الفصل السادس

ميتشل كابور

مؤسس مشارك، شركة لوتس ديفيلوبمنت

أسس ميتشل كابور شركة لوتس ديفيلوبمنت مع جوناثان ساكس عام ١٩٨٢. وقد تفوق برنامج جداول البيانات الذي صمماه، لوتس ١-٢-٣، على فيزي كالك سريعًا ليصبح هو النموذج القياسي في هذا المجال.

كان فيزي كالك هو التطبيق الذي ساهم بشكل أساسي في انتشار أجهزة الكمبيوتر الشخصي. وكان كابور يحتل منصب مدير الإنتاج لفيزي كالك في شركة برسونال سوفت وير عندما كتب برنامجي فيزي بلوت وفيزي ترند وهما منتجان مرافقان لفيزي كالك. وقد ترك الشركة ليؤسس شركة لوتس في الوقت الذي كانت فيه النزاعات القانونية تشتت انتباه مطوري فيزي كالك، وفتح فيه ظهور أجهزة آي بي إم الشخصية فرصة لظهور برنامج جداول بيانات أفضل. وكان بإمكان برنامج لوتس ١-٢-٣ التعامل مع جداول بيانات أكبر وأضاف إمكانيات متكاملة للتخطيط والرسوم البيانية وقواعد البيانات. فاستطاع إزاحة فيزي كالك والتفوق عليه.

طُرحت أسهم شركة لوتس للاكتتاب عام ١٩٨٣. وكان كابور هو رئيس الشركة ومديرها التنفيذي من عام ١٩٨٢ حتى عام ١٩٨٦، ومديرًا لها حتى عام ١٩٨٧. وقد استحوذت شركة آي بي إم على لوتس عام ١٩٩٥ مقابل ٣٫٥ مليار دولار.

وشارك كابور في تأسيس مؤسسة إلكترونيك فرونتير فاونديشن عام ١٩٩٠، وهو الآن يترأس مؤسسة أوبن سورس أبليكيشنز فاونديشن، وهي مؤسسة غير ربحية تشجع تطوير البرمجيات مفتوحة المصدر واستخدامها.

***

ليفنجستون : كيف بدأت فكرة تأسيس شركة لوتس؟
كابور : اشتريت جهاز أبل ٢ في صيف عام ١٩٧٨ لأنني كنت قد أصبحت مهووسًا بأجهزة الكمبيوتر الشخصية وكان لا بد أن أمتلك أحدها. ولم أكن أدري ما أريد استخدامه فيه. ومن حسن الحظ أنني سرعان ما بدأت أكسب بعض النقود من العمل الاستشاري في كتابة البرامج للأفراد الذين يشترون أجهزة الكمبيوتر تلك مثل أطباء العيون الذين يريدون استخدامها في عملهم، ومحللي الاستثمار الذين يريدون فحص بيانات البورصة. وقابلت آخرين في ذلك الوقت لديهم أجهزة أبل ٢ لأن اقتناء تلك الأجهزة كان يشكل ظاهرة أشبه بالهواية. وقد أنشأ العديد منا مجموعة مستخدمين لأبل ٢ يطلق عليها «نيو إنجلند أبل تري».
وكان أحد هؤلاء إيريك روزنفيلد الذي كان طالبًا بالدراسات العليا في الموارد المالية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وأسديت له معروفًا، كان تحديًا لي أيضًا، إذ ساعدته في كتابة روتين إحصائي يعمل على أبل ٢ يمكنه استخدامه في تحليل البيانات في أطروحته. وقد أخذتْ كتابته مني يومين. وكان عليه أن يشرح لي الجوانب الرياضية، وفور أن شرحها فهمتها. وبعد ذلك أدركنا أنه إذا ما صممنا برنامجًا إحصائيًّا ورسوميًّا على أبل ٢ فقد يستفيد الآخرون. وقد أطلقنا عليه تايني ترول على اسم ترول وهو نظام للمشاركة الزمنية كنا نستخدمه في معهد ماساتشوستس.

وفي الوقت نفسه، كان دان بريكلين وبوب فرانكستون يصنعان فيزي كالك في كامبريدج أيضًا، وقد أثار اهتمام العالم بأكمله عند طرحه. فقد كان أنفع برنامج صُمم لأجهزة الكمبيوتر الشخصية في ذلك الوقت. وكان مبتكرًا للغاية. وبدأ يزيد مبيعات جهاز أبل ٢، وقد تفوق على غيره من البرامج.

وكانت شركة سوفت وير آرتس تمثل مصممي البرنامج. وتولت شركة برسونال سوفت وير، التي غيرت اسمها بعد ذلك إلى فيزي كورب، نشر البرنامج. كنت أعرف مصممي فيزي كالك لأنهما كانا يحضران اجتماعات مجموعة مستخدمي أبل ٢ التي شاركت في تأسيسها، وهناك رأيت فيزي كالك لأول مرة عام ١٩٧٩ على الأرجح.

وقد قدما لي رئيسا شركة النشر دان فيلسترا وبيتر جينينجز واقترحا عليَّ إعادة كتابة تايني ترول وتعديله حتى يطرحوه كمنتج مرافق لفيزي كالك. فقد أرادا تقديم المزيد من العروض لأن منتجهما كان مميزًا. ووافقت أنا على هذا. وكان لديَّ شريك، ولكنه على ما أظن كان قد بدأ يُدرِّس في هارفارد، وكان على أي حال مشغولًا بأشياء أخرى. وكنت أنا أدرس في كلية إدارة الأعمال؛ إذ رأيت عندما حدث هذا في نوفمبر ١٩٧٩ أنني بحاجة إلى اكتساب معرفة بعالم الأعمال لأن هذا المجال سيتحكم في مستقبل السوق.

وظننت أن بإمكاني تعديل هذا المنتج الصغير في إجازة الكريسماس حتى أتمكن من إنهاء دراستي. ورأيت أنه يمكنني أن أجني من ورائه بعض النقود وينتهي الأمر. وقد ظننت هذا لأنني كنت أجهل تمامًا الوقت الذي تستغرقه هذه الأمور. إذ لم تكن لديَّ دراية بعلوم الكمبيوتر. فقد علَّمت نفسي بنفسي، وكنت لا أزال أكتب بلغة البيسك. ولم تكن لديَّ خبرة في الإدارة، وكنت أدرس إدارة الأعمال في ذلك الوقت. في الواقع، قضيت سنوات بعد تخرجي من الجامعة أذيع الأغاني المسجلة في محطة إذاعية متخصصة في موسيقى الروك. وعملت معلمًا للتأمل المتسامي ومستشارًا للصحة النفسية في وحدة الطب النفسي في مستشفى محلي. وكان هذا مناسبًا، لأنه لم يكن لصناعة برامج أجهزة الكمبيوتر الشخصية وجود في ذلك الوقت. وكانت لا تزال في طور الهواية التي تتحول إلى عمل تجاري، ولم يكن أحد يأخذها على محمل الجد، لذا لم أكن غير مؤهل بمقاييس ذلك الوقت.

ولكني أخطأت في تقدير الوقت الذي يستغرقه تنفيذ تلك المهمة. وقد ألهمني برنامج فيزي كالك — الذي كان يفوق بكثير أي شيء يمكنني تصميمه — أن أؤدي المهمة على أكمل وجه. ولكني قررت أن أحاول القيام بشيء مميز. وهنا واجهت اختيارًا صعبًا لأن الدراسة كانت على وشك البدء مرة أخرى. فأخذت إذنًا بالغياب من الكلية للانتهاء من ذلك المنتج.

ثم في ربيع عام ١٩٨٠، ظننت أنني انتهيت ولكني لم أكن قد انتهيت بالفعل. ولم أكن أدري معنى الانتهاء في عالم البرمجيات. وكان لديَّ تقريبًا نسخة ألفا من المنتج، وبها بعض السمات التي يمكن عرضها في عرض توضيحي. وقررت أن أعيد كتابة تايني ترول بالكامل كي يكون أفضل، وأمنحه واجهة مستخدم جديدة تمامًا، وأشياء من هذا القبيل. وبناءً على سوء فهم معنى الانتهاء من عمل ما في عالم البرمجيات، قلت للناشر: «أريد الذهاب إلى كاليفورنيا — حيث توجد شركتهم — وأريد أن أعمل لديكم مديرًا للمنتج الجديد. أستطيع الانتهاء من المهمة في وقت فراغي. وقد أوشكت على الانتهاء بالفعل.»

ربما تسألين: ما السبب وراء رغبتي في الذهاب إلى هناك والعمل مديرًا للمنتج لدى الناشر؟ هناك عدة أسباب. السبب الرئيسي أنني أصبحت أدرك أن الفرصة الكبرى من الناحية الاقتصادية تكمن في امتلاك أسهم في شركة ناشئة، وكانت تلك إحدى طرق القيام بهذا. فوقعت عقدًا خاصًّا بالمعدل الذي أحصل عليه من العائدات — مثل العقد الخاص بالكتب — ووافقوا عليه. لذا انتقلت إلى كاليفورنيا دون الانتهاء من برنامجي.

وهكذا انتقلت من كتابة تايني ترول وإعادة كتابته، وقد أطلق عليه في النهاية فيزي بلوت، إلى العمل كمدير منتج للعديد من نسخ فيزي كالك، وليس النسخة الأصلية الخاصة بأبل ٢ ولكن النسخ الأخرى. وقد عملت لحساب الناشر، برسونال سوفت وير، مع العاملين بشركة سوفت وير آرتس. ووقعت عدة أحداث. فمر على وجودي في كاليفورنيا ستة أشهر، ولم يكن لديَّ وقت للانتهاء من المنتجات التي كنت مكلفًا بها. ولكن أعجبتني جدًّا فكرة الوجود في وادي السليكون وتعلمت الكثير.

وقبل أن أصل مباشرة كانت برسونال سوفت وير قد حصلت على تمويل من شركة رءوس أموال مخاطرة، وعندما وصلتُ وظفوا المزيد من الإداريين. فقد أحضرت الشركة صاحبة رأس المال المخاطر المزيد من أعضاء الإدارة العليا من شركات كبرى مثل إنتل، ونحَّوني أنا جانبًا. ولاحظت أنهم بدءُوا يهمشون صلاحياتي ونفوذي، وهو ما لم يرُقْ لي، ولم أرَ أن العمل يسير بمستوى النزاهة الذي يتفق مع معاييري. إلى جانب أننا في الواقع لم نتمم قط عملية مبادلة معدل العائدات مقابل الأسهم. لذا فقد قلت: «سأنتهي من المنتج الذي وعدت بالانتهاء منه. وسأُلغي الاتفاق السابق.» فعدت إلى بوسطن وانتهيت من المنتج أخيرًا. وقد استغرق هذا ستة أشهر أخرى.

طُرح المنتج في أوائل عام ١٩٨١. وبدأ يدر عائدات ضخمة على الفور، وكانت العائدات ضخمة مقارنة بحجم المنتج. فكانت عائداته تصل إلى ١٠٠ ألف دولار في الشهر، ولم تكن لديَّ أي نفقات، ومن ثَم كان هذا مبلغًا كبيرًا بالنسبة لي.

وفجأة، ظهرت لي اختيارات للخطوة التالية. ففي أثناء تطوير فيزي بلوت، توصلت إلى بعض الاستنتاجات. وكان هناك عامل آخر: ففي خضم كل هذا ساعدت العاملين في برنامج فيزي كالك في ابتكار طريقة لتبادل البيانات بين فيزي كالك وفيزي بلوت. وكان ذلك مهمًّا لأنه قدَّم وسيلة لصنع رسوم بيانية من بيانات جداول البيانات، وهو ما كان يعد من أهم فوائده.

كان قد ابتكر بوب فرانكستون ما يسمى بتنسيق تبادل البيانات، وكان فيزي بلوت من أول تطبيقات البرامج الأخرى التي تدعمه. وقد عملت مع بوب على هذا، لكن كان هو بالطبع من يتولى الدور الأساسي بالدرجة الأولى. ولكن مع أنه كانت هناك طريقة لنقل البيانات بين البرنامجين، فقد كانت معقدة ومزعجة. فلم تكن هناك محركات صلبة آنذاك. وكان كل شيء مخزنًا على الأقراص المرنة التي كانت سعتها محدودة. هذا بالإضافة إلى أن فيزي كالك كان له قرص مرن محمي ضد النسخ لمنع عمليات القرصنة. ومن ثَم إذا أردت صنع رسم بياني عليك أن تحملي فيزي كالك، وتُعدِّي جدول البيانات الذي تريدينه، ثم تحفظين ملفًا بهذا التنسيق الخاص لتبادل البيانات على محرك الأقراص المرنة الثاني؛ إذ كان من الضروري أن يكون هناك محرك ثانٍ لأنه لا يمكنك حفظه على المحرك الأول. ثم كان عليك أن تخرجي من فيزي كالك تمامًا ثم تقومي بتشغيل فيزي بلوت وتقرئي الملف وحينها سيمكنك الحصول على رسم بياني. وإذا أردت الاطلاع على رسم بياني آخر، ولم تحفظي البيانات، فعليك أن تعيدي العملية بأكملها من البداية.

وتوصلت إلى عدة طرق لجعل هذه العملية أقل تعقيدًا وإزعاجًا، ومن بينها وضع البرنامجين على قرص واحد. وناقشت هذه المسألة مع مطوري فيزي كالك في شركة سوفت وير آرتس، ولكنهم لم يُبدوا أدنى اهتمام بها. وفي الحقيقة، ناقشت عدة أفكار مع الناشر في أوقات مختلفة عن جمع البرنامجين ولكنهم لم يتحمسوا لها أيضًا.

لماذا لم يتحمسوا لها؟ لقد كان مصمما فيزي كالك يتمتعان بمستوى عالٍ من المعرفة التقنية وتلقيا مجموعة كبيرة من البرامج التدريبية في مجال علوم الكمبيوتر. فكانا على دراية بما يقومان به ولديهما منتج متميز. في حين لم يكن لديَّ شهادات أو معرفة متخصصة؛ أي أنني لم أكن، على أفضل تقدير، إلا ناشئًا مقارنة بهما. ومن ثَم لا أعتقد أنهم رأوا أنني حقًّا ندٌّ لهما. وفي نظري كان الناشر أسوأ من حيث إن الشركة كانت مقتنعة اقتناعًا تامًّا أنهم يعرفون كيف يحولون هذا العمل إلى كيان كبير، وهذا بين أصحاب رأس المال المخاطر ومن استعانوا بهم. وعندما كنت أعمل مديرًا للمنتج، كانوا يعتبرونني مصدرًا للإزعاج؛ باعتباري شخصًا هامشيًّا بدون خبرة أو شهادات متخصصة. وأظن أنني كنت فعلًا هكذا.

لذا لم يتحمسوا لتنفيذ مزيد من المشروعات معي. وكانوا يحاولون التوصل إلى طريقة للتخلص مني تقنيًّا. وقد استغللت أنا هذه الحقيقة. لم يرُقْ لي هذا ولكن هذا ما فعلته. كان معدل العائدات الذي يحصل عليه فيزي كالك وأحصل أنا عليه مرتفعًا للغاية. فكان المعدل الذي أحصل عليه ٣٣ بالمائة من هامش الربح. وكانت نسبة فيزي كالك أعلى؛ إذ كانت تبلغ ٣٥٫٧ بالمائة. وفي ذلك الوقت كانت العقود قد أُبرمت، ولم يكن الجانب الاقتصادي للشركة — التي كانت شركة جديدة لحزم برامج الكمبيوتر الشخصي — مفهومًا بما يكفي لإدراك أن ذلك القرار كان غير مبرر. ولكن سرعان ما أصبح هذا واضحًا لأن المؤلفين كانوا يحصلون على مبالغ هائلة، ولكن الناشر كان هو من يتحمل نفقات الدعم — فهذا يقع ضمن مسئولياته — وجميع نفقات التسويق والمبيعات. وأي شخص على دراية بعالم الأعمال يفهم أن معدلات العائدات تنخفض بسرعة.

وفي ذلك الوقت كانت هذه هي رؤيتي للموقف: كان لديَّ منتج قوي، ليس من الطراز الأول ولكنه يدر لي أرباحًا. ويتمتع بمعدل عائدات عالٍ على نحو غير مبرر. لم أعد أعمل لدى الناشر، ولكني أعرف كيف يفكرون ولا أرتاح للعمل معهم. وأعلم أنهم لا يريدون العمل معي. لذا رأيت أن أفضل ما أفعله هو أن أجعلهم يشترون نصيبي. وهكذا يتمكنون من السيطرة على الكود وإيقاف العائدات، وأنطلق أنا لتنفيذ خطوتي التالية أيًّا كانت. ورأيت أن هذا في مصلحة الجميع. وهذا ما حدث بالفعل. فقد اشتروا نصيبي مقابل مليون ومائتي ألف دولار، وهكذا ربحت مبلغًا ضخمًا. فلم يكن دخلي السنوي يزيد عن ١٤ ألف دولار، فقد أخبرتك عن المهن التي عملت بها. وكان علينا أن نسدد الضرائب، كما كان لديَّ شريك ولكني حصلت في النهاية على ٦٠٠ ألف دولار وقسمتهما إلى قسمين. (سأخبرك عن هذا بعد قليل.)

كانت مسألة عدم المنافسة هي المسألة المحورية. فقد كنت أفكر في خطوتي التالية، وفي الحقيقة وظفت جوناثان ساكس الذي صمم ونفذ النسخة الأصلية من لوتس ١-٢-٣. وكانت لدينا الفكرة الأساسية في أذهاننا ألا وهي برنامج جداول بيانات ورسوم بيانية متكامل به سمات أخرى. وقد اشترت الشركة نصيبي بعد ٦ أشهر من بداية عملنا، أي في نوفمبر ١٩٨١، وكان ساكس قد بدأ في صيف العام نفسه. لم يكن لدينا أي كود. وكنا نفكر في عدد من الأفكار المختلفة. وكان الوقت لا يزال مبكرًا للغاية، ولكنني أدركت أنني أريد أن تكون لديَّ القدرة على تنفيذ هذه المهمة.

وكنت أعلم أيضًا أن الناشر لن يشتري إذا لم يحصل على تعهد قوي بعدم المنافسة. ولكن تذكَّري أن البرنامج الذي صممته كان برنامجًا إحصائيًّا ورسوميًّا وليس جداول بيانات، واقترحت أن يضيفوا استثناء في عقد الشراء يمنحني حق تنفيذ برنامج حاسبة رسومي متكامل، وأنا أعلق آمالي على أن حماسهم لإتمام الصفقة سيجعلهم يمرون على هذا الشرط مرور الكرام ويقولون: «إن هذا المشروع طموح للغاية. لذا لا نعتقد أنه سيستطيع تحقيقه. إن هذا العقد يحقق لنا مرادنا، ولذا سنوقع العقد كي نتم الصفقة وينتهي الأمر.» فأخبرتهم بما أنوي القيام به، مستغلًّا فكرة أنهم لن يأخذوني على محمل الجد؛ لأنني كنت متأكدًا من ذلك. وهذا ما حدث بالفعل.

ويوضح ذلك أنه لا ينبغي أن نستهين بالآخرين. ولا أن نحكم على الناس بِناءً على المظاهر هكذا.
ليفنجستون : وبعد أن أصبحت حرًّا ولا تقع على عاتقك أي التزامات، ما أول الخطوات التي اتخذتها؟
كابور : كان جوناثان من القليلين الذين نفذوا جداول بيانات من قبل. وكانت هذه هي الطريقة التي تعرفت من خلالها عليه. ولكنه ارتكب خطأ الاشتراك في عمل مع متخصصين في التكنولوجيا بدون وجود لمن لهم دراية بعالم الأعمال. فكان يعمل بشركة داتا جنرال وكان أول برنامج جداول بيانات نفذوه لجهاز كمبيوتر داتا جنرال الصغير. ولم يحظَ بفرصة جيدة في السوق.
وبعد ذلك كان ساكس وشريكه يقولان في نفسيهما: «ما الخطوة التالية؟ لقد فشل هذا.» ولا أذكر بالضبط كيف التقيت بساكس بالصدفة، ولكني أقنعته بالعمل معي في مشروعي الصغير. وتذكَّري أنني كانت لديَّ نقود العائدات. وكانت لديَّ أيضًا بعض الأفكار، وكانت لديه بعض الأفكار أيضًا، فنجحنا.

وكنت مقتنعًا تمامًا أن فيزي كالك يسيطر على السوق حتى إنني أقنعت نفسي أننا سننفذ شيئًا يختلف جوهريًّا عن برامج جداول البيانات. وبالطبع ما نفذناه كان في الأساس برنامج جداول بيانات، ولكن خداع النفس الذي لجأت إليه لم يكن مضرًّا بدرجة تجعله قاتلًا. ولكن كان هناك حافز قوي كي نطلق عليه برنامجًا متكاملًا، وأن نضيف له إمكانيات أخرى، وأن نضيف فيه بعض الميزات المختلفة.

وجاء الحدث المثير عندما أعلنت شركة آي بي إم ميلاد الكمبيوتر الشخصي الخاص بها في أغسطس ١٩٨١. وقد كان ذلك الجهاز مهمًّا في تاريخ أجهزة الكمبيوتر الشخصية لأنه أجاز المجال بأكمله، وذلك بفضل رخصة آي بي إم. وحتى ذلك الوقت كانت شركات أجهزة الكمبيوتر الشخصية هي أبل وتاندي وكومودور. وكانت شركة آي بي إم هي أول شركة كمبيوتر «حقيقية» تطرح جهاز كمبيوتر شخصيًّا وتجيز استخدامه في سوق العمل. ولم يفُتْني هذا.

ولهذا قررنا أن نعلق آمالنا على تصميم برنامج لهذا الكمبيوتر الشخصي وهو ما ثبت أنه أحد أسباب نجاحنا. فقد قررت الشركة الاستعانة بعدد من العناصر الأساسية من الخارج، وصولًا إلى التوزيع. فبدلًا من بيعه عبر منافذ البيع الخاصة بهم، كانوا يبيعونه عبر متاجر بيع بالتجزئة مثل كمبيوتر-لاند وسيرز، وقد كانت آنذاك فكرة جديدة للغاية. وقد اشتروا المعالج الدقيق من شركة إنتل، واشتروا نظام التشغيل الأساسي من مايكروسوفت. وقد لمست في ذلك ما يتمتعون به من ذكاء. فهم يدركون أنهم غير ملمين بهذا المجال، لذا فهم مستعدون للاستعانة بأفضل المتخصصين. فلم يفرطوا في الاستسلام لمشاعر الاعتزاز بالنفس، وهذه هي الطريقة التي تؤدي للنجاح. ووضعوا أيضًا رقاقة ١٦ بت في الجهاز بها ذاكرة سعتها أكبر. وكانت سعة الذاكرة من المشكلات الكبيرة.

كانت مساحة ذاكرة أبل ٢ تبلغ ٦٤ كيلوبايت، وليس ميجابايت. أي كانت صغيرة للغاية. ولم تكن كل هذه المساحة متاحة. ففي الواقع إذا كتبت برامج على جهاز أبل ٢، تكون المساحة المتاحة ٤٨ كيلوبايت. أي إن البرامج كانت صغيرة وبيانات المستخدم صغيرة وكان المستخدمون ينشئون جداول بيانات تتجاوز سعة الذاكرة. وكان هذا هو أحد نقاط القصور الأساسية التي تشوب أبل ٢، لأن معالجه الدقيق كانت سرعته ٨ بت. أما جهاز آي بي إم، فكان يستخدم معالجًا دقيقًا سرعته ١٦ بت، فرأيت أن هذا من شأنه أن يتيح للمستخدمين إنشاء جداول بيانات أكبر. وكانت مساحة ذاكرة هذا الكمبيوتر عند طرحه ٦٤٠ كيلوبايت، أي عشرة أضعاف سعة ذاكرة أبل ٢. فقلت في نفسي: «آي بي إم تقدم معالجًا أسرع — ١٦ بت — ومساحة ذاكرة أكبر. فيجب أن نضعه نصب عيوننا. ويجب أن نصمم منتجًا يعمل بأقصى كفاءة ليناسبه.»

وهكذا طُرح كمبيوتر آي بي إم الشخصي في الأول من أغسطس ١٩٨١، وعليه نسخة من فيزي كالك، ونسخة من برنامج مالتي بلان، وهو برنامج جداول البيانات من مايكروسوفت، ولكن لم يستغل أي منهما إمكانيات هذا الجهاز بالكامل. ونظرًا لأنهم كانوا يقعون تحت ضغط هائل لطرح المنتج في الأسواق، فقد أخذوا الكود المخصص لمعالجات إنتل/زيلوج ٠٨٠٨/زد٨٠ وهو كود ٨ بت، وأدخلوا عليه بعض التحسينات القليلة. أي إن برنامج فيزي كالك على جهاز آي بي إم الشخصي كان لا يزال يعمل على ذاكرة مساحتها ٦٤ كيلوبايت. فمع أنه تتوفر مساحة ٦٤٠ كيلوبايت، ولكن لا يمكن للمستخدم استغلالها في برنامج جداول البيانات، فكانت كما لو أنها غير موجودة. فرأيت أن ذلك يمثل فرصة حقيقية لنا.

بالإضافة إلى هذا، كان هناك عامل آخر: بما أنني كنت أعرف جميع العاملين بالشركتين، فقد كنت أعرف أن سوفت وير آرتس وبرسونال سوفت وير تتنازعان على معدل العائدات. وكنت واثقًا أنهما تعانيان تشتت الانتباه، ولا تتعاونان، وعلمت أيضًا أن شركة برسونال سوفت وير كانت توظف مطوريها الخاصين بها. شعرت بالذنب من فكرة طرح منتج سيكون منافسًا لفيزي كالك، لذا بذلت قصارى جهدي لأن أتظاهر بيني وبين نفسي أنه لن يكون منافسًا له. وفي النهاية أقنعت نفسي أنني في حقيقة الأمر لم أوجد هذه الفرصة، بل هم من فعلوا ذلك. فلو كانوا يركزون على عملهم، كنت سأضطر للعمل في شيء آخر لأن الفرصة لم تكن ستصبح متاحة لي للعمل في هذا المجال. ولكني رأيت فراغًا في السوق ورأيت أننا يجب أن نصمم شيئًا يتيح للمستخدم إمكانية إنشاء جداول بيانات أكبر، ويكون أسرع ويستغل جميع إمكانيات كمبيوتر آي بي إم الشخصي، ويتضمن رسومًا بيانية، فيكون بإمكان المستخدم الحصول على رسم بياني بضغطة زر — لأنني كنت أعرف أن المستخدمين يريدون هذا — ويكون له واجهة مستخدم أفضل للمستخدمين غير المحترفين — التي صممناها بالفعل — ويسمح أيضًا للمستخدم بالتخصيص والبرمجة، وهو ما نفذناه في لغة الماكرو. أي إنه كانت هناك مجموعة من الأفكار التي منحت لوتس ١-٢-٣ طابعه الذي جعله منتجًا متطورًا، يتميز باختلافات واضحة يلاحظها الجميع على الفور عند تشغيله في عرض تجريبي، وهو ما أعطاه فرصته لدخول السوق.

وقد ساعدنا أيضًا أننا كنا في المكان المناسب في الوقت المناسب. وكان عالم الأعمال مستعدًّا للتحول إلى استخدام أجهزة الكمبيوتر الشخصية. فقد كانت أسعارها معقولة وتحتوي على إمكانية مفيدة، وهي برنامج لوتس ١-٢-٣. وهكذا اتسعت السوق اتساعًا هائلًا، بأسرع بكثير مما كان أي منا يتخيل.
ليفنجستون : وعندما عرضته بشكل تجريبي، أكانت هناك أجزاء كنت متأكدًا أنها ستثير انبهار المشاهدين؟
كابور : نعم، أظن سمة الحصول على رسم بياني بالضغط على زر واحد على وجه الخصوص، وسرعة الحساب. لقد نال برنامج فيزي كالك إعجاب مستخدميه، ولكنهم كانوا يريدون المزيد من الإمكانيات. لكنه لم يقدم لهم هذه الإمكانيات الإضافية. وعندما أوضحنا أن برنامجنا ينفذ هذه الأشياء، كانوا يبدون إعجابهم ويشترونه. وقد كان المشاهدون دائمًا يصفقون أثناء العروض التجريبية.
وكان هذا الأمر برمته جديدًا آنذاك، بأسلوب ذكرنا بالأيام الأولى لنت سكيب، فقد كانت تلك المرة الأولى التي يشاهد فيها المستخدمون متصفح ويب ومحتوى ويب، وأول مرة شاهد الناس فيها موقع أمازون. وها نحن وجدنا أنفسنا في الموقف نفسه في الثمانينيات من القرن الماضي.
ليفنجستون : قرأت أنك قضيت عشرة أشهر في برمجته. أبرمجته أنت؟
كابور : كلا، ساكس هو من برمجه. لقد كتب كود النسخة الأصلية بالكامل تقريبًا. وقد طرحناه في يناير ١٩٨٣. وبدأ العمل لإنجاز قاعدة ذلك الكود على الأرجح في أكتوبر ١٩٨١، أي إن الأمر استغرق من ١٤ إلى ١٥ شهرًا. والكود بأكمله كُتب في لغة تجميع من أجل السرعة. وكانت تلك هي المرة الخامسة التي ينفذ فيها برنامجًا لجداول البيانات، لذا فقد كان يجيد ذلك إجادةً كبيرة في ذلك الوقت.
ليفنجستون : ألم يُكتب فيزي كالك بلغة تجميع أيضًا؟ فلمَ كان لوتس أسرع؟
كابور : لأنهم كانوا يكتبون برنامجًا لجهاز سرعته ٨ بت، ولم يستفيدوا من معمارية ١٦ بت في عدد من النواحي المختلفة. لقد كان برنامجنا له كود أكثر تطورًا. كما كان يحتوي على خوازمية إعادة حساب مختلفة. فقد كان برنامجنا أول برنامج لجداول البيانات يقوم بما يطلق عليه «الترتيب الطبيعي لإعادة الحساب». فإذا كان جدول البيانات يحتوي على مراجع أمامية، كان فيزي كالك يأخذ دورات متعددة حول البرنامج كله لإجراء العملية الحسابية، ولكننا صممنا دورة واحدة تشمل سلسلة الصيغة بالكامل، وما دام أنه لا توجد مراجع دائرية، سيتم الحساب على الوجه الأكمل. لهذا كان أسرع بكثير لحالات محددة.
ليفنجستون : هل أعددتم الكود بحيث يتلاءم مع جهاز آي بي إم؟
كابور : أعددناه بحيث يتناسب مع معمارية معالج إنتل ٨٠٨ إكس ذي ١٦ بت. وكان ساكس عبقريًّا في هذا أيضًا. لقد كان فنانًا في قمة تألقه رغم قلة الموارد. لم أكن أعلم مدى براعته، فقد حالفني الحظ. كنت أعلم أنه بارع، ولكنه أثبت أنه عبقري في هذا المجال. لقد كنا نحن الاثنين معًا كالمعادلة ١ + ١ = ٣ لأنني كانت لديَّ رؤية عن المنتج، وأفكار قوية للغاية عن مجموعة السمات وواجهة المستخدم، وكان هو بوجه عام على استعداد لتركي أتولى زمام الأمور على هذا المستوى. لقد كان هو المسئول عن التصميم والتنفيذ التقني، وكنت أنا إلى حد ما ملمًّا بالأمور التقنية، لذا كنت أتحدث معه كي أتمكن من فهم مجموعة من المشكلات وأوجه القصور وتعديل التصميم بطريقة تتوافق مع ما يمكننا أن ننفذه في الواقع. ومن ثَم فقد كنا نحن الاثنين نشترك في مساحة معرفية مهمة لم تكن تقتصر على أحدنا دون الآخر.
ليفنجستون : ما الذي لم يَسِرْ على ما يرام؟
كابور : هناك عدة أشياء في الواقع لم تسر على ما يرام، أو كادت. كنت أوشكت على الإفلاس. فلم يكن برنامج لوتس ١-٢-٣ الفكرة الوحيدة التي ننفذها. فقد نفذت برنامجًا قبل ذلك مع أشخاص آخرين اسمه إجزيكيوتيف بريفنج سيستم لجهاز أبل ٢ وكان يعتبر إلى حد ما سلفًا لبرنامج باور بوينت. وكنا ننفذ بعض المشروعات الأخرى. وكنت قد وظفت مجموعة أخرى من الموظفين وأنفقت الثلاثمائة ألف دولار التي خصصتها. وكان المبلغ قد أوشك على النفاد قبل أن نقترب حتى من إنتاج المنتج، بسبب انشغالنا في تنفيذ أكثر من شيء، دون أن يسبق لنا القيام بذلك.
كان لديَّ ٦٠٠ ألف دولار بعد الضرائب وسداد نقود شريكي، فقسمتها إلى قسمين. أخذت نصفها وقررت شراء منزل. وكان سعره ٨٩ ألف دولار، وكان أرخص منزل في كامبريدج عام ١٩٨١. ورأيت أنني أستطيع العيش بمبلغ ٤٠ ألف دولار لخمس سنوات على الأقل. ومن ثَم تبقى لديَّ الثلاثمائة ألف دولار الأخرى التي كانت رأس مالي الأساسي، ولكنها كانت قد أوشكت على النفاد.

وقد حالفني الحظ عندما قرر بن روزن في شركة سيفين روزن الاستثمار في مشروعنا. وكان صاحب شركة رءوس الأموال المخاطرة الوحيد الذي حاولتُ إقناعه بالمشروع (فلم أكن أفهم شيئًا عن رأس المال المخاطر). وكان هذا من حسن الحظ، لأنه بدونه لا أعرف ماذا كنا سنفعل.

جاءت معظم أخطائي بعد أن أطلقنا المنتج، وليس قبل ذلك، أي بعد أن بدأنا طرحه في يناير ١٩٨٣. فلم تكن لديَّ خبرة كافية في بناء المؤسسات أو بناء فرق العمل الإدارية. وقد أبليت بلاءً حسنًا بالبديهة عندما كنت أقود الفريق بأكمله، ولكن ما إن تخطى عدد الموظفين ٢٥ موظفًا، لم أعد أستطيع فعل ذلك. ومن ثَم ارتكبت سلسلة من الأخطاء التقليدية في التوظيف. فمثلًا لم أوفق في تكوين هيكل جيد للإدارة الوسطى. ولم أختر مجلس إدارة يساعدني في بناء الشركة. وارتكبت أخطاءً فادحة في اختيار من يخلفني في الإدارة، وأخطاء فادحة في عدم وضوح استراتيجية المنتج — فقد كنت أكثر اهتمامًا بأن يكون لديَّ منتجات متميزة مبتكرة وأحدد ما يصلح لخطوط الإنتاج لمصلحة الشركة ككل — وأخطاء فادحة في التوسع أسرع مما ينبغي والافتقار إلى نظام نرتكز عليه فيما نفعله. وفي النهاية أمنح نفسي درجة متوسطة أو أقل من هذا كتقدير عام لأدائي.
ليفنجستون : لقد وصل عدد موظفي شركتكم إلى ألف موظف قبل طرح أسهم الشركة للاكتتاب. فهل كنت تعرف أنكم ستطرحون أسهم الشركة للاكتتاب عندما أسستم الشركة؟
كابور : لم أعلم متى سيحدث هذا، ولكن هذا ما تعلمته من الفترة التي قضيتها في وادي السليكون. وإحقاقًا للحق، فقد كنت مدفوعًا برغبتي في تصنيع منتج رائع. ومنذ اليوم الأول تقريبًا أدركت أنني كنت متحمسًا للتطبيقات نفسها، وأردت أن تكون متكاملة وأسهل في الاستخدام وقوية. فأردت أن تساعد على زيادة قدرة المستخدمين على الإنتاج وكان هذا يهمني كثيرًا. والدافع الآخر هو أنني أردت الاستقلال المادي. فقد كانت لديَّ رغبة جامحة في ألَّا أعتمد على الآخرين أو أضطر إلى الحصول على وظيفة. لقد أردت أن أكون أنا المتحكم في مجريات الأمور. ثم علمت أنه إذ تحقق طرح أولي عام، فستتوافر لديَّ سيولة نقدية وأحقق أرباحًا هائلة.
ولهذا فقد أصررت على إصدار طرح أولي عام مبكرًا، وقد نفذنا هذا بنجاح. ولكن ذلك تسبب في نشوب كل المشكلات المعتادة. وكانت المشكلة الأساسية التي واجهتنا، عندما كنا شركة مساهمة صغيرة، هي أن الناس لم تكن تفهم المجال أو آليات عمله، ولهذا دائمًا كانوا يُقدرون الأسهم بأقل من قيمتها الحقيقية ويسيئون فهم مجال عمل الشركة. ويعود ذلك لأن المجال كان جديدًا ومختلفًا. وفي آخر الأمر، بدأ الناس يفهمون، ولكني كنت أتعجل الأمور.

لم يكن هدفي بناء شركة كبيرة. لقد أردت في الحقيقة أن أكون مصمم برامج. ورأيت أن امتلاك شركة ليس بالضبط شرًّا لا مفر منه، ولكن لم أجد بديلًا مناسبًا. وقد أقنعتني خبرتي أن عملي بتأليف البرامج وتكليف جهة أخرى بنشرها لن يمنحني سيطرة كافية على العملية. وفي هوليوود، سرعان ما فهم أنجح المخرجين، أمثال ستيفن سبيلبيرج، أنهم يجب أن يكونوا منتجين أيضًا وأن تكون لهم استوديوهات خاصة كي يظلوا ممسكين بزمام الأمور. ولا يختلف هذا عن ذاك.

وقد تخلل ذلك بعض الأمور الطريفة الأخرى. ففي الستينيات من القرن العشرين، عندما بلغت سن الشباب، لم أكن مهتمًّا بعالم التجارة. فقد كنا جميعًا من المتمردين على الثقافة السائدة؛ نطيل شعرنا ونقيم علاقات جنسية ونتعاطى المخدرات ونرقص على موسيقى الروك آند رول. هكذا كانت أجواء ستينيات القرن الماضي، ولديَّ صور عن هذه الفترة تثبت هذا. فأنا لا أذكر أيًّا من هذا، ولكن — على حد قول أحدهم — إذا كنت تتذكرين الستينيات، فإنك لم تعاصريها. ولكن اتضح أنني أتمتع بموهبة في تأسيس الشركات. ولا عجب في ذلك، فقد كان أبي من صغار رجال الأعمال، وكذلك كان جدي، فعلى ما يبدو أن الأمر يسري في دماء العائلة. ولكن أظن أنه كان بداخلي بعض التحامل الثقافي الذي يمنعني من رؤية هذه الموهبة أو تقديرها، وقد استغرق الأمر مني بعض الوقت لأتغلب عليه. وهكذا بينما كانت شركة لوتس تبدأ عملها، كنت أعتبرها وسيلة لإنتاج منتج رائع. فلم أكن أريد قط امتلاك شركة كبيرة.
ليفنجستون : عندما تجري بحثًا عن شركة لوتس تظهر كلمة «مبتكر» كثيرًا. فهل حرصت على بذل جهد كي يكون المناخ مناسبًا للابتكار والإبداع في الوقت الذي كان فيه المبرمجون يُتهمون بثقل الظل والافتقار إلى القدرة الإبداعية؟
كابور : نعم. لقد كنت شديد الاهتمام بالمنتجات المتميزة، وأظن أن هذا كان مصدر الإبداع. لقد كنت أتمتع بخبرات سابقة غير تقليدية على الإطلاق ولم أهتم قط ببناء ثقافة عمل متحفظة. ولم أكن أيضًا مهندسًا خبيرًا. وهذا النوع من الشركات يميل إلى أن يعكس شخصيات مؤسسيها واهتماماتهم. فمايكروسوفت تعكس كثيرًا صورة بيل جيتس، وأبل تعكس شخصية ستيف جوبز، وبورلاند تعكس شخصية فيليب كان. أما نحن فكنا نميل إلى أن نتميز بقدر أكبر من الإبداع والابتكار.
أما الأمر الآخر الذي حرصت عليه من البداية فهو خلق بيئة عمل تقوم على حسن معاملة الموظفين. ففي شركة سوفت وير آرتس، شعروا أنني أعاني مشكلات في طريقة التعامل. فأنا لم أكن أحترم السلطة. فقد كنت أرى أن من يديرون هذه الشركة أغبياء ولا يعبئون بآرائي ولا يروق لي عملي معهم، ولا أحب أن أتلقى أوامر من أحد. وكان ذلك الأسلوب نتاج خليط من نفاذ البصيرة الحاد ومشاعر المراهقة التي ظلت تلازمني لوقت طويل للغاية. لذا عندما وجدت نفسي فجأة أدير شركة برمجيات ناجحة تحقق نسبة نمو مرتفعة، اجتذبتني فكرة أن أجعلها الشركة التي كنت أتمنى العمل بها وأن أسعى لتكون مختلفة عن كل تلك الأماكن الأخرى.

وكان هناك من يشاركني ذلك الإحساس من بعض العناصر المهمة من العاملين وأظن أنني على الأرجح عينتهم جميعًا. وهكذا طبقنا مجموعة كبيرة من الأفكار الجديدة في ثقافة الشركة. واستثمرنا الكثير في أعمال الموارد البشرية. وكنا نستطلع آراء الموظفين بصفة سنوية عن المشكلات الخاصة بظروف العمل، وكنا نأخذ ما نسمعه على محمل الجد. وكان لدينا بيان بمبادئ الشركة الذي لم يكن حبرًا على ورق فقط. بل إننا حرصنا في مرحلة معينة على ربط جزء من علاوات المديرين بمدى تطبيقهم لمبادئ الشركة في رأي مرءوسيهم. وحرصت أن يدخل كل مدير بالشركة إلى خطوط خدمة العملاء والاستماع إلى العملاء، بصرف النظر عن الوظائف التي كانوا يؤدونها.

عندما كنت أتولى إدارة لوتس، لم يرفع أحد ضدنا قط قضية تمييز في المعاملة بين الموظفين، وكنا نطبق مجموعة كبيرة من الأساليب المختلفة البديلة لتسوية النزاعات وإدارة الخلافات، عن طريق قسم مسئول عن العلاقات بين الموظفين. ثم شكلنا لجنة معنية بالتنوع وكان من بين أعضائها مثليو الجنس من الجنسين، وكان هذا عام ١٩٨٤. وكنا أول شركة راعية لمسيرة لمكافحة الإيدز. كما شكَّلنا لجنة للأعمال الخيرية، كان الموظفون فيها هم من يقررون الجهات التي تُوجه إليها النقود، بحيث لا تقتصر على المشاريع المفضلة لدى كبار المديرين. لذا ففي نظر كثير من الموظفين كان أهم وأكثر ما يذكرونه عن لوتس هي أنها أفضل مكان عملوا به على الإطلاق.

ويبقى أن أضيف أنه نظرًا لأنني فقدت السيطرة على الشركة — فقد أذهلني ما صنعته، ولم أعرف كيف أصبح أهلًا له، وأسيطر عليه وأوظف الأشخاص المناسبين وأكون متعاونًا — فقد انتهى بي الحال بالاستقالة فجأة والرحيل مبكرًا عام ١٩٨٧. ولم يكن خلفي، الذي أسأت أنا اختياره، يشاركني الرؤية أو المبادئ نفسها فهدم معظم ما بنيناه. لذا فقد كانت تجربة ذات جوانب إيجابية وأخرى سلبية. ولكنها لم تدم طويلًا. وقد تعلمت من هذا أيضًا.
ليفنجستون : أتذكر أي شيء آخر فاجأك؟
كابور : أوه، كل شيء تقريبًا. لم أتوقع أن أجد نفسي في هذا الموقف. لم أتوقع ذلك أبدًا. لقد فاجأني نجاحي بشدة، وصدمني، لا سيما حجم النجاح الذي حققته. لقد حقق برنامج فيزي بلوت النجاح وربحت من ورائه، ولكني لم يخطر ببالي مدى التوسع الذي سيصل إليه هذا المجال، والنمو الذي سنصل إليه نحن.
كانت خطة العمل الأصلية تهدف إلى تحقيق مبيعات قدرها ٣ أو ٤ ملايين دولار. وفي النهاية، في عام ١٩٨٣ بلغت المبيعات ٥٣ مليون دولار. أي إن خطأ التنبؤ كان بنسبة ١٧٠٠ بالمائة. ثم تضاعفت المبيعات ثلاثة أضعاف العام التالي ووصلت إلى ١٥٠ مليون دولار. لم أكن مستعدًّا على الإطلاق لحجم النجاح ومعدل النمو هذين. وكان سيكون ضربًا من الجنون أن نقول إن الشركة ستصل إلى هذا الحجم بهذه السرعة. فذلك يتطلب أن يكون المرء ممن يطلعون على الغيب، وأنا لست كذلك.

فما كان يشغل جل تفكيري آنذاك هو أن نحافظ على ما وصلنا إليه وألَّا نفسده. وكنت قلقًا من إمكانية أن ينهار كل شيء بالسرعة نفسها التي نجحنا بها. لذا، كنت أشعر بخوف هائل. في داخلي. وكنت في الوقت نفسه سعيدًا. وغير مستعد. وأصبحت من الشخصيات المعروفة إلى حد ما في بوسطن؛ إذ كان الناس يتعرفون عليَّ في المطاعم، وكان هذا غريبًا. وبدأ الناس حولي يتصرفون بطريقة مختلفة، لأنه عندما يكون هناك من يتمتع بالسلطة أو بموارد متميزة، يتصرف معه الناس بأسلوب غريب لأنهم يعكسون أوهامهم على الشخص أو يبدءُون في التحدث إليه بالطريقة التي يظنون أنها ستعجبه. فإذا رأيت الناس حول سيرجي برين ولاري بيج في شركة جوجل، تجدين أنه أمر مسلٍّ للغاية، ولكن أن تكوني أنتِ الطرف المتلقي … لم أكن مستعدًّا أبدًا لهذا، ولم أكن أريد ذلك. أعني، لقد راق لي أن أكون محط انتباه الكثيرين، ولكن من الصعب أن يعتاد المرء على ذلك، وكثيرًا ما كنت أشعر بعدم الارتياح الشديد.

وظهرت سلسلة من تحديات المبادئ في إدارة الشركة التي لم أكن مستعدًّا لها وتسببت في الكثير من المشكلات.
ليفنجستون : هلا حدثتنا عن إحداها؟
كابور : رفعت شركة لوتس دعاوى قضائية على بعض الشركات الأخرى التي كانت تقلد شكل برنامجنا ووظائفه. ولم يحدث ذلك أثناء رئاستي للشركة. إذ كنت في مرحلة انتقالية قبل رحيلي من الشركة. ولكني كنت ما أزال في مجلس الإدارة عندما أجرينا تصويتًا لرفع القضيتين الأوليين، وقد صوَّت لصالح رفع القضية من باب الولاء للشركة، وهو القرار الذي ندمت عليه اليوم التالي، وما زلت أندم عليه منذ ذلك الوقت؛ لأنني شعرت أنه استخدام غير لائق لقانون حقوق النشر والتأليف لمنع آخرين من تصميم منتج يبدو ويعمل بالطريقة نفسها إذا ما صنعوه وحدهم.
وكنت حقًّا في حيرة من أمري بشأن كيفية معالجة المسألة، وكان صافي قيمة الأصول الخاصة بي بالكامل في الشركة، لذا كنت في مأزِق. لقد كانت الأحداث كثيرة ومتلاحقة أكثر مما ينبغي، ولم يتَحْ لنا الكثير من الوقت لنصل لدرجة النضج كما لم يكن هناك إرشاد كافٍ. ولم يكن هناك من هم أكبر مني، أو من مروا بهذه التجارب ويؤمنون بالمبادئ نفسها كي أتعلم منهم.
ليفنجستون : من هم المرشدون الذين استعنت بهم؟
كابور : بن روزن لفترة ما في بعض الجوانب، لكنه باع أسهمه واستعاد نقوده وترك العمل معنا وبدأ العمل في مشاريع أخرى. بالإضافة إلى أنه لم يكن رجل أعمال بل كان محلل استثمار. ومن ثَم فقد كان هناك بعض الأشخاص الذين استفدنا منهم إلى حد ما، ولكن ليس إلى الحد الذي كنت أتمناه أو بالدرجة المتاحة اليوم.
وأنا أحاول اليوم أن أرد ما عليَّ، وأساعد الآخرين في اختياراتهم. كما أنني صرت اليوم أكثر تفهمًا للمبادئ التي أومن بها، وقد التزمت بها لفترة ليست بالقصيرة. وأظن أن فكرة القيام بالعمل مهما كان الثمن فكرة خاطئة. كما أن هناك أشياء معينة ينبغي الحرص على تجنب القيام بها، وأرى أن التصرف بنزاهة واستقامة في العمل يعد من المسلمات. فأنا لا أتنازل عن مثل هذه المبادئ. فعندما يتمسك المرء بهذا النوع من المبادئ، يجب أن يكون حذرًا في اختيار المشروعات التي ينفذها، لأنه عندما ينفذ مشروعًا ويتمسك بهذه القيم، سيمر بصراع داخلي شديد ولن يعرف كيف يتصرف.
ليفنجستون : ما النصيحة التي تسديها لمن يريدون تأسيس شركة؟
كابور : هذا يعتمد على نوع النصيحة التي يريدونها. فلا يمكنك إخبار الآخرين بما لا يودون سماعه؛ لأنهم في هذه الحالة لن يلقوا له بالًا، ولن تكون النصيحة سوى مضيعة للجهد. فكل شخص يبدأ عمله بجدول أعمال خاص به.
أحب العمل مع رواد أعمال يسيرون على هدى مجموعة متوافقة من المبادئ، ولديهم رؤية تلهمهم، متحمسين لاستخدام تكنولوجيا مختلفة، ويعتزمون صنع شيء له قيمة للناس بطريقة تغير حياتهم. فهذا هو ما يروق لي. ولكن لما كان كل مشروع يختلف عن غيره، يصبح لزامًا مراعاة تخصيص النصيحة وفقًا للمشروع.

ولكن أهم شيء من وجهة نظري هو أنني لا أريد العمل مع شخص يطلب مني مساعدته في تحقيق المزيد من النجاح لمشروعه. فأنا أود العمل مع رواد أعمال متحمسين وملتزمين ويؤمنون بما يفعلون. ولا تتوافر كل تلك المواصفات في جميع رواد الأعمال. فالبعض قد يكتفي ببيع التونة المحفوظة ويسعد بهذا — أولئك الذين يسعون وراء أي فرصة لجني بعض الربح. فهل تظنين أن مارك كوبان كان يهتم حقًّا بما يفعلونه في شبكة برودكاست دوت كوم؟ أنا لا أنتقده كرجل أعمال — بل أسجل وجهة نظري — ولكن لا أظن أنه كان متحمسًا حقًّا لذلك المشروع. كل ما في الأمر أن هناك فرصة أتيحت له، فاستغلها هو وصمم شيئًا وباعه وباع أسهمه وحصل على نقوده في الوقت المناسب.
ليفنجستون : عندما كنت تُطور برنامج لوتس ١-٢-٣، كنت دائمًا تستخدم كودًا عاملًا. ألم يكن هذا تطويرًا متزايدًا جاء قبل وقته بوقت طويل؟
كابور : بلي. أظن أنني وساكس كنا نتفق على الرأي نفسه بهذا الشأن. فقد توصلنا إلى عدة أشياء في وقت مبكر أصبحت بعد ذلك من البديهيات. ولست واثقًا من أننا كنا أذكى من كل من حولنا بهذا القدر. لكننا كنا نتمتع بالذكاء المطلوب وجئنا في الوقت المناسب في المكان المناسب. ولهذا يتضح على الفور أن التطوير على الجهاز المستهدف، ووجود كود يعمل ينطويان على فوائد هائلة. والسبب في أن ذلك لم يكن واضحًا هو أن قدرة الأجهزة كانت تكاد تكفي لتنفيذ عملية التطوير عليها.
في المعتاد، النظم التي يجري استخدامها في التطوير يمكن أن تستهلك قوى حاسوبية أكبر بكثير مما يمكن أن تحتاج إليه في منصة التسليم، وهذا هو المبرر لعدم القيام بالتطوير على المنصة المستهدفة. ولكن كانت هناك عيوب مقابلة لأن هذا الأسلوب كان يميل إلى إنتاج كود متضخم — وليس مثالي الأداء — إذا كنت تستخدمين برنامجًا مترجمًا أو مجمعًا يكتب أكوادًا على كمبيوتر لكمبيوتر آخر. وكان تحسين الكود بحيث يتناسب مع الموارد المحدودة هو بيت القصيد عندما نكون بصدد التعامل مع جهاز سرعته ٦٤ كيلوبايت. لذا ما كان يصلح في عالم أجهزة الكمبيوتر الصغيرة — من التقنيات وأفضل الممارسات — لم يصلح مع أجهزة الكمبيوتر الدقيقة. ولا ينبغي لي أن أقول هذا لأن ساكس جاء من عالم أجهزة الكمبيوتر الصغيرة، ولذا هذا غير صحيح. ولكن الكثير من الأمور التي تعتبر من قبيل البديهيات لم تكن صحيحة، وهذا ما أزعج الكثيرين. فهم لا يمعنون النظر في الأمور بدءًا من المبادئ الأولى.

وكان ساكس هو من يحرص دائمًا على أن يكون هناك كود يعمل، لأن هذا مجال خبرته وكان ذلك أمرًا إيجابيًّا، ورأيت هذا وأكدت على أنه من الضروري أن نقوم بذلك، وذلك قبل ظهور البرمجة القصوى بكثير.
ليفنجستون : هل جاء عليك وقت فكرت في الانسحاب؟
كابور : بعد أن طرحنا البرنامج وبدا أن المشروع يخرج عن السيطرة، نعم. فالمرحلة الرائعة كانت من نقطة البداية وحتى عام ١٩٨٤. إذ استبد بي القلق تجاه كل شيء وكنت أتساءل: كيف ستسير الأمور، وماذا سيحدث؟
وقتها كدت أنسحب من العمل تقريبًا. وحصلنا على جولة ثانية من رأس المال المخاطر، التي على ما أظن ما كنا سنحتاج إليها إذا كنت أكثر خبرة بعالم الأعمال. فكان بإمكاننا اقتراض النقود. إذ كنا نحصل على أرباح كبيرة بسرعة. فلو كنت أقل نفورًا من المجازفة … ولكن هذه قصة أخرى.

وصلنا إلى مرحلة جلسة توقيع العقد للجولة الثانية، وكان يعمل لحسابهم محامٍ داهية، ولم يكن محامينا بارعًا مثله، وظهرت شروط مجحفة في اللحظة الأخيرة، فنهضت وقلت: «إنني لن أفعل ذلك. ليس عليَّ فعل ذلك اليوم. فلا يوجد ما يجبرني على ذلك، وأنا غير موافق على ذلك. وسأرحل.» وعندئذٍ تراجعوا تمامًا عن شروطهم المجحفة.

وظللت غاضبًا من هذا لوقت طويل. فكان من المفترض أن يكون هؤلاء هم المستثمرين الذين نتعاون معهم، وكان من المفترض أن يكونوا في صفنا، ولكنهم كانوا عدائيين للغاية وعلى أتم استعداد لاستغلالنا. وكانوا يرون أن ذلك لا غبار عليه على الإطلاق. وأنا لا أحب الدخول في صراعات، فأنا بطبعي أميل إلى تجنبها، ويتطلب الأمر حدوث أمر جلل حتى آخذ موقفًا. وفي هذه المناسبة، كنت بالفعل سأنهض وأعود إلى منزلي، وأرفض توقيع العقد حقًّا.
ليفنجستون : ألم تكن تخدعهم؟
كابور : نعم، لم أكن أخدعهم. لقد كنت على استعداد لتحمل أي شيء: نفاد النقود أو الحصول على تمويل من أي مكان آخر. وكان موقفي يتلخص في أن هذه ليست الطريقة الصحيحة للعمل. ولا أهتم إذا ما كانت هذه هي الطريقة التي يدار بها العمل في العالم، فهي خاطئة. هذه هي الطريقة التي يدار بها العمل في معظم عالم الأعمال، ولكن في بعض الأحيان يتحتم على المرء الاعتراض وإعلان أن هذا لن يحدث وهو يتولى القيادة، ليس في شركته وليس بهذه الطريقة.
وقد نشبت بعض المشكلات الصغيرة، على ما أعتقد، مثل عدم وصول مخالصات بلو سكاي من بعض الولايات، وطلبوا مني أن أتحمل أنا المسئولية. فلم يكن المستثمر يريد أن يخاطر. وكان ذلك سخيفًا. فهم لا يقدمون على ذلك إلا لأنهم واثقون من إمكانية الإفلات بفعلتهم، لأنهم هم أصحاب رأس المال وأنت تحتاجين إلى ما لديهم من مال؛ إذن «تبًّا لك.» (أرجو أن تظهر تلك العبارة الأخيرة في الكتاب.)

وهذا ظلم بيِّن، ولكن الحقيقة هي أنه عندما يعقد أصحاب رءوس الأموال المخاطرة صفقاتهم وينهون توقيع المستندات، يستغلون رواد الأعمال الذين لم يمروا بهذه التجربة من قبل. إذ يتعمدون وضع شروط لمصلحتهم بطريقة لا يمكن تبريرها لأنها تستغل جهل أصحاب الشركات. وهذا ليس أسلوبًا نزيهًا لإنجاز العمل. ويحاول بعض أصحاب رءوس الأموال المخاطرة تبرير هذا بالقول إن هذا هو الأسلوب المتعارف عليه في إتمام الصفقات. ولكن يؤسفني القول إنهم مخطئون. لماذا تظنين إذن أن شركات رأس المال المخاطر توصف بأنها «شركات رأس المال الجشع»؟ إن ذلك لا يأتي من فراغ، فيجب ألا تسير الأمور على هذا المنوال.
ليفنجستون : هل حاولت أن تغير هذا عندما انضممت إلى شركة أكسيل بارتنرز؟
كابور : نعم. وعَوْدٌ على بدء أقول إن هناك تناقضات متأصلة في عمل شركات رءوس الأموال المخاطرة لأن هناك جوانب مهمة لما تقوم به هذه الشركات، وفي ذلك أكسيل، تتعاون فيها مع رواد الأعمال، وهناك جوانب أخرى ليست كذلك. وكنت أظن أن أكسيل تختلف أكثر مما استنتجت في نهاية الأمر. ولا أظن أنهم كانوا أسوأ من الآخرين. فهناك أعراف وعادات فيها نظر تؤثر على شركات معينة. لذا فإنني أنصح الناس قائلًا: «عليكم بالحرص على الإلمام بما تسعون إليه. فهذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور.»
لو أن شركات رءوس الأموال المخاطرة كانت أكثر وضوحًا وأعلنت كل شيء، ستتاح فرصة الاختيار الأفضل أمام رواد الأعمال. ولن يضطروا إلى تغيير الشروط، بل كل ما هو مطلوب منهم هو الإفصاح عنها وشرح ما تعنيه والتبعات المتوقع حدوثها. ولكنهم لا يقومون بأي من ذلك. فهم يرون المسألة على أنها مفاوضات يكون فيها امتلاك معلومات لا يمتلكها الجانب الآخر ميزة. وهي تعطي ميزة حقًّا من حيث المفاوضات في حد ذاتها، ولكن في حالة السعي لتكوين شراكة حقيقية تنطوي على تعاملات متكررة وتحجبين معلومات مهمة في التعامل الأول والأهم، فإنك بهذا تقوضين التعاون على المدى الطويل.

لماذا يجب عليهم الثقة بك؟ فأفعالهم تشي بأنك ستعملين لمصلحتك الشخصية على حسابهم إذا زاد ما تعرفينه عما يعرفونه بخصوص شيء معين، ولا تشعرين أن هناك ما يلزمك بمشاركة المعلومات. وهذا ليس تعاونًا على الإطلاق. ولكن هذا هو ما يحدث.

أتعلمين لماذا يتصرف أصحاب شركات رءوس الأموال المخاطرة بهذه الطريقة؟ ليس لأنهم أناس سيئون، ولكن بسبب الشركاء الموصين. من هم هؤلاء الشركاء الموصون؟ المؤسسات الكبرى مثل جامعة هارفارد وجامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا في بيركلي. لذا إذا أردت توضيح سلسلة المسئوليات، فعندما يكف هؤلاء عن قياس الأداء بناءً على أرقام العائدات فحسب، يمكن أن تتغير الأمور، لأنهم سيغيرون دوافعهم.
ليفنجستون : ما الذي تنصح رواد الأعمال بأن يحرصوا على فهمه قبل مقابلة صاحب شركة رءوس أموال مخاطرة؟
كابور : سأحاول أن أشرح كيف تسير الأمور. تتوافر المزيد من الخيارات الآن أمامهم، مثل رءوس الأموال التي يقدمها أفراد مستثمرون مقابل الحصول على حق ملكية. وهناك الكثير من الخيارات الأقل تكلفة في تنفيذها الآن. وأصبح بإمكان المرء تخطي حدود بطاقته الائتمانية أكثر من ذي قبل. وأريد من رواد الأعمال اتخاذ خيارات واعية عندما يتعلق الأمر بالحصول على تمويل. وأريدهم أن يفهموا تأثيرات وتبعات خيارات التمويل المختلفة.
ليفنجستون : هذا بالإضافة إلى أن الكثير من الناس لا يحتاجون إلى هذا القدر الكبير من النقود لتأسيس شركتهم.
كابور : ويمكن أيضًا تأسيس مشاريع جيدة بمبلغ يصل إلى ١٠٠ أو ٢٠٠ ألف دولار، وهذا متاح بشروط مختلفة.
ليفنجستون : أسبق لك القيام بشيء تهدف منه إلى إثارة إعجاب المستثمرين أكثر؟
كابور : لا أجيد الحيل على الإطلاق. ولهذا السبب لا ألعب بوكر. ولكني فعلت شيئًا واحدًا في هذا الإطار. فعندما كنا نحاول الحصول على تمويل، لم أسمع ردًّا من أصحاب شركة رءوس الأموال المخاطرة (بن روزن وإل جيه سيفين) لمدة طويلة، فشعرت بالقلق. ثم اتصل بي إل جيه سيفين (وهو من تكساس) وقال لي: «لقد جئت إلى بوسطن يا ميتش. ماذا لو تناولنا العشاء معًا الليلة؟»
فحجزت لنا في أرقى مطعم فرنسي في بوسطن وهرعت إلى المنزل لأغير البنطال الجينز الذي كنت أرتديه وأرتدي حُلة، وذهبنا للعشاء. وطلبت زجاجة نبيذ باهظة الثمن؛ إذ كنت أعلم أنه هو الذي سيدفع، وهكذا اتخذت ترتيبات تنم عن جدية الأمر وتمنيت أن يكون هو الآخر بنفس الجدية. ولم أكن أعبأ بالمطعم الفرنسي والثياب الرسمية الأنيقة والنبيذ باهظ الثمن. ثم ظل يتبادل أطراف الحديث معنا ونحن نتناول المقبلات. فقلت بيني وبين نفسي إنه إذا لم يدخل إلى صلب الموضوع ونحن نتناول الطبق الرئيسي فسأسأله مباشرة عما إذا كانوا ينوون تمويل شركتنا أم لا. لأنني كنت متأكدًا أن النقود نفدت منا. وأخيرًا بعد أن انتهينا من تناول المقبلات — وبعد ٤٥ دقيقة تقريبًا بدت لي دهرًا — قال: «يا ميتش، أنا وبن نود الاستثمار في شركتكم. كم تعتقد أنكم تحتاجون؟» فسقطت الشوكة من يدي كما يحدث في أفلام الكارتون.
ليفنجستون : وكم أخبرته؟
كابور : أظن أنني أخبرته أننا سنحتاج على الأرجح من ٢ إلى ٣ ملايين دولار. فلم نكن نملك شيئًا وقتها. كان لدينا برنامج جداول بيانات تحت التطوير في مراحله الأولى ولم يكن هناك سوانا أنا وجون ساكس. وهكذا كان هذا هو أضخم رقم شعرت أنني يمكن أن أطلبه دون أن يبدو طلبي سخيفًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤