. أي إننا كنا ندفع إيجارًا أقل من مستوى السوق مقابل مكتب أقل من مستوى السوق أيضًا.
ليفنجستون : أكانت في مانهاتن؟
سبولسكي : نعم، كان منزلًا في مانهاتن مبنيًّا بالحجر الرملي البني المائل للحمرة. كان يتكون من طابقين وبه حديقة في الباحة الخلفية. وكان مكانًا يطيب للمرء العمل فيه. ولم يكن أحد يعيش به لكن كان به مطبخ.
وهكذا طرحنا منتجًا آخر وهو سيتي ديسك. وكان يفتقر للأسباب التي تجعله منتجًا ناجحًا. فقد أسأنا تفسير بعض الأمور، ولم يحقق نجاحًا كبيرًا. لكن ظل فوج بجز ينمو نموًّا متواصلًا. وكل مرة نطرح فيها إصدارًا جديدًا كنا نضاعف المبيعات. لقد ظللنا نراقب ذلك النمو الضئيل المنتظم الذي شهدته السنوات الخمس الأخيرة حتى يومنا هذا. فهذا التطبيق ينمو باستمرار ويبيع المزيد من النسخ شهريًّا.

وتحتم علينا أن نرفع السعر مرتين. لم نضطر لهذا، لكن زيادة السعر في الواقع أدت لزيادة عدد الوحدات المبيعة. أظن أن السبب في ذلك يعود إلى أن المنتج يبدو مقبولًا أكثر بذلك السعر الواقعي.
ليفنجستون : أي إنه إذا اضطر الناس لدفع المزيد من النقود يتعاملون مع المنتج بمزيد من الجدية، أليس كذلك؟
سبولسكي : بالطبع. لقد كان هناك ترخيص لخمسة مستخدمين مقابل تقريبًا ١٩٩ دولارًا، ويعتبر هذا أشبه بالبرمجيات المشتركة. لكن اليوم عندما تقولين إن ترخيصًا لعشرة مستخدمين يكلف ٩٩٩ دولارًا، فإن المنتج يكتسب طابعًا من الأهمية. وفي تلك السوق، لا تزال هذه صفقة جيدة. لكن يجب حقًّا أن يوحي السعر بمكانة المنتج. فسيحكم الكثيرون على مكانة منتجك في السوق بناءً على سعره.
وهكذا زدنا من سعر المنتج مرتين، وفي المرتين زاد هذا من عدد الوحدات المبيعة. وأطلقنا إصدارات جديدة ولم ننفك عن إضافة المزيد من السمات. حتى أصبح المنتج وحشًا ضخمًا. وهو أيضًا نظام إدارة بريد إلكتروني كامل للعميل. فالعملاء يرسلون الأخطاء عبر البريد الإلكتروني، فيرشح التطبيق البريد المزعج أتوماتيكيًّا، ويصنف الرسائل إلى مناطق، ويخصصها لأشخاص محددين، ويمكنك تتبعها، ويمكنك تحديد تواريخ استحقاق، ويمكنك أن تجيبي أوتوماتيكيًّا على العملاء برسالة لطيفة قصيرة تمنحهم رابطًا يمكنهم النقر عليه ليروا حالة رسائلهم. إننا نستخدمه للتعامل مع جميع رسائل البريد الإلكتروني التي ترد إلى الشركة ونحرص على أن يكون الشخص المناسب هو من يتعامل معها.
ليفنجستون : هل ترى أن إطلاق هذا المنتج من نقاط التحول الكبرى؟
سبولسكي : نعم، مع أننا لم نشعر برغبة في الاحتفال. فقد فكرنا في ذلك الوقت قائلين: «لقد أصبح لدينا هذا المنتج. ونحن لا نعرف ماذا نفعل أيضًا. فلنطرحه ونرى ماذا سيحدث.» لم تكن لدينا أي فكرة. وفي ذلك الوقت، كان يمكن أن تقولي لي إن هذا المنتج لن يبيع أي نسخ، وكنت سأصدقك. وكان بإمكانك أيضًا أن تقولي إنه سيبيع نسخًا بما يساوي ٥٠ ألف دولار شهريًّا، أو أي رقم على القدر نفسه من الابتعاد عن أرض الواقع، وكنت سأصدقك أيضًا.
الآن أصبح لديَّ ما يكفي من الخبرة لكي أعرف أن كل شيء تطلقه تقريبًا يبيع بما يساوي ألفين أو ثلاثة آلاف دولار في الشهر الأول، هذا هو حال الشهر الأول دائمًا لأي منتج من البرمجيات، إذا كنت تتقنين عملك. لكن في ذلك الوقت لم تكن لديَّ أي فكرة عما يمكن أن أتوقعه.
ليفنجستون : هل مر عليك وقت في ذلك العام الأول وقلت في نفسك: «لقد خسرنا عملاءنا. وحان الوقت لإغلاق الشركة؟»
سبولسكي : لم نفكر قط أننا سنغلق الشركة، لأنه كانت لدينا نظرية أن فوج كريك ستستمر ما دمت أنا ومايكل نأكل ونسدد ما علينا من التزامات خارجية، أيًّا كانت. فلا يوجد سبب على الإطلاق يجعلنا نستسلم نهائيًّا. وهذا ما حدث في النهاية. ففي العام الأول، أظن أن عائدات فوج بجز كانت تتراوح بين ١٠ أو ١٥ ألف دولار، وكان هذا كافيًا لأن نعيش عليه. وكان ينمو بمعدل معقول — فأذكر أنه كان ينمو شهريًّا بالفعل — ١٠٠ بالمائة على الأقل سنويًّا. وقد منحنا هذا الثقة في أننا يمكننا أن ننتظر.
لقد كان هناك دخل، وهذا الدخل يزداد شهريًّا. ومن ثَم لم يكن هناك سبب يدعونا للاستسلام والعودة أدراجنا. لقد كانت النظرية أننا لن نستسلم إلا في حالة عدم توافر دخل يكفي لسداد الحد الأدنى من الفواتير التي يتحتم علينا سدادها. وأظن أن نفقاتنا العامة الشهرية كانت ٥ آلاف دولار — يخصص الجزء الأكبر منها لسداد الإيجار — لكن كان هناك أيضًا لوازم المكتب وخط الاتصال بالإنترنت وهذه الأشياء.
ليفنجستون : يبدو أن لديك ثقافة فريدة من نوعها في شركتك، ثقافة تقدر متخصصي الكمبيوتر. هل خططت لهذا من البداية؟
سبولسكي : قطعًا. وتذكري أن النموذج الأصلي كان: «كيف نصبح شركة استشارية كبيرة ثم نبني شركة برمجيات داخل الشركة الاستشارية؟» أي إن الشركة الاستشارية كانت وسيلة للوصول إلى غاية محددة. وكان الهدف منها توفير تدفق نقدي، حتى يمكننا بناء شركة برمجيات حقيقية. وعندما نحقق هذا الهدف، كان من الضروري أن يستمر وجود أولئك المستشارين وذلك طبقًا للنظرية أيضًا؛ فشركات البرمجيات غالبًا ما تحتاج إلى قسم استشاري.
وكان النموذج الاقتصادي الأساسي لنا ولشركة آرس ديجيتا وهذا النوع من الشركات هو أننا يمكننا توظيف عباقرة من خريجي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أو ما شابه ونمنحهم راتبًا يتراوح بين ٧٥ ألفًا إلى ١٢٥ ألف دولار سنويًّا بِناءً على الخبرة. وهذا يعني، على الأكثر، ٦٠ دولارًا في الساعة، وكانت النسبة التي تحرر بها الفواتير هي ٢٠٠ إلى ٢٥٠ دولارًا في الساعة لتصميم مواقع تدعمها قواعد بيانات.
ليفنجستون : رائع.
سبولسكي : نعم. من الواضح أنها كانت حالة موازنة في عملية التسعير تحاول جميع الشركات الناشئة استغلالها.
السؤال هو: كيف تجعلين خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذكي هذا يعمل لديك أنت وليس لدى غيرك؟ والمدهش في ذلك الوقت هو أن أيًّا من تلك الشركات لم تكن تبذل أي جهد على الإطلاق كي تجعل بيئة العمل ممتعة وكي تعامل الموظفين الذين تعينهم باحترام كافٍ كي يتمكنوا من اجتذاب الناس.

فكان المرء يدخل إلى شركات — وكان هناك الكثير منها في نيويورك مثل ساينت على سبيل المثال — ويجد عشرات من المكاتب متكدسة في غرفة مزدحمة يجلس الموظفون فيها مثل سمك السردين ويعاملونهم كأنهم تروس متشابهة. فلم تكن بيئة عمل ممتعة. ولم يكن هناك احترام كبير للمطورين. ولم يكن المطورون يتلقون معاملة حسنة، ولم يكن أحد يعبأ بهم مع كونهم العناصر المتميزة في المؤسسة.

أما الأشياء التي نعتبرها أساسية لنا فهي: توفير المقاعد المريحة من إنتاج شركة إيرون ومكاتب خاصة مزودة بأبواب تغلق لكل مبرمج، ويكون المبرمجون مسئولين أمام مبرمجين آخرين حتى يفهمهم رؤساؤهم. ولدينا أربعة أسابيع عطلة وأسبوع للإجازات، وأظن أنه يمكن ترحيلها. وبالنسبة للعمل الاستشاري، كانت لدينا قاعدة أن الطيران يكون على الدرجة الأولى مع عدم حرمان أحد من البعد عن منزله في الإجازة الأسبوعية.

وقد توصلنا إلى نموذج العمل بالكامل واكتشفنا أننا إذا أنفقنا ٤ أو ٨ بالمائة أكثر على توفير بيئة عمل أفضل في هذه الجوانب بالتحديد، فسيود الجميع أن يأتي ويعمل لدينا ولن يذهب إلى ساينت أو ريزورفيش أو أي شركة أخرى. وقررنا أن هذا سيكون نموذج العمل الخاص بنا. والجميع يفرض رسومًا ٢٥٠ دولارًا في الساعة للمستشارين ويدفع لهم ٦٠ دولارًا في الساعة. فكنا ندفع لهم ما يساوي ٦٤ دولارًا في الساعة مع تحمل كل الأعباء. كانت تلك هي الحيلة الذكية التي توصلنا إليها، وهذا ما رأينا أنه ابتكارنا. لكن اتضح أننا لم نفعل ذلك.
ليفنجستون : ماذا فعلتم؟
سبولسكي : أسسنا شركة استشارية ووظفنا مستشارين بارعين. وكان لدينا بضعة عملاء. ونفذنا خطة ٦٠ دولارًا/٢٥٠ دولارًا، التي كانت رائعة ثم اختفى ذلك العمل الاستشاري بسرعة من أسفل أقدامنا. وهكذا أصبحنا شركة برمجيات حقيقية.
ليفنجستون : لكنكم احتفظتم بجزء كبير من ثقافتكم من أجل المبرمجين.
سبولسكي : نعم. كان ذلك الهدف دائمًا عند إنشاء فوج كريك. فإذا كنت في بوسطن أو أوستن أو رالي-دورهام أو وادي السليكون أو سياتل، فإنك كمبرمجة تتاح أمامك الكثير من الخيارات من حيث الأماكن التي يمكنك العمل بها. أما في نيويورك فالخيارات هي البنوك الاستثمارية وبعض المستشفيات ووكالات الإعلان، لكن ليس شركات التكنولوجيا. فلا يوجد إلا القليل من شركات التكنولوجيا في نيويورك.
لكن نيويورك لا تزال أكبر مدينة في أمريكا، وهناك عدد كبير من المبرمجين المضطرين للإقامة في نيويورك لأن زوجاتهم يدرسن في كلية الطب، أو لأن عائلاتهم هناك، أو لمجرد أنهم يحبون المدينة، أو لأنهم يريدون التمثيل على المسارح الارتجالية وهذا هو أفضل مكان لهذا، وهناك الملايين من الأسباب التي تجعل المبرمجين يفضلون الإقامة في نيويورك. وكل مبرمج يفضل العمل في شركة تنتج منتجات لأنها أفضل كثيرًا من العمل كالعبيد في بنك استثماري. ولا يوجد أي منها في نيويورك.

وكنا نذهب إلى الحفلات ونجد خبراء الكمبيوتر يسألون: «هل تعرفون أي شركات لإنتاج البرمجيات في نيويورك يمكنني أن أعمل بها؟» وكنا نجيب: «كلا. لا أعرف أيًّا منها.» هذا هو ما كان المبرمجون يتحدثون بعضهم إلى بعض عنه: كيف يمكن أن نخرج من البنك الاستثماري في نيويورك؟ لذا كان جزءًا من النموذج الخاص بنا أن نبني مكانًا نستمتع نحن بالعمل به بما أننا مضطرون للإقامة في مدينة نيويورك. فأردنا أن ننشئ شركة برمجيات تحديدًا في مدينة نيويورك.

وعندما يكون عدد المبرمجين كبيرًا، فإن الفرد يشعر أنه غير مهم لهدف الشركة وأنه ينفذ عملًا غير مهم، ومن ثَم فإنه لا يصبح قط جزءًا من الشركة ولا يهتم أحد به.
ليفنجستون : لماذا تسيء كبريات الشركات فهم هذا؟
سبولسكي : لقد عملت في شركة فياكوم والتي كانت ثقافتها تقوم على إنشاء قناتي إم تي في وكوميدي سنترال. وليس ذلك فحسب، بل تقوم على شراء إم تي في ثم شراء قناة نيكلوديون، ثم دمجهما وإنشاء ما يطلق عليه إم تي في نتووركس وتطبيق بعض الألاعيب المتعلقة بالسلطة، ثم ربما بيع إحداهما وشراء شركة سي بي إس.
وكي تحققي نجاحًا في تلك البيئة، هذه هي الأشياء التي ينبغي أن تجيديها. إذا كنت بحاجة لتصميم مواقع تفاعلية أو كانت إم تي في بحاجة لبرنامج خادم ويب أو شيء من هذا القبيل، فإنك لا توظفين مبرمجين، بل توظفين من قد يعرفون بعض الأشخاص الذين قد تكون لديهم دراية ما بالتكنولوجيا. وفي النهاية تجدين شخصًا يقول: «فلنوظف بعض المبرمجين»، ويوظفون مبرمجًا بالفعل. وإذا ما حالفهم الحظ، يحصلون على مبرمج جيد، لكنهم سيعذبون ذلك المبرمج إلى أن يضطر للرحيل.

والشركة التي لم تنشأ لإنتاج منتجات تكنولوجيا متقدمة لن يكون لديها على الأرجح الثقافة أو العقلية التي يتطلبها إنتاج منتجات تكنولوجيا متقدمة. ومن ثَم إذا كنت تعملين بالتكنولوجيا المتقدمة في تلك الشركة، فإنك تكونين أقل من مدخل بيانات إلى حد ما. ومن غير المرجح أن من ينجحون في العمل في شركة ترفيه سيفهمون حتى ما يفعله المبرمجون ويجعلهم أكثر من مدخلي بيانات فقط.
ليفنجستون : عندما تتأمل الماضي، هل هناك ما كنت ستود أن تنفذه بأسلوب مختلف؟
سبولسكي : أكبر خطأ كنا نرتكبه بانتظام هو أننا كنا نحصل باستمرار على جميع أفكار التسويق اللافتة للانتباه. المشكلة الأولى التي واجهتنا هي أننا ظننا أننا لا نفهم المبيعات والتسويق لأننا أنا ومايكل مبرمجان. ورأينا أن عمل المبيعات والتسويق، الذي أدركنا أنه شيء أساسي لنجاح شركة التكنولوجيا المتقدمة، غامض لنا تمامًا.
عندما قرأنا عنه، علمنا أن مستوانا سيئ في المهارات التي نحتاج إليها للعمل في المبيعات وتسويق المنتجات. ولم تكن لدينا ميزانية للتسويق. لذا كنا خائفين مما يطلق عليه استراتيجية «الاتجاه إلى السوق». لقد رأيت الكثير من الشركات الناشئة تتخبط في سنواتها الأولى — بالطريقة نفسها التي كنا نتخبط بها — وهي تحاول أن تكتشف الطريقة التي تتيح لها إقناع الناس بشراء منتجاتها.

وكنا نحلم أن نجد شركة تبيع وتسوق منتجاتنا، ونتولى نحن عملية التطوير. وتكون هناك قسمة بنسبة ٥٠:٥٠. لكن بعد أن أجريت بحثًا عبر التاريخ في سجلات مجال برامج الكمبيوتر، لم أجد سوى مثال واحد فقط كانت فيه شركة تبيع منتجًا تطوره شركة أخرى. وهو لوتس نوتس، الذي طورته شركة مقرها في بوسطن يطلق عليها آيريس أسوشييتس.

كانت لديهم صفقة النصف بالنصف مع لوتس. وكانت شركة لوتس ديفيلوبمنت تقوم بجميع عمليات البيع والتسويق وتشتري نسخًا من برنامج نوتس من شركة آيريس مقابل ٥٠ بالمائة تقريبًا، على ما أظن. وهذا على الأرجح ٢٥ بالمائة من سعر البيع بالتجزئة الذي تقترحه الجهة المُصَنِّعة، أو شيء من هذا القبيل. وهذه العلاقة بالتحديد — قبل أن تستحوذ لوتس على أيريس تمامًا — استمرت فترة طويلة بما يكفي حتى إنني رأيت أن هذا النموذج قد ينجح.

بعد ذلك تحدثت إلى أشخاص كانوا أطرافًا في الأمر وقالوا: «يا إلهي، لقد كان التوتر لا يصدق. كان الأمر أشبه بالكابوس.» وكان على لوتس أن تستحوذ عليها.

وهكذا ما فكرنا به بعد ذلك هو بيع فوج كريك لشركة أخرى نرى أن بإمكانها أن تطرح منتجنا في السوق. وخضنا كل تلك المفاوضات مع الشركة التي رأينا أنها ستستحوذ علينا ولديها نقود كي تطرح منتجنا في السوق. ولم يفلح هذا لأننا كنا نشعر أن مكانتنا كبيرة. بعبارة أخرى، قدموا عرضًا بما يقرب من ٤ ملايين دولار، ونحن كنا نرى أن قيمتنا تساوي ١٢ مليون دولار. وفهمنا السبب الذي يجعلهم يقدرون أن قيمتنا تساوي ٤ ملايين دولار. فهذا ما كنا سنقوله لو كنا في مكانهم أيضًا. لكننا كنا نظن حقًّا أننا سنحقق المزيد والمزيد.

والمفاجأة أن الشركة التي لم تستحوذ علينا استحوذت على شركة أخرى يملكها بعض أصدقائي لهم السيناريو نفسه. كانوا يطورون برمجيات، وكانوا يأملون أن الشركة التي ستستحوذ عليهم ستتمكن من طرح البرنامج في السوق. لكن الشركة التي استحوذت عليهم أثبتت في الواقع أنها لا تستطيع طرح المنتجات من البرمجيات في السوق، وهكذا باء الأمر بفشل ذريع. وأظن لو أننا سرنا في ذلك الطريق بالتحديد، لاختفينا من السوق، ولاختفت المنتجات أيضًا، وما كانت فوج كريك لتبقى في الوجود.

ومن ثَم الخطأ الذي ارتكبته هو التفكير أن لديَّ مشكلة في المبيعات والتسويق، لأن الجميع، كما تعرفين، كانوا يسألون: «أين اختصاصي المبيعات؟ أين قسم التسويق؟ كيف سيشتري أحد برنامجكم؟»

في فترة البدايات، فكرنا أن نطلب من المستخدمين الاتصال بنا على مواقعهم، على أن ندفع لهم مبلغًا ضئيلًا من المال إذا ما باعوا برنامجنا. فعندما كانت لدينا شركة استشارية، كانت هناك عبارة على صفحة الويب الخاصة بنا تقول: «ساعدنا في الحصول على عملاء للعمل الاستشاري وسنمنحك ٥ آلاف دولار» وهو ما ظننت أنه سيجذب انتباه الناس. وجميع من كانت لهم خبرة في عالم الأعمال قالوا: «كلا. هذا يوحي وكأنك مستعد لفعل أي شيء في سبيل ذلك، وهذه رشوة. تخلص من هذه العبارة.» الشخص الوحيد الذي جذبته هذه العبارة قليلًا كان شخصًا سيستعين بخدماتنا على أي حال، أو ظن أن شركته يجب أن تستعين بنا، وكان يحاول الحصول على ما كان سيصبح رشوة غير قانونية.

ومن ثَم فإن ما فعلناه كان محض حماقة. ثم زدنا الأمر. ففكرنا أن نطلب من المستخدمين وضع روابط تشعبية إلى خصائص فوج كريك (أو أي شيء) وإذا ما تبع الناس الروابط التشعبية واشتروا برنامجنا فسنمنح هؤلاء نسبة من ١٥ إلى ٢٥ بالمائة. وكان برنامجًا قائمًا على العمولة مثل برامج أمازون المعتمدة على الفكرة نفسها. وقد جعلنا هذا في الواقع نحقق بعض المبيعات لكن تطويره استغرق الكثير من العمل، وكان حجم المبيعات الذي أكسبنا إياه ضئيلًا. وكانت تكاليف الإدارة والتطوير لا تستحق تنفيذه، وفي النهاية أغلقناه لأنني سئمت كتابة شيكات بمبلغ ١٩ دولارًا شهريًّا. لقد كان مضيعة تامة للوقت، واستغرق قدرًا هائلًا من الوقت في وقت مبكر للغاية.

ومثال ثالث لهذا كان عندما اقترحنا وضع نظام الكوبونات؛ لأنه كانت لدينا فكرة أن نرسل للمستخدمين رسائل بريد إلكتروني أوتوماتيكية عندما يزورون موقعنا تقول لهم: «اشترِ البرنامج في غضون الاثنتين وسبعين ساعة القادمة واحصل على خصم قدره ٢٥ بالمائة» وكانت لدينا كل تلك الأفكار المجنونة. (كان ذلك في الواقع برنامجًا آليًّا ينفذ مهام محددة كتبناه قبل سنوات، وهو لا يزال يعمل. فإذا جربت سيتي ديسك — وهو أقل منتج شعبية اليوم — ستحصلين على رسالة بريد إلكتروني مرفق معها كوبون بخصم قدره ٢٥ بالمائة عليك استخدامه في غضون الاثنتين وسبعين ساعة القادمة.) وعندما أطلقنا هذا، زاد من مبيعاتنا قليلًا. وكان يتيح للمستخدمين تقييم نسخة العرض على الفور؛ لأنهم لا يريدون خسارة الكوبون الذي يحمل الخصم وله مدة صلاحية ستنتهي.

كانت هذه أفكارًا تسويقية جيدة قليلًا. ولكننا للأسف قضينا وقتًا طويلًا في تطبيقها. والشيء الوحيد الذي تعلمناه على مدى خمس سنوات هو أن لا شيء يفضي إلى نتائج أفضل من تحسين المنتج. كل دقيقة وكل ساعة يقضيها المطور في أي من هذه الأشياء المجنونة — مع أنها أثمرت عن بعض العائدات الهامشية عن العمل الذي استثمرناه بها — لم تكن شيئًا مقارنة بصنع إصدار أفضل من المنتج وإطلاقه. فلو كنا استغللنا القدر نفسه من المجهود الذي بذلناه في هذه الخطط المجنونة واستثمرناه في دفع الجدول الزمني لتطوير المنتج قدمًا، لكان عائد ذلك أكثر بكثير.

كان ذلك على الأرجح أكبر خطأ ارتكبناه. وهذه هي النصيحة التي أسديها للجميع. فكل تلك الخطط المتعلقة بالكوبونات، هذا ما تفعله شركة جنرال موتورز. فهم يتوصلون إلى خطط خصومات جديدة لأنهم نسوا كل شيء عن تصميم سيارات يود المستخدمون شراءها. لكن عندما تكونين لا تزالين تذكرين كيف تصممين برامج تجتذب المستخدمين، فهذا رائع، قومي فقط بتحسينها.

تحدث إلى عملائك. اكتشف ماذا يحتاجون. لا تعِر المنافسة أي انتباه. فلا شأن لك بها. فقط تحدث إلى عملائك وإلى من يمكن أن يصبحوا عملاءك واكتشف ما الذي يجعلهم لا يشترون منتجك أو ما الذي سيجعلهم يشترون المزيد من النسخ منه. افعل هذا ثم اطرح المنتج في الأسواق. كان هذا هو ما كان ينبغي لنا حقًّا أن نركز عليه، لكن لم نكن ندري ماذا نفعل أفضل مما فعلنا.
ليفنجستون : هل عزفتم عمدًا عن الحصول على أي نقود استثمار؟
سبولسكي : نعم بالطبع. لم نحصل على أي نقود استثمار لأنه كان هناك الكثير من القصص المرعبة عما يفعله أصحاب رأس المال المخاطر بك. وكانت آرس ديجيتا أشهر مثال بالطبع على طرد المؤسسين ثم إساءة إدارة الشركة والاستعانة بما يزعمون أنها إدارة محترفة.
وبالطبع يمكن أن تري — إذا ما كنت مستثمرًا في مجال التمويل برأس المال المخاطر — عندما تنظرين إلى استثمارك وتنظرين إلى مؤسسي الشركة الموجودين أمامك، أن بعض المؤسسين خبراء محترفون في الكمبيوتر ولكنهم لن يصبحوا قط مديرين ناجحين لشركة كبرى. بل إن بعضهم يكون مؤسسًا تحديدًا لأنه لن يكون مديرًا ناجحًا لشركة كبيرة. لذا في هذا النوع من الشركات، غالبًا ما ترغبين في الاستعانة بإدارة أفضل، إذا ما استطعت العثور عليها. مع أنني لا أومن أن أصحاب رأس المال المخاطر لديهم بالضرورة القدرة على القيام بهذا، أو أن محاولتهم الاستعانة برؤساء تنفيذيين «محترفين» ستنجح. وهناك مبرر للقول إن الكثير من المؤسسين لن يكونوا مديرين ناجحين، لكن هناك الكثير والكثير من الشركات التي يديرها مؤسسوها ويبلون بلاءً حسنًا في إدارتها بأنفسهم.

لذا لم نشأ أن يحدث هذا؛ لم نشأ أن نكون مجبرين على القيام بشيء لا نريد تنفيذه. وكل يوم أجد أسبابًا جديدة تجعلني ممتنًا لأننا لم نحصل قط على تمويل خارجي. لأذكر لك مثالًا صغيرًا. يتكون مجلس الإدارة مني أنا ومايكل وصديقي جيرد (لأننا شركة خاصة يمكننا القيام بأي شيء نريده). ولدى جيرد صديق كانت لديه فكرة عن طريقة يمكننا بها تعديل فوج بجز كي يكون مفيدًا لمجتمع الاستثمار كشيء، لا أذكر ما هو، لكنه شيء يمكن لمجتمع الاستثمار استخدامه ويختلف ٥ بالمائة عن فوج بجز. وظللت أقول لنفسي: «هذا يؤدي لتشتيت الانتباه، ولا توجد سوق كبيرة بما يكفي. وأنا أود أن ألتزم بما نتقنه في الأساس، ولا أهتم بكتابة برامج للأسواق المالية.» في حين ظل هو يقول: «كلا، كلا. يجب أن تتحدثوا إلى هذا الشخص. يمكنكم أن تربحوا نقودًا كثيرة من وراء هذا. سيكون هذا رائعًا.»

ظللت أقول لنفسي: «لو أنه مجلس إدارة حقيقي وكان أصحاب رأس المال المخاطر هم من يطرحون هذه الأفكار العظيمة، فلن يكون لديك خيار سوى أن توافق. وسوف يتشتت انتباهنا باستمرار كي ننفذ مشروعاتهم المحببة التي حلموا بها وهم يستحمون في إحدى الأمسيات ويرون أنها قد تكون فكرة جيدة، في حين أنك لا تراها كذلك.» ولا تكون لديك القدرة على الرفض عندما تحصلين على الاستثمارات الخارجية. فمن الصعب أن تقولي للمستثمرين: «دعوني أسِرْ في طريقي.»

بل إن هناك أشياء نفعلها أشعر بامتنان شديد لفكرة أنني غير مضطر لأن أكون مسئولًا أمام أحد. ولا أظن أنه من الممكن أن تكون هناك مكاتب خاصة للمطورين عندما يكون الممول شركة رءوس أموال مخاطرة، لأن هذا يبدو بذخًا. لكن أظن أن هذا يستحق ما تدفعينه من حيث ما نحصل عليه من إنتاج. إننا ننفق مبالغ طائلة على مكتب فخم وهو ما لا يفعله الآخرون. وهذا يجعل عملية التوظيف أسهل ويجعلنا أكثر إنتاجية، على ما أعتقد. لكني سمعت من البعض أنه من غير المقبول بالمرة في نظر شركات رءوس الأموال المخاطرة متوسطة المستوى أن يكون هناك مكاتب خاصة، لأن هذا يعد بذخًا لشركة ناجحة أو شيء من هذا القبيل. وتعرفين مبدأ: «لمَ لا تجلسون جميعًا في الغرفة نفسها وتتحدثون؟»

وقد دخلت في خلاف عما إذا كان من الأفضل أن يكون للمطورين مكاتب خاصة. لا أريد أن أدخل في هذا الخلاف مرة أخرى. ولا أريد أن أضطر لمحاولة إقناع الناس بعد الآن. وهناك بعض المميزات — مثل السفر في الدرجة الأولى، والمقاعد المريحة من إنتاج شركة إيرون والشاشات المزدوجة وأفضل أجهزة الكمبيوتر — هذه أشياء يمكن اعتبارها بذخًا، لكن من اللطيف أن نكون قادرين على تنفيذ الأشياء بالطريقة التي نعتقد أنه يجب تنفيذها به، دون أن نضطر للدخول في خلاف محتدم نضطر فيه إلى أن نشرح للآخرين سبب إجادتنا لتطوير البرمجيات، بينما لا يجيدونها هم.
ليفنجستون : هل هناك نصيحة تسديها لمبرمج يريد أن يؤسس شركة ويريد أن يتجنب الحصول على استثمار خارجي؟
سبولسكي : هذا الأمر ممكن تمامًا. وأنصحه بإنشاء مدونة على الويب يكون لها ملايين القراء شهريًّا من جميع أنحاء العالم. وهذه ليست نصيحة يجب اتباعها بالضرورة. والخطوة الثانية أصعب قليلًا. وأظن أن لاري وول هو من كان يقول هذا عن لغة بيرل: «إذا كانت لا تعجبك، ابتكر لغتك الخاصة، وابذل ما في وسعك كي تحقق لها الانتشار.» كانت هذه هي طريقته في دحض جميع الشكاوى التي ترد عن تركيب لغة بيرل أو أي شيء.
والسبب في أني أقول هذا — مع أنه ساخر — هو أننا حصلنا على شهرة كبيرة — وهو ما تدعوه أي شركة عادية علاقات عامة — عن طريق مدونة جويل أون سوفت وير. وقد أتاح لنا هذا الحصول على عدد هائل من العملاء في البداية. وبعد ذلك انتشرت منتجاتنا مشافهةً. فكانت الشركات الموجودة تشتري أكثر، والمستخدمون يتركون تلك الشركات ويذهبون لشركات أخرى ويشترونه. إنهم لم يسمعوا قط بالمدونة، لكنهم كانوا يشترون منتجنا. لقد رأينا هذا بالفعل في المنحنى على الرسم البياني. وفي الأيام الأولى كنا نسأل المستخدمين وهم يشترون المنتجات على موقعنا: «كيف سمعتم بفوج كريك؟» وأجاب ١٠٠ بالمائة ممن ملئوا ذلك الحقل أن ذلك كان عن طريق المدونة.

الآن أصبحت النسبة ٣٠ بالمائة. فقد انخفضت انخفاضًا حادًّا، لكنها لا تزال موجودة، لذا إلى حد ما لا أصدق أن هذا نموذج يمكن تكراره. لأنني رأيت كثيرين — ممن ربما لا يمكنهم الكتابة بأسلوب على القدر نفسه من الجاذبية، أو ربما لا تكون لديهم أشياء يقولونها يود الآخرون قراءتها — يحاولون تكرار ذلك النموذج وربما ينجحون وربما لا. وللأسف، يجب على الشركات الناشئة أن تبحث عن شيء ينجح في حالتها.

في حالتنا، لم يكن برنامجنا له طبيعة انتشارية قوية، ومن ثَم نجح استخدام المدونة في نشر خبر إنتاجنا برمجيات. وقد سار هذا على خير ما يرام معنا، لكنه ليس بالضرورة نموذجًا يمكن لأي شخص آخر أن يحقق النجاح باتباعه.

أذكر أحد أكثر الأشياء التي كتبتها على المدونة غباءً. كنت أكتب نصيحة عن كتابة المواصفات التقنية وقلت: «كن مرحًا.» وسبب كون تلك نصيحة غبية هو أني أدركت فيما بعد أن معظم الناس عندما يحاولون أن يكونوا مرحين، لا يكونون مرحين لدرجة كافية. وإنما يبدون في حالة من الحزن. وهذا أشبه بإسداء نصيحة «أن يحرص المرء على أن يولد لأبوين ثريين.» فإنها ليست نصيحة مفيدة لمعظم الناس.
ليفنجستون : هل كان هناك منافسون يثيرون قلقك؟
سبولسكي : أجل، غالبًا، لكني لم أقلق منهم قط. هذا مضحك إلى حد ما، لكن لأن المدونة لها قاعدة عريضة من القراء، رأى كثيرون أنه ما دام أنه بإمكان جويل تنفيذ هذا، فيمكنه هو أيضًا تنفيذه. وكانوا ينسخون النموذج حتى المنتج الفعلي.
وأعتقد أنه ظهرت حتى الآن سبع نسخ من فوج بجز. وأكثر الأمثلة تطرفًا كان شخصًا أعاد تنفيذ المنتج بأكمله، لكنه نسخ واجهة المستخدم الخاصة بنا كلمة كلمة، ومن ثَم كان ملف المساعدة خرقًا لحقوق الملكية، وكان علينا أن نخبره أن يغيره. لكنه كان نسخة طبق الأصل من فوج بجز. وفيما بعد استخدم جميع التقنيات القذرة لتفعيل محركات البحث إلى أقصى ما يمكنها، فحظرته شركة جوجل، وكانت هذه هي نهاية عمله. كان هذا هو أسوأ مثال.

ومن ناحية أخرى، هناك أشخاص نحترمهم أكثر بصفة عامة، الذين رأوا أنهم يمكنهم تصميم المنتجات المتخصصة في تعقب الأخطاء، أو من رأوا أن لديهم أحد هذه المنتجات بالفعل. وبصفة عامة، أظن أن هناك على الأرجح سبعة منافسين.

واللافت هو ما قلدوه. إنهم لم يقلدوا الكود، بل قلدوا تنفيذ كيفية عمل فوج بجز. لكن فاتهم الشيء الذي حقق لنا النجاح. فإنهم لم يقلدوا المدونة. وأظن أن ما يحدث لأولئك السبعة الآن هو أنهم حصلوا على درس عملي أن مجرد تقليد المنتج الذي تصنعه شركة أخرى لا يجعلك ناجحًا. إننا لا نخشى هؤلاء بأي شكل من الأشكال. في بعض الأحيان قد ننزعج منهم، لكننا لا نأبه في الحقيقة.

والأهم من هذا، هو أننا نطبق منذ وقت طويل فلسفة تجاهل المنافسين. وفي بداية فترة التحاقي بالعمل في مايكروسوفت، كان هناك شخص من أفراد فريقي يكتب رسالة بريد إلكتروني أسبوعية يلخص فيها منافسي مايكروسوفت، وقد أكسبه هذا بعض الشهرة السيئة داخل الشركة. كنا نحن الفريق الذي يضع برنامج إكسيل، ومن ثَم فقد كان يعني المنافسين في مجال جداول البيانات، أي لوتس وبورلاند؛ وكانت رسالته تتناول أنشطتهم وما الجديد لديهم وما السمات التي يوفرونها. وقد أرسل هذه الرسالة داخليًّا على مايكروسوفت إلى مجموعة من الأشخاص لمدة ستة أسابيع، حتى لم يعد مهتمًّا بالأمر. وأذكر أنني فكرت في ذلك الوقت أنه مهما كان ما نعرفه عما ينفذه المنافسون، فإن هذه المعلومات لا تفيدنا على الإطلاق. فإنها لم تغير حقًّا ما كنا نفعله. فإذا عرفنا مثلًا أن المنافسين ينفذون سمة محددة، فإذا كانت تلك سمة جيدة، فلماذا لا نتعرف عليها من العملاء؟

بعبارة أخرى، لماذا نصغي لعملائنا بطريقة غير مباشرة عن طريق ما يفعله المنافسون في حين أننا يمكننا التحدث إلى العملاء؟ لذا كان شعاري دائمًا: «أصغِ لعملائك، لا إلى منافسيك». إنني لا أعرف من هم منافسونا. وفي بعض الأحيان يُطلب مني أن أضع قائمة بأسماء منتجات تعقب الأخطاء، وحتى الآن أعلم بأمر بجزيلا. وأظن أن هناك شيئًا يطلق عليه بج تراك. لا أعلم ما لديهم، وما منتجاتهم وما أسعارهم. ويمكنني إجراء بحث ومعرفة كل هذا، لكني لا أرى أن هناك شيئًا واحدًا سأنفذه بهذه المعلومات.

إنني أريد التحدث إلى أشخاص قيموا برنامجنا ثم قرروا استخدام منتج آخر بدلًا منه. أريد أن أعرف السبب. أحد منافسينا لديه برنامج ويكي مضمن. فربما نضمن برنامج ويكي أيضًا. لكن مرة أخرى هذا شيء أود أن أسمعه من عملائنا وليس من مراقبة ما يفعله المنافسون.
ليفنجستون : عندما تتذكر فترة البدايات، ما أكثر ما فاجأك؟
سبولسكي : أكثر ما فاجأني؟ لقد كان الأمر بأكمله مفاجئًا. ومن بين ما أدهشني هو أنه عندما أطلقنا إصدارًا جديدًا من البرنامج (إننا الآن بالفعل في الإصدار الخامس من فوج بجز) شهدنا زيادة حادة في المبيعات. فنقول إن جميع المستخدمين يرقون البرنامج الآن، وهذا هو سبب الزيادة. والمفاجأة أنه بعد هذا الارتفاع المبدئي، لم ينخفض الرقم قط. وكنا نتوقع أن يحدث ركود بعد إطلاق إصدار جديد وأن هذا سيجعلنا دائمًا نحجم عن طرح إصدارات جديدة. لكن بدلًا من هذا تقدمنا خطوة هائلة. فظللنا نفكر أنها ربما تكون زيادة مؤقتة ستنخفض، لكنها لم تنخفض مرة أخرى قط.
والآن أفهم السبب في هذا. لأننا صنعنا منتجًا أفضل. وعندما يكون لديك منتج أفضل، تربحين المزيد من التقييمات. وعندئذٍ سيقرر المزيد من الأشخاص الذين يقيمون منتجك شراءه. ومن ثَم فإنك تصلين إلى مرحلة جديدة من الارتفاع الدائم للمبيعات وذلك بفضل تقديمك لمنتج أفضل. إنه سينجح في التغلب على المزيد من العقبات التي يمر بها عندما يقيمه المستخدمون ليروا ما إذا كان يلبي احتياجاتهم.
ليفنجستون : ممن تعلمت؟
سبولسكي : من الجميع. ولا يمكنني أن أحصي من علموني.
لقد كنت في الجيش الإسرائيلي، وتعلمت استراتيجية ما هناك عن طريق الخطأ، بالتدريج ودون أن أبذل أي مجهود. فكي أتجنب قضاء وقت طويل بالزي العسكري، شاركت في برنامج تابع للجيش. وكانت مدته عامين وكان في كيوتز وهي مزرعة جماعية. وعادة ما تحتوي كل مزرعة على نشاط صناعي معين، وكانت المزرعة التي كنت أقيم بها مصنعًا ضخمًا ينتج الخبز. وقضيت عامين تقريبًا أصنع الخبز كل ليلة في ذلك المصنع الذي يصنع مئات الآلاف من أرغفة الخبز. ولم يكن خبزًا متقن الصنع بأي حال من الأحوال. وكان مصنعًا ضخمًا ومزعجًا. تعلمت الكثير من هذا عن كيفية عمل الناس وكيفية التفكير في العمل وكيفية الإدارة وكيفية تنظيم خط تجميع وكيفية عمل الماكينات الصناعية.

لكن عملي الأول في مايكروسوفت هو المكان الذي تعلمت فيه العمل في مجال البرمجيات حقًّا. وقد بدأت العمل هناك عام ١٩٩١. وفي ذلك الوقت تقريبًا — يؤسفني أن أقول هذا — لم تكن هناك شركات برمجيات تتقن أسس تطوير البرامج مثل مايكروسوفت. لقد وصلت مايكروسوفت إلى المكانة التي وصلت إليها لأنها اكتشفت عدة أشياء لم يتوصل إليها غيرها عن كيفية صنع برمجيات يُعتمد عليها وتجذب المستخدمين لشرائها. وكانوا يقومون، في مايكروسوفت، بأشياء مثل تعقب الأخطاء — مثل إنشاء قاعدة بيانات لتعقب الأخطاء — وهي ملحوظة للغاية، لكن عندما تتلفتين حولك، تجدين أن ٨٠ بالمائة من شركات البرمجيات التجارية لم تكن تتعقب الأخطاء. أو أن ٨٠ بالمائة من شركات البرمجيات التجارية لم تكن تكتب مواصفات. أو أن ٩٩ بالمائة من شركات البرمجيات التجارية لم تكن تجري اختبارات صلاحية الاستخدام.

فإذا كنت ضيفة من كوكب آخر وجئت إلى هنا عام ١٩٩١ وأردت تعلم كيفية تطوير البرمجيات، فستتعلمين في مايكروسوفت عشرة أضعاف ما يمكن أن تتعلميه في أي مكان آخر، على ما أظن، لأنني رأيت هذه الشركات تتخبط وترتكب الأخطاء. لقد كانت هناك أشياء — أشياء أساسية في الواقع — تجهلها تلك الشركات. فكانت مايكروسوفت تعرف أن تحميل سجل مقطع على معالج إنتل الدقيق ٣٨٦ عملية تستغرق وقتًا طويلًا، ولهذا لا يمكنك استخدام مؤشرات بعيدة على تصميم هذا المعالج إلا إذا كنت مضطرة لهذا، لأنه بطيء للغاية. ولم تكن بورلاند تعرف هذا. والنتيجة أن برنامج مايكروسوفت أكسيس كان يُحمَّل في ثانيتين أو ثلاث ثوانٍ، في حين أن تشغيل قاعدة بيانات بارادوكس، من إنتاج بورلاند، على نظام التشغيل ويندوز يستغرق ٩٠ ثانية. وذلك بفضل شيء كانت مايكروسوفت تعرفه وبورلاند لا تعرفه. وهذا أحد ملايين الأمثلة.

والآن نسيت مايكروسوفت كل هذه الأشياء، ووظفت الكثير من الحمقى الذين لم يعودوا يعرفون هذه الأمور. أظن أن مايكروسوفت الآن إلى حد ما أشبه بحقل هائل من الرمال المتحركة يصعب فيها التقدم خطوة للأمام لأنها أصبحت تتسم بقدر كبير من البيروقراطية. لكنني تعلمت الكثير.
ليفنجستون : كان عدد العاملين بها آنذاك ٥ آلاف شخص فقط، أليس كذلك؟
سبولسكي : صحيح، ألف منهم كانوا مطورين، و٢٠٠ مديري برامج. وكنت أنا مدير برنامج. وكنت أعمل على برنامج إكسيل، الذي كان شديد الأهمية للشركة، بالإضافة إلى ويندوز ودوس، ومن ثَم فقد كان رائعًا.
ليفنجستون : برأيك ما مواصفات محترف الكمبيوتر المتميز؟
سبولسكي : أعتقد القدرة على الاستغناء عن شيء يظن الآخرون أنه لا غنى عنه. ومن وجهة نظري من تتوافر فيه مواصفات محترف الكمبيوتر العبقري، هو من يقول: «هذه السطور الألفان من الكود تقوم بالوظيفة نفسها التي يقوم بها هذان السطران. أعلم أن هذا يبدو معقدًا، لكن من الناحية الحسابية، لا اختلاف بينهما.» إنه شخص يختصر قدرًا كبيرًا من الأشياء عديمة الجدوى ولا يعتبرها مشكلة على الإطلاق.
فعلى سبيل المثال، روبي أون ريلز هو إطار عمل يمكنك استخدامه مع لغة روبي للبرمجة للدخول إلى قواعد البيانات. إنه أول إطار عمل يمكنك استخدامه من أي لغة برمجة للدخول إلى قواعد البيانات كي تدركي أنه لا مشكلة في أن تتطلبي أن تكون أسماء الأعمدة في قاعدة البيانات لها تنسيق محدد. لقد كان الجميع يعتقدون أنه يجب أن يكون بإمكانك استخدام أي اسم تختارينه في قاعدة البيانات وأي اسم تريدينه في التطبيق. ومن ثَم فإن عليك إنشاء هذا الكود لتربطي بين الاسم في قاعدة البيانات والاسم في التطبيق. وأخيرًا وضح روبي أون ريلز أنه لا توجد مشكلة إذا كنت مجبرة على استخدام الاسم نفسه في المكانين. فهذه ليست مشكلة على الإطلاق. وفجأة أصبح الأمر أسهل وأبسط بكثير. وفي نظري هذا هو محترف الكمبيوتر العبقري، ذلك الذي يقول: «اطرح جانبًا ذلك التمييز المحدد الذي اعتدنا أن نقلق بشأنه.»

لا أعلم ما إذا كان هذا ما يميز محترف الكمبيوتر البارع. وأظن أن هذا يجيب على سؤال مختلف قليلًا وهو: من هو عبقري الكمبيوتر؟ وأظن أن عبقري الكمبيوتر هو من يبتكر فكرة عبقرية في مجال الكمبيوتر.

لكنه أيضًا مبرمج يدخل في مرحلة الاندماج الشديد في العمل، ويصبح على حد وصف بول جراهام أشبه بحيوان يعمل بكل طاقته. أما أنا فأراه تحديدًا كمبرمج يجلس لينفذ شيئًا ويدخل في حالة ذهنية يحاول فيها استيعاب أقصى ما يمكنه. إنه يبتكر أشياء فقط والوقت يمر دون أن يشعر به. ويظل يحرك أصابعه على لوحة المفاتيح بلا انقطاع، وتظهر أشياء رائعة بسبب دخوله في تلك الحالة الذهنية.

وأظن على الأرجح أن هناك الكثير من المبرمجين العاديين يعملون على ترقيات للإصدار الخاص بالشركات من جافا (ها أنا ذا وجهت إهانة لجميع مبرمجي جافا) الذين لم يصلوا قط لمرحلة الاندماج الشديد في العمل. وبالنسبة لهم، إنه نوع من العمل الهندسي الذي يسير خطوة بخطوة، ولا يرقى إلى سحر الإبداع.
ليفنجستون : هل هذه هي مقومات شركة البرمجيات الناجحة؟
سبولسكي : في نظري، بناء شركة برمجيات — وهذا يفتقد إلى بعض التفاصيل المهمة — هي عملية إنشاء مصنع يكون مستعدًّا ومجهزًا عندما تكون لديَّ فكرة أو لدى شخص آخر فكرة، يمكننا أن نلقيها في ذلك المصنع ونحصل على الكود من الجهة الأخرى.
وأول مرة على الإطلاق نفذنا فيها هذا كان الصيف الماضي مع كوبايلوت حيث قبلنا أربعة متدربين لفترة الصيف (ثلاثة في مجال البرمجة وواحد في مجال التسويق) وكانت لدينا فكرة عن طريقة محددة لتقديم المساعدة المكتبية عن بُعد. وكانت فكرة واضحة للغاية، ونظرنا حولنا في السوق ولم نجد هناك بدائل مقنعة. وأدركنا أنه، وهو ما أثار دهشتنا، يمكننا تنفيذ هذه الفكرة بأربعة متدربين في صيف واحد، لأنها ليست مشكلة برمجية كبيرة. لقد كانت هناك مهمة رائعة يمكننا فيها إعادة استخدام كود شخص آخر. ويمكننا تنفيذها بمجهود ضئيل، وكانت فرصة عمل، لذا وللمرة الأولى على الإطلاق أخذت فوج كريك فكرة، وفي غضون شهور قليلة توصلت إلى حل لهذه الفكرة على نطاق صغير إلى حد ما.

وكان هدفي هو أن أبني شركة حيث يمكنني أن أستغل أفكارًا أكثر أهمية، حيث يمكنني أن أقول: «يا إلهي، إن برامج النسخ الاحتياطي بشعة للغاية. إنها مروعة لجميع الأسباب. دعنا نصمم برامج نسخ احتياطي جيدة.» وهذا مشروع كبير. إنني أريد أن تكون لديَّ المنظمة التي لا أزال لا أمتلكها بعد، حيث عندما تخطر لنا تلك الأفكار، يمكننا تصنيع المنتجات. لأن رأس المال يبدو بلا نهاية. إن رأس المال لا يمثل لنا مشكلة. حتى لو كان مشكلة، فهناك شركات رءوس الأموال المخاطرة. المشكلة الحقيقية هي كيف تستغل رأس المال هذا بفعالية لتصميم برامج، وهذا شيء ينبغي أن نصمم الآلة القادرة على فعله.
ليفنجستون : ما النصيحة التي تسديها لمبرمج يفكر في تأسيس شركة؟
سبولسكي : (ضاحكًا) لطالما سمعت عبارة: إياك أن تقدم على هذا. إن مصيرها هو الفشل. وستكره الأمر كله.
هل يمكن أن أسرق نصيحة من بول؟ لا تبدأ شركة إلا إذا استطعت أن تقنع شخصًا آخر على الأقل أن يستمر معك. وإذا لم يكن لديك شخصان (بل أقول أنا ثلاثة) أقنعتهما بأن يكرسوا حياتهما لتنفيذ هذا الشيء، فإنه سيكون شيئًا مختلفًا. هناك الكثير من المبرمجين الذين يتوخون الحذر الشديد فيما يخص تأسيس شركاتهم الخاصة. وهناك الكثير من المبرمجين العاملين الذين يقومون بأشياء يكرهونها في شركة يكرهونها، لكنهم يحتاجون النقود لسداد القروض العقارية التي حصلوا عليها. ومن ثَم يقررون تطوير شيء في أوقات فراغهم. ويقررون أن يعملوا لإنجازه لمدة ساعة كل ليلة وساعتين في الإجازة الأسبوعية ويبدءُون في بيعه عن طريق التنزيل عبر الإنترنت. وعندما تسأل أحدهم: «من شريكك؟» يقول: «شريكي الرائع: الزوج أو الزوجة. أو حتى القطة.»

لكن لأنهم لا يأخذون الخطوة قط ويتركون عملهم، فمن الممكن أن يتنازلوا عن حلمهم في أي وقت. و٩٩٫٩ بالمائة منهم سيتنازل بالفعل عن حلمه. وإذا أخذ الخطوة وترك عمله وعمل لإنجاز مشروعه بدوام كامل، بصرف النظر عما يستغرقه، ويقنع شخصًا آخر بأن يشاركه العمل لإنجاز الشيء نفسه، فستكون أمامه فرصة أكبر لتحقيق شيء ما. لأن عليه إما تحقيق النجاح وإما الحصول على عمل. وفي بعض الأحيان يكون «النجاح» هو الطريق الأسهل من محاولة الحصول على عمل، والذي يصيب بالإحباط.

لذا اترك عملك الحالي. واحرص على إشراك مؤسس آخر على الأقل معك. وفي رأيي هذا هو الحد الأدنى لمتطلبات تحقيق أي شيء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤