الفصل الحادي والثلاثون

بوب ديفيس

مؤسس، شركة لايكوس

تأسست لايكوس عام ١٩٩٥ عندما اشترت «آت فينتشرز»، وهي المجموعة الاستثمارية التابعة لسي إم جي آي، محرك بحث طوره مايكل مولدين في جامعة كارنيجي ميلون، وانضم إليهم بوب ديفيس ليعمل رئيسًا تنفيذيًّا. وقد حققت الشركة نموًّا سريعًا على مدى السنوات العديدة التالية عندما انتشر استخدام الإنترنت.

وبحلول ذروة فقاعة الإنترنت، أصبح يحتل المرتبة الرابعة كأشهر موقع على الويب. وفي عام ٢٠٠٠، استحوذت تيرا نتوركس — وهي فرع من شركة الهواتف الإسبانية تليفونيكا — على لايكوس مقابل ٥٫٤ مليار دولار.

ويعمل ديفيس حاليًّا شريكًا عامًّا إداريًّا في شركة رءوس أموال مخاطرة يطلق عليها هايلاند كابيتال.

***

ليفنجستون : وُلدت تكنولوجيا لايكوس الأصلية من جامعة كارنيجي ميلون. فكيف كانت بداية الشركة؟
ديفيس : ابتكر التكنولوجيا عام ١٩٩٤ عالم كمبيوتر عبقري في جامعة كارنيجي ميلون اسمه مايكل مولدين، وكان يشتهر باسم فازي. وكان مشروعًا بحثيًّا جاء ثمرةً لمنحة بحثية فيدرالية. لذا كان فازي يعمل وحده في مكتب مغلق في معمل الأبحاث في جامعة كارنيجي ميلون.
وكان واثقًا من أنه توصل إلى كشف مهم، لكنه لم يكن يدري ماذا يفعل به ولم يشأ أن يدخل عالم الأعمال ويعمل في كيان تجاري. ولذلك فقد تعاون مع مكتب نقل التكنولوجيا بالجامعة لمحاولة بيع التكنولوجيا. وقابلوا بالصدفة دان نوفا من شركة سي إم جي آي التي كانت في ذلك الوقت شركة رءوس أموال مخاطرة صغيرة في مراحلها المبكرة، رأس مالها ٣٥ مليون دولار، وكبرت لتصبح واحدة من أنجح شركات الاستثمار في الإنترنت في عصرها. وقد أسسها ديف ويذيريل الذي أدرك المكانة التي ستصل إليها هذه الوسيلة في الوقت الذي كان فيه أغلب الآخرين لا يزالون يتعلمون كيف ينطقون كلمة «إنترنت». وباختصار، استحوذ هو على ٨٠ بالمائة من الشركة، وظل ٢٠ بالمائة منها ملكًا لفازي وجامعة كارنيجي ميلون بواقع ١٠ بالمائة لكل منهما.
ليفنجستون : كيف اشتركت في تأسيس لايكوس؟
ديفيس : كنت نائب رئيس المبيعات في شركة تكنولوجيا بارزة تبيع وحدات الذاكرة لأجهزة آي بي إم المركزية، ولم تكن وظيفة تثير حماسي، ولم أكن سعيدًا بها. وفي أحد الأيام اتصل بي صديقي دان نوفا لمجرد الاطمئنان عليَّ. وأخبرني أنه يحاول إبرام صفقة مع كارنيجي ميلون على تقنية معينة وأنه في حالة إتمام تلك الصفقة، فإنه لن يكون لديه رئيس تنفيذي. وفي ذلك الوقت كان لا يزال في المراحل الأولى من التفكير في الصفقة. لذا فقد سألته: «ما رأيك فيَّ؟» فضحك. فأخبرته أنني جاد فيما أقوله.
وتحدثنا في تفاصيل الموضوع وتعاونت معه وهو يعقد الصفقة مع كارنيجي ميلون. ثم انضممت في منصب الرئيس التنفيذي لشركة لم يكن لها وجود فعلي بعد، لأن كارنيجي ميلون كانت لا تزال تمتلك التقنية ولم تعقد الصفقة مع سي إم جي آي. لذا كنت الرئيس التنفيذي لشركة لايكوس لمدة أسبوع تقريبًا من شهر يونيو من عام ١٩٩٥، دون أن تكون الشركة موجودة. ولم يكن لدينا موظفون آخرون أو عملاء أو منتجات.
ليفنجستون : لكن كانت لديكم التكنولوجيا.
ديفيس : كانت لدينا التكنولوجيا. لكن لايكوس لم تكن تعتمد في الأساس على التقنية، بل كانت تقوم على العلامة التجارية الاستهلاكية.
ليفنجستون : ما الذي ركزت عليه في الشهر الأول؟
ديفيس : كانت المهمة الأولى للشهر الأول هي تكوين فريق عمل، وتعيين الموظفين الأساسيين. ومحاولة فهم المجال الذي نعمل به، وطريقة تسيير العمل. وهل نحن شركة تكنولوجيا؟ أم شركة إعلامية؟ أم مزيج من هذا وذاك؟
وقد تأخرنا إلى حد ما في الدخول إلى المجال؛ لأنه في الوقت الذي أسسنا فيه الشركة، كانت هناك محركات بحث أخرى مثل إنفوسيك وياهو موجودة في السوق. وهكذا ظهرنا على الساحة ونحن نحاول التوصل إلى ما نريد أن نفعله. وكنا إلى حد ما في حيرة من أمرنا حيث إنني لم أستطع اتخاذ القرار بشأن التخصص في التكنولوجيا أم الإعلام. فهما مجالان مختلفان، لذا ابتكرنا كلمة «تكنوميديا»، وكانت تدل على أننا نرخص التقنية التي نبتكرها وفي الوقت نفسه نصمم موقعنا الخاص الذي يحمل اسم شركتنا، ونبيع الإعلانات. لكنه لم يكن مصطلحًا جيدًا. وفي النهاية تخلينا عن التكنولوجيا وأصبحنا شركة إعلامية على الإنترنت.
ليفنجستون : ألم يكن مقر مجموعة التكنولوجيا في بيتسبرج؟
ديفيس : كان فازي ملتزمًا بأن يكون عالم أبحاث ولم يشأ أن ينضم إلى الشركة أو أن تكون له علاقة بالجانب التجاري منها. لكن اتفاقنا مع جامعة كارنيجي ميلون كان يقضي بأن نحتفظ بوجودنا في بيتسبرج. لذا فمع أن المقر الرئيسي للشركة كان يقع في بوسطن، كان لزامًا علينا أن يكون لنا وجود قوي في بيتسبرج.
وقد حالفنا الحظ في أن جامعة كارنيجي ميلون كانت تمدنا بالطلاب وطلاب الدارسات العليا، والخريجين في المنطقة؛ لأنها كانت أول مؤسسة متخصصة في علوم الكمبيوتر. وقد وظفنا أول مجموعة من المهندسين التقنيين لنا من كارنيجي ميلون، كان أحدهم معيدًا يعمل تحت إشراف فازي وآخر كان يعمل في معامل البيانات الخاصة بها. وأظن أن عدد الموظفين وصل على الأرجح إلى ٣٠٠ موظف في فرع بيتسبرج، وبالطبع كان الفرع يضم عدة جوانب مهمة من عملياتنا الهندسية.
ليفنجستون : هل كان من الصعب إدارتها، لا سيما باعتبارها شركة ناشئة؟
ديفيس : نعم، كانت إدارتها شديدة الصعوبة. إن المسافة بين بوسطن وبيتسبرج يمكن قطعها برحلة قصيرة بالطائرة، لكن كان الأمر كما لو أن محيطات تفصل بيننا؛ لأنه لم يكن بإمكاني أن ألقي التحية على الزملاء وأسألهم بكل بساطة عن الخطوة التالية التي علينا اتخاذها. وقد أضاف هذا عبئًا كبيرًا على عاتق الشركة.
ليفنجستون : ماذا كانت المشكلات الكبرى الأخرى التي واجهتها مبكرًا؟
ديفيس : بل قولي ما الذي لم يكن مشكلة؟ تعيين الموظفين وطردهم وفهم نموذج المشروع الذي نتبعه والحصول على عملاء وتقديم الخدمات للعملاء والبحث عن مكتب والتوسع في الشركة والتفوق على المنافسين وطرح الأسهم للاكتتاب العام والحصول على تمويل وإرضاء حملة الأسهم. كل هذا في الشهور التسعة الأولى.
ليفنجستون : هل كنت تعرف من البداية أن هدفك هو طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام؟
ديفيس : كلا. عندما أسسنا الشركة رأيت أننا يمكننا تكوين شركة كبيرة، لكن لم يخطر ببالي أنها ستصبح بالحجم الذي وصلت إليه. وقد قال لي دان نوفا بعد أسبوع من تأسيس الشركة: «لن تكون هذه الشركة قط من الشركات التي يعمل بها عدد كبير من الموظفين.» لكن عندما تركت الشركة في آخر الأمر كان عدد الموظفين بها يصل إلى ٣٥٠٠ موظف. كما أننا نتندر على تلك المرة التي قلنا فيها: «ذات يوم — إذا ما حالفنا الحظ — قد يصل عدد مستخدمي لايكوس إلى مليون مستخدم.» وأظن أنه كان لدينا حينئذٍ ٥٠ ألف مستخدم أو ١٠٠ ألف. وعندما تركت الشركة كان لدينا ما يقرب من ١١٠ إلى ١٢٠ مليون مستخدم شهريًّا.
ليفنجستون : ماذا كانت نقاط التحول الكبرى؟
ديفيس : لم تكن هناك نقطة تحول في حد ذاتها. لقد كان الأمر عبارة عن تطور كامل وكانت تأتينا فرصة جديدة وتحدٍّ جديد كل يوم. وكلما تخلصنا من عقبة، نجد دائمًا أخرى في انتظارنا. فكنا نكافح ستة أو سبعة حرائق في أي وقت في أي يوم، ونكافحها كلها في الوقت نفسه الذي نحاول فيه أن نضع المخطط الذي تقوم عليه الشركة. ومن ثَم فقد كنا نعالج حالات الطوارئ اليومية ونحن نحاول بناء الشركة.
لكن هذه هي طبيعة مؤسسي الشركات وهذه هي طبيعة الشركات الناشئة. سيكون من الصعب أن نجد شركة في تاريخ الشركات وضعت مخططًا واستطاعت أن تلتزم به بالحرف الواحد طوال حياتها. فهذا لا يحدث. إنها بيئة عمل متغيرة.

وهكذا واجهنا الكثير من المشاكل. وكان تكوين فريق العمل تحديًا هائلًا. فقد أصبحت لايكوس من الشركات الجاذبة للموظفين بعد بضع سنوات، لكن في البداية لم يكن أحد قد سمع بها، وكان هناك من يرون أنها فكرة مجنونة لن يكتب لها الاستمرار. وبغض النظر عن الشركة، لم يكن الناس يؤمنون بالوسيلة الإعلامية في ذلك الوقت، لذا كان تعيين الموظفين يعتبر تحديًا. وكان تعيين العناصر التي تتميز بالكفاءة مسألة دقيقة ومعقدة لأنه لم تكن لدينا وسائل إثبات كفاءة الموظفين بمعنى أنه لم يكن هناك ما يمكن أن نسميه نجاحًا يمكن إثباته.
ليفنجستون : كان هذا قبل أن يُقبل الناس على الانضمام إلى الشركات الناشئة؟
ديفيس : لقد كانت الشركات الناشئة موجودة منذ وقت طويل، لكن لم يكن الالتحاق بالعمل لدى شركة ناشئة يحظى بالجاذبية التي أصبح يحظى بها بعد مرور بضعة أشهر. لكن لطالما كان مؤسسو الأعمال ومن لديهم الاستعداد للمجازفة موجودين. ولم يكن الإنترنت قد انتشر بالطبع، ولم يكن أحد قد سمع بلايكوس عندما أسسنا الشركة.
ليفنجستون : ما الذي اكتشفت أن الناس أساءت فهمه؟
ديفيس : أظن أن الأمر كان أقرب إلى غياب الرؤية الواضحة لما ستصبح عليه الإنترنت. فلم يكن هناك من يصدق أنها ستُستخدم في المنازل. لكن ضعي في اعتبارك أنه في ذلك الوقت، عام ١٩٩٥، كان من غير المعتاد إلى حد ما أن نجد أجهزة الكمبيوتر في المنازل. إذ كانت موجودة في الشركات، لكنها لم تكن متوافرة في المنازل ويستخدمها أطفالنا. فحين نفكر في الإنترنت حاليًّا، فإننا نعتبرها أعظم وسيلة ظهرت قاطبة. لكن في عام ١٩٩٥ لم يكن البريد الإلكتروني معروفًا إلا في الشركات.
ليفنجستون : كيف تمكنت لايكوس من استقطاب الزوار أول مرة؟
ديفيس : لقد حالفنا الحظ في أنه كان لدينا منتج جيد في ذلك التوقيت، مع أنه كان هناك آخرون يسبقوننا. لكننا روجنا له وأعلنا عنه وسعينا بقوة لإقامة علاقات عامة. وبمرور السنوات حصلنا على تغطية صحفية كبيرة. لقد روجنا للمنتج على أعلى مستوى. وشجعنا موظفينا على أن يخبروا أصدقاءهم وعائلاتهم وجيرانهم عن لايكوس وكيف يمكن الاستفادة منه. وفي نهاية المطاف، على مدى فترة ١٨ شهر تقريبًا، بدأت الشركة تحقق نموًّا سريعًا؛ فبدت أشبه بكرة ثلج يزداد حجمها بسرعة وهي تتدحرج إلى أسفل التل بقوة دفع كبيرة يصعب إيقافها.
ليفنجستون : ومن كانوا أول عملائكم؟
ديفيس : كنا نتحدث طوال الوقت في لايكوس عن ثلاث فئات من العملاء: الموظفين والمعلنين (وهم العملاء الذين يدفعون نقودًا) والمستخدمين. ومن وجهة نظري، كان المستخدمون يأتون على رأس القائمة، لأنه بدون المستخدمين لا وجود للشركة. وكان من اللافت أن أبعد العملاء، من حيث إنه لم يكن هناك تعامل مباشر معهم — وهم مشاهدو المنتج — كانوا هم العامل الأهم لنجاحنا.
ولم نكن نعرف من يشاهدنا، لا سيما في وقت مبكر. ولم نكن نعلم متى يشاهدنا، لكننا كنا واثقين أنهم يشاهدون. وبفضل تسجيل الدخول كنا نعرف أن الجمهور في ازدياد سريع.

وكانت شركة إيه تي آند تي أول عميل يدفع لنا نقودًا؛ وكانت أول المعلنين. وكانت صفقة صغيرة، فكان قيمة طلب حملة الإعلانات ٥ آلاف دولار. لكننا كنا في غاية السعادة، فقد أسعد ذلك المستثمرين والموظفين. فقبلنا الطلب وسرعان ما أدركنا أننا لا نملك أي تكنولوجيا تتيح لنا وضع إعلان على الخادم! فكلفنا المختصين الفنيين بالعمل المتواصل لمدة أسبوع ونصف تقريبًا، لكنهم توصلوا إلى طريقة ووضعنا أول إعلان شريطي لإيه تي آند تي على لايكوس.
ليفنجستون : ما الذي كان يميز لايكوس عن منافسيها؟
ديفيس : كان هناك تشابه كبير من حيث المنتجات التي نبيعها. فإذا ذهبت إلى لايكوس أو ياهو أو إنفوسيك أو إكسايت، تجدين أن القواسم المشتركة بين المنتجات أكثر بكثير من الاختلافات بينها. ولكننا تميزنا عن غيرنا من حيث العلاقة مع المستهلك أكثر مما كنا نتميز من حيث التكنولوجيا، وهذه هي العلامة التجارية.
وقد بذلنا جهدًا كبيرًا لترسيخ مكانتنا وبناء العلامة التجارية للشركة من حيث ما نريدها أن تكون عليه. فحاولنا أن نكون بيئة آمنة ومريحة لمن يحاولون استكشاف الإنترنت. وكنا نعتبر أنفسنا موقعًا يوفر لزواره مبادئ استخدام الإنترنت. فكان استخدام لايكوس طريقة مناسبة للبحث عما تريدين على الإنترنت، وقد اجتهدنا حقًّا كي نضع أنفسنا في هذه المكانة. أي إننا لم نحاول أن نكون السيارة المعدلة من طراز مازيراتي (مثلما كان يقول نائب رئيس التسويق) التي يمكنها أن تسير بسرعة ١٢٠ ميلًا في الساعة. ولم نكن نحاول أن نكون سيارة بيتل صغيرة. وإنما كنا نحب أن ننظر إلى أنفسنا في ضوء هذا التشبيه على أننا سيارة فورد تاوروس العائلية. لم نكن الأكثر جاذبية لكن كنا نتميز بثبات العزم فيما نقوم به.

وقد كان من أوجه اختلافنا اهتمامنا بالأرباح منذ اليوم الذي أنشأنا فيه الشركة، بينما لم يهتم الكثيرون بذلك. فقد كنا شركة تحقق أرباحًا منذ وقت مبكر، ربما منذ عام ونصف تقريبًا منذ تأسيس الشركة، ولم يسبقنا أحد إلى ذلك حقًّا.
ليفنجستون : من أكثر من أثار قلقكم من المنافسين؟
ديفيس : هذا يعتمد على أي يوم من أيام الأسبوع. ياهو على الأرجح. إذ إنه في البداية لم تكن جوجل موجودة، فلم تظهر إلا عام ١٩٩٨ تقريبًا. وساورنا قلق من نية مايكروسوفت في الدخول إلى عالم الإنترنت. فمواردها المالية لا تنضب. ولديها الإمكانية لتقديم خدمات قوية والإعلان عنها بكل قوة.
وكانت ياهو أيضًا تثير قلقنا لأنها في ذلك الوقت كانت هي العملاق الهائل. وكان جمهور ياهو أكبر من جمهورنا. وكنا نسعى دائمًا إلى اللحاق بها.
ليفنجستون : أتذكر أنكم اضطررتم في وقت ما أن تتظاهروا بأنكم أكبر من حجمكم الحقيقي؟
ديفيس : نعم، دائمًا. لقد أصبحنا أشهر وجهة على الويب في أبريل ١٩٩٩، أذكر هذا جيدًا. وحينئذٍ أصبحنا الموقع الذي يشهد أعلى نسبة إقبال من الزوار على الإنترنت، وتفوقنا على ياهو. لكن على مدى السنوات الأربع السابقة كنا نحاول دائمًا اللحاق بياهو. لذا كنا دائمًا نعلن عن أنفسنا ونتحدث عن مزايا لايكوس. وبمرور الوقت، أصبح هناك بعض الاختلاف من بعض النواحي، لكنه لم يكن هناك اختلاف من وجهة نظر العملاء.
وكنا نحن العاملين في هذا المجال نرى الأمر من زاوية مختلفة. فقد أصبح لايكوس أقرب إلى كونه محرك بحث وياهو أصبح أقرب إلى كونه دليلًا. وإذا كنت تذكرين ياهو عام ١٩٩٥ / ١٩٩٦، تجدين أنه لم يكن مزودًا بسمة البحث. بل كان المستخدم يصل إلى ما يبحث عنه بالنقر عبر فئات متعددة. فكان يبدأ مثلًا بالبحث في فئة الأدب ثم ينتقل عبر الفئات الفرعية الكتب ثم المؤسسين ثم كتب عن المؤسسين؛ ويظل يتصفح هكذا بدلًا من أن يقوم ببحث بسيط.
ليفنجستون : لقد طرحتم أسهمكم للاكتتاب العام فيما كان يعد أسرع طرح أولي عام في ناسداك على الإطلاق.
ديفيس : ولا يزال كذلك.
ليفنجستون : كيف تمكنتم من تحقيق ذلك؟ كيف تمكنتم من ابتكار خطة عمل ووضع رؤية للشركة، وتنمية الشركة، وتولي مهام العلاقات العامة والاستعداد؟
ديفيس : لقد أعددنا خطة عمل، لكنني سأكون كاذبًا لو قلت إننا كنا نرجع إليها كل يوم. فقد قضينا وقتًا طويلًا نعكف على الخطة ونحاول أن نحدد مجال العمل الذي نعمل به، والاتجاهات التي نسير فيها، لكن كان الكثير من جوانب حياة الشركة وليد الظروف. لكننا كنا نهتم بزيادة المستخدمين. وكنا نهتم كذلك بزيادة قاعدة الإعلانات. وكنا نهتم بالشراكات؛ فقد كان إقناع الآخرين بالترويج للايكوس مفيدًا للغاية لنا. وكان لدينا عدد كبير من العملاء مثل، إيه تي آند تي، وكمبيوسيرف وبروديجي، وقد قاموا بترخيص تكنولوجيا لايكوس ووضعوا محركات البحث الخاصة بهم على الإنترنت وأسفلها عبارة «يعمل بالاعتماد على لايكوس.» ومن اللافت بالقدر الكافي أن هذه الشركات الثلاث قد اختفت الآن.
كانت من أولى الشركات التي قامت بترخيص التكنولوجيا. كما أننا اشتركنا في مشروعات مشتركة بالخارج. فبعد أقل من عام تقريبًا من تأسيس الشركة، عقدنا شراكة مع شركة بيرتلسمان التي كانت أكبر شركة إعلامية في أوروبا. وقد ساهمنا نحن بالتكنولوجيا الخاصة بنا وهم ساهموا بعشرة ملايين دولار تقريبًا، وابتكرنا لايكوس يوروب، الذي كان عبارة عن نسخة من لايكوس باللغات الأصلية لاثنتي عشرة دولة أوروبية مبدئيًّا.
ليفنجستون : إذن فقد ساعدت هذه الشراكات والتراخيص على جذب الكثير من المستخدمين الجدد، أليس كذلك؟
ديفيس : لقد كانت مهمة للغاية لنا منذ وقت مبكر. لقد أبرمنا عدة اتفاقيات ترخيص مع شركات كانت مستعدة لدفع ما يتراوح بين عدة مئات من الآلاف وملايين الدولارات لاستخدام التكنولوجيا الخاصة بنا. لذا حصلنا على أموال طائلة من ذلك، وأصبحنا نتمتع بمزيد من الشهرة أيضًا.
ليفنجستون : أي إن لايكوس كانت مهتمة بتحقيق الشهرة بعدة طرق مختلفة.
ديفيس : نعم. لقد كنا نتميز ببراعة بالغة في مجال العلاقات العامة، وكنا دائمًا نروج لأنفسنا دون الاستعانة بجهات خارجية. والعلاقات العامة تعتبر أرخص شكل من أشكال الدعاية وقد استفدنا منها بشدة. فقد كانت أنجع الوسائل للوصول إلى العملاء.
وفي النهاية أصبحنا موقعًا كبيرًا ينشر الإعلانات على مستوى البلاد؛ فلدينا إعلانات لايكوس التليفزيونية، وسيارات سباق تحمل علامة لايكوس التجارية، ومظلات تهبط من السماء تحمل علامة لايكوس التجارية.

أظن أن حياة مؤسس الأعمال تعج بالنكسات والتحديات والإحباطات والإخفاقات. فالطريقة التي تتغلبين بها على المحن والصعوبات هي التي تحدد مدى نجاح العمل، وليس الطريقة التي تحتفلين بها بالنجاح. وأظن أن هذا هو ما برعنا فيه.

كان لدينا قول مأثور في لايكوس هو: «إذا ما تهاونت، تخسر.» فالأمر كله يتوقف على المثابرة والانكباب على العمل والتغلب على الفترات العصيبة والتفكير دائمًا في سبل تحقيق النجاح. وبالطبع في كل يوم كان لدينا مهام ينبغي تنفيذها، وكان علينا التركيز على الكثير من الأولويات في الوقت نفسه.

وكنا دائمًا بحاجة إلى الاهتمام بتوظيف العناصر الجيدة. فالعنصر البشري هو أساس أي شركة. فقد قال مكيافيللي إن المرء يحكم على أي قائد بقوة الجنرالات الذين يعملون تحت قيادته، وهذا صحيح. فالفريق الذي نعينه هو الذي يحدد مدى النجاح الذي ستحققه لايكوس على مر الزمن، لذلك حاولنا أن نحسن اختيار من نوظفهم. ولم يكن مجال الإنترنت معروفًا، وهو ما جعل تقييم مهارات المتقدمين أصعب.

فوجهنا اهتمامنا إلى عملية التوظيف. كما وجهنا اهتمامنا إلى بناء قاعدة من العملاء، وتطوير العلاقات مع العملاء، وبالطبع كان هذا يتطلب تعيين فريق مبيعات يتولى مهمة البحث عن معلنين. ووجهنا اهتمامنا إلى توفير بنية تحتية. إذ لم تكن لدينا أي بنية تحتية. كنا بحاجة إلى أجهزة كمبيوتر لتشغيل المعدات، وكان ذلك صعبًا. ففي البداية لم يكن لدينا نقود ندفعها مقابل أجهزة الكمبيوتر، أو لم يكن لدينا سوى القليل جدًّا، لذا توصلنا إلى تسويات مع شركات مثل صن مايكروسيستمز وغيرها تمنحنا بموجبها أجهزة بأسعار مُخفضة للغاية على أن نضع نحن على موقعنا في المقابل عبارة مثل «يعمل بالاعتماد على صن.» وفي النهاية أصبح «يعمل بالاعتماد على ديجيتال إيكوبمنت.» ولم نكن نطلق عليه إعلانًا حينئذٍ، لكنه في الحقيقة كان شكلًا من أشكال الإعلان. فقد كان الناس يبيعوننا منتجات مقابل كتابة الاسم.
ليفنجستون : هل حصلتم على أي نقود فيما عدا الصفقة الأصلية؟
ديفيس : كلا. إجمالي ما حصلنا عليه من نقود كان بضعة ملايين من الدولارات من رأس المال المخاطر.
وبموجب عقد الشراء، كنا مجبرين أيضًا على أن ندفع لكارنيجي ميلون ٥٠ بالمائة من أول مليون ونصف مليون دولار من العائدات. لذا انتقل مبلغ آخر قدره ٧٥٠ ألف دولار من تلك النقود إلى كارنيجي ميلون. أما رأس المال العامل فكان مليونًا وربعًا، هذا هو كل ما حصلنا عليه.

وهكذا ركزنا على إنشاء البنية التحتية وهو ما كان أمرًا صعبًا. فقد كنا دائمًا أشبه بالبدو الرحل في أننا كنا نكبر على نحو يفوق ما لدينا من مرافق وننتقل من مكان إلى مكان في محاولة كي نظل متفوقين في ظل الحاجة الماسة للانتقال.

وكنا أيضًا نعمل باستمرار على تكامل المنتج. ودائمًا ما كانت محاولاتنا لمواكبة من حولنا أو التفوق عليهم من الأمور المعقدة. وقد كان يكثر في هذا المجال الميل إلى التقليد. ليس من الناحية القانونية من حيث الاستيلاء على الملكية الفكرية للغير، لكن من حيث إنه عندما نضع خدمة جديدة على الإنترنت، لم يكن الأمر بوجه عام يستغرق من أحد منافسينا أكثر من أسبوع كي يقدم الخدمة نفسها. فعلى سبيل المثال، عندما أضفنا إمكانية البحث عن الصور على الإنترنت (وهي الآن من الأمور الشائعة، لكننا أول من نفذها) بعد شهرين انتشرت في كل مكان.

والكثير من الخدمات الشائعة الآن كانت جديدة تمامًا في ذلك الوقت. وكنا نسير بخطوات تدريجية. وكانت تلك الفترة تتميز بقدر كبير من الابتكار، وقد غيَّر ذلك الابتكار الطريقة التي سيُقدر للعالم أن يتواصل بها عشرات السنين.
ليفنجستون : هل كان الابتكار في مجال التكنولوجيا؟
ديفيس : لم تكن تلك الفترة تتميز بوجود ابتكارات كثيرة في التكنولوجيا. كان المهندسون في بيتسبرج يبتكرون فكرة ويطرحونها. ويطرح اختصاصيو تسويق المنتجات أو اختصاصيو الإدارة أو الموظفون المشاركون أفكارًا ويطورها المهندسون في بيتسبرج. وكنا نستعين كثيرًا بعناصر خارجية. وكنا نرخص منتجاتنا بأنفسنا.
بعد عام تقريبًا، أصبح لدينا جمهور كبير. وسرعان ما أصبح هناك ما أطلق عليه في ذلك الوقت الفرسان الأربعة لهذا المجال، وهم: لايكوس وياهو وإنفوسيك وإكسايت. ثم بدأت الشركات الأخرى تبحث عن مصدر ربح على الإنترنت لزيادة جمهورها. ومن بين الشركات الأربع، تمكنا نحن من الاستئثار بالجمهور كله. فالبحث هو أهم التطبيقات.

تخيلي أن الإنترنت عبارة عن فهرس بطاقات هائل في مكتبة الكونجرس وفجأة يسقط الفهرس وتتناثر جميع البطاقات على الأرض، ولا يمكنك العثور على شيء. ويصبح من المستحيل معرفة مكان الكتب التي تبحثين عنها. البحث هو الذي يرتب هذه الفوضى، لذا كان المستخدمون يتدفقون علينا بأعداد هائلة.
ليفنجستون : لقد حققت الكثير بسرعة كبيرة وأنت تعمل رئيسًا تنفيذيًّا للمرة الأولى. ما الذي اكتشفت أنك تجيده أكثر مما كنت تتوقع؟
ديفيس : أظن أن السرعة التي كبرنا بها فاجأتني، وأظن أن أكثر ما جعلني أشعر بالرضا هو أنني كنت قادرًا على أن أجعل الشركة تتوسع طوال عملية النمو. لقد كنا ننمو بمعدل ٢٠٠ إلى ٣٠٠ بالمائة سنويًّا، وذلك في كل عام. والناس لا تدرك أن الشركات التي تنمو بسرعة كبيرة تنهار من الداخل وتعاني باستمرار؛ نظرًا لأنه لا شيء يسير حسب الخطة التي وضعت منذ عام فقط.
وفي الشركات التي تنمو — وهي الشركات التي يتمنى المرء دائمًا أن يقوم بدور المؤسس فيها لأن هذا يكون ممتعًا أكثر بكثير من البدائل — تنهار الأمور كل يوم. فنظام المحاسبة الذي استخدمته عام ١٩٩٥ كان عديم الفائدة عام ١٩٩٨. ولم تعد الأنظمة والأجهزة التي استخدمتها قوية بما يكفي بعد مرور ١٢ شهرًا. والمرافق التي استأجرناها لم تعد كبيرة بما يكفي. ولم يعد مركز البيانات قويًّا بما يكفي للتعامل مع أجهزة الكمبيوتر التي نحتاجها. كان كل شيء على وشك الانهيار، وكنا نحتاج إلى تحقيق التفوق على غيرنا طوال الوقت. لذا كان النمو المذهل تحديًا كبيرًا، لكنه في الوقت نفسه يعتبر أمرًا رائعًا. ومن المهم أن تستعيني بالتصميم والمثابرة في تنفيذ ذلك. فعليك تنفيذ ذلك على نحو يعبر عن قدرتك على التغلب على كل الصعاب.
ليفنجستون : أنا عادة ما أطرح على ضيوفي سؤالًا عن أكثر فترة شعروا فيها برغبة في الاستقالة، لكني لديَّ إحساس أن هذا الشعور لم يساورك قط.
ديفيس : هذا ليس صحيحًا. فكنت أحيانًا أشعر بأني مثقل بالمهام الملقاة على عاتقي. ومع أنني لست واثقًا من أنني كنت أريد الاستقالة حقًّا، لكنني ربما كنت على وشك القيام بذلك. وأكثر وقت راودني فيه هذا الشعور هو عندما سعينا إلى اندماج لايكوس وشركة يو إس إيه نتوركس التي يملكها باري ديلر عام ١٩٩٩. وكانت تلك صفقة مثيرة للجدل؛ لأنها كانت أول محاولة لدمج شركة تعمل في مجال الإنترنت مع شركة أخرى لا تعمل في ذلك المجال. وقد أعلنا عن عملية الاندماج ثم لم أتمكن من إتمامها في ظل معارضة حملة الأسهم.
ليفنجستون : هل كان من الصعب أن تكون تحت الأضواء بهذا الشكل؟
ديفيس : أعتقد أن النتيجة الإيجابية الوحيدة لكوني تحت الأضواء هي تلك الشهرة الكبيرة التي حظينا بها. بمعنًى آخر، لقد أفادتنا الشهرة لأنه طوال كل ذلك كان جمهور لايكوس في ازدياد هائل. وكان اسم الشركة يظهر في الأخبار كل يوم بطريقة لم يكن بإمكاننا الحصول عليها بالمال قط. وفي الوقت نفسه الذي أوقفنا فيه الصفقة مع يو إس إيه تفوقنا على ياهو وأصبحنا الوجهة رقم واحد على الإنترنت. وإذا عدنا إلى أهمية المثابرة، فقد واصلنا العمل على هذا المنوال، وبعد عام جاءت شركة تيرا تطرق أبوابنا وعرضت علينا سعرًا جذابًا للغاية. فبعنا لايكوس مقابل ٥٫٤ مليارات دولار وهو ما يمثل عائدًا على استثمار رأس مال مخاطر قدره ٣٠٠ بالمائة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤