الفصل السادس والعشرون

ستيفن كاوفر

مؤسس مشارك، موقع تريب أدفايزور

أسس ستيفن كاوفر ولانجلي ستاينرت ونيك شاني وتوماس بالكا موقع تريب أدفايزور، وهو موقع للسفر، عام ٢٠٠٠. وبدافع شعورهم بالإحباط من نقص المعلومات الموضوعية التي تفيد المسافرين، صمموا موقعًا يتيح للمستخدمين فرصة المساهمة بتقييماتهم الشخصية لوجهات السفر والفنادق وأماكن الجذب السياحي، بجانب إمكانية البحث في محتوى وثيق الصلة بالموضوع على الويب. وأصبح منتدى السفر الإلكتروني رائدًا في إتاحة الفرصة للمستخدمين لاختيار أفضل الأماكن بدلًا من ترك الخيار للمحررين البشريين، وهي السمة التي أصبحت منتشرة الآن.

وقد أصبح تريب أدفايزور أكبر مجتمع إلكتروني للسفر في العالم، واستحوذت عليه شركة إنتر أكتيف كورب التي يمتلكها باري ديلر عام ٢٠٠٤. واعتبارًا من يوليو ٢٠٠٦، كان تريب أدفايزور قد جمع تقييمات وآراء كتبها ما يزيد عن ٥ ملايين مستخدم، تشمل ما يزيد عن ٢٢٠ ألف فندق ومكان جذب سياحي.

***

ليفنجستون : كيف كانت بداية تريب أدفايزور؟
كاوفر : وُلدت الفكرة عندما كنت أحاول أنا وزوجتي، كارولين، العثور على مكان نقضي فيه إجازة. وقد لجأنا في البداية إلى وكيل سفر فنصحنا بالسفر إلى جزيرة ومنتجع ما. كان ذلك عام ١٩٩٨ أو ١٩٩٩، وفكرت في أن ألجأ إلى الإنترنت للعثور على المزيد من المعلومات. ووجدت مجموعة كبيرة من المواقع التي كانت ستساعدني على الحجز في هذا الفندق، لكن لم أجد شيئًا يخبرني ما إذا كان ذلك الفندق يناسبني أم لا.
وفي النهاية وجدت بعض غرف الدردشة التي أفادت بأن الجزيرة لم تكن آمنة، ولذا قررنا عدم التوجه إلى هناك. كان ذلك مدهشًا. فقد اكتشفنا الجانب الإيجابي من الإنترنت. وقررنا أن نغير وكيل السفر. فذهبنا إلى آخر اقترح علينا جزيرة مختلفة ومكانًا مختلفًا. وفي تلك المرة عندما بحثت على الإنترنت، اكتشفت بعد جهد مضنٍ أن الفندق لم يكن يرقى للمستوى الذي تريده زوجتي. وكانت صورته في الكتيب الترويجي باهرة بالطبع، لكن التعليق الذي وجدته مكتوبًا على الصفحة الرئيسية لشخص ما لم يكن جيدًا جدًّا.

وبحلول ذلك الوقت، كنت قد قضيت بضعة أيام في بحث سخيف وأنا أحاول العثور على أخبار حقيقية عن الفندق، وليس الدعاية الرسمية. وقدمت زوجتي اقتراحًا قائلة: «إنك تفهم في التكنولوجيا. يمكنك تصميم محرك بحث أفضل يتيح لك العثور على ما تبحث عنه في السفر، على ألا يتضمن الآراء المنشورة، بل الآراء الموضوعية غير المعلنة التي تتناول الأماكن أو المواقع أو الأنشطة.»

في ذلك الوقت كنت أعمل، لذا أجلنا الفكرة لعام تقريبًا. وفي نهاية عام ١٩٩٩ عادت الفكرة للظهور. إذ قررت ترك عملي، وبدأت أجمع أصدقائي الذين سبق لي العمل معهم من قبل ممن قد يتحمسون لفكرة تأسيس شركة على الإنترنت متخصصة في تصميم أفضل محرك بحث في مجال السفر، على أن يكون «الأفضل» من حيث العثور على المعلومات الموضوعية، وليس البحث عن الأسعار.

قدمني أحد أصدقائي إلى مؤسس مشارك آخر، هو لانجلي ستاينرت، يعمل في الأمور المتعلقة بإدارة الأعمال والتسويق وتطوير الأعمال والأمور المالية. وهكذا تعاملنا نحن الاثنين مع المشروع على أنه ضروري للعالم. وقررت تصميمه مع فريق أختاره ممن كانوا زملاء لي سابقًا. وكان لانجلي يتمتع بخبرة في تطوير الأعمال وكانت لديه شبكات علاقات، مما يؤهله لتولي مهام البيع والتسويق. ونظرًا لأنه سبق لي تأسيس بضع شركات من قبل، فقد كنت أعلم أنه لا بد من توافر التوليفة المناسبة من المهارات والاهتمامات بين المؤسسين. فجمعنا أربعة مؤسسين مبدئيين للشركة وحصلنا على أول جولة من التمويل في فبراير ٢٠٠٠.
ليفنجستون : أين كان مكتبك عندما بدأتم؟
كاوفر : كانت زوجتي الراحلة تمتلك شركة برمجيات على الجانب الآخر من الطريق في نيدام (ماساتشوستس). كانت شركة صغيرة وحالها في تدهور، فمنحت تريب أدفايزور في الشهور العشرة الأولى من عمرها تقريبًا مكانًا مجانًا وخط اتصال بالإنترنت وأجهزة كمبيوتر وأشياء أخرى كانت لديها ولم تكن تستخدمها. ومن ثَم فإنها لم تكن بالضبط مرأبًا. بل كانت أقرب إلى علية في الطابق الثاني فوق محل بيتزا. فكانت عبارة عن طابق واحد كبير مفتوح والغرفة تتسع لثمانية أشخاص. وعندما انتقلنا منه كان عدد الموظفين قد بلغ ١٥ موظفًا. وحينها، انتقلنا إلى الجانب الآخر من الشارع.
ليفنجستون : إذن فقد كانت فكرتك تقوم على نحو ما على جمع آراء وتقييمات المستهلكين عن الفنادق وشركات الطيران المختلفة، وأي شيء مرتبط بالسفر؟
كاوفر : كنا سنركز على وجهات السفر والفنادق ومناطق الجذب السياحي. لقد كنا نبتعد دائمًا عن جمع الآراء عن شركات الطيران على سبيل المثال. لكننا كنا سنبحث في الويب، مثل جوجل بالضبط — أو ألتا فيستا الذي كان الرائد دون منازع في ذلك الوقت — لكن مع التركيز على السفر. وكنا نتوصل إلى نتائج أفضل، والأفضلية هنا ليست — مرة أخرى — من حيث جميع مواقع الحجز التي قد تساعدك في حجز غرفة في فندق، بل من حيث المعلومات الشخصية.
فكنا نحصل على مقالات من صحف «ذا نيويورك تايمز» و«ذا بوسطن جلوب» و«لوس أنجلوس تايمز»، والصحف المحلية وغيرها. وقد يكون هناك مقال رائع في عدد قديم من مجلة «سكي ماجازين» عن مدينة أسبن، لكنك لا تجدين ذلك العدد قط؛ لأنه يختفي في قسم الأرشيف، وعلى الأرجح لن يظهر على جوجل. كان المقال قد نشر العام السابق بعنوان «أنشطة رائعة للعائلة في أسبن.» وهو مقال رائع، وما كان رائعًا العام الماضي سيكون على القدر نفسه من الجودة اليوم، لكن المستخدم لن يعثر عليه قط لولا محرك البحث الذي نقدمه والذي يركز على السفر.
ليفنجستون : كيف صممت التكنولوجيا التي تقوم بهذا؟ هل كانت برنامج بحث يزور المواقع ويجمع المعلومات؟
كاوفر : جربنا أساليب مختلفة. فجربنا أن نفحص الويب عشوائيًّا ونجمع المعلومات، وفكرنا كيف سنختار عشوائيًّا من بين مليارات الصفحات؟ لذا جربنا البحث وجمع المعلومات من مواقع السفر الرئيسية المعروفة. وبدأنا من دليل ياهو ترافل لنرى إلى أين تقودنا هذه المواقع. وحاولنا انتقاء معلومات جيدة مثيرة للاهتمام وتصنيفها أوتوماتيكيًّا. لكن لم ينجح هذا. فلم نتمكن من تقديم الخدمة على خير وجه، بمعنى أنه عندما كان يحصل المستخدمون على نتائجنا لم يكونوا يقولون: «نعم، هذا ما كنا نبحث عنه.»
انتهى بنا الحال إلى فحص جميع مصادر المعلومات المنشورة، الجرائد والمجلات، وفحصنا يدويًّا جميع المواقع الخاصة بتلك الأماكن لنجد تلك التي توفر إمكانية دخول مجانية للإصدارات القديمة من مقالاتها عن السفر. ثم عينا موظفين لقراءة كل مقال عن السفر نجده على الإنترنت، وتصنيفه في قاعدة البيانات الخاصة بنا وكتابة ملخص يتكون من سطر واحد. وهذا مجهود ضخم، وقد قال لنا من تحدثنا إليهم: «إنكم لمجانين. إنكم لن تنتهوا قط.» لكن إذا حسبت العملية، تجدين أنه يمكننا التعامل مع الأعداد المتراكمة (لقد استغرقنا عامين) ثم أصبحنا مطلعين على ما ينشر من مقالات دون جهد كبير.

كنا نستغرق في المتوسط نصف ساعة لقراءة المقال، ثم نضع عليه علامة تفيد أنه وثيق الصلة بالموضوع. فإذا كان المقال عن جزيرة ماوي وأنشطة يمكن القيام بها في هاواي وعن منتجعين، فكلما بحث المستخدم عن ماوي أو أنشطة يقوم بها في هاواي أو هذين المنتجعين، فسيظهر ذلك المقال. وإذا ذكر المقال بالصدفة: «الشواطئ في ماوي أفضل بكثير من الشواطئ في مدينة فورت لودرديل» وكان المستخدم يبحث عن شواطئ في فورت لودرديل، فلن يظهر ذلك المقال لأن محرك البحث الخاص بنا ليس قائمًا على الكلمات الأساسية. فلا يهم إذا ما ذكر المقال شيئًا عرضًا؛ فكل ما يريده المستخدم هو قراءة المقال إذا ما كان يمنحه رأيًا عن الموضوع الذي يبحث فيه.

توصلنا في النهاية إلى قاعدة بيانات أصغر بكثير قياسًا بعدد المستندات التي قمنا بفهرستها، لكنها وثيقة الصلة بالموضوع إلى أقصى درجة. فإذا ذهبت إلى صفحة تتحدث عن ماوي، فكل مقال في تلك الصفحة يتناول ماوي بالفعل، ويكون مصنفًا إلى درجة جيدة بناءً على أي من تلك المقالات سيفضل معظم المستخدمين قراءتها أولًا. فهل سيقرأ مقالًا به فقرة عن ماوي في حديثه عن الشواطئ الممتعة في العالم، أم مقالًا يتحدث عن الشواطئ في ماوي؟ المقال الثاني على الأرجح، لذا تجد ذلك المقال مصنفًا أولًا. لقد كانت تجربة المستخدم على موقع تريب أدفايزور، ومرة أخرى كان هذا في البداية عندما أطلقنا الموقع، مرضية للغاية لأن المعلومات التي عثرنا عليها كانت دائمًا صحيحة ودقيقة. ولم تكن المعلومات متاحة دائمًا لدينا، لكن ما كان لدينا كان دائمًا مناسبًا.

وإذا قفزنا بالزمن إلى الأمام عندما كبر الموقع، تضاءلت فجأة أهمية تلك المقالات التي يبلغ عددها مئات الآلاف أمام تقييمات المستخدمين التي قدمها زائرونا. فقد كانت تحوي معلومات أحدث وأكثر تفصيلًا. وبالنسبة للكثيرين، فإنها يُعتمد عليها أكثر.

وهناك جدل نظري حول ما إذا كان المستخدم سيفضل قراءة تقييم عن فندق كتبه شخص لم يسمع عنه من قبل مثل العمة ماري من بلومينجديل في ولاية إنديانا، أم تقييم من أحد أدلة فرومرز الإرشادية الشهيرة الموثوق بها الخاصة بالسفر. والسؤال الذي يتبع هذا هو: «أتفضل قراءة ٢٠ تقييمًا من أشخاص لا تعرفهم أم تقييم واحد من فرومرز؟» وعلى قدر علمي، عندما أتيحت الفرصة لمعظم الأشخاص لاختيار معلومة واحدة فقط، فضلوا فرومرز مع أنهم قد تساورهم شكوك أن المعلومات قديمة أو غامضة بعض الشيء. لكن عندما يكون لديك ١٠ مقالات أو ٢٠ تقييمًا ستة منها تقريبًا كُتبت خلال الأسابيع القليلة الماضية، فإن المستخدم يدرك أنه يحصل على معلومات صريحة وحديثة لما يبحث عنه. ونابضة بالحياة أيضًا.
ليفنجستون : هل كان من يجمعون كل هذا المحتوى موظفين لدى تريب أدفايزور أم متعاقدين؟
كاوفر : مزيجًا من هذا وذاك.
ليفنجستون : لقد قلت إن الأمر استغرق عامين كي يُزوَّد الموقع بالمعلومات المطلوبة. فهل أطلقته قبل أن يصبح كذلك؟
كاوفر : نعم. لقد بدأنا في فبراير عام ٢٠٠٠، وفي أكتوبر ٢٠٠٠ أطلقنا الموقع، لكنه كان يغطي الولايات المتحدة فحسب. وعلى مدى العامين التاليين، بدأنا نتوسع لنغطي باقي أنحاء العالم. وبالطبع كنا دائمًا نضيف المزيد والمزيد من المحتوى عندما نجده. وعندما أطلقنا الموقع، إذا اخترت الفندق رقم عشرين على مؤشر الرواج في بوسطن، فقد يكون هناك مقال أو اثنين عن ذلك الفندق، وهو أفضل كثيرًا من عدم وجود شيء، لكن لا شيء يقارن بما لدينا الآن.
ليفنجستون : ماذا كان رأي الناس في تريب أدفايزور عندما أطلقتم الموقع أول مرة؟
كاوفر : عندما أسسنا تريب أدفايزور، كانت الفكرة أن موقع TripAdvisor.com سيكون موقع العرض الخاص بنا فقط، لأننا لم نخطط قط أن ينال إعجاب المستخدم النهائي مباشرة. كنا سنبيع قاعدة البيانات الثرية هذه إلى بوابات السفر، مواقع السفر على الإنترنت. فكانوا سيكتبون استعلامات لقاعدة البيانات للعثور على أفضل المعلومات وعرضها لمستخدميهم، وسيكون هناك سطر صغير مكتوب فيه «يعمل بالاعتماد على تريب أدفايزور».
ولأننا كنا سنمتلك أغنى قاعدة بيانات عن معلومات السفر، كان أملنا أن يصبح أحد المتطلبات — لو أنك تعملين في صناعة السفر أو تعرضين قسمًا خاصًّا بالسفر على موقعك — أن يكون لك إمكانية الدخول إلى محتوى موقعنا. وكنا أمام خيارين: إما ترخيصه، أو الحصول على نصيب من العائدات التي تنتج من عرض الصفحات، أو الخيارين معًا. وكان سيتحتم على لايكوس ترافل وياهو ترافل وإيه أو إل ترافل وإكسبيديا وترافلوسيتي، وجميع العاملين في هذا المجال أن يحصلوا عليه. ولن يحاول أحد أن يبني قاعدة البيانات بنفسه، لأننا سنتمكن دائمًا من استباقهم، لأننا نركز تمامًا على ذلك. وسيكون ذلك نموذج عملنا، وهذا هو النموذج الذي نجحنا من خلاله في الحصول على بعض التمويل لنبدأ به.

بعد عام ونصف، أتممنا صفقة ترخيص مع لايكوس حيث كانوا يعرضون محتوى موقعنا على بوابة السفر الخاصة بهم، وكنا نحصل على نصيب من العائدات التي يجنونها من بيع الإعلانات على الصفحات التي أنتجناها من أجلهم. وأراد الآخرون أن ندفع نحن لهم نقودًا كي يعرضوا محتوى موقعنا، ونحن نريد أن يدفعوا لنا في مقابل عرض محتوى موقعنا. وهكذا كان هناك انشقاق. ثم اتضح مع صفقة لايكوس (مع أن لايكوس كانت كيانًا ضخمًا على الويب آنذاك) أن المفارقة كانت أن شيك العائدات الربع السنوي لم يكن يكفي شراء الغداء الأسبوعي المجاني الذي كنا نقدمه للموظفين. لقد كانت لدينا مشكلة أساسية في الجانب المالي للشركة. المشكلة التقليدية لشركة تعمل على الإنترنت: فقد صممنا المنتج ونال إعجاب الناس والتقييم كان إيجابيًّا على مستوى العالم، وواجهتنا أسئلة التوسع التي سعدنا بها مثل: «متى ستغطون باريس؟» لكننا لم نكن نحقق أي أرباح.

وفي منتصف عام ٢٠٠١ بدأ الإحباط يسيطر علينا. ثم وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وتأجل، بل انتهى، كل شيء كان يمكن أن يكون قيد التنفيذ، وهذا لا يعني أنني أذكر أن هناك شيئًا رائعًا كان وشيكًا. لقد كان وقتًا عصيبًا على الجميع، لا سيما صناعة السفر.

كنا نحاول أيضًا الحصول على جولة ثالثة من التمويل، وكنا نترقب توقف عملنا في غضون من ستة إلى تسعة شهور. وكان من الصعب قليلًا أن نعود إلى المستثمرين الموجودين ونقول لهم: «امنحونا المزيد من النقود. فلدينا منتج رائع. وليست لدينا عائدات، وكنا نحاول أن نبيع المنتج. لكن لا يوجد مشترون. الشركة الوحيدة التي رخصته تعطينا بضع مئات من الدولارت كل ربع سنة. رغم ذلك، أعطونا بضعة ملايين أخرى لأنها فكرة عظيمة.» كانت محاولة إقناعهم صعبة. لكننا نفذناها وبالفعل حصلنا على جولة ثالثة من التمويل، ونحن نعتمد أكثر على منظور: «إننا منتج جيد. وسنحاول إيجاد طريقة لتحقيق أرباح.»

كنا أحد عشر شخصًا قبل أحداث سبتمبر، وانخفض عددنا إلى ثمانية، ومن ثَم كان معدل الإنفاق من رأس المال ضئيلًا للغاية. وخفضنا رواتب الجميع، وكنا ندفع ١٨ دولارًا مقابل كل قدم مربعة في المكتب، أي لم تكن لدينا نفقات تستحق الذكر. لقد كنا نحسن استغلال كل دولار، ومع أنها كانت أيام ثورة الإنترنت، لم نقم بأي شيء ينطوي على إسراف شديد.

وهكذا كنا نقترب من نهاية عام ٢٠٠١ ولاحظنا أن موقع العرض الخاص بنا TripAdvisor.com بدأ يحصل على حركة زوار. فكان الناس يعثرون عليه. وحاولنا أن نكون نشيطين في العلاقات العامة منذ اليوم الأول، حتى أتت الصحافة المختلفة على ذكرنا. وأنا لا أدري كيف كان المستخدمون يعثرون على الموقع، عن طريق محركات البحث أو غير ذلك. ونحن بالطبع لم نكن نفعل شيئًا للاستفادة ماديًّا من حركة الزوار. وفكرنا أنه يمكننا ونحن نستقبل ٥ آلاف زائر في اليوم أن نعرض بعض الإعلانات الشريطية ونحاول ربح بعض النقود بهذه الطريقة.

حاولنا تشغيل إعلان شريطي. لكننا لم نحاول بيعه؛ لقد نسخنا فقط إعلان إكسبيديا الشريطي ووضعناه على موقعنا. وكنا نريد أن نرى كم عدد المستخدمين الذين سينقرون عليه. ربما تلقينا ٣ آلاف زائر ذلك اليوم وربما مائة نقرة، ومن ثَم لم يكن ليمثل أكثر من بضعة دولارات لنا. ولذا كان من الواضح أن هذا لن ينجح. لكن كان أحد عملائنا المحتملين قد سألنا قبل بضعة شهور عما إذا كان يمكننا تشغيل إعلانات تعتمد على استعلام البحث؟ فإذا كان أحد المستخدمين يبحث عن بوسطن، أيمكننا تشغيل إعلان عن بوسطن؟ فأخبرناه أننا لا نشغل إعلانات. فهذا ليس نهجنا. إننا نحاول أن نرخص المحتوى للعملاء. لكننا اكتشفنا بعد أشهر أن هناك من يعربون عن اهتمامهم ببوسطن. وفي الحقيقة وجدنا من يعربون عن اهتمامهم بفندق إليوت في بوسطن، لأنهم يقرءُون تقييمًا له. ففكرنا في إنشاء رابط من تريب أدفايزور إلى موقع سفر على الإنترنت مثل إكسبيديا ووضع نص محفز يقول: «احجز غرفة في فندق إليوت في بوسطن»، وإذا ضغط المستخدم على هذا الرابط، ننقله إلى صفحة الحجز على إكسبيديا. وكانت تكنولوجيا البحث وجمع المعلومات الخاصة بنا تجيد تنفيذ ذلك، ومن ثَم فقد كنا ننتفع بشيء نبرع فيه.

تحدثنا إلى إكسبيديا وقلنا: «نود أن نعلن عن فنادقكم الخمسين ألفًا على موقع السفر الشامل الخاص بنا، ولن نفرض رسومًا إلا عن العملاء المحتملين الذين نرسلهم لكم.» وشرحت لهم كيف أن مَنْ نرسلهم من عملاء محتملين سيكونون جادِّين. وأضفت: «إنهم مسافرون رائعون يقرءُون التقييمات، وسنقوم بعمليات حجز كثيرة لكم، لذا نود أن تعلنوا معنا.» فقالوا: «إننا لم نسمع بكم من قبل. أثبتوا ما تقولون.»

وأنا أفهم بالطبع لِمَ لَمْ يسمعوا بنا من قبلُ، لأنه لم يسمع أحد بنا. ولم يكونوا مهتمين كثيرًا في الواقع بما إذا كنت أرسل لهم عملاء محتملين جادِّين أم لا. كل ما كان يهمهم هو ما إذا كان العملاء سيحجزون أم لا. والأسلوب المتبع يقوم على إرسالهم كود تعقب لوضعه في الرابط. وقد قلنا لهم: «هذا لا يمثل عملًا كبيرًا لكم. فقط امنحونا كود التعقب، وسنبدأ في الإعلان عن ٥٠ ألف فندق لكم.» وهو ما فعلت وشغلناه لمدة شهر مجانًا لهم. ثم قبل أن ينتهي الشهر، اتصلت بهم وسألتهم: «كيف يسير الحال؟» فقالوا: «لقد فحصنا الإحصائيات من قبلُ. إن أداءكم رائع. هل ندفع لكم ١٠ آلاف دولار لشهر ديسمبر لشراء ٢٠ ألف عميل محتمل (أو أيًّا كان الرقم بالضبط)؟» وهكذا أصبح لدينا عميل يعرض عليَّ في المكالمة الثانية أو الثالثة أن يدفع نقودًا كي أبقي الروابط.

ونجح هذا الأسلوب. وفي الواقع كان الكثير من المستخدمين ينقرون على الرابط. في ١٠ بالمائة تقريبًا من مرات عرض المستخدمين للصفحة، كانوا ينقرون على أحد تلك الروابط. وكانت نسبة النقر على الإعلان إلى ظهوره في ذلك الوقت ربع أو نصف بالمائة. لكنها كانت ١٠ بالمائة لدينا لأن الروابط كانت وثيقة الصلة بموضوع الصفحة. وقد تحمس عميلنا الأول لهذا.
ليفنجستون : كانت إكسبيديا هي عميلكم الأول؟
كاوفر : نعم. وقالوا: «إذا ما توقفوا عن الحجز وكانوا ينقرون فحسب، فلن نجدد الطلب. فالأمر بأيديكم أن تجعلوا حركة الزوار لديكم عالية المستوى.» ولم يكن ذلك شيئًا نقلق بشأنه، لكنه أدى الغرض، فإذا حصلوا على الحجوزات، فسيدفعون لنا مقابل الإعلان بكل سرور.
وسألناهم: «إذا ما زادت حركة الزوار في يناير، هل ستدفعون المزيد؟» فقالوا: «نعم، يمكننا أن نزيد المبلغ إلى ٢٠ ألف دولار إذا كان لديكم المزيد من العملاء المحتملين.» وما إن شعر المسئول ببعض الارتياح معنا وأنه لن يفقد عمله نظير الارتباط بعملية شراء مزيفة أصبح يقول: «أرسلوا لنا قدر ما يمكنكم. فلا يوجد سقف لهذا الرقم.» ولم أقابل الشخص الذي بدأت الحديث معه — والذي كان يتحدث عن مبلغ ١٠ آلاف دولار في الشهر ولم يمر وقت طويل حتى أصبحنا نتحدث عن مئات الآلاف — إلا بعد مرور عام آخر؛ لأن ذلك كان عمليًّا للغاية، وقال لي: «إنك ترسل لي عملاء أصل من خلالهم إلى عملاء آخرين يشترون منتجات من موقعي. وأنا أعرف كم أربح عندما يشترون تذكرة الطيران أو يحجزون غرفة في الفندق من عندي، وأنا أدفع لك نسبة مئوية من هذا. لذا فكلما زاد عدد العملاء المحتملين الذين ترسلهم، زادت النقود التي أربحها.»

لم نكن نعلم قط ما إذا كنا نربح ٢٥ بالمائة من أرباحهم أم ٩٠ بالمائة منها، والإجابة هي رقم بين الرقمين، وإن شئت فقل إن دورة المبيعات أصبحت سهلة. ثم بدأنا نزيد حركة الزوار لموقع TripAdvisor.com وبدأت دائرة عملائنا تتخطى إكسبيديا، لتضم هوتيلز دوت كوم، وترافلوسيتي، ثم في النهاية أوربيتز وغيرها.
ليفنجستون : هل استخدمتم هذه الاستراتيجية مع شركات أخرى: «جربوا موقعنا لمدة شهر، وإذا ما رأيتم أننا أحضرنا لكم بعض العملاء المحتملين الحقيقيين، استمروا معنا؟»
كاوفر : نعم. فور أن رأت الشركات الأخرى إكسبيديا تعلن، في بعض الأحيان لم يكونوا يطلبون فترة اختبار مجانية، لكننا كنا نقول: «عادة ما يكلف إرسال العملاء المحتملين دولارًا لكل نقرة لأنهم عملاء جادون جدًّا. لكننا سنجعلكم تبدءُون مقابل ربع دولار. وسنرسل لكم ٥ آلاف عميل محتمل، ويمكنكم الاختبار دون أي خطورة. لكننا نتطلع إلى الحصول على طلب بدء حملة الإعلانات كي نتأكد من أنكم ملتزمون بفترة الاختبار.»
ودائمًا كان الأمر يستغرق ثلاثة أشهر لبدء الاختبار. كل ما عليك أن تجدي الشخص المناسب، وتقدمي نفسك، وتقرري ما إذا كنت تتعاملين مع وكالة إعلانات أم مباشرة مع العميل، وغير ذلك من الجوانب المزعجة. لكن بصفة عامة، ما إن يحصل العميل على العملاء المحتملين، حتى تكون النتائج إيجابية بما يكفي لدرجة أنهم كانوا يقيمون الروابط وتظل قائمة لسنوات وسنوات. ومن ثَم لم يكن هناك الكثير من أعمال الصيانة. فكانت التكنولوجيا الخاصة بنا تجد الروابط الصحيحة للإعلان.
ليفنجستون : يبدو أن اكتشاف سبل تحقيق الربح أخيرًا كان نقطة تحول كبرى بالنسبة لكم.
كاوفر : هذا صحيح. لقد انتقلنا من مرحلة عدم وجود عائدات إلى أن أصبحت الأرباح تغطي النفقات في غضون أربعة أشهر. وكان هذا شهادة على إيجاد نموذج ناجح. فلكي تصبح الأرباح مساوية للنفقات، كان يجب أن تكون العائدات ٧٥ ألف دولار في الشهر تقريبًا. ولم نسمح قط لمعدل الإنفاق من رأس المال أن يرتفع. ولم نقم بأي إعلانات في ذلك الوقت. لكن حتى في ذلك الوقت كنا نادرًا ما نقوم بأي دعاية لا نستطيع أن نربطها بالنشاطات المدرة للعائدات على الموقع.
ليفنجستون : لماذا كنتم شديدي الحرص هكذا في إنفاق النقود؟ هل مررت بتجربة سيئة من قبلُ؟
كاوفر : بحلول عام ٢٠٠٠، رأينا بالطبع الشركات العاملة بمجال الإنترنت تنتقل إلى مكاتب تكلفةُ القدم المربعة الواحدة فيها تساوي ٥٠ دولارًا، وتوظف الكثير من الموظفين لإنجاز العمل بسرعة، وتنمو بسرعة وغير ذلك. والعديد منها فشلت. ولم يكن هذا من طبيعتي على الإطلاق. الشركة الأخرى التي أسستها بعد تخرجي من الجامعة مباشرة كنت أمولها بنفسي ثم حصلت على تمويل قليل من مستثمر فرد مقابل حق ملكية، ثم حصلت على نصف مليون دولار، ثم بضعة ملايين من الدولارات، في الجولة الأخيرة التي كانت عبارة عن رأس مال للنمو فقط. لقد كنا ندير الشركة دائمًا بحيث تدر أرباحًا وحققنا نموًا بطيئًا بسبب هذا.
وأظن أنني فكرت في العمل بالأسلوب نفسه هنا، أي أن آخذ مدخراتي وأصمم المنتج ولا أبحث عن أي تمويل مخاطر، لكن ذلك كان سيستغرق دهرًا. كما أن لديَّ عائلة أعولها. لذا قررنا منذ وقت مبكر أن نحصل على تمويل، وفي غضون العام الأول حصلنا على ٣ ملايين دولار تقريبًا، لكنه مبلغ صغير نسبيًّا.

لم يكن هناك أي شيء واضح يجب أن ننفق النقود عليه بخلاف توظيف الكثيرين. وأنا أومن كل الإيمان بأن فرق العمل الصغيرة تقوم بعمل أفضل من الفرق الكبيرة. لقد كنا نصمم منتجًا وإذا كان هناك خمسة أشخاص وكانوا جميعًا على مقربة بعضهم من بعض، فإنهم سيصممون منتجًا أفضل مما لو كانوا خمسة عشر شخصًا. فحتى لو كنت أملك النقود، لم أكن سأنفقها في هذا المجال حقًّا. وفي ذلك الوقت هل كنا نحتاج المزيد من مندوبي المبيعات دون أن يكون لدينا منتج نبيعه؟ لا. هل كان بإمكاننا توظيف المزيد من موظفي العلاقات العامة؟ أنا واثق من أنه كان بإمكاننا، وكان لدينا بالفعل ممثل علاقات عامة منذ وقت مبكر. لكننا لم نكن قط لنجمع ٢٠ مليون دولار من أجل حملة تسويقية.
ليفنجستون : عندما بدأ يكون لديك عملاء طلبوا منكم أنتم أن تدفعوا لهم نقودًا بدلًا من أن يدفعوا هم لكم. ما الذي لم يسر أيضًا على ما يرام عندما كنت تحاول اكتشاف نموذج العمل؟
كاوفر : سارت عملية تصميم المنتج على ما يرام إلى حد كبير. وكانت المبيعات والتسويق وتطوير العمل أكبر تحديات أواجهها لأنه لم يكن لدينا أي مشترين. وفي النهاية جاءت شركة كبرى أرادت أن ترخص قاعدة البيانات الخاصة بنا، وكانت تعرض علينا ٥٠ ألف دولار في الشهر على ما أظن. أو ربما ٣٠ ألف دولار. وكانت الصفقة المعروضة علينا كفيلة بتغطية نصف نفقاتنا من رأس المال على الفور. وفي ذلك الوقت نظرنا إلى الصفقة وفكرنا أنه ربما لن نحصل على مثلها مرة أخرى، كما لو أننا إذا لم نقبل هذه الصفقة، فسينتهي عملنا. وعندما ينظر المرء إلى صفقة من هذا المنظور، صفقة غير مغرية على الإطلاق، يرى أنه ربما يكون هذا هو ما يجب أن يقوم به كي يستمر.
وعندما استمررنا في طريق المفاوضات مع هذه الشركة، اتضح أكثر وأكثر أنهم يريدون أن يكون بإمكانهم وقف الصفقة بعد مدة الصفقة (أظن أنها كانت عامين) ثم يحملون معهم حقوق الملكية الفكرية الخاصة بنا ويرحلون. وكانت فكرتهم هي: «إن نقودنا تمول جزءًا كبيرًا من إنشاء قاعدة البيانات. إننا سنصمم منتجًا أكبر بكثير بِناءً عليها. وإذا لم يكن بإمكاننا إعادة التفاوض حول الشروط، فيجب ضمان ألا توقفوا تطوير منتجنا في منتصفه بأن تمنعونا من الوصول إلى قاعدة البيانات الخاصة بكم. فيجب أن نحمي أنفسنا، فنحن نريد نسخة من قاعدة البيانات والأدوات اللازمة للحفاظ عليها. ولن يكون عليكم تولي صيانتها لنا بعد ذلك، لكن سيصبح بإمكاننا الإبقاء على عملها.»

وقد جعلتْ فكرة: أن آخذ كل وقتي ومجهودي وأكوِّن شركة ثم أسلم أهم أصول الشركة لشركة أخرى ستكون منافسة، أو أسلمهم بصفة أساسية الشركة نفسها فيما عدا الموظفين؛ جعلت اتخاذ القرار سهلًا بعد أن فكرت بهذا. وقررت الرفض. ورأيت أنني أفضل التوقف عن العمل بدلًا من أن أمنح كل ما عملت لأجله طوال هذه الفترة الطويلة مجانًا لشخص آخر.

وعندما أنظر إلى الأمر الآن أرى أننا اتخذنا القرار الصائب. لكن في ذلك الوقت لم يكن ذلك واضحًا، لذا ظللنا نتفاوض معهم. ونصيحتي لمن يجد نفسه في الموقف نفسه — أي شركة يبدو أنها ستتوقف عن العمل — قد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة للحصول على ما يكفي من رأس مال للبقاء بشروط غير مقبولة بالمرة: استمر في التفاوض. لا توافق بسرعة ولا ترفض بسرعة، فربما تتاح لك خيارات أخرى، أو حتى يتضح لك أن الصفقة أصبحت سيئة إلى درجة أن قرار الرفض أصبح أسهل ويمكنك الاستمرار في خططك. وقد مرت علينا بضع ليال من الأرق في ذلك الوقت.
ليفنجستون : هل تذكر وقتًا أردت فيه الانسحاب؟
كاوفر : كلا، لم أشأ الانسحاب قط. أعني أن الأمور لم تكن تنجح، لكني كنت سأجد طريقًا آخر لأجربه: شيئًا مختلفًا، شيئًا جديدًا.
وكان جزءًا كبيرًا من الفريق الهندسي لدينا موجهًا إلى إدارة الاختبارات لمن قد يصبحون عملاءنا. فلم نكن نبتكر منتجًا جديدًا، لأنه لم يكن المنتج هو الذي يحول بيننا وبين النجاح، وإنما استراتيجية المبيعات والتسويق. فقررت أن نستعين بجميع من يعملون بالشركة ونكلفهم بالمساعدة في إتمام صفقات البيع كي نحافظ على بقاء الشركة. لذا فإن الموظف كان يقوم بمهمة من اثنتين: إما المساعدة مع عميل محتمل نسعى خلفه، أو المساعدة في أمور التمويل التي نسعى خلفها.

لقد كنت دائمًا أدرك حقيقة أنه إذا لم نقم بشيء مختلف، فإننا سنفلس في النصف الأول من عام ٢٠٠٢. لكني لم أفكر قط في أن أستسلم أو أغلق الشركة.
ليفنجستون : الكثير من الشركات الناشئة التي تعتمد بقوة على التكنولوجيا لا تتوفر لديها رفاهية أن يكون أحد مؤسسيها من المتخصصين في تطوير الأعمال. فهل تظن أن وجود لانجلي في فريق التأسيس ساعدك؟
كاوفر : بالطبع. إننا لم نكن لنحقق نجاحًا قط لولا وجود لانجلي في فريق التأسيس. فلو كنت أمول شركة ناشئة، ما كنت لأضع نقودًا حتى أرى شخصًا أتأكد أن له اهتمامًا بجانب تطوير العمل. أنا نفسي تلقيت تعليمي كمهندس، لكن الآن لديَّ خبرة كبيرة في التعامل مع العملاء وما يريدون بحيث يمكنني الاستفادة من هذا في تشكيل المنتج. انظري إليَّ قبل عشرين عامًا، كان أفضل وصف يمكن أن يُطلق عليَّ هو مهندس ماهر. لم أكن أعرف الكثير عن الشركات، ولم أكن أعرف شيئًا عن المبيعات، وإذا لم يكن لديك شخص يهتم بالحديث إلى أي شخص تبيعه منتجك أو خدمتك، فلن يفلح منتجك في تلبية احتياجات المستخدم قط.
في جميع المواقف تقريبًا التي تحضرني الآن، ينبغي أن يكون أحد أعضاء فريق التأسيس شخصًا تقول عنه للممول: «بالنقود التي أتمنى أن أحصل عليها منك، هذا هو الشخص — هذه هي سيرته الذاتية — الذي سنضمه إلينا ليعتني بجانب تسويق العمل.» ولطالما كان هذا هو الأسلوب المتبع في الشركات الناشئة التي ربطتني علاقة بها.
ليفنجستون : من أكثر المنافسين الذين أثاروا خوفك عندما كنت تصمم تريب أدفايزور؟
كاوفر : لم يكن هناك منافسون مباشرون حقًّا. كنا نكافح لمواجهة مشكلة أن البعض كان يقول لنا: «لا أحد غيرنا يستخدم منتجكم. ويبدو أن عملنا يسير على ما يرام بدونه. فما أهمية منتجكم؟ ما الذي يضطرني أن أدفع لكم مقابله؟» فكانت النقود التي من الممكن أن يدفعها لنا العميل ستنفق على الأرجح على فرومرز أو فودورز، وهي مواقع محتواها ذائع الصيت.
فكنا نقول لهم: «كلا، كلا. تلك المواقع تعرض رأي شخص واحد، وقد وضعها قبل ست سنوات وربما يكون أو لا يكون قد زار الفندق. أما نحن فلدينا آراء حديثة. لقد بحثنا في جميع ما نُشر على الويب عما يبحث عنه زائروك.»

لكن كانت هناك نقاط قصور أيضًا تشوب نموذجنا. فكان مستخدم ياهو ترافل الذي يقرأ وصفهم لبوسطن كان يقرؤه على صفحتهم. في حين أنه عندما يأتي إلى صفحة بوسطن على موقعنا ويريد أن يقرأ عن الأنشطة المسلية التي يمكنه مزاولتها، كنا نأخذه إلى مقال على موقع جريدة «ذا نيويورك تايمز» أو فرومرز، وبناءً على هذا فإنه يترك تريب أدفايزور أو شبكة ياهو. وياهو — شأنها في ذلك شأن معظم الشركات — لم تكن تريد إبعاد الكثير من المستخدمين عن موقعها. لكن هذه هي الطريقة التي حصلنا بها على قاعدة بيانات ثرية من المعلومات. ومن ثَم عملية إقناع المستخدم تصبح أصعب.
ليفنجستون : ما الأشياء الأخرى التي أساء العملاء فهمها عن تريب أدفايزور بما أنه كان موقعًا فريدًا من نوعه؟
كاوفر : لا أدري ما الذي أساءوا فهمه. فقد أصبحت تقييمات المستخدمين اليوم في الكثير من الأماكن من الأمور العادية. وقد قامت أمازون بعمل عظيم في تحويل هذا إلى ميزة تنافسية كبيرة. ففي عام ٢٠٠١ أو ٢٠٠٢، سعت ياهو إلى الحصول على أكثر من ٢٠ مليون دولار (وأنا أختلق هذه الأرقام) مقابل عقد لمدة ثلاث سنوات مع ترافلوستيي، وأرادت الحصول على ٤٠ مليون دولار. وأرادت بيع حق الرعاية لخطوط كارنيفال كروز لاينز مقابل مليون دولار. لقد أرادت الاستفادة ماديًّا من قناة السفر الموجودة بالفعل بدلًا من تحسين المحتوى عن طريق ترخيص تريب أدفايزور.
ولم نعتبر ياهو ترافل منافسًا لنا حتى عام ٢٠٠٤. فلم يتغير عام ٢٠٠٠، ولم يتغير عام ٢٠٠١. أعني الإعلانات تغيرت. فأصبحوا أفضل في استخلاص النقود على ما أعتقد. لكن المحتوى الحقيقي — السبب الذي يدفع المستخدم إلى التوجه هناك — لم يتغير لمدة ثلاث سنوات متتالية. وكان من الرائع أن يكونوا منافسينا، حيث إنهم كما تعلمين في حالة يرثى لها. لكن في عام ٢٠٠٤ توقفوا وأدخلوا تحسينات جذرية، وصمموا منتجًا أفضل بكثير.
ليفنجستون : هل كان الكُتَّاب لديك يحررون التقييمات التي يقدمها المستخدمون؟
كاوفر : كلا.
ليفنجستون : كيف كنت تراقب المدخلات؟ هل كان بإمكان الناس أن يقولوا: «إنه مكان بشع. لا تذهبوا إلى هناك»؟
كاوفر : نعم، «إنه مكان بشع. لا تذهبوا إلى هناك. وجدنا فئران تحت الفراش.» وتعليقات نابضة بالحياة على كل شيء. وكنا نواجه دائمًا تهديدات من مديري الفنادق الذين لم ترُقْ لهم التقييمات التي كانت ترد.
كنا نفحص جميع تقييمات المستخدمين التي ترد كل يوم، ونتأكد من أنها تتبع الخطوط الإرشادية للنشر الخاصة بنا: هل هي خادشة للحياء؟ هل تستخدم ألفاظًا تحض على الكراهية؟ هل بها تعليقات عنصرية؟ إننا لم نكن نحرر التقييمات على الإطلاق. إننا إما كنا نرفضها أو نسمح بنشرها.

في بعض الأحيان نرتكب أخطاءً وننشر أشياء لا ينبغي لنا وضعها. لكن هذه تكون أخطاءً. فكنا نسمح بورود التقييمات المروعة، وبالطبع كنا نضع التقييمات الرائعة أيضًا. فإذا اشتكى أحد الفنادق قائلًا: «هذا الشخص يكذب بشأن منشأتنا. وإنه لم تسبق له الإقامة به قط. إنه غير مدرج في سجلاته» إلى آخر هذه الأقاويل، كنا نقول: «لدينا استمارة على الموقع يمكن فيها لإدارة الفندق أن تضع ردها، حتى يرى زوار الموقع جانبي القصة.» لكننا لم نكن نحذف التقييمات إذا ما اشتكى ملاك الفنادق. ولا نحاول التأكد من دقة ما ينشر. فمن وجهة نظرنا، لا ينبغي لنا أن نقلق كثيرًا بخصوص قوانين القذف والتشهير، فإننا نقع تحت طائلة قانون الاتصالات الذي يقول إننا مجرد قناة لما يقوله المستهلك على الويب. فلا يمكن مقاضاة إيه تي آند تي بسبب ألفاظ تحض على الكراهية قيلت على خط هاتف تملكه. ولا يمكن مقاضاة تريب أدفايزور على عبارات تشهيرية جاءت في تقييمات المستخدمين.
ليفنجستون : هل تذكر مثالًا كتب فيه شخص ما نقدًا لاذعًا، وثار غضب الفندق على تريب أدفايزور؟
كاوفر : كان هناك صاحب فندق في إيطاليا جعل محاميه يكتب لنا خطابًا بالإيطالية يقول فيه: «إذا لم تحذفوا هذا التقييم، فسنقاضيكم لتدفعوا لنا مليوني دولار.» فأرسلناه إلى القسم القانوني حتى يكونوا على علم به، لكن ردنا عليه كان مهذبًا: «لقد تأكدنا من أن التقييم يتفق مع خطوطنا الإرشادية.» وانتهى الأمر.
ولم يقاضِنا أحد لمدة خمس سنوات، لأنك عندما تبحثين في القانون تجدين أننا تحت الحماية. قد يكون هناك بعض أصحاب الفنادق لهم شكاوى صحيحة، لكن هناك بعض أصحاب الفنادق لا يكونون على قدر كبير من الذكاء. فيشتكون من مدى سوء التقييم عبر رسالة بريد إلكتروني من عنوان محدد، ثم في اليوم التالي يظهر تقييم عن ذلك الفندق مرسل عبر العنوان الإلكتروني نفسه يقول: «لقد مكثت في ذلك الفندق، وإنه رائع بشدة. والمشاهد الطبيعية مذهلة.» وهكذا يتضح أنه يكتب تقييمًا يدعي فيه أنه نزل ضيفًا على فندقه، وقبل ٢٤ ساعة استخدم العنوان الإلكتروني نفسه ليخبرنا أنه المالك ويشتكي من تقييم قديم نُشر. فهل يظن حقًّا أننا بهذا الغباء؟

في البداية لم يكن الأمر ذا أهمية. أما الآن فحركة الزوار لدينا مرتفعة جدًّا حتى إننا نعرف أن لنا تأثيرًا قويًّا على الأماكن التي يختار الزوار الذهاب إليها، سواء أكان هذا بالسلب أم بالإيجاب. ولكل مدينة، لدينا مؤشر رضا، فنمنح درجات للفنادق التي يفضلها المسافرون أكثر. فإذا كان ترتيب الفندق على القائمة هو الأول أو العشرين، فإن عدد مكالمات الحجز أو التسجيل سيتغير. وعندما غيرنا الخوارزمية الخاصة بنا، رفعت بعض الفنادق وأسقطت البعض الآخر. وكانت الهواتف لدينا لا تتوقف عن الرنين لأننا نؤثر تأثيرًا جوهريًّا على شركاتهم.

اليوم عندما تغير جوجل الخوارزمية الخاصة بها أو عندما تقوم بتحديث البرامج، يكون لها تأثير كبير على من يديرون أعمالهم بالاعتماد على الحصول على حركة الزوار من محرك البحث جوجل. وبالنسبة لنا فإنها مسئولية لأننا نريد أن يثق الناس بتريب أدفايزور. وبالطبع يضع البعض تقييمات تحتوي على نقد لاذع. لكننا لا نريد أن يُرسل إلينا بريد إلكتروني مزعج. ولا نريد أن يكلف أصحاب الفنادق موظفيهم بكتابة تقييمات رائعة عنها. لذا فإن لدينا تقنيات وطرقًا تعتمد على البشر وعلى الخوارزميات لاكتشاف هذا النوع من الاحتيال، حتى نحافظ على دقة معلومات تريب أدفايزور إلى أعلى درجة ممكنة.
ليفنجستون : يعجبني أن موقعكم يجبر مالكي الفنادق على الالتزام بالصدق.
كاوفر : الآن يجمع الناس التقييمات التي يضعها المستخدمون على الموقع ليس للسفر فقط، ولكن لعدة أغراض أخرى. فقد تذهبين إلى مدينة سينسيناتي للعمل أو في رحلة للنزهة. وإذا كانت لديك تجربة سيئة مع أحد فروع سلسلة فنادق أو موتيلات معينة، قبل وجود موقع مثل تريب أدفايزور، فلم يكن يمكنك فعل شيء حيال هذا. يمكنك أن تتقدمي بشكوى إلى مكتب تحسين الأعمال، لكن كم عدد المرات التي اتصلت بها بالفرع المحلي لمكتب تحسين الأعمال عند الحجز في فندق لم تمكثي به قط؛ لتعرفي عدد الشكاوى التي قدمت فيه؟ بالطبع لم يحدث هذا قط. أما الآن فأنت تزورين موقع تريب أدفايزور وتبحثين عن المكان، وترين أن سبعة من آخر ثمانية تقييمات نشرت عنه تمنحه ١ من ٥ وتتحدث عن السجاد ذي الرائحة الكريهة والموظفين الوقحين. فلن تذهبي للمكوث فيه إلا إذا كان هو المكان الوحيد في المدينة.
هذا هو تأثير خمسة أو ستة أشخاص. وكلهم أشخاص غرباء تمامًا. لكن صاحب الفندق الذي يريد إدارة ذلك المكان الوضيع، ويستغل الاسم التجاري الذي يحمله أو ربما موقعه بالقرب من شيء ما، هذا الشخص يجب أن يتحسن سلوكه، وربما يقتطع جزءًا من أرباحه ويستثمره في توفير خدمة جيدة للنزلاء، لأن الأخبار تنتشر. وتريب أدفايزور هو قناة نشر هذه الأخبار في عالم السفر.
ليفنجستون : عندما تعيد النظر في تجربتك مع تريب أدفايزور، ما أكثر ما فاجأك؟
كاوفر : بالطبع أكثر ما فاجأني هو تطوع الناس لعرض تجاربهم. إنني لم أكتب تقييمًا قط قبل تأسيس تريب أدفايزور. ولم أضع تعليقًا على موقع أمازون أو غيره من المواقع. لكننا نحصل على ملايين الآراء كل عام. إننا في عام ٢٠٠٦ ولدينا ما يزيد عن ٥ ملايين تعليق. ومن ثَم فإن هناك كثيرين يقضون بعض وقتهم في كتابة تقييم أو في الإجابة على سؤال شخص آخر دون أي مقابل على الإطلاق؛ إننا لا ندفع أي مقابل قط للآراء، لم نفعل هذا مطلقًا.
ربما يعود ذلك لحجم موقعنا، ولوجود محتوى غزير الآن يقدمه المستخدمون، ومن ثَم فإنهم يهتمون برد الجميل للموقع الذي ساعدهم في اتخاذ القرار. لكن لم أكن أتوقع أن نحصل على كثير من الآراء بانتظام.
ليفنجستون : هل هناك أي نصيحة تسديها لشخص يفكر في تأسيس شركة؟
كاوفر : فريق التأسيس يشكل فارقًا جوهريًّا ولا شك. وعادة لا يستمر فريق التأسيس معًا وقتًا طويلًا. فهذا ما يحدث. فإذا ما انقسم في الشهور الستة الأولى، فقد يكون هذا مدمرًا لميلاد الشركة. لذا احرص على التعرف على الشريك جيدًا قبل انضمامه إلى الفريق فعليًّا، وعلى قضاء المزيد من الوقت في التفكير مليًّا في تقسيم الأدوار والمسئوليات بين أعضاء فريق التأسيس. إننا نسمع كثيرًا قصصًا عن الانشقاق، فيرغب أحد الأعضاء في القيام بشيء محدد. ويصمم عضو آخر على تنفيذ شيء غيره. ويبدأ أحدهم في اتهام الآخر بأنه يفرض سيطرته. وللأسف، فإن احتمالات حدوث هذا كبيرة على أي حال. لكن إذا تمكنت من التوصل إلى حل لهذه الأمور قبل تأسيس الشركة أو اختيار مؤسسين مختلفين، فإن هذا يزيد من فرص النجاح.
والنصيحة الثانية هي تجنب التمسك برؤيتك المستقبلية للشركة الناشئة؛ لأن الأمور قد تتغير. وتغير الرؤية ليس علامة على الفشل. أذكر في شركة سابقة أننا كنا نريد أن نتخصص في شيء محدد، لكن عُرض علينا عقد عمل استشاري للقيام بأشياء مختلفة، وصحيح أن هذا لم يكن في الخطة، لكننا قررنا قبوله لأنه كان سيضيف ٥٠ ألف دولار لرأس مال شركتنا الناشئة، ولن يستغرق وقتًا طويلًا. نعم، احترس من الأشياء التي تشتت الانتباه، لكن إذا كنت تريد التركيز على شيء واحد ولا ترغب في التفكير في أمور أخرى، فإنك على الأرجح لا تتمتع بالمرونة للقيام بهذا عندما لا تسير الأمور وفقًا للخطة. وهذه هي الحقيقة البديهية: الأمور لن تسير وفقًا للخطة.

في المراحل الأولى من الشركة، حين تحاول العثور على بعض العملاء، نفذ أي شيء يطلبه منك العميل. فإذا كان سيدفع لك، فإنه محق. لأنك بحاجة إلى هذه النقود المبدئية. وتحتاج إلى ضم هذا العميل إلى القائمة كي تنتقل إلى العميل التالي. وإذا ما اضطررت للتخلي عما تفعل، تخلَّ عنه. واحصل على العميل. واجعله مرجعًا للآخرين. اجعل ذلك العميل يشيد بك بكل حماس ويستخدم منتجك أو الخدمة التي تقدمها.

ولا بأس على الإطلاق إذا ما كنت تعرف ذلك العميل من عملك السابق، وأن هذه هي الطريقة التي أصبح بها عميلك. وقد يكون أكثر صدقًا معك. وإذا كان هذا يعني إضافة سمة جديدة لمنتجك، أو أي شيء لإتمام صفقة البيع المبدئية، وهذا ليس ضمن الاستراتيجية، فلتضرب بالاستراتيجية عرض الحائط. نفذ المهمة واحصل على النقود وعلى العميل وانتقل إلى الخطوة التالية.

ثم في منتصف عملية النمو، ما حاولت أن أشجعه هنا في الشركة هو الإقدام على المخاطرة، حيث كل ما وددت معرفته هو ما تكلفة السيناريو السلبي من حيث الوقت والفرصة. فإذا ما استطعت أن أجرب شيئًا غير تقليدي ويبدو غريبًا وسيستغرق بضعة أسابيع، وسيصبح السيناريو السيئ، في حالتي، هو التخلص منه من الموقع — أو إذا ما كنت تنتج برمجيات، يمكن التخلص منه من البرنامج، أو تتخلص منه بألا توثق السمة إذا كنت تنتج أحد المكونات المادية أو أي شيء — وإذا كان الوقت الذي تهدره في ارتكاب الخطأ ضئيلًا، فلا تخف من ارتكاب الكثير من الأخطاء دون أن تهدر وقتًا طويلًا في محاولة اكتشاف ما إذا كان ينبغي تنفيذها أم لا.

وعلى الويب، من السهل أن تجرب شيئًا وتحصل على تقييم. وإذا لم ينجح، تخلص منه. لقد ابتكرت أفكارًا رائعة أثبتت فشلًا ذريعًا على الموقع، ويصبح الأمر مثار سخرية عندما أتحدث عن هذه الأفكار في اجتماعات الشركة. ثم أنظر إلى كل مجموعة وأقول: «أتمنى ألا تخافوا من طرح أفكار تفشل فشلًا ذريعًا، بالإضافة إلى جميع الأفكار الناجحة التي تطرحونها.» كل ما في الأمر أنك ينبغي أن تجعل الأفكار الفاشلة تستغرق أسبوعين أو شهر أو اثنين، وهذا يعتمد على الصناعة، وتكلفة بسيطة ثابتة. إنه ذلك القول المأثور القديم: إذا لم تكن تفشل في أداء شيء بانتظام، فهذا يعني أنك لا تبذل جهدًا كافيًا في المحاولة.
ليفنجستون : من الواضح أن قصتك انتهت نهاية رائعة. فقد بيعت شركتكم مقابل نحو ٢٠٠ مليون دولار في صفقة استحواذ؟
كاوفر : نعم. ولا أظن أن هذه هي نهاية القصة، إنها فقط نهاية الفصل الثالث منها.
ليفنجستون : آسفة، لا أعني هذا. لكن معظم الشركات الناشئة تنتظر شراء الشركة أو إصدار الطرح الأولي العام لها. فهل كان هناك ما كنت ستنفذه بأسلوب مختلف قبل هذا للوصول إلى هذه المرحلة؟
كاوفر : كلا. مع تريب أدفايزور نجح الأمر بأكمله. وبالطبع أحد مفاتيح نجاحنا أننا كنا نبالغ في التدقيق في مسألة التوظيف. لقد كنت سأجيب: «كنت أود أن أوظف المزيد من الموظفين من الطراز الأول في جميع أنحاء الشركة قبل هذا.» لكن لأنني لا أزال في هذا المنصب الآن، فأنا لا أزال أناضل كي أملأ تلك المواقع بالأشخاص المناسبين الذين نود تعيينهم. وهذا ليس شيئًا ننفذه ببراعة كبيرة هنا. فإننا نستغرق وقتًا طويلًا لملء وظيفة شاغرة.
وعندما نجد موظفًا لوظيفة شاغرة يكون لدينا معدل نجاح رائع. العديد من المراقبين والذين فحصوا أو قيموا عمل تريب أدفايزور على مدى السنين علقوا على مدى كفاءة الموظفين لدينا. لكنني إذا ما أسست شركة أخرى، أتمنى أن يكون شريكي في التأسيس أو أحد الأعضاء الأوائل في فريق العمل شخصًا موثوقًا به يجيد اختيار الموظفين. لأن الاختلاف في أي منصب تقريبًا بين شخص يحسن أداء عمله وشخص رائع الأداء قد يكون ٢٠ بالمائة زيادة في الراتب، لكن الفرق في الإنتاج يكون ١٠٠ أو ٢٠٠ بالمائة. فإذا أمكن أن يكون لديك عدد كافٍ من الموظفين في الشركة يعملون بضعف كفاءة زميل يجلس إلى جوارهم؛ لأنهم يعلمون ما يفعلون وما الذي لا يهدرون وقتهم فيه … أعني أن الجميع يعملون العدد نفسه من الساعات. فمن النادر أن يرتبط ذلك بأخلاقيات العمل. كل ما في الأمر أنك تكلفين مهندسًا بمهمة ما فينجزها في نصف الوقت الذي يستغرقه زميله الذي يجلس إلى جواره. وأهم ما في الأمر هو تنفيذ المهمة بكفاءة، ثم تنفيذها بسرعة، ويكون التواصل أقل إذا كانت فرق العمل أصغر لأن كل شخص ينجز ضعف المهام. الآن: كيف يمكن أن تملئي الشركة بأشخاص مثل هؤلاء في كل قسم؟ صحيح أن اختيار أناس من دائرة أصدقائك أسلوب له عيوبه، لكنه يظل خيارًا صالحًا.

وكما أنصح الشركات الناشئة الأخرى من وقت إلى آخر، إذا ما وجدت شخصًا ينال إعجابك، فابذل كل ما بوسعك كي تجعله ينضم إلى شركتك مقابل الحصول على خيارات أسهم أو راتب، بناءً على المرحلة التي تكون بها الشركة. لكن توظيف الأشخاص المناسبين، لا سيما أول اثني عشر موظفًا، أهم بكثير من ملء الوظائف الشاغرة. وللأسف، فإن هذا يبطئ من عملية التوظيف كثيرًا، وهذا بدوره يبطئ عملية النمو، وهو ما يجعلني أعود وأقول: «في الشركة القادمة، أتمنى أن يكون معي شخص بارع في التوظيف من بين أول اثني عشر موظفًا كي يساعد في توظيف الدفعة التالية.»

ومعظم الموظِّفين لا يعملون بهذه الطريقة، ولا يفكرون بهذه الطريقة. فالمختصون بالتوظيف يريدون أن يعرفوا المتطلبات التي تريدينها في هذه الوظيفة. وإجابتي هي أنني أريد حماسًا للعمل. إنني أريد من يهتمون حقًّا بتنفيذ عمل رائع. إنه أسلوب مختلف في التفكير فحسب، فهذا هو عالم البرمجيات، وهذا هو اكتساب العملاء، وهذا هو تكوين اسم تجاري، وهذه هي العلاقات العامة. إنها لا تقتصر على قسم واحد فحسب. بل تصبح سلوكًا عامًّا. وهذا يجعل الشركة مكانًا يطيب العمل به.

ومن ثَم فإن هذا في المقابل يجعل عملية التوظيف أسهل؛ لأنه عندما يأتي أحد إلينا ويقابل الموظفين يقول: «عجبًا، إن لديكم مجموعة من الموظفين البارعين هنا.» فنجيب: «نعم، هذا صحيح. وقد أجرت إكسبيديا استطلاعًا للعملاء عنا، وكانت النتيجة أن ٩٨ بالمائة من الناس قالوا إنهم استمتعوا بالعمل مع الموظفين هنا.»
ليفنجستون : هل يتركك باري ديلر تقوم بعملك كما تشاء بعد الاستحواذ على شركتك؟ وكيف كانت مرحلة التحول لتصبحوا جزءًا من مؤسسة أكبر؟
كاوفر : من الرائع حقًّا أن تكون شركة إنتر أكتيف كورب هي التي تستحوذ على شركتك، لأنهم أخبرونا أنهم دائمًا يستحوذون على الشركات ويتركونها تعمل وتدار بشكل مستقل. وهكذا انضممنا إلى الشركة. وعليَّ إبلاغ الشركة بالأمور المالية بدلًا من مجلس إدارة شركتي الذي يتكون من خمسة أو سبعة أفراد. بخلاف هذا، تركونا نعمل كما نشاء. حتى عندما كنا نمر بأوقات ازدهار أو أزمات في الأرقام، لم يتدخلوا في شئوننا. لقد كانوا صادقين في وعدهم لنا. وأنا أحييهم على ذلك، لأننا كثيرًا ما نقرأ عن شركات صغيرة مستعدة للمخاطرة من أجل الأرباح مثل شركتنا تباع في صفقات استحواذ وتتحول الأمور إلى كارثة، لأن المؤسسين يرحلون وفريق العمل يستقيل وتنفذ عملية هيكلة بنية تحتية غير مناسبة. لكن إنتر أكتيف كورب قالت: «أنتم ستديرون الشركة. أخبرونا بالخطوات التي تودون اتخاذها، ثم افعلوا ما تشاءُون. وأخطِرونا عندما تحتاجون إلى مساعدة.» وهذا ما فعلناه.
ليفنجستون : لاحظت أنه ليس لديك موظف استقبال.
كاوفر : لم أدرك طبيعة المهمة التي ستوكل إلى موظف الاستقبال. كما أننا ليس لدينا مساعدون تنفيذيون. ففيما يتعلق بالتوظيف، لا أنظر إلى ميزانية عدد الموظفين عند التفكير في تعيين موظفين جدد. بل أنتظر حتى أكتشف وجود حاجة لتعيين شخص محدد — عندما أستطيع أن أضع التوصيف الوظيفي لوظيفة بحيث يكون ٨٠ بالمائة من وقت المتقدم لها مشغولًا في أول يوم له — وعندئذٍ أعلن عن وظيفة شاغرة.
وفيما يخص موظفي الاستقبال والمساعدين التنفيذيين، هذا إلى حد ما دعابة مستمرة لأنني أتساءل ماذا ستكون مهمتهم؟ هل سيضعون خطط سفر لنا؟ إننا نجيد تنفيذ هذا بالفعل. هل سيردون على المكالمات الهاتفية؟ يمكنني الرد على هاتفي، فهو لا يزعجني. هل سيحددون مواعيد الاجتماعات؟ إننا نحاول ألا نعقد الكثير من الاجتماعات كي نحدد لها مواعيد أصلًا. لذا إذا كنا سنوظف شخصًا، فأنا واثق من أنه سيكون مشغولًا طوال الوقت، لكن ربما ليس في تنفيذ شيء نحتاج إلى تنفيذه في تريب أدفايزور. وفي حالة قسم الهندسة، عادة ما يكون هناك المزيد من التطوير أحتاج إلى إنجازه، لكنني أتساءل: «هل أنا راغب في تمويل هذا المشروع؟» وفي حالة قسم التسويق، واكتساب العملاء والحسابات، في البداية أتساءل: «ما الذي يشغل وقت الموظفين؟ ما الذي يمكننا أن نجعله آليًّا؟» وإذا لم أستطع أن أجعله آليًّا، أسأل نفسي: «هل أحتاج إلى تنفيذه حقًّا؟» وإذا كنت أحتاج إلى تنفيذه، فلا بأس سأعلن عن وظيفة شاغرة.

إننا سبعون فردًا الآن، وهو إلى حد ما رقم صغير مقارنة بالعائدات والأرباح التي ندرها. ولن يحرك أحد ساكنًا إذا ما قررت ضم ٢٠ شخصًا آخرين. فسيظل هامش الربح رائعًا ويمكنني تحمل تكلفة تعيينهم، لكنني لست أدري هل هذا سيسرع سير العمل أم سيبطئه.
ليفنجستون : يبدو حقًّا أنك تحافظ على بيئة عمل جيدة، وبيئة تشجع على الابتكار بدلًا فقط من أن يقول الموظفون: «إن الشركة قد بيعت. فلنغادر الشركة. إنها الخامسة الآن.»
كاوفر : الفصل الأول من القصة هو تأسيس الشركة، وضم أي شخص يهتم بنشاطنا. والفصل الثاني هو تحقيق نسبة الأرباح التي تجعلنا نغطي النفقات. والفصل الثالث هو النمو، وإذا ما حدث هذا — كما حدث معنا — فسيتبعه شراء الشركة أو إصدار الطرح الأولي العام لها. الفصل الرابع هو التساؤل: «هل كل شيء على ما يرام؟ هل تحظى الشركة بالنصيب الأكبر من السوق وليس لدينا منافسون؟» وهذا نادرًا ما يحدث. وهذا بالطبع ليس صحيحًا في حالتنا. قد نكون متقدمين على منافسينا، أو نقف على قدم المساواة معهم، لكن ما مدى اقترابي من مكانة موقع السفر الأول في العالم؟ في الواقع، إنني بعيد كثيرًا عن هذا. هناك بعض الشركات الشقيقة التي تتمتع بهذه المكانة. لكنني أنظر إليها وأقول: «لمَ لا يلجأ الجميع لزيارة تريب أدفايزور عندما يخططون لرحلة؟» وإذا كان لديَّ ٢٠ مليون عميل في الشهر الآن، فلمَ لا يكون لديَّ ٥٠ مليونًا؟ إن تعريفي للفصل الرابع من القصة هو أن أكون أشهر موقع سفر في العالم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤