جيسيكا ليفنجستون
مؤسس مشارك، شركة واي كومبيناتور
أسست جيسيكا ليفنجستون شركة واي كومبيناتور عام ٢٠٠٥ مع بول جراهام وروبرت موريس وتريفور بلاكويل. وقد طورت الشركة أسلوبًا جديدًا للتمويل المخاطر، ألا وهو تمويل الشركات الناشئة على دفعات، بمنحهم المال الذي يكفي التأسيس والعمل معهم عن كثب لصقل أفكارهم، ثم تقديمهم إلى مستثمرين في المراحل المتقدمة للحصول على مزيد من التمويل. وفي غضون ثلاث سنوات مولت الشركة أكثر من مائة شركة ناشئة.
***
وقررنا أن نقدم مجموعة من الاستثمارات على الفور حتى نتعلم كيف نكون مستثمرين. لذا قررنا أن نستثمر في مجموعة من الشركات الناشئة ونقوم بهذا في فترة الصيف نظرًا لأن الكثيرين يكونون غير مشغولين في فترة الصيف.
اخترنا ثماني مجموعات قررنا تمويلها ووافق الجميع فيما عدا مجموعة واحدة. وأنا أدين بفضل كبير للمؤسسين لأن هذه الفكرة كانت جديدة تمامًا ولم يكن لشركة واي كومبيناتور أي سابقة أعمال. وكان الاتفاق يقتضي أن ينتقلوا إلى كامبريدج لفترة الصيف ويحصلوا على ١٢ أو ١٨ ألف دولار اعتمادًا على ما إذا كانت الشركة المزمع تأسيسها تتألف من مؤسسَيْن اثنين أم ثلاثة. وقد اخترنا المبلغ على أساس النفقة التي يحصل عليها الطالب خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والتي كانت تبلغ ألفي دولار شهريًّا. وقلنا لهم: «انتقلوا إلى كامبريدج وسنتعاون معكم، ونجتمع معًا على العشاء ونسمع أحاديث ضيوف كل أسبوع.» (ولسوء حظ بول فقد استولينا على مكتبه الشخصي لاستخدامه للشركة.) وهكذا وافق سبعة منهم، وتوجهت أنا للعمل يوم الاثنين وأنا أقول لنفسي إن واي كومبيناتور أصبحت كيانًا حقيقيًّا الآن، مع أنها لم تكن كذلك بعد من الناحية القانونية. وأظن أنني أخطرتهم بنيتي للاستقالة في ذلك اليوم.
لكن في ذلك اليوم حدث شيء آخر لا ينسى. كانت هناك مجموعة تتألف من شخصين من جامعة فيرجينيا كانا لا يزالان في عامهما الأخير وسيتخرجان في ربيع ذلك العام، وهما أليكسس أوهانيان وستيف هوفمان. جاءا إلينا بفكرة رأينا أنها غير مناسبة لشابين ليست لديهما أي علاقات في مجال الأطعمة السريعة. وكانت فكرتهما هي طلب الأطعمة السريعة بالهاتف الجوال. ولم نمولهما. فقد قلنا لهما: «نعتذر، إننا معجبون بكما بالفعل، لكننا نرى أن فكرتكما ستكون صعبة التنفيذ أكثر مما ينبغي.» لكن ذلك الصباح عندما كنت في العمل، اتصل بهما بول وقال: «إننا معجبون بكما. فهل أنتما مستعدان للعمل على فكرة أخرى؟» وكانا على متن قطار تابع لشركة أمتراك عائدين إلى ولاية فيرجينيا. وأذكر أن بول أرسل لي رسالة بالبريد الإلكتروني عنوانها: «إنقاذ الفطيرتين.» فقد أطلقت عليهما اسم «الفطيرتين» لأنهما نالا إعجابي. لقد كان فقط اسمًا عاطفيًّا.
أذكر أن الأمر كان يدفع إلى التحمس. فقد نزلا من القطار في هارتفورد تقريبًا وعادا إلى بوسطن ليقابلا بول لبدء مناقشة أفكار جديدة. فوجدت أن هذا هو النوع من المؤسسين الذي أود تمويله، من ينزلون من القطار ويعودون لعمل مشروع ناجح. وهكذا تمكنا من تمويل ثماني شركات في ذلك الصيف.
فأرسل سام ردًّا يقول فيه ما معناه إنه في السنة الثانية، وإنه سيحضر المقابلة الشخصية. ولن أنسى كيف حاولنا أن نصرفه.
وكان سام يشارك في مسابقة لخطط المشاريع في ستانفورد في الإجازة الأسبوعية نفسها التي كانت فيها المقابلة. وقد فاز في المسابقة يوم السبت واستقل طائرة ليلًا إلى بوسطن ذلك المساء ووصل إلى المقابلة الشخصية وحده يوم الأحد. قابلناه لمدة ٢٥ دقيقة تقريبًا، وأذكر أن انطباعي في الدقائق الخمس الأولى كان أنه شاب رائع. لقد انبهرنا جميعًا بسام. وقد أعجبتنا رباطة جأشه وذكاءه وأسلوبه. لقد أدركنا أنه كان شخصية متميزة.
وكان لدينا فيل يوين الذي أسس شركة تكست باي مي التي استحوذت عليها أمازون. وكان يعمل في الأصل لإنجاز شيء مختلف يُطلَق عليه فاير كرول الذي كان من المفترض أن يسبر موقع شركتك ويبحث عن الأخطاء والروابط المعطلة وغير ذلك. لكن فيل وشركاءه في التأسيس لم يتحمسوا على الإطلاق لهذه الفكرة، لذا انتقلوا في فصل الخريف إلى فكرة جديدة وهي الدفع بالهاتف الجوال.
وقد استهجن الكثيرون فكرتنا أو لم يعبئوا بها على الإطلاق. فمنذ وقت مبكر، قابلنا شركة رءوس أموال مخاطرة كبرى وكان أحد الشركاء المؤسسين حاضرًا. فأطلعناهم على النموذج الجديد، وكنا نأمل أن يتحمسوا لمقابلة بعض الشركات الناشئة. وفي النهاية، دعوناهم إلى حضور إحدى حفلات العشاء التي نقيمها لمقابلة الشركات الناشئة، وقد أبلغنا الشريك المؤسس أنه سيرسل موظفًا صغيرًا ولن يأتي بنفسه. ولا أظن أنه كان يقصد الإساءة، لكني أذكر أني شعرت بالفشل الذريع.
أذكر أيضًا أنني شعرت بأنه من الغريب أن تكون لدينا هذه الفكرة الجديدة تمامًا دون أن يأبه بها أي من الصحفيين. وقد كتب ريان سينجل من مجلة «وايرد نيوز»، وجيني لي من صحيفة «ذا نيويورك تايمز» عن واي كومبيناتور منذ وقت مبكر، وهو ما كان رائعًا حقًّا، لكن لم يكتب عنها غيرهما. ولم تأتِ رياح العلاقات العامة في صالحنا إلا في خريف عام ٢٠٠٦. فقد استحوذت شركة كوندي ناست على شركة ريديت في الوقت نفسه تقريبًا الذي أعلنت فيه شركة تشارلز ريفر فينتشرز برنامجًا جديدًا سيستثمرون بموجبه مبالغ مالية بسيطة. وفجأة بدأ كثير من الصحفيين يكتبون عن «نماذج جديدة» من التمويل المخاطر، نظرًا لأن شركة رءوس أموال مخاطرة مشهورة كانت تقر أنه يمكن إنشاء بعض الشركات الناشئة بمبالغ مالية أقل، ولأن إحدى شركاتنا الناشئة جرى الاستحواذ عليها. وكان قد مر على إنشاء شركتنا عام ونصف في ذلك الوقت.
لا وجود للبيروقراطية في الشركات الناشئة في المراحل الأولى. فإذا كنا نريد أن نختبر فكرة جديدة، نختبرها على الفور. لا نحتاج إلى موافقة أحد أو الحصول على إجماع أو تقديم مقترح. وإذا لم تنجح، نجرب غيرها.
شهدت أيضًا جميع محاولات الشركات الناشئة للتظاهر بأنها أكبر من حجمها الحقيقي. لقد كان جديدًا عليَّ أن أرى ما يحدث في كواليس الشركات الناشئة. أذكر أن أليكسس من شركة ريديت — وكانت شركة عمرها شهران تأسست لتوها — كان يراسل الصحفيين بالبريد الإلكتروني ويخبرهم أنه سيسافر إلى سان فرانسيسكو في «جولة إعلامية»، ويقترح عليهم مقابلته. وكان الصحفيون يرحبون بمقابلته. لقد عملت بالعلاقات العامة لوقت طويل، وكان من المذهل أن أرى مؤسس الشركة الناشئة هذا الذي لم يتجاوز الحادية والعشرين من عمره يراسل صحفيين في جرائد ومجلات مرموقة بالبريد الإلكتروني متظاهرًا بأنه شخصية مهمة.
أذكر أول يوم عرض — وكنا نطلق عليه «يوم الملائكة» في ذلك الوقت — حيث اتصلنا بكل الأثرياء الذين نعرفهم في المنطقة وكنت أدعو الله أن يحضر عدد كبير. وفي يوم العرض الأول ذلك حضر ما يقرب من ١٥ مستثمرًا. أما الآن فعلينا أن نقيم يومي عرض كي نجد مكانًا يتسع لكل من يريدون الحضور.
أظن أننا قررنا القيام بذلك في أكتوبر، ومن ثَم كان أمامنا شهران فقط كي نجدد جزءًا من مكتب شركة إنيبوت التي يملكها تريفور لإخلاء مكان لواي كومبيناتور. وقد نشرنا استمارة التقديم وتلقينا عشر مجموعات لدورة تمويل الشتاء في يناير. لكن كل ذلك تم في آخر دقيقة. وعندما أقمنا أول حفلة عشاء لم يكن طلاء الحوائط قد جف بعد.
ويبدأ شركائي في العمل معهم على الفور لإنجاز فكرتكهم. ويدهشني كيف تتطور الأفكار من لحظة المقابلة الشخصية إلى يوم العرض. هذا هو ما نقضي فيه معظم الوقت. وفي بعض الحالات نشجعهم على التخلي عن فكرتهم والبدء من جديد. وهو ما يعد أمرًا صعبًا نظرًا لضيق الوقت قبل يوم العرض، لكنه قطعًا يتم بنجاح.
ولعل من أكثر الجوانب «ذات الطابع الرسمي» في واي كومبيناتور إلى جانب يوم العرض هو حفلات العشاء الأسبوعية. فكل ثلاثاء، يأتي جميع المؤسسين إلى مكتبنا لتناول العشاء، ويكون هناك ضيف متحدث. فنستضيف خبراء من جميع قطاعات عالم الشركات الناشئة ليشاركوهم النصائح ويقدموا لهم تقييمات لما أنجزوه. ودائمًا ما تكون الأحاديث غير معدة للنشر، لذا يميل المتحدثون إلى الحديث بصراحة. وقد سمعنا قصصًا كثيرة لم تنشر قط.
وقد اكتشفنا أن حفلات العشاء تلك تفيد في رفع الحالة المعنوية للمؤسسين. وكان بول يطهو العشاء بنفسه. وكان عادة ما يتكوَّن من أطباق من البقوليات، لذا فإنه عادة ما يكون عشاءً صحيًّا للغاية. ولما كانت حفلات العشاء تقام في اليوم نفسه من كل أسبوع، فقد أصبحت من العلامات المميزة في الشركة. ويقول المؤسسون إنها تمنحهم حافزًا لإنجاز شيء ملموس؛ أي سمة جديدة أو شيء من هذا القبيل. وكانوا يحضرون أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم كي يعرضوا علينا ما صمموه على مدى الأسبوع.
وكل هذا يفضي إلى أهم يوم، وهو يوم العرض. وهو اليوم الذي تقدم فيه الشركات الناشئة العروض للمستثمرين. ويتاح لكل منها سبع دقائق تقريبًا، ولذلك يصبح لزامًا على ممثلي هذه الشركات أن يكونوا بارعين. وقبل يوم العرض بأسبوع، نقيم بروفة، وتكون عادة بروفة نهائية للأسبوع الذي يليه. ونعطيهم تقييمات عن محتوى العروض وأيضًا على طريقة التقديم. فمحترفو الكمبيوتر عادةً لا يجيدون مهارات التقديم، لكننا نتعاون معهم بكل جهدنا لنضمن أن ينال أداؤهم الإعجاب. وأنا أفخر دائمًا بالمجهود الكبير الذي يبذله المؤسسون. ولا شك أنهم يهتمون بالأمر اهتمامًا كبيرًا. ولا خيار لهم في ذلك، لأن ذلك اليوم يمثل فرصة تقديمهم لمعظم وسط الاستثمار.
بعد يوم العرض، نعمل مع المؤسسين لنساعدهم في الحصول على المزيد من التمويل. وهو أمر يتطلب براعة بالغة، ويحتاج المؤسسون إلى كثير من النصائح في هذا المجال. ومع أننا أوقفنا حفلات العشاء فإن علاقتنا لا تنقطع بالمؤسسين. لهذا نحن دائمًا مشغولون حتى في فترات الراحة بين الدورات.
الشيء الثاني — وقد يبدو ما سأقوله سخيفًا — هو أننا نحاول دائمًا أن نلتزم بالاستقامة. فعندما نضطر لاتخاذ قرارات نسأل أنفسنا دائمًا عن الخيار الأفضل للمؤسسين. وأنا لا أقول إننا مؤسسة خيرية أو شيئًا من هذا القبيل، لكننا لم نشأ قط أن نسيء معاملة أحد المؤسسين. وعندما أسمع عن مستثمرين يُرهبون المؤسسين أو شيء من هذا القبيل، أحس أن ذلك تصرف خاطئ. وهو ليس خاطئًا فحسب، بل ينم عن سوء التقدير للمستقبل أيضًا.
إننا نعمل بانسجام فعلًا. ونستمتع بوقتنا. ولم ينشب بيننا أي خلاف قط. من البداية كنت أتفق أنا وبول وروبرت وتريفور على معظم الأمور.
وأظن أنه من الرائع أن ثلاثتهم سبق لهم تأسيس شركة من قبل. وبالطبع فإن ثلاثتهم لديهم اهتمامات بأشياء أخرى أيضًا، أي إن واي كومبيناتور ليست هي حياتهم بالكامل. إننا نعمل في واي كومبيناتور لرغبتنا في ذلك، وليس لحاجتنا إلى المال، وأظن أن هذا يخفف من الضغط بعض الشيء ويتيح
لقد تعلمنا أن التصميم أهم بكثير من السير الذاتية للمؤسسين أو الجامعات التي التحقوا بها. وأنا أقول إن التصميم هو أهم صفة من الصفات المطلوب توافرها في مؤسس شركة ناشئة لأننا رأينا الكثير من الشركات الناشئة تصادف فترات عصيبة، وبعضها يتوقف والبعض الآخر يصمد. فالاستمرار صعب.
وإذا سبق لهم إنتاج شيء رائع من قبل، فإن ذلك عادة ما يكون إشارة جيدة على أنهم يمكنهم تصميم شيء وإطلاقه.
اختر شريكًا في التأسيس تكون علاقتك به جيدة، وبينكما مساحة كبيرة من الثقة. فمن أكبر أسباب الفشل في الشركات الناشئة التي مولناها هي الخلافات المدوية التي تنشأ بين المؤسسين في الشهور الستة الأولى. فأنا أشهد حالات من هذا النوع، وهو أمر محزن.
وما لم تحقق عائدات بعد ثلاثة شهور أو تكون لديك مدخرات شخصية كبيرة، يجب أن تتمكن من الحصول على المزيد من التمويل. لذا يجب أن تختار فكرة جيدة لها سوق كبيرة تستوعب تلك الفكرة.
في البداية كان يبلغ عدد المؤسسين الذين ساعدناهم عشرين مؤسسًا تقريبًا، وزاد عددهم حتى أصبح لدينا الآن شبكة من الخريجين تضم أكثر من ٢٥٠ شخصًا. إنها جماعة رائعة. وجميع المؤسسين يساعد بعضهم بعضًا. فإنهم يواجهون المشكلات نفسها ويتعاملون مع المستثمرين أنفسهم، ومن الرائع أن يجد المرء من يلتمس منهم النصيحة.
سنظل نجرب أشياء جديدة. فإننا دائمًا نجري تجارب ونحاول ابتكار وسائل جديدة للتوسع. ومن هذا المنطلق، تبدو واي كومبيناتور أشبه بالشركات الناشئة.