الفصل الثالث والثلاثون

جيسيكا ليفنجستون

مؤسس مشارك، شركة واي كومبيناتور

أسست جيسيكا ليفنجستون شركة واي كومبيناتور عام ٢٠٠٥ مع بول جراهام وروبرت موريس وتريفور بلاكويل. وقد طورت الشركة أسلوبًا جديدًا للتمويل المخاطر، ألا وهو تمويل الشركات الناشئة على دفعات، بمنحهم المال الذي يكفي التأسيس والعمل معهم عن كثب لصقل أفكارهم، ثم تقديمهم إلى مستثمرين في المراحل المتقدمة للحصول على مزيد من التمويل. وفي غضون ثلاث سنوات مولت الشركة أكثر من مائة شركة ناشئة.

***

متى أسستم واي كومبيناتور؟
ليفنجستون: أسسنا واي كومبيناتور في مارس ٢٠٠٥. وفي التوقيت نفسه تقريبًا أبرمتُ اتفاقًا لتأليف كتاب «المؤسسون في عالم الأعمال»، وكنت قد خططت لترك عملي في التسويق في بنك استثماري والتفرغ فترة لإنجاز هذا الكتاب. لكننا أسسنا الشركة في الوقت نفسه، لذا لم يتسنَّ لي قضاء وقت طويل لإنجاز مادة الكتاب.
ماذا كانت الخطوات المتبعة عندما أسست واي كومبيناتور؟
ليفنجستون: هذا على افتراض أنه كانت لدينا خطوات. في الواقع لم تكن هناك سلسلة من الخطوات. تذكري أن واي كومبيناتور بدأت على سبيل التجربة. فقد كان بول يريد أن تكون شركة تقدم رءوس أموال مقابل الحصول على حق ملكية. فقد كان يريد أن يساعد الناس في تأسيس شركاتهم. لكنه لم يكن يريد كل المتطلبات التي تصحب التمويل مقابل الحصول على حق ملكية، لذا فكر في تأسيس مؤسسة يمكنها التعامل مع كل هذه الأمور من أجله. فقلت: «هذه الفكرة تثير اهتمامي. فأنا أود العمل مع مؤسسي الأعمال.» ومن ثَم فإننا إلى حد ما ابتكرنا فكرة واي كومبيناتور وكنت أنا المسئولة عن تنفيذ الكثير من الأمور المتعلقة بالعمل.

وقررنا أن نقدم مجموعة من الاستثمارات على الفور حتى نتعلم كيف نكون مستثمرين. لذا قررنا أن نستثمر في مجموعة من الشركات الناشئة ونقوم بهذا في فترة الصيف نظرًا لأن الكثيرين يكونون غير مشغولين في فترة الصيف.

وكيف كانت فترة الصيف؟
ليفنجستون: أفضل كثيرًا مما كان يمكن أن نتوقع. وهذا لا يعني أنني أقدمت على الأمر وفي ذهني الكثير من التوقعات. فقد كانت فكرة واي كومبيناتور تقوم على أن نستثمر مبالغ قليلة من النقود في الشركات الناشئة ونساعدهم في تأسيس شركاتهم بطريقة قانونية، مثلما قام جوليان، صديق بول، بمساعدة شركة فياويب. فنساعدهم في التأسيس ونعمل معهم عن كثب لإنجاز منتجاتهم، ثم نقدمهم إلى مستثمرين على أمل الحصول على المزيد من التمويل.
أذكر، في بداية تأسيسنا للشركة، أننا لم نكن ندري كيف سنطلع الناس على شركتنا. لذا صمم بول موقعًا، أظن أنه ظل ساهرًا طوال الليل لتصميمه. ووضعنا بضع صفحات على الإنترنت تقدم وصفًا عامًّا لما كنا ننوي القيام به — ونحن لم نكن ندري تمامًا ما ننوي القيام به — وكان على الموقع استمارة تقديم بها نحو عشرين سؤالًا، ثم أطلقها بول على موقع paulgraham.com الذي كان يحظى بحركة زوار كبيرة بفضل مقالاته. وبدأنا نتلقى بعض الطلبات. وكنت لا أزال أعمل في ذلك الوقت، وأذكر أن بول قال لي: «لدينا عدد لا بأس به من الطلبات، من الأفضل أن تستقيلي من عملك.»
في أي مرحلة استقلت؟
ليفنجستون: إذا لم تخني الذاكرة، كان ذلك يوم الاثنين بعد أن أجرينا المقابلات الشخصية. فتلقينا الكثير من الطلبات، أكثر مما كنا نتوقع. ثم اخترنا عشرين مجموعة تقريبًا وطلبنا منها الحضور إلى كامبريدج لمقابلتنا، وذلك على مدى يومي السبت والأحد طوال اليوم. واتصلنا بهم في مساء أحد أيام الأحد.

اخترنا ثماني مجموعات قررنا تمويلها ووافق الجميع فيما عدا مجموعة واحدة. وأنا أدين بفضل كبير للمؤسسين لأن هذه الفكرة كانت جديدة تمامًا ولم يكن لشركة واي كومبيناتور أي سابقة أعمال. وكان الاتفاق يقتضي أن ينتقلوا إلى كامبريدج لفترة الصيف ويحصلوا على ١٢ أو ١٨ ألف دولار اعتمادًا على ما إذا كانت الشركة المزمع تأسيسها تتألف من مؤسسَيْن اثنين أم ثلاثة. وقد اخترنا المبلغ على أساس النفقة التي يحصل عليها الطالب خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والتي كانت تبلغ ألفي دولار شهريًّا. وقلنا لهم: «انتقلوا إلى كامبريدج وسنتعاون معكم، ونجتمع معًا على العشاء ونسمع أحاديث ضيوف كل أسبوع.» (ولسوء حظ بول فقد استولينا على مكتبه الشخصي لاستخدامه للشركة.) وهكذا وافق سبعة منهم، وتوجهت أنا للعمل يوم الاثنين وأنا أقول لنفسي إن واي كومبيناتور أصبحت كيانًا حقيقيًّا الآن، مع أنها لم تكن كذلك بعد من الناحية القانونية. وأظن أنني أخطرتهم بنيتي للاستقالة في ذلك اليوم.

لكن في ذلك اليوم حدث شيء آخر لا ينسى. كانت هناك مجموعة تتألف من شخصين من جامعة فيرجينيا كانا لا يزالان في عامهما الأخير وسيتخرجان في ربيع ذلك العام، وهما أليكسس أوهانيان وستيف هوفمان. جاءا إلينا بفكرة رأينا أنها غير مناسبة لشابين ليست لديهما أي علاقات في مجال الأطعمة السريعة. وكانت فكرتهما هي طلب الأطعمة السريعة بالهاتف الجوال. ولم نمولهما. فقد قلنا لهما: «نعتذر، إننا معجبون بكما بالفعل، لكننا نرى أن فكرتكما ستكون صعبة التنفيذ أكثر مما ينبغي.» لكن ذلك الصباح عندما كنت في العمل، اتصل بهما بول وقال: «إننا معجبون بكما. فهل أنتما مستعدان للعمل على فكرة أخرى؟» وكانا على متن قطار تابع لشركة أمتراك عائدين إلى ولاية فيرجينيا. وأذكر أن بول أرسل لي رسالة بالبريد الإلكتروني عنوانها: «إنقاذ الفطيرتين.» فقد أطلقت عليهما اسم «الفطيرتين» لأنهما نالا إعجابي. لقد كان فقط اسمًا عاطفيًّا.

أذكر أن الأمر كان يدفع إلى التحمس. فقد نزلا من القطار في هارتفورد تقريبًا وعادا إلى بوسطن ليقابلا بول لبدء مناقشة أفكار جديدة. فوجدت أن هذا هو النوع من المؤسسين الذي أود تمويله، من ينزلون من القطار ويعودون لعمل مشروع ناجح. وهكذا تمكنا من تمويل ثماني شركات في ذلك الصيف.

هل تذكرين أي شخص آخر في تلك الدفعة الأولى؟
ليفنجستون: حين أتذكر ما مضى، أجد أننا كنا نحظى بمجموعة شركات رائعة. وكان سام ألتمان من شركة لوبت في تلك المجموعة. ولديَّ قصة طريفة عنه أيضًا. فقد قدم طلبًا، وكان آنذاك يعمل مع أناس آخرين، لكنه كان الشخص الوحيد الذي استطاع القدوم إلى كامبريدج في ذلك الصيف. لذا أرسل إلينا رسالة بالبريد الإلكتروني يقول فيها إنه هو الوحيد الذي يمكنه أن يأتي، فرد عليه بول يقول: «إنك لا تزال طالبًا في عامك الجامعي الأول. ولا يزال لديك وقت طويل حتى يتسنى لك تأسيس شركة ناشئة. وأقترح عليك أن تقدم طلبًا فيما بعد.»

فأرسل سام ردًّا يقول فيه ما معناه إنه في السنة الثانية، وإنه سيحضر المقابلة الشخصية. ولن أنسى كيف حاولنا أن نصرفه.

وكان سام يشارك في مسابقة لخطط المشاريع في ستانفورد في الإجازة الأسبوعية نفسها التي كانت فيها المقابلة. وقد فاز في المسابقة يوم السبت واستقل طائرة ليلًا إلى بوسطن ذلك المساء ووصل إلى المقابلة الشخصية وحده يوم الأحد. قابلناه لمدة ٢٥ دقيقة تقريبًا، وأذكر أن انطباعي في الدقائق الخمس الأولى كان أنه شاب رائع. لقد انبهرنا جميعًا بسام. وقد أعجبتنا رباطة جأشه وذكاءه وأسلوبه. لقد أدركنا أنه كان شخصية متميزة.

وكان لدينا أيضًا جاستين كان وإيميت شير من شركة Justin.tv. وقد مولناهما في الأساس لإنشاء تقويم على الإنترنت يطلق عليه كيكو. وقد قاما بتصميمه في ذلك الصيف، وحصلا على تمويل بسيط من أفراد مستثمرين مقابل الحصول على حق ملكية، لكن سرعان ما ظهر تطبيق تقويم جوجل وسحقهما. فجاءا إلينا بعد ذلك وقالا إنهما سيتركان كيكو، وبدآ يتحدثان إلى بول وروبرت عن أفكار جديدة. وأذكر أنني دخلت عليهم وقال بول: «جيسيكا، استمعي إلى فكرتهما الجديدة. سيرتدي جاستين كاميرا على رأسه لمدة ٢٤ ساعة يوميًّا ويصور حياته بالكامل.» وقد أحسست أن هذه الفكرة من أغرب الأفكار التي سمعت بها. لكن الشركة مولتهما لأننا كنا معجبين بهما، وراقت فكرتهما لبول وروبرت وتريفور.

وكان لدينا فيل يوين الذي أسس شركة تكست باي مي التي استحوذت عليها أمازون. وكان يعمل في الأصل لإنجاز شيء مختلف يُطلَق عليه فاير كرول الذي كان من المفترض أن يسبر موقع شركتك ويبحث عن الأخطاء والروابط المعطلة وغير ذلك. لكن فيل وشركاءه في التأسيس لم يتحمسوا على الإطلاق لهذه الفكرة، لذا انتقلوا في فصل الخريف إلى فكرة جديدة وهي الدفع بالهاتف الجوال.

هل تذكرين أنك تعلمت أي شيء فاجأك ذلك الصيف؟
ليفنجستون: لقد تعلمت الكثير ذلك الصيف، فقد كانت أول جولة لنا في كل شيء. وحين أتذكر ما مضى، أظن أن أكثر ما فاجأني هو المجهود الذي بذلناه في إقناع الآخرين أن فكرة واي كومبيناتور — وهي تقديم مبالغ قليلة من النقود لتمويل مجموعات من الشركات الناشئة — ستنجح. لم يسبق تنفيذ هذه الفكرة من قبل، لذا كان كل شيء جديدًا تمامًا. ودائمًا ما أقول للمؤسسين إنه إذا لم يسبق لأحد تنفيذ فكرتك من قبل، فسيظن الجميع أنها فكرة مجنونة.

وقد استهجن الكثيرون فكرتنا أو لم يعبئوا بها على الإطلاق. فمنذ وقت مبكر، قابلنا شركة رءوس أموال مخاطرة كبرى وكان أحد الشركاء المؤسسين حاضرًا. فأطلعناهم على النموذج الجديد، وكنا نأمل أن يتحمسوا لمقابلة بعض الشركات الناشئة. وفي النهاية، دعوناهم إلى حضور إحدى حفلات العشاء التي نقيمها لمقابلة الشركات الناشئة، وقد أبلغنا الشريك المؤسس أنه سيرسل موظفًا صغيرًا ولن يأتي بنفسه. ولا أظن أنه كان يقصد الإساءة، لكني أذكر أني شعرت بالفشل الذريع.

أذكر أيضًا أنني شعرت بأنه من الغريب أن تكون لدينا هذه الفكرة الجديدة تمامًا دون أن يأبه بها أي من الصحفيين. وقد كتب ريان سينجل من مجلة «وايرد نيوز»، وجيني لي من صحيفة «ذا نيويورك تايمز» عن واي كومبيناتور منذ وقت مبكر، وهو ما كان رائعًا حقًّا، لكن لم يكتب عنها غيرهما. ولم تأتِ رياح العلاقات العامة في صالحنا إلا في خريف عام ٢٠٠٦. فقد استحوذت شركة كوندي ناست على شركة ريديت في الوقت نفسه تقريبًا الذي أعلنت فيه شركة تشارلز ريفر فينتشرز برنامجًا جديدًا سيستثمرون بموجبه مبالغ مالية بسيطة. وفجأة بدأ كثير من الصحفيين يكتبون عن «نماذج جديدة» من التمويل المخاطر، نظرًا لأن شركة رءوس أموال مخاطرة مشهورة كانت تقر أنه يمكن إنشاء بعض الشركات الناشئة بمبالغ مالية أقل، ولأن إحدى شركاتنا الناشئة جرى الاستحواذ عليها. وكان قد مر على إنشاء شركتنا عام ونصف في ذلك الوقت.

هل هناك ما فاجأك فيما يخص الشركات الناشئة وذلك في ضوء أنك كنت تعملين في شركة كبرى قبل ذلك؟
ليفنجستون: فوجئت بحجم الإنجاز الذي يتمكن البشر من تحقيقه في فترة وجيزة. فلم يكن أمام الشركات الناشئة إلا عشرة أسابيع فقط تقريبًا قبل يوم العرض لتقديم العروض للمستثمرين، وكانت كل مجموعة من تلك المجموعات تبدأ من نقطة الصفر. ولم يكن لدى أي منهم منتج ناجح قبل تعاونها مع واي كومبيناتور. لذا فقد فوجئت بما أنجزوه. وفي بعض الأحيان كانوا يحضرون إلى العشاء ويقولون: «هذه هي المرة الأولى التي أترك فيها المنزل منذ يومين.» لم يسبق لي من قبل أن شهدت شيئًا كهذا في الواقع. فقد كان الأمر يستغرق منهم أسبوعًا لتصميم شيء كان سيستغرق ستة أشهر من قسم تكنولوجيا المعلومات في أي شركة كبرى، كما كان سيتطلب عقد ما يقرب من عشرين اجتماعًا لاعتماد الإجراءات.

لا وجود للبيروقراطية في الشركات الناشئة في المراحل الأولى. فإذا كنا نريد أن نختبر فكرة جديدة، نختبرها على الفور. لا نحتاج إلى موافقة أحد أو الحصول على إجماع أو تقديم مقترح. وإذا لم تنجح، نجرب غيرها.

شهدت أيضًا جميع محاولات الشركات الناشئة للتظاهر بأنها أكبر من حجمها الحقيقي. لقد كان جديدًا عليَّ أن أرى ما يحدث في كواليس الشركات الناشئة. أذكر أن أليكسس من شركة ريديت — وكانت شركة عمرها شهران تأسست لتوها — كان يراسل الصحفيين بالبريد الإلكتروني ويخبرهم أنه سيسافر إلى سان فرانسيسكو في «جولة إعلامية»، ويقترح عليهم مقابلته. وكان الصحفيون يرحبون بمقابلته. لقد عملت بالعلاقات العامة لوقت طويل، وكان من المذهل أن أرى مؤسس الشركة الناشئة هذا الذي لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره يراسل صحفيين في جرائد ومجلات مرموقة بالبريد الإلكتروني متظاهرًا بأنه شخصية مهمة.

هل هناك ما كنت ستنفذينه بأسلوب مختلف حين تفكرين في الأمر الآن؟
ليفنجستون: الحقيقة هي أن واي كومبيناتور حققت نجاحًا رائعًا إلى حد أدهشني. ولا يحضرني شيء مهم كنت سأغيره. كنت سأقول إن الأمور أسهل كثيرًا لنا الآن، لأننا أصبحنا نعرف الكثير من المستثمرين الآن أكثر مما كان عليه الحال في البداية. لكن ذلك لا يعتبر مما كان يمكن تنفيذه بأسلوب مختلف. لقد حققنا نموًّا تدريجيًّا، لذا من الطبيعي أن تزداد شهرتنا وأن يقبل المزيد من الناس على الاستثمار في الشركات الناشئة.

أذكر أول يوم عرض — وكنا نطلق عليه «يوم الملائكة» في ذلك الوقت — حيث اتصلنا بكل الأثرياء الذين نعرفهم في المنطقة وكنت أدعو الله أن يحضر عدد كبير. وفي يوم العرض الأول ذلك حضر ما يقرب من ١٥ مستثمرًا. أما الآن فعلينا أن نقيم يومي عرض كي نجد مكانًا يتسع لكل من يريدون الحضور.

ماذا حدث بعد المجموعة الأولى؟
ليفنجستون: جاء أبرز حدث في واي كومبيناتور بعد مجموعة الصيف الأولى حين قررنا الانتقال إلى وادي السليكون طوال فصل الشتاء. وأذكر أني لم أكن في البداية متحمسة للفكرة على الإطلاق. فقد اقترح بول أن ننقل نشاط الشركة إلى وادي السليكون، فأزعجني الاقتراح؛ إذ كنا قد أعددنا كل شيء هنا، وتسير الأمور على ما يرام في كامبريدج. وشعرت بالحيرة حيال قرار يضطرني لاجتثاث جذوري حياتي بأكملها والانتقال إلى كاليفورنيا. لكن اتضح أن هذا القرار كان من أفضل القرارات التي اتخذناها في حياتنا.

أظن أننا قررنا القيام بذلك في أكتوبر، ومن ثَم كان أمامنا شهران فقط كي نجدد جزءًا من مكتب شركة إنيبوت التي يملكها تريفور لإخلاء مكان لواي كومبيناتور. وقد نشرنا استمارة التقديم وتلقينا عشر مجموعات لدورة تمويل الشتاء في يناير. لكن كل ذلك تم في آخر دقيقة. وعندما أقمنا أول حفلة عشاء لم يكن طلاء الحوائط قد جف بعد.

ماذا يحدث عندما تأتي شركة ناشئة إلى واي كومبيناتور؟ حدثيني عن مراحل العملية بأكملها.
ليفنجستون: أساعدهم في إجراءات التأسيس القانونية. إذ إن استخراج المستندات اللازمة يعتبر أحيانًا من المهام المزعجة بالنسبة لمن لم يسبق لهم القيام بذلك، لكن من الضروري تنفيذ ذلك على أفضل وجه. ومن أمثلة تلك المهام ضمان امتلاك شركتك حقوق الملكية الفكرية بالكامل، أو تخويل حق الامتلاك حتى لا يمكن لشريكك في التأسيس أن ينسحب بعد ستة شهور من تأسيس الشركة ويرحل وهو يمتلك ٣٠ بالمائة من الشركة. ومعظم محترفي الكمبيوتر لا يهتمون بهذه الأمور، لكنها يمكن أن تتسبب في مشكلات حقيقية بعد ذلك، إذا لم تُعالج كما ينبغي.

ويبدأ شركائي في العمل معهم على الفور لإنجاز فكرتكهم. ويدهشني كيف تتطور الأفكار من لحظة المقابلة الشخصية إلى يوم العرض. هذا هو ما نقضي فيه معظم الوقت. وفي بعض الحالات نشجعهم على التخلي عن فكرتهم والبدء من جديد. وهو ما يعد أمرًا صعبًا نظرًا لضيق الوقت قبل يوم العرض، لكنه قطعًا يتم بنجاح.

ولعل من أكثر الجوانب «ذات الطابع الرسمي» في واي كومبيناتور إلى جانب يوم العرض هو حفلات العشاء الأسبوعية. فكل ثلاثاء، يأتي جميع المؤسسين إلى مكتبنا لتناول العشاء، ويكون هناك ضيف متحدث. فنستضيف خبراء من جميع قطاعات عالم الشركات الناشئة ليشاركوهم النصائح ويقدموا لهم تقييمات لما أنجزوه. ودائمًا ما تكون الأحاديث غير معدة للنشر، لذا يميل المتحدثون إلى الحديث بصراحة. وقد سمعنا قصصًا كثيرة لم تنشر قط.

وقد اكتشفنا أن حفلات العشاء تلك تفيد في رفع الحالة المعنوية للمؤسسين. وكان بول يطهو العشاء بنفسه. وكان عادة ما يتكوَّن من أطباق من البقوليات، لذا فإنه عادة ما يكون عشاءً صحيًّا للغاية. ولما كانت حفلات العشاء تقام في اليوم نفسه من كل أسبوع، فقد أصبحت من العلامات المميزة في الشركة. ويقول المؤسسون إنها تمنحهم حافزًا لإنجاز شيء ملموس؛ أي سمة جديدة أو شيء من هذا القبيل. وكانوا يحضرون أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم كي يعرضوا علينا ما صمموه على مدى الأسبوع.

وكل هذا يفضي إلى أهم يوم، وهو يوم العرض. وهو اليوم الذي تقدم فيه الشركات الناشئة العروض للمستثمرين. ويتاح لكل منها سبع دقائق تقريبًا، ولذلك يصبح لزامًا على ممثلي هذه الشركات أن يكونوا بارعين. وقبل يوم العرض بأسبوع، نقيم بروفة، وتكون عادة بروفة نهائية للأسبوع الذي يليه. ونعطيهم تقييمات عن محتوى العروض وأيضًا على طريقة التقديم. فمحترفو الكمبيوتر عادةً لا يجيدون مهارات التقديم، لكننا نتعاون معهم بكل جهدنا لنضمن أن ينال أداؤهم الإعجاب. وأنا أفخر دائمًا بالمجهود الكبير الذي يبذله المؤسسون. ولا شك أنهم يهتمون بالأمر اهتمامًا كبيرًا. ولا خيار لهم في ذلك، لأن ذلك اليوم يمثل فرصة تقديمهم لمعظم وسط الاستثمار.

بعد يوم العرض، نعمل مع المؤسسين لنساعدهم في الحصول على المزيد من التمويل. وهو أمر يتطلب براعة بالغة، ويحتاج المؤسسون إلى كثير من النصائح في هذا المجال. ومع أننا أوقفنا حفلات العشاء فإن علاقتنا لا تنقطع بالمؤسسين. لهذا نحن دائمًا مشغولون حتى في فترات الراحة بين الدورات.

هل هناك فكرة معينة قامت على أساسها شركة واي كومبيناتور؟ فإذا سألكم صاحب رأس مال مخاطر عن «خلطتكم السحرية»، ماذا ستقولون؟
ليفنجستون: هناك شيئان. الأول هو بول وروبرت وتريفور. فقد صمموا أول تطبيق برمجيات قائم على الويب وهو النشاط الذي تتخصص فيه معظم الشركات الناشئة التي نمولها، لذا فإنهم على دراية بكيفية حل الكثير من المشكلات التي يواجهها المؤسسون. وهم يعملون في البرمجة بهمة، وهو أمر غير معتاد بالنسبة للمستثمرين. فمعظم المستثمرين رجال أعمال لا يمكنهم تقديم نصائح مفيدة وقوية في مجال التكنولوجيا والكمبيوتر.

الشيء الثاني — وقد يبدو ما سأقوله سخيفًا — هو أننا نحاول دائمًا أن نلتزم بالاستقامة. فعندما نضطر لاتخاذ قرارات نسأل أنفسنا دائمًا عن الخيار الأفضل للمؤسسين. وأنا لا أقول إننا مؤسسة خيرية أو شيئًا من هذا القبيل، لكننا لم نشأ قط أن نسيء معاملة أحد المؤسسين. وعندما أسمع عن مستثمرين يُرهبون المؤسسين أو شيء من هذا القبيل، أحس أن ذلك تصرف خاطئ. وهو ليس خاطئًا فحسب، بل ينم عن سوء التقدير للمستقبل أيضًا.

كيف تسير الأمور بين الشركاء؟
ليفنجستون: أحب العمل مع شركائي الثلاثة. وأنا الشريكة الوحيدة غير المتخصصة في مجال التكنولوجيا والكمبيوتر، وأسمعهم وهم يتحدثون مع الشركات الناشئة عن أمور تقنية وأندهش بشدة. فهم يتميزون بفهم جيد لمثل هذه الأمور.

إننا نعمل بانسجام فعلًا. ونستمتع بوقتنا. ولم ينشب بيننا أي خلاف قط. من البداية كنت أتفق أنا وبول وروبرت وتريفور على معظم الأمور.

ماذا كان أكبر خلاف بينكم؟
ليفنجستون: بأمانة، لا أظن أنه نشب بيننا خلاف قط. وأصعب شيء بالنسبة لي هو أن أحافظ على مواعيد المقابلات الشخصية. حقًّا هذا هو أهم ما يشغلني لأنهم لا يتمتعون بالقدرة على التنظيم بنفس القدر مثلي فيما يتعلق بالوقت.

وأظن أنه من الرائع أن ثلاثتهم سبق لهم تأسيس شركة من قبل. وبالطبع فإن ثلاثتهم لديهم اهتمامات بأشياء أخرى أيضًا، أي إن واي كومبيناتور ليست هي حياتهم بالكامل. إننا نعمل في واي كومبيناتور لرغبتنا في ذلك، وليس لحاجتنا إلى المال، وأظن أن هذا يخفف من الضغط بعض الشيء ويتيح

هل كانت هناك شركات ناشئة أثارت دهشتكم؟
ليفنجستون: نعم، دائمًا. فهناك شركات ناشئة يظن المرء أن أمرها سينتهي، لكن يظل المؤسسون يعملون وتتحسن الأحوال وفجأة ينهال عليهم المستثمرون، مع أنه لم يكن أحد يقترب منهم قبل ذلك بستة أشهر. لكن هناك أيضًا من نمولهم ونظن أنهم محترفو كمبيوتر عباقرة ولديهم فكرة رائعة، لكن شركتهم لا تحقق نجاحًا.
هل تحسنت قدرتك على تمييز أي من المؤسسين لديهم فرص أكبر في النجاح؟
ليفنجستون: أتمنى هذا حقًّا. فهذا هو هدف واي كومبيناتور، ألا وهو أن نتحسن في اختيار الشركات الناشئة الواعدة. ولكن دعني أخبرك بأنه من الصعب حقًّا أن نصدر حكمًا في المرحلة التي نبدأ فيها بالاستثمار. ألا وهي المرحلة صفر.

لقد تعلمنا أن التصميم أهم بكثير من السير الذاتية للمؤسسين أو الجامعات التي التحقوا بها. وأنا أقول إن التصميم هو أهم صفة من الصفات المطلوب توافرها في مؤسس شركة ناشئة لأننا رأينا الكثير من الشركات الناشئة تصادف فترات عصيبة، وبعضها يتوقف والبعض الآخر يصمد. فالاستمرار صعب.

وإذا سبق لهم إنتاج شيء رائع من قبل، فإن ذلك عادة ما يكون إشارة جيدة على أنهم يمكنهم تصميم شيء وإطلاقه.

لقد شهدتِ ميلاد ما يزيد عن مائة شركة ناشئة حتى الآن. كيف يمكن تأسيس شركة ناجحة؟ ما السر الذي تهمسين به لمن سيصبحون مؤسسي شركات في كلمات موجزة؟
ليفنجستون: للأسف، لا أظن أن هناك إجابة واحدة. فهذا يعتمد على أمور كثيرة. بعضها يمكن التحكم فيه والبعض الآخر ليس كذلك. لكن كما قلت من قبل، التصميم هو العامل الأهم. يجب أن تكون قادرًا على تحمل جميع الشدائد التي ستلم بشركتك، والصمود في الفترات التي تظن فيها أن أمرك قد انتهى، وعليك أن تتحلى بالإرادة التي تساعدك على الاستمرار.

اختر شريكًا في التأسيس تكون علاقتك به جيدة، وبينكما مساحة كبيرة من الثقة. فمن أكبر أسباب الفشل في الشركات الناشئة التي مولناها هي الخلافات المدوية التي تنشأ بين المؤسسين في الشهور الستة الأولى. فأنا أشهد حالات من هذا النوع، وهو أمر محزن.

وما لم تحقق عائدات بعد ثلاثة شهور أو تكون لديك مدخرات شخصية كبيرة، يجب أن تتمكن من الحصول على المزيد من التمويل. لذا يجب أن تختار فكرة جيدة لها سوق كبيرة تستوعب تلك الفكرة.

ما خططكم لواي كومبيناتور في المستقبل؟
ليفنجستون: إننا دائمًا نسعى إلى التغيير، لذا من الصعب أن نتنبأ بما سيتم في المستقبل. وأنا بالطبع أود أن نستمر في عملنا. فإنه بالنسبة لي العمل الذي كنت أحلم به. لقد ساعدنا الكثيرين في تأسيس شركاتهم، وأظن أن ذلك ساعد على تعزيز سعادتهم ورضاهم. وأريد أن أواصل السعي إلى تحقيق ذلك التأثير.

في البداية كان يبلغ عدد المؤسسين الذين ساعدناهم عشرين مؤسسًا تقريبًا، وزاد عددهم حتى أصبح لدينا الآن شبكة من الخريجين تضم أكثر من ٢٥٠ شخصًا. إنها جماعة رائعة. وجميع المؤسسين يساعد بعضهم بعضًا. فإنهم يواجهون المشكلات نفسها ويتعاملون مع المستثمرين أنفسهم، ومن الرائع أن يجد المرء من يلتمس منهم النصيحة.

سنظل نجرب أشياء جديدة. فإننا دائمًا نجري تجارب ونحاول ابتكار وسائل جديدة للتوسع. ومن هذا المنطلق، تبدو واي كومبيناتور أشبه بالشركات الناشئة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤