الفصل الخامس

دان بريكلين

مؤسس مشارك، شركة سوفت وير آرتس

تصوير: لويس فابيان باكراك

أسس دان بريكلين وصديقه بوب فرانكستون شركة سوفت وير آرتس عام ١٩٧٩، لإنتاج برنامج فيزي كالك، أول برنامج جداول بيانات إلكترونية. وكانت جداول البيانات قبل ذلك تصمم على الورق. وعندما كان بريكلين في كلية هارفارد لإدارة الأعمال فكَّر كم سيكون من الأفضل لو أمكن تصميم جداول البيانات على أجهزة الكمبيوتر المكتبية بدلًا من الورق. وفي إحدى الإجازات الأسبوعية كتب نموذجًا أوليًّا بلغة البيسك ثم شرع هو وفرانكستون في تحويله إلى منتج.

وعند طرح أول إنتاجهم في أكتوبر عام ١٩٧٩ في الأسواق، أشعل فتيل ثورة برامج الكمبيوتر الشخصي. لقد كان فيزي كالك هو التطبيق الذي ساهم بشكل أساسي في انتشار أجهزة الكمبيوتر الشخصية؛ فقد بدأت الشركات تشتري أجهزة أبل ٢ فقط لتستخدم هذا البرنامج.

لكن لسوء الحظ، لم يكن فيزي كالك من إنتاج شركة مؤسسة على نمط الشركات الناشئة الحديثة. فقد أنتجته شركة سوفت وير آرتس، وتولت توزيعه شركة برسونال سوفت وير (التي تغير اسمها بعد ذلك إلى فيزي كورب) التي يمتلكها دانيال فيلستر، والتي كانت تدفع مقابل حق التوزيع لشركة سوفت وير آرتس. وقد تفاقمت الخلافات بين الشركتين إلى دعوى قضائية في سبتمبر ١٩٨٣، وهو الوقت الذي طُرح فيه برنامج لوتس ١-٢-٣. وبالفعل ثبت أن تشتيت الانتباه عن التركيز على العمل له آثار قاتلة.

لقد انهارت شركة سوفت وير بسرعة تضارع سرعة سطوع نجمها، ولكن تأثيرها يفوق تأثير الكثير من الشركات التي استمرت لوقت أطول على الساحة. ففكرة بريكلين وفرانكستون باقية في جميع البرامج التي نستخدمها اليوم.

***

ليفنجستون : كيف تعرفت على بوب؟
بريكلين : قابلت بوب عندما كنت في عامي الأول في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. فقد كنت أعمل في المعامل وأنا طالب لأن من أفضل طرق تعلم مجال محدد في دراستك هو العمل في مشروع حقيقي في أحد المعامل. وقد عملت في مشروع مالتكس الذي كان مشروعًا مهمًّا في تاريخ أنظمة التشغيل. ونتج عنه نظام يونكس، ومجموعة رقائق طراز ٣٨٦، والكثير من الأشياء المرتبطة بالطريقة التي نصمم بها البرامج وأنظمة التشغيل اليوم. وكانت أول مهمة أُسندت لي هي إدخال بعض التعديلات وإنهاء العمل الذي بدأه شخص آخر تخرج لتوه في أطروحة التخرج الخاصة به. وكان ذلك الشخص هو بوب فرانكستون.
كانت أطروحة بوب مشروعًا يطلق عليه «نظام الخدمة المحدودة». وقد كنا نستخدم المشاركة الزمنية آنذاك، فكنا جميعًا نشترك في استخدام الكمبيوتر نفسه عبر جهاز طرفي. وكان نظام الخدمة المحدودة طريقة للحد من الاستخدام حتى لا يستخدم أحد الكمبيوتر أكثر من قدر محدد، وذلك حتى يمكن إتاحة الخدمة دون مقابل والتأكد من أن أحدًا لن يأخذ أكثر من نسبة محددة؛ لأن هذا النظام كان يمكن أن يتشارك فيه نحو ٥٠ أو ١٠٠ مستخدم، وذلك على مستوى الحرم الجامعي بأكمله.

وكان الكثيرون ممن يعملون في هذا المشروع لا يزالون طلابًا لم يتخرجوا أو طلابًا بالدراسات العليا. وكان صغار السن وغير المرتبطين منا يوطدون علاقتهم الاجتماعية أيضًا. وكان بوب لديه سيارة ويعيش خارج الحرم الجامعي. وكان يصطحبنا في سيارته للتنزه، لذا فقد توطدت معرفتنا ببوب إلى حد بعيد.

ولطالما تمنيت أنا وبوب أن نؤسس شركة معًا. فقد كان والدانا من رواد الأعمال، ومن ثَم فقد كانت فكرة إدارة عملنا الخاص أمرًا عاديًّا لكل منا. فهناك من تملي عليهم بيئتهم العائلية العمل لحساب شركة ولا يمكنهم التفكير في تأسيس شركة بأنفسهم وحرمان أنفسهم من الضمان المالي الذي تمثله الوظيفة. ولكن عندما يكون والداك وعائلتك من أصحاب الأعمال الحرة، يترسخ في ذهنك أن هذا ليس بالشيء بالغريب. فقد عملت في شركات كبيرة، وقبلها في شركات صغيرة، ومن ثَم فلم تكن فكرة إدارة عملي الخاص بالفكرة الغريبة.

كنت أنا وبوب نبحث منذ سنوات بطريقة ما عن مجال نبدأ العمل فيه معًا، وكان من الواضح أن هذا المجال سيكون الكمبيوتر. وليس من غير الشائع أن تعمل مع أصدقاء تتعرف عليهم في الجامعة. فهذا هو الحال في الكثير من الشركات الناشئة. وهناك ميزة أخرى لكوننا صديقين ولسنا شريكين يعملان معًا فقط، ألا وهي أن جزءًا كبيرًا من بنية الصفقات التي عقدناها معًا كان يعتمد على الصداقة، وليس على غير ذلك. فقد كانت صداقتنا أقوى من المسائل المرتبطة بالعمل. وهكذا مع أننا كنا نختلف حول بعض الأمور، ومع أننا في بعض الأحيان كان كل منا يسأل الآخر مَن يبذل مجهودًا أكبر، فقد تمكنا من أن نمنع ذلك من أن يفسد عملنا؛ لأن كلًّا منا كان يحب الآخر وهناك ما يربط بيننا.

كنا نتشاجر طوال الوقت حول أمور متعلقة بالعمل، ولكن من ناحية أخرى كانت تربطنا صداقة وطيدة لا تزال قائمة حتى الآن. وبعد مرور خمسة وعشرين عامًا ما نزال صديقين مقربين. ومن ثَم فقد ساعدنا هذا كثيرًا لأننا لم نضطر إلى أن نفكر: «هل ستحصل أنت على ٣٥ بالمائة في حين أحصل أنا على ٦٥ بالمائة؟ كيف سنفعل هذا؟» وكنا نشترك في الكثير من المهام بالتساوي. ونقرر أن ينفذ أحدنا شيئًا وينفذ الآخر شيئًا آخر. وقد شكَّل هذا فارقًا معنا. وأيضًا لأن كلًّا منا كان يعرف الآخر، فقد أدى هذا لوجود مساحة كبيرة من الثقة، وهو ما احتاجناه بشكل خاص لأننا لجأنا إلى نقود الأهل عندما أسسنا الشركة.
ليفنجستون : هل هذه هي الطريقة التي حصلتم بها على نقود لتأسيس الشركة؟
بريكلين : في البداية اعتمدنا على أنفسنا. فقد كنت أنا في كلية إدارة الأعمال وأعيش وأنا طالب على القروض والمدخرات. وكان بوب في الواقع يعمل مستشارًا، ومن ثَم كان يتلقى أجرًا عن عمله. وفي البداية لم نكن ننفق سوى القليل من النقود لأننا كنا نستخدم المشاركة الزمنية لتنفيذ عملية البرمجة. وكانت تُنفذ على جهاز كمبيوتر منفصل ندخل إليه ثم يجري تنزيل التصميم الناتج إلى جهاز أبل ٢ استعرناه من الناشر الخاص بنا، ثم يُختبَر.
وكان لدى بوب بعض الأجهزة. فكان لديه مودم رابط صوتي، وجهاز طرفي للتحرير عليه، وقد حصل عليهما من عمله الاستشاري. وهكذا لم يكن علينا سوى أن نسدد مقابل وقت المشاركة الزمنية، وكان هو يستخدمها في وقت متأخر من الليل حيث تكون أرخص. أعني وقت متأخر جدًّا من الليل. فقد كان ينام بشكل أساسي بالنهار.
ليفنجستون : كان هذا في معهد ماساتشوستس، أليس كذلك؟
بريكلين : كنا نستخدم نظام مالتكس الخاص بمعهد ماساتشوستس، ذلك الذي كنا نعمل عليه.
ليفنجستون : وهل مانعوا في هذا؟
بريكلين : كلا. فقد كنا ندفع مقابل هذا. ولحسن الحظ، كان تحصيل الفاتورة يستغرق بضعة أشهر. وهكذا كان لدى بوب مبلغ من المال لتسديد هذه الفواتير. وفي النهاية، اقترضنا بعض النقود من أقربائنا لأننا أردنا شراء جهاز كمبيوتر خاص بنا. واقترضنا نقودًا من أحد البنوك ومن بعض الأقارب واشترينا جهاز كمبيوتر صغير من طراز برايم عليه نظام تشغيل يعتمد على أفكار مالتكس صممه مبرمجون اعتادوا العمل على نظام مالتكس. اشترينا أحد تلك الأجهزة واستأجرنا من الباطن مكانًا من بعض الأصدقاء الذين كانوا يديرون عملًا أيضًا، وهكذا بدأنا عملنا في قبو. الشركة الأصلية تأسست في عُلِّية منزل بوب في أرلينجتون بولاية ماساتشوستس.
ليفنجستون : في ذلك الوقت كنت قد تخرجت من معهد ماساتشوستس وبدأت تدرس في كلية هارفارد لإدارة الأعمال، أليس كذلك؟
بريكلين : بلى. تخرجت وعملت لبضع سنوات، وهو ما كان من العوامل المهمة.
لقد عملت لدى شركة ديجيتال إيكوبمنت كوربوريشن وهي شركة كبيرة. ثم عملت لدى شركة فاسفاكس كوربوريشن، وهي شركة صغيرة. فأتيحت لي فرصة رؤية الفروق بينهما، وأيضًا فرصة رؤية أن الشركات الصغيرة مثيرة للاهتمام وحديثة بالقدر نفسه. أي إنه لا يتحتم على المرء العمل في شركة كبيرة، وهو ما كان أمرًا مذهلًا لي.

ثم التحقت بكلية هارفارد لإدارة الأعمال، وهناك خطرت الفكرة على ذهني. واستشعرت الحاجة إليها. ولكنها كانت وليدة تجربتي مع معالجة الكلمات وتنضيد النصوص للطباعة في شركة ديجيتال إيكوبمنت كوربوريشن. فقد كنت أعمل في تنضيد النصوص على الكمبيوتر لأنني كنت أحب الأمور العملية. وكان والدي وجدي يعملان في مجال الطباعة. ومن العمل في مجال التنضيد عملت في تحرير الفيديوهات من أجل تنضيد النصوص، ومنه انتهى بي الحال إلى العمل في مجموعة معالجة الكلمات. وكنت أنا رئيس مشروع أول نظام معالجة كلمات صممته شركة ديجيتال إيكوبمنت كوربوريشن. وهذا ما أدخلني إلى عالم هذا النظام التفاعلي الذي يعتمد على الشاشة ويقوم على أن ما نراه هو ما نحصل عليه.

وعندما كنت طالبًا في كلية إدارة الأعمال، وبِناءً على خبرتي السابقة لما قمت به في معهد ماساتشوستس مع برامج المفسر … عملت على نظام لغة البرمجة إيه بي إل، وعملت مع بوب على نظام لغة البيسك الخاص به، وكنت قد صممت برامج مفسرة من قبل (فقد صممت بعضها في المرحلة الثانوية). وهكذا فإن فكرة لغة مفسرة، بالإضافة إلى معالج الكلمات، وإذا وضعنا في الاعتبار أنني كنت آنذاك في كلية إدارة الأعمال أتعامل مع الأرقام، نجد أنه من الطبيعي أن تخطر لي فكرة دمج معالجة الكلمات مع معالجة الأرقام. فالفكرة التقليدية التي في أذهان الكثيرين عن جداول البيانات مفادها أنها صفوف وأعمدة، وهي ليست كذلك في الواقع. إنما هي في الواقع تخطيط ثنائي الأبعاد للكلمات والأرقام. فإذا تفصحنا ما كان لدينا في جميع الحالات في كلية هارفارد لإدارة الأعمال، والوثائق المستخدمة في العمل، نجد جداول من المعلومات، ولكنها منظمة بطريقة تناسب البيانات، كما أن هناك الكثير من النصوص الأخرى، والنصوص لا تقل أهمية عن الأرقام.

فأخذت فكرة التخطيط العام المستخدمة في معالجة الكلمات والتنضيد على الكمبيوتر، بالإضافة إلى الجوانب الحسابية في إيه بي إل والبيسك وما شابه، ووظفتها لتلبية احتياجات عالم الأعمال حيث تكون هناك حاجة للسرعة في إنشاء الأشياء المختلفة وإجراء تغييرات عليها. ومن هنا نشأت فكرة جدول البيانات. ثم حدث أن التقيت عن طريق الكلية بالناشر دان فيلسترا من شركة برسونال سوفت وير وشريكه بيتر جينينجز. وكان دان في السنة الثانية من دراسته للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد حين التقيت به لأول مرة.

وعندما بدأت العمل في مجال البرمجة، كان هو قد تخرج ويدير عمله في بيع البرامج المسجلة على شرائط كاسيت من شقته في ألستون بماساتشوستس. وكان يبحث عن منتج جديد مثل برنامج دفتر شيكات. وفي الواقع لقد صممت النموذج الأولي لبرنامج فيزي كالك على أحد أجهزته في إحدى عطلات نهاية الأسبوع. فذهبت إلى شقته وكتبت النموذج الأولي بلغة البيسك. ثم بدأنا نناقش أن تتولى شركته إصدار البرنامج. كان هو وشريكه يحملان درجة الماجستير في إدارة الأعمال، ولذلك فَهِما قيمة هذا البرنامج. وكانت الحاجة إلى هذا البرنامج مدرجة على قائمة البرامج التي يحتاجون إليها في مجال البرامج المالية. وكانا يدرسان أدوات التنبؤ المالي الأخرى، ولكن هذا البرنامج أيضًا كان يعد دفاتر الشيكات وغيرها من الأمور. وهكذا فقد أدركا أنه يمكنهما بيعه على هذا الأساس، وكانا واثقين أنهما سيستخدمانه. فأبرمنا صفقة لإنتاجه.

وكنت أنا قد صممت النموذج الأولي له بالفعل وشرحت لهما وظيفته، ولكن لم يتَحْ لي وقت لبرمجته؛ إذ إنني كنت ما أزال أدرس. ونظرًا لأن بوب كان قد أنهى دراسته فقد برمجه.
ليفنجستون : لقد صممته في عطلة نهاية أسبوع؟ متى كان ذلك؟
بريكلين : خريف عام ١٩٧٨.
ليفنجستون : أكنت تريد أن تتأكد فحسب هل سيعمل؟
بريكلين : كلا، فقد قتلت الفكرة بحثًا وتفكيرًا، بل راودتني أحلام يقظة عنها. وكنت في الواقع قد صممت نموذجًا أوليًّا لها على كمبيوتر هارفارد الذي كان متاحًا للطلاب. وكجزء من التصميم الأولي، توصلت لما لدينا الآن: أسلوب الأعمدة والصفوف في الإشارة إلى الأشياء، وفكرة وجود صيغة فيما نطلق عليه سطر المحتويات تخبرنا بما نشير إليه، وفكرة الانتقال حيث يمكننا نقل التمييز من خلية إلى خلية. وقد نفذت الفكرة وجزءًا من التصميم الأولي. واستخدمنا لغة البيسك في تجريب البرنامج على كمبيوتر شخصي حتى يتسنى التعرف عليه على الطبيعة. ثم بدأنا برمجته بالفعل بلغة تجميع ابتداءً من شتاء عام ١٩٧٨ / ١٩٧٩.
ليفنجستون : عندما كتبت النموذج الأولي بلغة البيسك لأول مرة، ما أكثر ما فاجأك؟
بريكلين : في البداية أردت أن يستخدم البرنامج الماوس. ولكن لم يكن هناك ماوس في جهاز أبل ٢ آنذاك، لذا كنت أستخدم أذرع الألعاب وأديرها. ولكن هذه الطريقة كانت تحول دون ثبات المؤشر. لذا تحولت إلى استخدام مفاتيح الأسهم التي كانت توفر تحكُّمًا منفصلًا.
وتعلمت بعض الأمور عن الكمبيوتر. وجعلت البرنامج يصدر صوتًا في كل مرة يعيد فيها حساب خلية، ولكن اتضح أن استخدام ميزة الصوت على جهاز أبل يستهلك ثلاثة أرباع وقت المعالجة لأنها كانت تنفذه عن طريق حلقة تكرارية زمنية. وتعلمت بعض الأشياء من هذا القبيل. ولكني رأيت أنها أمور مفيدة ويمكنني التحدث عنها مع بعض زملائي في الدراسة. وكان أحدهم أيضًا خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وخبيرًا في الكمبيوتر واسمه جون ريس. فكنت أطلعه على الأمر، وكان يقدم لي اقتراحات كنت أجدها مفيدة. وهكذا كنت أستفيد كثيرًا بهذه الطريقة.
ليفنجستون : هل خفت أن تُطلع أحدًا على فكرتك؟
بريكلين : كلا، لم أخَفْ أن أطلع هذه المجموعة على فكرتي. ولكني حرصت على إخفاء الأمر فور أن بدأنا العمل على المشروع؛ لأننا أدركنا على الفور أنها فكرة رائعة. هذا مع أننا أدركنا أنها قد تستغرق دهرًا حتى تصبح مهمة. فلم نظن أنها ستصبح بالأهمية التي وصلت إليها اليوم، لأنه لم يتحقق شيء مشابه في الماضي، مع أننا كنا نعتقد أنها مهمة حقًّا. ولكن هكذا يكون حال رواد الأعمال دائمًا. فهذا هو شعور المرء إزاء أي مشروع يقوم به. فالمرء يحتاج إلى دافع يحفزه. وبالطبع كنا نخشى أن تعرف شركة تكساس إنسترومنتس ما نقوم به وتسرق الفكرة. لذا فقد كنا نتوخى الحذر، وكنا نطلب من العاملين التوقيع على تعهد بالمحافظة على سرية المشروع.
ليفنجستون : كانت فكرة تأسيس شركة ناشئة جديدة إلى حد بعيد. فكيف توصلت إلى الخطوة الأولى التي ينبغي اتخاذها؟
بريكلين : لطالما كنا نشهد قيام شركات ناشئة. فجدير بالذكر أن جانبًا كبيرًا من اقتصاد ولاية ماساتشوستس كان مصدره أشخاصًا كانت بدايتهم في شركة ديجيتال إيكويبمنت كوربوريشن التي بدأت شركة صغيرة. ثم حدث الأمر نفسه في الساحل الغربي مع هيوليت-باكارد وغيرها.
ثم كانت هناك شركة أخرى وهي برسونال سوفت وير، شركة النشر التي كانت النموذج في مجال تطوير البرامج. وكانت نموذجًا مختلفًا لفكرة المؤلف-الناشر. وقد أدركنا الآن أن هذا النموذج ليس بالنموذج الجيد. وكنا نحن أشهر مثال على فشل هذه الفكرة. ولكننا أسسنا شركتنا بهذه الطريقة، لذا عندما عقدت أنا وبوب صفقة مع شركة برسونال سوفت وير في خريف عام ١٩٧٨ بأن نصنع نحن المنتج وهم يتولون بيعه، كنا بحاجة إلى تأسيس شركة.

فأسسنا الشركة في الثاني من يناير ١٩٧٩ ثم أخذنا نتفاوض مع برسونال سوفت وير. كنا نقوم بتطوير المنتج، ولكن قبل أن نعلن عنه، كنا قد وافقنا على الشروط العامة. في حين أن العقد الفعلي المحدد لم يوقع إلا في الليلة التي سبقت الإعلان عنه في مؤتمر بن روزن. وكان لدينا محامٍ (محامٍ عام) يتفاوض نيابة عنا، وكان هناك محامٍ متخصص في النشر يتفاوض على الجانب الآخر، وهو ما لم يكن مناسبًا لعالم البرمجيات. وانتهى الأمر بظهور مشكلات في العقد على المدى الطويل. ولكنه كان في الواقع العقد النموذجي للكثير من الاتفاقيات والصفقات المتصلة بالبرمجيات بعد ذلك، لأنه كان يحتوي بالفعل على عدة بنود لافتة للانتباه.
ليفنجستون : أي إن فيزي كالك كان أول من يستخدم نموذج المؤلف-الناشر؟
بريكلين : أنا واثق أننا لم نكن أول من استخدم هذا النموذج، ولكن في مجال برامج الكمبيوتر الشخصي، كنا من بين أول من استخدمه.
وفيما بعد غيَّرت شركة برسونال سوفت وير اسمها إلى فيزي كورب. وكان دان فيلسترا الذي كان رئيس الشركة من المحررين المؤسسين لمجلة بايت. أي إنه كان على صلة بمجال النشر من عدة وجوه. وأظن أن محاميه كانوا من المجال نفسه.
ليفنجستون : أسستم الشركة في الإجازة الشتوية، أليس كذلك؟
بريكلين : بلى. فعندما تخرجت في كلية إدارة الأعمال، كنت رئيس مجلس الإدارة بدون مرتب. وقد أعلنا عن المنتج يوم الاثنين ثم تخرجت أنا يوم الأربعاء أو الخميس تقريبًا. وأول مرة عُرض فيها المنتج على الجمهور كان في المؤتمر الوطني للكمبيوتر في يونيو ١٩٧٩. وكان قد أُعلن عنه لمجموعة محدودة في مؤتمر بن روزن ثم عُرض في معرض ويست كوست للكمبيوتر في مايو عام ١٩٧٩، ولكن لم يرَه سوى التجار في سرية.
ليفنجستون : وفي أثناء هذه العروض الخاصة، هل عبَّر أحدهم عن انبهاره وهو يشاهده؟
بريكلين : هذا يعتمد على طبيعة جمهور المشاهدين. لقد أعلنا عنه في المؤتمر الوطني للكمبيوتر، وقد امتدحه محلل من شركة مورجان ستانلي في مقال كتبه في الصيف … أتظنين أنه كان سيُنشر عنه شيء في أي مطبوعة؟ أو أي مطبوعة متخصصة في التجارة والأعمال مثلًا؟ كلا. ثم في النهاية تحدثت، قليلًا عنه، مجلة متخصصة في نشر البرامج، في معرض حديثها عن أنشطة شركة برسونال سوفت وير وهي مجلة «بزنس ويك». ثم نشرت مجلتا «فورتشن» و«إنك» بعض القصص الإخبارية التي تناولت عملنا في مجال نشر البرامج. ولكن لم يأتِ أحد على ذكر لفكرة إتاحة جداول البيانات في شكل برنامج (إلا في المجلات المعنية ببرامج أجهزة الكمبيوتر الشخصية مثل «بايت» و«كرييتف كمبيوتنج»). وأظن أن مجلة «فوربس» تحدثت عنها في آخر الأمر في سياق مقارنة بين أجهزة كمبيوتر جديدة، مشيرة إلى ما إذا كانت تمتلك برنامج فيزي كالك أم لا. لذا أعتقد أنها لم تذكر الفكرة على وجه التحديد.
فمن رآه وكان بحاجة إليه، حصل عليه. عفوًا بل بعض منهم فقط. فقد كان يتطلب من المستخدم أن يكون شخصًا قادرًا على النظر إلى أداة متعددة الاستخدامات والتوصل لطريقة لاستخدامها لحل المشكلة التي تواجهه. ولا يفكر معظم الناس بهذه الطريقة. فهم يبحثون عن أداة تُستخدم بالفعل لشيء قريب من مشكلتهم ثم يفهمون ماهيتها. ولا يسعى الكثيرون للبدء في استخدام البرنامج، إذا رأوا جدول البيانات مرفقًا بمثال ليس له صلة بمجالهم. لأنهم لا يفكرون مثل المبرمجين.

ولكن إذا عرضته على شخص يوافق البرنامج احتياجاته، إما لأنه يفهم الطبيعة العامة للأداة ويمكنه تطبيقها وفقًا لاحتياجاته، أو إذا عرضت مثالًا له صلة مثلًا بالتنبؤ المالي أو شيء يرتبط بعمله، وكان على دراية بالأدوات الأخرى المستخدمة، فإنه ينبهر بشدة. وإذا عرضته على متخصص في مجال الكمبيوتر لا يحتاج إليه، فإنه سيقول: «إنه رائع، لكن ما الذي يميزه؟ يمكنني استخدام لغة البيسك للقيام بنفس المهمة.» وكانت هناك أيضًا تلك الفئة التي لم يسبق لها رؤية كمبيوتر تفاعلي من قبل، ولم يكونوا على دراية بمعالجة الكلمات وما شابه، وعندما رأوه، تفتحت مداركهم على ما يمكن أن يقوم به المستخدم بطريقة تفاعلية باستخدام أجهزة الكمبيوتر. وكان جان-لوي جاسِّيه الذي ذهب للعمل في شركة أبل من هؤلاء.

وكان هناك أناس، وهم ليسوا بالكثيرين، الذين انبهروا بإمكانيات برامج الكمبيوتر ولذلك أبدو اهتمامًا كبيرًا بالمجال. ثم كان هناك العامة الذين يرون أن أجهزة الكمبيوتر يمكن أن تقوم بكل شيء، ولذا لم يتفاجئُوا على الإطلاق. بل تساءلوا: «حسنًا، أجهزة الكمبيوتر يمكنها القيام بأكثر من هذا بكثير. فما الأمر الرائع في هذا؟» ومن حسن حظنا أن الممولين، وفي ذلك الحاصلون على الماجستير في إدارة الأعمال ومصرفيو الاستثمار، أُعجبوا به لأنهم كانوا بحاجة إليه في عملهم. وهذا ما جعلهم يقتنون أجهزة الكمبيوتر الشخصية.
ليفنجستون : هل زادت مبيعات أبل ٢ مع ظهور فيزي كالك؟
بريكلين : حسنًا، بالنسبة لأبل فنعم. فقد تمكنا من تعقب مبيعات أبل على أساس الكمية التي كنا نبيعها. ولكن في العام الأول كنا نبيع ألف وحدة فقط كل شهر.
ليفنجستون : من كان أول المستخدمين؟
بريكلين : على المستوى المحلي آل سنايدر الذي كان يعمل في شركة لافينثول آند هورواث وهي شركة محاسبة، وبدأ يحثهم على استخدام أجهزة الكمبيوتر الشخصية. وقد نفذوا الكثير من أعمال المحاسبة في مجال القمار. وقيل لي إنهم استخدموا فيزي كالك للتوصل إلى طريقة لوضع رسم تخطيطي لنادي قمار وأماكن ماكينات القمار. وهناك أيضًا أطباء اشتروا أجهزة كمبيوتر شخصية لأنهم رأوا أنها رائعة، وأظن أنهم استخدموها لحسابات التخدير في عمليات القلب المفتوح.
وتلقينا بطاقات سجل فيها المستخدمون الأغراض التي يستخدمون البرنامج لها، بعد أن طرحنا عليهم هذا السؤال في بطاقة التسجيل. فكان من بينهم محبو التكنولوجيا الذين افتتنوا بأجهزة الكمبيوتر الشخصي وكانت لديهم دراية بعالم الأعمال. ولكن كما أخبرتك كنا نبيع ألف وحدة فقط شهريًّا. فقد استغرق الأمر بعض الوقت من الناس ليفهموا ماهيته وهؤلاء هم من روَّجوا له.

وقد أدركت شركة هيوليت-باكارد أهميته. فقد كان أحد رفاقي في كلية هارفارد لإدارة الأعمال يعمل مع المجموعة التي تصَنِّع جهاز كمبيوتر شخصي هناك، وقد قرءُوا المقال الذي أثنى على البرنامج إبان انعقاد مؤتمر بن روزن، وقد حصلت هيوليت-باكارد على ترخيصه وصمموا تطبيقهم الخاص بِناءً على برنامجنا.
ليفنجستون : ما أكبر العقبات الفكرية التي واجهتك وأنت تصمم منتجك؟
بريكلين : كانت الرؤية الأصلية تقوم على سبورة إلكترونية أو مساحة عمل. وفي الحقيقة، تخيلته في البداية أيضًا على أنه شاشة لعرض المعلومات أمام المستخدم مباشرة (كما في الطائرات المقاتلة) حيث يمكن — باستخدام ماوس مع لوحة مفاتيح مثل آلة حاسبة لها كرة ماوس أو ما شابه في الأسفل — وضع تخطيط للأشياء واستخدامها في الوقت الفعلي أثناء التطلع إلى بعض الأشخاص أو إلى شيء ما. ومن ثَم فقد كانت هذه السبورة الإلكترونية ستعمل مثل برامج تخطيط التنضيد التي كانت قيد التطوير في ذلك الوقت. وقد كنت أنا مهتمًّا بشدة ببرنامج هاريس ٢٢٠٠، الذي لم يكن أحد يعرفه، ولكني كنت أحتفظ بالمقالة التي نشرت عنه في «سيبولد».
وكنت قد رأيت ما نطلق عليه الآن النشر المكتبي، لأنهم كانوا يستخدمونه في التنضيد على الكمبيوتر لتنفيذ الإعلانات المصورة. أما الإعلانات المبوبة فكان يجري تخطيطها تلقائيًّا، بشكل أو بآخر، ولكن في الإعلانات المصورة التي تحتوي على عبارات مثل «تخفيضات!» وما شابه كان هذا التخطيط العام هو الظاهرة الرائعة؛ ذلك التخطيط الثنائي الأبعاد المتعدد الأغراض المشابه لما ستنشره فيما بعد برامج مثل «بيج ميكر». وقد كان من صمموا «بيج ميكر» يعملون قبل ذلك في التنضيد على الكمبيوتر، في شركة أتيكس وهي شركة محلية كانت تعمل في هذا المجال وواحدة من منافسي شركة ديجيتال إيكوبمنت كوربوريشن عندما كنت أعمل بها.

وهكذا خطرت لي فكرة التخطيط العام ثنائي الأبعاد، وفكرة الحساب ثم إعادة الحساب، لأنها مثل خاصية التفات النص، فهذا ما تفعله. وهكذا خطرت لي هذه الأفكار على الفور. وبدأت أتساءل: كيف يمكنني التعبير عن هذا؟ ما المفاتيح التي أضغط عليها؟ وما آلية عمل النظام؟ كيف أجعل التعلم عملية سهلة؟ لقد أرَّقتني هذه الأسئلة في عالم معالجة الكلمات، عندما ابتكرنا بعض التقنيات المستخدمة لمعالجة الكلمات لأنه عندما كنا نعمل في معالجة الكلمات في شركة ديجيتال إيكوبمنت كوربوريشن في منتصف سبعينيات القرن الماضي لم تكن تتوافر الكثير من معالجات الكلمات المزودة بشاشة. فقد كان الكثير منها من النوع الذي يعتمد على الصفحة، وهو ما ينطوي على تحرير صفحة واحدة كل مرة، وإذا كان هناك أكثر من صفحة، فكان ينبغي قصه ولصقه في بداية صفحة أخرى لأن المعالجات كانت تعمل بطريقة تناسب الورق. وفي الواقع، كان بعضها مزودًا بأشياء تشبه الأسطوانات يمكن إدارتها لتحريك الصفحة لأعلى ولأسفل، وكانت الهوامش تُضبط بشيء ينزلق جيئة وذهابًا. وكان هذا هو معالج ليكسيترون. ولكن بعضها مثل نظام إن بي آي كان مصممًا للتعامل مع المستندات.

وكان هذا قبل أن تصمم شركة وانج أول معالج كلمات مزود بشاشة. وكنت أنا ممن عملوا في مشروع مالتكس الذي كان يستخدم نظام ران أوف، الذي كان قد أعده جيري سالتزر لنظام المشاركة الزمنية المتوافق (CTSS)، الذي كان أحد أول أنظمة المشاركة الزمنية. وقد ابتكر البروفيسور سالتزر هذا النظام لكتابة أطروحته، وكان النظام يستخدم في الأساس للقيام بمهمة معالجة الكلمات. لقد كان معالج كلمات مصممًا للتعامل مع المستندات مقارنة بالنوع المصمم للتعامل مع الصفحات. وكانت أهم معالجات الكلمات هي ماج تيب ثم ماج كارد سيلكتريك من إنتاج شركة آي بي إم. وكان هذان المعالجان من أول ما ظهر في عالم معالجة الكلمات. وقد ظهرت بضعة معالجات أخرى قبل ذلك، ولكن لم يكن أي منها مزودًا بشاشة.

وكانت فكرة التعامل مع مستند طويل ينقسم تلقائيًّا ويتضمن أوامر أشبه بفكرة التنضيد. ومن ثَم إذا وضعنا الاثنين معًا فسنجد أننا كنا بحاجة إلى ابتكار المسطرة وبالتحديد المسطرة الخفية. ومع أن هناك من اخترعها غيرنا في الوقت نفسه، فقد كان علينا أن نخترع نموذجنا الخاص من المسطرة الخفية، التي عندما نضع المؤشر فوقها تنفذ أمرًا بعينه، وعندما نضعه أسفلها تنفذ أمرًا آخر. وفي أجهزة معالجة الكلمات المستخدمة آنذاك، تصبح المسطرة نشطة وأنت تكتب وتنطبق على ما تكتب، ولكنها لم يكن تأثيرها دائمًا. لذا كان علينا أن نتوصل لحل لهذا.

لقد كنا نبيعه في الأماكن التي نتوقع أن تستخدمه السكرتارية. فأحيانًا كان الموظفون المتخصصون في التنضيد يحاسبون على أساس عدد مرات الضغط على المفاتيح. وفي معالجة الكلمات كانوا يُحاسبون بالساعة وهو ما يعتمد أساسًا على عدد مرات الضغط على المفاتيح. لذا فقد كنا مهتمين بشدة بتقليل عدد مرات استخدام المفاتيح. فكنا نتساءل دائمًا: كم عدد مرات الضغط على المفاتيح التي يتطلبها تنفيذ مهمة ما؟ وقضينا ساعات في مناقشة وتصميم ما يتصل بمجالي التنضيد ومعالجة الكلمات. وقد طبقت هذا على جداول البيانات الإلكترونية. وكان كل ما يشغل بالي هو: «كيف أجعل تعلم استخدامها سهلًا؟ وكيف أجعل عدد مرات استخدام لوحة المفاتيح أقل في تنفيذ كل شيء؟ وكيف أجعل استخدامها أمرًا عاديًّا، بمعنى أن يصبح من الأمور العادية إذا كان ذلك أمرًا يتطلب تنفيذه مرارًا؟»

منذ البداية لم يكن في ذهني أن يعمل البرنامج على الكمبيوتر. فالفكرة بأكملها كانت تعتمد على عدم العمل على الكمبيوتر. فاستخدمنا الحساب العشري، حتى يعمل بالضبط مثل الآلة الحاسبة. ولم نستخدم الحساب الثنائي، الذي قد يؤدي إلى بعض النتائج الغريبة التي قد لا يفهمها المستخدم.

كانت البروفيسورة جاكسون من المحاضرين في كلية إدارة الأعمال، وطلبت منها أن تلقي نظرة على النماذج الأولية ونحن نصنعها (واستشارت الرؤساء التنفيذيين لشركات كبرى). وقالت: «إنكم تنافسون أسلوب الحسابات التقريبية. يجب أن يكون سهل الاستخدام.» وكان ذلك مما يقلقني دومًا، وقد أثر هذا على التصميم بعض الشيء، لأني كنت على خبرة كبيرة بعالم واجهة المستخدم. وكنت قد دربت بعض الأشخاص على استخدام المنتج الذي صنعناه، لذا فقد كانت لديَّ خبرة كبيرة أيضًا في التدريب. ومن ثَم فقد كنت على دراية بالموضوع، وما يتعلم الناس استخدامه وغير ذلك.

كان التحدي هو: كيف نعبر عن القيمة التي نكتبها، والمعادلة التي نود حسابها وموقعها ودقة العلامات العشرية، وما مدى عرض الأعمدة ومثل هذه الأمور؟ وهل العدد عدد صحيح أم عدد علامة عشرية عائمة؟ كيف يمكن تحديد كل هذا؟ في عالم الكمبيوتر آنذاك، كان ذلك هو أسوأ شيء في أي لغة من لغات الكمبيوتر؛ وهذا يتضمن التعامل مع بيان التنسيق في فورتران وصور كوبول وكل ذلك. كان الأمر مربكًا. فكيف تحصل على مواصفات المنتج النهائي من حيث الشكل؟

انتهى بي الحال مع النظام الذي يقوم على أن ما تراه هو ما تحصل عليه، كما كان يفعل المتخصصون في مجال التنضيد. فكيف السبيل إلى الجمع بين هذا وبين الحساب؟ وهنا توصلت إلى فكرة استخدام الشبكة كطريقة تتيح تسمية الأشياء. ولكن كانت المشكلة الكبرى التي واجهتني هي: كيف تجرى تسمية الأشياء؟ وكيف يجرى تحديد القيمة؟ ففيما مضى، كان اسم المتغير يساوي التعبير، أليس كذلك؟ هكذا كانت أجهزة الكمبيوتر تعمل. أما هنا فالسؤال المهم كان: «ماذا سيكون اسم المتغير؟»

اليوم يبدو هذا عاديًّا للغاية: فإننا نستخدم A1. في البداية كان A1 وليس 1 فاصلة 1. ويتطلب هذا الأسلوب الأخير الضغط على مفاتيح كثيرة، وليس سهل الاستخدام، وينطوي على مشكلات كثيرة. ولجأت إلى أسلوب إحداثيات الشبكة المشابه لإحداثيات الخريطة؛ A1 أو G7 أو ما شابه؛ إذ كنت واثقًا من أن المستخدمين العاديين سيفهمون هذا الأسلوب. وكان أيضًا يسهل التحليل: فأي شيء يبدأ بحرف يكون بالتأكيد اسم متغير، لأن الأعداد تبدأ دائمًا برقم أو علامة جمع أو طرح أو شيء من هذا القبيل. ومن ثَم فقد سهل هذا الأسلوب من توضيح ما نكتبه. فإذا قلنا 1 + A1، أعرف بالضبط معنى ذلك. ولكن ما معنى 1+1, 1؟

وهكذا فإن التوصل لهذه الفكرة كان يعني التوصل إلى إمكانية تحرير المخرجات بالضبط مثل المدخلات — إذ يتاح الإدخال في المخرجات؛ فهذا هو ما تعنيه عبارة أن ما تراه هو ما تحصل عليه — في موقع منفصل يوضح محتوياتها وكل خصائصها في الأعلى، وتظهر شجرة القائمة في الأعلى. ولم يكن لدينا سوى مساحة صغيرة للغاية من الذاكرة لنقدم فيها برنامج المساعدة، ولكن إذا ما ضغطت على /، فستظهر قائمة بجميع الحروف التي يمكن كتابتها. فإذا كتبت حرفًا، فإنه يمنحك اسم الأمر الذي كنت تنفذينه وكذلك أي خيارات متاحة. أي إنه كان يخبرك دائمًا بالخطوة التي يمكنك تنفيذها بعد ذلك، فور أن تتعلمي استخدام مفتاح /. وبالطبع يمكنك استخدام مفتاح /، لأن هذا المفتاح معامل تدوين وسطي، وليس معامل تدوين قبلي، ومن ثَم كلما بدأ شيء بعلامة /، عرفنا أنه أمر بلا شك. لكن لو بدأ بعلامة a +، فإنه عدد. ومن ثَم فإنه يعتبر أحد الرموز القليلة المتاحة المناسبة لهذه المهمة. ولم تكن هناك ضرورة للضغط مع الاستمرار على مفتاح آخر (فأنا أكره الضغط مع الاستمرار على مفاتيح التحكم)، وقد استخدمت أجهزة الكمبيوتر مفتاح / كأمر من قبل، ومن ثَم فقد كان ذلك عاديًّا، من وجهة نظري.

وهكذا كان الهدف هو حل تلك المشكلات. ولم يتبقَّ بعد ذلك إلا تحديد السمات المطلوبة. وكان من المنطقي أن أفكر في سمات مثل إضافة نسخ مكررة، إمكانية نسخ خلية بمرجع مطلق ومرجع نسبي، كما أنه لم يكن بالشيء الجديد في نظم التنبؤ المالي الأخرى الموجودة، ونظم المشاركة الزمنية التي لم تكن تفاعلية بالقدر نفسه. وهكذا سار الأمر بسلاسة. ثم بدأت أتساءل: «ما الذي يمكن أن أستغني عنه كي أجعل هذا البرنامج مفيدًا ومناسبًا للذاكرة؟»
ليفنجستون : ما أنواع السمات اللافتة للانتباه التي ظهر البرنامج بها لأول مرة؟ وما السمات التي تمنيت لو أنك ضمنتها فيه؟
بريكلين : أظن أنه كان من الأفضل لو أن هناك نظام مساعدة أفضل، ولكن لم تكن هناك مساحة لذلك.
ليفنجستون : هل كانت المساحة تمثل مشكلة؟
بريكلين : أوه، بالطبع، فكان النظام بأكمله ونظام التشغيل ومساحة الذاكرة المخصصة لمحتوى الشاشة والبرنامج والبيانات التي تعمل عليه يجب أن يشغل ٣٢ كيلوبايت فقط. أما اليوم فلا يكفي ٣٢ كيلوبايت لعرض صورة شاشة واحدة من فيزي كالك. وكانت مساحة ذاكرة أبل ٢ القصوى حينها ٤٨ كيلوبايت فقط. ومن ثَم فقد أُطلق البرنامج في هذه المساحة، فكيف يتسنى لنا أن نضع نظام مساعدة؟ وعندما طرحت شركة لوتس نظام المساعدة الخاص بها، كان النظام بأكمله محملًا على قرص منفصل.
ليفنجستون : ألم تصمم شركة لوتس برنامج لوتس ١-٢-٣ وهي تضع في اعتبارها جهاز آي بي إم؟
بريكلين : كان يعمل في مساحة ٢٥٦ أو ربما ١٢٨ كيلوبايت، لا أذكر بالضبط، ولكن حسبما أذكر فإذا أراد المستخدم نظام المساعدة كان لا بد له من وضع قرص إضافي في محرك الأقراص. فكري في الأمر: إذا كانت شاشة المساعدة بها ألف رمز وسيكون لديك عشر شاشات مساعدة، فهذا يحتاج إلى ١٠ كيلوبايت! فأين ستضعينها إذا كان كل ما هو متاح أمامكِ هو مساحة ٢٠ كيلوبايت من الذاكرة للورقة بأكملها؟ ما مقدار المساحة التي يمكنك تخصيصها لذلك؟ ولهذا طبعت بطاقة مرجعية ساعدني فيها والدي، وقد تولى والدي مسألة التنضيد والطباعة من أجلنا؛ إذ إنه يعمل في مجال الطباعة. وقد تعلم الكثيرون البرنامج من خلال البطاقة المرجعية.
وكان البرنامج يتميَّز بإمكانية الإغلاق — لأن الشاشة كانت صغيرة جدًّا، كانت تتسع لأربعين رمزًا في نحو ٢٤ / ٢٥ سطرًا في جهاز أبل ٢ — فكان البرنامج يسمح بإغلاق الأعمدة أو الصفوف على الشاشة. وأظن أنهم يطلقون عليها الآن في إكسيل ألواحًا، فكان يمكنك إغلاق الألواح. وكنا نطلق عليها الأجزاء. وكان بإمكانك إغلاق منطقة العنوان، وأثناء التمرير كانت ستعمل الأجزاء بطريقة متزامنة حتى إذا مررت بشكل أفقي، تظل البيانات في مكانها.

وكان به نافذتان — ويمكن للمستخدم تقسيم النافذة ورؤية جزأين من الشاشة في الوقت نفسه — ومن ثَم يمكن للمستخدم كتابة أرقام في مكان والنظر إلى المجموع في مكان آخر. ويمكنك تمريرهما معًا. وأيضًا يمكنك إغلاقهما بطريقة متزامنة، فعندما تمرر إحداهما تتحرك الأخرى معها، ويمكنك في إحداهما أن تغلق العناوين. وكانت هناك إمكانية لتغيير عرض الأعمدة في الأماكن المختلفة. لقد حرص بوب على أن يضع جميع المميزات الرائعة. ولا أحد يفعل هذا اليوم.

ولكنه لم يكن يحتوي على فاصلات في الأرقام لأننا واجهنا بعض الأخطاء في هذا. ولم نطرح هذا قط، وهو ما مثَّل مشكلة حقيقية. وكانت جميع الأعمدة بالعرض نفسه. وكان بإمكان المستخدم تغييرها، ولكنها كانت جميعًا بنفس العرض، وكان هذا عيبًا. فإذا كان لديكِ عنوان خلية أطول من مساحة العمود وهناك خلية خاوية بجواره، لا ينتقل إليها تلقائيًّا. بل عليكِ أن تقسميها إلى قسمين. وكانت تلك من المشكلات الحقيقية في برنامجنا. في حين أن لوتس ١-٢-٣ كان يحتوي على هذه المميزات وغيرها.

وعندما طُرح برنامج لوتس ١-٢-٣، كان الناس يطرحون الأسئلة الآتية بشأنه. هل به فاصلات في الأرقام؟ هل توجد علامات دولار قبل الأرقام؟ وأظن أننا كان لدينا تنسيق دولار الذي كان يعني ٫٠٠. ولكن كانوا يسألون: هل به فاصلات، وهل يتميز بتنوع عرض الأعمدة، وهل هو مزود بعناوين خلايا طويلة؟ وأذكر أن فيرن رابرن أخبرني أن هذه الأسئلة الثلاثة كانت من بين أكثر الأسئلة التي طُرحت عليه، وبعدها يقرر المستخدمون شراءه. فقد كانت تلك سمات غير متوفرة لدينا، وكان من الأفضل لو أنها كانت لدينا. لقد كنا نعرف أننا نحتاجها، ولكن كان هناك حد لما يمكننا إنجازه ولما يناسب بالفعل المنتج الأصلي ويعمل به.
ليفنجستون : لقد أعلنت عن فيزي كالك في يونيو. متى كانت أول مرة طرحته فيها في الأسواق؟
بريكلين : ظللنا نعمل في عُلِّية منزل بوب حتى استلمنا جهاز الكمبيوتر الذي اشتريناه، وكان كمبيوترًا يعمل بطريقة المشاركة الزمنية. وقد كتب بوب برنامج تجميع ورابطًا له، وكتبت أنا له برنامج محرر حتى نتمكن من القيام بعملنا. ووظَّفنا واحدًا أو اثنين لمساعدتنا في الانتهاء من المنتج الفعلي ثم تحويله إلى الأجهزة الأخرى.
كتب بوب الجزء الأكبر من الكود، ثم كتبت أنا وهذا الشخص الذي وظَّفناه ويدعى ستيف لورانس باقي الكود. ثم شغَّلت الدوال المتسامية: الجا والجتا، وما شابه. وقد شابت عملية القسمة بعض الأخطاء، ولكن ستيف نجح في تشغيلها. وأظن أن نسخة بيتا منه كانت جاهزة في نهاية فصل الصيف، مع نسخة عرض توضيحي تعمل وحدها يحركها ماكرو، فهي مزودة بماكرو طويل يعمل فقط بالضغط على بضعة مفاتيح.

فكان أصحاب متاجر الكمبيوتر يضعون قرص العرض التقديمي في الكمبيوتر، ويتركون البرنامج يعمل في واجهة المتجر، ليوضح طبيعة عمله. وقد أرسلته شركة برسونال سوفت وير إلى جميع متاجر الكمبيوتر المعروفة. فلم تدرك بعض المتاجر فائدته فباعته. وأضاعته متاجر أخرى. في حين أدركت متاجر أخرى فائدته وحققت أرباحًا من ورائه.

وفي خريف عام ١٩٧٩، كان دليل الاستخدام قد انتهى، وعملية الإنتاج انتهت، وطُرح المنتج وأصبح متاحًا للمستخدم. وأظن أنني حصلت على نسختي الأولى يوم السبت الموافق عشرين أكتوبر.
ليفنجستون : هل مرت عليكم أي لحظات من الخوف قبل يوم العشرين من أكتوبر؟ هل حدث أن خطر لكم أنكم لن تنجحوا؟
بريكلين : لقد مرت علينا لحظات من الخوف في العمل، ولكنها لا تمت بصلة لعملية البرمجة. فقد كنا نعمل في قبو في ميدان سنترال سكوير. وكنا على مقربة من مترو الأنفاق، وبالتحديد من محطة كندال سكوير. وكان كلما مر القطار اهتز كل شيء، لأننا كنا فعليًّا على بعد بضع أقدام منه.
وكان القبو الذي نعمل فيه أسفل مستوى الشارع. لذا عندما تهطل الأمطار كانت المراحيض تنسد. وهكذا عندما كانت تمطر كان علينا أن نتذكر قبل أن نغادر المبنى أن نغلقها وإلا انسدت. وفي إحدى المرات نسينا وبدأت المياه تتدفق تجاه الكمبيوتر. ولديَّ بعض الصور لي مع مكنسة كهربائية تشفط المياه حيث كانت المياه على وشك أن تغرق الكمبيوتر! لقد كانت مدخرات حياتنا في هذا الكمبيوتر، بالإضافة إلى بعض النقود التي حصلنا عليها من أقربائنا، وضمانات شخصية على القروض.

ثم وصلنا إلى مرحلة صياغة العقد. فقد جاء دان فيلسترا ومعه آخر نسخة من العقد. ولم يكن لدينا أجهزة لمعالجة الكلمات. كانت لدينا آلة كاتبة ماركة سيلكتريك كنت أستخدمها في الكتابة والتي يمكنها تصحيح الأخطاء. ولم يكن لدى دان معالج كلمات حقيقي، أو طابعة جيدة له، ولكنه كان يعمل في مجال الإعلان لذا فقد ذهب إلى تايبو تك، وهو مكان في ميدان هارفارد سكوير يمكنك فيه تنفيذ التنضيد بنفسك ودفع المقابل بالساعة. لذا فقد استخدمه كمعالج كلمات، وأنتج العقد. فكنا نجلس نتفاوض حول بعض الأمور، ويهرع هو مرة أخرى إلى تايبو تك ليدخل التعديلات، وكان يقطع ويلصق النتائج.

ثم احتجنا إلى نسخة من العقد النهائي الذي وقعناه — ولأن الوقت كان قد تأخر، وكنا ندخل بعض التعديلات على الدفعة المقدمة ومقابل حق التوزيع والإصدارات المستقبلية أو ما شابه — لكن لم تكن هناك محال توفر خدمة ليلية. وكان لدى بوب ماكينة تصوير مستندات. وآنذاك لم تكن براءة اختراع زيروكس قد انتهت صلاحيتها، ولم يكن لدى الناس ماكينات تصوير مستندات في المنازل. فكانت الماكينة التي لديه بها مصباح في الأسفل وتستخدم ورقًا حساسًا للحرارة أو ما شابه، وكان يجب أن نضع ورقة فوق الأخرى وفي النهاية نحصل على نتيجة بنية اللون. وكان هذا هو العقد الفعلي الذي وقعناه. فأخذ دان العقد وأسرع واستقل طائرة وانطلق إلى نيو أورليانز حيث كان بن روزن يعقد مؤتمره (وبعد ذلك أصبح مؤتمر إستر دايسون) وهناك عرضناه للمرة الأولى على الناس.

وكان بن قد رأى نموذجًا أوليًّا للبرنامج من قبلُ، وكنا نعلن عنه أمام عدد محدود من الحاضرين في المؤتمر. وهكذا أنجزنا المهمة في آخر لحظة.

وقد كتبت برنامج محاسبة. لم أكتب برنامج المحرر فقط، بل كتبت نظام المحاسبة لنا، وكنت أيضًا أمسك الدفاتر. أعني أنني كنت طالبًا في كلية إدارة الأعمال تعلمت المحاسبة على يد بروفيسور محاسبة رائع، ثم تعلمت محاسبة التكاليف على يد جيم كاش، وهو الآن عضو في مجلس إدارة مايكروسوفت، ولكني كنت أحاول التعامل مع الديون والأرصدة بطريقة يدوية. ولم تكن لديَّ دراية بالطريقة السائدة المستخدمة في هذا المجال. وكنت أتولى مسك الدفاتر بنفسي. ولذا كتبت نظامًا لإنجاز هذه المهمة.
ليفنجستون : هل كان لديكم منافسون؟
بريكلين : كنا نخشى ظهور منافسين. ولكن كان التفاؤل سمة تلك الأيام. وكنا ننفذ هذا المشروع ليكون وسيلة لتنفيذ مشروعات أخرى. ولم نعلم أنه سيصبح مشروعًا كبيرًا. ولكننا اكتشفنا أننا سنواصل ابتكار الكثير من البرامج الرائعة.
ليفنجستون : أتذكر اللحظة التي اكتشفت فيها أنكم بصدد عمل مهم؟
بريكلين : شعرت بهذا عندما بدأ أناس عاديون لا أعرفهم يعرفون بأمر جداول البيانات ويتعاملون معها كأنها أمر مفروغ منه. وعندما كتبت جريدة «ذا وول ستريت جورنال» مقالًا افتتاحيًّا عن ميزانية واشنطن وقالت: «إن صفحات دفتر أستاذ برنامج يلو وجداول بيانات فيزي كالك في جميع أنحاء واشنطن تحاول فهم هذا الأمر»، انبهرت بشدة.
وقد جاء إلينا مسئولون من شركة آي بي إم يطلبون تشغيل برنامج فيزي كالك على أجهزة آي بي إم الشخصية، وفي إعلاناتهم التليفزيونية عرضوا برنامج فيزي كالك (أو ما ادعوا أنه فيزي كالك؛ إذ إنه كان نموذجًا مقلدًا له) وتشارلي شابلن يضغط زرًّا. وعندما عرضت شركة أبل إعلانًا في التليفزيون، جاءوا بديك كافيت — الذي لم يظهر في إعلان تليفزيوني من قبل — وكان يضغط على زر فيظهر فيزي كالك على الشاشة. وأنا واثق أنه لم يكن لديه أي فكرة عن مضمون الإعلان، ولكني قلت في نفسي: «رائع! ديك كافيت! تلك فكرة رائعة حقًّا!»

ومن المواقف التي كان لها تأثير كبير حقًّا عندما كنت عائدًا إلى المطار من مؤتمر تحدث فيه روس بيرو وكان رئيس شركة إلكترونيك داتا سيستمز. وكان بضعة أشخاص منا من شركة سوفت وير آرتس يستقلون سيارة ليموزين مع بعض كبار أعضاء إلكترونيك داتا سيستمز، وكانوا يعلمون بأمر فيزي كالك. ونحن هنا نتحدث عن إلكترونيك داتا سيتسمز وهي شركة كبرى في تصنيع أجهزة الكمبيوتر المركزية. وقالوا إنهم أبرموا بعض الصفقات واستخدموا فيزي كالك لإجراء حسابات الصفقة جميعها. إذن فها هي الشركة التي تتمتع بإمكانيات حاسوبية لا حدود لها، وتستخدم ما شاءت من برامج نظم التنبؤ المالي المهمة، وغير ذلك، نجدها تستخدم فيزي كالك لتسعير صفقات بملايين الدولارات. واكتشفت أن مصرفيي الاستثمار الذين كانوا يعقدون صفقات كبرى يستخدمونه. فعندما ترى من تعتبرهم من الرواد يتحولون إلى استخدام برنامجك، فإن هذا أمر لا يستهان به.

وهناك موقف آخر يتمثل في اتصال بي دون استريدج ذات يوم الذي كان رئيس مشروع آي بي إم لأجهزة الكمبيوتر الشخصية. وقد أخبرني أنه عندما كان على وشك تقديم عرض توضيحي لبرنامج فيزي كالك أمام أحد كبار المسئولين في الشركة، قال له المسئول: «كلا، أنا أعرف كيف أستخدمه. انتظر ودعني أشغله.» وأظن أنه كان يجري العرض على جهاز أبل ٢. وهنا قلت في نفسي: «أوه، يا إلهي!» وأدركت أننا تركنا بصمة، وأن المنتج وصل إلى الناس.
ليفنجستون : نشبت بعض النزاعات القانونية بين فيزي كورب وسوفت وير آرتس. هل تعلَّمت شيئًا من هذه التجربة؟
بريكلين : تعلمت الابتعاد عن الدعاوى القضائية بقدر الإمكان. فهي تضر بالطرفين، لا سيما الشركات الصغيرة. إن هذا عمل المحامين، فحل الأمور، عندهم، لا يكون إلا عن طريق القضايا. ولكنها مكلفة للغاية. بل هي أقرب لرياضة الملوك، وتستغرق وقتًا طويلًا. فإذا لم تكن شركتك شركة كبيرة للغاية يمكنها حصر الدعاوى القضائية في أضيق الحدود، فمن الأفضل كثيرًا البحث عن وسيلة أخرى لحل المشكلات. وكثيرًا ما يتمكن الأفراد من التوصل لنتائج أفضل وجهًا لوجه. ورؤساء الشركات يدركون هذا.
وقد تسبب مجلسا إدارة الشركتين في هذا، في حين أنه لم يكن ينبغي لهم، لأن الأمر أضر بالشركتين في نهاية المطاف.
ليفنجستون : وقد تسبَّب ذلك في تشتيت انتباهكم بالفعل.
بريكلين : تشتيت انتباهنا؟ لقد قضى علينا.
كنا قد انتهينا لتونا من إبرام صفقة لبيع شركتنا مقابل مبلغ كبير من المال لشركة كبيرة. وكان ذلك كفيلًا بتغيير وجه هذا النشاط بأسره. فقد كانت شركة إتش آند آر بلوك تسعى لشراء شركتنا مقابل — أظن — ٥٠ مليون دولار نقدًا بالإضافة إلى أسهم. وكان هذا بِناءً على الأرقام التي لدينا. وقد كانت إلى حد ما وهمية، ولكن هذا لا يهم. وكانت الشركة تضم قسمًا يطلق عليه كمبيوسيرف وهو الذي كان سيشتري شركتنا. وحصلنا بالفعل على موافقة مجلس إدارة الجانبين. ولكن رُفعت الدعوى القضائية ضدنا قبل يوم أو اثنين من إتمام الصفقة. ولم يكن ذلك جيدًا. فقد اعتدت على وقوع المشكلات في آخر دقيقة.

فإذا كنا أتممنا الصفقة، لانتهى بنا الحال نحن وكل البرامج التي كنا ننجزها في كمبيوسيرف. ولاختلف الوضع تمامًا الآن. وقد كان أحد الرواد في عالم الإنترنت وهو ديفيد ريد يعمل لدينا. ومن ثَم كان سيعمل لدى كمبيوسيرف بدلًا من لوتس، لأنه عندما تدهورت الأحوال اشترت شركة لوتس شركتنا. وأنا لا ألومهم في هذا. فهذا هو التصرف الأمثل لهم من الناحية العملية. وقد أحسن ميتشل [كابور] صنعًا إذ أنقذنا من الإفلاس. فقد كان إنقاذنا من مصيبتنا لا يكلف سوى بضعة ملايين من الدولارات لتسديد ديوننا.

ولكننا لم نكن قادرين على إدارة العمل. وقد قضى هذا على الصفقة، فلم يكن بإمكاننا بيع الشركة ونحن طرف في دعوى قضائية. وأصبحت فيزي كورب في موقف سيئ. وجاءت مصاريف القضية تقريبًا في الوقت الذي كانت فيه الشركة تتكبد خسائر كل شهر. وقد قضى هذا على فيزي كالك، وعلى أي حال كان لوتس ١-٢-٣ كفيلًا بالقضاء عليه. وظنوا أن المنتج الجديد فيزي أون كان سينقذ الموقف، ولكن المنتجات الجديدة لا تحقق نجاحًا كبيرًا على الفور في الغالب. لقد كان ذلك البرنامج سلفًا للويندوز في الوقت الذي لم تكن فيه أجهزة الكمبيوتر الشخصية قوية بما يكفي لتشغيله. ومن ثَم فمع كل إمكانياته المتقدمة والخصائص الرائعة التي يتميز بها، لم يكن ذلك وقته المناسب، وانتهى بهم الحال ببيعه بثمن زهيد لكسب بعض النقود، وفي النهاية أفلسوا. أي إن الأمر كان سيئًا من جميع الجوانب.

ما أدركه بالفعل هو أن هناك مميزات لبيع الشركات وهي في قمة نجاحها. ولكنك لا تعرف متى تأتي قمة النجاح. أعرف من باعوا شركاتهم وحينئذٍ اتهمهم الجميع بالجنون. فقد كانوا يقولون لهم: «الشركة تحقق نجاحًا باهرًا، فلماذا البيع الآن؟» وعندما ينظرون إلى الأمور بعد ذلك يرون أن الأمور انقلبت رأسًا على عقب. فبعد ستة أشهر أو عام بدأ العمل ينهار. فلم يحققوا قمة النجاح، ولكن اقتربوا منها كثيرًا.

وهناك من يرون أن الأمر يستحق المجازفة، لأنكِ تجازفين للحصول على أفضل الفرص، وفي عالم الاستثمار هذا جيد. ولكن كما يقولون في وول ستريت: من يشترون الأسهم توقعًا لارتفاع الأسعار يربحون، ومن يبيعونها توقعًا لانخفاض الأسعار يربحون، ولكن الجشعين ينالون أسوأ جزاء. بعبارة أخرى إياك والجشع. وسواء رأيت الأمور تتحسن أو تسوء يمكنك كسب بعض النقود في كلتا الحالتين. ولكن الجشع يجلب مشكلات؛ إذ يحول دون اتخاذ القرارات المنطقية.

في بعض الأوقات يستحق الأمر — إذا استطعت — السعي لتحقيق النجاح رغم الصعوبات. مايكروسوفت لم تفعل هذا. فقد وصلت إلى ما وصلت إليه خطوة خطوة، وظلت تحقق أرباحًا حتى وصلت إلى القمة. وهذا هو الأسلوب التقليدي لتحقيق ذلك. أما أسلوب جوجل ونت سكيب وهذه الشركات، ففي بعض الأحيان ينجح، ولكن في بعض الأحيان الأخرى، بل عادة، يفشل. ولكنه أحيانًا ينجح وتكون النتائج مذهلة. ولكن إذا كنتِ سيدة أعمال وتريدين لشركتك أن تنجح، لأنك تحبين تلك الشركة، فستكون وجهة نظرك مختلفة. وهكذا تختلف انطباعات المجازفة.

ويجني الكثير من الناس نقودًا طائلة لأنهم يجيدون اختيار التوقيت المناسب. وقد كدنا نحقق ذلك. فلولا تلك القضية، كنت سأحقق أرباحًا مادية هائلة لأنني أنا وبوب كنا نتملك معظم أسهم الشركة في ذلك الوقت. وكانت أمامنا فرصة لتحقيق خطوة مهمة؛ إذ كنا على وشك الدخول في أكبر نشاط تجاري إلكتروني في ذلك الوقت. ولربما انتهى بنا الأمر في العمل في مجال الإنترنت أو شيء من هذا القبيل، أو ربما حققنا ما هو أفضل. من يدري؟ ولكن هذا لم يحدث.
ليفنجستون : أهناك ما تندم عليه؟ فذلك الأمر لم يكن بأيديكم.
بريكلين : نعم، لم يكن بأيدينا. فلو كنا حللنا المشكلة في بدايتها، لكانت القضية قد انتهت، ولكنا ربحنا نقودًا طائلة، وامتلكنا منزلًا أكبر. ولكن، وكما أقول للناس دائمًا، بعد مرور ٢٥ عامًا، ها أنت ذي تجرين مقابلةً معي. فهناك الشهرة والثروة. وأنا لم أجن ثروة طائلة من وراء الشركة، ولكن من ناحية أخرى لا تزال الشهرة مصدر رزق لي منذ ذلك الوقت وتعلمت منها الكثير أيضًا، وقضيت باقي حياتي أعيش حياة سعيدة. فإجمالًا، ليس لديَّ ما يدعو للشكوى. فقد حققت أفضل مما توقعت بكثير في جميع الجوانب. ومن ثَم ليس لديَّ ما أندم عليه. أعني أن الإنسان من طبيعته أن يقول في نفسه إنه لو فعل كذا لكانت الأمور أحسن.
ليفنجستون : هل تذكر أي خلافات بينك وبين بوب؟
بريكلين : أوه، لقد نشبت بيننا خلافات كثيرة طوال الوقت. فقد كان مَن حولنا يرون دائمًا أن الشركة ستنهار لأننا كنا نتشاجر حول كل شيء. وعادة ما كانت مشاجراتنا تنشب بسبب أمور تقنية. وبوب جريء في بعض النواحي أكثر مني، وأنا متحفظ أكثر منه بكثير. أي إن كلًّا منا كان يكمل الآخر. وفي حين أنني شخص غير منظم، فإنه غير منظم أكثر مني، في أشياء بعينها، لذا كان يعتمد عليَّ فيما يتعلق بدافع الإنجاز. ومن ناحية أخرى، كنت أعتمد عليه فيما يتعلق بالسعي لتحقيق النجاح رغم الصعوبات.
لذا، لقد كان كل منا يكمل الآخر، ولكن هذا أمر عسير. فالأمر أشبه بزوجين عجوزين لا يكف كلٌّ منهما عن الصياح في وجه الآخر. لم يكن الأمر سيئًا مثل بعض الشركات، التي تكون بالفعل أشبه بزوجين. ولكن صداقتنا استمرت حتى يومنا هذا. وكما يعرف الناس، في عالم الشركات، تعد هذه هي طريقة اختبار فهمك للأمور، ومن المعروف عن بيل جيتس أنه يكون صارمًا للغاية في الاجتماعات ويختلف في الرأي مع الآخرين وأشياء من هذا القبيل. فالاختلاف مع الآخرين في الرأي يعد وسيلة للتعلم. وإذا كان هناك من لا يتقبل الاختلاف في الرأي، فربما لا يكون مقتنعًا حقًّا بما يقول، وربما لا يفهمه جيدًا.

فكنا نتشاجر ثم نخرج للغداء معًا، لأن النقاش لم يكن قائمًا على العداء. فقد كان لدينا ما يكفي من المشكلات مع أناس من خارج الشركة.
ليفنجستون : أتذكر مرةً حاول فيها أحد استغلالكم أو خداعكم؟
بريكلين : كنا بحاجة للانتقال، لذا فقد اشترينا مبنًى وأصلحناه لأنه لم يكن في حال جيدة. فقد كان مصنعًا قديمًا وحوَّلناه إلى جنة للمبرمجين. واتضح أننا قضينا وقتًا أكثر مما ينبغي في هذا، وكان ينبغي لنا أن نقضي وقتًا أكبر في تصميم المنتج. أي كان ينبغي لنا الالتزام بعملنا والتركيز عليه. ولكننا في ذلك الوقت كنا نبلي بلاءً حسنًا، وكل ما ربحته من سوفت وير آرتس، إلى جانب راتبي، كانت النقود التي ربحتها من بيع المبنى.
عندما اشترينا المبنى، حصلنا على قرض لنسدد ثمنه. وكنا نتعامل مع بنك معين لسنوات، فأخبرناه أننا نود الحصول على قرض ولكننا لا نريد أن تكون هناك أي ضمانات شخصية. ففي حالة وجود ضمانات شخصية، يستولون على منزلك. لذا لم نشأ أن تكون هناك ضمانات شخصية. ووافق البنك. لكن عندما اطلعنا على الأوراق الختامية، فقد ذهلنا. فقد وجدنا أنها تطلب ضمانات شخصية. ولكنهم برروا ذلك قائلين: «إننا دائمًا ما نفعل هذا. هذا هو الأسلوب المعتاد.» فذهبنا إلى بنك آخر، ولكن — وكما توقعنا — ما إن كانوا على وشك إنهاء الأوراق، حتى اكتشفنا وجود ضمانات شخصية. ولم ننجح في هذا إلا مع البنك الثالث حيث حصلنا على القرض بدون ضمانات شخصية.
fig4
بوب فرانكستون يقف إلى جوار دان بريكلين، عام ١٩٨٢ تقريبًا.
ليفنجستون : ما ظروف شراء لوتس لشركتكم؟
بريكلين : في اللحظات الأخيرة، عندما كانت الشركة على وشك الانهيار، وجدنا من يرغبون في شراء الشركة، ولكنهم طلبوا مني العمل معهم لمدة عام، ولم أكن راضيًا عن ذلك على الإطلاق. ثم قابلت ميتش كابور بالصدفة على متن طائرة وتحدثنا. وكان ذلك يوم الاثنين. وفي مساء يوم الجمعة اشترت لوتس شركتنا، وبالتحديد اشترت أصول الشركة. وهكذا أخيرًا نجحنا في بيع الشركة وخرجت من الورطة دون أي التزامات. وكان ذلك رائعًا. ثم اضطررنا لبيع جميع أغراضنا لأن الصفقة كانت تقتصر على الأصول فقط. ومن ثَم اضطر الموظفون للبقاء لإغلاق الشركة وتسوية جميع الالتزامات لعام أو اثنين، وكانت تلك فترة من الفوضى.
وكل تلك الأمور تحدث طوال الوقت؛ أقصد فترات الازدهار الرائعة، والمحن الرهيبة، ولكن هذا هو عالم الأعمال. ولكن يدخل في ذلك عنصر العلاقات الشخصية أيضًا. إذ ينطوي على الكثير من التعاملات الشخصية. فكيف كان لي أن أعرف أنني ينبغي أن أتحدث إلى ميتش؟ فقد كان وكيل التأمين الخاص بنا هو أيضًا وكيله، وقد تحدث إلى ميتش. ومن ثَم عرفت أن ميتش يعرف ما يحدث لشركتنا. وكان يعرف أننا نمر بأزمة، لأنه كان يتحتم علينا تسوية كل ما يتعلق بالتأمين، وإنجاز المهام المطلوبة على أكمل وجه، وما ننوي القيام به في حالة إعلان إفلاسنا، لأننا كنا على وشك إعلانه في أي لحظة. لذا كان علينا التعاون مع وكيل التأمين. وهو كان يتعاون مع لوتس أيضًا. لذا اقترح عليَّ قائلًا: «انظر، لماذا لا تتحدث إلى ميتش؟ إنه رجل صالح. وسيساعدكم.»

كنت قد تعرفت على ميتش من أيام أبل ٢ وما شابه. وكنا مثل شركتين شقيقتين، إلى أن بدءُوا ينافسوننا. وكان الكثير من موظفينا يعملون في لوتس، لذا فقد كنت معجبًا بالكثير ممن يعملون في تلك الشركة. وهكذا عندما قابلت ميتش بالصدفة، كان لديَّ استعداد لإطلاعه على مدى سوء الأمور في شركتنا.

ومع أن الشركات الكبرى يبدو عليها الاهتمام بالتعاملات العملية وتبدو متجردة من الآراء الشخصية، وأنها تقوم على القرارات الجماعية، فالعكس هو الصحيح. فلا يوجد قرار جماعي. فالأمر دائمًا قرار شخصي يرجع لشخص واحد، وفي الكثير من الحالات يكون رئيس الشركة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤