منا تروت
مؤسسة مشاركة، شركة سيكس أبارت
اشترك الزوجان منا وبن تروت في تأسيس شركة سيكس أبارت (وقد أطلقا عليها هذا الاسم تيمنًا بعدد الأيام التي تفصل بين يومي مولديهما) في شقتهما عام ٢٠٠١. وكانت شعبية مدونة تروت الشخصية، دولار شورت، تزداد، ولم تكن هي راضية عن برامج المدونات المتاحة في ذلك الوقت. لذا قررت هي وبن أن يطورا برنامجًا من ابتكارهما ويتبادلاه مع بعض أصدقائهما. وحقق نظام موفابل تايب انتشارًا واسعًا فور إطلاقه في أكتوبر ٢٠٠١.
وفي أبريل ٢٠٠٣، تلقت سيكس أبارت تمويلًا من شركة نيوتني التي يملكها جوي إيتو. وأطلقا الخدمة المضيفة تايب باد في وقت لاحق من ذلك الخريف. وفي يناير ٢٠٠٥ أعلنت الشركة الاستحواذ على شركة دانجا إنترأكتيف التي ابتكرت مجتمع الإنترنت لايف جورنال. وأطلقت سيكس أبارت فوكس (وكان يعرف من قبل باسم كومت) وهي منصة لاستضافة المدونات مزودة بشبكة تواصل اجتماعي، وذلك عام ٢٠٠٦.
***
وعندما أغلقت الشركة التي كنا نعمل بها وجرى الاستغناء عنا، قررنا ابتكار أداة تدوين وطرحها كبرنامج مقابل التبرعات، وننتظر ما سيسفر عنه ذلك. لم نكن نتوقع أي شيء منها. وظننا أننا قد نحصل على تبرعات وربما بعض الكتب التي كنا نتمنى شراءها من موقع أمازون، لكننا لم نتخيل قط شيئًا أكثر من هذا.
وكلما زاد اهتمامنا بالأمر، زاد طموحنا، لكنني لا أظن قط أننا كنا سنستيقظ ذات يوم ونقول: «هيا نؤسس شركة.» لم يخطر لنا قط أن هذا أمر حتى يمكن تحقيقه. عندما كنت أنا وبن في الجامعة (فنحن معًا منذ أن كنا في المدرسة الثانوية) بدأنا نفكر في شركة تصميم ويب. لكن دائمًا كانت الفكرة تبدو أكبر من إمكانياتنا. ولم تكن لدينا أدنى فكرة من أين نبدأ. وعندما أفكر فيما مضى، أجد أننا كنا نشعر أن الأمر كان أصعب شيء في العالم.
ولحسن الحظ، جاء كل شيء بالصدفة إلى حدٍّ ما. فعندما أطلقنا موفابل تايب، حظي بإقبال بسرعة وتفرغنا للعمل فيه بدوام كامل. وأظن أن وجود عملاء منذ اليوم الأول كان العامل الذي أجبرنا على أن نتحول إلى شركة. فإذا قررنا طرح منتج وتكوين قاعدة من العملاء والتفكير في تسويقه، لكان ذلك في منتهى الصعوبة. لذا فقد أقدمنا على الأمر مباشرة دون أن ننوي أكثر من تصميم شيء نحبه.
وفي وقت لاحق عندما كنا نجري محادثات مع أصحاب رءوس الأموال المخاطرة، كانوا يسألوننا عن المشكلة التي يحلها المنتج. إننا لم نكن نحاول إقناعهم، بل كنا نتحدث عنه فحسب، لكن هذا هو ما لم يخطر ببالنا قط. فلم نكن حقًّا نحاول أن نحل مشكلة أحد آخر غيري أنا وبضعة مدونين.
لكن كان هناك طلب كبير على ما كنا نصنعه، وأصبح موفابل تايب يلقى إقبالًا حقيقيًّا. وتقريبًا في يوليو ٢٠٠٢، وجدنا أنفسنا نقف عند مفترق طرق وسألنا أنفسنا: «هل نريد أن نصبح مستشارين ونركز على تصميم نسخ مخصصة من موفابل تايب ونجري بعض التنفيذات؟» وقد سلكنا ذلك الطريق لفترة وجيزة ثم اكتشفنا أنه لا يعجبنا. (ولا تزال لديَّ فاتورة لم تسدد لنا قط، وانتهى الأمر بأننا سددناها من نقودنا الخاصة.) لذا قررنا أن نفعل شيئًا أصعب. قررنا أن نتجه مباشرة إلى المستهلك. وبدأنا نعمل على تايب باد.
أسسنا الشركة محدودة المسئولية في يوليو ٢٠٠٢، مباشرة قبل أن نقرر أن نبدأ في تصميم تايب باد. وكنا لا نزال بدون تمويل، وكانت تقتصر عليَّ أنا وبن في شقتنا في ريتشموند. واستخدمنا غرفة النوم الإضافية وكان مكتبانا متلاصقين. قضينا وقتًا طويلًا هناك، ١٨ شهرًا إجمالًا. أجد الأمر طريفًا الآن وأنا أروي هذه القصص. لقد بدا عالمًا مختلفًا. إنه أشبه بمن يرزقون بطفل ولا يذكرون كم كان الأمر مؤلمًا ويقررون الإنجاب مرة أخرى. أظن أن هناك مادة كيميائية في مخي تجبرني على نسيان مدى صعوبة تلك الفترة.
من الأسباب التي دفعتني إلى إنشاء مدونتي هو أنني كنت أشعر أنني ليس لديَّ أي أصدقاء. عندما كنت أنا وبن معًا في الجامعة لم نجبر أنفسنا قط على تكوين صداقات مع الآخرين لأن كلًّا منا كان يكتفي بالآخر. وكان الأمر جديدًا علينا لأن فترة تعارفنا بدأت عندما كنا في العام النهائي في المدرسة الثانوية، وكنا نقضي باقي الوقت متلازمين. فلطالما كان كل منا بصحبة الآخر. بالإضافة إلى أننا انغمسنا في العمل في الويب حتى إن فكرة اكتساب أصدقاء لم تخطر على بالنا قط.
لذا كنت أريد أن تكون لمدونتي صلة بالناس على الإنترنت، كل هؤلاء الذين كنت أود أن أصادقهم. وقد ساعدت المدونة على تسهيل ذلك. لقد كان من أصعب الأمور التي واجهناها حينئذٍ أثناء عملنا من الشقة هي أنني أنا وبن لم يكن لدينا أي أصدقاء، ولم نكن نقوم بأي نشاط خارج نطاق العمل. كنا نحضر حفلات من حين إلى آخر، لكننا لم نكن نستمتع بها قط. لذا فقد كان من الأشياء الصعبة هي أننا كنا منغلقين على أنفسنا لفترات طويلة نعمل لإنجاز هذا المشروع. لقد كانت تجربة مختلفة تمامًا لأنني أصبحت أنا وبن فريقًا رائعًا، وكنا نقوم بكل شيء معًا. لقد مر علينا عامان تقريبًا دون أن يبتعد كلٌّ منا عن الآخر أكثر من ست ساعات. وأول مرة ذهبت فيها في رحلة عمل للشركة كانت أول رحلة تقتضي المبيت يبتعد فيها أحدنا عن الآخر أكثر من ست ساعات.
ومن الرائع الآن حقًّا أنه أصبح في حياتنا آخرون، لأنه من الممكن أن يظل المرء أسيرًا لحياته المشتركة مع آخر إلى أن يصبح منغمسًا فيها. لكن أظن أنه لم يكن بيدنا حيلة. يمكننا بالطبع أن نؤسس شركة مرة أخرى، لكن لن يمكننا تنفيذها بهذه الطريقة، لأننا نشعر أن طاقتنا استُنزفت.
حتى بعد أن أصبحنا شركة حقيقية وأصبح لدينا موظفون، لم يكن بإمكاننا أن نقول إننا لا نريد الحديث عن العمل في المنزل إلا منذ عام تقريبًا. وقد كان حصولنا على مكتب أمرًا إيجابيًّا لنا. فالعمل من المنزل من أصعب ما يكون، لأنك في تلك الحالة لا تستطيعين التوقف عن العمل قط.
واتخذنا القرار بأن ننفذه. وبالطبع لو كنت أعرف وقتها كل ما سيحدث لنا، لكنت نفذته ولا شك. لكن أول بضعة شهور كانت مروعة.
نميل أنا وبن إلى توخي الوصول إلى حد الكمال في كل ما نقوم به. فلا يمكننا تنفيذ أي شيء بمستوى متوسط. لذا قررنا أن نبحث عن طريقة تضمن استمرار المشروع. لكن في الوقت نفسه كنا نعلم أننا سنضطر إلى الحصول على وظائف. على الأقل هذا ما كنا نظنه، لأن البرنامج كان مجانيًّا، وكان يعتمد على التبرعات فحسب. ولا يمكن كسب نقود من وراء البرمجيات المشتركة. لكن لحسن الحظ، بدأ الناس يتبرعون بسرعة كبيرة، وكان الدخل يغطي النفقات بعد الشهر الثاني مباشرة تقريبًا. وظل الحال على هذا المنوال حتى حصلنا على تمويل.
وعندما كان أحد المستخدمين يضع منشوره كان يظهر على موقعنا الرئيسي، وإذا ما دفع ٢٠ دولارًا تقريبًا، يحصل على مفتاح يتيح له ذلك. لذا كان المستخدمون يقولون في رسائل البريد الإلكتروني: «هل يمكنني الحصول على المفتاح؟ تفضلوا النقود.» وهكذا كانوا يشعرون أنهم يدفعون من أجل البرنامج، لكننا كنا نرسل إليهم المفتاح. في الواقع لقد ظللت أرسل رسائل البريد الإلكتروني وأرفق بها المفاتيح حتى يناير ٢٠٠٤ على الأرجح. لقد كانت فترة طويلة بالفعل. وشعرت أنهم كانوا يمنحوننا نقودًا، لذا كنت أريد أن أشكرهم على هذا.
ولم نكن ندري شيئًا عن هذه الأمور. فلم نعرف إن كان من المفترض أن نرد لهم النقود. لم نكن نفهم أن المستثمرين يضعون نقودهم ويمتلكون جزءًا من شركتك. لم نكن قد سمعنا إلا عن السلبيات التي ترتبط بالأمر، دون أن نعرف أسباب ذلك.
وهكذا اتصل بنا جوي ولحسن الحظ أنه كان أيضًا من مستخدمي المنتج. وكان يعرف أننا لن نتجاهل أسئلة المستخدمين. وكان يطرح أسئلة تقنية، وتبرع لنا، فشعرنا بالامتنان له. ثم التقينا به في مؤتمر سوبر نوفا في شهر ديسمبر من عام ٢٠٠٢. والتقينا به مع باراك بيركوفيتش، وهو الآن الرئيس التنفيذي للشركة، وتحدثا عما نود أن ننفذه، فقلنا: «إننا نقدم خدمة الاستضافة هذه» — ولم يكن لها اسم بعد — «إنها سهلة ونظن أننا يمكننا إقناع كثيرين باستخدامها.» لكن بالنسبة لنا، كانت كلمة «كثيرين» تعني أنه إذا كان لدينا ١٣٠ شخصًا يستخدمون المنتج، فإن الدخل سيغطي النفقات. وإذا كان لدينا ٣ آلاف مستخدم يكون لدينا ما يكفينا لباقي حياتنا. وسنتمكن من مواصلة تقديم الخدمة عندما يصل عدد المشتركين فيها إلى ٣ آلاف.
فقال باراك: «هذا رائع بالنسبة لسوق متخصصة، أو لشركة خدمات شخصية، لكننا غير مهتمين بالاستثمار في هذا النوع.» فقلت في نفسي حينئذٍ: «من هذا الأحمق؟ لمَ يقول هذا لنا؟» في البداية لم نأبه، ولم نسعَ وراءه. وكذلك لم نكن نريد أن نسمع من يخبرنا أن أهدافنا ليست طموحة بما يكفي.
وبعد ذلك الغداء، دعانا الاثنان إلى السفر إلى اليابان لنتحدث. فرأينا أنها فرصة للحصول على إجازة مجانية. لم نرَ أننا سنحصل على أي نقود. وكان باراك يتحدى قدرتنا على تنفيذ المهمة، مما زاد من رغبتنا في تنفيذها. وكنا نعرف أيضًا أنهم إذا لم يستثمروا نقودهم معنا، فسيستثمرونها مع غيرنا. وفي ذلك الوقت، لم تكن جوجل قد اشترت بلوجر، فخطر لنا أن بلوجر هي التي ستحصل على النقود إذا لم نحصل نحن عليها. (وهو ما كان على الأرجح صحيحًا إذا لم تكن قد بيعت.) ولم نكن نريد أن يحدث هذا، فقد كنا نريد أن يكون لنا نصيب في هذا، ولم نشأ أن نكون على الهامش.
لطالما كنا نتميز بأسلوب طموح ورغبة في الفوز، لكن لم تكن لدينا فرصة كبيرة، لأنه لم يخطر على بالنا قط أننا يمكننا القيام بذلك. وأظن أن هذا من الأمور الجيدة أيضًا، فلأنه لم يخطر على بالنا قط أننا نستطيع القيام بذلك، لم يخطر على بالنا أيضًا أننا لا نستطيع. كل ما كنا نحتاج إليه فقط هو التركيز. وكان هذا مهمًّا فعلًا لما قمنا به. ونظرًا لافتقارنا إلى الخبرة، كنا نقول: «وما الضرر في ذلك؟»
وهكذا مر الوقت وكبرت الشركة واستحوذنا على شركتين في غضون ذلك.
ونتيجة لذلك، لم نعين موظفين بسرعة ولم نستأجر مكتبًا. لقد أتممنا الصفقة في أبريل لكننا لم ننتقل إلى مكتب إلا في أغسطس. وكان لدينا موظف يعمل من منزله في سان هوزيه، وآخر في نيويورك، وموظف الدعم في مينيسوتا. لقد كان بمثابة مكتب عن بُعد ولم يكن شيء يتغير لأننا لم نستطع إنفاق هذه النقود.
واشترينا أجهزة تشغيلية لتايب باد — خوادم وغيرها — وأصبح لدينا جدول رواتب للمرة الأولى. وأصبح لدينا خمسة موظفين. وهذا رقم أكبر بكثير من صفر، ولم نكن أنا وبن نحصل على راتب قط بخلاف ما نربحه من العمل الاستشاري، والذي كان إلى حد ما يعيد تدوير نفسه.
لقد كنا نمثل النقيض التام للأشياء التي ميزت الفقاعة. لقد شهدنا الفقاعة، ورأينا الناس تنفق أموالًا طائلة على أشياء غير مهمة. أما نحن، فلم نكن حتى نريد أن نشتري ثلاجة للمكتب لأن ثمنها ١٥٠ دولارًا. ولكن أظن أن خير الأمور الوسط.
كنت أنا وبن في الرابعة والعشرين من عمرنا، ومن أين لنا أن نتعلم تلك الأمور؟ لقد حصلنا على الكتاب الذي تنشره شركة نولو عن تأسيس الشركات وبحثنا على الإنترنت، لكن كان الأمر شديد الصعوبة.
إننا ندين بالكثير لباراك. وقد أصبح عضوًا بمجلس الإدارة (لشركة نيوتني) بعد الاستثمار، وكان أفضل عضو بمجلس الإدارة؛ فهو لم يساعدنا في التوصل إلى استراتيجية العمل فحسب، بل ساعدنا أيضًا في الحصول على مكتب وفي التأمين، وفي تركيب التوصيلات الكهربائية في المكتب، وتنفيذ الأمور الخاصة بالعمل. وهذا أحد الأسباب التي جعلتنا نختاره رئيسًا تنفيذيًّا، لأنه كان على أتم استعداد للقيام بكل شيء نحتاج إليه، ولم يكن مجرد مستثمر يمنحنا نقودًا فحسب ويطمئن على سير أدائنا كل ربع عام.
ومع ذلك، فقد كان يسمح لنا بالطبع بارتكاب الأخطاء حتى نتعلم منها. فعلى سبيل المثال، لم يسمح لنا بالتقدم بأقصى سرعة لأنه كان يجب أن نتعلم بأنفسنا أن هذه ليست الفكرة المثلى. وهناك مثال آخر عندما ذهبنا لمشاهدة مقرات للشركة. فقد ذهب باراك لأن بن كان في المنزل يعمل. وكنا نشاهد أماكن بها عشرة أو عشرين مكتبًا، فكنت أنا أقول: «إذا احتجنا مقرًا بهذا الحجم في غضون عام من الآن، فأنا لا أعلم ما نفعل لأننا لا نحتاج كل هذا العدد من الموظفين.» فقال: «حسنًا. إنه قرارك.» فحصلنا على مقر مساحته ١٥٠٠ قدم مربعة، وفي غضون ثمانية شهور أصبح لا يتسع لنا جميعًا. وقد كان الناس يسألوننا عن سبب حصولنا على مقر بهذا الصغر، وكان ذلك يعود لأنني كنت أعتقد أن كل شيء آخر أكبر مما نحتاج إليه. وقد توصلت إلى تلك الفكرة دون استشارة أحد. وكان ذلك درسًا مهمًّا، وقد أدى المهمة على الوجه الأكمل.
ولولا باراك، لا أدري أين كنا سنصبح الآن. لقد كان المنتج هو كل ما نعرفه. لكن كان هناك الكثير من الأشياء الصغيرة التي ليست لدينا أدنى فكرة عنها. لقد كان الأمر بأكمله عسيرًا. لكن إذا فكرت في الأمر أكثر من اللازم، فلن تفعلي شيئًا. بل يجب عليك تقريبًا ألا تعرفي ما أنت مقدمة عليه حتى تتمكني من تنفيذه.
لقد كانت الوتيرة البطيئة التي تسير بها عملية التوظيف مفيدة للميزانية لأننا استطعنا العمل بالاعتماد على مبلغ ٦٠٠ ألف دولار لفترة طويلة حقًّا. لكن في الوقت نفسه، لم يكن ذلك جيدًا لأنه كان على حساب صحتنا.
اتخذت قرار تعيين باراك رئيسًا تنفيذيًّا في نوفمبر ٢٠٠٢، لكنه لم يصبح رئيسًا تنفيذيًّا إلا في يوليو ٢٠٠٣. وكان إلى حد ما يلعب دور الرئيس التنفيذي في يناير ٢٠٠٣. وكان يعمل بدون الحصول على راتب. وأصبح يحصل على راتب في النهاية، لكنه كان يعمل بموجب وعد بأنه سيصبح الرئيس التنفيذي وهو أمر رائع. فقد كان من الرائع أن يعمل شخص ستة شهور على أساس مجرد تفاهم شفهي؛ فقد كان يؤمن بنا بشدة.
لكن هذا ليس دائمًا شيئًا سيئًا. ففي حالة لايف جورنال، كتب براد فيتزباتريك كل شيء بدلًا من شرائه. وقد نجح الأمر معه. واستمر في الاضطلاع بعمله لست سنوات. لذا أظن أن الأمر ينجح، لكن كان لدينا نطاق يختلف عن لايف جورنال، وهو ما استغرق وقتًا طويلًا لاكتساب قاعدة كبيرة من المستخدمين.
لذا كنا نريد توفير خدمة يمكن لأي شخص استخدامها. لذا بدأنا تطوير تايب باد. وهو يشبه كثيرًا نظام «كل ما تراه هو ما تحصل عليه»، ويمكنك سحب وإسقاط عناصر إلى القوالب الخاصة بك، ولا تحتاجين إلى خبرة في وضع الأكواد. إنه منتج مختلف تمامًا عن موفابل تايب.
وهذا أمر طريف، لأن تثبيت موفابل تايب مهمة معقدة، لكن من المستحيل تقريبًا أن يثبت أحد تايب باد لأن إعداد الخادم يشتمل على الكثير من المتطلبات. إنه يشبه محاولة اختيار أفضل شيء في كل شيء. وهذا هو ما نفعله مع نظام كومت الذي أعلنا عنه في مؤتمر ديمو. إنه الجيل القادم من المنصات. ويتضمن جميع السمات الجيدة في لايف جورنال — مثل خصوصية النشر وتجميع الأصدقاء وإمكانية قراءة ما يضعه الآخرون — مع خيارات النشر المتوافرة في موفابل تايب وتايب باد. لذا فإن السبب في أن تايب باد لم يصبح موفابل تايب هو اختلاف الجمهور ولم يكن من المنطقي أن يكون ذلك متاحًا على تطبيق يمكن تثبيته.
البعض يرى أن ذلك ليس سلوكًا مناسبًا، لكنه هو السلوك الذي ساعدنا على مواصلة عملنا؟ وهذه نصيحة للناس: لا تعتذر عن رغبتك في أن تتحول إلى شركة. فهناك الكثيرون يقولون إنهم لا يريدون فرض رسوم وإن كل شيء يجب أن يكون مجانيًّا. وهذا أشبه بكونك مقتنعًا بأنك لا تستحق أن يدفع لك أحد مقابل وقتك. بل تزداد قوة اقتناعي بذلك إذا كنا بصدد الحديث عن شركة كاملة وليس مجرد أنا وبن. وقد نكون نحن الحمقى الذين يعملون دون مقابل، لكنني لن أدع الآخرين يعانون بسبب هذا.
وبخصوص موفابل تايب قلنا: «لماذا يجب أن تحصل الشركات على هذا مجانًا؟ لماذا يستغلنا الآخرون؟» لقد كان الكثيرون ينشئون خدمات استضافة باستخدام موفابل تايب، وكانوا يفرضون رسومًا على المستخدمين. لذا وضعنا قيودًا على الترخيص تقضي بالحصول على عدد محدد من المدونات وعدد محدد من المؤلفين. لقد كنا نستهدف الأشخاص الذين يربحون من وراء البرنامج بهذا الأسلوب. لكننا طبقناه على المستخدمين الشخصيين أكثر من اللازم، ومنعنا المستخدمين الشخصيين من الاستفادة من البرنامج، وقد أثار هذا فزع الجميع. ففقدوا صوابهم. وكان أكبر خطأ ارتكبناه هو أنه لم يكن من المفترض أن يُطبَّق ذلك على الجميع.
عندما غيرنا سياسة الترخيص، فقد الناس صوابهم. وأشاروا إلينا وهم يقولون: «هؤلاء هم الذين خدعوكم. أما نحن فقد دعمناكم طوال هذه السنوات.» لقد كان ذلك صعبًا علينا لأننا كنا دائمًا المفضلين في هذا المجال. إننا لم نحاول قط أن نكون هكذا، لكن الناس رأوا أننا لم نخطئ في شيء. ونحن بالفعل لم نرتكب أي خطأ. ولا أظن أن ما فعلناه في هذا الصدد كان خطأً، لكن بمجرد بدء فرض رسوم على شيء، يؤدي ذلك إلى تغيير انطباع الناس. لذا فجأة أصبحنا أشرارًا لرغبتنا في تحقيق بعض الأرباح من منتجنا. وهذا مما يؤسف له لأن هذه هي فكرة الناس عن الإنترنت، وتتمثل في أنه لا شيء يكلف دفع المال. لكننا بحاجة لدفع رواتب الموظفين وسداد الإيجار.
هذا أمر معقد حقًّا، وأظن أن معظم من ليسوا في مثل موقفنا لا يمكنهم حقًّا إصدار حكم دقيق. أذكر عندما باع إيفان ويليامز بلوجر لجوجل اندهش الناس للأمر. في حين رأينا نحن أنه أسس شركة ثم باعها. فيجب ألا يخجل المرء من رغبته في أن تكون شركته ناجحة. وبالطبع، يجب ألا يقوم بأي شيء غير أخلاقي، ونحن لم نقُمْ قط بأي شيء غير أخلاقي.
ونحن في سيكس أبارت متأخرون بعض الشيء عن رؤيتنا؛ لأننا كنا نتحدث عن أشياء بدأنا أخيرًا إنتاجها وطرحها الآن، مع أننا كنا نعمل عليها عامًا أو اثنين، مثل نظام كومت الذي كنا نعمل عليه منذ اليوم الأول من تأسيس الشركة. وبخلاف هذا، هناك البرمجيات مفتوحة المصدر، البرامج المجانية المنافسة لنا.
إننا نسعى لإتاحة فرصة التدوين أمام الكثيرين — مئات الملايين من الأشخاص — وهناك متسع لوجود أكثر من برنامج ليقوم بهذا. ولا أظن أن الناس يدركون هذا. إنهم يرون أنها لعبة يكون للمرء فيها إما كل شيء أو لا شيء. وأظن أنه من الضروري أن ندرك أننا نبني سوقًا، ومن الضروري أن نصمم لأكبر عدد ممكن من الأشخاص وألا نقلق بشأن الأعداد. فالأمر ليس لعبة أرقام بقدر ما هو قائم على الابتكار.
لا أدري لِمَ انهرت وأنا أستحم، لكنني أذكر هذا لأننا كنا في شقتنا القديمة. أذكر أنني نظرت إلى البلاط، ولم أستطع أن أتخيل كيف سيمكننا الخروج من هذه الأزمة. من الصعب حقًّا أن أفكر في هذا لأنه كان وقتًا عصيبًا. لم أكتب عنه في المدونة قط. ربما من الأفضل أن أكتب عنه؛ لأن الناس لا يفهمون مدى صعوبة الأمر.
لكن الأمر يشبه تذكر سنوات المراهقة والتفكير في مدى بشاعتها، ولكنك تدركين أنها لم تكن سيئة إلى هذه الدرجة. فما الذي كان يضايقك؛ أنك لم تذهبي إلى حفلة راقصة؟ أهذا هو أسوأ شيء في حياتك؟ فتجدين نفسك تقولين: «في الواقع، إنها لم تكن سيئة إلى هذا الحد»، لكن الأمور دائمًا ما تبدو أسوأ عندما يكون المرء في خضمها.
وعندما ذهبنا إلى اليابان في تلك الرحلة، قلنا إنه إذا لم نحقق من وراء هذه الشركة أي شيء غير هذه الرحلة إلى اليابان، نكون قد حققنا الكثير. فإننا فلم يخطر لنا قط أننا سنذهب إلى اليابان، فضلًا عن أنها على نفقة غيرنا. وكان علينا أن ندرك أننا حظينا بفرص كثيرة جيدة، وتعلمنا أنه إذا ما فشل كل شيء غدًا، فسنكون قد حققنا الكثير من ورائه.
أظن أنه من المهم حقًّا أن ندرك الأشياء ذات الأهمية الحقيقية. فلا يمكن التركيز بشدة على الأمور التي ليس لك بالضرورة سلطان عليها. فمع أننا يمكننا التحكم في نجاح الشركة إلى حد ما، فلا بد أن يشعر المرء بالامتنان لما لديه. فقد تمكنا من شراء منزل. ولم يخطر لنا قط أن ذلك سيكون بإمكاننا. فهذا يعد أمرًا لا يستهان به.
وقبل أربع سنوات، لم يخطر ببالي قط أنه سيكون لدينا ما نملكه الآن، ولا أقصد الماديات فقط، بل الشركة والمنزل والأصدقاء والاحترام. فهل كنت سأستقيل؟ كلا، لم أكن لأستقيل، لأنني لم أستقل. لكننا كنا على وشك ذلك.
أظن أن الأمر كان أصعب بسبب الزواج. فمن الصعب أن تعاني من قلق شديد دون أن يكون لديك أي متنفس غير العمل، لكن في الوقت نفسه، كان بن يدري بما أمر به أكثر من أي شخص آخر في العالم، لذا لم أكن مضطرة لإطلاعه على طبيعة شعوري لأنه كان يعرف ما يزعجني.
ودائمًا ما تنشب المشاجرات الكبيرة بسبب شيء لا يسير على ما يرام. وأكون أنا البادئة. فإذا انهار شيء، فإنه عادة يكون شيئًا مرتبطًا بالهندسة. لا يكون مرتبطًا بالتصميم، لأن التصميم شيء لا ينهار. قد لا يعمل بالطريقة التي يريدها الناس، لكنه لن يكون ملحوظًا. لذا كنت أفقد أعصابي وأقول لبن: «إنه لا يعمل! ألا تعلم أنه لا يعمل؟ ألا تأبه لأمر الشركة؟» لكن الصراخ في وجه بن لن يصلح المشكلة. وهذا شيء أدركته. لكن اتضح أن ذلك كان بسبب الحمل، وقد توقفت عن خوض المشاجرات العنيفة.
عندما كنت في المدرسة، كنت أنا دائمًا مهرجة الفصل. وعندما أتذكر غيري من مهرجي الفصل، أكتشف أنه لم تكن بينهم أي فتاة غيري. كنت أنا فقط ومجموعة من الصبية. أظن أنها نفس الشخصية التي تدفعك للقيام بشيء مثل تأسيس شركة، ولا يمكنك الإقدام على ذلك دون أن يكون لديك ميل للفت الأنظار.
لقد انسحبت قليلًا. ولم أعد أرغب في لفت الأنظار. لكن ثقتي ازدادت فيما أنجزته. فلطالما كنت أجد نفسي أنسجم أكثر مع الصبية في المدرسة ولطالما كنت أتنافس معهم. ولعل من أهم العوامل التي ساهمت في وصولنا إلى ما وصلنا إليه هو ميلي إلى منافسة بن.
عندما كنا في المدرسة الثانوية، كنت أرسب في المواد التي أدرسها. فقد كنت أكره الدراسة. ليس لأنني لم أكن ذكية، لكنني لم أكن أهتم بالرياضيات والعلوم. وكانت درجاتي في مادتي اللغة الإنجليزية والتاريخ رائعة، أما فيما عدا ذلك فقد كنت فاشلة. ثم بدأ تعارفي على بن وكان هو الطالب المتميز الذي يحصل على أعلى الدرجات وسيلقي الخطاب الأخير في حفل نهاية العام الدراسي. أي إنني كنت طالبة تحصل على تقدير مقبول وعلى علاقة عاطفية مع الطالب المتميز، فلم أود أن أكون أنا الطرف الذي يعتبره الآخرون الطرف الأقل ذكاءً، فنجحت في نقل معدل درجاتي في ربع العام من مقبول إلى جيد.
وفي الجامعة، كنا نتنافس في كل مادة ندرسها. وكنت أغضب لأن مجال تخصصه كان الرياضيات وكان مجال تخصصي اللغة الإنجليزية، وقرر هو أن يكون مجال تخصصه الثاني هو اللغة الإنجليزية، فكان يأتي لحضور محاضراتي ولم يكن يتفوق عليَّ إلا في القليل. فكنت أحثه على البقاء في تخصصه. ولكن الحال ظل هكذا في العمل أيضًا، وقد كان كلٌّ منا يريد أن يكون ناجحًا طوال الوقت، ولذلك كنا نتنافس لأن كلًّا منا كان يريد التفوق على الآخر.
عادة ما أجد صعوبة في ذكر أسماء نساء يعملن في هذا المجال عندما يُطلب مني ذلك. لكني أعلم أنهن موجودات. الكثيرات يعملن في مجال التسويق والتصميم. وأظن أن تعلم التسويق والتصميم أصعب كثيرًا من تعلم الهندسة. وهذا رأيي. ودرج الناس على إصدار أحكام تقييمية على الهندسة تفترض أنها مجال يتطلب المزيد من الذكاء على أساس أن معظم العاملين به من الرجال ومن ثَم ينبغي للنساء أن يدخلن إليه. لا أظن أن هذا صحيح على الإطلاق. بل إنني أقول إن النساء بارعات في التصميم والتسويق والتواصل. وهي مهارات يصعب اكتسابها في الحياة. إذ إنها تتضمن القدرة على الكتابة والتوصل إلى المواصفات التي يريد الناس توافرها في المنتجات المقدمة لهم، وأسلوب تسويق المنتجات.
لا تعمل نساء كثيرات في مجال التكنولوجيا، وربما لا يعتبر ذلك أمرًا مهمًّا. فما أقصده هو أن المسألة لا تقاس هكذا، فلماذا إذن لا يعمل الكثير من الرجال في مجال التصميم؟
ويتمثل الجانب الإيجابي من الأمر في أنني غير مضطرة إلى إجراء المقابلات الشخصية مع الجميع. فهي ليست مثل الشركات الصغيرة، التي لا يحصل فيها الشخص على الوظيفة إلا إذا أجريت أنا المقابلة الشخصية معه. وهذا من دواعي سروري. لا نزال نعقد اجتماعات العاملين كل يوم جمعة حيث يأتي الجميع ونتحدث ونتعارف. أي إننا لا نزال شركة صغيرة من هذه الجهة.
ويفاجئني أننا لا نزال نعقد هذه الاجتماعات بعد أربع سنوات، كما يدهشني أنني بالفعل أحب هذا العمل. فلم أحب قط أيًّا من الوظائف التي عملت بها (مع أنني لم أعمل إلا في وظيفتين). أما هذا فهو عمل أستمتع به. فأنا أحب العمل. لقد خطر هذا الأمر على بالي الليلة الماضية؛ إذ بينما كنا نجلس نشاهد التليفزيون، كما نفعل كل عطلة أسبوعية، خطر لي ألا أذهب إلى العمل في اليوم التالي لأتمكن من مشاهدة الحلقة الأخيرة من مسلسل ما، لكن قلت لنفسي إنني أحب العمل وأحب التوجه إلى مكان عملي والتحدث إلى الناس.
سأشعر بالحزن حين يأتي يومُ تختفي فيه هذه الشركة بشكل ما، لكن قد لا يحدث ذلك إلا بعد وقت طويل. فقد استغرق الأمر ١٠ سنوات مع أمازون.
لم تصل شهرتي إلى الحد الذي يجعل الناس من خارج مجال التدوين يتعرفون عليَّ، لكنني شهيرة إلى درجة أنني لم أعد أشعر بالارتياح للكتابة عن أي شيء على الإنترنت لأن الناس تميل عادةً لتحليله. وهذا أمر صعب. لكنه كان إيجابيًّا أيضًا لأنني أظن أننا اقتربنا مما يريده الناس حقًّا. فلا يمكن أن تجدي من يدير شركة ويهتم إلى هذا الحد بإطلاع العالم بأسره على كل ما يقوم به، وينصب اهتمامه على تحقيق الشهرة؛ لأن هذا لا ينطبق على معظم الناس.
ولعله من الأفضل أنني صرت أميل إلى الكتابة عن مواضيع لا تتعمد السعي إلى لفت الأنظار، لأنني أظن أن هذه هي الطريقة التي تناسب الناس. فإذا اهتممت بالحصول على أكبر عدد من القراء لمدونتي، فلن يؤدي ذلك إلى تحقيق الشهرة، لأن معظم الناس لا يفكرون بهذه الطريقة. لقد تحولت من هذا عام ٢٠٠٢ — وكانت مدونتي حينئذٍ قد بلغت أوج انتشارها — إلى ما وصلت إليه الآن؛ إذ يسعدني أن لايف جورنال يقرؤها عشرون شخصًا. وتعتبر محاولة اكتشاف طريقة الارتقاء بتلك التجربة في غاية الأهمية.
لكنه أمر قاسٍ، ولهذا السبب أنصح بإنشاء شيء مثل لايف جورنال لأصدقائك الذين تعرفينهم في الواقع، لأنه ليس أمرًا مسليًا أن تجدي أنك أصبحت مادة للتجريح والانتقاد العنيف. لقد تعرضت للكثير من هذا، ولهذا توقفت عن التدوين، لأن الناس كانوا ينتقدونني.
وفي إحدى المرات كتبت مازحة عن رغبتي في الحصول على آلة موسيقية تسمى البنجو، وكتبت أن بن مستبد برأيه ولن يشتري لي بنجو. وأنا في الواقع ليست لديَّ أي أدوات موسيقية، فلماذا أشتري آلة بنجو ثمنها ثلاثمائة دولار؟
وكان هو على حق، لكنني حاولت أن أصوره على أنه شرير. وكان الهدف من هذه الدعابة هو أن أبدو أنا سخيفة لأنني أريد هذا الشيء ويبدو هو عقلانيًّا. لكنني تلقيت رسائل بريد إلكتروني تقول: «يجب أن تتركي زوجك!» وأخرى تقول: «كم ينفق هو على الجعة كل عام؟» وكل تلك الردود التي تصدر أحكامًا علينا. وهكذا فإنهم أولًا لم يفهموا الدعابة (ومن الصعب بالفعل ترجمة الدعابات على الويب) وثانيًا لا يحق لأحد التحدث عن زوجي بهذا الأسلوب.
وكانت هذه هي ذروة رغبتي في الحديث عن كل شيء. أو في الحديث للكثير من الناس.