الفصل التاسع والعشرون

بليك روس

مبتكر، متصفح فايرفوكس

أسس بليك روس وديف هايت متصفح فايرفوكس كمشروع إضافي بينما كانا يعملان في مؤسسة موزيلا. كانا يعملان على إنقاذ متصفح نت سكيب الذي كان يواجه مشكلات، ولكنهما أصيبا بالإحباط بسبب القيود المفروضة عليهما. لذا قرر روس وهايت تصميم متصفح يودان استخدامه حقًّا.

بدآ يطوران متصفحًا جديدًا يتميز بالسرعة والبساطة ويمكن الاعتماد عليه وذلك بالعمل في أوقات فراغهما. وفي عام ٢٠٠٢ أطلقا الإصدار المبدئي وأطلقا عليه فينكس، وفي عام ٢٠٠٤، أطلقا فايرفوكس ١٫٠، وقد حقق نجاحًا على الفور.

وعلى غرار الكثير مما ورد بين دفتي هذا الكتاب، كان متصفح فايرفوكس شيئًا جديدًا. فقد كان بمثابة مشروع مفتوح المصدر يعمل بطريقة الشركات الناشئة، من حيث إنه يضع في اعتباره مصلحة المستخدم النهائي مع الاهتمام بالتسويق. وكانت النتائج مبهرة: فقد استولى على حصة السوق الهائلة التي كانت من نصيب إنترنت إكسبلورر فيما مضى، وساد استخدامه بين المستخدمين المتخصصين في مجال التكنولوجيا.

وفي عام ٢٠٠٥ أخذ روس إجازة من جامعة ستانفورد ليؤسس شركة جديدة مع زميل له في تطوير فايرفوكس هو جو هيويت.

***

ليفنجستون : أخبرني عن بداية فايرفوكس.
روس : نشأت فكرة فايرفوكس من متصفح موزيلا الذي يحظى بتاريخ طويل لن أتطرق له الآن. وقد بدأت شخصيًّا العمل في مشروع موزيلا عام ٢٠٠٠. وكان مفتوح المصدر، فيمكن لأي شخص العمل عليه. وبدأت أعمل عن كثب مع فريق نت سكيب؛ لأنهم كانوا يصنعون منتجهم على أساس موزيلا. وكنت أساعدهم في إصلاح الأخطاء، ودعوني لأعمل متدربًا معهم في ذات صيف، وهكذا بدأت العمل في نت سكيب، وكانت تلك أول وظيفة لي، وقد أعجبتني للغاية.
ليفنجستون : كنت في الرابعة عشرة من عمرك وقتها، أليس كذلك؟
روس : بلى. عملت في كاليفورنيا وكان الأمر رائعًا في الصيف الأول. ثم بدأت أعمل من المنزل، وعندما عدت في الصيف التالي، كانت الأمور قد ساءت كثيرًا. فقد ظل نت سكيب يتراجع في السوق تراجعًا مستمرًّا. وفي ذلك الوقت كانت حصته في السوق تبلغ ٥ بالمائة تقريبًا. وجاء ذلك بعد إيه أو إل، وبعد حرب برامج التصفح وكل هذا. وقد ازداد الأمر سوءًا عندما تدهورت إيه أو إل، وبدأت تطلب المزيد من العائدات من المتصفح. فقد طلبت الحصول على عائد على الاستثمار، وكانت قد اشترت نت سكيب مقابل ٤ مليارات دولار تقريبًا.
وهكذا بدأ المتصفح يتحول إلى مجرد أداة لدفع الناس إلى Netscape.com لا أكثر. وكانت به عدة أزرار بحث، وتظهر فيه الكثير من الإعلانات. وكان الأمر في غاية الفوضى. فلم تكن ثقافة الشركة تركز على المستخدم. وكان من الصعب العمل هناك.

لقد جاء فايرفوكس ليكون رد فعل لتجربتنا في نت سكيب أكثر من كونه رد فعل للمتصفح المسيطر إنترنت إكسبلورر. إذ إنه كان منبوذًا في ذلك الوقت، وفي عام ٢٠٠١ سرحت مايكروسوفت الفريق الذي طوَّره. وهكذا أنشأنا فايرفوكس بالطريقة التي كنا ننوي تصميم متصفح على أساسها لو لم تكن تحكمنا أمور التسويق والمبيعات وجميع تلك المؤثرات الأخرى داخل نت سكيب. وقد انطلق في البداية على أيدينا نحن الثلاثة أو الأربعة، الذين طالما خضنا تلك المعارك داخل نت سكيب لاتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة المستخدمين.

فعلى سبيل المثال، كنا نريد تزويد نت سكيب ٧ بإمكانية منع الإعلانات المنبثقة. وكان سيصبح أول متصفح سائد يتضمن سمة منع الإعلانات المنبثقة. وكان العاملون في موزيلا قد أعدوا الكود بالفعل، لكن نت سكيب لم توافق على إضافته لأن الموقع به إعلانات منبثقة. وكان ذلك من القرارات التي أزعجتنا، فقد أصبنا بالإحباط حين رأينا أسماءنا على المنتج عند طرحه. لذا أنشأنا مشروعًا أطلقنا عليه فينكس، والذي كان من المفترض أن يكون إشارة إلى الطائر الأسطوري — العنقاء — الذي يُبعث من بين رماده. فكان كما لو أن المشروع يُبعث من رماد نت سكيب.
ليفنجستون : من كان المشاركون فيه؟
روس : كنت أنا ودافيد هايت وجو هيويت — وهو الآن شريكي في الشركة الناشئة الجديدة باراكي — في فريق التطوير، وكان معنا براين راينر وآسا دوتزلر يقدمان دعمًا للتصميم وإدارة الجودة. وعلى مدى الأشهر الستة الأولى أو العام الأول من العمل، كان المشروع أقرب إلى كونه فكرة خطرت لنا دون ترتيب، إذ كنا نعمل لإنجازه في أحد أفرع مطعم دينيز بعد العمل. ثم عدت إلى ميامي، واستأنفنا العمل لإنجازه على الإنترنت بعض الوقت.
وكان فينكس شعبة من قاعدة كود موزيلا التي كنا نتحكم بها. وقد أغلقنا إمكانية الوصول إلى الكود لأننا رأينا أنه من المستحيل ابتكار أي شيء موجه إلى العميل عندما يكون لديك ألف شخص في نت سكيب يبحثون عن العائدات، وألف محترف يعملون في البرامج مفتوحة المصدر ويتحاشون الشركات الكبرى في محاولة للتوصل إلى إجماع. لقد أردنا إغلاقها وتنفيذ ما نرى أنه الصواب. وقد غيرنا اسم المتصفح أكثر من مرة، ومنحتنا موزيلا المزيد من الدعم، وهكذا كانت البداية.
ليفنجستون : ماذا كانت بعض الأسماء الأخرى؟
روس : بدأ المشروع باسم فينكس، وسرعان ما واجهنا مشكلات تتعلق بالعلامة التجارية. لقد كنا نحن الثلاثة فقط، ولم نكن محامين، وكنا مفلسين، لذا آنذاك كنا مستعدين لتنفيذ أي شيء يُطلب منا. وفي هذه الحالة، اشتكت فينكس تكنولوجيز لأنها كان لديها متصفح ويب أيضًا. فأعدنا تسميته فايربيرد لأنه اسم مستوحى من المجاز نفسه، لكن كانت هناك بالفعل قاعدة بيانات مفتوحة المصدر تحمل هذا الاسم. لذا أعدنا تسميته مرة ثالثة. وفي ذلك الوقت كان قد حقق انتشارًا بعض الشيء، مع أنه ليس على القدر نفسه من الانتشار الذي يحظى به الآن، لذا قررنا الاحتفاظ بالجزء «فاير» من الاسم. وهكذا ظللنا نجرب أي أسماء تبدأ ﺑ «فاير» لبضعة أشهر، ثم اقترح أحدنا فايرفوكس، وهو الاسم الصيني لدب الباندا الأحمر.
ليفنجستون : هل كان جميع مطوري فايرفوكس من أماكن مختلفة؟
روس : عندما بدأنا العمل لإنجازه، كنا جميعًا في نت سكيب. ثم رحل ديف ليعمل في شركة أبل في المتصفح سفاري، ثم انضم إلينا آخرون مثل بن جودجر من نيوزيلاندا، وبيير شانييل من فرنسا، وجان فارجا من سلوفاكيا. وعدت أنا إلى ميامي، وواصلنا العمل معًا على الإنترنت.
ولا أزال أنا وجو نعمل معًا عبر الرسائل الفورية في مشروع باراكي، مع أننا على بعد نحو ٢٠ دقيقة بعضنا من بعض، لأننا معتادان للغاية على هذا المناخ من أيام العمل في فايرفوكس. فالعمل معًا عبر الإنترنت يعد أسرع بكثير بدلًا من أن يأتي هو إليَّ بسيارته، أو أذهب أنا إليه بسيارتي.
ليفنجستون : هل نشبت أي خلافات نتيجة لعمل ديف في شركة أبل؟
روس : نعم. لقد كانوا هم أيضًا يطورون متصفحًا بسيطًا للمستخدم النهائي، ولم يكن من المفترض أن يعمل مع جهة منافسة. وكان من أهدافنا تجنب المشاكل.
ليفنجستون : وهل ترك أبل؟
روس : كلا. فهو لا يزال يعمل لإنجاز سفاري الآن. لكنه انتهى من العمل في فايرفوكس ثم انتقل إلى أبل.
ليفنجستون : إذن فقد كنتم قلة قليلة.
روس : إن فريق فايرفوكس يتغير باستمرار. وليس من العدل أن أقول إننا كنا قلة، لأن فايرفوكس كان يقوم على موزيلا التي يعمل بها عشرات المطورين، وهناك الكثير من المطورين الذين يعملون لإنجاز مشروع جيكو، وهو محرك التصميم الأساسي. أما فريق فايرفوكس نفسه — الذي يهتم بكل شيء مرتبط بالمحرك ويعمل على الشعبة المنفصلة من قاعدة الكود — فكان يتألف دائمًا من نحو أربعة أو خمسة أشخاص مختلفين على مدى العام الأول.
الآن انضم المزيد من الأفراد إلى الفريق لأنه هو شجرة المصدر الرئيسية. والآن جميع من كانوا يعملون لإنجاز موزيلا يعملون لإنجاز فايرفوكس.
ليفنجستون : ماذا كانت أول نقطة تحوُّل عندما تأكدتم أنكم على وشك إنجاز شيء مهم؟
روس : أظن أنه عندما أنجزنا أول نسخة، التي لم تكن حتى … لقد وضعناها على موقع بروتوكول إف تي بي ونُشر مقال عنها في موقع موزيلا زين، وهو موقع لأخبار العاملين في هذا الحقل. وقد بلغ عدد مرات تنزيلها حدًّا جعلها أشبه بإصدارات موزيلا.
ومن ناحية كان الكثير من العاملين في موزيلا — من نوع المطورين المحترفين — لا يعجبهم ما كنا نقوم به؛ لأن التركيز على المستخدمين العاديين قد أصبح من قبيل الهرطقة في جانب كبير من عالم المصدر المفتوح. ومن ناحية أخرى، كان هناك كثيرون ممن يقولون: «أخيرًا، بدأت موزيلا تبتعد عن جذورها التقنية شديدة التخصص وتصمم شيئًا يستخدمه السواد الأعظم من الناس.» وحظينا بتغطية إعلامية منذ وقت مبكر من المدونين ومجلة «بي سي وورلد» وغيرها. لقد أفلت الزمام سريعًا.
ليفنجستون : هل واجهتم مشكلات في الحصول على مستخدمين في البداية؟
روس : كلا، لكن المستخدمين الذين كانوا يستخدمون المتصفح لم يكونوا من الفئة المستهدفة، فقد كانوا أشخاصًا نزلوا تصميمات بيتا من موقع موزيلا. ومن ثَم فقد كانوا مستخدمين متخصصين. وكان علينا أن نغير الثقافة السائدة في موزيلا لأن الأمر برمته كان يعتمد على أفكار المصدر المفتوح والتي مفادها أن المبرمجين ملوك، والمسوقين محتالون، بينما بإمكان الجميع قراءة الكتيب الإرشادي. وكانت محاولات طرح منتجات موزيلا تذكر المرء برموز الشيوعية، فكان الشعار على شكل ديناصور، أما الإعلانات الشريطية فكانت … لا أستطيع حتى وصفها، لكنها كانت غريبة للغاية، رسوم ذات طابع تقني لا يمكن أن تروق لمعظم الناس. وكان علينا أن ننقل قدرًا كبيرًا من هذا إلى عالم السواد الأعظم من المستخدمين.
ليفنجستون : كيف فعلتم هذا؟
روس : أول شيء حدث كان أن نت سكيب جعلت موزيلا كيانًا منفصلًا. وكانت موزيلا فيما مضى مجرد الفرع المختص بالتكنولوجيا مفتوحة المصدر لنت سكيب، فكانت هي تصنع التكنولوجيا ونت سكيب توزعها. وعندما تركتها نت سكيب، لم يعد لدى موزيلا موزع كبير.
وعندما كبر فايرفوكس، قررت موزيلا أن تحاول توزيعه مباشرة إلى المستخدم بدون أن تضطر للجوء إلى وسيط مثل نت سكيب. وفي تلك المرحلة، بدأت الثقافة تتحول بدافع الضرورة، فكان على المؤسسة أن تلبي احتياجات المزيد من المستخدمين وإلا تعرضت للانهيار.
ليفنجستون : وأثناء عملك لإنجاز هذا، هل أثار خطر المنافسين قلقك؟
روس : كلا، لقد كان فايرفوكس مختلفًا عن الشركات الناشئة التقليدية. فالشركات عادةً ما تقلق من المنافسين لأسباب مادية، لكن عندما صممنا فايرفوكس، كانت النقود متوفرة في أغلب الأحوال. إذ كنا نتلقى تبرعات، كما كنا نتلقى تمويلًا مبدئيًّا من إيه أو إل، وأبرمنا في النهاية تلك الصفقة مع جوجل، لكن لم يكن الأمر يثير خوفنا، لأننا كنا نعلم أنه لو لم يدر ربحًا … بل إنه لم يكن من المفترض حتى أن يدر ربحًا، لقد كان الأمر مجرد هواية، لذا لم نأبه كثيرًا. لقد كنت أنا لا أزال أدرس، لذا لم يكن من الضروري أن ينجح الأمر.
قد يبدو ما سأقوله سيئًا، لكننا أسسنا المشروع من أجلنا فقط في البداية، فقد كنا نطمح أن نصمم شيئًا نثق بقدرتنا على صنعه على أن يكون ذلك خارج نت سكيب. لقد كان المشروع متنفسًا للتعبير عن مشاعر الإحباط. وكنا نريد أن يستخدمه الناس، لكننا لم نكن ننوي الانتحار إذا فشل. لقد حددنا معنى النجاح من وجهة نظر المستخدمين، وليس المنافسين.

وعلى أي حال، كان فريق إنترنت إكسبلورر قد انفرط عقده، ونت سكيب انسحبت، لذا كانت السوق مفتوحة على مصراعيها. فلم نعد مضطرين لإجراء الكثير من الحسابات أو إجراء دراسة تحليلية للسوق، فتخففنا من الضغوط التي تدفعنا إلى العمل بوتيرة أسرع، وتبعنا ما يمليه علينا حدسنا. الآن في حالة باراكي نواجه المزيد من الضغط. فالناس تتوقع أن نخرج عليهم بفايرفوكس آخر أو شيء من هذا القبيل.
ليفنجستون : لا بأس أن يعلق الناس عليك آمالًا كبيرة، وهو ليس بالأمر السيئ على ما أظن.
روس : ليس شيئًا سيئًا، لكن عليك أن تكوني أهلًا لهذه التوقعات. فمن الصعب أن تقطعي على نفسك وعودًا وتفي بما يفوق طاقتك حين يكون الجميع يعدونك بأشياء. إننا نحاول ألا نثير حماس الناس كثيرًا لما ننتجه إلى أن يصبح لدينا منتج يمكنهم استخدامه. فالناس تتوقع الكثير، فإذا أثرتِ حماسهم لما تقومين به، فعليك أن تفي بما وعدت، وهذا ليس بالأمر السهل.
ليفنجستون : هل قام أي من منافسيك بشيء أثار غضبك؟
روس : ليس مباشرة. الشيء الوحيد الذي يثير ضيقي هو أن مايكروسوفت لا يحركها إلا عامل المنافسة. أما نحن فقد حاولنا أن يكون المستخدمون هم الدافع الذي يحركنا. لقد لاحظنا وجود احتياجات معينة، فحاولنا أن نوفرها. فنحن لم نقرر أن نحاول القضاء على مايكروسوفت فقط لمجرد القضاء على مايكروسوفت. لم تكن هذه هي النية، مع أن هذا هو الهدف المعلن لبعض المشروعات مفتوحة المصدر ذات النوايا السيئة.
أما مايكروسوفت فقد ربحت حربًا من حروب برامج التصفح، وانسحبت عام ٢٠٠١. وهو أمر ينم عن عدم الإحساس بالمسئولية، لأن هذا من أوسع تطبيقات البرمجيات استخدامًا في العالم، وقد توقفوا عن تطويره بكل بساطة. والآن عادوا إلى اللعبة، لأن الساحة تعج بالمنافسين وهذا هو ما يعيدهم إلى الساحة. وأظن أن إنترنت إكسبلورر ٧ في سبيله ليصبح متصفحًا جيدًا، لكن كنت أتمنى لو أنه صدر قبل بضع سنوات.

ونلاحظ أيضًا أنهم يحاولون محاكاة جانب كبير من روح التعاون المجردة من التكلف والرياء التي ساهمنا في إرسائها. فالناس يحبون موزيلا لأنها مفتوحة المصدر، ونحن نحاول أن نتحلى بالصراحة والنزاهة مع المستهلكين. ومنتجنا متاح مجانًا. ونتعاون مع المستهلكين. وبدأنا نلاحظ أن مايكروسوفت تحاول محاكاة كل ذلك. فقد أنشأت مدونة لفريقها الآن، ويحاولون افتعال المعاملة الودودة، لكن محاولتهم أشبه بالأساليب الترويجية التي ينتهجها محترفو العلاقات العامة، فبدا الأمر كما لو أنهم يحذون حذونا ويحاولون الآن أن يقلدوا ما تميزنا به من نوايا حسنة. لو كان هذا موقفًا صادقًا منهم، لكان الأمر رائعًا، لكن الأمر يبدو أقرب إلى الأساليب الترويجية التي يتبعها محترفو المبيعات. ومع ذلك فإن أداءهم يتحسن.

إنني أحترم الشركات من أمثال أوبرا، التي تنتج برنامج تصفح أيضًا. وصحيح أنهم لا يحققون نجاحًا كبيرًا حاليًّا، لكنهم على الأقل دخلوا هذا المجال للأسباب المناسبة. وقد مضى على تأسيسها عشر سنوات تقريبًا، وهي تهتم بالويب اهتمامًا شديدًا. أما مايكروسوفت فالذي يتحكم في وجودها في المجال أو غيابها عنه هو النقود والمنافسة، وهذا ليس الدافع المناسب الذي يتيح تصنيع منتج جيد.
ليفنجستون : عندما تتذكر ما مضى، ما الذي أساء الناس فهمه بخصوص فايرفوكس؟
روس : أساء كثير من معجبي البرامج مفتوحة المصدر المتحمسين فهم هدفنا. ففي المشروعات مفتوحة المصدر، يصعب عادة على الناس فهم المهمة التي يقوم بها المرء في هذا المجال ما لم يكن يعمل مطورًا.
أساء كثيرون فهم الجمهور الحقيقي الذي كنا نسعى إليه. من الصعب أن نشرح بالضبط المقصود بذلك، لكن يمكنك أن تتخيلي، فها هو مشروع موزيلا مفتوح على مصراعيه ويمكن للجميع أن يدلوا برأيهم. وعندما يكون المرء مطورًا، يتاح له أن يعبر عن رأيه بخصوص تنفيذ خاصية ما أو عدم تنفيذها، ثم نأتي نحن ونقول: «إننا نصنع منتجًا للمستخدمين العاديين. يمكنكم أن تعبروا عن رأيكم أيضًا، لكن بعض الخواص التي ترون أننا يجب أن نضيفها، قد لا تكون هي التي يريد الآخرون استخدامها. ومن ثَم فإنني أؤكد لكم — مع أنه قد يكون هناك خمسمائة منكم يريدون شيئًا حاليًّا — أنكم قد تكونون أنتم الأقلية ضمن مجموعة أكبر بكثير، نسعى للوصول إليها وستظل صامتة في هذه المرحلة من عملية التطوير.»

فمن الصعب إقناع خمسمائة مطور من لحم ودم أن خواصهم المفضلة قد لا يستحسنها خمسمائة مليون مستخدم محتمل، لا سيما عندما لا يكون لديك دليل دامغ يثبت ذلك. ويسعدني أنني أعمل مرة أخرى مع زميل واحد فقط في مشروع باراكي. إذ نتمكن هكذا من العمل بسرعة وبدون صراع على السلطة.
ليفنجستون : إذن في المشروعات مفتوحة المصدر، عليك أخذ آراء المطورين الآخرين في الاعتبار.
روس : بالطبع، إنهم هم من يصنعون المنتج. يجب فقط أن نتوخى الحذر من أصوات محترفي الكمبيوتر المتخصصين في داخلنا، ونتأكد من أننا نضع في اعتبارنا احتياجات العالم عمومًا. ولا أظن أن موزيلا طبقت ذلك، وتوقف المشروع عند بضعة ملايين من المستخدمين.
ليفنجستون : هل تظن أن فايرفوكس وصل إلى الأغلبية العظمى لأنه أفضل من غيره؟
روس : هناك عدة أسباب مختلفة. فكثيرون يرون أنه أسهل. وآخرون اعتادوا عليه عندما وضعه أبناؤهم على أجهزة الكمبيوتر.
بالطبع لقد نفذنا الكثير من المهام الصعبة كي نصل إلى الغالبية العظمى. واعتمدنا في التسويق على المشافهة. ولدينا موقع اسمه سبريد فايرفوكس أنشأته أنا وآسا دوتزلر عام ٢٠٠٤ عندما أطلقنا فايرفوكس. ويهدف أصلًا للاستفادة من مهارات غير المتخصصين في كتابة الأكواد. فقررنا أن نستفيد من طلاب الجامعة وغيرهم من الفئات الأخرى، أي باختصار الموهوبين في أي مجال والمؤسسات التي ينضوون تحت لوائها، وذلك بدلًا من أن يقتصر الأمر على المطورين كما هو الحال في معظم المشروعات مفتوحة المصدر. وقررنا أن نربطهم مع الآخرين في منطقتهم ونمنحهم الأدوات لنشر فايرفوكس. وحقق ذلك نجاحًا كبيرًا. فقد سجل لدينا أكثر من ٢٥٠ ألف شخص.

وكذلك نشرنا إعلانًا في جريدة «ذا نيويورك تايمز». فتبرع ١٠ آلاف شخص بمبالغ تتراوح بين ١٠ دولارات و٣٠ دولارًا لنشر إعلانات كبيرة في صفحتين كاملتين متقابلتين في هذه الجريدة بالتزامن مع إطلاق فايرفوكس. وقد تكلف الأمر بالطبع بضع مئات من آلاف الدورلارات، لكن لم تكن لدينا ميزانية تسويق. إذ كان الأمر بأكمله من تمويل المتحمسين للمشروع، وهو أمر غير معتاد إلى حد ما لأي مشروع برمجيات، ولا سيما لمشروع برمجيات مفتوح المصدر.
ليفنجستون : إذن فقد انتشر فايرفوكس بفضل تفوقه على غيره وبفضل المشافهة؟
روس : نعم. فليس لدينا من يعكف على صياغة رسالة محددة أو مخاطبة الإعلام. بل تم ذلك بفضل الجهود المحلية الشعبية والمشافهة، وموقع سبريد فايرفوكس. ولعله من اللافت أننا رأينا ما يقرب من اثنتي عشرة شركة تستخدم النموذج نفسه منذ ذلك الحين. وظهرت مواقع مثل GoTrillian.com وSpreadOpenOffice.org، وكلها قلدتنا.
ليفنجستون : هل مررت بمرحلة انتابك فيها القلق؟
روس : لا أعتقد. لكني بحديثي هذا أجعل الأمر يبدو كما لو أن الشركات الناشئة تخلو من أي ضغوط، وبالطبع هذا ليس صحيحًا. إنه لنوع من التحرر حقًّا ألا … إننا لم نكن نحاول أن نكوِّن ثروة من وراء فايرفوكس. فهو برنامج مفتوح المصدر ومجاني. ولم نكن نحاول أن نسيطر على العالم، لقد كانت أهدافنا متواضعة إلى حد ما، ولم نكن لنعبأ كثيرًا في حالة فشله. لقد كنا أكثر حرية في اتخاذ قرارات تنطوي على مجازفة.
وإذا كان بإمكانك تنفيذ مشروعك بهذا الأسلوب، يصبح الأمر أفضل بكثير. فلا يشغلك أصحاب رأس المال المخاطر أو التسويق والمبيعات. وينصب جل تركيزك على المنتج والمستخدمين طوال الوقت كل يوم.
ليفنجستون : لقد كنت صغير السن للغاية عندما بدأت العمل لإنجاز فايرفوكس. فهل اكتشفت أن ثمة أشياء تجيدها على عكس ما توقعت؟
روس : كنت أظن أن التسويق شيء يتطلب الحصول على درجة علمية وخبرة نظامية. واتضح أن مهمة التسويق تعتمد على الحرص على إتقان صنع المنتج بما يكفي لكي يقتنع المستخدمون بالترويج له بأنفسهم، ومنحهم وسائل تساعدهم على ذلك. واتضح أن الأمر هكذا أسهل كثيرًا ومنطقي أكثر مما توقعت. وأنا الآن لا أطيق مقابلة مسئولي التسويق المحترفين الذين «يصوغون» ما يسمى «الرسالة التسويقية» وكل هذا الهراء.
ليفنجستون : ما أكثر ما فاجأك؟
روس : مدى سهولة نجاح فايرفوكس، على الأقل في ظل الأصوات التي ظلت تحذرنا سنوات. فلطالما سمعنا أنه لم يعد أحد ينزل برامج عميل، وأن برامج التصفح انتهى أمرها، وأن موزيلا لن تنجح. وأن الأمر برمته لن يفلح على الإطلاق، وأن السوق تسيطر عليها قوة احتكارية. ولكننا تجاهلنا كل هذا، ونفذنا المشروع، ونجح.
لقد أصبح من الصعب حاليًّا أن نأخذ ما يقوله المحللون و«المصادر المطلعة في هذا المجال» على محمل الجد، لأن فايرفوكس أثبت أن رأيهم كان خطأً. وهناك كثيرون في المجال ليسوا هم في الواقع من يكتبون الكود أو يساهمون في المشروع، لكنهم يريدون أن يشعروا أن لهم صلة بالأمر بطريقة ما، ومن ثَم فإنهم يطلقون توقعات شاملة لجذب الانتباه. وأظن أنه من المطلوب أن يكون المرء مشاركًا في المشروع وأن يكون من العناصر المسئولة عن تقدمه كي يفهم حقًّا ما إذا كانت لديه فرصة في النجاح. لقد أعلن أحد المحللين من الآن أنه «يتشكك في جدوى» باراكي، مع أنه لا يكاد يعرف ماهيته، بل إنه لم يجربه أصلًا. فيبدو أننا سنمر بتجربة فايرفوكس مرة أخرى. وهذه النوعية من التعليقات تساعد على تحفيز المرء. فأنا أحب التحدي.

لقد تحدثنا إلى الكثيرين في بداية مراحل تصميم فايرفوكس. وكان واضحًا أن المستخدمين غير راضين عن برامج التصفح التي يستخدمونها، وكان واضحًا بشدة أنه إذا أمكننا تصميم شيء أفضل، فقد نتمكن من إقناعهم باستخدامه.
ليفنجستون : هل تذكر ردود أفعال الناس عندما قدمت عرضًا تجريبيًّا للمتصفح؟
روس : لقد أعجب الناس ببساطته ونالت سمة الاستعراض المُبَوب إعجابهم الشديد. الغريب هو أنني لم أتحدث إلى أي شخص أعرفه معرفة شخصية طوال مرحلة تطوير فايرفوكس. أما أبواي وأصدقائي، فلم يعرف معظمهم أنني كنت أعمل لإنجاز فايرفوكس إلا بعد طرحه ونشر مقال عنه في مجلة «ذا بزنس ٢٫٠». وهنا فوجئ الجميع بأنني أعمل على فايرفوكس. لقد كانوا يعرفون أنني أعمل على إنجاز «شيء» مرتبط بأجهزة الكمبيوتر، لكن …
ليفنجستون : لم يكن والداك يعرفان؟
روس : نعم، إلى حد ما. أظن أنهما كانا يعلمان أنني كنت أعمل في موزيلا. وكانا يعلمان أنني أعمل في نت سكيب، ومن ثَم فقد كانا يعلمان أنني أعمل في برامج التصفح، لكنهما لم يعرفا باشتراكي في العمل على فايرفوكس إلا بعد أن قرءُوا عنه في إحدى المجلات. وهذه هي الطريقة التي أفضلها، لأنه من الأسهل كثيرًا أن تقضي بضعة شهور تعملين في مشروع ويفشل بهدوء، وتعودين إلى الدراسة، من أن تخبري الجميع أن جميع المستخدمين سيستخدمون منتجك. سيكون من الأسهل أن تتجنبي إزعاج الناس وإلحاحهم إلى أن يصبح لديك شيء ملموس تقدمينه لهم، وعندئذٍ يتسنى لهم إطلاعك على رأيهم فيه، سواء إيجابًا أو سلبًا.
ليفنجستون : إذن فقد كانت المجازفة أقل. هل فكرت في الانسحاب؟
روس : نوعًا ما. فعدت إلى الدراسة لمدة ستة شهور، ولم أكن أعمل لإنجاز المشروع كثيرًا في تلك الأثناء. وأنا لم أنصرف عن المشروع — وكنا نعلم أن هناك من يعملون لإنجازه — لكننا كنا نعمل على مهل لأننا كنا واثقين أن مايكروسوفت لن تعود قريبًا.
ليفنجستون : والآن أنت تعمل في شركة ناشئة «حقيقية». كيف كانت البداية؟
روس : لقد ساعدت وسائل الإعلام ومجال التمويل المخاطر بشكل ما على ميلاد هذه الشركة. فمنذ الأيام الأولى لنا في نت سكيب، كنت أنا وجو نثرثر دائمًا عن مدى سوء عالم البرمجيات وعن التغييرات التي سنقوم بها لو أتيحت لنا الفرصة. وبعد نشر مقال ناجح عن فايرفوكس، بدأنا نتلقى رسائل بريد إلكتروني من مستثمرين يطلبون مقابلتنا. وكنا نشعر بالحيرة حيال ذلك. ونتساءل عن السبب؛ إذ إنه مشروع هواة مفتوح المصدر. ثم أدركنا أنهم يريدون مقابلتنا للحديث بشأن تمويلنا، ومن ثَم قررنا أن نؤسس شركة. ورأينا أن هذه هي الفرصة المثالية لتحقيق ما نحلم به بعد سنوات من الحديث عنه.
ليفنجستون : هل كنتم تريدون أن تستفيدوا من الموجة الرائجة؟
روس : بالضبط. كانت لدينا أفكار من قبل تتعلق بالبرمجيات ورأينا أن هذا هو الوقت المناسب لتنفيذها. إذ ستتاح لنا الفرصة كي يستمع إلينا الناس الآن، ومن ثَم فمن الأفضل أن نجرب.
ليفنجستون : هل أطلقتم عليه اسمًا؟
روس : إننا نطلق عليه باراكي حتى الآن، لكن من يدري ما إذا كان سيستمر. فقد كان فايرفوكس هو رابع اسم نختاره.
ليفنجستون : هل لك أن تطلعني على أي من التحديات التي واجهتها؟
روس : كان من بينها الوقت. فكلما نفذت شيئًا، أشعر أنه ينبغي أن أنفذ شيئًا آخر بدلًا منه. فإذا تزوجت غدًا على الأرجح فسأشعر بالقلق على كود ما في أثناء الاحتفال وسأردد عهود الزواج بلغة البرمجة بايثون. إنها حالة من الإجهاد المتواصل. وأذكر أنه أثناء الأشهر الأولى من تأسيس الشركة الناشئة، كنا نتلقى رسائل بريد إلكتروني من أصحاب شركات رءوس الأموال المخاطرة، فشعرنا أننا يجب أن نقابلهم جميعًا. ورأينا أنه يجب أن نوافق، فلا يمكننا أن نقول لا لهؤلاء. والآن ندرك أن الوقت هو أهم مواردنا، وكل دقيقة نقضيها في أحد هذه الاجتماعات ما هي إلا مضيعة للوقت.
الأمور تتحسن الآن. وقد بدأنا نتجنب الناس لإتاحة الفرصة لنا للعمل، لكن من بعض النواحي، كانت الأمور ستكون أسهل بكثير لو أن فايرفوكس لم يظهر للوجود. فكنا سنضع نحن الإطار الزمني الذي نراه، لكن الناس تنتظر من الآن الخطوة التالية التي سنتخذها، لذا من الصعب أن نبطئ من خطواتنا في مثل هذه الظروف. إننا نقع تحت ضغط كبير.
ليفنجستون : من هم مرشدوك؟ وهل هذه هي أول شركة ناشئة لجو أيضًا؟
روس : نعم. وهذه هي المشكلة إلى حد ما. فليس معنا شخص سبق له تنفيذ هذا الأمر آلاف المرات حتى يتسنى له أن ينصحنا. لدينا محامٍ جيد. ونبحث عن مرشد ليس لديه دوافع خفية وينحاز لمصلحتنا.
ليفنجستون : ولا بد أن ذلك يمثل مشكلة بما أنك أصبحت مشهورًا الآن. فقد يفكر البعض في استغلالك؟
روس : لا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي تلقيت فيها رسائل بريد إلكتروني من أشخاص يريدون فقط تناول العشاء معي. وما يحدث أننا سنتناول العشاء ونتحدث عن السياسة والطقس وغيرها. ثم سنتناول العشاء مرة أخرى، ورويدًا رويدًا يتضح أنهم يريدون شيئًا. وفي النهاية تكتشفين أنهم يريدون العمل معك، أو يريدون … في بعض الأحيان لا يعرفون حتى ماذا يريدون لكنهم يعرفون أنهم يريدون شيئًا ما. فمن الصعب فهم نوايا الناس في البداية.
ونحن أيضًا نعاني من الشك الزائد، فما إن أسسنا الشركة حتى بدأنا نتحدث إلى مجموعة من مؤسسي الأعمال الذين قالوا لنا: «لا تطلعوا أحدًا على ما تفعلونه. فأصحاب شركات رءوس الأموال المخاطرة مستغلون.» وفي الوقت نفسه، كنا نسمع أصحاب رءوس الأموال المخاطرة يقولون: «إنكم متشككون أكثر من اللازم.» فمن الصعب التوفيق بين الطبيعة البشرية والتوازن الصحيح، لأنك لا تعرفين مَن الصادق ومَن غير ذلك.
ليفنجستون : لا بد أنك أصبت بالإحباط لإحجامك عن إطلاع الآخرين على الفكرة.
روس : إلى أبعد حد. فإذا كنت تريدين إيقاف استرسال حوار ما، فاستخدمي كلماتي السحرية مثل: «وضع التسلل». وقد اكتشفت أيضًا أن كلمة «مبرمج» مفعولها رائع في كثير من المواقف. لكن ستتاح لنا الفرصة يومًا ما.
ليفنجستون : هل هناك دروس تعلمتها في أيام فايرفوكس تطبقها على هذه الشركة الجديدة؟
روس : نعم، ومن بينها الحرص على التواصل المستمر مع من سيصبحون مستخدمي منتجك. فما أسهل أن تعتكفي في غرفة وتظلي تضعين الأكواد طوال اليوم، وتغفلي المشكلات الحقيقية التي يواجهها الناس. لذا عليك أن تستمري في التواصل مع الناس وتنقيح ما تقومين به.
وتعلمت أيضًا الطريقة المناسبة للترويج للمنتج بطريقة تتحرى الصدق. فعند طرح فايرفوكس، حرصنا على تقديمه إلى المدونين أولًا، مع أنهم لم يكونوا هم جمهور المستخدمين الأساسي الذي نستهدفه. لكن عندما تساعدين المدونين المرموقين على الإمساك بطرف الخيط، فستتمكنين من جذب الإعلام المتخصص مثل مجلة «بي سي وورلد»، وموقع «سي نت». ولم يكن لدينا أي مستخدمين عاديين، ولا مستخدمين من غير المتخصصين في الكمبيوتر، لكن حالما ترى الصحف والمجلات العامة مجلة «بي سي وورلد» تتحدث عنه، تبدأ في تغطية القصة، بطريقة تلفيق أمر ما إلى أن يتحقق على أرض الواقع فعلًا. إذ كتب بعضها يقول: «الجميع يتحدثون عن فايرفوكس»، وذلك بالطبع في الوقت الذي لم يكن فيه المستخدمون العاديون قد سمعوا عنه أصلًا بعد. لكنهم سيسمعون عنه الآن بعد أن كتبت عنه صحيفة «ذا نيويورك تايمز».
ليفنجستون : ما أكبر التحديات التي واجهتك وأنت تؤسس شركة جديدة؟
روس : أحدها، بصفة عامة، هو الجهل بما هو «عادي». فالمستثمرون يمنحوننا مذكرة «عادية» بالشروط الأساسية، ويطلب منا المستشارون أتعابًا «عادية». أنا في الحادية والعشرين من عمري، ولم أرَ ما يكفي من الأمور غير العادية كي أعرف ما هو عادي. وكان أسلوبنا يقوم على اتخاذ القرارات ببطء وبأسلوب منهجي، وإجراء بحث واكتشاف الصادقين ومن يحاولون خداعنا قبل توقيع أي شيء.
المشكلة الأخرى هي العثور على وقت يتسع للانتهاء من المشروع ورؤية عائلتي وأصدقائي وحبيبتي. وهذا صعب للغاية على شخصين فقط. فإنه مشروع ضخم للغاية.
ليفنجستون : هل الأفق الزمني الذي حددته يصل إلى عدة سنوات؟
روس : كلا. بل وقت قصير على إطلاق المنتج.
ليفنجستون : أيرجع ذلك لتوقع حدوث منافسة؟
روس : لم يصل إلى علمنا قيام أحد بما نقوم به، لكن يستشعر المرء أن الجميع يتحرك تجاه هذا النموذج. ومن يدري، ربما يأتي من يعلن عنه غدًا.
ليفنجستون : من المنافسين الذين يثيرون قلقك أكثر؟
روس : أعتقد جوجل أو مايكروسوفت. إذ إنه مشروع كبير حتى إنني لا أظن أن شركة ناشئة قد تحاول تنفيذه، فيما عدانا بالطبع لأننا مجانين، لكنه ممكن. ومن الشركات المعروفة أرجح أن تكون إما جوجل أو مايكروسوفت.
ليفنجستون : إنك تعمل الآن بالاعتماد على مبلغ بسيط حصلت عليه كتمويل أساسي، أليس كذلك؟ هل هذا لسداد الإيجار وغير ذلك؟
روس : سنحصل على المزيد من النقود قبل الإطلاق، لكننا نحاول الحصول على أقل ما يمكن. فلا نريد ١٢ مليون دولار مثلًا. لا أدري ما الذي يمكن أن نفعله بهذا المبلغ. فليس لدينا حتى مكتب؛ إذ إننا نعمل من منازلنا.
ليفنجستون : هل تخطط للحصول على مكتب؟
روس : في الوقت المناسب. فمن الضروري أن أعرف عدد المهندسين الذين يتسع لهم حمامي وخزانة ملابسي أولًا.
ليفنجستون : هل يقلقك أن هذه الفكرة أكبر من أن يتحمل مسئوليتها اثنان فقط؟
روس : نعم. لكن يقلقنا أيضًا العثور على عناصر أخرى تصلح لضمها لفريق العمل، فهذا صعب. فإن العثور على مرشحين وإجراء مقابلات معهم من المهام المرهقة، لأنه لا يوجد فريق آخر في المقر الرئيسي يضع الأكواد. فإذا كنت أنا وجو في اجتماع، فلا يوجد من يعمل على الارتقاء بالمنتج، وهذا أمر مخيف. وهنا يُطرح سؤال: «هل من الأفضل لنا أن نقضي وقتنا نعمل بسرعة، أم نواجه احتمال القضاء على ذلك النظام عن طريق تعيين من لا نعرفه جيدًا؟»
باختصار، كل شيء يثير قلقي. فإذا كنت تؤسسين شركة جديدة وتتحركين بخطوات بطيئة، فلا بد أن تقلقي بشدة.
ليفنجستون : حتى الآن، ما أكثر ما فاجأك بخصوص تأسيس شركتك الخاصة؟
روس : شيء لم أكن أعرفه هو مدى تشابك العلاقات التي تربط كل من يعملون في وادي السليكون. إذ إننا قد نلتقي بشخص، ثم نلتقي بشخص آخر لا أتوقع قط أنه قد يعرف ذلك الشخص، فنجده يقول: «سمعت أنك التقيت بتوني الأسبوع السابق.» إنه مجال صغير وقدر كبير من التعاملات والصفقات يجري إنجازها عن طريق شبكة العلاقات الشخصية، وهذا أمر مزعج لأني أفضل أن تحصل الشركات الجيدة على الصفقات الجيدة وألا تحصل الشركات السيئة على أي صفقات على الإطلاق. لكن بدلًا من هذا يبدو أن الأمر يعتمد أكثر على شبكة المعارف.
ويمكنني بالطبع أن أفهم وجهة نظر مسئولي جوجل عندما رفضوا اللعب وفقًا لهذه القواعد. فلم يكونوا يعرفون أحدًا، ولم يسلكوا طريقهم بمحاولة التزلف إلى أحد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤