ستيف وزنياك
مؤسس مشارك، شركة أبل كمبيوتر
إذا أمكن القول إن هناك من أشعل فتيل ثورة أجهزة الكمبيوتر الشخصية، فقد يكون هذا الشخص هو ستيف وزنياك. فهو من صمم الجهاز الذي بلور ما يبدو عليه جهاز الكمبيوتر المكتبي؛ جهاز أبل ٢.
أسس وزنياك وستيف جوبز شركة أبل كمبيوتر عام ١٩٧٦. وقد جعلت قدرات وزنياك التقنية وطاقة جوبز المذهلة منهما فريقًا قويًّا. وقد عرض وزنياك لأول مرة جهاز الكمبيوتر الذي صممه في المنزل، أبل ١، في نادي هومبرو للكمبيوتر في وادي السليكون عام ١٩٧٦. وبعد أن حصل جوبز على عقد مع متجر بايت شوب المحلي لأجهزة الكمبيوتر كي يبيعه مائة جهاز كميبوتر مُجمَّع مسبقًا، انطلقت شركة أبل في رحلة صعود سريع.
وسرعان ما صمم وزنياك الجهاز الذي أرسى أسس الشركة: أبل ٢. وقد صمم وحده جميع برامجه ومكوناته المادية، وهو العمل الذي يعد إنجازًا فذًّا حتى في وقتنا هذا. والأكثر من هذا هو أنه قام بكل ذلك وهو يعمل في شركة هيوليت-باكارد. وقد عُرض جهاز أبل ٢ للجماهير في معرض ويست كوست الأول لأجهزة الكمبيوتر عام ١٩٧٧.
طُرحت أسهم شركة أبل كمبيوتر للاكتتاب عام ١٩٨٠ في أكبر طرح أولي عام منذ طرح شركة فورد عام ١٩٥٦، وكانت السبب في تحول البعض إلى أثرياء في لحظات أكثر من أي شركة أخرى حتى ذلك الوقت.
لقد كان أبل ٢ هو الجهاز الذي أوصل أجهزة الكمبيوتر إلى مكاتب المستخدمين العاديين. ويرجع السبب في هذا إلى أنه كان يتميز بتصميمه شديد الإتقان إلى حد رائع. ولكن عندما تُقابل وزنياك شخصيًّا تتعرف على سمة أخرى لا تقل روعة في شخصيته. إنه شخص قد يصفه مبرمج بأن مكوناته المادية رائعة.
***
وقد ساعدني هذا بطريقتين. فعندما تكون الشركة ناشئة أو يكون المرء فردًا يعمل وحده، لا يكون لديه الكثير من النقود، لذا فكلما قل عدد الأجزاء التي يتحتم عليك شراؤها كان ذلك أفضل. وعندما تنفذين تصميمك بأقل القليل من الأجزاء، يصبح كل شيء بسيطًا ومنظمًا ويمكنك فهمه بطريقة أفضل، ويساعد ذلك على تقليل عدد المشكلات أيضًا. فبإمكانك معرفة أدق تفاصيل المنتج الذي تصنعينه.
وفي السنوات القليلة التي سبقت تأسيس شركة أبل، كنت أعمل في شركة هيوليت-باكارد في تصميم الآلات الحاسبة العلمية. وقد كانت تلك فرصة رائعة للعمل في الشركة التي تصنع أحدث المنتجات في ذلك الوقت. ولكن الجهاز الذي صنعته وأدى إلى تأسيس شركة كان عملًا جانبيًّا. فعندما كنت أعود من العمل إلى المنزل، كنت أظل أعمل في الإلكترونيات. ولكني لم أستمر في تصميم الآلات الحاسبة التي كنا نعمل عليها في الشركة، واشتركت من خلال آخرين في تصميم أول ألعاب الكرة والدبابيس المنزلية والأفلام التي تعرض في الفنادق. وأول أجهزة تسجيل فيديو طُرحت للمستهلك صنعتها شركة أمريكية يطلق عليها كارترا فيجن، وليس شركة بيتاماكس، فقد سبقت إنشاء بيتاماكس. وقد جرى تركيبها في بعض أجهزة التليفزيون من إنتاج شركة سيرز. وقد شاركت في هذا أيضًا. وشهدت ظهور ألعاب الأركيد، وكانت لعبة بونج هي أول لعبة أركيد تحقق نجاحًا كبيرًا، لذا صممت إحداها وحدي. وأرادت شركة أتاري أن تشتري تصميمي وتجعله أول لعبة بونج منزلية. وقالوا إن صنع رقاقة واحدة — وهو ما كان مناسبًا للكميات التي كانوا يريدون تصميمها — يوازي صنع رقاقة مخصصة. وكانت هذه فكرة ستيف ماير. ولكني كنت إلى حد ما أُفضل شركة أتاري وقد كانوا يُقدرون مهارتي في التصميم، وطلبوا مني أن أعمل معهم.
ثم صممت لعبة لشركة أتاري يطلق عليها بريك أوت، وكانت من المنتجات المذهلة حقًّا. وكان من الرائع أن يرتبط اسمي بمنتج ظهر بالفعل في عالم ألعاب الفيديو. لأن تلك الفترة كانت بداية ظهور نشاط جديد لم أكن أنا جزءًا منه حقًّا. ولكني أردت أن أكون مصممًا وأن أشارك مشاركة رمزية في هذا المجال.
وفي أثناء تنفيذ كل تلك المشروعات، اشتركت في مشروع آخر. فكانت شبكة أربانت في ذلك الوقت بها ما يقرب من اثني عشر جهاز كمبيوتر متصل بشبكة. وكان بإمكانك اختيار الجهاز الذي تدخلين عليه، وكان لدى الشبكة إمكانية الدخول إلى بعض الأجهزة كضيف، أو إذا كانت لديك كلمات المرور المناسبة يمكنك التوغل أكثر من هذا. ورأيت شخصًا يكتب على جهاز المبرقة الكاتبة ويتحدث عن لعب الشطرنج مع جهاز كمبيوتر في بوسطن فقلت: «يجب أن أقوم بذلك. يجب أن أقتنيه لنفسي.» وهذا ما يحدث مع الكثير من رواد الأعمال، فإنهم يرون شيئًا ويقررون الحصول عليه، وهذا يدفعهم لتصنيع منتجات خاصة بهم.
ولكني لم يكن لديَّ ما يكفي لشراء الأجزاء التي أحتاج إليها. فلم يكن بإمكاني شراء مبرقة كاتبة، ومن ثَم كان عليَّ أن أصمم جهازًا طرفيًّا. وكان الشيء الوحيد المتاح مجانًا (لأني لم أكن أمتلك نقودًا) هو تليفزيون منزلي كي تظهر عليه الرموز. وحصلت على لوحة مفاتيح مقابل ٦٠ دولارًا، وهو ما كان آنذاك سعرًا زهيدًا للغاية. ولكنها كانت الجزء الأعلى تكلفةً في صنع الجهاز الطرفي. وبعد ذلك أصبح الأمر يعتمد على تصميم منطق لعرض الحروف على شاشة التليفزيون التي تمثل ما يأتي من كمبيوتر آخر بعيد. وتكتب لوحة المفاتيح البيانات وترسلها إلى الكمبيوتر البعيد، وقد صممت جهاز مودم لهذا الغرض. وهكذا أصبح لديَّ تليفزيون طرفي. كل هذا وأنا أعمل في شركة هيوليت-باكارد. وكنت أصنع هذه الأشياء للتسلية في شقتي في مدينة كوبيرتينو.
وعندما كنت في الجامعة، كنت قد صممت جهازًا أنيقًا يُسمى الصندوق الأزرق لإجراء المكالمات الهاتفية مجانًا. وقد اقترح ستيف جوبز أن نبيعه. والآن بعد أن أصبح لديَّ الوحدة الطرفية التليفزيونية هذه، قال لي: «هناك شركة محلية تشتري هذه الأجهزة الطرفية الباهظة الثمن. لماذا لا نبيع هذه الأشياء لهم؟» وبعنا بالفعل بعض الأجهزة الطرفية التليفزيونية التي صنعتها. وقد ساعدنا هذا في صنع جهاز أبل ١.
طوال حياتي كنت أتمنى اقتناء جهاز كمبيوتر. وعندما كنت في المدرسة الثانوية، أخبرت والدي أنني سأقتني واحدًا في يوم من الأيام. فقال إن تكلفته تساوي تكلفة شراء منزل، أو مقدم شراء منزل. فقلت له إنني سأعيش في شقة. وأضفت أنني سأقتني جهاز كمبيوتر في يوم من الأيام. وهكذا يبدأ الأمر بإحساس عميق بالإخلاص لفكرة ما. ويبدأ كذلك بمجموعة من الدوافع والقيم وفكرة عما سيصبح عليه المرء في حياته. ويبدأ بإدراك هذه الأشياء في وقت مبكر للغاية من العمر؛ وفي حالتي يعود بعضها إلى المرحلة الابتدائية. فقد قررت حينها أن أصبح معلمًا للصف الخامس، وتمسكت بهذا الحلم وحققته. ولكن بعض هذه الأمور يتمنى المرء تحقيقها بشدة، حتى إنه ما إن تتاح له الفرصة لا يتردد في انتهازها.
وفي ذلك الوقت، كنت لا أزال أصمم الأجهزة بإمكانيات مالية محدودة. ثم اكتشفت أن المعالجات الدقيقة قد ظهرت. وكنت إلى حد ما قد ابتعدت عن عالم الإلكترونيات وعالم الكمبيوتر نظرًا لعملي في الآلات الحاسبة في شركة هيوليت-باكارد. وفجأة اكتشفت تلك المعالجات الدقيقة. ولم أكن أعلم ما هي. ولم أكن أفهم جيدًا طبيعتها، لذا أخذت ورقة بيانات عنها إلى المنزل لكي أدرسها.
وكان هناك نادٍ قد ظهر. وكان ناديًا من الشباب — كل واحد منهم كان يمكن أن يكون رائد عمل — الذين كانوا يحبون تجميع الأجهزة في منازلهم وتشغيلها. ولكن اتضح أن ليس الكثير منهم مصممين يصممون الأجهزة المبتكرة. ربما كانوا فنيين يوصلون الأجهزة ويحللونها ويستكشفون المدخلات ذات معدلات الجهد غير الصحيحة. أي إنهم كانوا من المهتمين بالإلكترونيات ولكن معظمهم لم يكونوا مصممين.
ثم نظرت إلى كمبيوتر ألتير الذي انطلق منه الأمر بأكمله. فقد كان أول جهاز كمبيوتر دقيق، ولكنه لم يكن كمبيوترًا في الحقيقة. أما أنا فقد كنت أحتاج إلى شيء واحد فقط. عندما كنت في المدرسة الثانوية أخبرت والدي أنه سيكون لديَّ جهاز داتا جنرال نوفا بسعة ذاكرة أربعة كيلوبايت. لماذا ذاكرة بتلك السعة؟ لأن هذا هو الحد الأدنى لسعة الذاكرة حتى يتمكن جهاز الكمبيوتر من تشغيل لغة برمجة. فيجب أن يكون بإمكانك البرمجة بلغة فورتران أو لغة بيسك، أو أي لغة لإنجاز البرامج. أما جهاز ألتير الذي كان يباع بثمن زهيد، فلم يكن إلا معالجًا دقيقًا رائعًا من إنتاج شركة إنتل، يحتوي على بعض الرقائق الإلكترونية للحفاظ على مستويات الطاقة الكهربية داخل النظام. كل ما فعلوه هو أنهم أعلنوا عنه وقالوا إن بالإمكان الآن إضافة جميع الأشياء التي صُمِّم المعالج الدقيق كي تضاف إليه. فيمكن إضافة ذاكرة وصول عشوائي، وبطاقات تستطيع التواصل مع جهاز مبرقة كاتبة، وكابل كبير متصل بهذا الجهاز، ويمكن شراء جهاز مبرقة كاتبة بآلاف الدولارات. وعندما تضيفين ذاكرة وصول عشوائي كافية وكل ما يلزم ليصبح لديك جهاز كمبيوتر يمكنه تشغيل لغة برمجة، يصل الأمر إلى إنفاق آلاف الدولارات، وهو ما كان يفوق إمكانيات الجميع. فكان الرقم سيبلغ نحو خمسة آلاف دولار، ومعذرة كنا جميعًا من الطبقة الدنيا التي تعيش على الكفاف وتحلم باقتناء أجهزة كمبيوتر.
ثانيًا، وقبل خمس سنوات من ذلك الوقت، أي، عام ١٩٧٠، صنعت جهاز كمبيوتر من تصميمي وكان بالضبط مثل ألتير، ولكني لم يكن لديَّ معالج دقيق، لذا فقد كان عليَّ أن أصنعه من الرقائق. لذا فقد صنعت معالجًا صغيرًا، وكان مثبتًا على بطاقة صغيرة، مقاسها تقريبًا ثلاث بوصات في خمس؛ أي كان ضئيلًا للغاية. وكان به محولات وأضواء، ويشبه مقصورة الطيار، بالضبط مثل جهاز ألتير. وكذلك كانت سعة ذاكرته بالضبط مثل ألتير (السعة المبدئية للذاكرة كانت ٢٥٦ بايت). وكان بإمكاني تحريك تلك المحولات، والضغط على بعض الأزرار، وإدخال آحاد وأصفار إلى الذاكرة وتشغيلها في صورة برنامج، وكان بإمكاني التأكد من أنها بالداخل بالفعل وتعمل. أي إنني صممت الجهاز نفسه قبل ذلك بخمس سنوات. وبعد ذلك رأيت جهاز ألتير والمعالجات الدقيقة وعرفت أنها غير كافية. فقد كان ثمة شيء ناقص لتشغيل لغة كمبيوتر بالكامل. ولكني كنت على وشك العثور عليه.
وهكذا بدأت البحث. وكان تفكيري يركز دومًا على ضرورة إتاحة المنتج الذي نبتكره بأسعار في متناول الجميع، ولكني كنت أحتاج إلى أن تكون سعة ذاكرة الوصول العشوائي ٤ كيلوبايت على الأقل. وفي ذلك العام، عام ١٩٧٥، طُرحت أول ذاكرة وصول عشوائي ديناميكية بسعة ٤ كيلوبايت. وكانت هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي تكون فيها ذاكرات الوصول العشوائي أقل ثمنًا من الذاكرات الرئيسية المغناطيسية، التي كانت تُستخدم في جميع أجهزة الكمبيوتر حتى ذلك الوقت. وفجأة تحول العالم بأسره إلى استخدام ذاكرات الوصول العشوائي. وهكذا بدا أن ذاكرات السليكون هي التي ستسود.
وكانت جميع أجهزة الكمبيوتر في العالم — ألتير وسفير وبولي مورفيك وإنسايت — مصممة على يد مهندسين غير أكْفاء، أو ليسوا من الطراز الأول. فقد صممها فنيون يجيدون فحص أوراق البيانات الخاصة بذاكرة وصول عشوائي ما، وكذلك تلك الخاصة بمعالج دقيق معين ليروا إذا كان المعالج الدقيق — وكذلك ذاكرة الوصول العشوائي — به بعض الخطوط التي يطلق عليها «خطوط العنوان» فيثبتون سلكًا من طرف لآخر. إنها مهمة بسيطة للغاية، إذا كانت ذاكرة الوصول العشوائي التي تستخدمها ساكنة.
وكانت ذاكرات الوصول العشوائي الديناميكية ستصبح بنصف أو ربع الثمن. وكان استخدامها يعني أنه بدلًا من استخدام ٣٢ رقاقة كي يكون لديك ذاكرة كمبيوتر كافية لتشغيل لغة من لغات البرمجة، كل ما ستحتاجين إليه هو ٨ رقائق فقط. ولكن ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية تحتاج مجموعة من الدوائر الإلكترونية للوصول إلى كل عنوان في ذاكرة الوصول العشوائي، كل واحد على ألفين من الثانية، وقراءة ما به ثم كتابته مرة أخرى، أو إلا فستفقده. وذاكرات الوصول العشوائي الديناميكية (وهي المستخدمة حاليًّا) ستفقد كل بت في واحد على ألفين من الثانية، إلا إذا كان هناك شيء يقرؤه ويعيد كتابته بالطريقة التي كان عليها ليحفظ حالته. فالأمر أشبه بإلكترونات صغيرة محفوظة على صفيحة معدنية وتتسرب كل واحد على ألفين من الثانية.
وقد تطلب هذا تركيب بعض الدوائر الإلكترونية الإضافية ومزيدًا من التفكير مني، ولكن عندما جمَعت جهاز الكمبيوتر، حمدًا للرب، كان لديَّ بالفعل العدادات التي تعد التسلسلات المنتظمة لشاشة التليفزيون، أي للجهاز الطرفي الخاص بي، فقررت أن أستخدم هذه العدادات كي أوفر عمليات العد للتدخل من حين لآخر، وتحديث جزء من ذاكرة الوصول العشوائي. وهكذا بانتظام كان المعالج الدقيق يدخل إلى ذاكرة الوصول العشوائي وتصل عناوين الفيديو إليها كذلك — وذلك ليس لقراءة الفيديو في الواقع (ففي ذلك الوقت لم يكن الفيديو في ذاكرة الوصول العشوائي لأني كنت أستخدم الجهاز الطرفي نفسه الذي صممته من قبل وكانت به ذاكرته الخاصة للشاشة)، ولكن كان النظام يدخل ويختبر الأشياء بالتسلسل الصحيح ليتأكد من أن ذاكرة الوصول العشوائي تعمل. وقد تطلب الأمر مزيدًا من الجهد في التصميم، ولكن في النهاية استخدمت عددًا أقل بكثير من الرقائق. وليس ذلك فحسب، بل كان الجهاز أصغر في الحجم أيضًا. وكان الجهاز أكثر إثارة للإعجاب لكل من رآه. وكان أرخص ثمنًا وأسرع. ويمكن الحصول على جميع هذه المميزات معًا إذا استخدمت الأساليب الصحيحة.
في نهاية ستينيات القرن العشرين، ظهرت مجموعة هائلة من أجهزة الكمبيوتر الصغيرة، وكان جميعها يستخدم الرقائق الإلكترونية نفسها: ٧٤٠٠ رقاقة على كل منها أربع بوابات — أو يكون على كل رقاقة مجمِّع أو مجمع رباعي أو مُنتخب. وكانت كلها تستخدم الرقائق الإلكترونية نفسها في جميع أجهزة الكمبيوتر، ولكن ما فعلوه كان القول: «لننتج جهاز كمبيوتر. ومثل ما سبقه من أجهزة، ستكون به تعليمة يمكنها إضافة ١ إلى مجمِّع، ويمكنه أن يضم الكثير من المسجلات، ويمكنه نقل بيانات من مسجل إلى الذاكرة، ويمكنه الجمع، ويمكنه القيام بعمليات exclusive-or مع هذه المسجلات، أو بين المسجلات والذاكرة.» ووضعوا مجموعة من التعليمات التي ستجعل هذا الكمبيوتر يمكن استخدامه. وستتحول مجموعة التعليمات تلك إلى نظام تشغيل، وإلى لغات برمجة، إذا ما صممنا تعليمات كافية في الجهاز.
ثم طرحت شركة داتا جنرال جهاز كمبيوتر نوفا الصغير، وبدلًا من استخدام ٥٠ تعليمة لتنفيذ الأنواع المختلفة من العمليات الرياضية، كانت لديهم تعليمة واحدة؛ تعليمة واحدة فقط تتكون من ١٦ بت: ٦ آحاد وأصفار. بتات معينة من هذه كانت تحدد للجهاز أيًّا من المسجلات الأربعة ينبغي وضعها على أحد جانبي الوحدة الحسابية. وحددت أخرى أيًّا من المسجلات الأخرى ينبغي استخدامها. وحددت ثالثة إما تغيير أو إدارة النتيجة بعد الانتهاء، إلى اليمين أو إلى اليسار، وهو ما يساوي ضربها في ٢ أو قسمتها على ٢. وهناك بتات حددت ما إذا كان يجب أن تكون هناك قيمة تُنقل إلى الرقم المجاور (تمامًا كما تعلمنا في عمليات الجمع في المدرسة الابتدائية؛ إذ تعمل الدوائر في الكمبيوتر بالطريقة نفسها). وعندما تنتهين، ستجدين أن الستة عشر بتًّا أصبح لها معانٍ محددة. وقد فحصتها عندما شرعت في تصميم جهاز نوفا، وقد تبين أن بتين قد اختارا أحد المسجلات الأربعة، لذا فقد شغلتهما على رقاقة منتخب رباعية الاتجاه، فنجح الأمر. فكان الأمر كما لو أنهما يناسبان الرقاقة. ولم أضطر إلى تصميم منطق يحدد الأوامر، ويحدد وضع بوابة هنا ووضع إشارة هناك. فلم أكن مضطرًّا لذلك. فقد كانت تتدفق منطقيًّا. فقد تدفقت ٣ بتات إلى رقاقة منطق لتخبرها إما أن تجمع أو تقوم بعمليات or أو exclusive-or. في حين دخل بت آخر ليكون الرقم الذي يُنقل إلى الرقم المجاور له في عملية الجمع. وعندما انتهيت، كان تصميم جهاز نوفا يحتوي على نصف عدد الرقائق الإلكترونية التي تحتوي عليها كل أجهزة الكمبيوتر الصغيرة الأخرى التي تنتجها شركات فاريان أو ديجيتال إيكوبمنت كورب أو هيوليت-باكارد، وجميع أجهزة الكمبيوتر الصغيرة التي كانت تصمم في ذلك الوقت (والتي كنت أصممها جميعًا). ورأيت أن جهاز نوفا يحتوي على نصف عدد الرقائق الإلكترونية ولكنه لا يقل كفاءة عن أي منها. ما الاختلاف إذن؟ الاختلاف كان في أن المعمارية كانت حقًّا مناسبة تمامًا بأقل عدد ممكن من الرقائق.
طوال حياتي وأنا أحاول أن أجعل كل شيء يعمل بأقصى كفاءة له. فالمسألة كلها لا تتوقف على توفير الأجزاء، ولكن في كل مرة توفرين فيها الأجزاء تقللين من نسبة التعقيد والوقت الذي يستغرقه الجهاز لفهم شيء وتزيدين من إمكانية الاعتماد عليه. ويتحسن مستوى إتقان صنعه بدون أخطاء أو مشكلات أو عيوب.
وكان السبب في هذا يعود لعدم توافر النقود لديَّ. فلم أستطع قط تصنيع كمبيوتر. فقد كانت الرقائق الإلكترونية آنذاك … مثلما أخبرتك من قبل، كان شراء جهاز كمبيوتر يساوي مقدم شراء منزل كبير. ولهذا، لما كنت لم أستطع قط تصنيع كمبيوتر، كان كل ما بوسعي القيام به هو تصميمه على الورق ومحاولة تحسينه مرةً بعد مرة. لقد كنت أنافس نفسي. وبهذه الطريقة تمكنت من صقل مهارتي. ولعدم استطاعتي تصنيع أي شيء قط، فإنني كنت أنافس نفسي في ابتكار أفكار لا تخطر على بال أحد.
كنت أعرف أن لديَّ الكثير من الأساليب في التعامل مع أجهزة الكمبيوتر من المفترض ألا يستخدمها أحد على الإطلاق. ولا يمكن تدريسها حتى في البرامج التعليمية الجامعية. كنت أصيغ الكثير منها في ذهني. فقد علمت نفسي كل شيء. بل حتى إننا لم تكن لدينا أجهزة كمبيوتر في المدرسة الثانوية. ورغم ذلك، فإنني كنت أصممها. وقد عثرت بالصدفة على بعض الدوريات، ثم اكتشفت طريقة للحصول على كتيبات أجهزة الكمبيوتر. لقد كانت تلك الكتيبات تقدم وصفًا لأجهزة الكمبيوتر، وكان والدي يحضر لي كتيبات الرقائق الإلكترونية. وهكذا توصلت إلى كيفية استخدام الرقائق الإلكترونية وصنع أجهزة كمبيوتر.
وكانت المهارة التي أتمتع بها تتلخص في أنني إذا عرفت الهدف النهائي الذي أسعى إليه كنت أعرف كيفية تجميع الرقائق الإلكترونية بكفاءة شديدة لتحقيق هذا الهدف، وقد كان ذلك الهدف في تلك الأيام هو جهاز كمبيوتر، وبعد ذلك ظهرت أهداف أخرى مثل الأقراص المرنة التي يمكنها قراءة البيانات وكتابتها. وذلك حتى لو لم أكن قد صممت أي شيء من قبلُ. فلم تكن مهارتي تقتصر على معرفة طريقة تصميم قرص مرن، أو واجهة طابعة، أو واجهة مودم، بل كانت مهارتي تكمن في أنني كنت أضع تصميمي الخاص الجديد دون أن أعرف طريقة الآخرين في تصميمه، وذلك عندما يحين الوقت ويتحتم عليَّ أن أقوم بهذا. وكان هذا سببًا آخر لبراعتي. وفي الحقيقة جميع الإنجازات الرائعة التي قمت بها في أبل تنبع من سببين هما: عدم امتلاك النقود، وعدم القيام بالأشياء من قبل. فكل ابتكار رائع توصلنا إليه، لم أنفذه قط في حياتي من قبل.
لذا فعندما صنعت جهاز الكمبيوتر الخاص بي، وهو أبل ١، أخذت الجهاز الطرفي الذي كان لديَّ بالفعل. وكان صورة مختصرة لجهاز كمبيوتر، فهو لم يُصمَّم ليكون جهاز كمبيوتر كفء من الألف إلى الياء، فهذه كانت سمة أبل ٢. أما ذلك الأول فلم يكن سوى أني أخذت الجهاز الطرفي الذي كان لديَّ بالفعل والذي كان يعمل على جهاز التليفزيون وله لوحة مفاتيح. ثم فكرت أن جميع أجهزة الكمبيوتر التي تُطرَح بها محولات وأضواء وتشبه مقصورة الطيار وتشبه الجهاز الذي صممته قبل خمس سنوات — الذي كنا نطلق عليه كمبيوتر كريم صودا. وقلت: «أرى أن تلك الأجهزة بطيئة وغير بارعة للغاية. كان من الرائع أن يكون لدى المرء جهاز كمبيوتر ولكنه لم يكن يعمل كما أريد. فكنت أريد أن أكتب برنامج بلغة البيسك، وأريد أن أصمم لعبة وألعبها، وأريد أن أكتب برنامجًا يقوم بعمليات محاكاة لعملي في هيوليت-باكارد.» (وكنت أستخدم الكمبيوتر الكبير في الشركة. وكان لديهم كمبيوتر صغير، ولكن كان يستخدمه أربعون مهندسًا، ومن ثَم كان على المرء التسجيل لاستخدامه في وقت محدد.)
كنت أعلم أنني أحتاج إلى جهاز كمبيوتر جيد وأن هذا يتطلب وجود معالج دقيق (فور أن اكتشفت أن المعالج الدقيق يشبه أجهزة الكمبيوتر الصغيرة التي كنت أصممها)، وكانت ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية هي الاختيار المناسب لتوفير النقود والقطع، وكنت بالفعل أمتلك الجهاز الطرفي. ثم تفحصت الموقف وقلت: «إنني أحتاج إلى لغة. فقد أصبح لديَّ جهاز كمبيوتر سعة ذاكرته ٤ كيلوبايت. ويمكنه تشغيل لغة، ولكن لا توجد لغة لهذا المعالج الدقيق بعد.» لذا فقد شعرت بشيء من خيبة الأمل لأني أردت الحصول على لغة كمبيوتر، ولكني كنت سعيدًا ومتحمسًا لأني سأكون الشخص الذي يكتب أول لغة لهذا المعالج. وكنت سأحظى ببعض الشهرة بسبب هذا، فنظرًا لأني شخص شديد الخجل بطبيعتي، فإن الطريقة الوحيدة التي تضمن لفت انتباه الآخرين هي أن أصمم ابتكارات رائعة.
وهكذا عكفت على كتابة لغة كمبيوتر، علمًا بأنني لم أفعل هذا قط في حياتي. ولم أحضر دورات تدريبية عن ذلك أيضًا. ففتحت كتيب هيوليت-باكارد في العمل ورأيت لغة البيسك. وقرأت جميع الأوامر المختلفة في لغة البيسك، وبدأت أضع جدولًا لبناء الجمل يوضح قواعد تلك اللغة وتشمل نوعية الكلمات والأوامر المستخدمة المسموح بها وفي أي ترتيب، وطريقة إدخال أسماء المتغيرات وطريقة إدخال الأعداد، والأحجام والتنسيقات المسموح بها. ثم توصلت إلى فكرة لا أدري من أين أتت، مجرد فكرة غريبة للغاية وهي أنه عندما يكتب المستخدم جملته ويدخلها، سأمسح جملته رمزًا رمزًا من اليسار إلى اليمين، وأرى مكانها المناسب في جدول بناء الجمل. وكتبت جدول بناء الجمل بالكامل في الذاكرة. وقررت أن أتابع الأمر في الذاكرة، وإذا كان ما يكتبه يناسب الجدول، فكلما ضغط على زر العودة، عرفت عندئذٍ جميع العناصر التي كتبها. وأعددت قائمة من الرموز الصغيرة التي تمثل ما كتب، إذا كان يطابق الجدول. كانت هذه مجرد فكرة جالت بخاطري دون أن أعلم كيف نفذها الآخرون. وحتى هذه اللحظة لا أعلم كيف تُكتب المترجمات.
كنت أعلم أيضًا أن هناك أعدادًا ومتغيرات، وأن هناك عمليات مثل الجمع والطرح والضرب والقسمة. (كان مستواي متدنيًا للغاية في هذا الشأن.) فالأعداد هي أسماء وعملية الجمع تعتبر من الأفعال. حتى عند إعطاء أمر بالطباعة، تصبح عملية الطباعة من الأفعال. لذا أصبح لديَّ قوائم من الأفعال، ومجموعات كبيرة من الأسماء ومن الأفعال، واكتشفت طرقًا لزيادتها وجعل أولوياتها أن نستطيع تحويلها إلى تدوين بولندي عكسي.
كنت على دراية كبيرة بالتدوين البولندي العكسي من الكتب التي قرأتها في الجامعة (أو تلك التي كان صديقي يرسلها في شكل صفحات مصورة)، وأيضًا كانت الآلات الحاسبة التي تنتجها شركة هيوليت-باكارد تستخدم التدوين البولندي العكسي، وكنا نرى أننا متقدمون للغاية لأننا نستخدم الأساليب التي يستخدمها دارسو علوم الكمبيوتر. فعلى سبيل المثال معادلة مثل ٥ + ٤ تتغير إلى «٥ (ثم تضغط زر الإدخال) ٤ +»، أي إنك تقومين بعملية الجمع في النهاية. ولكن كيف يمكن التحول من طريقة لأخرى؟ لم يكن هذا الجزء صعبًا جدًّا عليَّ. فلديَّ بعض المعلومات عنه.
صممت لغة البيسك من البداية ونجحت، وكان ذلك أصعب مشروع عملت به. ففي المعتاد تكتب برنامج كمبيوتر على جهاز الكمبيوتر؛ فهذه هي الطريقة الوحيدة لذلك. فإما أن تكتبه على الكمبيوتر مباشرة وإما أن تدخله إليه عن طريق بطاقات. ولكنني كتبت البرنامج بيدي على الجانب الأيسر من الصفحات في برنامجي، فيما يطلق عليه لغة الآلة. وهي تعتبر أقرب ما يكون للآحاد والأصفار. ثم أخذت بطاقة صغيرة وترجمت البرنامج إلى آحاد وأصفار على الجانب الآخر. فإذا كانت الجملة التي أود كتابتها هي Jump ahead فعليَّ أن أعد، فإذا كنت أعني التقدم ١٩ بايت، فسيكون عليَّ أن أكتب ١٩ بالأصفار والآحاد. وكنت أكتبها بنفسي لأنني لم أستطع الحصول على برنامج كمبيوتر يقوم بعملية التجميع هذه. لقد كنت أنفذ بنفسي أقل المهام التي يمكن أن يقوم بها أحد. أما الكمبيوتر، فإنني لم أصممه على الورق فحسب (كنت أنا المصمم وكنت أضع التخطيط على لوحة الرسم)، بل كنت أيضًا أوصل جميع القطع وأحاول التوصل إلى كيفية توصيلها ببعض اللوحات، وكنت ألحم الأسلاك بين كل لوحة.
وفي إطار أسلوبي الذي يعتمد على استخدام أقل الإمكانيات، كنت أحرص على أن تكون الأسلاك قصيرة ورفيعة ومستقيمة بقدر الإمكان، بدلًا من تلك الغابة من الأسلاك المتشابكة. وهكذا قمت أنا بكل هذا وكنت أيضًا أقوم بدور الفني. فكنت أختبر الأشياء وأتأكد من مستويات الجهد الكهربي أولًا وأطبقها بحرص، وأبحث عن الإشارات وأحلل المشكلات وأعالج الأخطاء وأعيد لحم المكونات وأبتكر أفكارًا جديدة وأضيف بعض الرقائق. فقد كنت أقوم بدور الفني والمسئول عن كل شيء في جميع مشروعات أبل التي نفذتها.
ثم وصلت إلى مرحلة بناء المكونات المادية. فتفحصت جميع أجهزة الكمبيوتر الأخرى من حولي فوجدت أنها تشبه جهاز الكمبيوتر التقليدي القديم: محولات وأضواء وفتحات لإدخال اللوحات وتوصيلها بجهاز المبرقة الكاتبة. فرأيت أنني بحاجة إلى الجهاز بأكمله لأن تكلفته أصبحت في المتناول في ذلك الوقت. فكان لديَّ الجهاز الطرفي الذي يحتوي على لوحة مفاتيح للكتابة عليها بالفعل. فكانت كما لو أن الآلات الحاسبة التي تنتجها شركة هيوليت-باكارد لها أزرار بشرية، أي إننا يمكننا فهم ما تقوم به. ولم تكن تعمل بنظام الآحاد والأصفار. ووجدت أن المشكلة هي ضرورة إدخال البرامج إلى الذاكرة. لقد بدأت بمعالج دقيق لم يكن له حتى لغة برمجة، ومن ثَم كنت مضطرًّا إلى إدخال بعض الأصفار والآحاد إلى الذاكرة. ثم خطر لي أن أكتب برنامجًا بسيطًا صغيرًا، برنامجًا لا تتعدى مساحته ٢٥٦ بايت يحتاج إلى رقاقتين لتخزينه. ويقرأ ما تكتبه على لوحة المفاتيح ويقوم بما يمكن أن تقوم به اللوحة الأمامية، لكنه يقوم بهذا أسرع بمائة مرة. ويمكنه أيضًا عرض ما في الذاكرة على شاشة التليفزيون. وبإمكانه أن يتيح لك إدخال معلومات إلى الذاكرة، ويمكنه تشغيل برنامج على عنوان معين. وهذا أتاح لي فرصة المضي قدمًا في مشروعي وأبدأ كتابة الآحاد والأصفار. وأثناء قيامي بصياغة لغة البيسك، كنت أكتب الآحاد والأصفار بيدي، حتى إنني كنت أستغرق في الكتابة أربعين دقيقة كي أدخل البرنامج بالكامل إلى الذاكرة. ولم أكن أكتب آحادًا وأصفارًا، بل نظام العد السداسي عشر في الواقع، وأدخل البرنامج إلى الذاكرة وأختبر أجزاءً منه في كل مرة، وأرى ماذا يحدث. ومن ثَم فلم يكن ذلك على الإطلاق مشروعًا عاديًّا تمتلك فيه الأدوات. فلم يكن لديَّ أي أدوات، وكان توجهي في الحياة هو الاعتماد على ما لديَّ من معرفة. فأنا ألم بما يحدث بطريقة أفضل إذا لم أكن أستخدم أدوات.
وهكذا كانت الفكرة تقوم على أن نؤسس هذه الشركة ونصنع لوحات دوائر مطبوعة بتكلفة تصل إلى ٢٠ دولارًا ونبيعها مقابل ٤٠ دولارًا. ولم أكن أعرف مكانًا نبيع اللوحات فيه سوى النادي، وتساءلت في نفسي، وكان جَمْع من أعضاء النادي حولي، عن إمكانية أن يشتري ٥٠ شخصًا من النادي هذا الكمبيوتر بدلًا من كمبيوتر إنتل. ولكنني استبعدت ذلك، ولكن ستيف قال: «حتى إذا لم نستعد نقودنا، على الأقل ستكون لدينا شركة.» لذا كان الأمر أشبه بتأسيس صديقين مقربين لشركة.
وما أتذكره هو أن ستيف خرج أمام منزله مباشرة. ووقفنا على الرصيف في الشارع المسدود وأخذنا نتحدث. وبدأنا بمقارنة الحيل التي قمنا بها، والحديث عن الأنواع المختلفة للإلكترونيات والرقائق. وقد مر كلٌّ منا بالكثير من التجارب المشابهة، لذا فقد كان لدينا الكثير لنتحدث بشأنه. ثم أصبحنا صديقين مقربين لفترة كبيرة. ولم يكن هناك الكثير من الشباب في مثل عمرنا يعرفون الكثير عن التكنولوجيا. والغريب أنني وستيف لم نكن نتشابه في الطباع، ولكنني من النوع الذي ينسجم مع أي شخص يريد التحدث عن التكنولوجيا. ثم إننا نحن الاثنين كنا نتفق في الذوق الموسيقي أيضًا. وقد كانت تلك الفترة تسيطر عليها تأثيرات موسيقية قوية للغاية، وكانت الكثير من الأغاني تتحدث عن الحياة وإلى أين مآلنا ومن أين أتينا، وما حقيقة الأمور من حولنا، وما يجدي وما لا يجدي. وكانت أغاني بوب ديلان هي التي تأسر انتباهنا أكثر من الموسيقى الشعبية العادية. لذا كنا نذهب إلى الحفلات الموسيقية. وكنت أسافر إلى بيركلي، ولكني كنت أعود إلى مدينتي في إجازة نهاية الأسبوع. وفي كل مرة أعود فيها كنا نلتقي ونذهب معًا لتناول البيتزا أو غير ذلك.
فذهبت إلى الإدارة، وكان هناك ثلاثة مستويات من الرؤساء أعمل تحت إشرافهم وتقع مكاتبهم في غرفة واحدة ومعهم مهندسان آخران، وطرحت عليهم الفكرة وأخبرتهم بما يمكننا فعله وبأي تكلفة وكيف سينجح الأمر. وقد أسرت الفكرة انتباههم، ولكنهم لم يجدوا مبررًا كي ندرج هذا المنتج على قائمة منتجات هيوليت-باكارد لعدة أسباب مقنعة. فهيوليت-باكارد لم تكن تنفذ مشروعات صغيرة، وهو ما كان لافتًا للانتباه حقًّا. فكانت تهتم بإنتاج أجهزة كمبيوتر مصنعة خاصة للعلماء بأسعار مرتفعة، ومن غير المفترض أن تشعل فتيل حركة الاتجاه الشعبي لاستخدام أجهزة الكمبيوتر. وأبدوا قلقهم من استخدام أجهزة تليفزيون لا تنتجها شركة هيوليت-باكارد. وتساءلوا: كيف سنعرف أين الحل عندما نواجه مشكلة؟ ولكني كنت واثقًا أن الفكرة قد أعجبتهم. ولا سيما الجزء المتعلق ببيع لوحات الدوائر المطبوعة بأربعين دولارًا للوحة الواحدة.
وعندما اتصل بي ستيف في أحد الأيام في العمل ليخبرني أن لديه طلبية قدرها ٥٠ ألف دولار — أي ١٠٠ لوحة كمبيوتر مصنعة كل منها مقابل ٥٠٠ دولار — كان ذلك مبلغًا كبيرًا. فقد كان ضعف المرتب السنوي الذي كنت أتقاضاه في هيوليت-باكارد. فذهبت إلى القسم القانوني بشركة هيوليت-باكارد وأوضحت لهم ما كنا نفعله وطلبت منهم معرفة مدى اهتمام كل قسم بمشروعنا — ولكن في ذلك الوقت كان قسم الآلات الحاسبة هو أقل الأقسام في هيوليت-باكارد. ولم يكن لدى الأقسام الأخرى رغبة في التعامل مع أي شيء رخيص. وقد كان الكمبيوتر رخيصًا للغاية حتى لقسمنا، لذا بالطبع لم تشأ الأقسام الأخرى التعامل معه. ومن ثَم حصلت على رد كتابي منهم يفيد بأن الأمر لا يهم أي قسم.
وبدا الأمر وكأننا بدأنا نصبح من كبريات الشركات. فقد بدأنا نبيع بعض أجهزة الكمبيوتر. بالطبع لم نبع سوى ١٥٠ جهازًا (أو ربما أقل) من أبل ١، ولكنه كان جهاز كمبيوتر حقيقي، وظهر اسمانا في جميع المجلات ومعها مخططات ومقارنات. وبدأ هذا المجال يظهر للوجود، وانتشرت المقالات عنه. ولم يفُتْ أيًّا من تلك المقالات ذكرُ اسم شركة أبل.
وقررنا أن يكون الاسم هو «أبل كمبيوتر». في تلك الأيام لم يكن العمل في مجال أجهزة الكمبيوتر الدقيقة مربحًا، وكان من رأي الشركات الكبرى والمستثمرين والمحللين ذوي الخبرة — أي المتخصصين في مجال الأعمال وأبرع منا فيه — أن هذا المجال لن يصبح سوقًا حقيقية ضخمة. فقد رأوا أنه سيظل مجالًا صغيرًا للهواية مثل الروبوتات المنزلية أو أجهزة راديو الهواة، وأن قلة فقط من المهتمين بالتكنولوجيا هم الذين سيهتمون به وأنه لن يصل إلى الجمهور.
وفي نادي هومبرو للكمبيوتر، شعرنا أنه سيؤثر في كل منزل في البلاد. ولكن لم تكن الأسباب وراء هذا الشعور صحيحة. فقد كنا نظن أن الجميع على معرفة كافية بالتكنولوجيا تتيح لهم استخدام الكمبيوتر وكتابة برامجهم الخاصة وحل مشكلاتهم بهذه الطريقة. حتى عندما أنشأنا شركة أبل، كانت لدينا أفكار خاطئة عن القطاع الذي سيشهد نموًّا في السوق. إذ لم نتنبأ بظهور برنامج الجداول الإلكترونية فيزي كالك.
كنت أعمل هناك لبعض الوقت لأكتسب المعرفة عن جهاز ٣٠٠٠، وعندما ظهر جهاز أبل ٢ كنا نعلم أنه رائع؛ فهو الجهاز الذي حقق سبقًا من جميع الجوانب. ومن المثير للدهشة أن جهاز أبل ١ كان على الأرجح أكثر أهمية، لأنه أشار إلى أن كمبيوتر المستقبل سيحتوي على لوحة مفاتيح وشاشة فيديو وسيبدو مثل الآلة الكاتبة. وأنه سيكون بهذا الحجم تقريبًا. ومن الغريب أيضًا أن كل جهاز كمبيوتر ظهر منذ أبل ١، بما في ذلك كمبيوتر سول الذي يعتمد على تكنولوجيا تعدد الأشكال الذي ظهر بعد ذلك (وخرج من النادي أيضًا)، كان مزودًا بلوحة مفاتيح وشاشة فيديو. ولم يسبقه في ذلك أي كمبيوتر. فلم يكن أي كمبيوتر صغير قد ظهر وبه لوحة مفاتيح بعد. فكان أبل ١ هو الأول وأبل ٢ هو الثالث. ومنذ ذلك الحين أصبح كل جهاز كمبيوتر مزودًا بلوحة مفاتيح وشاشة فيديو. ولم يعد العالم بعد ذلك إلى ما كان عليه قبل هذه المرحلة. وأصبح أبل ٢ في ذلك الوقت هو أعظم تصميم. فقد صممته بكفاءة شديدة بقطع قليلة للغاية، فكان تصميمه مذهلًا. وأضفنا إليه الألوان. ولكن كيف يمكن أن يكون ملونًا مع تخفيض عدد الرقائق الإلكترونية إلى النصف؟ نعم، كان عدد الرقائق الإلكترونية به نصف ما كان في أبل ١. وكان يعرض الصورة ملونة، وكانت تلك فكرة بارعة خطرت لي فجأة في وقت متأخر من إحدى الليالي في شركة أتاري.
عندما يكون المرء مرهقًا ومنهك القوى يبدأ ذهنه يدخل في مرحلة إبداع حقيقية ويفكر في أشياء كان سيستبعدها في حالته العادية، وكنت أنا في تلك الليلة في هذه الحالة، فقد ظللت ساهرًا لأربع ليال متواصلة أعاني أنا وستيف من مرض الحمى الغدية. فخطرت لي فكرة العمل على قطعة صغيرة من رقاقة (سعرها أقل من دولار) التي يمكنها معالجة ٤ بتات. فكرت أنني إذا تمكنت من تعديلها بالشكل المناسب، فستبدو البيانات التي تخرج منها مثل التليفزيون الملون. وتمكنت من وضع ١٦ نمطًا مختلفًا بدت جميعها بعض الشيء ألوانًا مختلفة. فهل يمكن لإشارة رقمية ترتفع وتنخفض أن تتحول إلى لون على تليفزيون مع الوضع في الاعتبار الموجات الجيبية وحسابات التفاضل والتكامل المعقدة المتضمنة في تطوير أجهزة التليفزيون الملون في عالم التليفزيونات؟ هل ستنجح؟
وعندما تمكنت أخيرًا من تركيب هذه الدائرة الصغيرة وأدخلت بعض البيانات التي يجب أن تظهر في صورة ألوان إلى الذاكرة، وقد عرضت ألوانًا بالفعل، كانت تلك اللحظة واحدة من لحظات الاكتشاف التي يجد المرء فيها أنه يرتجف من فرط التأثر. فلم أصدق عينيَّ. ها قد حصلنا على ما نريد باثنتين من الرقائق فقط. فقد حصلت على الألوان ثم على الرسوم ثم على دقة عالية، ثم حصلت على أذرع ألعاب وصوت لإدخال الألعاب على الجهاز. وكانت به ذاكرة ديناميكية؛ أحدث نوع مناسب من الذاكرات الديناميكية التي يمكن زيادتها إلى ما لا نهاية. وكان مزودًا بجميع أنواع الفتحات، وبه نظام تشغيل صغير يعمل على أكمل وجه. وكان جهاز أبل ٢ أحد التصميمات الاستثنائية. فبإمكان أي شخص أن يصمم أشياء ليضيفها إليه، وأي شخص يمكنه كتابة برامج سواء بسيطة أو معقدة، ويمكنه كتابتها بلغة الآلة، ويمكنه كتابتها بلغة البيسك التي صممتها. أي إنه لم يكن هناك ما يمكن أن يقف في طريق ذلك الجهاز.
وكنا واثقين أننا سنبيع ألف جهاز في الشهر، ولكن لم يكن باستطاعتنا تحمل تكلفة تصنيع هذا العدد. لذا سعينا للحصول على النقود، ومن أول الأماكن التي لجأنا إليها شركة كومودور. ولجأنا بالتحديد إلى الشخص الذي كان مدير تسويق المعالج الدقيق ٦٥٠٢ الذي اخترته. وكنت قد اشتريت بعض وحدات منه من معرض في سان فرانسيسكو نقدًا مقابل ٢٠ دولارًا للواحد. وقد سلمنا هو وزوجته المعالجات على الفور. وهكذا اشترينا أول المعالجات الدقيقة التي ستصبح أساس جهاز كمبيوتر أبل ١ وأبل ٢ من هذا الرجل الذي يدعى تشاك بيدل. وكان في ذلك الوقت ينتقل إلى شركة كومودور لصنع جهاز كمبيوتر. فقررنا أن نريه جهاز أبل ٢.
لذا أحضرناه إلى المرأب. وقد كنت أحترم ذلك الرجل حقًّا فهو من صمم المعالج الدقيق الذي اخترته. وجاء إلى المرأب ونظر إلى جهاز أبل ٢ ووضحت له جميع خصائصه من حيث عرض أنماط سريعة على الشاشة وإمكانية التمرير في النصوص ولعب الألعاب وجميع الأشياء التي نفذتها عليه. فنظر إلى الجهاز ولم يقل الكثير. وقد توقعت أن نثير إعجابه أكثر من هذا. وبعد ذلك سمعنا أن كومودور رفضت تصنيع الجهاز.
وذهبنا في أحد الأيام للحديث إلى رئيس القسم الهندسي في شركة كومودور وهو أندريه سوسان، وأخبرنا أندريه أن رئيسه الذي يدير شركة كومودور وهو جاك تراميل قد استدعى تشاك بيدل الذي أقنعه بأنه ليست ثمة ضرورة لإضافة هذه الأشياء الغريبة مثل الألوان بالجهاز. ولكن الحقيقة هي أنه لم يكن يجيد ذلك. لم يكن أحد يجيد طريقة إضافة الألوان بتكلفة زهيدة. كانت هناك لوحات متاحة لأجهزة الكمبيوتر الصغيرة. وكان لدى شركة كروميمكو نظام ألوان. فكان الناس يشترون لوحتين لجهاز ألتير، وكان عدد الرقائق الإلكترونية في اللوحتين يفوق عدد الرقائق الإلكترونية في جهاز أبل ٢. لذا، فهذا ما كان يعني إضافة الألوان للناس. وقد قال تشاك بيدل: «يجب أن تكون التكلفة زهيدة. ومن ثَم يجب أن تكون الألوان أبيض وأسود فقط، وينبغي استخدام أرخص لوحة مفاتيح وأصغر شاشة، فكل ما يهم هو خفض التكلفة بأقصى قدر ممكن.» لقد أرادوا أن يجعلوه رخيصًا كي يكون متاحًا للجميع. ومن الغريب أن جهاز أبل ٢ كان يتكون من عدد قليل للغاية من القطع، وكانت تكلفة تصنيعه أقل، ومع ذلك فقد ظل جهاز كمبيوتر فعَّالًا. ولم نضم في مكوناته جهاز تليفزيون، إذ إننا افترضنا أن الجميع لديهم أجهزة تليفزيون.
ثم تحدثنا إلى بعض أصحاب شركات رءوس الأموال المخاطرة. فجاء دون فالنتاين إلى المرأب وتفحص الجهاز ولم يبدُ عليه أنه أُعجب به بشدة. وكان يطرح أسئلة مثل: «ما الكمية المتوقع بيعها؟» فأجبته مليون قطعة. فسألني «من أدراك؟» فأجبته أن هناك مليون جهاز راديو هواة، وأجهزة الكمبيوتر تحظى بإقبال أكبر من تلك الأجهزة. ولا يمكن لأحد في العالم إنكار ذلك. ولكن لم يكن ذلك هو التحليل الذي يريد سماعه. ولم يكن آنذاك هناك محللون يتوقعون أن هذا المجال سيحظى بسوق ضخمة.
وهكذا لم يبدِ دون اهتمامًا بالأمر، ولكنه أعطانا اسم مايك ماركولا الذي كان مهتمًّا بالتكنولوجيا، ويبحث عن مشاريع ينفذها. لذا فقد ذهب ستيف وتحدث إليه، وأُعجب مايك بعملنا، وكان يؤمن بقرب ظهور سوق ضخمة لأجهزة الكمبيوتر الصغيرة التي يمكن استخدامها في المنازل. أي، أجهزة الكمبيوتر المنزلية. لم يكن حتى مصطلح «كمبيوتر شخصي» قد استُخدم بعد، فقد ظهر بعد ذلك بقليل. فقد كنا نحاول التوصل إلى طريقة لترويج هذا النوع من أجهزة الكمبيوتر، وتوضيح ما من شأنه أن يجعلها مميزة. في الماضي كان أكثر من شخص يستخدمون جهاز كمبيوتر واحد في الوقت نفسه. وكانت هذه هي المرة الأولى التي سيكون فيها للمستخدم جهاز كمبيوتر خاص به. ومن ثَم فإنه كمبيوتر شخصي. قد يبدو المصطلح سلبيًّا بصورة ما، ولكننا نحاول أن نجعله إيجابيًّا.
لذا قال مايك إنه سيوفر لنا النقود التي نحتاج إليها لصنع ألف جهاز كمبيوتر، أي، ٢٥٠ ألف دولار. وقد بدا ذلك المبلغ مذهلًا. فقد كان مبلغ ٢٥٠ ألف دولار آنذاك يساوي اليوم بضعة ملايين دولار تقريبًا.
وكانت أجهزة الكمبيوتر تُصنع في مكان ما في سانتا كلارا. فكانوا يصنعون لوحات الدوائر المطبوعة، ويركبون القطع، ويلحمونها لحامًا موجيًّا. وكان ستيف يذهب إلى هناك لإحضارها ويعود بها إلى المرأب. كنا بالفعل نستخدم المرأب الملحق بمنزله، فكان لدينا طاولة مختبر هناك، وكنا نوصل اللوحات بأجهزة أبل ١ ونختبرها بلوحة مفاتيح. وإذا كانت تعمل، كنا نضعها في صندوق. أما إذا لم تعمل، كنا نصلحها قبل أن نضعها في الصندوق. ثم كان ستيف يوصل الصناديق إلى متجر بايت شوب في ماونتن فيو أو إلى أي مكان ويتلقى المقابل نقدًا. وكنا نحصل على القطع بنظام الدفع الآجل ونحصل على نقودنا نقدًا. وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة لإنتاج أجهزة أبل ١.
وكان مايك سيوفر لنا النقود، وفي أحد الأيام قال لي: «عليك أن تترك هيوليت-باكارد.» فسألته: «لماذا؟ فقد صممت جهازي كمبيوتر وواجهات شرائط كاسيت وواجهات طابعة ومنافذ تسلسلية، وكتبت لغة بيسك وجميع البرامج التطبيقية وكتبت برامج تجريبية، وأنا أجمع بين العملين في عام واحد.»
فقال: «ولكن يجب عليك أن تترك هيوليت-باكارد.» ولم نكن قد افتتحنا الشركة بعد. فدرست الأمر في عقلي. وأخذت أتساءل: «من أنا؟ ما الذي أريده من الحياة؟» ووجدت أنني أريد أن أكون مهندسًا في شركة كبيرة (وهو الوصف الذي ينطبق على هيوليت-باكارد) للأبد، وأردت أن أصمم أجهزة الكمبيوتر وأتفاخر بصنع يدي وأصمم البرامج. ويمكنني أن أقوم بكل هذا في وقت فراغي. لا أحتاج إلى شركة لتنفيذ هذا. ثم كان لديَّ وقت محدد لأعلن بحلوله قراري. فقابلت مايك وستيف في منزل مايك في كوبيرتينو. ثم تحدثنا عن الأمر وقلت: «لقد قررت ألَّا أفعل هذا وإليكما أسبابي.» فقال مايك: «حسنًا.» في حين بدا ستيف متضايقًا بعض الشيء.
في اليوم التالي تقريبًا بعدما رفضتُ تأسيس شركة أبل، اتصل بي والداي وقالا: «عليك أن تؤسس هذا المشروع.» (فقد كان مبلغ ٢٥٠ ألف دولار مبلغًا ضخمًا في حياة أي شخص.) ثم بدأ أصدقائي في الاتصال بي. وفي ذلك اليوم اتصل بي صديقي ألين بوم بعد الظهيرة وقال: «إنك إما أن تؤسس شركة أبل وتعمل في الإدارة وتصبح ثريًّا، أو تؤسس شركة أبل وتظل مهندسًا وتصبح ثريًّا أيضًا.» وفور أن قال إنه يمكنني البقاء مهندسًا، شعرت أن ذلك أسقط القيود عني. فقد كان هناك حاجز نفسي يجعلني أرفض تأسيس شركة. لأني كنت أشعر بالخوف. فلم أكن أعتقد أني أجيد خوض غمار عالمي الأعمال والسياسة. ولم أكن من الشخصيات التي تجيد إصدار الأوامر للآخرين وإرشادهم لما ينبغي فعله. ولم أكن أريد تولي إدارة الأمور على الإطلاق. هذا إلى جانب أني لا أحب السياسة ولست شخصًا قوي الشكيمة جدًّا. ويرجع هذا إلى الكثير من الأشياء التي وقعت في أثناء حرب فيتنام. ولكن في النهاية لا يمكنني أن أدير شركة.
ولكن هناك من أخبرني أنه بإمكاني أن أظل مهندسًا. وهذا كل ما كنت أحتاج إلى معرفته، فقررت أن أؤسس الشركة وسأعمل بها مهندسًا. وحتى هذا اليوم، لا يزال اسمي مدرجًا على المخطط التنظيمي للشركة، أو في الواقع في قاع المخطط التنظيمي للشركة، ولم أكن يومًا أكثر من مهندس يؤدي عمله.
كان مايك ماركولا في ذلك الوقت مقربًا من آن باورز (أظن أنها كانت زوجة روبرت نويس) وكانت تتولى إدارة قسم الموارد البشرية. ومن ثَم فقد كان هذا المستوى السيئ للموارد البشرية وصمة عار في وجه الشركة. وكان مايك سكوت بالفعل قد بدأ في اتخاذ قرارات سريعة طائشة، ولم يعد حريصًا كما كان في الماضي وكما تتطلب الأمور. فنقله مجلس الإدارة إلى وظيفة أخرى فكتب خطاب استقالة أصابنا جميعًا بصدمة شديدة، موضحًا فيه أن الحياة أهم من هذه الأمور السياسية. وكان من المؤسف أن نراه يرحل عن الشركة لأنه قدَّم دعمًا كبيرًا للأكْفاء.
كان ستيف يعرف رون من شركة أتاري، وكان معجبًا به. ولكن رون كان مغاليًا في نزعته المحافظة. وأنا لم أكن أعلم أي شيء عن السياسة، فقد كنت أتجنبها. ولكنه قرأ جميع الكتب اليمينية مثل كتاب «لا أحد يجرؤ على اعتبار ذلك خيانة»، وكان يتحدث في هذه الأمور بطلاقة. وأنا لم أدرك هذا إلا بعد ذلك.
وكان حاضر البديهة ولديه إجابات سريعة لكل شيء. وكانت لديه خبرة في عالم الأعمال وتعرض عدة مرات للخداع في تعاملات البورصة. وكان يتميز بسرعة البديهة الشديدة، وبدا مثقفًا وواسع المعرفة بما يقول. وقد جلس إلى الآلة الكاتبة وكتب عقد الشراكة الخاص بنا على الفور دون الرجوع إلى أي مصدر مستخدمًا المصطلحات التي يستخدمها المحامون. وكنت أسأل نفسي كيف يعرف ما يقول، عبارات مثل جميع الحقوق والامتيازات والعبارات المختلفة التي تُستخدَم؛ فإنني لا أعرف حتى ما هي. وقد وضع رسمًا لنيوتن أسفل شجرة التفاح لغلاف كتيب تشغيل جهاز أبل ١. بل وضع الكتيب بنفسه. لذا، فقد ساعد بالفعل في العديد من الجوانب. وكان ستيف يملك ٤٥ بالمائة من الشركة وأنا ٤٥ بالمائة، ورون ١٠ بالمائة، لأنني أنا وستيف اتفقنا أننا يمكننا الوثوق به لحل أي خلاف، ويمكننا الثقة في حكمه.
ثم حدث أننا كنا سنبيع لوحات الدوائر المطبوعة مقابل ٢٠ دولارًا للواحدة، ونمولها من أموالنا الخاصة. فبعت أنا الآلة الحاسبة من طراز إتش بي الخاصة بي، وباع ستيف شاحنته، ومن ثَم أصبح لدى كل منا بضع مئات من الدولارات. ثم حصل ستيف على طلبية بخمسين ألف دولار. وهناك في الشركة التي كانت تصنع لنا لوحات الدوائر المطبوعة، ما إن انتهوا من تصنيع القطع التي طلبناها، حتى بدأ العد التنازلي لفترة الثلاثين يومًا المتاحة أمامنا للسداد. فقد كان أمامنا ثلاثين يومًا فقط. ركبنا القطع في أجهزة الكمبيوتر وشغلناها وأرسلناها إلى المتجر وحصلنا على المقابل نقدًا. وقد تأكد ممولو القطع — الموزعون في مدينة ماونتن فيو — من صاحب المتجر وعرفوا أنه سيدفع لنا المقابل. في الواقع لم يكن لدينا رصيد، وكان صاحب المتجر على مستوى الموقف. ولكن كانت المشكلة هي: ماذا سيحدث لو أن صاحب المتجر لم يقبل البضائع في إحدى المرات أو لم يدفع لنا؟ سنكون مدينين بأموال طائلة مقابل هذه الرقائق.
ولم يكن لديَّ أنا أو ستيف نقود. ولم يكن لدينا سيارات ولا حسابات مدخرات ولا منازل. لذا فقد رأى رون واين أنهم سيلاحقونه للحصول على سبائكه الذهبية التي يحتفظ بها أسفل فراشه. (وقد قال لي في الواقع إنه يحتفظ بها في خزينة، ولكنه كان يخشى أن يلاحقوه ويحصلوا على ذهبه.) لذا فقد باع نصيبه. كان الأمر يشكل مخاطرة كبيرة، فباع نصيبه في الشركة لنا مقابل بضع مئات من الدولارات. لا أذكر ربما ٦٠٠ أو ٨٠٠ أو ٣٠٠ دولار؛ المهم أنها كانت بضع مئات من الدولارات. وقد تزامن ذلك مع انتهائنا من تصميم جهاز أبل ٢ وكنا في طريقنا إلى تحقيق المزيد من الصفقات. فقد كان يخشى من إمكانية أن يلاحقه أحد.
وقد نشب بيننا شجار حقيقي بخصوص الفتحات. كان ذلك وقت بداية انضمام مايك ماركولا إلينا وكنا نصنع جهاز أبل ٢، وكنت قد صممت نظامًا رائعًا بِناءً على اقتراح صديق لي — ألين بوم — يمكنه إدارة ثماني فتحات تستطيع إدخال لوحات كمبيوتر صغيرة بها. وكانت تتميز كل لوحة بإمكانية تشغيل البرامج المثبتة على كل منها على عناوينها، ولم تكن بحاجة لأن يكون لديها جميع الرقائق التقليدية لتقرر أيًّا من العناوين ترد عليها. فهذا كان يحدث على اللوحة الرئيسية. أما في جهاز ألتير، فكان عليك أن تحدد العنوان الذي ستتجه إليه كل لوحة، وكان هذا يحتاج إلى عدد من المحولات الدائرية (مما يزيد من التكلفة)، ومجموعة من الرقائق الإلكترونية التي تقارن العنوان الذي يأتي من المعالج الدقيق بذلك الذي كانت تصلح لاستخدامه لترى ما إذا كانا متساويين، وهذا يحتاج إلى ما يقرب من خمس رقائق لكل لوحة. ومن ثَم إذا كان لدينا ثماني لوحات، فهذا يعني أربعين رقاقة. أما أنا فقد كنت أستخدم رقاقتين فقط ولديَّ مجموعتان من العناوين للوحات الثمانية الموجودة في رقاقتين فقط بدلًا من أربعين. لذا، كنت شديد الفخر بهذا.
فقال ستيف إن كل ما يحتاجه المستخدمون حقًّا هو طابعة ومودم. ولم يكن ذلك حقيقيًّا لأنه قد أتى من عالم مختلف تمامًا عن عالمي. فهو لم يعمل في البرامج قط، ولم يتعامل كثيرًا مع مستخدمي أجهزة الكمبيوتر. فقد كان يعمل في شركة هيوليت-باكارد حيث يصنعونها، ولكنه لم يكن بين مستخدمي أجهزة الكمبيوتر الذين يستخدمون لوحات لتكون بمنزلة مرسمة للذبذبات، ويستخدمون لوحة أخرى للتحكم في بعض معدات المصانع وتشغيل بعض المحركات، وكل تلك اللوحات الصغيرة التي كانت جزءًا مهمًّا من حياتي. فكل جهاز كمبيوتر رأيته ظهرت بعض أهم إمكانياته بفضل اللوحات الموصلة به. ولكن كان ستيف يريد فتحة واحدة للطابعة وأخرى للمودم. وقد أصبحنا الآن إلى حد ما في عالم مختلف كثيرًا وأكثر تحررًا.
فاليوم يخرج الكمبيوتر مكتملًا. ولسنا مضطرين لإضافة الكثير فيما عدا طابعة وجهاز اتصال عن بعد. وكان ستيف يتشاجر للحصول على فتحتين. والمشكلة أن وجود فتحتين لن يوفر لي أي رقائق. وكنت أنا أريد التفاخر أن لديَّ ثماني فتحات والقليل جدًّا من الرقائق. فإذا كان لديَّ فتحتان فقط، كانت ستظل لديَّ أجزاء غير مستخدمة من الرقائق. وكنت أنا مصممًا على الاحتفاظ بعدد الرقائق كما هو، لذا فقد قلت له إذا كنت تريد فتحتين، فاحصل على جهاز كمبيوتر آخر. وكانت تلك هي المرة الوحيدة التي دار بيننا فيها شجار حقيقي.
كنت مهندس مكونات مادية وبرامج، ولكني كنت أكتب عددًا كبيرًا من البرامج بيدي (ولا أزال أحتفظ بالنسخ التي كتبتها بيدي)، وكل هذا وضعته في جهاز أبل ٢. فكل بايت في هذا الجهاز به الكثير من الروتينات الرياضية المختلفة، والروتينات الرسومية، ولغات الكمبيوتر، ووحدات محاكاة الآلات الأخرى، وطرق لإدخال الكود الخاص بك من وإلى وضع المحاكاة. لقد كان به جميع هذه المزايا دون اكتشاف خطأ واحد. فلا يوجد خطأ واحد سواء في المكونات المادية أو في البرامج. ولا يمكن أن تجد منتجًا كهذا اليوم. ولكنه كان يسيطر بشدة على تفكيري ويرجع السبب في ذلك إلى أنه كان إلى حد بعيد جزءًا مني. فكان لزامًا عليَّ أن أهتم بكل شيء. فقد كنت أرى في ذلك الكمبيوتر نفسي. وكان يجب أن يكون كل شيء على أفضل ما يكون. ولكن كان الكثير من الأشياء ضدي لأنني لم أكن أمتلك جهاز كمبيوتر كي أجمع الكود، أي البرنامج، الخاص بي.
ولكني لم أقابل قط من قال إنه لن يحتاج إليه قط. (ونحن لم نتحدث إلى كبار السن.) ولكنني شهدت إقبال الناس ليس فقط في مكاتبهم بل في منازلهم على ممارسة الألعاب عليه، فالكثيرون من الكبار والأطفال يودون الحصول على جهاز للعب عليه. في الحقيقة أشعل جهاز أبل ٢ فتيل صناعة الألعاب، لأنه كان أول جهاز كمبيوتر به صوت وأذرع للعب وألوان ورسومات وهي جميع العناصر اللازمة للألعاب. وكان الهدف من كل هذا هو إنشاء نسخة برمجية من لعبة بريك أوت.
وقبل ذلك بعام، عندما كنت أعمل في شركة أتاري، بدءُوا يتحدثون عن ابتكار ألعاب تعمل بمعالج دقيق. وحتى ذلك الوقت لم يكن الأمر قد تعدَّى المكونات المادية. بعبارة أخرى، كنا نوصل الأسلاك بالنوع المناسب من الرقائق ونوصلها بالمزيد من الرقائق، ويحدد ذلك مكان النقاط المسجلة على الشاشة. ويختلف هذا عن كتابة الأمر في البرنامج بحيث يضع النقاط المسجلة في موقع بعينه. كلا، كان كل ذلك يتم باستخدام الأسلاك والبوابات والرقائق والمسجلات، وكان ذلك صعبًا للغاية في ذلك الوقت.
ثم أصبح لديَّ جهاز يمكنني (أو أي يمكن لأي شخص آخر) برمجة لعبة فيه، ثم خطرت لي تلك الفكرة الرائعة وهي محاولة تنفيذ لعبة بريك أوت في لغة البيسك. والبيسك أبطأ من لغة الآلة بمعدل من مائة إلى ألف مرة، لذا لا أعرف إذا ما كان ذلك ممكنًا. فجلست في إحدى الليالي وأدخلت جميع الأوامر للغة البيسك لرسم الألوان، وبدأت أكتب بلغة البيسك، وفي غضون نصف ساعة، لم أكن قد انتهيت فقط من تشغيل لعبة بونج، ولكني وضعت تقريبًا ٥٠ صورة مختلفة من الألوان والسرعات والأحجام ومكان النقاط المسجلة وغير ذلك من تلك الأمور. وقد غيَّرت الكثير جدًّا من الأشياء ووضعت بعض السمات القليلة التي قد تستغرق وقتًا كبيرًا للقيام بها في المكونات المادية. وظهرت كلمات صغيرة على الشاشة عندما انتهى الأمر. فاتصلت بستيف وطلبت منه الحضور وأنا أرتجف من فرط الانفعال، وأريته اللعبة وهي تعمل، وقلت: «هذه اللعبة كانت سهلة للغاية في كتابتها! انظر إلى هذا، تفضل، غيِّر لون قوالب الطوب!» كان ذلك سيستغرق دهرًا بأكمله كي أنفذه في المكونات المادية، ولكنه لم يستغرق سوى نصف ساعة.
وكان ذلك حقيقيًّا. كان الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا من أي مهندس يستخدم كاوية لحام لتجريب جميع هذه الاختلافات. وأخبرته أنه بعد أن أصبحت الألعاب برامج، سيختلف عالم الألعاب. ومع جهاز أبل ٢، بدأ الكثيرون يحاولون اكتشاف محاكاة إطلاق السفن الفضائية، وكيف يمكنهم الحصول على أشياء تبدو مثل الأصوات عندما يكون الجهد الكهربي الداخل للسماعات سيئًا للغاية. ويحاولون أيضًا معرفة كيف يمكنك الاستماع إلى شخص يتحدث وتعرف ماذا يقول. بدءُوا يستخدمون جهاز أبل ٢. فقد كان مهيئًا لإمكانية استخدامه في شتى الأغراض. لقد جعلنا من السهل لأي شخص أن يفعل ما يريد. وأظن أن هذا أحد أهم أسباب نجاح الجهاز. فلم نحط الجهاز بستار من السرية باعتباره ملكًا لنا — بل طرحناه للبيع وأتاحنا للجميع إمكانية تشكيله حسب ما يريدون — مثلما فعلت شركات مثل كومودور وراديو شاك.
وطرحنا كتيبات بها مئات الصفحات من قوائم الأكواد، ووصف للدوائر الإلكترونية، وأمثلة للوحات التي يمكن للمستخدم توصيلها حتى يتمكَّن من صنع جهاز مثله. فيمكنهم كتابة البرامج على جهاز أبل ٢، ثم يرون على الفور كيف تعمل، ويعرفون كيف يكتبون البرامج الخاصة بهم. وكان تشغيل البطاقات هو أهم شيء. فقد بدأت شركات كثيرة في صنع بطاقات يمكن توصيلها بجهاز أبل ٢ وكتابة برنامج صغير (كانت غالبيتها برامج للألعاب في البداية) على شرائط كاسيت. ويمكن للمستخدم الذهاب إلى المتجر وشراء كل ما يمكنه تحسين أداء أبل ٢. لذا فإن من أهم عوامل نجاحنا هو أن عملنا منفتح للغاية. فنحن نتيح للآخرين فرصة الانضمام إلى عالمنا الكبير.
ومن عام ١٩٨٠ وحتى ١٩٨٣، عندما كان جهاز أبل ٢ يحقق أعلى مبيعات في العالم، لم نعلن عنه قط. بينما كان كل من يصنع منتجات تُستَخدم مع الجهاز يعلن عنها. أما جميع إعلاناتنا فكانت لجهاز أبل ٣، الذي لم يحقق مثل هذه المبيعات في ذلك الوقت. لأننا كنا نحاول أن نجعله الجهاز الأول في عالم التجارة والأعمال بدلًا من جهاز آي بي إم.
ثم بحلول عام ١٩٨٣، سيطر جهاز الكمبيوتر الشخصي الخاص بآي بي إم على الأسواق. فكان يتفوق على أبل ٢ في المبيعات.
وهكذا بعد عامي الثالث في الجامعة، أخذت عامًا إجازة كي أعمل وأدخر النقود لعامي الرابع. ثم حصلت على ذلك العمل في هيوليت-باكارد. وقد أحببت هذا العمل للغاية. ثم بدأت مسيرتي المهنية في التقدم، وكان لديَّ الكثير من المشروعات الجانبية التي كنت مشغولًا بها، ثم ساهمت في تأسيس شركة أبل. ومن ثَم لم تتح لي الفرصة أبدًا كي أعود لصفوف الدراسة. ولكنني كنت أوشكت على الانتهاء، وأردت العودة للدراسة. وفي عام ١٩٨١، تعرضت لحادث تحطم طائرة. وفور أن شفيت من فقدان الذاكرة الذي تعرضت له من الحادث، أدركت في غضون خمس دقائق أن الوقت قد حان للعودة إلى الجامعة. فشعرت أنني لن أحصل على فرصة أخرى. لذا فقد عدت للدراسة وحصلت على درجتي العلمية. وقد كنت دائمًا طالبًا مجتهدًا متفوقًا وأحب الدراسة. وكان كل من والديَّ يحمل شهادة جامعية، وقد احترمت ذلك. ورأيت أن أولادي يجب أن يروا أباهم حاصلًا على شهادة جامعية.
انتهينا من صنع الكمبيوتر، وبدأت العمل في تصميم بطاقات متوازية لتعمل على الطابعات القديمة رخيصة الثمن. ثم البطاقات التسلسلية لتعمل على الطابعات عالية الجودة المخصصة للشركات. ثم بطاقات تعمل على المودم، والبطاقات التسلسلية الأخرى. وقد صنعت في الحقيقة بطاقة هاتف يمكنها التحكم في خط الهاتف والتحكم في مسجلات شرائط الكاسيت وتعمل كآلة رد على المكالمات الهاتفية وكل ذلك، ولكنها لم تقم بدور المودم، فقد كانت فقط تتحكم في خط الهاتف. لكن شركة أبل لم تنتجها قط، لأنه لم يرُق لهم الشخص الذي أحضرته لتنفيذ هذه المهمة، وهو الكابتن كرانش. لقد صممها. واتضح أنها بطاقة رائعة.
ثم جاء وقت لم يكن لدينا فيه سوى واجهة شريط كاسيت في البداية. وكي تسجلي برنامجًا في الذاكرة عليك أن تضعي شريط كاسيت في مسجل شرائط وتكتبي شيئًا على لوحة المفاتيح ثم تضغطي على زر في مسجل الشرائط. وأظن أنه كان عليك أن تكتبي مثلًا 100R على لوحة المفاتيح ويعني ذلك أن ينتقل البرنامج إلى العنوان ١٠٠. وتضغطين على الزر في مسجل الشرائط فتمر فترة تمهيدية طويلة ثم البيانات (ستسمعين صوت شيء يدور) ثم عليك أن تنتظري لدقيقة فتبدأ في إصدار صوت صفير وحينئذٍ يصبح البرنامج في الذاكرة. وقد نجحت هذه الطريقة نجاحًا مدهشًا، ولكنها كانت تستغرق وقتًا طويلًا.
أراد مايك ماركولا أن نبدأ في التسويق على الفور. فقد كان هو مدير قسم التسويق في الشركة. وكان التسويق يرتبط إلى حد بعيد بطريقة تقديم الكمبيوتر ليكون مقبولًا في المنزل. ويرتبط أيضًا بكيفية تحويل الفكرة الشائعة المنفرة عن الكمبيوتر من كونه جهازًا هائلًا يشبه مقصورة الطيار إلى جهاز مقبول في المنزل. وقد تطلب ذلك أنواعًا مختلفة من الصور والرسوم والإعدادات والأحاديث الصحفية. كما طلب منا أيضًا أن نبدأ في العمل لإنجاز برامج للجهاز الجديد.
وقد طلب منا أن نكتب برنامج بطاقات تعليمية. لذا فقد صممت أنا وراندي ويجينتون برنامج بطاقات تعليمية يسمى كلار ماث، وكان يُرفق مع كل جهاز أبل. وصممنا برنامجًا آخر اسمه تشيك بوك يتيح لك تسوية الشيكات على الكمبيوتر. ولكن كانت المشكلة هي أنك يجب أن تسجلي أولًا برنامج تشيك بوك على شريط ثم تنتظري قليلًا حتى يطلق الصافرة، ثم تستخدمي شريط كاسيت آخر وتسجلي الشيكات عليه حتى تطلق الصافرة، ثم تقومي بإدخال المزيد من الشيكات وتسويها، ثم عليك أن تعيدي شريط البيانات إلى المسجل حتى يطلق الصافرة. ولكن يعيب ذلك الانتظار لفترات طويلة، وصعوبة الاستخدام والبطء الشديد. لذا قال مايك إننا نحتاج إلى شيئين: بيسك النقطة العائمة (أي لغة بيسك بنقاط عشرية، ولم تكن لديَّ) وقرص مرن.
وقبل أن أغادر هيوليت-باكارد مباشرة ظهرت رقاقة إلكترونية جديدة. وكانت الرقائق الإلكترونية في تلك الأيام لها أربع عشرة أو ست عشرة إبرة. أما الجديدة فكانت لها ثماني عشرة أو عشرين إبرة، أي أطول قليلًا من العادية، ولكن كان بها مسجل رقاقة ٨ بتات، وهذا الرقم خيالي فهو يساوي بايت واحد. وفكرت أن تلك الرقاقة ستكون رائعة في الحصول على ٨ بتات من البيانات من جهاز كمبيوتر ثم تحولها إلى مسجل شرائط كاسيت، أو أي شيء آخر مثل قرص مرن. وفكرت في استخدام تلك الرقاقة لقرص مرن، لأن ستيف جوبز قد تحدث عن الأقراص المرنة قبل أن أترك هيوليت-باكارد.
لذا فقد قررت أن أفكر في موضوع القرص المرن. وبدأت أفحص ورقة البيانات الخاصة بتلك الرقاقة وبدأت أفكر في كيفية نقل البيانات إلى قرص مرن باستخدام الرقاقة. ثم توصلت إلى ذلك الاقتراح العبقري البسيط. كنت أحتاج إلى وضع نظام منطقي ما، ولكن لو أدخلت نظامًا منطقيًّا، فلن أحصل إلا على أربع بوابات على الرقاقة. وهكذا أربع بوابات، ثم أربع بوابات، فأربع بوابات، وسأحتاج إلى الكثير من البوابات للتوصل لما يمكن تخصيصه لهذا الغرض، وهكذا يزداد عدد الرقائق. فخطر لي أن أضع خطة بسيطة عبقرية. فالبيانات ستأتي من القرص المرن وأنا سأنتظرها، وفي غضون جزء ضئيل من المايكروثانية، سأحدد متى تتحول الإشارة من قوية إلى ضعيفة ومن ضعيفة إلى قوية وأحدد نوعية البيانات.
كنت أحتاج إلى جهاز ذكي يعمل بسرعة عالية للغاية، فتوصلت إلى آلة تسمى آلة الحالة. وكنت قد حضرت محاضرات عن آلة الحالة في جامعة بيركلي. فصنعت آلة حالة بسيطة للغاية، كانت في الأساس مسجِّلًا يحدد العنوان الذي أنت فيه؛ أي، المكان المحدد الذي وصلت إليه في البرنامج. فكانت تحتفظ بالعنوان في صورة رقم وتنقل بياناته إلى ذاكرة للقراءة فقط والتي تأخذ عنوانك في البرنامج بالإضافة إلى بضعة مدخلات قادمة من القرص المرن ومن الكمبيوتر وتقرر الخطوة التالية. وترسل إشارات كي تقوم بالإجراء الصحيح، وتنتقل إلى العنوان التالي أو المكان التالي … هذا ما يطلق عليه الحالة. ومن ثَم فإن المستخدم يكون في حالة ما ولا يحدث شيئًا، فيظل في تلك الحالة. ثم تتحول البيانات مثلًا من القرص المرن إلى الرقم ١. فينتقل إلى الحالة رقم ٥ ولكن لم يحدث شيء أيضًا، فيظل في هذه الحالة ثم تتحول البيانات من القرص المرن إلى الرقم صفر، فينتقل إلى مكان آخر ويعطي أمرًا لمسجل الإزاحة أن ينقل بتًا من البيانات، وهكذا فقد كانت تعمل مثل معالج دقيق صغير مع أنها لم تكن سوى رقاقتين. وأظن أنها كانت ناجحة للغاية؛ ذاكرة للقراءة فقط صغيرة مساحتها ٢٥٦ بايت، ومسجل صغير ٦ بتات.
وهكذا كان لدينا ثلاث رقائق، ثم حصلت على رقاقتي واجهة إضافيتين، ثم أخذت قرصًا مرنًا من إنتاج شركة شوجارت. فقد كان قرصًا جديدًا طوله ٥ بوصات، وقد حصل لي ستيف على أحد تلك الأقراص. وهذا أصغر من الأقراص السابقة التي كان طولها ٨ بوصات. ولم أكن قد رأيت قرصًا مرنًا في حياتي بالمناسبة. لم أرَ أو أستخدم أيًّا منها. لذا لم أكن أعرف الأمور البديهية عنها. ولم أدرس شيئًا عن وحدات التحكم في الأقراص المرنة، ولم أرَ أيًّا منها قط، ولم أكن أعرف مهمتها. ولكني كنت أعرف شرائط الكاسيت، وكنت أستطيع إنشاء إشارات لها أنماط توقيت محددة، وعندما كانت تعود من شريط الكاسيت، كنت أحللها لمعرفة أيٍّ منها الآحاد وأيٍّ منها الأصفار. وكان المعالج الدقيق يتولى أمر التوقيت، لأن عامل التوقيت كان مرنًا، فلم يكن في أجزاء من المايكروثانية. فقد كنت أكتب برامج تنتظر فترة محددة من الزمن وترى متى تتحول الإشارة من قوية إلى ضعيفة أو العكس، وتتخذ قرارات مباشرة في المعالج الدقيق لجهاز أبل ٢. ولكني لم أستطِعْ أن أقوم بهذا على القرص المرن. فنظرت إلى تصميم شوجارت لأرى كيف يعمل. واكتشفت أنه وضع بعض البيانات هنا وبعض الإشارات هنا وضبط بت ميقات على سرعة محددة كل ٤ ميكروثانية، ووضع بيانات جديدة. وقد تفحصت الرقائق الواحدة تلو الأخرى، ورأيت في النهاية أنني إذا أخرجت جميع هذه الأشياء فسيكون من السهل أن أصل الأسلاك مباشرة إلى الرأس التي تكتب على القرص. وفيما يخص الإشارة التي ترجع منه، أوصل سلكًا إلى وحدة التحكم الخاصة بي، وأقوم بكل ما يتعلق بالتوقيت هنا ولا أحتاج إلى واجهتهم المعقدة كي تعمل. لذا فقد نزعت عشرين رقاقة من لوحتهم، أي إنني استغنيت عن ٢٠ من رقائقهم.
وقد أعجب ستيف جوبز بهذا حقًّا، لأنه عندما حان وقت التفاوض قال: «إن ذلك يعتبر سببًا رائعًا لبيعها لنا بسعر أرخص. فإننا لا نحتاج إلى وحدة التحكم الخاصة بكم. فكل ما نحتاجه هو جزء صغير منها. ومن ثَم يمكنكم أن تبيعوها لنا بسعر أقل من الذي تبيعون به للآخرين.» كانت تلك صفقة جيدة لشوجارت وصفقة جيدة لأبل.
لقد ظننت أنني يمكنني كتابة بعض البيانات على قرص مرن ثم ترجمة ما يظهر في صورة آحاد وأصفار. المشكلة هي أنك تحصلين على كم ضخم من البيانات وهناك الآلاف والآلاف من الآحاد والأصفار ثم يتكرر المسار. وتدور الرأس دورة تلو الأخرى. وعليك أن تعرفي أين ومتى تبدأ البيانات وتتوقف. وهو مجال لم يسبق لي تجربته من قبل. فتوصلت إلى أسلوب كتابة نوع معين من البيانات، نمط محدد، AA D5 AA 55، نمط مثل هذا. ولكني كتبتها فقط بتسلسل طويل بما يكفي في بداية كل قطاع من البيانات، وكانت تؤدي إلى عمل الدوائر بطريقة متزامنة، ومن ثَم فإنها كانت تميز متى تبدأ الآحاد والأصفار تكوين البايت من بداية العملية بدلًا من منتصفها. فقد كانت تنقلها إلى المكان المناسب تلقائيًّا. وعندما تصل إلى البيانات، تقرؤها قراءة صحيحة. وقد كان هذا اكتشافًا بالصدفة. وكنت أخشى، وأنا في منتصف عملية تصميم القرص المرن، من ألَّا أتمكن قط من حل هذه المشكلة. ولكني نجحت. لقد حالفني الحظ.
في مرحلة مبكرة من التصميم، كنا نشترك في أول معرض للإلكترونيات الاستهلاكية يعرض أجهزة الكمبيوتر الشخصية، وكان هذا يعني مشاركة شركات راديو شاك وكومودور وأبل. ولم أكن قد سافرت إلى لاس فيجاس من قبلُ، وكنت أود أن أرى تلك المدينة الجميلة، ولكن كان قسم التسويق فقط هو الذي سيسافر. ولم يكن هناك داعٍ لسفري. لذا فقد طلبت أن يسمحوا لي بالسفر إلى هناك لعرض القرص المرن، في حالة انتهائي منه. وكان المعرض سيقام بعد أسبوعين. وقد يستغرق تصميم شيء مثل القرص المرن ستة أشهر كتقدير مبدئي لتدوين جميع الأوراق والمستندات لما ستفعله وتحصل على موافقة المديرين. إنها دائرة طويلة مرهقة. وكان ذلك قبل أسبوعين فقط من إقامة المعرض ثم حصلت على موافقة مايك ماركولا. وكانت هذه العوامل هي الحافز الذي ساعدني. فلطالما كانت لديَّ دوافع صغيرة مثل هذه تحفزني وتجعلني أنفذ إنجازات عظيمة. وهكذا جلست وصممت القرص المرن، وكنت أنا وراندي ويجينتون (وكان قد تخرَّج لتوه من المدرسة الثانوية) نذهب إلى الشركة ونعمل يوميًّا بما في ذلك عطلة الكريسماس ورأس السنة لمدة أسبوعين. وظللت أعمل يوميًّا طوال هذه الفترة، وأعتقد أننا ذهبنا إلى لاس فيجاس في اليوم الثالث أو الخامس من يناير. وكنت قد انتهيت تقريبًا من تصميم القرص المرن.
ووصلت بالقرص المرن إلى مرحلة كتابة البيانات على مسار، وقراءة البيانات على مسار. ثم إلى مرحلة قراءة البيانات في الأماكن الصحيحة للبايت. ثم جعلته يعمل مع تغيير المسارات، ثم كنا بحاجة إلى برنامج بسيط نجعله ينفذ أمر تشغيل تشيك بوك أو كلار ماث المخزن عليه. وهكذا ذهبنا إلى لاس فيجاس وظللت أعمل أنا وراندي طوال الليل وانتهينا منه حتى أصبح يمكن تشغيله. وفي النهاية كانت الساعة السادسة صباحًا، فاقترحت أن نعد نسخة احتياطية من القرص المرن. فقد حصلنا على قرص جيد أعددناه بالبيانات التي ترسل يدويًّا كي يعمل كما ينبغي. وهكذا وضعته في محرك الأقراص المرنة وكتبت برنامجًا صغيرًا، وكتبت بعض البيانات ثم كتبت له أمرًا بقراءة المسار صفر، ثم وضعت القرص الآخر وكتبت له أمرًا بكتابة المسار صفر، وقراءة المسار ١، وكتابة المسار ١. وهكذا حتى بلغ عدد المسارات ٣٦ مسارًا وكان عليَّ أن أبدل القرصين المرنيين جيئة وذهابًا.
وعندما انتهيت، نظرت إلى القرصين المرنين اللذين بدَوَا متطابقين تمامًا. وخطر لي أنه من المحتمل أن أكون قد كتبت من القرص السيئ إلى القرص الجيد، وكان هذا ما حدث بالفعل. لذا فقد خسرت كل ما أنجزته. فعدت إلى غرفتي في الفندق، وخلدت إلى النوم لبعض الوقت. واستيقظت الساعة العاشرة صباحًا تقريبًا. فجلست وأعدت كتابة كل شيء من ذاكرتي ومن القوائم، ونجحت في تشغيله مرة أخرى، وعرضناه في المعرض بالفعل. وحقق نجاحًا باهرًا. وكان الجميع يصيحون بانبهار: «يا للعجب، شركة أبل أنتجت قرصًا مرنًا!» وكان يبدو رائعًا وهو متصل بفتحة في جهاز الكمبيوتر الخاص بنا. وكان بإمكاننا إدخال أوامر إليه مثل تشغيل برنامج كلار ماث، فيشغله على الفور. لقد كان ذلك يمثل نقطة تحول مهمة.
ولكن كانت لحظة الاكتشاف الحقيقية في نظري هي أول مرة استطعت فيها قراءة البيانات مرة أخرى. فقد كتبتها على القرص المرن، وكان ذلك سهلًا، ثم قرأتها مرة أخرى ونجحت. وقد انبهرت بشدة.
إذا كان بإمكانك الانتهاء من عمل ما بسرعة، فربما يكون من الأفضل من حين لآخر أن تمعن التفكير في إمكانية الارتقاء بمنتجك إلى مستوًى أفضل. ولن يفيد ذلك بالضرورة في تحسينه في النهاية، ولكنه يساعدك في الاقتراب من منتجك وفهمه على نحو أفضل. فقد فحص عقلك الكود الذي كتبته أو الدوائر التي صممتها، ثم درسها عدة مرات أخرى، ومن ثَم ستصبح أكثر ثباتًا في ذهنك، ومن حين لآخر قد تستيقظ من نومك وتكتشف فجأة أن ما صممته به خطأ، وهو ما لم يخطر لك على بال من قبل.
أو إذا كنت بصدد إدخال تعديلات على شيء ما، أو إضافة شيء جديد، فستتمكن من هذا بسرعة شديدة عندما تكون الفكرة كلها في رأسك. ولن يتحتم عليك إخراج القائمة واكتشاف أين يمكنك إدخال التعديل، وربما ترتكب خطأً. ففي هذه الحالة لن ترتكب القدر نفسه من الأخطاء. فقط اعتقد أن ما لديك الآن هو أفضل مما كان موجودًا من قبل. فعليك أن تمضي قدمًا إلى الأمام في عالم التكنولوجيا وليس إلى الخلف.
وفي حالة افتقارك إلى الأدوات، ابحث عن طريقة لتنفيذ ما تريد. ولكن إذا طالبت بأن تتوافر لك الأدوات واعتمدت على أن مهارتك ستجعل الآخرين يوفرون لك تلك الأدوات، وطالبت بأن يكون لديك نظام تطوير محدد، وإذا لم تستطِع التوصل إلى طريقة لاختبار شيء ما وتشغيله، فلا أظن أنك النوع الذي يصلح لأن تكون رائد أعمال. فرواد الأعمال يجب أن يتمتعوا بالقدرة على التكيف … فكل شيء يتغير، كل شيء ديناميكي، ومن الممكن أن تكون هناك أكثر من فكرة ولكن تختار واحدة ولا تفلح لذا فعليك أن تستبدل بها غيرها. ويعتبر الوقت من العوامل المهمة دائمًا لأن هناك شخصًا آخر قد يسبقك إليه.
ومن الأفضل أن تكون شابًّا لأنك قد تضطر للسهر ليالي طويلة حتى وقت متأخر جدًّا. وذلك لإنجاز الكثير من المهام، ولا مفر من ذلك. فعندما يدهمك الوقت، تجد الموقف حرجًا.
ولكننا أُصبنا نحن الاثنين بمرض الحمى الغدية. وأتذكر أننا احتسينا زجاجة كوكا كولا واحدة.
كانت لديَّ شكاوى من تجاهل بعض مهندسين أبل ٢ في أيام العمل على ماكنتوش. أعني، لم يكن حتى مسموحًا لنا حتى في قسم تصنيع جهاز أبل ٢ بشراء القرص المرن الذي نحتاج إليه من شركة سوني، لأنه كان أفضل من ذلك الذي كان سيستخدم في جهاز ماكنتوش. فهو القرص المرن المناسب. وتحدثت عن أمور أخرى. الرواتب والعلاوات وغيرها. وهكذا فقد تحدثت نيابة عن بعض هؤلاء المهندسين في تلك المقالة، ولكنهم جعلوا الأمر يبدو كما لو أني سأترك الشركة، ولم أكن أنوي ذلك، لذلك السبب. ثمة الكثير من المواقف التي شابهها سوء الفهم. وكثيرًا ما أقرأ أحاديث صحفية وأندهش وأقول: «يا للعجب، ليست هذه طبيعة هذا الشخص على الإطلاق.» لذا فإنني لا أهتم في الواقع، ولا أحاول تصحيح شيء. ولكن في النهاية لم يسئ الكثيرون الفهم. فأنا أتفاجأ عندما أتصفح الويب وأقرأ جميع المناقشات عن جهاز أبل ٢ ودوري فيه. فجميعها معلومات دقيقة وتشيد بي.
ومع ذلك، فقد كان أصعب شيء بعد تحقيق ذلك النجاح الكبير … إنني لم أسْعَ إلى النجاح، لم أكن رائد الأعمال الذي يسعى إلى تحقيق النجاح. ومن ثَم فإن النقود لم تكن تمثل لي الكثير. بل لقد تبرعت بالكثير منها للأعمال الخيرية والمتاحف ومجموعات رعاية الأطفال، ولكل مكان أستطيع التبرع له. فالنقود في نظري أشبه بمصدر للشرور. لأنها لم تكن هي الحافز الذي يحركني، فقد أردت أن أظل الشخص الذي كنت سأصبح عليه بدون شركة أبل. لهذا عدت إلى التدريس. فهذا ما كنت سأفعله لو لم تكن هناك شركة أبل.
ووضعت برنامجًا لبيع أسهم لأربعين موظفًا تقريبًا من موظفي شركة أبل … وأتيحت لي فرصة بيع بعض الأسهم والحصول على منزل. وكان هناك مستثمر كبير من خارج الشركة يريد شراء الأسهم بأكملها بسعر محدد. فقلت: «بدلًا من بيعها لشخص لديه أموال طائلة بالفعل، لمَ لا أعطي موظفي أبل الفرصة؟» فقد كنا على وشك طرح أسهم الشركة للاكتتاب وستزيد قيمة الأسهم زيادة كبيرة (وهذا ما حدث)، لذا فقد بعتها لأربعين من موظفي أبل. وأبدى القسم القانوني بالشركة قلقه العميق لأنه من المفترض أن يكونوا مستثمرين محنكين. ولكنه وافق في نهاية الأمر. فأتممت الصفقة وبعتُها لهم، وقد حصل كل منهم على منزل من ورائه.