جيمس كورير
مؤسس، شركة تيكل
خطرت فكرة شركة تيكل (وهي شركة تأسست عام ١٩٩٩ وكان اسمها في الأصل إيمود) على بال جيمس كورير بعد أن أدى اختبارًا لتحديد الشخصية في إحدى المواد التي كان يدرسها في كلية هارفارد لإدارة الأعمال.
واستحوذت شركة مونستر على تيكل عام ٢٠٠٤ مقابل ١٠٠ مليون دولار تقريبًا. وبعد وقت قصير من هذه المقابلة الشخصية، أسس كورير استوديو أووجا لابز، وهو استوديو وسائط رقمية يطور تطبيقات إنترنت استهلاكية.
***
وعندما كنت في كلية إدارة الأعمال، كنت أفكر في شركات الإعلام التي كانت شهيرة في ذلك الوقت، مثل Broadcast.com، وWomen.com وآي فيليدج، ولم تكن تعني أي شيء من وجهة نظري. لقد كانت تحاول أن تضع التجارب الإعلامية القديمة على الإنترنت. فعلى سبيل المثال، كانت شركة Spinner.com تضع المحطات الإذاعية على الإنترنت، وبيعت الشركة مقابل ٣٤٠ مليون دولار. وقد أثار ذلك دهشتي بشدة.
كنت أدرك أن الإنترنت ستأتي معه الوسائل الإعلامية الفريدة الخاصة به. وكانت غالبًا ستصبح من إنتاج المستخدمين، ولن تشبه أي شيء شاهدناه في الوسائل الإعلامية الأخرى. وهكذا كنت أبحث عما سيكون عليه هذا الشكل في الوقت الذي كنت أحصل فيه على شهادتي من كلية إدارة الأعمال.
وذات مساء عندما كنت في محاضرة، وزعوا علينا بضع أوراق وأقلام رصاص، وأجبنا بملء دوائر على اختبار للشخصية تجريه شركة مايرز-بريجز، وهو اختبار تنظمه لطلاب كلية هارفارد لإدارة الأعمال. وبعد أحد عشر يومًا، حصلنا على نتائجنا في أظرف من الورق المقوى البني الفاتح — وكانت كل النتائج عبارة عن نص أبيض وأسود مرفق معه رسم بياني صغير — وسرعان ما بدأنا نتحدث عن الأمر حديثًا متواصلًا. وظل الناس في ذلك الوسط يتحدثون عن الاختبار لأسبوعين تقريبًا، على العشاء وفي ملاعب كرة السلة. فشاهدت هذا، وخطر لي أنني لم أرَ قط من يظل يتحدث عن فيلم لهذه الفترة. واكتشفت أن هذه وسيلة إعلام قوية. وتساءلت عن السبب.
ناقشت هذا مع أفراد عائلتي الذين كانوا يعملون في مجال علم النفس، وسألتهم: «هل المواضيع المفضلة لنا هي أنفسنا؟» إننا نهتم كثيرًا بأنفسنا وبمن نعرفهم. وأدركت أنه لا توجد أي تقنية أخرى تتيح لنا الاطلاع على وسيلة إعلامية عن أنفسنا. فجميع تقنيات وسائل الإعلام الأخرى تتيح لنا الاطلاع على أشياء تخص أشخاصًا لن نتعرف إليهم وجهًا لوجه أبدًا. فنحن نعرف الكثير عن أمثال توم كروز وتوم بروكو، لكن لن يتسنى لنا معرفتهم قط عن كثب.
وكنت أومن بأن الإنترنت سيتيح للمرء فرصة التمتع بتجربة إعلامية عن نفسه وعن الأشخاص الذين يعرفهم — مع أنه لن يكون أفضل وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة أو أفضل مجلة — وهذا سيتخذ الكثير من الأشكال المختلفة. ورأيت أن أسلوب إجراء الاختبارات قد يكون قويًّا للغاية لأن الناس يحبون التحدث عن أنفسهم، وعمن يعرفونهم، ويمكن أن ينتشر كالنار في الهشيم.
وفي شركة رءوس الأموال المخاطرة، رأيت كيف أن معظم شركات الإعلام على الإنترنت ينتهي أمرها نتيجةً للتكاليف المرتبطة بالحصول على مستخدمين، وأدركت أن تأسيس شركة ناجحة يتطلب ضغط نفقات اكتساب المستخدمين، أو إلغاءها من الأساس. لذا رأيت أن هذه الاختبارات قد تكون مجالًا واعدًا جدًّا يمكن تأسيس شركة متخصصة في الإعلام الرقمي انطلاقًا منه.
الكثير من تلك الاختبارات كانت حبيسة البروج العاجية. فلِمَ لا نطلق سراحها على الإنترنت، ونجعلها زهيدة التكلفة، ونفيد البشرية؟ وقد يكون هذا أساسًا جيدًا لإنشاء شركة إعلامية، وحتى إذا أخفقت فستكون قد أفادت العالم أيضًا.
كان الشك يسيطر عليَّ لأني رأيت أن هذه الفكرة واضحة للغاية. وأحسست أن هذه هي أفضل فكرة يمكن تنفيذها على الإنترنت، فستنتشر كالنار في الهشيم، وسيكون الأمر معقدًا لأنك ستحصلين على بيانات كثيرة عن الناس. وقد تساعدينهم في الحصول على الوظيفة المناسبة أو موعد عاطفي ناجح، أو على اتخاذ قرار بشراء سيارة دفع رباعي أم ميني فان، أو على تسهيل الحوار بين أفراد العائلة. كان سيجيب المستخدمون بصراحة، لأن الاختبار كان عنهم، ويريدون نتائج دقيقة. وكان واضحًا لي أنه يمكن بناء شركة إعلامية كبيرة على أساس هذه الفكرة. وهكذا كان الشك يسيطر على تفكيري إلى حد ما في هذا الشأن ولم أكن أتحدث عنه إلا مع من أثق بهم.
لكن ردود الأفعال التي حصلت عليها كانت من نوع: «لا أفهم ما الذي تتحدث عنه إطلاقًا.» فجميع من كنت أتحدث معهم عن الإعلام الرقمي ومساعدة الذات، وعلم النفس، لم يكونوا يفهمون ما كنت أسعى إلى تحقيقه. ويبدو أنني لم أستطع التعبير بالطريقة المناسبة لوصف الرؤية المستقبلية.
وفي ذلك الوقت، كان الجميع منبهرون بنجاح Broadcast.com وآي فيليدج وWomen.com، لذا فقد كانوا يؤمنون بقيمتهم. فبدلًا من أن يقولوا: «إن من يشترون تلك الشركات أغبياء»، كانوا يقولون: «لا بد أنهم يعرفون شيئًا لا نعرفه.»
ونظرًا لأن معظم البشر يجدون سهولة أكبر في فهم ما هو كائن، فإذا قيل لهم ما يفيد أن ما يرونه خطأً، يؤدي ذلك إلى إرباكهم وإعراضهم عن تقبل ذلك. لأنهم يحاولون فهم عالمهم وتوقع مستقبلهم — وهذه هي الوظيفة الأساسية للدماغ، وهي فهم الأنماط وتوقع ما سيحدث بعد ذلك — إلى درجة أنه عندما يدركون أن المستقبل غامض بالنسبة لهم، أو حتى مظلم، يصبح الأمر مخيفًا. وعندئذٍ يعودون إلى تبادل أطراف الحديث ويقول الجميع: «إن موقع Broadcast.com رائع.» ويومئ الجميع بالموافقة ويبتسمون، وهذا هو الخلق الجماعي للحقيقة الذي يحركه سلوك القطيع. وعندما تعترضين على هذا لا يتقبل أحد رأيك.
على سبيل المثال:
«ماذا ستطلق على الشركة؟ امنحها اسمًا حتى يمكننا الحديث عنها.»
فأقرر أن أطلق عليها اسم إيمود.
«هل لديك خطة عمل؟»
فأمنحهم ملخص خطة عمل من صفحة واحدة.
«كلا، أريد خطة عمل حقيقية.»
فأكتب خطة عمل.
«هل لديك موظفون؟»
«كلا، ليس لديَّ أي موظفين. سأعين بعض الموظفين.»
«هل لديك نقود؟»
فأذهب لأتحدث إلى أفراد مستثمرين يمكن أن يقدموا رأس مال مقابل الحصول على حق ملكية.
«هل لديك مكتب؟»
فأسعى لاستئجار مكان ما.
«هل لديك بطاقات عمل؟»
«كلا، سأحصل على بطاقات العمل.»
«هل لديك موقع على الويب؟»
«لقد أطلقناه لتونا.»
«حسنًا، هل يزوره أحد؟»
«كلا، لم يزُرْه أحد بعد، لكني سأعود إليك عندما يبدأ الناس في زيارته.»
«عندما تصل إلى هذا المستوى، ستحظى الفكرة باهتمامي.»
فالجميع يبحثون عن الخطوة التالية. وهكذا مع كل خطوة من خطوات بث الثقة هذه، يزداد عدد الأطراف التي تشارك فيما يحدث.
ثم تذهبين بعد ذلك لإجراء محادثات مع شركة رءوس أموال مخاطرة ويسألون ما إذا كانت هناك شركة أخرى مهتمة بالأمر. وحالما تجدين أنت شركة أخرى مهتمة تقولين: «نعم، هناك شركة مهتمة، وربما يمكنكم الاجتماع معهم وتمويل الجولة الأولى.» فيقولون: «هل استلمت مذكرة بالشروط الأساسية منهم؟» وما إن تستلمي مذكرة الشروط الأساسية، حتى يصبح أصحاب رءوس الأموال المخاطرة مهتمين بالفكرة، ثم تهتم الشركات التي تسعى للاستحواذ. فقد عرضت Women.com شراءنا مقابل ٣٢ مليون دولار بعد حصولنا على مذكرة الشروط الأساسية مباشرةً.
عليك الوصول إلى هذه المستويات كي تجذبي إليك المزيد، وبعد ذلك تصلين إلى المرحلة التي تنالين عندها اهتمامهم. وفي حالتي كانت هذه المرحلة هي الحصول على مذكرة الشروط الأساسية من شركة رءوس الأموال المخاطرة. وفجأة أصبح الناس يريدون العمل معي، وإقراضي نقودًا، وبدأت شركات العلاقات العامة تسعى لإنفاق نقودي، وبدأ مصرفيو الاستثمار يبدون رغبتهم في مقابلتي.
وتذكرت أن وكالات الإعلان كانت تقول إذا أردت أن يتذكر الناس إعلانًا، فاحرص على أن يتضمن أطفالًا وكلابًا صغيرة. لذا فقد خطر لي أن نضع اختبارًا طريفًا. اختبارًا يحدد إلى أي نوع من سلالات الكلاب ينتمي المستخدم. فتوصلوا إلى اختبار يتكون من ١٥ سؤالًا لم يكن علميًّا على الإطلاق. ووضعناه على الإنترنت، وبعد ثمانية أيام، اكتشفنا أن هناك مليون زائر يحاولون الدخول إلى الموقع. وكان الخادم يتعطل كل ١٠ دقائق. وكان علينا أن نفصل عنه التيار الكهربائي، ونحمله في السيارة ونوصله بخط تي ٣ في شركة تقدم خدمات الإنترنت في مدينة لين بولاية ماساتشوستس.
وما إن بدأت حركة الزوار تزداد، حتى عرضنا الرسوم البيانية على أصحاب رءوس الأموال المخاطرة، وهكذا انطلقنا. فقد قالوا: «أي شخص يحظى موقعه بحركة زوار مرتفعة يمكن أن يربح نقودًا طائلة على الإنترنت، إننا موافقون.»
وظَّفت أيضًا رئيسة لقسم الموارد البشرية، وكانت حاملًا في ذلك الوقت لكن لم تخبرنا. وعندما طلبت منها صياغة سياسة إجازات الوضع، اقترحت هي أن تكون خمسة أشهر مدفوعة الأجر. ولأني كنت مشغولًا تمامًا، قلت لها: «أريد أن أثق بك وأخولك سلطة اتخاذ أي إجراءات نحتاج إليها في هذا الصدد، فإذا كنت ترين أن هذا مناسب، فنفذيه.»
وهكذا بعد بضعة أسابيع أخبرتني أنها ستأخذ إجازة وضع قريبًا. وفي ذلك الوقت كان كثيرون منا لا يحصلون على رواتبهم لأن النقود كانت تنفد، وكانت هي ستذهب إلى منزلها تقضي خمسة أشهر وتحصل على راتب كامل، في حين أننا كنا مفلسين تقريبًا. ولأنني لم أؤسس شركة في حياتي قط، لم أدرك متى ينبغي عليَّ وضع حدود. لقد كان الأمر أشبه بورقة كبيرة بيضاء. وقد وقعت ضحية خدعة في هذا الصدد.
يصبح لزامًا عليك اكتشاف طريقة لتعيين موظفين يتسمون باللطف والقدرة على التواصل مع الآخرين والذكاء فضلًا عن الكفاءة. فإذا كان أحدهم يفتقد أحد هذه العناصر الأربعة، لا يمكنه البقاء. ومن ثَم عليك توظيف أعداد كبيرة على أن تكوني مستعدة للاستغناء عنهم. كان ذلك من الخطوات العسيرة، لكنني كنت أعلم من البداية أننا سنضطر إلى القيام بذلك.
لكن جميعهم قالوا إن مبلغ ١٨ مليون دولار ليس مبلغًا يثير اهتمامهم. فكنت أقول: «لكن معظم الناس سيخبرونكم أنكم ستجنون ٥٠ مليون دولار، وأنتم تعرفون أنهم يكذبون. لكنني أخفض المبلغ لأنني مثلكم أعمل في مجال التمويل المخاطر.» فيقولون: «حسنًا، لكن ١٨ مليون دولار مبلغ لا يثير اهتمامنا.»
لذا غيَّرت جدول البيانات ليصبح ٥٠ مليون دولار. فوافقوا وقالوا: «حسنًا، هذا يثير الاهتمام بشدة.»
فكي تنتقلي إلى الخطوة الثانية، يجب أن يصدق الناس حقًّا أنك في الخطوة الثانية من الآن، حتى يشعروا أنهم لن يتحملوا أي مجازفة. فعليك أنت أن تتحملي المجازفة بأكملها، لأنهم لا يريدون تحملها. ثم عليك المجازفة بالإقدام على الكذب.
وفي إحدى حفلات لم الشمل لخريجي كلية هارفارد لإدارة الأعمال، عُقد اجتماع لجميع من أصبحوا مؤسسي أعمال، وسألنا أحد أساتذتنا: «ما الذي لم تتعلموه من كلية هارفارد؟» فقلت أنا: «المعاناة.»
ولا أذكر سوى محاضرة واحدة تناولت هذا الموضوع: إذ خرج الأستاذ الجامعي من قاعة المحاضرات وعيناه مغرورقتان بالدموع، بعد أن قص علينا قصة صديقه الذي أنشأ شركة لخدمة بث القنوات التليفزيونية بنظام الاشتراك، ودمرت حياته ودمرت عائلته ونقلته إلى مكان أصبحت فيه حياته تضيع سدًى. هذه هي الإشارة الوحيدة التي تلقيتها في كلية هارفارد لإدارة الأعمال عن مدى صعوبة الأمر والمعاناة المتضمنة فيه.
وبعد أن خضت التجربة بالفعل، اكتشفت أن قدرتي على تأسيس شركة أخرى قد تحسنت تحسنًا ملحوظًا الآن. فإذا استطعت أن تنقلي عُشر هذا الفهم إلى طالب في كلية إدارة الأعمال، فإن ذلك يساوي مئات الآلاف من الدولارت، وسنوات من المجهود الذي تبذلينه لتفهمي أنك لن تنامي سوى أربع ساعات كل ليلة لمدة ١٨ شهرًا متواصلًا إذا لم تكن الأمور تسير على ما يرام.
لو أن ياهو هي التي استحوذت علينا، لأجبرتنا على الانتقال إلى ماونتن فيو، ولكانت حولتنا إلى مجرد أداة ضمن خاصية ما في وحدة من وحدات أحد أقسامها، ولترك الجميع الشركة، وانتهى الأمر برمته. ولأشاد العاملون في وول ستريت بالأمر بكل حماس.
وقد أدى استحواذ مونستر على تيكل إلى إصابة وول ستريت بالحيرة. ومع ذلك فإنه أمر واضح: إننا أكبر موقع للاختبارات المهنية في العالم، ولدينا إمكانيات لترتيب التعارف بين الجنسين، ويمكننا استخدام هذه الإمكانيات نفسها عن طريق قياسِ مختلفِ الأبعاد من أجل تحديد الوظيفة المناسبة. ويمكننا ترقية اختبارات اختيار الوظيفة المناسبة إلى المستوى التالي، وهي المرحلة التالية للبحث عن أفضل الوظائف. ومونستر تستفيد من كل شخص وكل منتج لدينا هنا لأنه لم يكن هناك تعارض بيننا وبينهم.